Translate

الخميس، 15 يونيو 2023

ج3.أصول الفقه لابن مفلح التخصيص

ج3.أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص

قصر العام على بعض أجزائه.

ولعله مراد من قالوا: "مسمياته" (1)؛ فإِن مُسَمَّى العام جميع ما يصلح له اللفظ لا بعضه.

وعند أبي الحسين (2) المعتزلي: "إِخراج بعض ما يتناوله الخطاب عن الخطاب"، لشموله -بتقدير (3) وجود المخصص- جميع الأفراد في نفسه، والمخصِّص أخرج بعضها عنه.

وقيل (4): "أراد ما يتناوله بتقدير عدم المخصص، نحو قولهم: خص العام (5) ". فيرد -إِذًا- دور لا جواب عنه.

وعند الآمدي (6): تعريف أن العموم للخصوص.

فيرد الدور؛ لأنهما لمعنى واحد.

أجيب: المراد في الحد التخصيص لغة أُخِذ في حَدِّه اصطلاحا، والله أعلم.

* * *

ويطلق "التخصيص" على قصر لفظ غير عام على بعض مسماه، كما يطلق "عام" على لفظ غير عام كـ "عشرة" و"المسلمين" (7) للعهد، زاد

__________

(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 87.

(2) قالوا في المعتمد/ 251 - 252: التخصيص إِخراج بعض ما تناوله الخطاب مع كونه مقارنا له.

(3) في (ب): بتقديره.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 87.

(5) ولا شك أن ما خص ليس بعام، لكن المراد به كونه عاما لولا تخصيصه.

(6) قالوا في الإِحكام 2/ 282: تعريف أن المراد باللفظ الموضوع للعموم حقيقة إِنما هو للخصوص.

(7) نهاية 257 من (ح).

(3/880)

بعضهم (1): "وضمائر الجمع (2)؛ لأنها لا تدل بنفسها"، وليس كذلك كما سبق (3)؛ لأنها متابعة للمظهر.

* * *

ولا تخصيص إِلا فيما يصح توكيده بـ "كل" وهو: ما له شمول حسا -نحو: جاءني القوم- أو حكماً نحو: اشتريت العبد.

* * *

قالوا ابن عقيل (4): التخصيص والنسخ في الحقيقة إِنما يتناول أفعالنا الواقعة في الأزمان والأعيان فقط، والفقهاء والمتكلمون أكثروا القول بأن النسخ يتناول الأزمان فقط (5)، والتخصيص يتناول الجميع (6)، وإِنما يستعمله المحصلون (7) تجوزًا (8).

__________

(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 87.

(2) في (ب): الجميع.

(3) في ص 767.

(4) انظر: الواضح 1/ 49 ب.

(5) دون الأعيان.

(6) يعني: الأعيان والأزمان والأحوال.

(7) في (ح): المحصولون.

(8) قال: وهذا إِنما يستعمله المحصلون لعلم هذا الباب على سبيل التجوز والاتساع؛ لأن الأزمان والأعيان -باتفاق- ليست من أفعال العباد ومقدوراتهم ولا مما يدخل تحت تكاليف، وإذا كان كذلك وجب أن يتناول النسخ على الحقيقة رفع فعل في بعض=

(3/881)

مسألة

التخصيص جائز عند الأئمة الأربعة وغيرهم، خلافًا لبعض الشافعية وبعض الأصوليين في الخبر، وعن بعضهم: وفي الأمر.

لنا: استعمال الكتاب والسنة.

قالوا: يوهم (1) في الخبر الكذب، وفي الأمر (2) البداء (3).

رد: بالمنع.

قالوا: كنسخ الخبر.

وأجاب أبو الخطاب (4) وابن عقيل (5) والآمدي (6): بالمنع (7).

ثم: التخصيص يبين المراد باللفظ، والنسخ رفع.

__________

=الأزمان دون رفع الزمان، وكذلك فإِنما يدخل التخصيص في إِسقاط فعل في بعض الأعيان.

(1) نهاية 123 أمن (ب).

(2) نهاية 90 أمن (ظ).

(3) في لسان العرب 18/ 70 - 71: بدا لي بَداء: أي تغير رأيي عما كان عليه. ويقال: بدالي من أمرك بداء، أي: ظهر لي ... والبداء: استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم.

(4) انظر: التمهيد/ 64 ب.

(5) انظر: الواضح 2/ 114 أ.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 283.

(7) بل يجوز نسخ الخبر، كالوعيد: يجوز نسخه بالعفو.

(3/882)

مسألة

يجوز تخصيص العام إِلى أن يبقى واحد عند أصحابنا، قال الحلواني (1): "هو قول الجماعة"، قالوا ابن برهان (2): هو المذهب المنصور.

ومنع أبو بكر الرازي الحنفي والقفال (3) والغزالي (4) النقص من أقل الجمع، واختاره بعض أصحابنا (5)، قالوا أبو المعالي (6): "جمهور الفقهاء أن صيغ الجمع نصوص في الأقل لا تقبل تأويلا، ظاهرة فيما عداه تقبل تأويلا"، ثم: في مسألة "أقل الجمع" (7) اختار الأول.

واختار القاضي في الكفاية (8) -في جميع صيغ العموم-: لا بد أن يبقى كثرة وإن لم تُقَدَّر (9)، وصححه بعض أصحابنا (10)، وحكاه عن أبي

__________

(1) انظر: المسودة/ 116 - 117.

(2) انظر: المرجع السابق/ 117.

(3) انظر: اللمع/ 18.

(4) انظر: المستصفى 2/ 91.

(5) انظر: المسودة/ 117.

(6) انظر: البرهان/ 321، والمسودة/ 117.

(7) انظر: البرهان/ 351 - 354.

(8) انظر: المسودة/ 117.

(9) قالوا: إِلا أن تستعمل في الواحد على سبيل التعظيم.

(10) انظر: المرجع السابق.

(3/883)

الحسين (1) المعتزلي (2) وصاحب المحصول (3)، وحكاه ابن برهان (4) عن أكثر المعتزلة.

وذكر الآمدي (5) عن أبي الحسين: كثرة تقرب من مدلول اللفظ، وأن إِليه ميل أبي المعالي وأكثر أصحابهم. واختاره بعض أصحابنا.

وجه الأول: لو امتنع لكان: لأنه مجاز، أو لاستعماله في غير موضوعه، فيمتنع تخصيصه مطلقًا.

واعترض: المنع لعدم استعماله فيه لغة.

وجوابه: بالمنع، ثم: لا فرق.

وأيضًا: أكرم الناس إِلا الجهال (6).

واعترض: خص بالاستثناء (7).

وجوابه: المعروف التسوية (8)، ثم: لا فرق.

__________

(1) انظر: المعتمد/ 254.

(2) نهاية 258 من (ح).

(3) انظر: المحصول 1/ 3 / 16.

(4) انظر: المسودة/ 117.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 283 - 284.

(6) يجوز وإن كان العام واحدًا اتفاقا.

(7) وفرق بينه وبين غيره.

(8) في الجواز.

(3/884)

واستدل: بقوله: (الذين قالوا لهم الناس) (1)، وأريد (2): نعيم بن مسعود.

رد: ليس بعام؛ لأنه لمعهود.

واستدل: بقوله: (وإنا له لحافظون) (3).

أجيب: أطلق الجمع عليه للتعظيم، ومحل النزاع في الإِخراج منه.

واستدل (4): يجوز: "أكلت الخبز وشربت الماء" لأقل.

رد: المراد بعض مطابق لمعهود ذهني (5).

القائل بأقل الجمع: ما سبق (6) فيه (7).

__________

(1) سورة آل عمران: آية 173.

(2) قاله مجاهد ومقاتل وعكرمة والكلبي وغيرهم. انظر: زاد المسير 1/ 504، والاستيعاب/ 1508، وتفسير القرطبي 4/ 279، وفتح القدير 1/ 400.

وقيل: المراد بـ (الناس) ركب لقيهم أبو سفيان، فضمن لهم ضمانا لتخويف النبي وأصحابه. قاله ابن عباس وابن إِسحاق.

وقيل: إِنهم المنافقون، لما رأوا النبي يتجهز نهوا المسلمين عن الخروج، وقالوا: إِن أتيتموهم في ديارهم لم يرجع منكم أحد. وهذا قول السدي. انظر: زاد المسير 1/ 504 - 505، وتفسير القرطبي 4/ 279 - 280.

(3) سورة الحجر: آية 9.

(4) نهاية 123 ب من (ب).

(5) فليس محل النزاع.

(6) في ص 777 وما بعدها.

(7) كأنه جعله فرعا لكون الجمع حقيقة في الثلاثة أو في الاثنين.

(3/885)

رد: ليس الجمع بعام ليطلق العام على ما يطلق عليه (1).

القائل بالكثرة: لو قال: "قتلت كل من في البلد" أو: "أكلت كل رمانة " أو: "من دخل فأكرمه" -وفسره بثلاثة- عُدّ قبيحا لغة.

أجاب الآمدي (2): بالمنع مع قرينة (3)؛ بدليل ما سبق من إِرادة نعيم بن مسعود بـ (الناس)، وصحة: أكلت الخبز.

وأجاب في التمهيد (4): يلزم الاستثناء (5)؛ قبيح (6) لغة، ويجوز عند الخصم. وبأنه قد يقول ذلك وإن أكل قليلاً كقول مريض: "أكلت اللحم" يريد: قليلاً (7). وفي هذا الموضع يقول الخصم: "المراد أكل الجنس"، فلا يلزمه.

* * *

المخصِّص: المُخْرِج، وهو إِرادة المتكلم، ويطلق على ما دل عليها مجازًا.

* * *

__________

(1) فالكلام في أقل مرتبة يخصص إِليها العام، لا في أقل مرتبة يطلق عليها الجمع.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 285.

(3) فليس قبيحا.

(4) انظر: التمهيد/ 64 ب.

(5) يعني: لو قال -مثلاً-: له علي ألف إِلا تسعمائة وتسعين.

(6) غيرت في (ب) و (ظ) إِلى: فيه.

(7) نهاية 259 من (ح).

(3/886)

وهو: متصل، ومنفصل.

وخصه بعض أصحابنا بالمنفصل، وقال: هو اصطلاح كثير من الأصوليين (1)؛ لأن الاتصال منعه العموم، فلم يدل إِلا متصلاً، فلا يسمى عاما مخصوصًا، وقال أيضًا: لا يدخل في التخصيص المطلق (2).

وفي التمهيد (3): العموم بدون ذلك ليس حقيقة ولا مجازًا، بل المجموع الحقيقة؛ لأن المتكلم أراد البعض بالمجموع. واحتج بهذا على أنه لا يصح الاستثناء من غير الجنس.

وفي الروضة (4) -في كلامه على الشرط- معنى ذلك.

* * *

والمتصل: الاستثناء المتصل، والشرط، والصفة، والغاية.

وزاد بعضهم (5): بدل (6) البعض.

وقد قيل: المُبْدل في حكم المطَّرح (7).

__________

(1) نهاية 90 ب من (ظ).

(2) (المطلق) صفة لـ (التخصيص).

(3) انظر: التمهيد/ 59 أ.

(4) انظر: روضة الناظر/ 259.

(5) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 88.

(6) في (ظ): وبدل.

(7) فلا يعم ولا يخص.

(3/887)

مسألة

لا يصح الاستثناء من غير الجنس عند أحمد (1) وأصحابه وزفر (2) ومحمد (3)، وذكره الآمدي (4) عن الأكثر، وذكر التميمي (5): أن أصحاب أحمد اختلفوا فيه.

وعن أحمد: يصح نقد من آخر، ففي روضة الفقه لبعض أصحابنا: بناء على أنهما جنس أو جنسان (6)، وفي العدة (7) والواضح (8): لأنهما كالجنس في أشياء (9)، وفي المغني (10): يمكن حملها على ما إِذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر، أو يُعلم قدره منه.

وقال بعض أصحابنا: يلزم منها صحة نوع من آخر، وقال أبو الخطاب (11): صحة استثناء ثوب وغيره.

__________

(1) انظر: العدة/ 673، والمسودة/ 156.

(2) انظر: بدائع الصنائع/ 4565.

(3) انظر: أصول السرخسي 2/ 44، وكشف الأسرار 3/ 136، والهداية 3/ 184.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 291.

(5) هو: أبو محمَّد التميمي.

(6) نهاية 124أمن (ب).

(7) انظر: العدة/ 677 - 678.

(8) انظر: الواضح 2/ 148أ.

(9) مثل: كونهما قيم الأشياء والأروش ونحو ذلك.

(10) و (11) انظر: المغني 5/ 114.

(3/888)

وقاله المالكية (1) وابن الباقلاني (2) وجماعة (3) من المتكلمين والنحاة (4).

وللشافعية (5) كالقولين.

قالوا ابن برهان (6): (7) عدم صحته قول عامة أصحابنا والفقهاء قاطبة وهو المنصور. وحكاه جماعة (8) عن أبي حنيفة، والأشهر عنه (9): صحته في مكيل أو موزون من أحدهما فقط.

وجه الأول: أن الاستثناء صرف اللفظ بحرفه (10) عما يقتضيه لولاه، أو إِخراج؛ لأنه مأخوذ من الثني (11) من قولهم: ثنيت فلانا عن رأيه، وثنيت

__________

(1) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 241.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 291.

(3) نهاية 260 من (ح).

(4) انظر: شرح الرضي على الكافية 1/ 224، والإِحكام للآمدي 2/ 291.

(5) انظر: اللمع/ 23، والتبصرة/ 165، والمستصفى 2/ 166، والمحصول 1/ 3/ 43، والإِحكام للآمدي 2/ 291.

(6) انظر: الوصول لابن برهان/ 129، والمسودة/ 156.

(7) في (ب) و (ظ): قال ابن برهان: قول عدم صحته قول ... إِلخ.

(8) انظر: روضة الناظر/ 253، والبلبل/ 111.

(9) انظر: أصول السرخسي 2/ 44، وكشف الأسرار 3/ 136، والهداية 3/ 184.

(10) يعني: بحرف الاستثناء.

(11) في (ظ): الشيء.

(3/889)

عنان دابتي.

ولأن الاستثناء إِنما يصح لتعلقه بالأول، لعدم استقلاله، وإِلا لصح كل شيء من كل شيء؛ لاشتراكهما في معنى عام.

ولأنه لو قال: "جاء الناس إِلا الكلاب أو إِلا الحمير" عُدّ قبيحًا لغة وعرفا.

ورد الأول: بأنه (1) محل النزاع، وبأنه مشتق من التثنية كأنه ثنى الكلام به، ولا يلزم من الاشتقاق لمعنى نفي كونه حقيقة لمعنى آخر ولا الاطراد (2).

وقُبْح ما ذكر لا يمنع (3) لغة كقول الداعي: "يا رب الكلاب والحمير"، ثم: إِن امتنع من اللفظ مطابقة لا يمتنع من لازم له.

ولا يلزم استثناء كل شيء من كل شيء، لاعتبار (4) مناسبة بينهما كقول القائل: "ليس لي بنت (5) إِلا ذكر"، بخلاف قوله: إِلا أني بِعْتُ داري.

واحتج أصحابنا وغيرهم: بأنه تخصيص فلا يصح في (6) غير داخل.

__________

(1) في (ظ): لأنه.

(2) يعني: لا يلزم أن يكون كل شيء وجد فيه معنى التثنية أنه استثناء.

(3) يعني: لا يمنع الجواز لغة. وفي (ح): لا يمتنع.

(4) يعني: ما المانع أن تكون صحة الاستثناء مشروطة بمناسبة بين المستثنى والمستثنى منه؟.

(5) في (ب): بيت.

(6) في (ح): لغير.

(3/890)

وجه (1) الثاني: وقوعه، كقوله: (إِلا رمزا (2)) (3)، (أن يقتل مؤمنا إِلا خطئا) (4)، (من علم إِلا اتباع الظن) (5)، (من سلطان إِلا أن دعوتكم) (6).

وقول العرب: ما بالدار أحد إِلا الوَتَد، وما جاءني زيد إِلا عمرو.

ولأنه لو أقر (7) بمائة درهم إِلا ثوبا لَغَا على الأول، (8) مع إِمكان تصحيحه بأن معناه: "قيمة ثوب"، لا سيما إِن أراده.

ورد: أن "إِلا" في ذلك بمعنى "لكن" عند النحاة، منهم: الزجاج (9) وابن (10) قتيبة (11)، وقال: "هو قول

__________

(1) نهاية 124 ب من (ب).

(2) في (ب): زمرا.

(3) سورة آل عمران: آية 41.

(4) سورة النساء: آية 92.

(5) سورة النساء: آية 157.

(6) سورة إِبراهيم: آية 22.

(7) نهاية 91 أمن (ظ).

(8) نهاية 261 من (ح).

(9) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 97، 140.

(10) في كتابه (الجامع في النحو). انظر: العدة/ 676 - 677.

(11) هو: أبو محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أديب نحوي، ولد ببغداد سنة 213 هـ، وتوفي بها سنة 276 هـ.=

(3/891)

سيبويه" (1)، وهو استدراك، ولهذا لم يأت إِلا بعد نفي أو بعد إِثبات (2) بعده جملة.

ولا مدخل للاستدراك في إِقرار، فبطل ولو مع جملة بعده كقوله: "له مائة درهم إِلا ثوبا لي عليه"، فيصح إِقراره وتبطل دعواه، كتصريحه (3) بذلك بغير استثناء.

وفي (4) العدة والتمهيد (5): لو صح لصح إِذا أقر بثوب وأراد قيمته، زاد في التمهيد: وقد قيل يصح ذلك، لا على وجه الاستثناء، بل للفظِ المُقِرّ كمن أقر بمائة ثم فَسَّرها. كذا قالا.

والمذهب الأول أظهر؛ لسبق المتصل إِلى الفهم، وهو دليل الحقيقة (6)، لكن عند تعذره في العمل بالمنقطع نظر.

وعلى المذهب الثاني: قال قوم: مشترك؛ لأن المتصل إِخراج، والمنقطع

__________

=من مؤلفاته: تأويل مختلف الحديث، والمعارف، وأدب الكاتب.

انظر: تاريخ بغداد 10/ 170، ووفيات الأعيان 1/ 251، ومرآة الجنان 2/ 191، والنجوم الزاهرة 3/ 75، والبداية والنهاية 11/ 48.

(1) انظر: الكتاب 1/ 363، 366 - 368، وشرح الفصل 2/ 80.

(2) يعني: ولم يأت في الإثبات إِلا إِذا كان بعده جملة.

(3) في (ظ): لتصريحه.

(4) في (ب): في.

(5) انظر: التمهيد/ 59 ب.

(6) يعني: فيكون حقيقة فيه مجازا في المنقطع.

(3/892)

مخالفة، فلا اشتراك معنوي بينهما.

وقال قوم: متواطئ لتقسيم الاستثناء إِليهما، والأصل عدم الاشتراك والمجاز.

ورد: بسبق المتصل، وبتقسيم اسم الفاعل، وهو مجاز في المستقبل، وبما سبق في رد "الأمر (1) في الفعل (2) ومطلق الطلب" (3).

* * *

ثم: يعتبر لصحة المنقطع مخالفة في نفي الحكم نحو: "ما جاءني القوم إِلا حمارًا"، أو أنه (4) حكم آخر له مخالفة (5) كقول العرب: ما زاد إِلا ما نَقَص، وما نفع إِلا ما ضَرّ". قال سيبويه (6): "ما" الأولى (7) نافية، والثانية مصدرية، وفاعلهما مضمر أي: فلان، ومفعولهما محذوف أي: إلا نقصانًا ومضرة (8).

* * *

__________

(1) يعني: كون الأمر متواطئًا في الفعل ... إلخ.

(2) انظر: ص 647 من هذا الكتاب.

(3) انظر: ص 667 من هذا الكتاب.

(4) يعني: المستثنى.

(5) للمستثنى منه بوجه.

(6) انظر: الكتاب 1/ 367، وشرح المفصل 2/ 81.

(7) نهاية 125أمن (ب).

(8) نهاية 262 من (ح).

(3/893)

حد الاستثناء على التواطؤ: ما دل على مخالفة بـ "إِلا" - غير الصفة (1) أو أحد أخواتها.

وعلى المجاز والاشتراك: يجمع بينهما في حد لفظا، فيقال: المذكور بعد "إِلا" أو أحد أخواتها.

ولا يجمع بينهما معنى؛ لاختلاف الحقيقتين، فيحد المنقطع بالأول بزيادة: من غير إِخراج.

والمتصل: كلام ذو صيغ محصورة يدل على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول، ذكره القاضي (2) وابن عقيل (3) والغزالي (4).

ومرادهم: أدوات الاستثناء بأحدها، ولهذا قال القاضي (5) وابن عقيل (6): لا يرد ما اتصل بالواو؛ لأنها محصورة ليس الواو منها، فلا ينتقض طرده بالتخصيص بالشرط والوصف بـ "الذين" والغاية، كـ "أكرم بني فلان إِن دخلوا والذين وإلى (7) أن يدخلوا" و"قاموا ولم يقم زيد" مع

__________

(1) إِنما قيد (إلا) بـ (غير الصفة) ليخرج نحو: (لو كان فيهما آلهة إِلا الله لفسدتا)؛ لأنه بمعنى: غير الله، فتكون صفة لا استثناء. انظر: شرح العضد 2/ 133.

(2) انظر: العدة / 659.

(3) انظر: الواضح 2/ 137 أ.

(4) انظر: المستصفى 2/ 163.

(5) انظر: العدة/ 660.

(6) انظر: الواضح 2/ 137 أ.

(7) في (ح): أو إِلى.

(3/894)

أنه مراد (1) مع الشرط والوصف، ولا عكسه بـ "أكرمهم (2) إِلا زيدا" (3).

واختار الآمدي (4): لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه قال -على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به- بحرف "إِلا" أو أحد أخواتها. قال: ولا غبار عليه (5).

ونقض عكسه بـ "ما جاء إِلا زيد"؛ لأنه (6) لم يتصل بجملة؛ لأن "زيدًا" فاعل.

وقال بعض أصحابنا (7) وغيرهم: إِخراج بـ "إِلا" أو أحد أخواتها.

مسألة

الاستثناء إِخراج ما تناوله المستثنى منه، يبين أنه لم يُرَدْ به، كالتخصيص عند القاضي (8) وغيره.

__________

(1) يعني: هذا سبب ثان لعدم ورودهما على الطرد.

(2) في (ظ): بأكرههم.

(3) فإِنه ليس بذي صيغ. فيجاب: بأن المراد بالصيغ أدوات الاستثناء.

(4) انظر: منتهى السول له / 2/ 41، وقال في الإِحكام 2/ 287: الاستثناء عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه قال بحرف (إِلا) أو أخواتها على أن مدلوله غير مراد مما اتصل به ليس بشرط ولا صفة ولا غاية.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 288.

(6) نهاية 91 ب من (ظ).

(7) انظر: البلبل / 111.

(8) انظر: العدة/ 673 - 674.

(3/895)

وفي التمهيد (1) أيضاً: "ما لولاه لدخل في اللفظ، كالتخصيص" ومراده: كالأول، ومعناه قاله (2) صاحب الروضة (3) وغيرها، وذكره بعضهم عن أكثر العلماء.

وعند ابن الباقلاني (4): "عشرة إِلا ثلاثة" مركب لسبعة (*)، فلها اسمان: مركب، ومفرد.

ومعناه في الروضة (5) في كلامه (6) على الشرط.

وسبق (7) كلامه في التمهيد في المخصِّص.

وحكي عن الشافعي (8): إِخراج لشيء دل عليه صدر الجملة بالمعارضة، فمعنى "عشرة إِلا ثلاثة" فإِنها ليست عَلَيَّ، وعلى الأول: معناه: سبعة.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 59أ.

(2) نهاية 125 ب من (ب).

(3) انظر: روضة الناظر/ 253، 254.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 89، ومختصره 2/ 134.

(*) فالاستثناء عنده ليس تخصيصا.

(5) انظر: روضة الناظر/ 259.

(6) نهاية 263 من (ح).

(7) في ص 887.

(8) انظر: تخريج الفروع على الأصول/ 152. وقال في فواتح الرحموت 1/ 316: حكاه مشايخنا عن الشافعي. فانظر: أصول السرخسي 2/ 36، 44، وكشف الأسرار 3/ 121، 123، وتيسير التحرير 1/ 293.

(3/896)

وقيل: المراد بـ "عشرة" مجموع آحادها، ثم أخرج منها ثلاثة، وأسند بعد إِخراجه، فالمسند إِليه سبعة. فعلى هذا: قيل: يحتمل أن الاستثناء تخصيص كالمذهب الأول؛ لقصر لفظ المستثنى منه بعد الإِسناد على بعض مسماه، ويحتمل: لا، كالمذهب الثاني؛ لأنه أريد به تمام مسماه.

وجه الأول: لو أريد عشرة كاملة امتنع مثل: (فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عامًا) (1)؛ لأنه يلزم كذب أحدهما، ولم نقطع بأنه إِنما أقر بسبعة (2).

رد ذلك: بأن الصدق والكذب والحكم بالإِقرار باعتبار الإِسناد لا باعتبار العشرة، والإِسناد بعد الإِخراج.

وجه الثاني: ما سبق، وضعف أدلة غيره (3).

وجه الثالث: أن الاستثناء من النفي إِثبات وبالعكس -لما يأتي (4) - فوجب كونه معارضًا لصدر (5) الجملة في بعض.

رد: معارض بقولهم: تكلم (6) بالباقي بعد (7) الثُّنْيا (8).

__________

(1) سورة العنكبوت: آية 14.

(2) وقد قطعنا بذلك.

(3) يعني: إِذا بطل أن يكون عشرة وبطل أن يكون سبعة تعين أن يكون الجميع سبعة.

(4) انظر: ص 930.

(5) في (ظ): لمصدر.

(6) يعني: الاستثناء تكلم ... إِلخ.

(7) الثنيا: اسم من الاستثناء. انظر: لسان العرب 18/ 135، وتيسير التحرير 1/ 294.

(8) فهذا يعارض كونه من الإِثبات نفيا، ومن النفي إِثباتا.

(3/897)

وجه الأخير: ضعف ما سبق:

أما الأول: فلأنه يلزم من قال: "اشتريت الشيء إِلا نصفه" أن يريد استثناء نصفه من نصفه، ولتسلسله إِذًا، وللقطع بأن الضمير للشيء (1) البيع كاملاً، ولإِجماع النحاة (2): أنه إِخراج بعض من كل، ولإِبطال النصوص (3)، وللقطع بأنا نسقط الخارج (4)، فالمسند (5) إِليه ما بقي، ولو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي لم نعلم بالإِسقاط أن المسند إِليه ما بقي؛ لتوقف إِسقاطه على حصول خارج، ولا خارج إِذًا.

رد ذلك: أن المستثنى منه هو الجميع بحسب ظاهره، والاستثناء بين أن المراد به النصف، فجميع ذلك بحسب الظاهر، فلا منافاة.

ولا يلزم (6) (7) إِبطال نص وهو: ما لا يحتمل إِلا معنى واحداً عند عدم (8) قرينة.

__________

(1) نهاية 126 أمن (ب).

(2) انظر: شرح الرضي على الكافية 1/ 225.

(3) كله؛ إِذ ما من لفظ إلا ويمكن الاستثناء لبعض مدلوله، فيكون المراد هو الباقي، فلا يبقى نصا في الكل، ونحن نعلم أن نحو "عشرة" نص في مدلوله.

(4) يعني: نسقط الخارج من العشرة عنها.

(5) يعني: فيعلم أن المسند إِليه ما بقي.

(6) في (ظ): ويلزم.

(7) نهاية 264 من (ح).

(8) في (ظ): عام.

(3/898)

وأما ضعف الثاني: فخروجه (1) عن اللغة؛ إِذ ليس فيها كلمة واحدة مركبة من ثلاث، وأولها معرب أيضًا ولا إِضافة (2)، ولأنه يعود الضمير في "إِلا نصفه" على جزء الاسم، وهو ممتنع، ولإِجماع النحاة: أنه إِخراج (3).

مسألة

الاستثناء إِخراج ما لولاه لوجب دخوله -عند أصحابنا والأكثر- لا ما جاز دخوله، خلافاً لقوم.

واحتج أصحابنا: باللغة، وبأنه لا يصح الاستثناء من جمع منكّر كـ "اضرب رجالا إِلا زيدا" -وقال في التمهيد (4): قال: "إِلا" بمعنى "ليس" أي: ليس زيد منهم- كما لا يصح: اضرب رجلاً إِلا زيدًا.

واعترض: بـ "مَنْ دخل داري أكرمته" لا تدخل الملائكة والجن.

فأجاب القاضي (5): خرجوا بدليل؛ لعدم جواز دخولهم.

__________

(1) في (ظ): لخروجه.

(2) يعني: من غير إِضافة.

(3) نهاية 92 أمن (ظ).

(4) انظر: التمهيد/ 51 ب، 55 ب.

(5) انظر: العدة/ 500، 503، قال: لفظة (مَنْ) إذا استعملت في الاستفهام نحو: من عندك؟ صلح أن يجيب بذكر كل عاقل، فثبت أن اللفظ يتناول الجميع، وكذلك إِذا استعملت في المجازاة نحو: "من دخل داري أكرمته" صلح استثناؤهم؛ لأن الاستثناء يخرج من اللفظ ما لولاه كان داخلاً فيه، ألا تراه لما لم يتناول غير العقلاء لم يصح استثناوهم. فإِن قيل: لا نسلم أن صيغة (مَنْ) لكل من يعقل؛ لأن ممن يعقل=

(3/899)

وفي التمهيد (1): يصح، وإذا قلنا: "لا يصح" (2) فلمانع (3)؛ لأن المتكلم ما عناهم، ثم (4) يلزمهم صحة استثنائهم؛ لأنه يصلح دخولهم.

وأبطل أبو البقاء (5) النصب في: (لو كان فيهما آلهة إِلا الله) (6)؛ لأنه (7) لا يصح الاستثناء من جمع منكّر عند جماعة من المحققين (8)؛ لأنه لا يعم.

__________

=الجن والملائكة، ولا يدخلون فيه. قيل: الصيغة تناولت كل هؤلاء، وإنما خرج ذلك بدليل؛ لأنه إِنما يسأله عمن يجوز أن يكون عنده وعمن يجوز دخوله.

(1) قال في التمهيد/ 52 أ: فإِن قيل: لو كان الاستثناء لا يخرج إِلا ما لولاه لوجب دخوله تحت اللفظ لحسن أن يقول: (من دخل داري ضربته إِلا الجن والملائكة)؛ لأنهم يدخلون تحت لفظة (من). قيل: يصح.

(2) يعني: فإِنما يخرج الاستثناء ما لولاه لتناوله الكلام ولم يمنع مانع من دخوله تحته، والملائكة والجن يمنع مانع من دخولهم تحت اللفظ، وهو: علمنا أن المتكلم قبل الاستثناء لم يردهم ولا عناهم، فلم يكن في الاستثناء فائدة.

(3) في (ح): فللمانع.

(4) قال: ثم يلزمهم مثل هذا؛ لأن الاستثناء لو أخرج من الكلام ما لولاه لصلح دخوله لوجب إِذا استثنى الملائكة والجن أن يصح؛ لأن دخولهم في قوله: (من دخل داري ضربته) يصح ويصلح أن يدخلوا فيه، فكل ما يلزمنا يلزمهم.

(5) انظر: إِملاء ما من به الرحمن 2/ 132.

(6) سورة الأنبياء: آية 22.

(7) في (ب) و (ظ): الآية.

(8) نهاية 126 ب من (ب).

(3/900)

وسلّم القاضي (1) وابن عقيل (2) [أيضًا] (3) -في الجمع المنكر- صحة الاستثناء؛ لأنه قد يكون إِخراج بعضٍ من بعضٍ الذي هو أقل الجمع.

مسألة

شرط الاستثناء الاتصال لفظاً أو حكماً -كانقطاعه بتنفس أو سعال ونحوه- عند الأئمة الأربعة وغيرهم والمتكلمين.

وروى سعيد: ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن (4) عباس: أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة (5).

__________

(1) انظر: العدة/ 525، والمسودة/ 159.

(2) انظر: الواضح 2/ 94 ب.

(3) ما بين المعقوفتين من (ح).

(4) نهاية 265 من (ح).

(5) أخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 303 ... عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 48 من طريق سعيد بن منصور، وأخرجه الطبري في تفسيره 15/ 151 وفيه: قيل للأعمش: سمعته من مجاهد؟ فقال: ثني به ليث بن أبي سليم.

وقد ورد عن ابن عباس خلاف هذا، فقد أخرج الطبراني في معجمه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس -في قوله تعالى: (واذكر ربك إِذا نسيت) - قال: إِذا شئت الاستثناء فاستثن إِذا ذكرت، وهي لرسول الله، وليس لنا أن نستثني إِلا بصلة اليمين. ا. هـ. قال الزيلعي: وقد استوفينا الروايات عن ابن عباس في ذلك والكلام عليها في أحاديث الأصول. انظر: نصب الراية 3/ 303. وفي مجمع الزوائد=

(3/901)

الأعمش مدلّس (1).

ومعناه قول طاوس (2) ومجاهد.

وقال بعض المالكية (3): يصح اتصاله بالنية وانفصاله (4) لفظا فيديّن، قال الآمدي (5): ولعله مذهب ابن عباس.

وعن أحمد (6) -في الاستثناء في اليمين-: يصح منفصلاً في زمن

__________

=4/ 182: وعن ابن عباس: (واذكر ربك إِذا نسيت) الاستثناء فاستثن إِذا ذكرت. قال: هي خاصة لرسول الله، وليس لأحد أن يستثني إِلا في صلة. رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف. وانظر: المعتبر/ 54 أ-ب، وقال الزركشي فيه بعد كلام طويل: وتحصل من هذا أن إِطلاق النقل عن ابن عباس في هذه المسألة ليس بجيد لأمرين: أحدهما: أنه لم يقل ذلك في الاستثناء، وإِنما قاله في تعليق المشيئة، قال ابن جرير: ولو صح عنه فهو محمول على أن السنة أن يقول الحالف: "إن شاء الله" ولو بعد سنة، ليكون آتيا بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث لا أن يكون رافعا لحنث اليمين ومسقطا للكفارة. وثانيهما: أنه جعل ذلك من الخصائص النبوية.

(1) انظر: ميزان الاعتدال 2/ 224.

(2) انظر: المصنف لعبد الرزاق 8/ 517، والمحلى لابن حزم 8/ 408 - 409.

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 91، ومختصره 2/ 137، وشرح تنقيح الفصول/ 242، والإحكام للآمدي 2/ 289.

(4) في هامش (ب) و (ظ): أصله: وانقطاعه.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 289.

(6) انظر: العدة/ 660 - 661.

(3/902)

يسير، ولم يختلط كلامه بغيره.

وعنه (1) أيضاً: وفي المجلس، وذكره في الإِرشاد قول بعض أصحابنا، وهو عن الحسن وعطاء (2)، وفي المبهج لبعض أصحابنا: ولو تكلم.

وفي المستوعب (3) لبعض أصحابنا (4): يعتبر للاستثناء في الإِقرار الاتصال كاليمين.

وفي الواضح (5) لابن الزاغوني (6) -في الإِقرار-: إِن سكت ما يمكنه الكلام فروايتان، أصحهما: لا يصح استثناؤه، والثانية: يصح، كما لو تقارب ما بينهما، أو منع مانع. كذا قال.

وقال بعض أصحابنا (7) -عن الروايتين السابقتين في اليمين-: يجب إِجراؤهما في جميع صلات الكلام المغيرة له من تخصيص وتقييد، والأحكام تدل على ذلك كسكوته (8) في

__________

(1) انظر: العدة / 661.

(2) حكاه الحلواني، فانظر: المسودة/ 152.

(3) المستوعب: كتاب في الفقه الحنبلي - لمحمد بن عبد الله السامري الحنبلي، المتوفى سنة 616 هـ. توجد منه نسخة مخطوطة بدار الكتب الظاهرية بدمشق، برقم 2738. وقد حقق في رسائل دكتوراه -بقسم الفقه بكلية الشريعة بالرياض- لكل من: د/ مساعد الفالح، د/ فهد السنيدي، د / محمَّد الشمراني، د/ عبد الرحمن الداود.

(4) انظر: المستوعب 3/ 161 ب.

(5) الواضح: كتاب في الففه الحنبلي. ولم أعثر عليه.

(6) في (ب): لابن الزاغوي.

(7) انظر: المسودة/ 152 - 153.

(8) في (ح): لسكوته.

(3/903)

الفاتحة (1)، وهو (2) شبيه بمجلس العقود من الإِيجاب والقبول أو أقصر منه (3).

لنا: قوله - عليه السلام -: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها (4) فليكفر عن يمينه) (5). متفق عليه، احتج به أحمد والأئمة، فلو صح

__________

(1) يعني: لو سكت في أثنائها سكوتا يسيرا لم يخل بالمتابعة الواجبة، ولو طال أو فصل بأجنبي أخل.

(2) يعني: اعتبار الزمان القريب وعدم الأجنبي.

(3) لأن ارتباط كلام المتكلم الواحد بعضه ببعض إِن لم تكن موالاته أشد من موالاة كلام المتكلمين لم تكن دونه.

(4) نهاية 127 أمن (ب).

(5) أخرج البخاري في صحيحه 18/ 147 - 148، ومسلم في صحيحه/ 1273 - 1274 عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعًا: (وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأْتِ الذي هو خير وكفّر عن يمينك). وأخرج مسلم في صحيحه/ 1272 عن أبي هريرة مرفوعاً: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأْت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). وأخرجه -بمثل هذا اللفظ- النسائي في سننه 7/ 11 عن عدي بن حاتم مرفوعًا، وأخرجه النسائي أيضًا في سننه 7/ 10 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً، إِلا أنه قال: (فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير). وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 43 عن أبي هريرة مرفوعًا، بلفظ: ... (فليكفر عن يمينه وليفعل). وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 681 عن عدي مرفوعاً، بلفظه السابق، وأخرجه -كذلك- أيضاً الدارمي في سننه 2/ 107، وأحمد في مسنده 4/ 256. وأخرجه مالك في الموطأ/ 478 عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير).

(3/904)

لم يعين الكفارة وأرشده إِلى الاستثناء؛ لأنه أسهل، لعدم حنثه (1) (2).

وعن ابن عمر مرفوعًا: (من حلف -فقال: إِن شاء الله- فلا حِنْث عليه). رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه (3)، (4) وإسناده جيد، والأشهر وقفه (5). والفاء للتعقيب، وإلا (6) كانت الواو أولى، لكثرة الفائدة وعدم (7) اللبس.

ولَمَا تَمَّ إِقرار ولا طلاق ولا عتاق.

ولما علم صدق ولا كذب لإِمكان الاستثناء.

ولأنه غير مستعمل لغة.

__________

(1) في (ظ): خبثه. والحِنْث في اليمين: نقضها والنَّكْث فيها.

انظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 449.

(2) يعني: لأنه لا حنث بالاستثناء.

(3) انظر: مسند أحمد 2/ 6، 48، 153، وسنن النسائي 7/ 12، وسنن الترمذي 3/ 43 - 44، وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 575 - 576، وابن ماجه في سننه/ 680، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 287)، والشافعي (انظر: بدائع السنن 2/ 142)، والحاكم في مستدركه 4/ 303 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه هكذا. ووافقه الذهبي.

(4) نهاية 266 من (ح).

(5) انظر: سنن الترمذي 3/ 44، ونصب الراية 3/ 301، والتلخيص الحبير 4/ 168.

(6) نهاية 92 ب من (ظ).

(7) في (ظ): ولعدم.

(3/905)

ولأنه غير مستقل، كالجزاء مع الشرط والخبر مع المبتدأ.

وجوّزه بعض أصحابنا (1) فيهما (2) بزمن يسير.

قالو ا: لو لم يصح لم يفعله - عليه السلام - في: (لأغزون قريشًا)، ثم سكت، قال: (إِن شاء الله)، ثم لم يغزهم. رواه أبو داود (3) من حديث شريك (4) عن

__________

(1) انظر: المسودة/ 153.

(2) يعني: في المبتدأ والخبر، والشرط والجزاء.

(3) انظر: سنن أبي داود 3/ 589 - 591. وأخرجه ابن حبان في صحيحه موصولا (انظر: موارد الظمآن/ 288)، والبيهقي في سننه 10/ 47 - 48 موصولاً ومرسلاً. وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده وابن عدي في الكامل موصولاً.

انظر: نصب الراية 3/ 303. وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: هذا حديث رواه شريك ومسعر، فأسنداه مرة، وأرسلاه أخرى. ا. هـ. وذكره ابن القطان في كتابه -وفيه عبد الواحد بن صفوان- ثم قال: وعبد الواحد هذا ليس بشيء، والصحيح مرسل. ا. هـ. انظر: نصب الراية 3/ 303. وقال أبو حاتم: روي مرسلاً وهو أشبه. فانظر: العلل لابنه 1/ 440، وراجع: المعتبر/ 55 أ- ب.

(4) هو: أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي القاضي، روى عن أبي إِسحاق السبيعي وسماك بن حرب والأعمش وغيرهم، وعنه: ابن مهدي ووكيع وابنه عبد الرحمن بن شريك وغيرهم، توفي سنة 177 هـ. قال أحمد: هو في أبي إِسحاق أوثق من زهير. وقال ابن معين: ثقة يغلط. وقال العجلي: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: ثقة سيئ الحفظ. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 270، وتهذيب التهذيب 4/ 333، وتقريب التهذيب 1/ 351

(3/906)

سِمَاك (1) عن عكرمة عن ابن عباس مرسلاً وموصولاً.

رد: إِن صح فسكوته لعارض، أو التقدير: أفعل إِن شاء الله.

قال: لولا صحته لم يقل به ابن عباس.

رد: قال ابن عمر بخلافه، رواه سعيد (2) من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد.

__________

(1) هو: أبو المغيرة سماك بن حرب بن أوس الذهلي البكري الكوفي، روى عن جابر بن سمرة وأنس والنعمان بن بشير وغيرهم، وعنه: ابنه سعيد والثوري وشريك وغيرهم، توفي سنة 123 هـ. وثقه أبو حاتم وابن معين في رواية ابن أبي خيثمة وابن أبي مريم. وقال أبو طالب عن أحمد: مضطرب الحديث. قال ابن حجر في التقريب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة. وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن.

انظر: ميزان الاعتدال 2/ 232، وتهذيب التهذيب 4/ 232، وتقريب التهذيب 1/ 332.

(2) أخرج الدارقطني في سننه 4/ 162: نا إِسماعيل بن محمَّد الصفار نا عمر بن مدرك نا سعيد بن منصور نا ابن أبي الزناد عن أبيه عن سالم عن ابن عمر قال: كل استثناء غير موصول فصاحبه حانث. قال في نصب الراية 3/ 303: وعمر بن مدرك ضعيف. وفي المعرفة للبيهقي: وروى سالم عن ابن عمر أنه قال: كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه، وكل استثناء غير موصول فصاحبه حانث. فانظر: نصب الراية 3/ 303.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 47: أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ... إِلخ. وأخرج -أيضاً- من طريق آخر عن ابن عمر قال: إِذا حلف الرجل فاستثنى فقال: "إِن شاء الله" ثم وصل الكلام بالاستثناء ثم فعل الذي حلف عليه لم يحنث.

(3/907)

ثم: إِن صح فلعل مراده: "أفعل إِن شاء الله"، أو ما سبق (1).

وذكر الآمدي (2): اتفاق أهل اللغة -سواه- على إِبطاله.

ونقض بعضهم بصفة وغاية. كذا قال.

واحتج بعض أصحابنا (3): بأن الاتصال والموالاة (4) في الأقوال لا يخل بهما (5) فصل يسير كما في (6) الأفعال، وقوله - عليه السلام -: (إِلا الإِذخر) (7)، وقوله -عن سليمان عليه السلام -: (لو قال: "إِن شاء الله" لم يحنث) (8)، وقوله: (إِلا سهيل (9)

__________

(1) وهو ما ذكره الآمدي في ص 902.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 291.

(3) انظر: المسودة / 152، 153.

(4) في (ب): المولاة.

(5) في (ح): بها.

(6) يعني: كالاتصال والموالاة في الأفعال؛ إِذ المتقارب متواصل.

(7) أخرج البخاري في صحيحه 4/ 104 - 105، ومسلم في صحيحه/ 986 - 987 عن ابن عباس: أن النبي قال -عن بلد مكة- (لا يختلى خلاه)، فقال العباس: يا رسول الله، إِلا الإِذخر، فإِنه لقينهم وبيوتهم، فقال: (إِلا الإِذخر).

(8) وتتمته: (وكان دَرَكا لحاجته). أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 146 - 147، ومسلم في صحيحه/ 1275 عن أبي هريرة مرفوعاً.

(9) هو: الصحابي سهيل بن بيضاء القرشي، وبيضاء أمه، واسمها وعد، واسم أبيه وهب ابن ربيعة الفهري القرشي، توفي بالمدينة سنة 9 هـ.

انظر: الاستيعاب/ 667، والإِصابة 3/ 208.

(3/908)

ابن بيضاء (1) ,

__________

(1) أخرجه الترمذي في سننه 4/ 335 - 336 من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه -في شأن أسارى بدر- وفيه: فقال رسول الله: (لا ينفلتن أحد منهم إِلا بفداء أو ضرب عنق). فقال عبد الله بن مسعود: فقلت: يا رسول الله، إِلا سهيل ابن بيضاء؛ فإِني سمعته يذكر الإِسلام، قال: فسكت رسول الله، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله: (إِلا سهيل بن البيضاء ...) قال الترمذي: حديث حسن، وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه.

وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 383 - 384، والطبري في تفسيره 14/ 61 - 62ط: دار المعارف، والحاكم في مستدركه 3/ 21 - 22 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه .. ووافقه الذهبي.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 86 - 87، وقال: ورواه أبو يعلى بنحوه، ورواه الطبراني أيضاً، وفيه أبو عبيدة ولم يسمع من أبيه، ولكن رجاله ثقات. وانظر: الإصابة 3/ 209.

ملاحظة: قول المؤلف: (سهيل بن بيضاء) كذا ورد -أيضًا- في الروايات. أقول: ولعله الصحابي سهل بن بيضاء أخو سهيل، قال ابن سعد في الطبقات 4/ 1/ 156: سهل بن بيضاء: أسلم بمكة وكتم إِسلامه، فأخرجته قريش معها في نفير بدر، فشهد بدرًا مع المشركين، فأسر يومئذ، فشهد له عبد الله بن مسعود أنه رآه يصلي بمكة، فخلي عنه. والذي روى هذه القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ؛ سهيل بن بيضاء أسلم قبل عبد الله بن مسعود ولم يستخف بإسلامه، وهاجر إِلى المدينة، وشهد بدرا مع رسول الله مسلما لا شك فيه، فخلط من روى ذلك الحديث ما بينه وبين أخيه؛ لأن سهيلا أشهر من أخيه سهل، والقصة في سهل. ا. هـ.

(3/909)

وبما [سبق (1)] (2) من الأحكام.

ويجاب عن القياس: بالمنع، وبأنه (3) خلاف ما سبق (4) من النص واللغة.

و (إِلا الإِذخر) ونحوه: من بيان الفقه، وهو أسهل، ولهذا اكتفي فيه بالإِشارة في أحكام الحج.

ولم يحنث سليمان؛ لوجود ما حلف عليه لقوله: (وكان دركا لحاجته) (5).

والأحكام تعمها أدلة الإِجزاء، ولا يختل المقصود بها، والجمع (6) متعين.

وأجاب ابن عقيل (7) -عن كون المجلس كحالة الكلام بدليل (8) الصرف (9) -: بما (10)

__________

(1) في ص 903 - 904.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) نهاية 127 ب من (ب).

(4) في ص 904 - 905.

(5) نهاية 267 من (ح).

(6) بين أدلتها وأدلة وجوب الاتصال.

(7) انظر: الواضح 2/ 140أ.

(8) يعني: بدليل قبض ثمن الصرف.

(9) ضرب على (الصرف) في (ظ).

(10) في (ب) و (ظ): ما.

(3/910)

سبق (1)، وأن ذلك (2) لا يعقل معناه. والله أعلم.

مسألة

لا يصح الاستثناء إِلا نطقا (3) عند الأئمة الأربعة وغيرهم، لما سبق، إِلا في اليمين لخائف من نطقه.

وقال بعض المالكية -في اليمين-: قياس مذهب مالك (4) صحته بالنية.

* * *

ويجوز تقديمه عندهم، كقوله - عليه السلام -: (إِني والله إِن شاء الله لا أحلف على يمين) الحديث (5)، متفق عليه.

__________

(1) من تشبيه الاستثناء بالشرط والجزاء ... انظر: ص 906.

(2) قال: وبأن ذلك تعبد لا يعقل معناه، فأين هو من صلة الكلام بعضه ببعض من طريق اللغة والوضع؟

(3) في هامش (ظ): مراده -والله أعلم-: إِذا كان المستثنى منه عددا صريحًا، بخلاف ما إِذا كان المستثنى منه عاما، فإِنه يصح الاستثناء منه بالنية على ما ذكروه في كتب الفقه فيما إِذا قال: (أنت طالق ثلاثاً) واستثنى بقلبه: (إِلا واحدة) فإِنه لا يديّن على المقدم، خلافا لأبي الخطاب، وإذا قال: (نسائي طوالق) واستثنى بقلبه واحدة فإِنه يدين؛ لأن (نسائي) عام، فإِن قال: (نسائي الأربع) لم يدين على المقدم؛ لكونه صرح بالعدد بقوله: (الأربع)، والله أعلم.

(4) في المدونة 2/ 109: قال مالك: وإن استثنى في نفسه ولم يحرك به لسانه لم ينتفع بذلك.

(5) وتمامه: (فأرى غيرها خيرا منها إِلا أتيت الذي هو خير وتحللتها). أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 147، ومسلم في صحيحه/ 1270 عن أبي موسى مرفوعاً.

(3/911)

وكقول الكميت (1):

فما لي إِلا آل أحمد شيعة (2).

مسألة

استثناء الكل باطل إِجماعًا.

ثم: إِذا استثني منه: فهل يبطل الجميع؛ لأن الثاني فرع الأول، أم يرجع إِلى ما قبله؛ لأن الباطل كالعدم، أم يعتبر ما تؤول إِليه الاستثناءات (3)؟ فيه أقوال لنا وللعلماء.

وقال ابن أبي طلحة (4)

__________

(1) هو: أبو المستهل -أو أبو السهيل- الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، شاعر رافضي متعصب، ولد سنة 60 هـ، وتوفي سنة 126 هـ.

انظر: الشعر والشعراء 2/ 581، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي/ 45.

(2) هذا صدر من بيت عجزه:

وما لي إِلا مشعب الحق مشعب

وقد نسبه إِليه المبرد في المقتضب 4/ 398، وابن يعيش في شرح المفضل 2/ 79، وابن منظور في لسان العرب 1/ 483، وخالد الأزهري في التصريح 1/ 355.

ويروى بلفظ:

وما لي إِلا مذهب الحق مذهب

فانظر: شرح شذور الذهب/ 263، ومعجم شواهد العربية 1/ 35.

(3) في (ب): الاستثناءان.

(4) كذا في النسخ، ولعل صوابه: ابن طلحة، فانظر: شرح تنقيح الفصول/ 244.=

(3/912)

المالكي (1) -في: أنت طالق ثلاثاً إِلا ثلاثاً-: في لزوم الثلاث قولان.

قال بعض المالكية (2): عدمه (3) يقتضي استثناء الجميع (4).

* * *

والأكثر -أيضًا- باطل عند أحمد (5) وأصحابه، وقاله أبو يوسف (6) وعبد الملك (7) بن الماجشون وأكثر النحاة (8)، وذكر (9) ابن هبيرة: أنه قول

__________

=وهو: أبو بكر عبد الله بن طلحة بن محمَّد اليابري الإشبيلي، فقيه أصولي مفسر، روى عن أبي الوليد الباجي، ورحل إِلى المشرق، وروى عنه أبو الحجاج يوسف بن محمَّد القيرواني، وكان سماعه منه سنة 516 هـ، استوطن مصر، ثم رحل إلى مكة وتوفي بها، ولم أقف على تاريخ وفاته.

من مؤلفاته: المدخل في الفقه، وسيف الإِسلام على مذهب مالك.

انظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج/ 131 - 132، وشجرة النور الزكية 130.

(1) قال ذلك في كتابه: المدخل. انظر: شرح تنقيح الفصول/ 244، 246.

(2) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 244 - 245.

(3) يعني: عدم اللزوم.

(4) يعني: جواز استثناء الجميع من الجميع.

(5) انظر: العدة/ 666، والمسودة/ 154.

(6) انظر: بدائع الصنائع / 4562.

(7) نقله عنه المازري. انظر: المسودة/ 155.

(8) انظر: همع الهوامع 1/ 228.

(9) انظر: الإفصاح 2/ 17.

(3/913)

أهل (1) اللغة.

وعند أكثر الفقهاء والمتكلمين -منهم: الأئمة الثلاثة-: يصح، واختاره أبو بكر الخلال من أصحابنا.

وجه الأول: أنه لغة، فمن ادعاه فعليه (2) البيان.

ثم نقول: لا يعرف لما سبق (3)، وأنكره الزجاج (4) وابن قتيبة (5) وابن (6) درستويه (7) وابن (8) جني.

فإِن قيل: جوزه (9) أكثر الكوفيين.

__________

(1) نهاية 93 أمن (ظ).

(2) نهاية 128 أمن (ب).

(3) من أن أهل اللغة قالوا بخلافه.

(4) في كتابه: معاني القرآن إعرابه. انظر: العدة/ 667.

(5) في كتابيه: (جوابات المسائل، والجامع في النحو). انظر: العدة/ 667 - 668.

(6) انظر: العدة/ 666.

(7) هو: أبو محمَّد عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي، نحوي مشهور، توفي سنة 347 هـ. من مؤلفاته: الإرشاد في النحو، وغريب الحديث.

انظر: وفيات الأعيان 2/ 247، وطبقات النحويين واللغويين/ 116، وبغية الوعاة 2/ 36، وإنباه الرواة 2/ 113.

(8) انظر: العدة/ 667.

(9) انظر: شرح الرضي على الكافية 1/ 240، والتسهيل لابن مالك/ 103، وهمع الهوامع 1/ 228.

(3/914)

قيل: (1) نمنع ثبوته عنهم في الأعداد (2)، ثم: عليهم الدليل، والبصريون (3) أثبت في اللغة -كالخليل (4) وسيبويه (5) - وقد منعوه، وأنكره من تتبعه كما سبق.

وأيضًا: وضع للاستدراك والاختصار، فمن أقر بألف إِلا تسعمائة تسعة (6) وتسعين، فهو خلاف الوضع، ولهذا يعد قبيحًا عرفًا، والأصل التقرير.

واستدل: بأنه خلاف الأصل؛ لأنه إِنكار بعد إِقرار فصح في الأقل لأنه قد ينساه فينضر (7) إِن لم يصح.

__________

(1) في (ب) و (ظ): يمتنع.

(2) نهاية 268 من (ح).

(3) انظر: همع الهوامع 1/ 228.

(4) هو: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي البصري، واضع علم العروض، إِمام في العربية، توفي سنة 170 هـ.

من مؤلفاته: كتاب العين، والعروض.

انظر: المعارف/ 541، ومعجم الأدباء 11/ 72، ووفيات الأعيان 2/ 15، وطبقات النحويين واللغويين/ 47، وإنباه الرواة 1/ 341.

(5) انظر: المسودة / 154 - 155.

(6) كذا في النسخ. ولعلها: وتسعة.

(7) في (ب) و (ظ): فينضر في الأقل إِن لم يصح.

(3/915)

رد: بالمنع؛ فإِنهما كجملة (1)، وهو (2) تكلم بالباقي.

ثم: بمنع مخالفة الأصل، فيصح في الأكثر؛ لئلا ينضر، وصدقه ممكن.

قالوا: وقع في قوله: (إِلا من اتبعك من الغاوين) (3)، وقوله: (إِلا عبادك منهم المخلصين) (4)، وأيهما كان الأكثر فقد استثناه، أو أن الغاوين أكثر لقوله: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (5).

رد: الخلاف في الاستثناء من عدد، وهذا تخصيص بصفة، وفرق بينهما؛ لأنه يستثنى بالصفة مجهولا من معلوم ومن مجهول والجميع أيضًا، فلو قال "اقتل من في الدار إِلا بني تميم أو إِلا البيض" -فكانوا كلهم بني تميم أو بيضًا- لم يجز قتلهم بخلاف العدد، ثم: الجنس ظاهر والعدد صريح، فلهذا فرقت اللغة بينهما.

ثم: هو استثناء منقطع أي: لكن.

ثم: قوله: (إِلا عبادك منهم) (6) يعني: ولد آدم، وفي الآية الأخرى (7) أضاف العباد إِليه، والملائكة منهم، فاستثنى الأقل فيهما.

__________

(1) في (ظ): كحكمه.

(2) يعني: الاستثناء.

(3) سورة الحجر: آية 42.

(4) سورة الحجر: آية 40.

(5) سورة يوسف: آية 103.

(6) سورة الحجر: آية 40.

(7) وهي قوله تعالى: (إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان). سورة الحجر. آية 42.

(3/916)

واعتمد في العدة (1) والتمهيد (2) وغيرهما على الجواب الأول، وبه يجاب عن (3) قوله تعالى: (كلكم جائع إِلا من أطعمته). رواه مسلم من حديث أبي ذر (4).

ولم يعرج عليه (5) صاحب الروضة (6).

وبعض الناس ذكر فيه (7) خلافاً، كذا قال -[وفي الواضح (8): لا خلاف فيه (*)] (9) - لكن (10) اتفقوا: أنه لو أقر بهذه الدار إِلا هذا البيت صح، ولو كان أكثر، بخلاف "إِلا ثلثيها"، فإِنه على الخلاف، ولهذا قال

__________

(1) انظر: العدة/ 669 - 670.

(2) انظر: التمهيد/ 58أ.

(3) نهاية 128 ب من (ب).

(4) انظر: صحيح مسلم/ 1994. وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 16. وهذا حديث قدسي.

(5) يعني: على الجواب الأول.

(6) انظر: روضة الناظر/ 256.

(7) يعني: في استثناء بعض الجملة التي لم ينص فيها على عدد.

(8) انظر: الواضح 2/ 143 أ-ب.

(*) يعني: استثناء بعض الجملة التي لم ينص فيها على عدد لا في المستثنى منه ولا الاستثناء، وإنما تعلم الكثرة بالاستدلال، وإنما الخلاف في استثناء الأكثر من جملة ذات عدد محصور منطوق به ويستثنى منها بعدد منصوص عليه. كذا قال في الواضح.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(10) نهاية 269 من (ح).

(3/917)

صاحب المحرر (1): لا خلاف في جوازه إِذا كانت الكثرة من دليل خارج، لا من اللفظ.

قالوا: كالتخصيص، كاستثناء الأقل.

وجوابه واضح.

وعجبٌ ممن (2) ذكر الخلاف ثم يحتج بالإِجماع: أن من أقر بعشرة إِلا درهمًا يلزمه تسعة (3).

* * *

وفي صحة استثناء النصف وجهان لنا (4)، وذكر ابن هبيرة (5) الصحة ظاهر المذهب.

والمنع قول أكثر البصريين (6) وابن الباقلاني (7) -وذكره أبو الطيب (8)

__________

(1) انظر: المسودة/ 155.

(2) في (ب) و (ظ): من.

(3) كذا في النسخ. وفي المنتهى لابن الحاجب/ 91: من أقر بعشرة إِلا تسعة لم يلزمه إِلا درهم.

(4) انظر: العدة/ 270.

(5) انظر: الإِفصاح 2/ 17.

(6) انظر: شرح الرضي على الكافية 1/ 240، والتسهيل لابن مالك/ 103، وهمع الهوامع 1/ 228.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 297، وشرح العضد 2/ 138.

(8) انظر: المسودة/ 155.

(3/918)

الشافعي عن أحمد- لقول الزجاج (1): لم يأت إِلا في القليل.

وجه الأول: قوله: (قم الليل إِلا قليلاً * نصفه) (2)، فـ (نصفه) بدل من (3) "قليل"؛ لأنه لو كان بدلا من (الليل) كان الاستثناء منه (4)، فقوله: (أو انقص منه) (5)، (أو زد عليه) (6) الهاء فيهما للنصف، أي: انقص من نصفه (7) قليلاً -أي: على (8) الباقي- والقليل المستثنى ليس (9) بمقدر فيعقل (10) النقصان منه.

وقيل: "نصفه إِلا قليلاً" (أو انقص منه قليلاً) (11) معناها واحد. كذا قيل.

* * *

__________

(1) في كتابه: معاني القرآن وإعرابه. انظر: العدة/ 667.

(2) سورة المزمل: الآيتان 2، 3.

(3) نهاية 93 ب من (ظ).

(4) يعني: من النصف.

(5) سورة المزمل: آية 3.

(6) سورة المزمل: آية 4.

(7) انظر: زاد المسير 8/ 388، وتفسير القرطبي 19/ 35، وإملاء ما من به الرحمن 2/ 271.

(8) في (ح): أي على القليل الباقي.

(9) في (ح): وليس.

(10) يعني: فالنقصان منه لا يعقل، فكان المؤلف يقول: والقليل المستثنى ليس مقدر حتى يعقل النقصان منه.

(11) سورة المزمل: آية 3.

(3/919)

وعن جماعة من أهل اللغة (1) لا يصح استثناء عقد كـ "عشرة" من "مائة"، بل بعضه كـ "خمسة".

مسألة

الاستثناء -إِذا تعقب جملاً بالواو العاطفة- لجميعها عند أصحابنا والمالكية (2) والشافعية (3).

وعند الحنفية (4): للأخيرة، قال صاحب المحرر (5): وهو (6) أقوى.

وسبق (7) في الواو اختلاف أصحابنا: هل تجعل الجُمَل كجملة؟ وذكروا على هذا الأصل مسائلٍ (8) في الطلاق والإِقرار.

وقال جماعة من المعتزلة، منهم: عبد الجبار وأبو الحصين (9) -ومعناه

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 297، والمسودة/ 155.

(2) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 249.

(3) انظر: اللمع/ 24، والتبصرة/ 172، والمستصفى 2/ 174، والمحصول 1/ 3/ 63، والإِحكام للآمدي 2/ 300.

(4) انظر: أصول السرخسي 2/ 44، وكشف الأسرار 3/ 133.

(5) انظر: المسودة/ 156.

(6) نهاية 129أمن (ب).

(7) انظر: ص 131 - 132 من هذا الكتاب.

(8) نهاية 270 من (ح).

(9) انظر: المعتمد/ 264، والإِحكام للآمدي 2/ 300.

(3/920)

قول القاضي في الكفاية (1) -: إِن تبين إِضراب (2) عن الأولى فللأخيرة، وإلا فللجميع، والإِضراب: أن يختلفا نوعاً كالأمر والخبر نحو: "أكرم بني تميم، وجاء القوم إِلا الطوال"، أو اسمًا نحو: "أكرم بني تميم، وأهن بني زيد إِلا الطوال"، وليس الاسم في الثانية ضميراً للاسم في الأولى كـ "أكرم بني تميم، واستأجرهم إِلا الطوال"، أو حكماً كـ "أكرم واستأجر"، ولم تشترك الجملتان في غرض كـ "أكرم الضيف، وتصدق على الفقراء إِلا الفاسق"، فالغرض: الحمد (3).

وتوقف ابن الباقلاني (4) والغزالي (5) وجماعة من الشافعية (6) القاضي (7) عن الأشعرية.

قال ابن عقيل (8) وغيره: هو مُحْدَث بعد الإِجماع (9).

__________

(1) انظر: المسودة/ 156.

(2) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): الإِضراب.

(3) في (ب): الجمل. وفي (ظ): الحمل.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 301، ومختصر ابن الحاجب 2/ 139.

(5) انظر: المستصفى 2/ 177 - 178 وقال: وإن لم يكن بد من رفع التوقف فمذهب المعممين أولى.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 301.

(7) انظر: العدة/ 679.

(8) انظر: الواضح 2/ 150 ب.

(9) يعني: هو إِحداث قول آخر.

(3/921)

وقال المرتضى (1) الشيعي: بالاشتراك.

واختار الآمدي (1): إِن ظهر أن الواو للابتداء -كالقسم الأول- فللأخيرة، أو عاطفة فللجميع، وإِن أمكنا فالوقف.

وقيل: إِن كان بينهما تعلق كـ "أكرم العلماء والزهاد، وأنفق عليهم إِلا المبتدعة" فللجميع وإلا فللأخيرة (2).

وجه الأول: أن العطف يجعل الجميع كواحد.

رد: هذا في المفردات، وفي الجمل محل النزاع.

قالوا: كالشرط فإِنه للجميع.

رد: بالمنع (3)، ثم: قياس في اللغة، ثم: الشرط رتبته التقديم لغة بلا شك، فالجمل هي الشرط، والجزاء لها.

قالوا: لو كرر الاستثناء كان مستهجنًا قبيحًا لغة، ذكره في الروضة (4) باتفاقهم.

رد: بالمنع لغة، قاله الآمدي (5)، (6) ولهذا روى سعيد عنه - عليه

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 301.

(2) في (ح): فلاخيرة.

(3) يعني: منع أنه كالشرط.

(4) انظر: روضة الناظر/ 258.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 302.

(6) نهاية 129 ب من (ب).

(3/922)

السلام -: (لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إِلا بإِذنه، ولا يقعد على تكرمته في بيته إِلا بإِذنه) (1).

ثم: (2) عند قرينة اتصال الجمل.

ثم: الاستهجان لترك (3) الاختصار؛ لأنه يمكن بعد الجمل: "إِلا كذا في الجميع".

قالوا: صالح للجميع، فكان له كالعام، فبعضه تحكّم.

رد: لا ظهور (4)، بخلاف العام، والجملة الأخيرة (5) أولى لقربها.

قالوا: "خمسة وخمسة إِلا ستة" للجميع إِجماعًا -ذكره في التمهيد (6) - فدل أن المراد بالجمل ما يقبل الاستثناء، لا الجمل النحوية، ولهذا ذكر القاضي (7) وغيره الأعداد من صورها، وسوى بين قوله: "رجل

__________

(1) وأخرجه -بدون تكرار الاستثناء- مسلم في صحيحه / 465، وأبو داود في سننه 1/ 390 - 391، والترمذي في سننه 1/ 149 - 150 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 2/ 76، 77، وابن ماجه في سننه 133/ 314 من حديث أبي مسعود البدرى مرفوعًا.

(2) يعني: إِنما يكون مستهجنا عند قرينة اتصال الجمل.

(3) نهاية 271 من (ح).

(4) يعني: صلاحيته لا توجب ظهوره.

(5) نهاية 94 أمن (ظ).

(6) انظر: التمهيد / 60أ.

(7) انظر: العدة/ 680.

(3/923)

ورجل "وقوله: "رجلين".

ورد: مفردات، والخلاف في الجمل، واختاره بعض أصحابنا (1)، وقال: فرق بين: "أكرم هؤلاء وهؤلاء إِلا الفساق" وبين: "أكرم هؤلاء، وأكرم هؤلاء إِلا الفساق".

وإن سلم (2) فلتعذره (3) ليصح الكلام.

واقتصر الآمدي (4) على منع صحة الاستثناء.

واحتج بعض أصحابنا (5)؛ فقال: من تأمل غالب الاستثناءات في الكتاب والسنة واللغة وجدها للجميع، والأصل إِلحاق الفرد (6) بالغالب (7)،

__________

(1) انظر: المسودة/ 157 - 158.

(2) يعني: وإن سلم أنها من الباب فإنما قيل: يعود الاستثناء إِلى الجميع لتعذره ...

(3) يعني: تعذر عوده إِلى الأخير فقط.

(4) في منتهى السول 2/ 46. وقال في الإِحكام 2/ 303: لا نسلم صحة الاستثناء على رأي لنا، وإن سلمنا فإِنما عاد إِلى الجميع لقيام الدليل عليه، وذلك لأنه لا بد من إِعمال لفظه مع الإِمكان، وقد تعذر استثناء الستة من الجملة الأخيرة؛ لكونه مستغرقًا لها، وهو صالح للعود إِلى الجميع، فحمل عليه، ومع قيام الدليل على ذلك فلا نزاع، وإنما النزاع فيما إِذا ورد الاستثناء مقارنا للجملة الأخيرة من غير دليل يوجب عوده إِلى ما تقدم.

(5) انظر: مجموع المتاوى 13/ 167.

(6) في (ب) و (ظ): المفرد.

(7) قال: لأن الاستثناء إِما أن يكون موضوعا لهما حقيقة فالأصل عدم الاشتراك، أو يكون موضوعًا للأقل فقط فيلزم أن يكون استعماله في الباقي مجازًا، والمجاز على=

(3/924)

فإِذا جعل حقيقة في الغالب (1) مجازًا فيما قل (2) عمل (3) بالأصل النافي للاشتراك والأصل النافي للمجاز (4)، وهو أولى من تركه مطلقًا.

القائل "يخص بالجملة الأخيرة": لم يرجع في آية القذف (5) إِلى الجلد، فكذا غيرها، دفعا للاشتراك والمجاز.

رد: بالمنع في رواية عن أحمد.

ثم: لأنه حق آدمي فلا يسقط بتوبة، ولهذا عاد إِلى غيره.

قال: (اللاتي دخلتم بهن) (6) شرط في الربائب دون أمهات النساء.

رد: ليس باستثناء.

ثم: لأنه من تتمة نعت الربائب.

__________

=خلاف الأصل، فكثرته على خلاف الأصل، فإِذا جعل حقيقة ... إِلخ.

(1) يعني: فيما غلب استعماله فيه.

(2) يعني: قل استعماله فيه.

(3) يعني: كنا قد عملنا بالأصل ...

(4) في صور التفاوت.

(5) قال تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إِلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) سورة النور: الآيتان 4، 5.

(6) قال تعالى: (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) الآية. سورة النساء: آية 23.

(3/925)

ولأن (نسائكم) (1) (2) الأولى مجرورة بالإِضافة، والثانية بـ "مِنْ"، فتمتنع الصفة؛ لاختلاف الجر، كاختلاف العمل.

ثم: للنص (3). (4)

__________

(1) قال تعالى: (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) الآية. سورة النساء: آية 23.

(2) نهاية 130أمن (ب).

(3) أخرج الترمذي في سننه 2/ 393: حدثنا قتيبة أخبرنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي قال: (أيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها، فإِن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها). وأخرجه البيهقي في سننه 7/ 160 من طريق ابن لهيعة ومن طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، وأخرجه الطبري في تفسيره 4/ 222 من طريق المثنى.

قال الترمذي: هذا حديث لا يصح من قبل إِسناده، وإنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 166 - بعد ذكره كلام الترمذي السابق-: وقال غيره: يشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى ثم أسقطه؛ فإِن أبا حاتم قد قال: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب.

وقال البيهقي -عن المثنى بن الصباح-: وهو غير قوي.

وقال الطبري: وهذا خبر وإن كان في إِسناده ما فيه فإِن في إِجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره.

(4) نهاية 272 من (ح).

(3/926)

قال: "علي عشرة إِلا أربعة إِلا اثنين" للأخير (1).

رد: لا عطف، ومفردات.

ثم: لتعذره؛ لأن الاستثناء من الإِثبات نفي ومن النفي إِثبات، ولو تعذر الأخير فالأول كـ "عشرة إِلا اثنين إِلا اثنين".

قالوا: الجملة الثانية فاصلة كالسكوت.

رد: الجمل كجملة، ثم: يجب أن لا يعود إِلى الجميع في موضع.

قالوا: ثبت حكم الأولى، وعوده إِليها مشكوك فيه.

رد: بالمنع (2)، ثم (3): إِنما ثبت (4) بالسكوت من غير استثناء، ذكره في العدة (5) والتمهيد (6) والروضة (7) وغيرها، قال بعض أصحابنا (8): هذا جيد؛ فإِنه مانع لا رافع.

__________

(1) في (ظ): للأخيرة.

(2) يعني: لم يثبت مع الجواز للجميع.

(3) في (ح): بل.

(4) في (ح): يثبت.

(5) انظر: العدة/ 681.

(6) انظر: التمهيد/ 60 ب.

(7) انظر: روضة الناظر/ 258.

(8) انظر: المسودة/ 159.

(3/927)

ومنع ابن عقيل (1) كالأول (2)، ثم عارض بتخصيص قاطع بظاهر.

ثم: يبطل بالشرط (3).

قالوا: عَوْده لعدم استقلاله، فتندفع الضرورة بالأقل، وما يليه متيقن.

رد: بالمنع، بل لصلاحيته وظهوره (4)، والجمل كجملة، ثم: يبطل بالشرط.

القائل بالاشتراك: حسن الاستفهام عن عوده.

رد: لعدم العلم (5)، أو لرفع الاحتمال.

قالوا: أطلق، والأصل الحقيقة.

رد: سبق (6) تعارض الاشتراك والمجاز.

* * *

__________

(1) قال في الواضح 2/ 152أ: لا نسلم ثبوت العموم مع اتصال الاستثناء ... ، ولأنا نعارضهم بمثله في العموم، فنقول: إِنه كما يخص بالقطع -وهو خبر التواتر ودليل العقل- يخص بالقياس وخبر الواحد، وليس بقطع بل ظن، وفي مسألتنا ما خصصناه إِلا بظن، فأما بشك فلا؛ لأن الترجيح لا يبقى معه شكٌّ.

(2) يعني: كالجواب الأول.

(3) حيث يلزم أن لا يعود على باقي الجمل.

(4) وليس لعدم استقلاله.

(5) يعني: للجهل بحقيقته.

(6) في ص 86 من هذا الكتاب.

(3/928)

وقولنا في فرض المسألة: "الواو العاطفة" -كذا [في] (1) العدة (2) والتمهيد (3) وغيرهما في بحث المسألة-: أن واو العطف تجعل الجمل كجملة، وكذا بحثوا في الواو: أنها للجمع المطلق لا ترتيب فيها، وأنه هو المعنى الموجب جعل الجمل كجملة، وبنوا على ذلك "أنت طالق وطالق وطالق إِلا واحدة": هل (4) يصح الاستثناء؟ وأنه لو أتى بـ "الفاء" أو "ثم" لم يصح؛ لأن الترتيب أفرد (5) الأخيرة عما قبلها، فاختص بها الاستثناء (6) فلم يصح، وكذا لم أجد (7) إِلا من خَصّ الواو بذلك، إِلا ما قال بعض أصحابنا (8): إِن أصحابنا وغيرهم أطلقوا، فموجب ما ذكروه: لا فرق، وأنه يلزم من التفرقة أن لا تشرك الفاء و"ثم" حيث تشرك الواو، وهو خلاف اللغة، وأن من فرق -وهو أبو المعالي- قوله بعيد جداً (9)، وأنه اعترف بأن الأئمة أطلقوا. كذا قال، ويأتي (10) في الشرط.

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(2) انظر: العدة/ 680، 683.

(3) انظر: التمهيد/ 60 أ.

(4) نهاية 94 ب من (ظ).

(5) في (ظ): افراد.

(6) نهاية 130 ب من (ب).

(7) من العلماء من أطلق ولم يقيد بالواو، فانظر: تيسير التحرير 1/ 302، وفواتح الرحموت 1/ 332، وشرح المحلي 2/ 17.

(8) انظر: المسودة/ 158، ومجموع الفتاوى 13/ 158 - 159.

(9) نهاية 273 من (ح).

(10) انظر: ص 940.

(3/929)

مسألة

مثل: "بنو تميم وربيعة أكرمهم إِلا الطوال" للجميع.

وجعله في التمهيد (1) أصلاً للمسأله قبلها. كذا قال.

وقال بعض أصحابنا (2): لو قال: "أدخل بني هاشم ثم بني المطلب ثم سائر قريش وأكرمهم" فالضمير للجميع؛ لأنه (3) موضوع لما تقدم (4)، وليس من المسألة قبلها (5)

مسألة

الاستثناء من النفي إِثبات وبالعكس عند أصحابنا والمالكية (6) والشافعية (7)،

__________

(1) انظر: التمهيد/ 60أ.

(2) انظر: مجموع الفتاوى 31/ 147.

(3) يعني: الضمير.

(4) في الجملة.

(5) يعني: مسألة الاستثناء المتعقب جملاً.

(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 93، وشرح تنقيح الفصول/ 247.

وقال في الفروق 2/ 93: اعلم أن مذهب مالك: أن الاستثناء من النفي إِثبات في غير الأيمان، هذه قاعدته في الأقارير، وقاعدته في الأيمان: أن الاستثناء من النفي ليس بإِثبات.

(7) انظر: المحصول 1/ 3/ 56، والإِحكام للآمدي 2/ 308.

(3/930)

خلافاً للحنفية (1) في الأولى (2)، وسَوّى بعض الحنفية بينهما (3).

لنا: اللغة (4)، وأن قول القائل: "لا إِله إِلا الله" توحيد، وتبادر فَهْم من سمع "لا عالم إِلا زيد" و"ليس لك عليَّ شيء إِلا درهم" إِلى علمه وإِقراره.

فإِن قيل: فلو قال: "أليس له عليَّ أو عندي عشرة إِلا خمسة".

قيل: لنا وللشافعية (5) خلاف:

قيل: لا يلزمه شيء؛ لأن قصده نفي الخمسة وإِلا لأتى بكلام العرب: "ليس له عليّ إِلا خمسة".

وقيل: يلزمه خمسة؛ لأنه إِثبات من نفي؛ لأن (6) التقدير: ليس له عشرة لكن خمسة.

قالوا: لو كان لزم من قوله - عليه السلام -: (لا صلاة إِلا بطهور)

__________

(1) انظر: أصول السرخسي 2/ 36، وكشف الأسرار 3/ 122، 130، وتيسير التحرير 1/ 294، والتوضيح 2/ 289، وفتح الغفار 1/ 124، وفواتح الرحموت 1/ 326. وقد ذهبت طائفة من محققيهم إِلى قول الجمهور.

(2) وهي: الاستثناء من النفي إِثبات.

(3) في عدم إِثبات نقيض المحكوم به بعد "إِلا".

(4) يعين: النقل عن أهل العربية أنه كذلك، وهو المعتمد في إِثبات مدلولات الألفاظ.

(5) انظر: التمهيد للأسنوي/ 387، ونهاية المحتاج 5/ 105، ومغني المحتاج 2/ 258.

(6) في (ح): ولأن. وكانت كذلك في (ظ)، ثم ضرب على الواو.

(3/931)

ثبوتها بالطهارة، ومثله: (لا نكاح إِلا بولي) (1)، و (لا تبيعوا البر بالبر إِلا سواء بسواء) (2).

رد: لا يلزم؛ لأنه (3) استثناء من غير الجنس، وإنما سيق (4) لبيان اشتراط (5) الطهور للصلاة، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط (6).

__________

(1) أخرجه الترمذي في سننه 2/ 280، 281، 282 من حديث أبي موسى مرفوعاً، وقال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس، وقال: وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف ... وقال: وحديث عائشة حديث حسن. وأخرجه عن أبي موسى -أيضًا- أبو داود في سننه 2/ 568، وابن ماجه في سننه/ 605، والدارمي في سننه 2/ 62، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 305)، والحاكم في مستدركه 2/ 169 - 172، ووصفه بأنه الأصل الذي لم يسع الشيخين إِخلاء الصحيحين عنه، وأطال الكلام عليه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 304). وانظر: سنن البيهقي 7/ 105 وما بعدها.

(2) أخرج مسلم في صحيحه/ 1210 عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله ينهى عن بيع الذهب بالذهب ... والبر بالبر ... إِلا سواء بسواء. وأخرجه النسائي في سننه 7/ 275، وابن ماجه في سننه/ 757، والدارمي في سننه 2/ 174. وأخرج الشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 177) عن عبادة مرفوعاً: (لا تبيعوا الذهب بالذهب ... ولا البر بالبر ... إِلا سواء بسواء). وأخرجه -هكذا- البيهقي في سننه 5/ 276.

(3) في (ب): لا يلزم لا استثناء ...

(4) في (ب): سبق.

(5) نهاية 131 أمن (ب).

(6) وإن لزم من فواته ذوات المشروط.

(3/932)

وقال في الروضة (1): هذه صيغة الشرط، ومقتضاها نفيها (2) عند نفيها (3) ووجودها (4) عند وجودها ليس منطوقًا بل من المفهوم، فَنَفْي شيء لانتفاء شيء لا يدل على إِثباته عند وجوده، بل يبقى كما قبل النطق، بخلاف: "لا عالم إِلا زيد" (5).

قال بعض أصحابنا (6): "جعله المثبت من قاعدة المفهوم ليس (7) بجيد"، وكذا جعله ابن عقيل في الفصول في قول أحمد: كل شيء يباع قبل قبضه إِلا ما كان مأكولا.

وقد احتج القاضي (8) -في أن النكاح لا يفسد بفساد المهر-: بقوله: (لا نكاح إِلا بولي وشاهدي عدل (9))، قال: فاقتضى الظاهر

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 270 - 271.

(2) يعني: نفي الصلاة.

(3) يعني: نفي الطهارة.

(4) يعني: وأما وجودها.

(5) فهو صريح في الإِثبات والنفي.

(6) انظر: المسودة / 354.

(7) نهاية 274 من (ح).

(8) انظر: المسودة/ 160.

(9) سبق تخريج قوله: (لا نكاح إِلا بولي) في ص 932. أما الحديث بهذه الزيادة (وشاهدي عدل) فقد أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 221 - 222، 225 - 227 من حديث ابن عباس مرفوعًا -ثم قال الدارقطني: رفعه علي بن الفضل ولم=

(3/933)

صحته (1)، ولم يفرق (2).

قال بعض أصحابنا (3): هذه دلالة ضعيفة (4).

فإِن قيل: فيه إِشكال سوى ذلك، وهو: أن المراد المنفي الأعم، أي: لا صفة للصلاة (5) معتبرة إِلا صفة الطهارة، فنفى الصفات المعتبرة وأثبت الطهارة.

__________

=يرفعه غيره- ومن حديث ابن مسعود وابن عمر وعائشة مرفوعاً. وقد تكلم في أسانيدها، فانظر: التعليق المغني على الدارقطني، ونصب الراية 3/ 189. وأخرجه الشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 317) موقوفاً على ابن عباس. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 305) من حديث عائشة مرفوعًا، وانظر: نصب الراية 3/ 167. وأخرجه البيهقي في سننه 7/ 111، 112 عن علي موقوفاً وعن ابن عباس موقوفاً، وأخرجه في سننه 7/ 125 من حديث عائشة وأبي هريرة مرفوعاً. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/ 196 من حديث عمران بن حصين مرفوعاً.

وراجع: نصب الراية 3/ 188، 189، والتلخيص الحبير 3/ 156، 162، ومجمع الزوائد 4/ 286، والفتح الرباني 16/ 156.

(1) إِذا حضر الولي والشهود.

(2) بين أن يكون المهر صحيحا وأن يكون فاسدًا.

(3) انظر: المسودة/ 160.

(4) قال: لكن قد يظن أن هذا يعكّر على قولنا: "إِن الاستثناء من النفي إِثبات"، وليس كذلك.

(5) نهاية 95 أمن (ظ).

(3/934)

قيل: المراد من نفيها المبالغة في إِثبات تلك الصفة، وأنها آكدها.

والقول بـ "أنه استثناء منقطع، فلا إِشكال" بعيد؛ لأنه مُفَرَّغ، فهو من تمام الكلام، ومثله: "ما زيد إِلا قائم" ونحوه.

مسألة

من استثنى استثناء بعد استثناء -وعطف الثاني- أضيف إِلى الأول، فـ "عشرة إِلا ثلاثة وإلا اثنين" كـ "عشرة إِلا خمسة"، و"أنت طالق ثلاثاً إِلا واحدة وإلا واحدة" يلغو الثاني إِن بطل استثناء الأكثر.

وإن لم يعطفه فاستثناء من استثناء يصح إِجماعًا، فـ "عليه عشرة إِلا ثلاثة إِلا درهما" يلزمه ثمانية؛ لأنه من إِثباتٍ نفيٌ (1) ومن نفيٍ إِثباتٌ، و"أنت طالق ثلاثاً إِلا واحدة إِلا واحدة" قيل: يلغو (2) الثاني، فتقع اثنتان، وقيل: لا، فتقع ثلاث؛ لأنه من نفي إِثبات.

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص بالشرط

قال في التمهيد (3): الشرط ما وجد الحكم بوجوده وعدم (4) بعدمه (5).

__________

(1) نهاية 131 ب من (ب).

(2) على أنه استثناء الكل.

(3) انظر: التمهيد/ 11أ.

(4) في (ب): وعدمه.

(5) قال: مع قيام سببه.

(3/935)

وفي الروضة (1) -وقاله الغزالي (2) -: ما لا يوجد المشروط دونه، ولا يلزم وجوده بوجوده.

وهو دور، وتعريف بالأخفى؛ لأن المشروط مشتق منه.

ونقض طرده (3): بجزء السبب (4). (5)

وقيل (6): ما يقف عليه تأثير (7) المؤثر في تأثيره لا في ذاته.

ونقض عكسه: بالحياة القديمة، شرط للعلم القديم، ولا (8) تأثير ولا مؤثر.

ولا ينتقض طرده بالمؤثر ومؤثر المؤثر؛ لإِشعار ذكر "تأثير المؤثر" بخروجهما؛ فإِن المؤثر لا يقف تأثيره على نفسه ولا [على] (9) مؤثره، بل

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 259.

(2) انظر: المستصفى 2/ 181 - 182.

(3) فهو غير مانع.

(4) وليس بشرط.

(5) نهاية 275 من (ح).

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 309.

(7) كذا -أيضاً- في الإحكام للآمدي. وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تعليقه عليه: كان فيه تحريفا، ولعل الصواب: ما يتوقف عليه المؤثر في تأثيره لا في ذاته، وفي معناه ما قاله غيره: ما يتوقف تأثير المؤثر عليه. أ. هـ. فانظر: المنتهى لابن الحاجب/ 93.

(8) في (ظ): لا.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3/936)

يقف وجوده على مؤثره.

واختار الآمدي (1) وغيره: ما يلزم من نفيه نفي أمر على وجه لا يكون سبباً لوجوده ولا داخلاً فيه (2).

فيدخل: شرط الحكم، وشرط السبب.

وهو: عقلي كالحياة للعلم، وشرعي كالطهارة للصلاة، ولغوي كـ: أنت طالق إِن دخلتِ.

والشرط اللغوي أغلب استعماله في السببية العقلية نحو: "إِذا طلعت الشمس فالعالم مضيء"، والشرعية: (وإن كنتم جنبًا فاطهروا) (3).

واستعمل لغة في شرط لم يبق للمسبَّب سواه، أي: في الشرط الأخير، نحو: إِن تأتني أُكْرِمك.

* * *

والشرط مخصِّص يخرج به ما لولاه لدخل كـ "أكرم بني تميم إِن دخلوا" فيقصره الشرط على من دخل، و"أكرمهم أبدًا إِن قدرت" وإِن خرج عدم القدرة بالعقل لا ينافي الدخول لغة.

* * *

ويتحد الشرط ويتعدد على الجمع والبدل، فهذه ثلاثة أقسام، كل منها

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 309.

(2) يعني: في السبب.

(3) سورة المائدة: آية 6.

(3/937)

مع الجزاء (1) كذلك، فهي تسعة.

* * *

وللشرط صدر الكلام، يتقدم على الجزاء لفظًا؛ لتقدمه في الموجود طبعا.

فإِن تأخر لفظا: فأكثر النحاة: أن ما تقدم (2) ليس بجزاء بل قام مقامه ودَلَّ عليه، وهو محذوف (3).

* * *

والشرط كالاستثناء في اعتبار اتصاله بالمشروط.

* * *

وإن تعقب جملاً متعاطفة فللجميع عند الأئمة الأربعة، وذكره في التمهيد (4) إِجماعًا، وفي الروضة (5): سلّمه الأكثر.

وفي المغني (6): "أنتِ عليّ حرام (7) ووالله لا أكلمك إِن شاء الله"

__________

(1) نهاية 123أمن (ب).

(2) في (ح): ما يقدم.

(3) نهاية 95 ب من (ظ).

(4) انظر: التمهيد/ 59 ب.

(5) انظر: روضة الناظر/ 258.

(6) انظر: المغني 8/ 15.

(7) في (ظ): حرام والله لا أكلمك ...

(3/938)

الاستثناء لهما في أحد (1) الوجهين؛ لأنه إِذا تعقب جملا عاد إِليها إِلا أن ينوي (2).

ولعل مراده بالخلاف لاختلاف اليمين.

واحتج في الواضح (3) لخصمه في الاستثناء: بـ "امرأتي طالق وأعط زيدًا درهما إِن قام" (4). فأجاب: لعدوله عن إِيقاع الطلاق إِلى الأمر (5)، بخلاف: "امرأتي طالق ومالي صدقة على فلان الفقير إِن قام" (6).

ويأتي (7) في "على (8) أنه" مثله.

واختار الآمدي (9) وغيره كما سبق (10) في الاستثناء، قال: وبعض النحاة خصه بالجملة التي تليه متقدمة أو متأخرة.

__________

(1) نهاية 276 من (ح).

(2) الاستثناء في بعضها، فيعود إِليه وحده.

(3) انظر: الواضح 2/ 151 ب- 152 أ.

(4) فلا يرجع الشرط إِلى الطلاق، بل يقع الطلاق، ويقف دفع الدرهم على القيام، فكذا هنا أي: في الاستثناء.

(5) فعلمنا أنه لم يصل الثاني بالأول، وإنما بدأ بأمر علَّقه على شرط.

(6) وهذا وزان مسألتنا.

(7) في ص 943.

(8) في (ب) و (ح): علي أنه.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 311.

(10) في ص 922.

(3/939)

ثم: أطلق الجميع العطف، لكن أحالوه على الاستثناء.

وصرح بعضهم بالواو.

وسبق (1) كلام بعض أصحابنا في الاستثناء، وفيه (2) أيضاً: لو حلف "لأضربن زيدًا ثم عمرًا ثم بكرًا إِن شاء الله" كان للجميع، وغير ذلك من الصور.

وإِن قال (3) لمدخول [بها] (4): "إِن دخلت فأنت طالق فطالق فطالق" -قد خلت- وقع ثلاث إِجماعًا.

وإِن أتى بـ "ثم" فكذلك عند جماعة من أصحابنا والشافعية (5) وأبي يوسف ومحمد (6)، وذكر القاضي (7) وجماعة من أصحابنا: وقعت الثانية والثالثة في الحال، وتعلقت الأولى بالدخول؛ لأن "ثم" للتراخي، فكأنه سكت، ثم قال (8) أنت طالق.

__________

(1) في ص 929.

(2) انظر: مجموع الفتاوى 13/ 148 - 149، 150 - 151، 155، 160.

(3) استقى المؤلف هذه الفروع من المغني 7/ 482.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) انظر: التمهيد للأسنوي / 396.

(6) انظر: بدائع الصنائع/ 1882.

(7) انظر: المغني 7/ 482.

(8) نهاية 132 ب من (ب).

(3/940)

وغير المدخول بها: إِن دخلت وقع بالفاء واحدة فقط، للترتيب. وعند أبي يوسف (1) ومحمد: ثلاث كالواو، خلافاً لأبي حنيفة (1) فيهما (2).

وكذا يقع بـ "ثم" واحدة عند جماعة من أصحابنا.

وعند القاضي (3) وجماعة: إِن أخر الشرط فواحدة في الحال، وبطل ما بعدها، وإِن قَدَّمه تعلقت الأولى بالدخول، ووقعت الثانية في الحال، وبطلت الثالثة؛ بناء على أن "ثُمَّ" كسكتة.

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص بالصفة

نحو: "أكرم بني تميم الداخلين"، فيقصر عليهم.

قال بعض أصحابنا (4) والآمدي (5) وغيرهم: وهي كالاستثناء (6).

وفي الروضة (7): سَلَّم الأكثر: تعود إِلى الجميع.

__________

(1) انظر: بدائع الصنائع/ 1878، 1881.

(2) يعني: فيما إِذا أتى بالواو أو بالفاء، فقال: يقع واحدة.

(3) انظر: المغني 7/ 482، ومجموع الفتاوى 13/ 151.

(4) انظر: المسودة/ 157.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 312.

(6) يعني: في عودها إِلى الجمل المذكورة قبلها.

(7) انظر: روضة الناظر/ 258.

(3/941)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص بالغاية

كـ "أكرم بني تميم حتى أو إِلى أن يدخلوا"، فيقصر (1) على غيرهم (2)؛ لأن (3) ما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وإلا لم تكن غاية بل وسطًا بلا فائدة.

* * *

والغاية والمُغَيَّا -أي: المقيد بها- يتحدان ويتعددان، تسعة أقسام كالشرط.

* * *

قال بعض أصحابنا والآمدي (4) وغيرهم: وهي كالاستثناء بعد جمل.

مسألة

قال بعض أصحابنا (5): والتوابع المخصصة للأسماء المتقدمة -كالبدل وعطف البيان- كالاستثناء (6)، (7) والشروط المعنونة (8) بحروف الجر

__________

(1) نهاية 277 من (ح).

(2) يعني: غير الداخلين.

(3) في (ب): لا ما بعد.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 313.

(5) انظر: المسودة/ 157، ومجموع الفتاوى 13/ 156 - 157.

(6) يعني: في العود إِلى ما تقدم.

(7) نهاية 96 أمن (ظ).

(8) في (ح): المعنوية. ولم تنقط الكلمة في (ظ).

(3/942)

-كقوله: "على أنه" أو "بشرط أنه"- أو بحروف العطف كقوله: "ومن شرطه (1) كذا" فهذا كالشرط، فـ "أكرم بني تميم وبني أسد وبني بكر المؤمنين" أمكن كونه تمامًا لـ "بكر" فقط، و"بشرط كونهم مؤمنين" أو "على أنهم" متعلق بالإِكرام، وهو للجميع معا، كقوله: "إِن كانوا مؤمنين"، وكذا تتعلق حروف الجر المتأخرة بالفعل المتقدم، وهو قوله: "وقفت (2) "، وهو الكلام والجملة، فيجب الفرق بين ما تعلق بالاسم وما تعلق بالكلام.

قال (3): والوقف على جمل أجنبيات (4) -كالوقف على أولاده ثم أولاد فلان ثم المساكين، على أنه لا يعطى منهم إِلا صاحب عيال- يقوى اختصاص الشرط بالجملة الأخيرة؛ لأنها أجنبية من الأولى.

مسألة

الإِشارة بـ "ذلك" بعد الجمل: سبق (5) في الحقيقة الشرعية.

وقال ابن عقيل -في الوعد والوعيد من الإِرشاد، في قوله: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) (6) -: يجب عوده إِلى جميع ما تقدم، وعوده إِلى

__________

(1) في (ب): ومن شرط.

(2) وذلك في المثال المذكور في مجموع الفتاوى 13/ 100، 157.

(3) انظر: مجموع الفتاوى 13/ 157.

(4) نهاية 133 أمن (ب).

(5) في ص 99 من هذا الكتاب.

(6) سورة الفرقان: آية 68.

(3/943)

بعضه ليس بلغة العرب، ولهذا لو قال: "من دخل وخدمني وأكرمني فله درهم" لم يعد إِلى الدخول فقط.

وذكره -أيضاً- في الواضح (1) في مخاطبة الكفار، وقال: إِذا عاد للجميع فالمؤاخذة بكل من الجمل (2)، فالخلود للكفر، والمضاعفة في قدر العذاب لما ذكره من الذنوب.

وقال ابن الجوزي (3) -في قوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) (4) -: قيل: الإِشارة إِلى أجرة الرضاع والنفقة، وقيل: إِلى النهي عن الضرار، وقيل: إِلى الجميع -اختاره القاضي- لأنه (5) على المولود له (6)، وهذا معطوف عليه، فيجب الجميع.

وقال أبو البقاء (7) -في: (ذلكم فسق) (8) -: إِشارة إِلى الجميع، ويجوز أن يرجع إِلى الاستقسام (9).

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 306أ، 307أ.

(2) المذكورة.

(3) انظر: زاد المسير 1/ 273.

(4) سورة البقرة: آية 233.

(5) يعني: الجميع من النفقة والكسوة وعدم الضرار.

(6) نهاية 278 من (ح).

(7) انظر: إِملاء ما من به الرحمن 1/ 207.

(8) سورة المائدة: آية 3.

(9) يعني: الاستقسام بالأزلام، والأزلام هي القداح، واحدها زَلَم وزُلَم،=

(3/944)

وقال أبو يعلى الصغير من أصحابنا -في قتل مانع الزكاة، في آية الفرقان (1) المذكورة-: ظاهر اللفظ يقتضي عود العذاب والتخليد إِلى الجميع، وكل واحد منه، لكن قام دليل على أن التخليد لا يكون إِلا بالكفر، فخصت به الآية. [كذا قال] (2).

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

التخصيص بالمنفصل

مسألة

يجوز التخصيص بالعقل عند أصحابنا والجمهور، قال أحمد (3) -في قوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) (4) -: "قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها شيء من (5) عظمة الله"، قال القاضي (6): فخص (7)

__________

=والاستقسام: استفعال من القَسْم (قسم الرزق والحاجات) ومعناه: أن يضرب بها، فيعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي، فكانوا إِذا أرادوا أن يقتسموا شيئًا بينهم -فأحبوا أن يعرفوا قسم كل امرئ- تعرفوا ذلك منها، فأخذ الاستقسام من القسم وهو النصيب. انظر: زاد المسير 2/ 284.

(1) سورة الفرقان: آية 68.

(2) ما بين المعقوفتين من (ح).

(3) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة/ 135، والعدة/ 548.

(4) سورة الأنعام: آية 3.

(5) نهاية 133 ب من (ب).

(6) انظر: العدة/ 548.

(7) في العدة: فعارض.

(3/945)

الظاهر بالعقل.

ومنع منه قوم من المتكلمين، قال أبو الخطاب (1): وهو ظاهر قول من يقول: "لا يحسن ولا يقبح، وأن الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل"، وهو مذهب أصحابنا والأشعري. كذا قال، مع أنه لا يرد بما يحيله كما سبق (2) آخر مسألة التحسين.

وقال بعض أصحابنا (3): المعرفة (4) إِنما تعم ما أوجبه التعريف، فقول الله: (يا أيها الناس) (5) إِنما يعم من ثبت أن الله يخاطبه، والصبيان والمجانين لم يخاطبوا، فلا يشملهم اللفظ.

قال (6): ومن لم (7) يجعل العقل مخصصا؛ فلأنه -والله أعلم- كمخصِّص (8) لفظي متصل، وهو نظير ما قاله القاضي وغيره من أصحابنا والشافعية، لما قيل لهم: لا يجوز تأخير بيان النسخ إِلا أن يقترن به بيان النسخ؛ فيقول: "صلوا إِلى بيت المقدس ما لم أنسخه عنكم"، فقالوا: هذا

__________

(1) انظر: التمهيد/ 61أ.

(2) في ص 165 من هذا الكتاب.

(3) يعني: ابن تيمية شيخ الإِسلام. انظر: المسودة/ 101.

(4) نهاية 96 ب من (ظ).

(5) سورة البقرة: آية 21.

(6) انظر: المسودة/ 118 - 119.

(7) في المسودة: الذين يجعلون العقل مخصصا.

(8) في (ح) و (ظ): لمخصص.

(3/946)

خطأ؛ لأنه (1) مقرون بكل خطاب، وإن لم ينطق به الخاطِب (2)، فهما سواء. قال: فجعلوا التقييد (3) المعلوم بالعقل كتقييد لفظي، وذلك يمنع اللفظ (4) دالا على غير المقيد.

وقال جده صاحب المحرر -في شرح الهداية (5)، في إِمامة الصبي-: والذي عليه أهل العلم أن الصبيان لا يدخلون في مطلق الخطاب.

وجه الأول: (الله خالق كل شيء) (6)] (وهو على كل شيء قدير) (7)، والعقل قاطع باستحالة كون القديم مخلوقاً أو مقدورًا بلا خلاف بين العقلاء، فالمخالف موافق على معنى التخصيص مخالف في التسمية.

وأيضًا: (ولله على الناس حج البيت) (8)، وكل من طفل ومجنون غير مراد بالعقل؛ لعدم الفهم.

__________

(1) في المسودة: لأن هذا.

(2) قال: لأن الدليل قد دل على جواز النسخ، فصار ذلك مقدرًا في خطاب صاحب الشريعة ومقرونا به وإِن لم يذكره، فوجب أن يكونا سواء، فيجب أن يجري هذا في العموم.

(3) نهاية 279 من (ح).

(4) في المسودة: كون اللفظ.

(5) الهداية: كتاب في الفقه الحنبلي - لأبي الخطاب الحنبلي، المتوفى سنة 510 هـ. والكتاب مطبوع. ولم أعثر على شرحه هذا.

(6) سورة الرعد: آية 16.

(7) سورة المائدة: آية 120.

(8) سورة آل عمران: آية 97.

(3/947)

واعترض: بأرش الجناية وضمان المتلَف لازم للصبي، وبصحة صلاته وحجه.

رد الأول: بعصمة المحل، فهو من خطاب الوضع، والمخاطَب الولي بتمرينه.

قالوا: لو خَصّ العقل (1) لأريد المخصص لغة؛ لأن اللفظ لا دلالة له بالذات (2)، والعاقل لا يريد ما يخالف العقل.

رد: اللفظ متناول (3) للمفرد لغة (4)، وما نسب إِليه المفرد (5) مانع من إِرادته، فلا منافاة.

قالوا: لو خَصّ العقل لكان متأخرًا؛ لأنه بيان.

رد: إِن أريد تأخير بيانه فمسلَّم، أو تأخير ذاته منع.

قالوا: لو خص لنسخ.

رد: النسخ محجوب عن العقل بخلاف التخصيص.

قال ابن عقيل (6): والعقل يجوّز بقاء الحكم (7)، وأجمع [العقلاء] (8)

__________

(1) نهاية 134 أمن (ب).

(2) بل: بإِرادة المتكلم.

(3) يعني: للمخصَّص.

(4) نحو: كل شيء.

(5) من المخلوقية أو المقدورية.

(6) انظر: الواضح 2/ 101 ب.

(7) قال: إِذ قد اجتمع العقلاء ...

(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3/948)

من أهل الشرائع أنه لا يجوز أن يرد الشرع بما لا يجيزه العقل (1).

قالوا: تعارض العام والعقل.

رد: فيجب تأويل المحتمل -وهو العام- جمعًا بينهما (2).

مسألة

وبالحس، نحو: (وأُوتيت من كل شيء) (3)] (تدمر كل شيء) (4).

مسألة

إِذا ورد خاص وعام (5) مقترنين (6) قدم الخاص (7) عند عامة الفقهاء والمتكلمين.

__________

(1) قال: فإِذا جوز ذلك وعلم أن الواضع له الحاكم الأزلي الذي لا يصدر عنه ما يقضي عليه العقل بل يقضي به العقل فلا سبيل إِلى نسخ ذلك الحكم بالعقل، فأما إِذا قال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) حسن أن يشعر العقل بتخصيص هذا الأمر العام بإخراج من لا يسوغ في العقل خطابه من الأطفال والمجانين.

(2) ضرب في (ب) و (ظ) على (بينهما)، وكتب: (بين الأدلة).

(3) سورة النمل: آية 23.

(4) سورة الأحقاف: آية 25.

(5) في (ب): مقربين.

(6) زمانا.

(7) يعني: خص الخاص العام.

(3/949)

وعن بعضهم: تعارض الخاص بما قابله من العام.

* * *

وإن لم يقترنا قدم الخاص مطلقا في ظاهر كلام أحمد (1) (2) في مواضع، وعليه أصحابه والشافعي (3) وأصحابه وجماعة من الحنفية (4)، منهم: أبو زيد (5).

وعند أكثر الحنفية (6) والمعتزلة (7) وابن الباقلاني (8) وأبي المعالي: إِن تأخر العام نَسَخ، أو الخاص نَسَخ العام بقدره، والوقف (9) إِن جهل التاريخ،

__________

(1) انظر: العدة/ 615.

(2) نهاية 280 من (ح).

(3) انظر: المحصول 1/ 3/ 164، 170، والإِحكام للآمدي 2/ 318.

(4) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345.

(5) هو: عبد الله أو عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، أصولي فقيه، توفي ببخارى سنة 430 هـ.

من مؤلفاته: تقويم الأدلة في أصول الفقه، وتأسيس النظر، والأسرار في الفروع.

انظر: وفيات الأعيان 2/ 251، والفوائد البهية/ 109، وتاج التراجم/ 36، وشذرات الذهب 3/ 245.

(6) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345.

(7) انظر: المعتمد / 276 وما بعدها.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 319، والمنتهى لابن الحاجب/ 95، ومختصره 2/ 147.

(9) نهاية 97 أمن (ظ).

(3/950)

قالت الحنفية (1): ويؤخر المحرّم احتياطا.

وقال أحمد (2) -في رواية عبد الله بعد كلام طويل-: يؤخذ بهما حتى تأتي دلالة بأن الخبر قبل الخبر، فيكون الأخير أولى.

وتأولها (3) القاضي (4) على أن الخبرين خاصان، قال في التمهيد (5): "وفيه نظر"، وقال بعض أصحابنا (6): فاسد (7)، لتمثيله أول الرواية بخبر (8) حكيم (9) -وهو عام في البيع- مع (10) السلم (11)، وهو

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 272، وفواتح الرحموت 1/ 345 - 346.

(2) انظر: مسائل الإِمام أحمد - رواية عبد الله/ 15.

(3) يعني: تأول قوله: (الأخير أولى).

(4) انظر: العدة/ 620.

(5) انظر: التمهيد/ 66 ب.

(6) انظر: المسودة/ 136.

(7) يعني: تأويل القاضي.

(8) وهو قول الرسول: (لا تبع ما ليس عندك). أخرجه أبو داود في سننه 3/ 768 - 769، والترمذي في سننه 2/ 350 - 351 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 7/ 289، وابن ماجه في سننه/ 737، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 264) من حديث حكيم بن حزام مرفوعًا.

(9) هو: الصحابي حكيم بن حزام.

(10) في (ب): من.

(11) أحاديث جواز السلم: أخرجها البخاري في صحيحه 3/ 85 من حديث ابن عباس وابن أبزي وابن أبي أوفى مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 1226 من حديث ابن عباس مرفوعاً.

(3/951)

خاص (1)، وبخبر المصراة -وهو خاص- مع (الخراج بالضمان (2)، وهو عام في كل ضمان.

وفي الروضة (3) رواية: يقدم المتأخر كقول أكثر الحنفية -وخرجه بعض أصحابنا (4) على قول من منع من تأخير البيان عن وقت الخطاب إِلى وقت الحاجة من أصحابنا، وقاله بعض المالكية (5) وبعض الشافعية (6) (7) - فإِن جهل التاريخ اقتضت تعارضهما.

__________

(1) نهاية 134 ب من (ب).

(2) هذا الحديث روته عائشة مرفوعًا. أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود في سننه 3/ 777 - 780، وابن ماجه في سننه / 754، وأحمد في مسنده 6/ 49، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 166)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 21 - 22، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 275)، والحاكم في مستدركه 2/ 14 - 15 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه -بلفظ: قضى أن الخراج بالضمان- الترمذي في سننه 2/ 376 - 377 وقال: حسن -وأورده من طريق آخر، وقال: صحيح غريب من حديث هشام بن عروة- والنسائي في سننه 7/ 254 - 255.

قال في التلخيص الحبير 3/ 22: وصححه ابن القطان، وقال ابن حزم: لا يصح.

(3) انظر: روضة الناظر/ 245.

(4) انظر: المسودة/ 136.

(5) كابن نصر (عبد الوهاب المالكي). انظر: المرجع السابق.

(6) كأبي الطيب. انظر: المرجع السابق.

(7) ما بين الشرطتين جاء في (ح) بعد قوله: اقتضت تعارضهما.

(3/952)

وقال بعض أصحابنا (1): منصوص أحمد: إِن فقد التاريخ يقدم الخاص، وإلا (2) قدم (3) المتأخر، وهو أقوى -كذا قال- وقاله بعض الحنفية وبعض المعتزلة، قال (4): ويقدم الخاص لجهل التاريخ -وإن قلنا: العام المتأخر ينسخ- لأن (5) العام لم يعلم ثبوته في قدر الخاص؛ لجواز اتصالهما أو تقدم العام أو تأخره (6) مع بيان التخصيص مقارنًا.

ومنع بعض الناس من تخصيص الكتاب بمالكتاب مطلقًا.

وجه الأول: أن: (والمحصنات (7) من الذين) (8) خَصَّ (ولا تنكحوا المشركات) (9)، (10) قال ابن الجوزي: على هذا عامة الفقهاء، وروي معناه عن جماعة من الصحابة، منهم: عثمان وطلحة (11) وحذيفة وجابر وابن

__________

(1) انظر: المسودة/ 136.

(2) يعني: وإن علم التاريخ.

(3) في (ظ): وإلا يقدم.

(4) انظر: المسودة/ 137.

(5) يعني: لأن الخاص قد علم ثبوته، والعام لم يعلم ... إِلخ.

(6) يعني: تأخر العام.

(7) في (ظ): والمخصات.

(8) سورة المائدة: آية 5.

(9) سورة البقرة: آية 221.

(10) نهاية 281 من (ح).

(11) هو: الصحابي طلحة بن عبيد الله.

(3/953)

عباس (1).

وأيضاً: الخاص قاطع، أو أشد تصريحًا وأقل احتمالاً.

ولأنه لا فرق -لغة- بين تقديم الخاص وتأخيره.

قال: في النسخ إِعمال للدليلين في زمانين، وفي التخصيص إِبطال للعموم في بعض أفراده.

ولأنه لو قال: "لا تقتل زيداً المشرك"، ثم قال: "اقتل المشركين" كان في قوة "اقتل زيدًا"، وأنه نسخ.

رد: شرطه (2) المساواة وعدم الجمع.

ثم: التخصيص مانع، والنسخ رافع، والدفع أسهل منه (3)، وهو أغلب، والنسخ نادر.

قالوا: عن ابن عباس عنه - عليه السلام - (4): أنه صام في سفر ثم أفطر، قال: "وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره". رواه مسلم (5).

__________

(1) انظر: زاد المسير 1/ 247. وراجع: تفسير الطبري 4/ 362 ط: دار المعارف، وسنن البيهقي 7/ 171 - 173، وتفسير القرطبي 3/ 68، والدر المنثور 1/ 256.

(2) يعني: شرط النسخ.

(3) يعني: من الرفع.

(4) نهاية 135 أمن (ب).

(5) انظر: صحيح مسلم/ 784 - 785. وأخرجه مالك في الموطأ/ 294، والدارمي في سننه 1/ 34.=

(3/954)

وفي البخاري (1) عن الزهري: "وإنما يؤخذ من أمره - عليه السلام - بالآخر فالآخر".

واحتج به (2) أحمد في رواية عبد الله السابقة (3).

رد: بحمله على غير المخصّص (4) جمعاً بين الأدلة.

المانع منه في الكتاب: لو جاز لم يكن - عليه السلام - مبينًا (5) ,وقد قال: (لتبين للناس) (6).

عورض: بقوله: (تبيانًا لكل شيء) (7).

ثم: هو - عليه السلام - مبيِّن بهما (8).

__________

=وقد ذكر أن: (وكان صحابة رسول الله ...) من قول الزهري، فانظر: صحيح مسلم -الموضع السابق- وفتح الباري 4/ 181.

(1) انظر: صحيح البخاري 5/ 146، وصحيح مسلم/ 785.

(2) يعني: بقوله: (يؤخذ بالأحدث ... إِلخ).

(3) في ص 951.

(4) يعني: على ما لا يقبل التخصيص.

(5) إِذ التخصيص تبيين.

(6) سورة النحل: آية 44.

(7) سورة النحل: آية 89.

(8) يعني: بالكتاب والسنة.

(3/955)

مسألة

يجوز تخصيص السنة بالسنة. والخلاف (1) كالتي قبلها.

* * *

وتخصيص السنة بالكتاب عند الجمهور، خلافًا لبعض أصحابنا (2) وبعض الشافعية وبعض المتكلمين، وذكره ابن حامد (3) والقاضي (4) رواية عن أحمد، قال بعض أصحابنا (5): وهو مقتضى قول مكحول (6) ويحيى بن أبي كثير: "السنة تقضي على الكتاب، والكتاب لا يقضي على السنة"، قال (7): وهو الأغلب على كلام الشافعي.

والأدلة كالتي قبلها.

__________

(1) نهاية 97 ب من (ظ).

(2) انظر: المسودة/ 122.

(3) انظر: العدة/ 570، والمسودة/ 122.

(4) انظر: العدة/ 570.

(5) انظر: المسودة/ 123.

(6) هو: أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الدمشقي، تابعي فقيه، توفي سنة 112 هـ، وثقه جماعة، وضعفه آخرون، قال ابن حجر في التقريب: ثقة كثير الإِرسال.

انظر: مشاهير علماء الأمصار/ 114، ووفيات الأعيان 4/ 368، وحلية الأولياء 5/ 177، وتذكرة الحفاظ/ 107، وتقريب التهذيب 2/ 273.

(7) نهاية 282 من (ح).

(3/956)

مسألة

يجوز تخصيص الكتاب بالمتواتر (1) إِجماعًا.

وبخبر الواحد عند أحمد (2) والشافعي (3) وأصحابهما والمالكية (4)، وذكره ابن نصر (5) المالكي عن كثير من الحنفية.

وعن أحمد: المنع -ذكره ابن شهاب العكبري (6) في مسألة الدباغ،

__________

(1) في (ب): بالمواتر.

(2) انظر: العدة / 551.

(3) انظر: اللمع/ 19، والتبصرة/ 132، والمستصفى 2/ 114، والمحصول 1/ 3/ 131، والإحكام للآمدي 2/ 322.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 96، وشرح تنقيح الفصول/ 206، 208، ومفتاح الوصول/ 59.

(5) وهو: عبد الوهاب. انظر: المسودة/ 119.

(6) في طبقات الحنابلة وذيلها شخصان بهذا النسب وهذه النسبة:

أحدهما: أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن، فقيه محدث أديب، ولد بعكبرا سنة 335 هـ، وتوفي بها سنة 428 هـ له مصنفات في الفقه والفرائض والنحو.

انظر: طبقات الحنابلة 2/ 186.

والثاني: أبو علي الحنبلي، صاحب كتاب (عيون المسائل)، ينقل من كلام القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب، قال ابن رجب: ما وقفت له على ترجمة.

انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 172، والمنهج الأحمد 2/ 233.

(3/957)

وهي فيها في الانتصار (1) وجه (2) لنا، وقال الفخر من أصحابنا: له ظهور واتجاه- وقاله بعض المتكلمين.

وعند الحنفية (3): إِن كان خص بدليل مجمع عليه (4) جاز، وإلا فلا.

وعن الكرخي (5): إِن كان خص بمنفصل.

ووقف القاضي (6).

[وقيل: لم يقع] (7).

لنا: أنه إِجماع الصحابة، كما خصوا: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (8)

__________

(1) انظر: الانتصار 1/ 20أ.

(2) في (ب) و (ظ): ووجه.

(3) بناء على أن العام عندهم قطعي الدلالة. انظر: أصول السرخسي 1/ 141، وكشف الأسرار 1/ 294، وتيسير التحرير 1/ 267، وفواتح الرحموت 1/ 349.

(4) يعني: قبل التخصيص بخبر الواحد، لتضعف دلالته.

(5) حكاه عنه الآمدى في الإِحكام 2/ 322، وابن الحاجب في المنتهى/ 96.

(6) يعني: المؤلف بـ (القاضي) -هنا-: ابن الباقلاني؛ فإِن القاضي أبا يعلى يقول بالجواز -انظر: العدة/ 550 - وابن الباقلاني يقول بالوقف، انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 149. فخالف المؤلف بهذا ما ذكره في مقدمة كتابه من أنه إِذا ذكر (القاضي) فالمراد به: أبو يعلى.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(8) سورة النساء: آية 24.

(3/958)

بحديث أبي (1) هريرة: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) متفق عليه (2)، وآية السرقة (3) بما دون النصاب (4)، وقتل المشركين (5) بإِخراج المجوس، وغير ذلك.

وقاس ابن عقيل (6) على ظاهر أمر ونهي. كذا قال.

قالوا: رد عمر خبر (7) فاطمة بنت قيس: "أنه - عليه السلام - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة"؛ لتخصيصه لقوله: (أسكنوهن) (8)، ولهذا قال: "كيف نترك كتاب الله لقول امرأة؟! ".

__________

(1) نهاية 135 ب من (ب).

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 12، ومسلم في صحيحه/ 1029 مرفوعًا، واللفظ لمسلم، وبلفظ مسلم أخرجه ابن ماجه في سننه/ 621.

(3) سورة المائدة: آية 38.

(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 160 عن عائشة مرفوعًا: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1312 - 1313 بألفاظ منها: (لا تقطع يد السارق إِلا في ربع دينار فصاعداً).

(5) كما في سورة التوبة: آية 5.

(6) قال في الواضح 2/ 104 أ: رجحنا الصريح -يعني: الخاص- على الظاهر المظنون، كما تصرف صيغ الأوامر التي في الكتاب عن الإِيجاب إِلى الندب، والنواهي عن التحريم إِلى التنزيه، بأدلة مظنونة.

(7) في (ح): حديث.

(8) سورة الطلاق: آية 6.

(3/959)

رد: لتردده في صحته، أو مخالفته سنة عنده، ولهذا: في مسلم (1): "لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة، لعلها حفظت أو نسيت"، مع أن أحمد ضَعَّفه (2)، وذكر (3) ابن عقيل (4) عنه: أنه أجاب بأنه احتياط منه.

وضعف الدارقطني (5) قوله: "وسنة نبينا".

ولا يصح: "صدقت (6) أو كذبت" (7).

__________

(1) انظر: صحيح مسلم/ 1119.

(2) انظر: مسائل الإِمام أحمد - لأبي داود/ 302، والتعليق المغني على الدارقطني 4/ 23. وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/ 438: سئل أبي عن حديث عمر: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا"، فقال: الحديث ليس بمتصل، فقيل له: حديث الأسود عن عمر، قال رواه عمارة بن رزيق عن أبي إِسحاق وحده، لم يتابع عليه.

(3) في (ب): وذكره.

(4) انظر: الواضح 2/ 102 ب.

(5) انظر: العلل له 1/ 42ب-43أ، وسننه مع التعليق المغني 4/ 26 - 27، وشرح النووي على صحيح مسلم 10/ 95.

(6) في (ح): أصدقت.

(7) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 67 بلفظ: "لا ندري لعلها كذبت"، ولم يتكلم على هذا اللفظ. وقال الزركشي في المعتبر/ 57 ب- 58 أ: وأما قوله: "ولا ندري أصدقت أم كذبت" مما أنكروه على المصنف -يعني: ابن الحاجب- فإن المحفوظ: "لا ندري أحفظت أم نسيت" كما رواه مسلم وغيره، وليس بمنكر؛ فقد رواه الحازمي في مسنده: أنا أحمد بن محمَّد بن سعيد الهمداني ثنا الحسن بن حماد بن حكيم الطالقاني ثنا أبي ثنا خلف بن ياسين الزيات عن أبي حنيفة عن حماد=

(3/960)

قالوا: العام قطعي، والخبر ظني، لا سيما إِن ضعف بتخصيصه.

رد: دلالته (1) ظنية، والتخصيص فيها، والخبر دلالته قطعية.

قال [بعض] (2) أصحابنا: وحكمه ثبت بأمر (3) قاطع، فالجمع أولى.

القائل بالوقف: كلاهما قطعي ظني من وجه.

رد: الجمع أولى.

مسألة

الجمهور: أن الإِجماع مخصِّص، أي تَضَمَّنه، لا أنه في نفسه مخصص؛ لأنه لا يعتبر زمن الوحي.

ولو عمل أهل الإِجماع بخلاف نص خاص: تضمن (4) ناسخًا.

مسألة

العام يخص بالمفهوم عند القائل به، وقاله أحمد (5) وأصحابه

__________

=عن إِبراهيم عن الأسود قال: قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري: صدقت أم كذبت ... قال صاحب التنقيح: وهذا إِسناد مظلم إِلى أبي حنيفة، وأحمد بن محمَّد بن سعيد هو ابن عقدة، وهو مجمع الغرائب والمناكير.

(1) يعني: دلالة العام.

(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(3) نهاية 283 من (ح).

(4) يعني: تضمن عملُهم.

(5) انظر: المسودة/ 127.

(3/961)

والشافعية (1) وغيرهم، خلافا للقاضي في الكفاية (2) والمالكية (3) وابن حزم (4)، وقاله أبو الخطاب (5) أيضًا.

لنا: أنه (6) خاص، وفيه جمع بينهما، فكان أولى.

قالوا: العام مجمع (7) على دلالته.

رد: بالمنع، ثم: الفرض: أن المفهوم حجة.

* * *

فإِن كانت صورة السكوت أولى بالحكم من المنطوق فهو التنبيه، وهو أولى من المفهوم، أو اقتضى القياس استواءهما (8) فهو (9) أولى من المفهوم،

__________

(1) انظر: اللمع/ 20، والمستصفى 2/ 105، والمحصول 1/ 3/ 159، والإِحكام للآمدي 2/ 328.

(2) انظر: المسودة/ 127.

(3) قال في المسودة / 127: فيما ذكروه في مسألة الماء والتيمم.

وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول/ 215: في التخصيص بالمفهوم نظر وإن قلنا: إِنه حجة؛ لكونه أضعف من المنطوق. وذكر التلمساني المالكي في مفتاح الوصول / 60 - عن أكثر أصحابهم-: يخص به.

(4) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 1153.

(5) انظر: التمهيد/ 69أ، والمسودة/ 127.

(6) يعني: المفهوم.

(7) نهاية 98 أمن (ظ).

(8) نهاية 136أمن (ب).

(9) يعني: القياس.

(3/962)

كنهيه عن بيع (1) الطعام مع نهيه (2) عن بيع ما لم يقبض، وقوله -في اختلاف البائعين-: (والسلعة قائمة (3)).

__________

(1) نهي الرسول عن بيع الطعام قبل قبضه: ورد من حديث ابن عمر وابن عباس مرفوعاً، أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 68، ومسلم في صحيحه/ 1159 - 1161.

(2) نهي الرسول عن بيع ما لم يقبض: أخرج الدارقطني في سننه 3/ 8 - 9 عن حكيم بن حزام: أنه قال: يا رسول الله، إِني أشتري هذه البيوع، فما تحل لي منها وما تحرّم علي؟ قال: (يابن أخي، إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه). وأخرجه الطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 264)، والبيهقي في سننه 5/ 313، وأحمد في مسنده 3/ 402، والنسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه. انظر: نصب الراية 4/ 32.

وقد قال ابن عباس -في الحديث السابق الذي أخرجه البخاري ومسلم، في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه-: ولا أحسب كل شيء إِلا مثله.

وأخرج أبو داود في سننه 3/ 765 عن زيد بن ثابت: أن رسول الله نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إِلى رحالهم. وأخرجه الدارقطني في سننه 3/ 12 - 13، وابن حبان في صحيحه (انظر: مواد الظمآن/ 274)، والحاكم في مستدركه 2/ 40 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.

وانظر: نصب الراية 4/ 32 - 33، والتلخيص الحبير 3/ 25.

(3) أخرج ابن ماجه في سننه/ 737 عن ابن مسعود مرفوعاً: (إِذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع). وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 166، والدارقطني في سننه 3/ 20 - 21، والبيهقي في سننه 5/ 333 - 334 وضعف هذه الزيادة (والبيع قائم بعينه)، وأحمد في مسنده 1/ 466، والطبراني في المعجم الكبير 10/ 215 بلفظ: (والسلعة قائمة).

(3/963)

ذكر (1) ذلك القاضي (2).

وفي الواضح (3): نهيه عن بيع الطعام مع الحاجة إِليه تنبيه على غيره، فقدم (4)، والتحالف مع تلف السلعة أولى؛ لإِمكان الدلالة على صدق أحدهما بقيمتها الشاهدة بالثمن لمثلها.

قال بعض أصحابنا (5): ويجب أن يخرج في (6) تقديم القياس على المفهوم وجهان، كتخصيص العموم بالقياس، بل أولى (7).

__________

=وأخرج أبو داود في سننه 3/ 780 - 783 عن ابن مسعود مرفوعًا: (إِذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان).

وأخرجه الترمذي في سننه 2/ 371 عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود مرفوعًا، قال: هذا حديث مرسل؛ عون لم يدرك ابن مسعود. وأخرجه النسائي في سننه 7/ 302 - 303، والدارقطني في سننه 3/ 20، وأحمد في مسنده 1/ 466، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 333، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 63)، والحاكم في مستدركه 2/ 45 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. وانظر: التلخيص الحبير 3/ 30 - 32.

(1) في (ب): ذكره.

(2) انظر: العدة/ 634 - 635، والمسودة / 144.

(3) انظر: الواضح 2/ 129 ب- 130أ.

(4) على دليل الخطاب.

(5) انظر: المسودة/ 144.

(6) في المسودة: من.

(7) لأنهم قدموا المفهوم على العموم، فلأن يقدموه على القياس الذي هو دون العموم -على أحد الوجهين- أولى.

(3/964)

وصرح القاضي (1): بأن تقديم القياس (2) مأخوذ من تقديمه (3) على العموم، وقاله في التمهيد.

وفي القياس من الواضح (4): لا عدة على ذمية قبل الدخول قياسًا على المؤمنة، تقديماً له على المفهوم، قال: ولم يذكر الله قذف المحصنين من الرجال، فنظر القائمون إِلى المعنى، ومنه قياس عبد على أمة في تنصيف الحد، وقاس الجمهور استعمال آنية ذهب وفضة في غير أكل وشرب عليهما، وغير الحجر عليه في الاستجمار، والظفر على الشعر في الإِحرام.

قال بعض أصحابنا: تخصيص العموم بالمفهوم إِنما هو في كلامين منفصلين من متكلم واحد أو في حكم الواحد ككلام الله ورسوله، لا في كلام واحد متصل ولا متكلمين يجب اتحاد مقصودهما كبينة (5) شهدت "أن جميع الدار لزيد" وأخرى "أن الموضع الفلاني منها (6) لعمرو" فإِنهما يتعارضان في ذلك الموضع، قال: وغلط بعض الناس فجمع بينهما (7)؛ لأنه من باب العام والخاص، كما غلط بعضهم في كلام متكلم متصل.

__________

(1) انظر: العدة/ 635 - 636، والمسودة/ 144.

(2) على المفهوم.

(3) يعني: تقديم القياس.

(4) انظر: الواضح 1/ 147 ب، 148 أ، 149 أ-ب.

(5) في (ح): لبينة.

(6) نهاية 284 من (ح).

(7) يعني: قال بالجمع.

(3/965)

مسألة

فعله - عليه السلام - يخص العموم عند الأئمة الأربعة، كما لو قال: "كشف الفخذ حرام على (1) كل مسلم" (2)، ثم فعل (3)؛ لأن فعله كقوله في الدلالة، فاستويا في التخصيص، والظاهر أنه وأمته سواء فيه.

وقد خص أحمد (4) قوله: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) (5) بفعله عليه السلام (6)، وقال: دل على أنه أراد الجماع.

__________

(1) نهاية 136 ب من (ب).

(2) قال البخاري في صحيحه 1/ 79: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي: (الفخذ عورة). وأخرجه الترمذي في سننه 4/ 197 - 198 من حديث جرهد -وقال: حسن- ومن حديث ابن عباس، وقال: حسن غريب، وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 303، وأحمد في مسنده 3/ 478 من حديث جرهد، وأخرج أبو داود في سننه 4/ 303، وأحمد في مسنده 1/ 146، وابن ماجه في سننه / 469 عن علي مرفوعًا: (لا تكشف فخذك ولا تنظر إِلى فخذ حي ولا ميت).

(3) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 79، ومسلم في صحيحه/ 1043 - 1044 عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حسر عن فخذه.

(4) انظر: العدة/ 574.

(5) سورة البقرة: آية 222.

(6) فقد كان الرسول يباشر زوجته وهي حائض. أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 63 - 64، ومسلم في صحيحه/ 242 - 243 من حديث عائشة وميمونة.

(3/966)

ومنعه الكرخي (1) وابن برهان (2) وغيرهما (3)؛ تخصيصًا (4) لدليل الاتباع العام (5) بهذا العام (6)، جمعاً بينهما.

وتوقف عبد الجبار (7).

أما [إِن] (8) ثبت وجوب اتباع الأمة في الفعل بدليل خاص، فالدليل ناسخ للعام.

واختار الآمدي (9): أنه لا وجه للخلاف في التخصيص بفعله؛ لأنه إِن وجب التأسي فنسخ، وإلا فلا تخصيص، قال: والأظهر الوقف؛ لأن دليل وجوب التأسي عام أيضاً، فتعارضا، فقيل له: الفعل مع أدلة التأسي أخص

__________

(1) انظر: المعتمد/ 391، والإِحكام للآمدى 2/ 329.

(2) انظر: المسودة / 125. وفي الوصول لابن برهان/ 31 ب: اختار أنه يخص، فقال: وعمدتنا أن فعل الرسول دليل معمول به، وهو أخص من اللفظ، فكان مقدما على اللفظ العام، فإنه متى تقابل دليلان -واحد الدليلين مصرح بالحكم، والدليل الآخر قد تناوله تناولا ظاهرًا- فالمصرح أولى.

(3) في (ب): وغيرها.

(4) يعني: تخصيصًا منهم، فقالوا: نخصص دليل الاتباع العام.

(5) في الفعل.

(6) يعني: العام القولي، كقوله -مثلاً- كشف الفخذ حرام.

(7) انظر: المعتمد/ 391.

(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(9) انظر: الإحكام للآمدى 2/ 329 - 331.

(3/967)

من اللفظ العام (1)، فأجاب: لا دلالة للفعل على وجوب التأسي، والموجب (2) مساو للعام.

وسبق (3) الأشهر عن التميمي (4) من أصحابنا: لا يثبت فعله في حقنا (5).

وحكى القاضي (6) عنه منع نسخ القول به، وأجاز تخصيصه به.

وأجازهما القاضي (7)، وهو ظاهر كلام أحمد (8).

ومنع ابن عقيل (9) نسخ القول به؛ لأن دلالته دونه، واختاره بعض أصحابنا (10).

وسبق (11) كلام أبي الخطاب في تعارضهما.

__________

(1) نهاية 98 ب من (ظ).

(2) وهو: أدلة التأسي العامة.

(3) في ص 337، 347 من هذا الكتاب.

(4) وهو: أبو الحسن التميمي.

(5) فمدلول هذا: أنه لا يخص العموم بالفعل.

(6) انظر: العدة/ 838.

(7) انظر: المرجع السابق.

(8) انظر: المرجع السابق/ 573، 838.

(9) انظر: الواضح 2/ 270 ب، والمسودة/ 229.

(10) انظر: المسودة/ 229.

(11) في ص 360 - 361 من هذا الكتاب.

(3/968)

مسألة

تقريره عليه السلام ما فعل واحد من أمته بحضرته مخالفاً لعموم -ولم ينكره مع علمه- مخصِّص عند الجمهور، وهو أقرب من نسخه (1) مطلقًا أو عن فاعله.

لنا: دليل (2) جوازه، وإلا لوجب إِنكاره.

قالوا: التقرير لا صيغة له، فلا يقابل الصيغة.

رد: بجوازه (3) -زاد الآمدي (4): قطعا- فجاز تخصيصه.

ثم: قال في الروضة (5): "يعم غيره (6) "، على ما سبق (7).

وذكر الآمدي (8): إِن لم يفهم معنى لم يتعد؛ لعدم دليله (9)، وللجمع

__________

(1) نهاية 285 من (ح).

(2) يعني: التقرير دليل جوازه.

(3) يعني: جواز ما أقر الشخص عليه وإن كان لا صيغة له.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 332.

(5) انظر: روضة الناظر/ 248.

(6) يعني: ما أقر عليه واحداً من أمته يعم غيره.

(7) في ص: 862 وما بعدها.

(8) انظر: الإِحكام للآمدى 2/ 332.

(9) يعني: دليل التعدية، وهو القياس.

(3/969)

بينهما (1) -زاد غيره (2): (3) على المختار- وإن فُهِم معنى (4) فمثله مُشَارِكُه فيه (5)، ولو عم الأمة كان نسخاً لا تخصيصًا كما ظن بعضهم.

وقال غيره: يكون ناسخًا إِن جاز النسخ بالقياس.

مسألة

مذهب الصحابي يخص العموم إِن قيل: "هو حجة"، وإلا فلا في مذهب الأئمة الأربعة.

ومنعه بعض الشافعية (6) مطلقًا؛ لأنه يترك مذهبه للعموم، كترك ابن عمر المخابرة لخبر رافع.

وأجاب أصحابنا: لا يتركه إِلا لنص؛ لأن قوله عن دليل نص أو قياس -ويخص بهما العموم- أو عموم فالترجيح.

وخرج بعض أصحابنا (7) من الرجوع إِلى قوله مطلقًا -إِذا كان الراوي

__________

(1) يعني: بين العموم وبين ما أقر عليه.

(2) انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 151.

(3) نهاية 137 أمن (ب).

(4) قال: إِن أمكن تعقل معنى أوجب جواز مخالفة ذلك الواحد للعموم.

(5) يعني: في المعنى، بالقياس على ذلك الشخص عند من يرى جواز تخصيص العام بالقياس على محل التخصيص.

(6) انظر: اللمع/ 21.

(7) انظر: المسودة/ 128.

(3/970)

للخبر، وتَرَكه- مثله (1) هنا؛ لأنه إِنما يخالف لدليل فيخص، وِإلا فسق، فيجب الجمع.

رد: لدليل في ظنه يلزمه اتباعه لا غيره؛ بدليل صحابي آخر.

وقال بعض أصحابنا (2): يخصه إِن سمع العام وخالفه، وإلا فمحتمل.

وقد ترجم بعض أصحابنا وبعض الحنفية (3) وابن برهان (4) المسألة: هل يخص العموم بمذهب الراوي؟

مسألة

العادة (5) لا تخص العموم ولا تقيد المطلق -نحو: "حرمت الربا في

__________

(1) فيخص العموم.

(2) انظر: المسودة/ 127.

(3) انظر: أصول السرخسي 2/ 5، وكشف الأسرار 3/ 65.

(4) انظر: الوصول لابن برهان/ 35 ب، والمسودة/ 127.

(5) في التعريفات/ 63: العادة: ما استمر الناس عليه وعادوا إِليه مرة بعد أخرى. وفي التقرير والتحبير 1/ 282: هي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية.

وفي التعريفات/ 63: العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول.

والعرف والعادة -في استعمالات الفقهاء- بمعنى واحد، ومنهم من خص العادة بالعرف العملي، والعرف بالعرف القولي، كابن الهمام في التحرير، انظر: تيسير التحرير 1/ 317. وقال صاحب التلويح 1/ 175: "أو عادة": يشمل العرف العام والخاص، وقد يفرق بينهما باستعمال العادة في الأفعال، والعرف في الأقوال.

(3/971)

الطعام" (1)، وعادتهم البر- عند أصحابنا والشافعية (2) والجمهور، خلافاً للحنفية (3) والمالكية (4)، ولهذا: لا نقض بنادر (5) عند المالكية (6)، قصرًا للغائط على المعتاد، وذكره (7) القاضي في مواضع؛ فقال في النقض بالنوم (8): "المراد به النوم المعتاد، وهو المضطجع؛ لأنه المعقول من قولك: نام فلان" وقاله -أيضًا- بعض أصحابنا (9)، وقال: إِن (10) كتب القاضي التي في الفقه على هذا، وأنه ذكر في الوصية لأقاربه وبعض مسائل الأيمان: أن العام يخص بعادة المتكلم وغيره في الفعل (11).

وجه الأول: العموم (12) لغة (13) وعرفا، والأصل عدم مخصِّص.

__________

(1) انظر: ص 1244 من هذا الكتاب.

(2) انظر: اللمع/ 22، والبرهان 446، والمستصفى 2/ 111، والمحصول 1/ 3/ 198، والإِحكام للآمدي 2/ 334.

(3) انظر: تيسير التحرير 1/ 317، وفواتح الرحموت 1/ 345.

(4) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 211. وقد ذكر القرافي في المسألة تفصيلاً.

(5) مثل: الدم والدود والحصاة التي لا أذى عليها.

(6) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 145.

(7) يعني: التخصيص بالعادة.

(8) نهاية 286 من (ح).

(9) انظر: المسودة/ 123 - 124.

(10) ضرب على (ان) في (ظ).

(11) يعني: لا في الخطاب.

(12) يعني: اللفظ عام لغة وعرفا.

(13) نهاية 137 ب من (ب).

(3/972)

قالوا: المراد ظاهر عرفًا، فيخصص (1) (*) به (2) كالدابة (3).

رد: بما سبق (4)، فلم يتخصص الاسم، فلو تخصص كالدابة اختص به، فهو تخصيص بالنسبة إِلى اللغة بعرف قولي، والأول بعرف فعلي.

ومنه مسألة من حلف "لا يأكل رأسا وبيضا" -قاله بعض أصحابنا (5)، قال: وكذا لحمًا- هل يحنث بمحرم غير (6) معتاد؟ على وجهين. كذا قال، والمعروف حنثه.

وفي الفقه مثل هذه مسائل مختلفة، فيتوجه القول بأن هذه المسألة في عرف الشارع، وكلام المكلف يعمل فيه بعرفه أو عرف خاص أو عام (7) -ولهذا قيل للقاضي في تعليقه في الطلاق قبل النكاح: "ليس مطلقا؛ بدليل ما لو علّق عتق عبده بطلاقها، فعلّقه، لم يعتق"، فقال: لفظ الحالف يحمل

__________

(1) لم تنقط هذه الكلمة في (ح) و (ظ). وكانت في (ب): (فتخصص) ثم حولت إِلى: (فيخصص).

(*) نهاية 99 أمن (ظ).

(2) يعين: بالعرف.

(3) خصت بالعرف بذوات الأربع.

(4) من أن اللفظ عام لغة وعرفا.

(5) انظر: المسودة/ 125.

(6) في (ب): غيره.

(7) كتب -هنا- في (ح): (أو أن تلك المسائل من العرف القولي، ولهذا لا يحنث في مذهب الأئمة الثلاثة برأس كل مأكول وبيضه).=

(3/973)

على المستعمل المعهود، وهو الإِيقاع (1) والوقوع، ولفظ الشارع يحمل على العموم فيهما، ولو حرم الله أكل الرؤوس عم، وعندهم (2): لا يحنث إِلا بأكل رؤوس الأنعام- أو أن تلك المسائل من العرف القولي (3)، ولهذا لا يحنث في مذهب الأئمة الثلاثة (4) برأس (5) كل مأكول وبيضه.

قال بعض أصحابنا (6): ومثل المسألة قصر الحكم على المعتاد زمنه عليه السلام، ومنه قصر أحمد لنهيه - عليه السلام - عن البول في الماء الدائم، على غير المصانع المحدثة، وله نظائر. كذا قال، وفيه نظر؛ للعلم بأنه لم يرد كل ماء، فلم يخالف الأصحاب أحمد في هذا، وقال أيضًا -لما قيل له: اليمين بالطلاق حدثت بعد الشارع، فلم يتناولها كلامه- فقال: يتناولها.

__________

=وهو موجود فيها -أيضاً- بنفس ترتيب الكلام في النسختين الأخريين، فتكرر. وكأن أحد قراء النسخة نقله -هنا- لطول الفصل.

(1) كذا في النسخ. ولعلها: لا الوقوع.

(2) يعني: يحمل لفظ المكلفين الحالفين على المستعمل المعهود.

(3) فيخصص العام.

(4) انظر: الهداية 2/ 81، وبدائع الصنائع/ 1698، والكافي لابن عبد البر/ 451، والمهذب 2/ 134.

(5) يعني: لا يعم اليمين كل الرؤوس، بل يختص ببعضها.

(6) انظر: المسودة/ 125.

(3/974)

مسألة

العام لا يخص بمقصوده عند الجمهور -لما سبق- خلافاً لعبد (1) الوهاب وغيره من المالكية (2) وغيرهم.

وقال صاحب المحرر (3): "المتبادر إِلى الفهم (4) من لمس (5) النساء ما يقصد منهن غالبًا من الشهوة، ثم: لو عمت خصت به"، وخَصَّه حفيده (6) -أيضًا- بالمقصود، وكذا قاله في آية المواريث (7): مقصودها بيان مقدار (8) أنصباء المذكورين إِذا كانوا ورثة، وقوله: (وأحل الله

__________

(1) نهاية 287 من (ح).

(2) انظر: المسودة/ 132.

(3) في (ب): المحرز.

(4) نهاية 138أمن (ب).

(5) في سورة المائدة: آية 6.

(6) وهو: شيخ الإِسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، كان واسع العلم محيطًا بالفنون والمعارف النقلية والعقلية، صالحًا تقيًا مجاهدًا، توفي سنة 728 هـ.

من مؤلفاته: مجموع الفتاوى، ومنهاج السنة النبوية، ودرء تعارض العقل والنقل، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام.

انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 387، وفوات الوفيات 1/ 62، والبدر الطالع 1/ 63.

(7) سورة النساء: الآيتان 11، 12.

(8) في (ب): مقداره.

(3/975)

البيع) (1) قصده الفرق بينه وبين الربا، و: (فيما سقت السماء العشر (2)) قصده ما يجب فيه العشر ونصفه، وكذا قاله بعض أصحابنا، فلا يحتج (3) بعموم ذلك.

مسألة

إِذا وافق خاص عامًّا لم يخصصه في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، خلافاً لأبي ثور (4)، كقوله: (أيما إِهاب دبغ فقد طهر) وقوله في شاة ميمونة: (دباغها طهورها) (5).

__________

(1) سورة البقرة: آية 275.

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 126 من حديث ابن عمر مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 675 من حديث جابر، وأبو داود في سننه 2/ 252 من حديث ابن عمر، والترمذي في سننه 2/ 75 - 76 من حديث أبي هريرة وابن عمر، والنسائي في سننه 5/ 41 - 42 من حديث ابن عمر وجابر، وابن ماجه في سننه/ 580 - 581 من حديث أبي هريرة وابن عمر.

(3) في (ب): فلا يجتمع.

(4) انظر: المحصول 1/ 3/ 195، والإِحكام للآمدي 2/ 335، والمسودة / 142.

(5) قول الرسول هذا: ورد مجردًا عن قصة شاة ميمونة، أخرجه مسلم في صحيحه/ 278، والدارمي في سننه 2/ 13، 171، والدارقطني في سننه 1/ 43 من حديث ابن عباس. وأخرجه الدارقطني -أيضًا- في سننه 1/ 44، 46، 48 من حديث عائشة وسلمة بن المحبق وزيد بن ثابت وابن عمر. وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 369 من حديث سلمة بن المحبق، والنسائي في سننه 7/ 174 من حديث عائشة، وأحمد في مسنده 3/ 476، 6/ 155 من حديث سلمة بن المحبق وعائشة.=

(3/976)

لنا: لا تعارض، فيعمل بهما.

قالوا: المفهوم يخص العموم.

رد: لا مفهوم فيه، ثم: مفهوم لقب ليس بحجة، ثم: دلالة العموم أقوى (1) منه.

مسألة

رجوع الضمير إِلى بعض العام المتقدم لا يخصصه عند أصحابنا وأكثر

__________

=وفي التعليق المغني على الدارقطني 1/ 43: وجزم الرافعي وبعض أهل الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة، ولكن لم أقف على ذلك صريحًا مع قوة الاحتمال فيه؛ لكون الجميع -يقصد ما رواه الدارقطني في ذلك الموضع- من رواية ابن عباس. ا. هـ. وقال العراقي في تخريج أحاديث المنهاج/ 293: "حديث: (دباغها طهورها)، قاله في شاة ميمونة" أبو بكر البزار في مسنده من حديث ابن عباس: ماتت شاة ميمونة. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 50: وروى البزار والطبراني والبيهقي من حديث يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال: ماتت شاة لميمونة، فقال رسول الله: (ألا استمتعتم بإِهابها؛ فإِن دباغ الأديم طهوره؟) وابن عطاء ضعفه يحيى بن معين وأبو زرعة. وانظر: المعتبر/ 60أوفيه: قال البزار: "لا نعلم رواه عن يعقوب عن أبيه عن ابن عباس إِلا شعبة". وهذا لا يضره؛ لأنه إِمام. نعم: العلة يعقوب، ضعفه أحمد وغيره، لكن ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو ممن يكتب حديثه. فحصل من هذا أنه حديث حسن.

(1) في (ب): أقوم.

(3/977)

الشافعية (1) وعبد الجبار وغيره من المعتزلة (2) -كقوله: (وبعولتهن) (3)، (إِلا أن (4) يعفون) (5)، (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) (6) - خلافاً للقاضي في الكفاية (7)، وذكره (8) هو (9) وأبو الخطاب (10) عن أحمد، لقوله (11) في رواية أبي طالب: "يأخذون بأول الآية ويدعون آخرها"، وقوله (12) في آية النجوى (13): "هو علمه؛ لقوله (14) في أولها

__________

(1) انظر: اللمع/ 22، والإِحكام للآمدي 2/ 336.

(2) انظر: المعتمد/ 306، والإِحكام للآمدي 2/ 336.

(3) سورة البقرة: آية 228.

(4) نهاية 99 ب من (ظ).

(5) سورة البقرة: آية 237.

(6) سورة الطلاق: آية 1.

(7) انظر: المسودة/ 138.

(8) في (ب): وذكر.

(9) انظر: العدة/ 614، والمسودة/ 138.

(10) انظر: التمهيد/ 68 ب، والمسودة/ 139.

(11) في (ب) و (ظ): كقوله.

(12) انظر: العدة/ 614، والمسودة/ 141.

(13) سورة المجادلة: آية 7.

(14) في (ظ): كقوله.

(3/978)

وآخرها (1) "، [وذكره (2) في الواضح (3) المذهب، وخَطَّأ من خالفه؛ لأنه أقرب من آية أخرى] (4).

وقال القاضي (5) -أيضًا-: إِنما قال ذلك (6) بدليل (7)، وعَضَّده بسياق الآية (8).

وللحنفية (9) القولان.

وتوقف أبو المعالي (10) وأبو الحسين (11) البصري.

وجه الأول (12): أن المظهر عام، والأصل بقاؤه، فلا يلزم من تخصيص المضمر تخصيصه.

__________

(1) في (ب): واخر لها.

(2) يعني: حمل العام على الخاص.

(3) انظر: الواضح 2/ 125 ب.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(5) انظر: العدة / 615.

(6) يعني: قوله: يأخذون بأول الآية ... إِلخ.

(7) دل على ذلك.

(8) ولم يقل ذلك لأنه يجب تخصيص أول الآية بآخرها.

(9) انظر: تيسير التحرير 1/ 320، وفواتح الرحموت 1/ 356.

(10) انظر: الإِحكام للآمدي 2/ 336.

(11) انظر: المعتمد/ 306.

(12) نهاية 138 ب من (ب).

(3/979)

قال: يلزم، وإلا لم يطابقه.

رد: لا يلزم، كرجوعه مظهرًا.

الوقف: تعارضا -كما سبق- ولا ترجيح.

رد: الأول أولى؛ لأن دلالة الظاهر على العموم أقوى من المضمر (1).

مسألة

يخص العام بالقياس عند أصحابنا والمالكية (2) وأكثر الشافعية (3) والأشعري (4) وأبي هاشم (5) وأبي الحسين (5) البصري.

ومنعه ابن حامد وجماعة من أصحابنا -قاله القاضي (6) - والجبائي (7) وبعض الشافعية (8).

__________

(1) نهاية 288 من (ح).

(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 98، وشرح تنقيح الفصول / 203، ومفتاح الوصول/ 60.

(3) انظر: اللمع / 21، والتبصرة/ 137، والمستصفى 2/ 122، والمحصول 1/ 3/ 148، والإِحكام للآمدي 2/ 337.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337، وشرح ننقيح الفصول/ 203.

(5) انظر: المعتمد/ 811.

(6) انظر: العدة/ 562.

(7) انظر: المعتمد/ 811.

(8) انظر: التبصرة/ 138.

(3/980)

وأطلق القاضي في الكفاية (1) روايتين.

وأطلق أبو إِسحاق (2) من أصحابنا وجهين، ثم حكى عنه المنع وجوازه إِن كان المقيس عليه مُخْرجا من العموم، كقول بعضهم.

وعند الحنفية (3): إِن كان خُص بدليل مجمع عليه جاز.

جوزه ابن سريج (4) بقياس جلى، واختاره بعض أصحالنا (5).

وتوقف ابن الباقلاني (6) وأبو المعالي (7).

وجوزه الآمدي (8) إِن ثبتت العلة بنص أو إِجماع، زاد بعض من تبعه (9): أو كان الأصل مخصّصا (10)، أو ظهر ترجيح خاص للقياس.

__________

(1) انظر: المسودة/ 119.

(2) انظر: العدة/ 563، والمسودة/ 120.

(3) انظر: أصول السرخسي 1/ 141، وكشف الأسرار 1/ 294، وتيسير التحرير 1/ 321، وفواتح الرحموت 1/ 357.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337.

(5) انظر: البلبل/ 109 - 110.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337، والمنتهى لابن الحاجب/ 98.

(7) انظر: البرهان/ 429.

(8) انظر: الإحكام للآمدي 2/ 337.

(9) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 98، ومختصره 2/ 153.

(10) يعني: مخرجا عن العموم.

(3/981)

وكذا صرف ظاهر -غير عموم- إِلى احتمال مرجوح بقياس.

وجه الأول: أنه (1) خاص لا يحتمل التخصيص، وفيه جمع بينهما، فقُدِّم.

وادعى بعضهم إِجماع الصحابة، وليس كذلك.

وجه الثاني: لو قدم لقدم الأضعف، لما سبق (2) في تقديم خبر الواحد عليه (3).

رد: بما سبق، ثم: ذلك عند إِبطال أحدهما، والتخصيص إعمال لهما.

وألزم بعضهم (4) الخصم تخصيص الكتاب بالسنة، والمفهوم لهما.

قالوا وأجيب: بما سبق (5) في المفهوم (6).

وكاستصحاب الحال (7).

رد: بأنه دليل عند عدم دليل شرعي (8).

__________

(1) يعني: القياس.

(2) في ص 630.

(3) يعني: على القياس.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب / 98.

(5) في ص 962.

(6) نهاية 139 أمن (ب).

(7) فقالوا: لم يخص به.

(8) فلهذا لم يخص به لوجود الدليل.

(3/982)

واقتصر في التمهيد (1) على أنه ليس دليلاً.

واحتج الحنفية: بما سبق (2) في خبر الواحد.

وجه الوقف: للتعارض.

رد: بما سبق، على أنه خلاف الإِجماع (3).

وجه الأخير: أن العلة كذلك (4) كنص خاص.

وللمخالف: المنع.

واستدل (5): المستنبطة مرجوحة أو مساوية -فلا تخصيص- أو راجحة، ووقوع واحد من اثنين (6) أقرب من واحد معين (7).

رد: بلزومه في كل تخصيص (8) (9).

__________

(1) انظر: التمهيد/ 63 ب.

(2) في ص 958، 961.

(3) لأنه إِحداث قول ثالث.

(4) يعني: إِذا ثبتت بنص أو إِجماع، أو كان الأصل مخرجاً ... إِلخ.

(5) على أن المستنبطة لا تخصص.

(6) وهما: كونها مرجوحة، وكونها مساوية.

(7) وهو كونها راجحة.

(8) وقد رجحتم الاحتمال الواحد فيها على الاحتمالين.

(9) نهاية 289 من (ح).

(3/983)

وبأنها راجحة (1) أو مساوية، والجمع أولى.

وهذه المسألة ونحوها ظنية؛ لأن أدلتها ظنية، قطعيهَ عند ابن الباقلاني (2)؛ للقطع بالعمل بالظن (3) الراجح.

مسألة

يخص العموم بقضايا الأعيان.

قال بعض أصحابنا (4): ويحتمل منعه على منعه بفعله عليه السلام - والخطاب له بلفظ يخصه، وكلام أحمد يحتمله في الحريم (5) للحِكَّة (6).

__________

(1) يعني: نجعل الاثنين: كونها راجحة، وكونها مساوية.

(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 99.

(3) نهاية 100 أمن (ظ).

(4) انظر: المسودة/ 118، 130.

(5) فقد ورد نهي الرسول عن لبس الحرير للرجال. أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 149 - 150، ومسلم في صحيحه/ 1635 وما بعدها من حديث جمع من الصحابة مرفوعًا. وأخرج البخاري في صحيحه 7/ 151، ومسلم في صحيحه/ 1646 عن أنس قال: رخص رسول الله للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، لحكة كانت بهما.

(6) في (ب): للحكمة.

(3/984)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

المطلق والمقيد

المطلق: لفظ دل على شائع في جنسه.

فتخرج المعرفة بـ "شائع".

وقوله: "في جنسه" -أي: له أفراد يماثله كل واحد بعد حذف ما به صار فردًا- يخرج العام؛ فإِنه ليس له ذلك، لاستغراقه.

ودخل ما دل على الماهية من حيث هي، ونكرة لواحد غير معين.

وقيل: المطلق: نكرة في إِثبات، لا نحو: رأيت رجلاً (1).

* * *

والمقيد: بخلافه.

فالعام مقيد بالحد الأول.

ويطلق المقيد -أيضًا- على ما دل على مفهوم المطلق بصفة زائدة عليه كـ: (ورقبة مؤمنة) (2)

* * *

__________

(1) لأنه لا يتصور الإِطلاق في معرض الخبر المتعلق بالماضي نحو هذا المثال ضرورة تَعَيّنه من إِسناد الرؤية إِليه.

(2) سورة النساء: آية 92.

(3/985)

وما ذكر في تخصيص العموم -من متفق عليه، ومختلف فيه، ومختار (1)، ومزيِّف- جارٍ في تقييد المطلق.

مسألة

إِذا ورد مطلق ومقيد:

فإِن اختلف حكمهما لم يحمل أحدهما على الآخر، قال في (2) العدة (3) والتمهيد (4) والواضح (5): كالخاص والعام، وفي الروضة (6): لأن القياس شرطه اتحاد الحكم.

قال الآمدي (7): لا يحمل بلا خلاف، إِلا في صورة نحو: "أعتق في الظهار رقبة"، [ثم] (8): "لا تعتق رقبة كافرة" بلا خلاف.

وسواء اتفق السبب -كالتتابع في الصيام، وإطلاق الإِطعام- أو اختلف كامره بالصيام متتابعا وبالصلاة مطلق، ولهذا عن أحمد (9) رواية: لا يحرم

__________

(1) في (ظ): ومجاز.

(2) نهاية 139 ب من (ب).

(3) انظر: العدة/ 636.

(4) انظر: التمهيد/ 69 ب.

(5) انظر: الواضح 2/ 1130.

(6) انظر: روضة الناظر/ 262.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 4.

(8) ما بين المعقوفتين من (ح).

(9) انظر: العدة/ 636.

(3/986)

وطء من ظاهر منها قبل تكفيره بالإِطعام، واختاره أبو بكر (1) وأبو إِسحاق (2) من أصحابنا، وأبو ثور (3)، واحتج بها القاضي (4) وأصحابه هنا.

ومذهب الأئمة الأربعة (5): يحرم، وقاسوه على العتق والصوم (6).

واحتج القاضي في تعليقه لهذا: يحمل المطلق على المقيد، وللذي قبله: بعكسه.

وادعى بعض متأخرى أصحابنا اتفاق الحكم هنا؛ لأنها أنواع الواجب، لا فَرْق إِلا الأسماء.

* * *

وإن لم يختلف حكمهما:

فإِن اتحد سببهما وكانا مثبتين -نحو: "أعتق في الظهار رقبة"، ثم قال: "أعتق رقبة مؤمنة"- حمل المطلق على المقيد عند الأئمة الأربعة، وذكره صاحب (7) المحرر إِجماعًا، وقال الآمدي (8): لا أعرف فيه خلافا.

__________

(1) العدة / 636.

(2) انظر: المرجع السابق/ 639.

(3) انظر: المغني 8/ 12.

(4) انظر: العدة/ 636.

(5) انظر: المغني 8/ 12، والهداية 2/ 17، 19، والكافي لابن عبد البر/ 606، 607، والأم 5/ 285، والمهذب 2/ 114.

(6) نهاية 290 من (ح).

(7) انظر: المسودة/ 146.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 4.

(3/987)

وقيل للماضي في تعليقه (1) -في خبر ابن عمر (2) -: أمر المحرم بقطع الخف، وأطلق في خبر ابن عباس (3)، فيحمل عليه، فقال: إِنما يحمل إِذا لم يمكن تأويله، وتأولنا (4) التقييد على الجواز (5)، وعلى أن المروذي قال: احتججت على أبي عبد الله بخبر ابن عمر هذا، وقلت: فيه زيادة، فقال: "هذا حديث وذاك حديث"، وظاهر هذا: أنه لم يحمل المطلق على (6) المقيد.

وأجاب في الانتصار: لا يحمل، نص (7) عليه في رواية المروذي، وإِن سلّمنا -على رواية- فإِذا لم يمكن التأويل.

وقيل له (8) - (9) في التحالف لاختلاف المتبايعين-: المراد: والسلعة قائمة؛ لقوله: (والسلعة قائمة). فقال: لا يحمل على وجه لنا.

__________

(1) انظر: التعليق الكبير للقاضي 4/ 112 - 113 مخطوط.

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 137، ومسلم في صحيحه/ 834 مرفوعًا.

(3) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 16، ومسلم في صحيحه/ 835 مرفوعاً.

وانظر: في الموقف من الحديثين-: فتح الباري 3/ 403، 4/ 57.

(4) في (ظ): وتأويلنا.

(5) يعني: دون الإِيجاب.

(6) نهاية 140أمن (ب).

(7) في (ظ): النص.

(8) يعني: لأبي الخطاب.

(9) نهاية 100 من (ظ).

(3/988)

وللمالكية (1) خلاف [في حمله]. (2)

لنا: أنه عمل بالصريح واليقين (3)، مع الجمع بينهما (4).

فإِن قيل: الأمر بالإِيمان (5) للندب؛ لأجل المطلق.

رد: بما سبق (6).

.................

ثم: إِن كان المقيد آحادًا والمطلق تواترا: انبني على مسألة الزيادة: هل هي نسخ؟، وعلى النسخ للتواتر بالآحاد.

والمنع: قول الحنفية (7).

__________

(1) انظر: الإِشارات للباجي/ 42. وقد ذكر الطرطوشي: أن أصحابه اختلفوا في حمل المطلق على المقيد مع اتحاد السبب والحكم. فانظر: المسودة/ 147. وانظر -أيضًا-: شرح تنقيح الفصول/ 266 - 267.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(3) وهو المقيد.

(4) لأنه يلزم من العمل بالمقيد العمل بالمطلق.

(5) يعني: إِن قيل: يحمل: (رقبة مؤمنة) على الندب بقرينة المطلق.

(6) يعني: بأنه الصريح واليقين ... الخ.

(7) لأنهم يرون أن الزيادة نسخ -ويأتي في ص 1179 - ويمنعون نسخ التواتر بالآحاد. فانظر: أصول السرخسي 2/ 77، وفتح الغفار 2/ 134، والتلويح 2/ 36، وفواتح الرحموت 2/ 76، والمسودة/ 136.

(3/989)

والأشهر: أن المقيد بيان للمطلق لا نسخ له كتخصيص العام، وكما لا يكون تأخير المطلق نسخا للمقيد مع رفعه لتقييده، فكذا عكسه.

قال (1): فيكون المراد بالمطلق المقيد، فيكون مجازًا.

رد: بلزومه في تقييد الرقبة بالسلامة، وفيما إِذا تقدم المقيد؛ فإِنه بيان له عندهم (2).

وبأن المجاز أولى من النسخ (3).

* * *

وإن اتحد سببهما -وكانا نهيين نحو: "لا تعتق مكاتبا"، "لا تعتق مكاتبا كافراً"، أو "لا تكفر [بعتق] (4) "، "لا تكفر بعتق كافراً - فالمقيد (5) دل بالمفهوم.

قال أبو الخطاب (6): فمن لا يراه حجة -قال صاحب المحرر (7): أو لا يخص العموم- يعمل بمقتضى الإِطلاق، وإلا بالمقيد.

__________

(1) يعني: من قال: إِنه نسخ لا بيان.

(2) فيجب أن تكون دلالته عليه مجازا.

(3) نهاية 291 من (ح).

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(5) في (ح): فالقيد.

(6) انظر: التمهيد / 69 أ- ب.

(7) انظر: المسودة / 146.

(3/990)

واختار في الكفاية (1): يعمل بالمطلق؛ لأنه لا يخص الشيء بذكر بعض ما دخل تحته.

وذكر الآمدي (2): بالمقيد بلا خلاف.

قال بعض أصحابنا (3): والإِباحة والكراهة كالنهي، وفي الندب نظر.

* * *

وإِن اختلف سببهما، كالرقبة في الظهار والقتل:

فعن أحمد (4): يحمل عليه لغة -اختاره القاضي (4)، وقال: أكثر كلام أحمد عليه (5) - وروي عن مالك (6) وقاله بعض الشافعية (7)، لأن اللغة كقوله: (والذاكرات) (8) أي: لله، وقوله: (ولنبلونكم) إِلى قوله:

__________

(1) انظر: المسودة/ 146 - 147.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 5.

(3) انظر: المسودة/ 147.

(4) انظر: العدة/ 638.

(5) نهاية 140 ب من (ب).

(6) ذكر ابن نصر المالكي: أنه روي عن مالك ما يحتمل أن يكون أراد به أن المطلق يتقيد بنفس تقييد المقيد، ويحتمل أن يرد إِليه قياسًا، وذكر أن الصحيح عند أصحابه أنه يحمل عليه قياسًا. انظر: المسودة/ 145.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 5.

(8) سورة الأحزاب: آية 35.

(3/991)

(والأنفس والثمرات) (1) أي: بعضهما (2).

رد: للعطف، أو عدم استقلاله، أو لدليل.

وأيضًا: القرآن كالكمة الواحدة.

رد: إِن عني في عدم تناقضه فصحيح، أو في تقييده فالخلاف، وإلا لزم المحال.

وأيضًا: كخبرين عام وخاص في حكم واحد.

وأجاب في التمهيد (3): هما كمسألتنا.

وكذا قال القاضي (4) وابن عقيل (5): العام نحو: (فيما سقت السماء العشر)، والخاص (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) (6) كالمطلق والمقيد على الخلاف.

وعن أحمد (7): قياسًا بجامع بينهما، واختاره أكثر أصحابنا

__________

(1) سورة البقرة: آية 155.

(2) في (ح) و (ظ): بعضها. أقول: لعل الصواب: نقصهما.

(3) انظر: التمهيد/ 70 أ.

(4) انظر: العدة/ 639 - 640.

(5) انظر: الواضح 2/ 130 ب.

(6) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 107، ومسلم في صحيحه/ 674 من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

(7) انظر: المسودة/ 145.

(3/992)

والمالكية (1) وأكثر الشافعية (2)، كتخصيص العموم بالقياس على ما سبق (3)، واختاره الآمدي (4) وتبعه (5)، وأبو المعالى (6): الوقف.

وعن أحمد (7) رواية ثالثة: لا يحمل عليه -واختاره أبو إسحاق (8) وابن عقيل في فنونه، قال: لجواز قصد الباري للتفرقة لمعنى باطن أو ابتلاء- وقاله الحنفية (9)؛ لأنه رفع لمقتضاه بالقياس، وهو نسخ به،

__________

(1) سبق كلام ابن نصر المالكي قد هامش 6 من ص 991. وفي الإِشارات/ 41: فإِن تعلق بسببين مختلفين -نحو أن يقيد الرقبة في القتل بالإيمان ويطلقها في الظهار- فإِنه لا يحمل المطلق على المقيد عند أكثر أصحابنا إِلا بدليل يقتضي ذلك. وفي شرح تنقيح الفصول/ 267: الذي حكاه عبد الوهاب في الإِفادة والملخص عن المذهب: عدم الحمل إِلا القليل من أصحابنا. واختار ابن الحاجب في المنتهى/ 99: الحمل عليه قياسا. وذكر في نشر البنود 1/ 268: أن جل المالكية لا يحملون المطلق على المقيد مع اتحاد الحكم إِذا اختلف السبب.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 5.

(3) في ص 980.

(4) انظر: الإحكام للآمدى 3/ 7.

(5) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 99.

(6) انظر: البرهان/ 440.

(7) انظر: العدة/ 638.

(8) انظر: المرجع السابق/ 639.

(9) انظر: أصول السرخسي 1/ 267، وكشف الإصرار 2/ 287، وفواتح الرحموت 1/ 365، والتوضيح 1/ 63.

(3/993)

فلا يجوز (1)، وقد سبق (2).

* * *

وإن كان مقيدان (3) -كتتابع صوم (4) الظهار (5) وتفريق (6) صوم المتعة (7)، وقضاء رمضان (8) مطلق- فلا يحمل لغة بلا خلاف، وقياسا بجامع معتبر: الخلاف.

وحكى بعضهم عن أبي الخطاب: قياس قضاء رمضان على كفارة اليمين في التتابع أولى منه على المتعة في عدمه.

* * *

وقد عرف مما سبق دلالة المطلق وأنه كالعام في تناوله، وأطلقوا عليه "العموم" لكنه على البدل.

وسبق (9) في "إِن أكلت": هل يعم الزمان والمكان؟.

__________

(1) في (ح): ولا يجوز.

(2) انظر: ص 989 - 990. ويأتي النسخ بالقياس في ص 1160.

(3) في (ظ): (مقيدا) بعد أن مسحت النون.

(4) نهاية 292 من (ح).

(5) في سورة المجادلة: آية 4.

(6) نهاية 101 أمن (ظ).

(7) في سورة البقرة: آية 196.

(8) في سورة البقرة: آية 184.

(9) في ص 839.

(3/994)

وقيل للقاضي (1) -وقد احتج على القضاء في المسجد بقوله: (وأن احكم بينهم) (2) -: لا يدل على المكان (3)، فقال: هو أمر بالحكم في عموم الأمكنة والأزمنة إِلا ما خصه الدليل.

وقال في التمهيد (4): المطلق مشتمل على جميع صفات الشيء وأحواله.

وأجاب في المغني (5) -لمن احتج بآية القصاص (6) والسرقة (7) والزنا (8) في الملتجىء إِلى الحرم-: الأمر بذلك مطلق في الأمكنة (9) والأزمنة يتناول مكانا (10) ضرورة إِقامته، فيمكن في غير الحرم، ثم: لو عم خُصّ (11).

والمعروف في كلامه وكلام غيره هو الثاني.

__________

(1) انظر المسودة: 98.

(2) سورة المائدة: آية 49.

(3) نهاية 141 أمن (ب).

(4) انظر: التمهيد/ 70أ.

(5) انظر: المغني 9/ 101، 102، 103.

(6) سورة البقرة: آية 178.

(7) سورة المائدة: آية 38.

(8) سورة النور: آية 2.

(9) في (ح): في الأزمنة والأمكنة.

(10) يعني: غير معين.

(11) بنحو: (ومن دخله كان آمنا) سورة آل عمران: آية 97.

(3/995)

وسبق (1) كلام بعض أصحابنا في "إِن أكلت"، وفيه: أن المطلق تناول أفراده على البدل لزومًا عقليًا، وأوصاف الرقبة لم يدل عليها لفظها بنفي ولا إِثبات، فإِيجاب الإِيمان إِيجاب لما لم يوجبه اللفظ ولم ينفه، فلو قال: "أعط هذا لفقير (2) "، ثم قال: "لا تعطه كافرا" فلا تنافي، ولو قال: "أعطه أي فقير كان"، ثم قال: "لا تعطه كافرا" تنافيا؛ لقصده ثبوت الحكم لكل فرد، والمطلق قصد ثبوته للمعنى العام، فإِذا شرط فيه شرطًا لم يتنافيا، وقال -أيضًا-: التقييد زيادة حكم، والتخصيص نقص، فلو كان بعد المطلق جاز بخبر الواحد، وحمله -لجهل التاريخ- على التأخر أولى.

مسألة

قال بعض أصحابنا (3) وغيرهم: المطلق من الأسماء (4) يتناول الكامل من المسميات في إِثبات لا نفي كالماء والرقبة، وعقد النكاح الخالي عن وطء يدخل في قوله: (ولا تنكحوا) (5)، لا (6): (حتى تنكح) (7).

__________

(1) في ص 840.

(2) في (ح) و (ظ): الفقير.

(3) انظر: المسودة/ 99.

(4) نهاية 293 من (ح).

(5) سورة البقرة: آية 221.

(6) في (ح) و (ظ): الا.

(7) سورة البقرة: آية 230.

(3/996)

ولو حلف: "لا (1) يتزوج" حنث بمجرد العقد عند الأئمة الأربعة (2).

ولو حلف: "ليتزوجن" يبر (3) بمجرده عند أحمد (4) ومالك.

وكذا قال بعض أصحابنا: الواجبات المطلقة تقضي السلامة من العيب في عرف (5) الشارع؛ بدليل الإِطعام في الكفارة (6)، والزكاة.

وصرح القاضي وابن عقيل وغيرهما: أن إِطلاق الرقبة في الكفارة يقتضي الصحة، بدليل المبيع وغيره.

وسبق خلافه من كلام الآمدي (7) وغيره، وكذا لابن (8) عقيل (9) في الزيادة على النص.

وحكي عن داود (10): أنه جوز عتق كل رقبة، لإِطلاق اللفظ، وسلّمه

__________

(1) في (ب): ولا يتزوج.

(2) انظر: المغني 9/ 528، والهداية 2/ 89، وبدائع الصنائع/ 1755، والكافي لابن عبد البر/ 449، والمهذب 2/ 138.

(3) في (ح) و (ب): لم يحنث. وقد كانت في (ظ) كذلك، ثم غيرت.

(4) انظر: المغني 9/ 528، والكافي لابن عبد البر/ 449.

(5) في (ب): عرق.

(6) نهاية 141 ب من (ب).

(7) انظر: ص 720، والإِحكام للآمدي 3/ 7.

(8) في (ح): ابن.

(9) انظر: الواضح 2/ 251أ- ب.

(10) انظر: المغني 8/ 22، والمحلى 6/ 290.

(3/997)

في المغني (1) وغيره، وقيدوه قياسًا على الإِطلاق (2)، واختار (3) في "ليتزوجن": يحنث (4) بالعقد كالنفي؛ لأن المسمى واحد، فما تناوله النفي تناوله الإِثبات (5).

أما المعاملة -كالبيع- فإِطلاق الدرهم مختص بعرفها. والله أعلم.

__________

(1) انظر: المغني 8/ 22.

(2) فإنه لا يجزء أن يطعم مسوسا ولا عفنا.

(3) انظر: المغني 9/ 528.

(4) كذا في النسخ. ولعلها: يبر. فانظرك المغني.

(5) نهاية 101 ب من (ظ).

(3/998)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

المجمل

هو لغة (1): المجموع -من: أجملت الحساب- وقيل: أو المبهم.

واصطلاحاً: [ما] (2) لم تتضح دلالته.

وفي التمهيد (3): ما أفاد جملة من الأشياء.

وفي العدة (4): ما لا يعرف معناه من لفظه.

وفي الروضة (5): ما لا يفهم منه عند الإِطلاق معنى، قال: وقيل: ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما، مثل: المشترك.

وقيل: ما لا يعرف المراد منه إِلا ببيان غير اجتهادي.

فيخرج "المشترك"؛ لجواز التأويل باجتهاد (6)، وما أريد مجازه، للنظر في الوضع (7) والعلاقة.

وقيل: لفظ لا يفهم منه عند إِطلاقه شيء.

__________

(1) انظر: الصحاح/ 1662، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 481.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) انظر: التمهيد / 76 ب.

(4) انظر: العدة/ 143.

(5) انظر: روضة الناظر/ 180.

(6) في (ح): باجتهاده.

(7) في (ب) و (ظ): الموضع.

(3/999)

ونقض طرده: بالمهمل والمستحيل، وعكسه: بجواز فهم أحد محامله كقوله: (وآتوا حقه) (1)، وقيامه - عليه السلام - من الثانية ولم يتشهد (2)، لاحتمال جوازه وسهوه (3).

* * *

والإِجمال يكون في مفرد كـ "القرء" (4) و"العين" و"المختار" يصلح فاعلاً ومفعولاً.

وفي مركب، كقوله: (أو يعفو (5)) (6).

وفي مرجع الضمير، نحو: ضرب زيد عمرًا وأكرمني.

ومرجع الصفة، نحو: "زيد طبيب (7) ماهر"، فـ "ماهر" صفة لـ "طبيب " أو لصفة أخرى.

وفي تعدد المجاز عند تعذر الحقيقة.

__________

(1) سورة الأنعام: آية 141.

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 161 - 162، ومسلم في صحيحه/ 399 من حديث عبد الله بن بعينة مرفوعاً.

(3) فتقييد حد المجمل بـ "اللفظ" يخرجه عن كونه جامعًا؛ لأن الإِجمال يعم الأقوال والأفعال.

(4) نهاية 294 من (ح).

(5) سورة البقرة: آية 237.

(6) فهو متردد بين الزوج والولي.

(7) في (ح): للطبيب.

(3/1000)

والعام المخصوص بمجهول.

والمستثنى المجهول (1)، نحو: (إِلا ما يتلى عليكم) (2).

والصفة المجهولة، نحو: (محصنين) موجِب للإِجمال في: (وأحل لكم) (3).

قال في الروضة (4) وغيرها: والواو للعطف والابتداء، و"مِنْ" لمعان.

مسألة

لا إِجمال في إِضافة التحريم إِلى الأعيان -نحو: (حرمت عليكم الميتة) (5) و (أمهاتكم) (6) - خلافا لأكثر الحنفية (7) -الكرخي (8) وغيره- ولأبي عبد الله البصري (9).

__________

(1) نهاية 142 أمن (ب).

(2) سورة المائدة: آية 1.

(3) سورة النساء: آية 24.

(4) انظر: روضة الناظر/ 181.

(5) سورة المائدة: آية 3.

(6) سورة النساء: آية 23.

(7) ذكر في تيسير التحرير 1/ 661، وفواتح الرحموت 2/ 33: أن المختار: لا إِجمال. ونقل -فيهما- القول بالإجمال عن الكرخي. وانظر: أصول السرخسي 1/ 195، وكشف الأسرار 2/ 106.

(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 166، وفواتح الرحموت/ 332.

(9) انظر: المعتمد/ 333.

(3/1001)

ثم: هو عام عند ابن عقيل (1) والحلواني (2) وغيرهما من أصحابنا.

وقال (3) في التمهيد (4) والروضة (5) والمالكية (6) وجماعة من المعتزلة (7): ينصرف إِطلاقه في كل عين إِلى المقصود اللائق بها؛ لأنه متبادر لغة (8) وعرفا.

وللشافعية (9) وجهان.

وذكر أبو الطيب (10) -منهم- العموم عن قوم من الحنفية.

وللقاضي (11): الأقوال الثلاثة.

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 191، والمسودة/ 95.

(2) انظر: المسودة/ 95.

(3) في (ح): قال.

(4) النظر: التمهيد/ 77 أ.

(5) انظر: روضة الناظر/ 181.

(6) انظر: المنهاج للباجي/ 103، والمنتهى لابن الحاجب/ 100، وشرح تنقيح الفصول/ 275، ومفتاح الوصول/ 39.

(7) انظر: المعتمد/ 333.

(8) في (ح): أو عرفا.

(9) انظر: اللمع/ 30، والتبصرة/ 201، والمحصول 1/ 3/ 241، والإِحكام للآمدي 3/ 12.

(10) انظر: المسودة/ 95.

(11) انظر: العدة/ 106، 145، والتمهيد/ 76 ب، والمسودة/ 94 - 95.

(3/1002)

واختار أبو الفرج المقدسي: الإِجمال.

وحكى القاضي (1) عن أبي الحسن التميمي: أن وصف الأعيان بالحل والحظر مجاز، كما قاله البصري (2).

قالوا: التحريم إِنما يتعلق بأفعال مقدورة، والأعيان غير مقدورة، فلا بد من إِضمار للضرورة، والمضمر لها يتقدر بقدرها، فلا يضمر الجميع، ولا أولوية لبعضه.

رد: بوصف العين بالحل والحظر حقيقة، فهي محظورة علينا ومباحة كوصفها بطهارة ونجاسة وطيب وخبث، فالعموم في لفظ التحريم (3)، اختاره بعض أصحابنا (4) وغيرهم.

ثم: بمنع الحاجة إِلى الإِضمار مع تبادر الفهم.

ثم: يضمر الجميع؛ لأن الإِضمار واقع إجماعاً (5)، بخلاف الإِجمال، وأكثر وقوعا منه، ولإِضماره (6) في قوله: (لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم، فَجَمَلوها، فباعوها) (7)،

__________

(1) انظر: العدة/ 518، والمسودة/ 93.

(2) وهو أبو عبد الله البصري.

(3) نهاية 295 من (ح).

(4) انظر: المسودة/ 93.

(5) نهاية 102 أمن (ظ).

(6) يعني: إِضمار الجميع.

(7) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 170، ومسلم في صحيحه/ 1207 من حديث ابن عباس مرفوعًا

(3/1003)

وإلا (1) لما لعنهم ببيعها، ولو كان الإِجمال أولى منه (2) كان خلاف الأولى.

ثم: بعضه أولى بالعرف.

مسألة (3)

لا إِجمال في نحو: (وامسحوا برؤسكم) (4)، خلافا للحنفية -أو لبعضهم (5) -لتردده (6) بين مسح كله وبعضه، وبَيَّنه - عليه السلام - بفعله (7).

رد: بما يأتي.

ثم: حقيقة اللفظ مسح كله عند أحمد (8) ومالك (9) وأصحابهما وغيرهم؛ لأن الياء -لغة- زائدة لإِلصاق المسح به، وحقيقة الرأس كله،

__________

(1) يعني: لو لم يدل ذلك على إِضمار جميع التصرفات المتعلقة بالشحوم.

(2) يعني: من إِضمار الكل.

(3) نهاية 142 ب من (ب).

(4) سورة المائدة: آية 6.

(5) خالف بعض الحنفية في ذلك. فانظر: كشف الأسرار 1/ 83، 2/ 169، وتيسير التحرير 1/ 166، وفواتح الرحموت 2/ 35.

(6) في (ظ): كتردده.

(7) يعني: مسح على ناصيته. انظر: حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/ 159.

(8) انظر: المغني: 1/ 93.

(9) انظر: المدونة 1/ 16، والكافي لابن عبد البر/ 166 - 167، والمنتهى لابن الحاجب/ 101.

(3/1004)

كآية التيمم: (فامسحوا بوجوهكم) (1).

وعند الشافعي (2) وأصحابه: يكفي مسح بعضه -وللمعتزلة (3) القولان- لأنه العرف نحو: مسحت بالمنديل.

رد: لأنه آلة، والعمل بالآلة يكون ببعضها، بخلاف: مسحت بوجهي.

وأما "الباء للتبعيض" فلا يعرف لغة، وأنكره (4) أهلها، وعنهم يؤخذ، فلا يقال: "شهادة نفي"، والمثبِت عليه الدليل والأصل عدمه.

وقال أبو المعالي (5): هو (6) خلف (7) من الكلام.

وبعض الشافعية -واختاره صاحب المحصول (8) -: تفيد التبعيض إِذا دخلت على فعل يتعدَّى بدونها.

والتبعيض في: شربن بماء البحر (9) استفيد من القرينة، كـ شربن ماء

__________

(1) سورة المائدة: آية 6.

(2) انظر: الأم 1/ 26، والمهذب 1/ 17، والإِحكام للآمدي 3/ 14.

(3) انظر: المعتمد/ 334، والإِحكام للآمدي 3/ 14.

(4) في (ب) و (ح): أنكره.

(5) انظر: البرهان/ 180.

(6) يعني: كونها للتبعيض.

(7) الخَلْف: الرديء من القول. انظر: لسان العرب 10/ 433.

(8) انظر: المحصول 1/ 1/ 532.

(9) هذا جزء من صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي في وصف السحاب، وهو:=

(3/1005)

البحر (*).

مسألة

لا إِجمال في (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) عند الجمهور.

وسبق في تحريم العين (1) ودلالة الإِضمار (2).

مسألة

لا إِجمال في نحو: (لا صلاة إِلا بطهور)، (إِلا بفاتحة الكتاب (3)، (لا

__________

=شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نثيج

وورد بروايات أخرى.

انظر نسبته إِليه في: شرح أشعار الهذليين 1/ 129، والخصائص 2/ 85، والتصريح 2/ 2، وخزانة الأدب 3/ 193، ولسان العرب 1/ 469 - 470. وأبو ذؤيب هو: خويلد بن خالد، شاعر جاهلي إِسلامي. انظر: الشعر والشعراء 2/ 653 تحقيق: أحمد شاكر.

(*) فالتبعيض مفهوم بدون الباء.

(1) في ص/ 100 وما بعدها.

(2) في ص 828 - 838.

(3) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 147 - 148، ومسلم في صحيحه/ 295 عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).

وأخرجه -باللفظ الذي ذكره المؤلف- ابن عدي في الكامل عن أبي سعيد مرفوعًا (انظر: نصب الراية 1/ 363)، والطبراني في كتابه مسند الشاميين عن عبادة مرفوعاً (انظر: نصب الراية 1/ 364، ومجمع الزوائد 2/ 115)، وأبو محمَّد الحارثي في مسنده عن أبي سعيد مرفوعًا. انظر: نصب الراية 1/ 367.

(3/1006)

نكاح إِلا بولي)، ويقتضي نفي الصحة عند أحمد ومالك (1) والشافعي (2) وأصحابهم، واختاره أبو المعالي (3).

وقيل: عام في نفي الموجود والحكم، خص الوجود بالعقل، قال أبو المعالي (4): قاله جمهور الفقهاء. كذا قال

وقيل: عام في نفي الصحة والكمال، وهو في كلام القاضي (5) -أيضًا وابن عقيل (6)؛ بناء على عموم المضمَر.

وعند بعض (7) الشافعية (8) والجبائية وابن الباقلاني (9) وأبي عبد الله البصري (10): مجمل، وقاله الحنفية أو بعضهم (11).

__________

(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 101، وشرح تنقيح الفصول/ 276.

(2) انظر: اللمع / 30، والتبصرة/ 203.

(3) انظر: البرهان/ 306.

(4) انظر: المرجع السابق/ 307.

(5) انظر: العدة/ 515، 517.

(6) انظر: الواضح 2/ 91 أ، 176 ب.

(7) نهاية 296 من (ح).

(8) انظر: التبصرة/ 203.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 17، والمنتهى لابن الحاجب/ 101.

(10) انظر: المعتمد/ 335.

(11) جاء في تيسير التحرير 1/ 681، وفواتح الرحموت 2/ 38: لا إِجمال فيه. ولم يذكرا لهم خلافا.

(3/1007)

وجه عدم الإِجمال: أنه (1) عرف (2) الشارع [فيه] (3) نفي الصحة، أي: لا عمل شرعي، وإن لم يثبت (4) فعرف اللغة نفي الفائدة نحو: "لا علم إِلا ما نفع"، ولو قدر عدمهما (5) -وأنه لا بد من إِضمار- فنفي الصحة أولى؛ لأنه يصير كالعدم، فهو أقرب إِلى الحقيقة المتعذرة، وليس هذا إِثباتًا للغة بالترجيح، بل إِثبات لأولوية أحد المجازات بعرف استعماله.

قال: العرف مختلف في الصحة والكمال.

رد: بالمنع، بل اختلف العلماء.

ثم: نفي الصحة أولى؛ لما سبق (6).

وقيل: بالإِجمال؛ لاقتضائه نفي العمل حسا. وهو ضعيف. (7)

* * *

ومثل المسألة (8): قوله - عليه السلام -: (إِنما الأعمال بالنية) ونحوه.

__________

(1) كذا في النسخ. ولعلها: أن.

(2) نهاية 143 أمن (ب).

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(4) يعني: وإن لم يثبت عرف الشارع ...

(5) يعني: عدم العرفين.

(6) من أنه أقرب إِلى نفي الذات.

(7) نهاية 102 ب من (ظ).

(8) انظر: التمهيد/ 77 ب، والمسودة/ 107، واللمع / 30، والتبصرة/ 203، والإحكام للآمدي 3/ 18.

(3/1008)

وفيه في التمهيد (1): أن نفيه يدل على عدمه وعدم إِجزائه.

مسألة

رفع إِجزاء الفعل نص، فلا ينصرف إِلى عدم إِجزاء الندب إِلا بدليل.

مسألة

نفي قبول الفعل يقتضي عدم الصحة، ذكره ابن عقيل (2) في مسألة "النهي للفساد"، قال: "وإنما يلزم من قال: الصلاة في الدار المغصوبة تصح ولا تقبل"، ثم حكى عن قوم: لا يمنع الصحة، لكنه لا ثواب.

مسألة

لا إِجمال في: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (3).

وعند بعض الأصوليين: لفظ "القطع" و"اليد" مجمل.

وفي التمهيد (4): قيل: مجمل فيهما، وقال قوم: لا.

وجه الأول: أن "اليد" إِلى المنكب حقيقة، وما دونه بعض اليد، ولهذا لما نزلت آية التيمم (5) تيممت الصحابة معه - عليه السلام - إِلى

__________

(1) انظر: التمهيد/ 77 ب.

(2) انظر: الواضح 2/ 40 ب، 41أ، 42أ.

(3) سورة المائدة: آية 38.

(4) انظر: التمهيد/ 77 ب.

(5) سورة المائدة: آية 6.

(3/1009)

المناكب (1).

و"القطع" حقيقة في إِبانة المتصل.

وأيضًا: لو كان مشتركًا (2) في الكوع والمرفق والمنكب لزم الإِجمال، والمجاز أولى منه على ما سبق (3).

واستدل: يحتمل الاشتراك والتواطو وحقيقة أحد هما (4)، ووقوع واحد من اثنين (5) أقرب من معين (6). (7)

رد: إِثبات لغة بالترجيح، وبنفي المجمل. وفيه نظر؛ لاختصاص هذا الدليل بلفظ أطلق (8) علي معان اختلف في ظهوره في بعضها.

__________

(1) أخرجه أبو داود في سننه 1/ 224 - 227، والنسائي في سننه 1/ 167 - 168، وابن ماجه في سننه/ 187، وأحمد في مسنده 4/ 263 - 264، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 110 وما بعدها، والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 208 عن عمار بن ياسر.

وانظر: نصب الراية 1/ 155 - 156.

(2) نهاية 297 من (ح).

(3) في ص 86 من هذا الكتاب.

(4) ومجازية الآخر.

(5) وهما: التواطؤ، وحقيقة أحدهما.

(6) وهو: الاشتراك (الإِجمال).

(7) نهاية 143 ب من (ب).

(8) في (ظ): المطلق.

(3/1010)

قالوا: "اليد" للثلاث (1)، و"القطع" للإبانة والجرح، والأصل عدم مرجح.

رد: بظهوره بما سبق.

وسلم الآمدي (2): أن قطع السارق خلاف الظاهر، وأنه أولى من الإِجمال.

وفي التمهيد (3): قام الدليل عليه (4)، قال: ولأنه رجب حمله على أقل ما يقع عليه الاسم وهو الكف؛ لأن من أمر بفعل يقع على أشياء -والعقل يحظره- وجب فعل أقلها.

وسبق (5) خلافه في عموم جمع منكر.

مسألة

لا إِجمال في: (وأحل الله البيع) (6)، خلافا للحلواني (7) وبعض الشافعية (8)؛ لأن الله حكى عنهم (9): أنه (مثل الربا)، فاعتبر ما يميز

__________

(1) يعني: تطلق عليها.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 20.

(3) انظر: التمهيد/ 78 أ.

(4) يعني: على أنه من الكوع.

(5) في ص775.

(6) سورة البقرة: آية 275.

(7) انظر: المسودة/ 178.

(8) انظر: اللمع/ 29، والتبصرة/ 200.

(9) يعني: عن المشركين.

(3/1011)

بينهما.

رد (1): فرقوا بينهما في الاسم، وقالوا: هو مثله في المعنى.

واختلف كلام القاضي (2).

وعزي هذا الاختلاف إِلى الشافعي، قاله ابن برهان (3) وأبو المعالي (4) , وقال (5): كل بيع فيه زيادة فمجمل، وإلا (6) عام.

قال بعض أصحابنا (7): وكلام القاضي المذكور يوافقه.

مسألة

اللفظ لمعنى تارة ولمعنيين أخرى (8) -ولا ظهور- مجمل في ظاهر كلام أصحابنا، وقاله الغزالي (9) وجماعة.

__________

(1) يعني: فما احتججتم به فهو عليكم؛ لأنهم فرقوا ...

(2) انظر: العدة/ 110، 148، والتمهيد/ 78أ، والمسودة/ 178.

(3) انظر: المسودة/ 178.

(4) انظر: البرهان/ 422. وراجع: أحكام القرآن للشافعي 1/ 135.

(5) يعني: أبا المعالي.

(6) يعني: وإلا فاللفظ عام لجميع صور المبايعات.

(7) قال في المسودة/ 178: وكلام القاضي يوافق هذا؛ فإِنه قال: لما قال -وهم أهل اللسان-: (إِنما البيع مثل الربا) افتقر إِلى قرينة تفسره وتميز بينه وبين الربا. فانظر: لعدة/ 148 - 149.

(8) مثل: (الدابة) يراد بها الفرس تارة، والفرس والحمار أخرى.

(9) انظر: المستصفى 1/ 355.

(3/1012)

وقال الآمدي (1): ظاهر في المعنيين -وذكره قول الأكثر- لتكثير الفائدة.

رد: إِثبات لغة بالترجيح، ثم: الحقائق لمعنى واحد أكثر.

قال وأجيب: بما سبق (2) في "السارق" من (3) احتمال الاشتراك وغيره.

مسألة

ما له محمل (4) (5) لغة، ويمكن حمله على حكم شرعي -كـ: (الطواف بالبيت صلاة) (6) يحتمل: كالصلاة حكماً، ويحتمل: أنه صلاة

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 21.

(2) في ص 1010.

(3) نهاية 298 من (ح).

(4) في (ظ): مجمل.

(5) نهاية 103أمن (ظ).

(6) أخرجه الترمذي في سننه 2/ 217، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 247)، والحاكم في المستدرك 1/ 459، 2/ 267 - وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد وفقه جماعة. ووافقه الذهبي - والبيهقي في سننه 5/ 85، 87، والدارمي في سننه 2/ 374 عن ابن عباس مرفوعًا. قال الترمذي: وقد روي عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعاً إِلا من حديث عطاء بن السائب.

وقد اختلف في رفع هذا الحديث ووقفه. فراجع: نصب الراية 3/ 57 - 58، والتلخيص الحبير 1/ 129 - 131.

(3/1013)

لغة؛ للدعاء فيه، وكقوله (1): (الاثنان جماعة) -لا إِجمال فيه عند أصحابنا والأكثر- خلافا للغزالي (2) -لأنه عليه السلام (3) بعث لتعريف الأحكام [لا اللغة] (4)، وفائدة التأسيس أولى.

قالوا: يصلح لهما، والأصل عدم النقل.

رد: بما سبق (5)

مسألة

ما له حقيقة لغة وشرعًا -كالصلاة- غير مجمل، وهو للشرعي عند صاحب التمهيد (6) والروضة (7) وغيرهما والحنفية (8)؛ لما في التي قبلها.

وظاهر كلام أحمد (9) -قال بعض (10) أصحابنا: بل نصه-: مجمل،

__________

(1) في (ب) و (ظ): كقوله.

(2) انظر: المستصفى 1/ 357.

(3) نهاية 144 أمن (ب).

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ). وفي (ب): لا للغة.

(5) من دليلنا. وانظر: ص 87 وما بعدها من هذا الكتاب.

(6) انظر: التمهيد/ 14 ب.

(7) انظر: روضة الناظر: 174.

(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 172، وفواتح الرحموت 2/ 41.

(9) انظر: العدة/ 143.

(10) انظر: المسودة 1/ 177.

(3/1014)

وقاله الحلواني (1)، وحكي عن ابن عقيل (1)؛ لما في التي قبلها.

وللشافعية (2) وجهان.

واختلفكلام القاضي (3): فتارة بناه على إِثبات الحقيقة الشرعية -كابن عقيل (4) - وتارة قال بالإِجمال ولو أثبتها (5)، وفي جامعه الكبير: نفاها وجعله للشرعي، وقاله ابن عقيل في تقسيم الأدلة من الواضح (6)، وفيه -في آخر العموم (7) -: مجمل قبل البيان مفسر بعده.

والغزالي (8): في الإِثبات -مثل: (إِني إِذًا لصائم (9)) - للشرعي، وفي

__________

(1) انظر: المسودة/ 177.

(2) انظر: اللمع/ 30، والتبصرة/ 198، والإِحكام للآمدي 3/ 23.

(3) انظر: العدة/ 143، 259.

(4) انظر: المسودة/ 17.

(5) يعني: الحقيقة الشرعية.

(6) انظر: الواضح 1/ 125 أ.

(7) انظر: المرجع السابق 2/ 176 أ.

(8) انظر: المستصفى 1/ 359.

(9) أخرج مسلم في صحيحه/ 809 عن عائشة قالت: وقف علي النبي ذات يوم، فقال: (هل عندكم شيء؟) فقلنا: لا. قال: (فإِني إِذاً صائم). وأخرجه -عنها - أبو داود في سننه 2/ 824، والترمذي في سننه 2/ 1118 - 1119 وقال: حسن، والنسائي في سننه 4/ 193 وما بعدها، وابن ماجه في سننه/ 543.

(3/1015)

النهي -كصوم يوم النحر (1) - مجمل، لتعذُّر حمله على الشرعي، وإِلا لزم صحته.

رد: ليس معنى "الشرعي" الصحيح، وإلا لزم في قوله للحائض: (دعي الصلاة) الإِجمال.

والآمدي (2): كالغزالي، إِلا في النهي فلغوي، لتعذر الشرعي، للزوم صحته كبيع الحر (3) والخمر (4)، واللغوي أولى من الإِجمال.

رد: ليس معنى "الشرعي" الصحيح.

وبلزوم اللغوي في"دعي الصلاة"، وهو باطل.

فإن قيل: يعم المعنيين.

قيل: ظاهر في الشرعي.

__________

(1) النهي عن صوم يوم النحر: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 42 - 43، ومسلم في صحيحه/ 799 - 800 من حديث عمر وأبي سعيد مرفوعًا.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 23.

(3) أخرج البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 4/ 417) عن أبي هريرة عن النبي قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ...) وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 816، وأحمد في مسنده 2/ 358.

(4) النهي عن بيع الخمر: أخرجه البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 4/ 313، 424)، ومسلم في صحيحه/ 1206 من حديث عائشة وجابر مرفوعًا.

(3/1016)

ثم: لم يقل (1) به أحد، قاله في التمهيد (2).

وفي الواضح (3) عن بعض الشافعية: عام. وأبطله: بأنه لم يُرَد به.

* * *

والأقوال (4) السابقة: في مجاز مشهور وحقيقة لغوية، وسبق معناه في كلام القاضي (5).

وإن لم يكن مشهورًا عمل بالحقيقة.

وفي اللامع (6) لأبي عبد الله بن حاتم (7) -تلميذ ابن الباقلاني-: اختلف فيه أصحابنا، فمنهم من قال: لا يصرف إِلى واحد منهما إِلا (8) بدليل.

__________

(1) يعني: بالعموم.

(2) انظر: التمهيد/ 81 أ.

(3) انظر: الواضح 2/ 176أ.

(4) نهاية 299 من (ح).

(5) انظر: ص 1015، 88 - 89 من هذا الكتاب.

(6) انظر: المسودة/ 565. واللامع: كتاب في أصول الفقه، ورد ذكره عدة مرات في المسودة.

(7) هو: الحسين بن حاتم الأزدي، أصولي أشعري، بعثه ابن الباقلاني من بغداد إِلى دمشق للوعظ والتذكير في مسائل التوحيد، فعقد مجلس التذكير في جامع دمشق، وأقام بها مدة، ثم توجه إِلى المغرب فنشر العلم بتلك الناحية، واستوطن القيروان إلى أن مات بها. من مؤلفاته: اللامع في أصول الفقه.

انظر: تبيين كذب المفترى/ 216، وكشف الظنون/ 1536.

(8) نهاية 144 ب من (ب).

(3/1017)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

البيان

يطلق على [فعل] (1) المُبَيِّن وهو التبيين، وعلى الدليل، وعلى المدلول، فلهذا قال في العدة (2): إِظهار المعنى للمخاطب [وإيضاحه له] (3).

وفي التمهيد (4): إِظهار المعلوم للمخاطب منفصل (5) عما يشكل به (6).

ومعناه في الواضح (7)، ولم يقل: للمخاطب.

وقال الشافعي (8): اسم جامع لمعانٍ مجتمعة الأصول متشعبة الفروع، فأقل ما فيها (9) أنها بيان لمن خوطب، وبعضها آكد بيانا.

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).

(2) انظر: العدة/ 100.

(3) ما بين المعقوفتين من (ح). وقد ورد في (ب) و (ظ) متأخرًا، وسأشير إِليه بعد قليل. وقد جاء في (ح) -بعد هذا-: (ومعناه في الواضح) إِلى قوله -في الصفحة التالية-: (هذبه)، ثم أتى: وفي التمهيد ...

(4) انظر: التمهيد/ 10 أ.

(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: منفصلاً.

(6) في (ب) و (ظ): عما يشكل به وإيضاحه له.

(7) انظر: الواضح 1/ 40أ.

(8) انظر: الرسالة/ 21.

(9) يعني: ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة.

(3/1018)

ورد ابن عقيل (1) على من اعترض عليه -كابن داود (2) - وقال: الشافعي أبو هذا العلم وأول من هذبه.

وقال أبو بكر (3) (4) من أصحابنا وابن عقيل (5) -أيضًا- والصيرفي (6): إِخراج المعنى من حيّز الإِشكال إِلى حيّز التجَلّي.

ورده القاضي (7): بالبيان ابتداء.

ورده غيره: بالتجوزبـ "الحيز (8)، فإِنه حقيقة للجوهر لا للعَرَض.

وقال أبو عبد الله البصري (9) وغيره: العلم الحاصل عن دليل.

وقال الأكثر -منهم: أكثر المعتزلة (10) وأكثر الأشعرية (11) -: الدليل،

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 40 أ- ب.

(2) انظر: العدة/ 103.

(3) انظر: المرجع السابق / 105.

(4) نهاية 103 ب من (ظ).

(5) انظر: الواضح 2/ 179 أ.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 25.

(7) انظر: العدة/ 105.

(8) في (ظ): بالخبر.

(9) في المعتمد/ 318: قال: هو العلم الحادث.

(10) انظر: المعتمد / 317.

(11) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 25.

(3/1019)

لصحة إِطلاقه عليه لغة وعرفا مع عدم ما سبق، والأصل الحقيقة، واختاره أبو الحسن التميمي (1) من أصحابنا، وزاد: المظهر للحكم.

ورده القاضي (2): بالمجمل.

وفي التمهيد (3): له (4) أن يقول: المجمل ليس دليلاً.

......................

والمبين: نقيض المجمل، مفرد أو مركب أو فعل.

مسألة

الفعل يكون بيانا عند العلماء.

ومنعه الكرخي (5) وبعض الشافعية (5).

لنا: أنه - عليه السلام - بين به الصلاة والحج، ولهذا قال: (صلوا كما رأيتموني [أصلي]) (6)، و (خذوا عني).

ولأنه أدل، ولهذا قال - عليه السلام -: (ليس الخبر كالمعاينة)، رواه

__________

(1) انظر: التمهيد/ 10 أ. وحكى في العدة/ 106 عنه: البيان هو الدلالة.

(2) انظر: العدة/ 106.

(3) انظر: التمهيد/ 10أ.

(4) في (ب): أنه.

(5) انظر: التبصرة/ 247.

(6) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(3/1020)

أحمد (1) من حديث ابن عباس، والطبراني (2) من حديث أنس (3)، وقال -للسائل عن مواقيت الصلاة- (4): (صل (5) معنا هذين اليومين). رواه مسلم (6).

قال: الفعل يطول، فيتأخر البيان.

رد: بما سبق، ثم: لم يتأخر لشروعه فيه، ثم: قد يطول بالقول، ثم: الفعل أقوى (7)، ولم يتأخر عن وقت الحاجة.

__________

(1) انظر: المسند 1/ 215، 271. وأخرجه من حديث ابن عباس -أيضًا- ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 510)، والحاكم في مستدركه 2/ 321 - وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص- والبزار في مسنده (انظر: كشف الأستار 1/ 111)، والطبراني في الكبير والأوسط. انظر: مجمع الزوائد 1/ 153.

(2) انظر: مجمع الزوائد 1/ 153 وفيه: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

(3) وانظر -عن الحديث-: مجمع الزوائد 1/ 153، والمقاصد الحسنة/ 351، وفيض القدير 5/ 357، وكشف الخفاء 2/ 236.

(4) نهاية 300 من (ح).

(5) في (ظ): صلى.

(6) من حديث بريدة. انظر: صحيح مسلم/ 428 - 429. وأخرجه الترمذي في سننه 1/ 102، وابن ماجه في سننه/ 219.

(7) نهاية 145 أمن (ب).

(3/1021)

مسألة

القول والفعل بعد المجمل: إِن اتفقا وعُرف أسبقهما فهو البيان، والثاني تأكيد.

وإن جهل فأحدهما.

وعند الآمدي (1): يتعين للتقديم غير الأرجح؛ لأن المرجوح لا يكون تأكيدًا، لعدم الفائدة.

رد: يجوز (2) بمرجوح مستقل.

وعند ابن عقيل (3): القول أولى؛ لدلالته بنفسه، وعمومها (4) لنا (5)، وبيانه عما في النفس.

وبعض الشافعية (6): مثله، وبعضهم: الفعل.

..............................

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 28.

(2) يعني: يجوز التأكيد.

(3) انظر: الواضح 2/ 209 ب- 211أ، لكن صدّر المسألة بقوله: إِذا تعارض القول والفعل في البيان فالقول أولى من الفعل.

(4) كذا في النسخ. ولعلها: (وعمومه) أي: عموم القول.

(5) في (ب) و (ظ): وعمومها ولنا بيانه ...

(6) انظر: التبصرة/ 249.

(3/1022)

وإن لم يتفقا -كما لو طاف عليه السلام بعد آية (1) الحج قارنًا

طوافين (2)، وأمر القارن بطواف واحد (3) - فقوله بيان، وفعله ندب أو واجب مختص به.

__________

(1) سورة الحج: آية 29.

(2) أخرج النسائي في سننه الكبرى -في مسند علي- عن حماد ابن عبد الرحمن الأنصاري عن إِبراهيم بن محمَّد الحنفية قال: طفت مع أبي -وقد جمع الحج والعمرة- فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين، وحدثني: أن عليًّا فعل ذلك، وقد حدّثه: أن رسول الله فعل ذلك. انظر: نصب الراية 3/ 110. وحماد ضعفه الأزدي، وذكره ابن حبان في الثقات. انظر: تهذيب التهذيب 3/ 18. وفي نصب الراية: قال بعض الحفاظ: هو مجهول، والحديث من أجله لا يصح.

وأخرج الدارقطني في سننه 2/ 258 عن ابن عمر: أنه جمع بين حجه وعمرته معا، فطاف لهما طوافين، وسعى سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صنع كما صنعت. وأخرج الدارقطني -أيضًا- في سننه 2/ 263 عن علي: أن النبي كان قارنا، فطاف طوافين، وسعى سعيين. وأخرج -أيضاً- في سننه 2/ 264 عن ابن مسعود قال: طاف رسول الله لعمرته وحجته طوافين وسعى سعيين. وأخرج -أيضاً- في سننه 2/ 264 عن عمران بن حصين: أن النبي طاف طوافين، وسعى سعيين. وقد تكلم في أسانيد هذه الأحاديث، فراجع: سنن الدارقطني في المواضع السابقة، ونصب الراية 3/ 110 - 111.

(3) أخرج الترمذي في سننه 2/ 213 عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد حتى يحل منهما جميعًا). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح تفرد به الدراوردي على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه، وهو أصح. أ. هـ. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 990، وأحمد في مسنده 2/ 67، والدارقطني في سننه 2/ 257.

(3/1023)

وعند أبي الحسين (1) البصري: المتقدم منهما بيان.

ويلزمه نسخ الفعل المتقدم؛ لوجوب الطوافين ورفع أحدهما بالقول المتأخر، مع إِمكان الجمع، وهو أولى من النسخ.

مسألة

يجوز عند أصحابنا والأكثر كون البيان أضعف.

واعتبر الكرخي (2) المساواة.

لنا: تبيين السنة لمجمل القرآن.

وسبق تخصيص العام (3) وتقييد المطلق (4).

ويعتبر كون المخصص والمقيد أقوى عند القائل به، وإلا لزمه تقديم الأضعف (5) أو التحكم (6).

واختار الآمدي (7) وغيره هذا التفصيل، وأحسبه اتفاقا.

..................

__________

(1) انظر: المعتمد/ 340.

(2) حكاه عنه الآمدي في الأحكام 3/ 31، وابن الحاجب في المنتهى/ 103.

(3) انظر: ص 957، 980.

(4) انظر: ص 989.

(5) عند كون المخصص أضعف.

(6) عند التساوي.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 31.

(3/1024)

ولا تعتبر مساواة البيان للمبين في الحكم (1) -قاله في التمهيد (2) وغيره- لتضمنه صفته، والزائد بدليل، خلافاً لقوم (3).

مسألة

لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، إِلا عند القائل بتكليف ما لا يطاق.

قال بعض أصحابنا (4): ولمصلحة (5) هو البيان الواجب أو المستحب، كتأخيره للأعرابي المسيء في صلاته إِلى ثالث مرة (6)، ولأنه إِنما يجب لخوف فوت الواجب المؤقت في وقته.

.......................

ويجوز تأخيره إِلى وقت الحاجة عند ابن (7) حامد (8) والقاضي (9) وابن

__________

(1) نهاية 104 أمن (ظ).

(2) انظر: التمهيد/ 85 ب.

(3) نهاية 301 من (ح).

(4) انظر: المسودة/ 181 - 182.

(5) يعني: وتأخيره لمصلحة ...

(6) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 154، ومسلم في صحيحه/ 298 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

(7) نهاية 145 ب من (ب).

(8) انظر: العدة/ 725، والمسودة/ 178.

(9) انظر: العدة/ 726.

(3/1025)

عقيل (1) -وحكاه عن جمهور الفقهاء- وأبي الخطاب (2) والحلواني (3) وصاحب الروضة (4)، وذكره صاحب (5) المحرر عن أكثر الأصحاب، وقاله أكثر الشافعية (6) والأشعري (7) وأصحابه.

ومنعه أبو بكر (8) وأبو الحسن (9) التميمي (10) من أصحابنا وداود (11) وأصحابه وأكثر المعتزلة (12) وبعض الشافعية (13).

ولأحمد (14) روايتان.

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 178 ب.

(2) انظر: التمهيد / 86أ.

(3) انظر: المسودة/ 178.

(4) انظر: روضة الناظر/ 186.

(5) انظر: المسودة/ 178.

(6) انظر: اللمع/ 31، والتبصرة/ 207، والإِحكام للآمدي 3/ 32.

(7) انظر: البرهان/ 166، والمستصفى 1/ 368.

(8) انظر: العدة/ 725.

(9) في (ظ): وأبو الحسين.

(10) انظر: العدة/ 725.

(11) انظر: الأحكام لابن حزم/ 94، والعدة/ 726.

(12) انظر: المعتمد/ 342، واللمع/ 31.

(13) انظر: اللمع/ 31، والتبصرة/ 207، والإحكام للآمدي 3/ 32.

(14) انظر: العدة/ 725، والمسودة/ 178.

(3/1026)

وللحنفية (1) والمالكية (2) القولان.

ومنعه أكثر الحنفية وبعض الشافعية (3) في غير المجمل.

وأبو الحسين (4): مثله، إِلا أنه منع تأخير بيانه (5) إِجمالاً (6) نحو: هذا العموم مخصوص، والمطلق مقيد، والحكم سَيُنسخ.

ومنعه بعض الشافعية (7) في المجمل فقط.

ومنعه الجبائي (8) وابنه في غير النسخ.

ومنعه قوم في الخبر فقط، وقوم: بالعكس.

لنا: (فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) (9)، ثم بَيَّن -عليه

__________

(1) انظر: أصول السرخسي 2/ 28، وكشف الأسرار 3/ 108، وتيسير التحرير 3/ 174، وفواتح الرحموت 2/ 49.

(2) ذكر ابن الحاجب في المنتهى/ 103، والقرافي في شرح تنقيح الفصول/ 282: الجواز.

(3) انظر: التبصرة/ 207.

(4) انظر: المعتمد/ 343.

(5) يعني: بيان غير المجمل.

(6) وأجاز تأخير بيانه التفصيلي.

(7) انظر: التبصرة/ 208، والتمهيد للأسنوي/ 423.

(8) انظر: المعتمد/ 342.

(9) سورة الأنفال: آية 41.

(3/1027)

السلام- في الصحيحين: "أن السلَب للقاتل (1) "، ولأحمد وأبي داود بإِسناد حسن: "أنه لم يخمسه (2) ".

ولما أعطى بني المطلب (3) مع (4) بني هاشم (5) من سهم ذي القربى -ومنع بني نوفل (6) وبني عبد شمس (7) - سُئِل، فقال: (بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)، رواه البخاري (8)، ولأحمد وأبي (9) داود والنسائي (10) بإِسناد صحيح: (إِنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إِسلام).

__________

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 92، ومسلم في صحيحه/ 1370، 1371 من حديث أبي قتادة مرفوعًا.

(2) أخرجه أحمد في مسنده 4/ 90، 6/ 26، وأبو داود في سننه 3/ 165 عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد مرفوعاً.

(3) ابن عبد مناف بن قصي. انظر: كتاب نسب قريش/ 92.

(4) في (ب): معي.

(5) ابن عبد مناف بن قصي. انظر: المرجع السابق/ 15.

(6) ابن عبد مناف بن قصي. انظر: المرجع السابق/ 197.

(7) ابن عبد مناف بن قصي. انظر: المرجع السابق/ 97.

(8) من حديث جبير بن مطعم مرفوعًا. فانظر: صحيح البخاري 4/ 91. وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 382، والنسائي في سننه 7/ 130، وابن ماجه في سننه 961.

(9) في (ب): ولأبي.

(10) انظر: مسند أحمد 4/ 81، وسنن أبي داود 3/ 383 - 384، وسنن النسائي 7/ 131. وراجع: نصب الراية 3/ 425 - 426.

(3/1028)

ولم (1) ينقل بيان إِجمالي مقارن، ولو كان نُقِل، والأصل عدمه.

وكذا الحجة من إِطلاق الأمر بالصلاة والزكاة والحج والجهاد، ثم بَيَّن ذلك.

وكذا بيع ونكاح وميراث وسرقة، وكل عموم قرآن وسنة.

وفي الصحيحين (2) -من حديث عائشة-: أن جبريل قال للنبي -عليهما السلام-: اقرأ، قال: (ما أنا بقارئ)، وكرر ثلاثاً، ثم قال: (اقرأ باسم ربك) (3).

واعترض: هذه الأوامر ظاهرها متروك؛ لتأخير البيان عن وقت الخطاب وهو وقت الحاجة إِن كان للفور، أو (4) للتراخي (5): فالفعل (6) جائز في الوقت الثاني، فيمتنع تأخيره عنه.

__________

(1) نهاية 302 من (ح).

(2) انظر: صحيح البخاري 1/ 3، وصحيح مسلم / 139 وما بعدها.

(3) سورة العلق: آية 1.

(4) نهاية 146 أمن (ب).

(5) في (ح): التراخي.

(6) يعني: فإِن الوجوب يتراخى دون الجواز، بل جواز الفعل يثبت بالفور، فإِن أحداً لم يقل بوجوب التأخير، والجواز -أيضًا- حكم يحتاج إِلى البيان كما يحتاج الوجوب إِليه لا فرق بينهما في ذلك، فيمتنع تأخيره -أيضاً- لأنه تأخير عن وقت الحاجة. انظر: شرح العضد 2/ 164.

(3/1029)

رد: الأمر -قبل بيان المأمور به- لا يجب به [شيء (1)] (2)، وهو كثير عرفا كقول السيد: "افعلْ" فقط.

واحتج في التمهيد (3) وغيره: بقصة ابن الزبعري، وسبقت -هي والاعتراض فيها- في العموم (4).

واعترض: بأنه خبر واحد، والمسألة علمية.

وجوابه: المنع، مع أنه متلقَّى بالقبول.

وأيضًا: لو امتنع لكان لعدم البيان (5)، وليس بمانع بدليل النسخ.

واعترض: بما يأتي (6).

فإِن قيل: يعتبر الإِشعار بالناسخ.

رد: بالمنع، وبأنه خلاف الواقع.

واستدل: بقوله: (أن تذبحوا بقرة) (7)، والمراد: "معينة"؛ بدليل

__________

(1) لا بالفور ولا بالتراخي.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) انظر: التمهيد/ 86 ب.

(4) انظر: ص 761 وما بعدها.

(5) نهاية 104 ب من (ظ).

(6) من الفرق بين تأخير بيان المجمل وبيان النسخ، ويأتي في أدلة القائل بمنع تأخير بيان المجمل.

(7) سورة البقرة: آية 67.

(3/1030)

تعيينها بسؤالهم المتأخر عن الأمر بذبحها، وبدليل أنهم لم يؤمروا بمتجدد، وبدليل مطابقة الأمور بها لما ذبح.

رد: بمنع التعيين، فلم يتأخر بيان، لتأخيره (1) عن وقت الحاجة لفورية الأمر، وبدليل (بقرة) والنكرة غير معينة ظاهراً، وبدليل قول المفسرين (2): "لو ذبحوا أي بقرة أجزأت"، وروي نحوه عن ابن عباس (3)، وبدليل أن من طلب البيان لا يُعَنَّف، وعَنَّفه بقوله: (وما كادوا يفعلون) (4).

واستدل: لو امتنع لكان لذاته أو لغيره بضرورةٍ أو نظرٍ، وهما منتفيان.

رد: لو جاز إِلى آخره.

واستدل: لو (5) امتنع لامتنع مع زمن قصير، وبعد جمل معطوفة، وبكلام طويل.

رد: لأنه ليس مُعْرِضا عن كلامه الأول، فهو كجملة (6)، وإِنما يجوز بكلام طويل للمصلحة.

__________

(1) يعني: تأخير البيان.

(2) انظر: تفسير الطبري 2/ 182 ط: دار المعارف.

(3) أخرجه -عنه- الطبري في تفسيره 2/ 204، 206. وانظر: تفسير القرطبي 1/ 448، وتفسير ابن كثير 1/ 100، والمعتبر/ 64 ب- 65 ب، والدر المنثور 1/ 77، وفتح القدير 1/ 110.

(4) سورة البقرة: آية 71.

(5) نهاية 303 من (ح).

(6) وأيضاً: الجمل المعطوفة كجملة.

(3/1031)

واحتج ابن عقيل (1): بأن المسألة أولى من تجويز خطاب المعدوم.

القائل بمنع تأخير سمان الظاهر: لو جاز لكان إِلى مدة معينة، وهو تحكم لا قائل به، أو إِلى الأبد، فيلزم التجهيل، لعمل المكلف أبدًا بعام أريد به الخاص.

رد: إلى مدة معينة عند الله (2)، وهو وقت وجوب العمل على المكلف وقت الحاجة، وقبله لا عمل له بل هو مجرد اعتقاد، فلا يمتنع، بدليل النسخ.

قالوا: لو جاز لكان الشارع مفهماً بخطابه، لاستلزامه (3) الإِفهام، وظاهره يوقع في الجهل؛ لأنه غير مراد، وباطنه لا طريق إِليه.

رد: يجرى الدليل في النسخ، لظهوره في الدوام (4).

وبأنه أريد إِفهام الظاهر مع تجويز التخصيص عند الحاجة، فلا يلزم شيء (5).

واعترض: التخصيص يوجب شكاً في كل شخص: هل هو مراد من العام؟ بخلاف النسخ.

رد: يوجبه على البدل، وفي النسخ يوجبه في الجميع، لاحتمال الموت

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 182 ب-183 أ.

(2) نهاية 146 ب من (ب).

(3) يعني: لاستلزام الخطاب الإِفهام.

(4) مع أنه غير مراد.

(5) من الجهالة والإِحالة.

(3/1032)

قبل وقت العبادة المستقبلة، فهو أولى (1).

القائل بمنع تأخير بيان المجمل: لأنه يُخِل بفعل العبادة في وقتها للجهل بصفتها، بخلاف النسخ.

رد: وقتها وقت بيانها.

قال: لو جاز (2) لجاز الخطاب بالمهمل، ثم يبيّنه؛ لأنه لا يُفهم منهما شيء.

رد: المجمل مخاطب بأحد معانيه، فيطيع ويعصي بالعزم، والمهمل لا يفيد شيئًا.

ولأصحابنا منع وتسليم في جواز خطاب فارسي بعربية، لعدم الفائدة، أو لعلمه أنه أراد منه شيئًا سيبيّنه، ولهذا خاطبهم -عليه السلام- بالقرآن (3). (4)

مسألة

يجوز -على المنع (5) - تأخير إِسماع المخصص الموجود عندنا وعند عامة العلماء.

__________

(1) يعني: فالنسخ أولى بالمنع.

(2) يعني: تأخير بيان المجمل.

(3) في (ظ): في القرآن.

(4) نهاية 105 أمن (ظ)، ونهاية 304 من (ح).

(5) وعلى الجواز أولى.

(3/1033)

ومنعه أبو الهذيل (1) (2) والجبائي، ووافقا على المخصص العقلي.

لنا: يحتمل سماعه (3) بخلاف المعدوم (4).

وسمعت فاطمة: (يوصيكم الله في أولادكم) (5)، ولم تسمع المخصص (6).

وسمع الصحابة الأمر بقتل الكفار (7) إِلى الجزية، ولم يأخذ عمر الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أنه -عليه (8) السلام - أخذ ها منهم. رواه البخاري (9).

__________

(1) هو: محمَّد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العلاف العبدي، من أئمة المعتزلة، وتنسب إِليه فرقة (الهذلية) منهم، توفي سنة 235 هـ.

انظر: فرق وطبقات المعتزلة/ 54، والفرق بين الفرق/ 102، ونكت الهميان/ 277.

(2) انظر: المعتمد/ 360.

(3) يعني: سماع المخصص الموجود.

(4) وقد جاز مع العدم.

(5) سورة النساء: آية 11.

(6) وهو قول الرسول: (لا نورث ما تركناه صدقة). فقد أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 79، ومسلم في صحيحه / 1380 عن عائشة: أن فاطمة بنت الرسول سألت أبا بكر بعد وفاة الرسول أن يقسم لها ميراثها، فقال لها أبو بكر: إِن رسول الله قال: (لا نورث ما تركناه صدقة).

(7) في سورة التوبة: آية 29.

(8) نهاية 147 أمن (ب).

(9) انظر: ص 505 من هذا الكتاب.

(3/1034)

وروى مالك (1) في الموطأ والشافعي (2) عنه عن جعفر (3) بن محمَّد عن أبيه (4): أن عمر ذكرهم، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فشهد عبد الرحمن بأنه - عليه السلام - قال: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب). منقطع (5).

__________

(1) انظر: الموطأ/ 278.

(2) انظر: بدائع المنن 2/ 126.

(3) هو: أبو عبد الله جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الصادق المدني، روى عن أبيه ومحمد بن المنكدر والزهري وغيرهم، وعنه شعبة والسفيانان وأبو حنيفة وغيرهم، توفي سنة 148 هـ عن 68 عامًا. قال الشافعي وابن معين وأبو حاتم: ثقة. انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 87، وميزان الاعتدال 1/ 414، وتهذيب التهذيب 2/ 103.

(4) هو: أبو جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الباقر، روى عن أبيه والحسن بن علي -جده لأمه- والحسين جده لأبيه وغيرهم، وعنه ابنه جعفر والزهري والأوزاعي وغيرهم، توفي سنة 114 هـ. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال العجلي: ثقة.

انظر: تهذيب التهذيب 9/ 350، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 352.

(5) لأن أبا جعفر لم يلق عمر ولا عبد الرحمن؛ لأنه ولد بعد وفاتهما. انظر: تهذيب التهذيب 9/ 351.

وقال ابن حجر في فتح البارى 6/ 261: وهذا منقطع مع ثقة رجاله، ورواه ابن المنذر والدارقطني في "الغرائب" من طريق أبي علي الحنفي عن مالك، فزاد فيه: "عن جده"، وهو منقطع -أيضًا- لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر، فإِن كان الضمير في "جده" يعود على محمَّد بن علي فيكون=

(3/1035)

مسألة

يجوز -على المنع- تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - تبليغ الحكم إِلى وقت الحاجة عند القاضي (1) والمالكية (2) والمعتزلة (3) وأبي المعالي (4) -وذكره الآمدي (5) قول المحققين- خلافاً لبعضهم؛ لأنه لا يلزم منه محال، والأصل الجواز عقلاً، والأمر بالتبليغ (6) -بعد تسليم أنه للوجوب والفور- المراد به القرآن؛ لأنه المفهوم من لفظ "المُنزَل".

ومنعه أبو الخطاب (7) وابن عقيل (8) مطلقًا؛ لأنه يُخِل أن لا يعتقد المكلف شيئًا، وهو إِهمال، بخلاف تأخير البيان، ولهذا يجوز تأخير النسخ لا تبليغ المنسوخ.

__________

=متصلاً؛ لأن جده -الحسين بن علي- سمع من عمر ومن عبد الرحمن، وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي، أخرجه الطبراني بلفظ: (سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب).

(1) انظر: العدة/ 732.

(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 105، وشرح تنقيح الفصول/ 285.

(3) انظر: المعتمد/ 341.

(4) انظر: البرهان/ 166، والمسودة/ 180.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 48.

(6) قال تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إِليك من ربك) سورة المائدة: آية 67.

(7) انظر: التمهيد/ 85 ب.

(8) انظر: الواضح 2/ 190 أ- ب.

(3/1036)

مسألة

يجوز -على الجواز- التدريج في البيان عندنا وعند المحققين، لوقوعه (1)، والأصل عدم مانع.

قالوا: تخصيص بعض بذكره يوهم نفي غيره ووجوب استعمال اللفظ في الباقي، وهو تجهيل للمكلف (2).

رد: بذكر العام بلا مخصص (3).

مسألة

هل يجب اعتقاد العموم والعمل به قبل أن يبحث فلا يجد ما يخصه؟ فيه روايتان عن أحمد (4):

__________

(1) فقد قال تعالى: (فاقتلوا المشركين) سورة التوبة: آية 5، ثم بين خروج الذمي والعبد والمرأة بالتدريج، فقد أخرج البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 6/ 269) عن ابن عمرو: أن النبي قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة). وأخرج البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 6/ 148)، ومسلم في صحيحه/ 1364 عن ابن عمر: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي الرسول مقتولة، فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان). وأخرج أبو داود في سننه 3/ 121 - 122، وابن ماجه في سننه/ 948 عن رباح بن ربيع: أنه - عليه السلام - بعث رجلاً لخالد بن الوليد، وقال: (قل لخالد: لا يقتلن امرأة ولا عسيفًا).

(2) نهاية 305 من (ح).

(3) فإِنه يوهم الاستعمال في الجميع.

(4) انظر: العدة/ 525.

(3/1037)

الوجوب: قول أبي بكر (1) والقاضي (2) وابن عقيل (3) وصاحب الروضة (4) من أصحابنا والصيرفي (5) الشافعي والسرخسي (6) الحنفي.

والمنع: قول أبي الخطاب (7) والحلواني (8) وغيرهما من أصحابنا وأكثر الشافعية (9)، وذكره بعضهم إِجماعًا.

وذكر الآمدي (10) عن الصيرفي: يجب اعتقاد عمومه جزمًا (11) قبله (12)، وهو خطأ؛ لاحتمال إِرادة خصوصه، قال: ولا نعرف خلافاً في امتناع العمل به قبل بحثه عن مخصص.

وقال الجرجاني (13): إِن سمعه منه - عليه السلام - على طريق تعليم

__________

(1) انظر: العدة/ 526.

(2) انظر: المرجع السابق/ 528.

(3) انظر: الواضح 2/ 94 ب- 95 أ.

(4) انظر: روضة الناظر/ 242.

(5) انظر: اللمع/ 16.

(6) هو: أبو سفيان. فانظر: العدة/ 528، والمسودة/ 109.

(7) انظر: التمهيد / 57أ.

(8) انظر: المسودة/ 109.

(9) انظر: اللمع/ 16.

(10) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 50.

(11) نهاية 147 ب من (ب).

(12) يعني: قبل ظهور المخصص.

(13) انظر: العدة/ 527، والمسودة/ 109.

(3/1038)

الحكم وجب اعتقاد عمومه في الحال، وإلا فلا؛ لمنع تأخير (1) بيان التخصيص منه (2).

رد: يجوز (3)، ثم: الراوي عنه مثله.

وجه الأول: الموجب للاستغراق لفظ العموم، والمخصص معارض، والأصل عدمه.

أجاب بعض أصحابنا (4): لكن النفي لا يحكم به قبل البحث.

وأجاب في التمهيد (5): إِنما يفيده بشرط تجرده عن مخصص، وما نعلمه (6) إِلا أن نبحث فلا نجده.

وكذلك [قال] (7) بعض أصحابنا (8): عدم المخصِّص شرط في العموم أو هو (9) من باب المعارض؟ فيه قولان، كما في تخصيص العلة (10).

__________

(1) في (ب) و (ظ): لمنع بيان تأخير التخصيص منه.

(2) يعني: من الرسول.

(3) يعني: يجوز تأخير البيان.

(4) انظر: المسودة/ 112.

(5) انظر: التمهيد/ 57أ.

(6) نهاية 105 ب من (ظ).

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: المسودة / 113.

(9) يعني: المخصص.

(10) غيرت في (ب) و (ظ) إِلى: العام.

(3/1039)

ثم ذكر القاضي (1): اللفظ الدال على العموم هو المجرد عن قرينة، فلا يوجد إِلا وهو قال عليه، وإنما يدل على الخصوص بقرينة.

ثم ذكر -أيضًا (2) -: الموجب للعموم قصد المتكلم، فيكفي في الخصوص عدم قصد العموم، أو يقال: الموجب للخصوص قصد المتكلم، فيكفي في العموم عدم قصد الخصوص.

كلام القاضي (3) يقتضي: أن اللفقالا يتصف في نفسه بعموم ولا خصوص إِلا بقصد المتكلم.

قال (3): وهذا جيد، فيفرق بين إِرادة عدم الصورة المخصوصة أو عدم إِرادتها. كذا قال

[وأيضاً] (4): كما يجب حمله على عموم الزمان وإن جاز نسخه في بعضه.

أجاب في التمهيد (5): ما يخص الأعيان يرد معه وقبله، فيجب البحث، والنسخ لا يرد إِلا بعد ورود الصيغة، فلا يجب، كما لا يتوقف فيمن ثبتت عدالته حتى يرد عليه الفسق.

__________

(1) انظر: العدة / 507.

(2) في الكفاية. فانظر: المسودة/ 114.

(3) انظر: المسودة/ 115.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) انظر: التمهيد/ 57 ب.

(3/1040)

قال بعض أصحابنا (1): فيه نظر بعد (2) النبي - صلى الله عليه وسلم -، لِتَقَدُّم معرفة الناسخ والمنسوخ على الفتوى.

وقال (3) ابن عقيل (4): النسخ قد يخفى عن البعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يلزمه التوقف وإن [كان] (5) ذلك لا يفوت أصل العمل عن ورود النسخ.

واحتج القاضي (6) بأسماء الحقائق، وذكر عن خصمه منعًا وتسليمًا.

واحتج ابن عقيل (7) -وفي الروضة (8) -: بها، وبالأمر والنهي.

وقال بعض أصحابنا (9): يجب أن نقول: "جميع الظواهر كالعموم"، وكلام أحمد في مطلق الظاهر من غير فرق.

وكذا جزم به الآمدي (10) وغيره.

__________

(1) انظر: المسودة/ 110.

(2) نهاية 148 أمن (ب).

(3) نهاية 306 من (ح).

(4) انظر: الواضح 2/ 95أ، ب- 96 أ.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(6) انظر: العدة/ 528 - 529.

(7) انظر: الواضح 2/ 95أ، ب.

(8) انظر: روضة الناظر/ 243.

(9) انظر: المسودة / 110.

(10) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 51.

(3/1041)

وفي التمهيد (1): جميع ذلك كمسألتنا، وإن سلمنا أسماء الحقائق فقط فلأن لفظ العموم حقيقة فيه ما لم نجد مخصصا وحقيقة فيه وفي الخصوص (2).

وأيضاً: لا يلزمه طلب ما لا يعلمه كطلب: هل بحث الله رسولاً؟

وأجاب في التمهيد (3): يلزمه (4)، كما يلزمه هنا طلب المخصص في بلده.

قيل له: فلو ضاق الوقت عن طلبه (5).

فقال: الأشبه: يلزمه العمل بالعموم، وإلا لما أسمعه الله إِيّاه قبل تمكنه من المعرفة بالمخصِّص؛ لأنه وقت الحاجة إِلى البيان.

قال: ويحتمل: لا يعمل حتى يطلبه؛ كمجتهد ضاق وقت اجتهاده، لا يقلِّد غيره.

* * *

وظاهر كلام أصحابنا -وقاله الأكثر-: يكفي بحثٌ يظن معه انتفاؤه.

واعتبر ابن الباقلاني (6) وجماعة: القطع.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 57 أ.

(2) وأسماء الحقائق لا تستعمل في غيرها إِلا مجازاً.

(3) انظر: التمهيد/ 89 أ- ب.

(4) يعني: في بلده.

(5) يعني: طلب المخصص.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 50، والمنتهى لابن الحاجب/ 106.

(3/1042)

لنا: لا طريق إِليه، فشَرْطه يبطل العمل بالعموم.

قالوا: ما كثر البحث بين العلماء فيه (1) يفيد القطع عادة، وإلا فبحث المجتهد يفيده لاستحالة أن لا ينصب الله عليه دليلاً ويبلغه للمكلف.

رد الأول: بمنع الاطلاع عليه (2)، (3) ثم: لو اطلع بعضهم فنقله غير قاطع.

والثاني: بمنع نصب دليل (4) ولزوم الاطلاع (5) ونقله، وقد يجد مخصِّصا (6) يرجع به عن العموم، ولو قَطَع لم يرجع (7).

__________

(1) يعني: ولم يوجد مخصص.

(2) مع وجوده.

(3) نهاية 148 ب من (ب).

(4) يعني: وإن سلمنا فلا نسلم لزوم الاطلاع.

(5) يعني: وبتقدير ذلك لا نسلم لزوم نقله.

(6) نهاية 106أمن (ظ).

(7) نهاية 307 من (ح).

(3/1043)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

الظاهر والتأويل

الظاهر لغة (1): الواضح.

واصطلاحاً: ما دل دلالة ظنية وضعًا -كأسد- أو عرفًا كغائط.

* * *

والتأويل لغة (2): من "آل يؤول" أي: رجع، كقوله: (وابتغاء تأويله) (3) (4).

واصطلاحًا: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح.

فإِن أردت التأويل الصحيح زدْتَ: بدليل يصيّره راجحًا على مدلوله الظاهر.

وحَدّه الغزالي (5) -وفي الروضة (6) -: احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من الظاهر.

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 471.

(2) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 159 - 162.

(3) سورة آل عمران: آية 7.

(4) أي: ما يؤول إليه.

(5) انظر: المستصفى 1/ 387.

(6) انظر: روضة الناظر/ 178.

(3/1044)

ويرد: أن الاحتمال شرط التأويل لا نفسه.

وليس بجامع، لخروج تأويل مقطوع به.

* * *

ثم: الاحتمال المرجوح: إِن قرب التأويل ترجَّح بأدنى مرجِّح، وإن بَعْدَ افتقر إِلى الأقوى، وإن تعذر رُدَّ.

فمن التأويل البعيد: تأويل الحنفية (1) قوله - عليه السلام - لغيلان بن سلمة -وقد أسلم على عشر نسوة (2) -: (اختر (3) -وفي لفظ: (أمسك (4) - (منهن أربعًا، وفارق سائرهن) على ابتداء النكاح أو إِمساك الأوائل؛ لأن (5) الفرقة لو وقعت (6) بالإسلام لم يخيره (7)، والمتبادر من

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 145، وفواتح الرحموت 2/ 31.

(2) انظر: ص 564، 801، 802 من هذا الكتاب.

(3) أخرجه -بهذا اللفظ- ابن ماجه في سننه/ 628، والحاكم في المستدرك 2/ 192، والبيهقي في سننه 7/ 149، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 311) من حديث ابن عمر.

(4) أخرجه -بهذا اللفظ- الشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 351)، والبيهقي في سننه 7/ 181 من حديث ابن عمر.

(5) هذا وجه البعد.

(6) في (ب): وقت.

(7) لتوقف النكاح على رضا الزوجة.

(3/1045)

"الإِمساك" الاستدامة (1)، والسؤال وقع عنه (2)، وحصر التزويج فيهن، ولم يبين له شروط النكاح مع الحاجة لقرب إِسلامه، ولم ينقل تجديد نكاح، وروى الشافعي (3) أنه قاله لمن أسلم على خمس نسوة، قال: فعمدت إِلى أقدمهن عندي ففارقتها (4).

وأبعد من هذا: تأويلهم (5) ما روي من قوله لفيروز الديلمي -وقد أسلم على أختين-: (اختر (6) أيتهما شئت) (7)؛ لقوله (8): (أيتهما (9).

ومنه: تأويلهم (10) في: (فإِطعام ستين مسكينًا) (11) أي: إِطعام

__________

(1) دون التجديد.

(2) يعني: عن "الإِمساك" بمعنى: الاستدامة، لا بمعنى تجديد النكاح.

(3) أخرج الشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 351)، والبيهقي في سننه 7/ 184 عن نوفل بن معاوية الديلمي قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة، فسألت النبي، فقال: (فارق واحدة وأمسك أربعًا)، فعمدت ...

(4) فهذا يرد إِمساك الأوائل.

(5) انظر: تيسير التحرير 1/ 145، وفواتح الرحموت 2/ 31.

(6) أخرجه أبو داود في سننه 2/ 678، والترمذي في سننه 2/ 299 - وقال: حسن غريب- وابن ماجه في سننه/ 627، والبيهقي في سننه 7/ 184 - 185، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 310) من حديث فيروز الديلمي مرفوعًا.

(7) نهاية 149أمن (ب).

(8) هذا وجه البعد.

(9) فدل على أن الترتيب غير معتبر.

(10) انظر: أصول السرخسي 1/ 239، وتيسير التحرير 1/ 146، وفواتح الرحموت 2/ 24.

(11) سورة المجادلة: آية 4.

(3/1046)

طعام ستين مسكينًا؛ لأن المقصود دفع (1) الحاجة، ودفع حاجة ستين كحاجة واحد في ستين يومًا، فجعلوا المعدوم -وهو: طعام- مذكرراً مفعولاً به، والمذكرر -قوله: (ستين) - معدومًا، لم يجعلوه مفعولاً، مع ظهور قصد (2) العدد لفضل الجماعة وبركتهم وتظافر قلوبهم على الدعاء للمحسن.

ومنلى: تأويلهم (3): (في أربعين شاة شاة) (4) أي: قيمة شاة كما

__________

(1) نهاية 308 من (ح).

(2) في (ب): قصهده. وفي (ظ): قصده.

(3) انظر: تيسير التحرير 1/ 146، وفواتح الرحموت 2/ 22.

(4) ورد في كتاب عمرو بن حزم الذي بعث به النبي معه إِلى أهل اليمن. أخرجه النسائي في الديات وأبو داود في مراسيله (راجع: نصب الراية 2/ 339)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 202 - 203)، والحاكم في مستدركه 1/ 395 - 342.

وورد في حديث ابن عمر مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه 2/ 225، والترمذي في سننه 2/ 66 - 67 وقال: حسن، وابن ماجه في سننه/ 577 - 578، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 131.

وورد في حديث علي -شك زهير أحد رواته في رفعه أخرجه أبو داود في سننه 2/ 228، والبيهقي في سننه 4/ 99. وانظر: نصب الراية 2/ 352.

وورد في حديث أنس مرفوعًا. أخرجه الطبراني في الأوسط. انظر: مجمع الزوائد 3/ 73، ونصب الراية 2/ 355 - 356.

(3/1047)

سبق (1)، وهو أبعد؛ لأنه يلزم أن لا تجب الشاة، وكل فرع استنبط من أصل يبطل ببطلانه.

ومنه: تأويلهم (2): (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إِذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإِن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها) (3) على الصغيرة والأمة والكاتبة، و (باطل) لمصيره إِليه (4) غالبًا لاعتراض الولي إِن تزوتجما بغير كفء؛ لأنها (5) مالكة لبضعها فكان كبيع مالها. فالصغيرة (6) لا تسمى امرأة، ونكاحها موقوف (7) عندهم، ومهر الأمة للسيد، والمكاتبة

__________

(1) من أن المقصود دفع الحاجة.

(2) انظر: تيسير التحرير 1/ 147، وفواتح الرحموت 2/ 25.

(3) هذا الحديث روته عائشة مرفوعاً. أخرجه أبو داود في سننه 2/ 566 - 568، والترمذي في سننه 2/ 380 - 381 وقال: حسن، وابن ماجه في سننه/ 605، وأحمد في مسنده 6/ 47، والدارمي في سننه 2/ 62، والدارقطني في سننه 3/ 221، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 305)، والحاكم في مستدركه 2/ 168 - وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 7، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 305).

وانظر -أيضًا-: نصب الراية 3/ 184 - 185، والتلخيص الحبير 3/ 156 - 157، والتعليق المغني على الدارقطني 3/ 211.

(4) يعني: إِلى البطلان.

(5) هذا تعليل للتأويل.

(6) هذا وجه البعد.

(7) انظر: جامع أحكام الصغار 1/ 28.

(3/1048)

نادرة، فأبطلوا ظهور قصد التعميم لظهور "أي" مؤكدة بـ "ما" وتكرير لفظ البطلان، وحَمْله على نادر يعد كاللغز (1) -بضم اللام وفتحها مع سكون العنِن وضمها، وأصله: جحر اليربوع، يخفي مكانه بتلك (2) الألغاز- وليس مثل هذا من كلام العرب، ولا يجوز.

ومعنى كلام أصحابنا -وقاله الآمدي (3) -: لا يصح الاستثناء بحيث لا يبقى إِلا النادر، مع إِمكان قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - منع (4) استقلال المرأة فيما يليق بمحاسن العادات (5) وهو النكاح (6).

وأقرب من [هذا] (7) التأويل -مع بعده-: تأويلهم (8): (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل (9)) على القضاء

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 257، ولسان العرب 7/ 273.

(2) نهاية 106 ب من (ظ).

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 58.

(4) في (ظ): مع.

(5) في (ظ): العبادات.

(6) نهاية 149 ب من (ب).

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 148، وفواتح الرحموت 2/ 26.

(9) أخرج أبو داود في سننه 2/ 823 - 824 عن ابن عمر عن حفصة أن رسول الله قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له). وذكر أبو داود أنه روي موقوفًا على حفصة. ونقل ابن حجر في التلخيص 2/ 188 عنه أنه قال: لا يصح رفعه.=

(3/1049)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

__________

=وقال الخطابي في معالم السنن 2/ 824: أسنده عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وزيادات الثقات مقبولة. وأخرجه -عنها- الترمذي في سننه 2/ 117 بمثل لفظ أبي داود، ثم قال: حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعًا إِلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله، وهو أصح. وذكر ابن حجر في التلخيص 2/ 188: أن الترمذي نقل عن البخاري أنه قال: هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف. وانظر: التاريخ الصغير للبخاري/ 68 - 69. وأخرجه -عنها- النسائي في سننه 4/ 196 - 197 بلفظ: (من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له). ورواه -أيضاً- موقوفاً على حفصة. وفي التلخيص الحبير 2/ 188: قال النسائي: الصواب عندي موقوف، ولم يصح رفعه. وأخرجه -عنها- ابن ماجه في سننه بلفظ: (لا صيام لمن لم يفرضه من الليل). وأخرجه -عنها- أحمد في مسنده 6/ 287. ونقل ابن حجر في التلخيص 2/ 188 عنه قوله: ما له عندي ذلك الإِسناد. وأخرجه -عنها- الدارمي في سننه 1/ 339، والدارقطني في سننه 2/ 172 - وأخرجه أيضاً عن عائشة، وقال: كل رجاله ثقات- والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 54. وأخرجه مالك في الموطأ/ 288 عن ابن عمر وحفصة وعائشة موقوفًا. وأخرجه -عن حفصة مرفوعًا- البيهقي في سننه 4/ 202 وقال: وهذا حديث قد اختلف على الزهري في إِسناده وفي رفعه إِلى النبي، وعبد الله بن أبي بكر أقام إِسناده ورفعه، وهو من الثقات الأثبات. وأخرجه البيهقي -أيضاً- في سننه 4/ 203 عن عائشة مرفوعًا بمثل حديث الدارقطني.

والخلاصة: أن هناك اختلافاً بين العلماء في رفع هذا الحديث ووقفه، فذهب فريق إِلى أنه مرفوع، منهم: الحاكم والدارقطني وابن خزيمة وابن حزم، وذهب فريق إِلى أنه موقوف ولا يصح رفعه، منهم: البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي. انظر: نصب الراية 2/ 433 - 435، والتلخيص الحبير 2/ 188، وفتح الباري 4/ 142.

(3/1050)

والنذر المطلق (1)، لعمومه، ووجوبهما بسبب عارض، وادعوا ثبوت صحة الصوم بنية من النهار.

ومنه: تأويلهم (2): (ولذي القربى) (3) على الفقراء منهم؛ لأن المقصود سد الخلّة، ولا خلة مع الغنى، فأبطلوا العموم مع ظهور أن القرابة هي العلة لتعظيمها وتشريفها مع إِضافته بلام التمليك.

ولا يلزمنا والمالكية (4) والشافعية (5) في اليتم (6)، للخلاف فيه، ثم (7): هو (8) مع قرينة دفع المال مشعر بالحاجة (9)، ولا يصلح مجرده (10) علة.

ومن التأويل البعيد عندنا -وذكره الآمدي (11) وغيره-: تأويل

__________

(1) نهاية 309 من (ح).

(2) انظر: تيسير التحرير 1/ 148، وفواتح الرحموت 2/ 28.

(3) سورة الأنفال: آية 41.

(4) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 478.

(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 61.

(6) حيث اشترطنا الحاجة.

(7) في (ح): بم.

(8) يعني: اليتم.

(9) فاعتبرناها.

(10) يعني: مجرد اليتم.

(11) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 60.

(3/1051)

المالكية (1) والشافعية (2): (من ملك ذا رحم فهو حر (3)) على عمودي نسبه، لعمومه وظهور (4) قصده (5) للتنبيه على حرمة المَحْرم وصلته.

__________

(1) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 971، ومواهب الجليل 6/ 333.

(2) انظر: البرهان/ 539، والمستصفى 1/ 405.

(3) أخرجه أبو داود في سننه 4/ 259 - 260 ... عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي قال: (من ملك ذا رحم محرم فهو حر). وكذا أخرجه الترمذي في سننه 2/ 409 - 410، وابن ماجه في سننه/ 843، والبيهقي في سننه 10/ 489، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 109، والحاكم في مستدركه 2/ 214 وسكت عنه، وصححه الذهبي في التلخيص. قال أبو داود: لم يحدث ذلك الحديث إِلا حماد بن سلمة وقد شك فيه؛ فإِن موسى بن إِسماعيل -الذي حدث أبا داود بهذا الحديث- قال في موضع آخر: عن سمرة فيما يحسب حماد. وقد رواه شعبة مرسلاً عن الحسن عن النبي، وشعبة أحفظ من حماد. انظر: سنن أبي داود 4/ 260، ونصب الراية 3/ 279. وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مسنداً إِلا من حديث حماد بن سلمة، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر. وقد أخرجه ابن ماجه في سننه/ 844 عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي. وكذا أخرجه الترمذي في سننه 2/ 410، والبيهقي في سننه 10/ 289، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 109، والحاكم في مستدركه 2/ 214 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وفي زوائد ابن ماجه "في إِسناده من تكلم فيه". وقال الترمذي: ولا يتابع ضمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث.

وقد أخرج هذا القول -موقوفًا على عمر- أبو داود في سننه 4/ 261؛ والبيهقي في سننه 10/ 289، 290، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 110.

(4) في (ب): ظهور.

(5) يعني: قصد التعميم.

(3/1052)

وَعَدَّ الآمدي (1) حمل أبي حنيفة (2) ومالك (3) والأصح عن أحمد (إنما الصدقات للفقراء) -الآية (4) - على بيان المصرِف (5) (6)، من ذلك، لإِضافتها (7) إِليهم بلام التمليك، والعطف المقتضي للتشريك.

وقال بعضهم (8): سياق الآية -من الرد على لمزهم في المعطِين، ورضاهم في إِعطائهم، وسخطهم في منعهم- يدل عليه (9).

قال الآمدي (10): لا نسلم أنه لا مقصود من الآية سواه (11).

فيقال: فسرها حذيفة كقولنا (12)،

__________

(1) انظر الإحكام للآمدي 3/ 56.

(2) انظر: تيسير التحرير 1/ 148، وفواتح الرحموت 2/ 30.

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 107.

(4) سورة التوبة: آية 60.

(5) فيجوز الاقتصار على بعض الأصناف.

(6) يعني: لا الاستحقاق.

(7) هذا وجه البعد.

(8) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 107.

(9) يعني: على الحمل، فلا تأويل.

(10) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 57.

(11) يعني: سوى بيان المصرف.

(12) أخرج الطبري في تفسيره 14/ 322 - ط: دار المعارف - ... عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء ...) قال:=

(3/1053)

رواه (1) سعيد، وعارضها: (وتؤتوها الفقراء) الآية (2)، وحديث معاذ في الصحيحين (3): (فترد على فقرائهم) (4)، فالجمع وحملها على الندب أولى، وترك ظاهرها لو فرقها الساعي (5)، وفي استيعاب (6) من أمكن من الأصناف، وتفضيل بعضهم على بعض، فيلزم التسوية أو الفرق.

وعَدّ الآمدي (7) (8) من التأويل البعيد: قول القائلين بوجوب غسل

__________

=إِن شئت جعلته في صنف واحد أو صنفين أو ثلاثة. وأخرج عنه -أيضاً-: إِذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 182. وفي تفسير القرطبي 8/ 168: روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله: (إِنما الصدقات ...) قال: إِنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف، وأي صنف منها أعطيت أجزأك.

وراجع: تفسير ابن كثير 2/ 364، والدر المنثور 3/ 250 - 251.

(1) في (ح): ورواه.

(2) سورة البقرة: آية 271.

(3) في (ب) و (ظ): في الصحيح.

(4) انظر: صحيح البخاري 2/ 104، 119، وصحيح مسلم / 50 - 51.

(5) يعني: إِذا أخذها الساعي وفرقها فإِنه لا يجب صرفها إِلى جميع الأصناف، فكذلك إِذا فرقها المالك.

(6) يعني: استيعاب أهل كل صنف.

(7) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 63.

(8) نهاية 150 أمن (ب).

(3/1054)

الرجلين (1): "إِنه المراد من آية (2) الوضوء"؛ لترك (3) ظاهر التشريك في المسح بلا ضرورة.

فقيل له: لا يوجب العطف الاشتراك في تفاصيل حكم المعطوف عليه.

فقال: هذا الأصل.

وجوابه: المنع. وسبقت (4) في العموم.

ثم: قراءة نصب "الأرجل" صريحة أو ظاهرة، وقراءة الجر محتملة.

ثم: إِن سلم ظهورها (5) تعين الغسل بالسنة المتواترة وإِجماع الصحابة.

.........................

__________

(1) نهاية 310 من (ح).

(2) سورة المائدة: آية 6.

(3) هذا وجه البعد.

(4) انظر: ص 853 - 856، 858.

(5) يعني: في المسح.

(3/1055)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

المفهوم

الدلالة:

منطوق: وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق.

والمفهوم: ما دل عليه لا في محل النطق.

....................

والمنطوق:

صريح: وهو ما وضع اللفظ له.

وغير الصريح: ما يلزم عنه:

فإِن (1) قصده المتكلم -وتوقف صدقه عليه نحو: (رفع عن أمتي الخطأ)، أو الصحة العقلية (2) نحو: (واسأل القرية) (3)، أو الصحة الشرعية نحو: "أعتق عبدك عني على مائة"؛ لاستدعائه سبق الملك لتوقف العتق عليه- فدلالة اللفظ عليه دلالة اقتضاء.

وإن لم يتوقف -واقترن الملفوظ به بحكم لو لم يكن لتعليله استبعد من الشارع مثله- فتنبيه وإِيماء. وسيأتي في القياس (4).

__________

(1) في (ب): فإنه.

(2) نهاية 107أمن (ظ).

(3) سورة يوسف: آية 82.

(4) في ص 1259.

(3/1056)

وإن لم يقصد فدلالة إِشارة، كما رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في سننه عنه - عليه السلام -: (النساء ناقصات عقل ودين)، قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: (تمكث إِحداهن شطر عمرها لا تصلي) (1). لم

__________

(1) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 64، 3/ 35 من حديث أبي سعيد مرفوعاً: (... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 86 - 87 من حديث ابن عمر، وفيه: (وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين).

أما لفظ: (تمكث إِحداهن شطر عمرها لا تصلي) فقد قال ابن الجوزي في التحقيق 1/ 201: ذكره أصحابنا، وهذا لفظ لا أعرفه. وأقره صاحب التنقيح عليه. وقال الشيرازي في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إِلا في كتب الفقه. قال النووي: حديث باطل لا يعرف. فانظر: المجموع شرح المهذب 2/ 389. وقال ابن حجر في التلخيص 1/ 162: لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده -فيما حكاه عنه ابن دقيق العيد في الإِمام-: "ذكر بعضهم هذا الحديث، ولا يثبت بوجه من الوجوه"، وقال البيهقي في المعرفة: "هذا حديث يذكره بعض فقهائنا، وقد تطلبته كثيراً فلم أجده في شيء من كتب الحديث، ولم أجد له إِسنادًا"، وقال المنذري: "لم يوجد له إِسناد بحال"، وأغرب الفخر ابن تيمية في شرح الهداية لأبي الخطاب، فنقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم البستي في كتاب السنن له. كذا قال، وابن أبي حاتم ليس بستيا، وإنما هو رازي، وليس له كتاب يقال له: السنن. وراجع: كشف الخفاء 1/ 379 - 380، والمقاصد الحسنة/ 1 - 165.

وقال الزركشي في المعتبر/ 70 ب: زعم جماعة من الحفاظ -منهم: البيهقي- أنه بهذا اللفظ لا أصل له ... وقد ذكرت في الذهب الإِبريز أصله.

(3/1057)

يقصد - عليه السلام - بيان أكثر الحيض وأقل (1) الطهر، لكنه لزم من اقتضاء المبالغة (2) ذكر ذلك.

وكذا: (وحمله وفصاله (3) ثلاثون شهرًا) (4) مع: (وفصاله في عامين) (5) يلزم أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.

وكذا: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) (6) يلزم منه جواز الإِصباح جنبًا. ومثله: (فالآن باشروهن) إِلى (حتى يتبين لكم) (6).

وسَمَّى في العدة (7) الإِضمار مفهوم الخطاب وفحواه ولحنه (8).

وسماه في التمهيد (9) لحن الخطاب، قال (10): ومعنى الخطاب القياس.

قال -هو (11) وابن عقيل (12) -: والنص هو الصريح، لا

__________

(1) في (ب): وأكثر.

(2) في نقصان دينهن.

(3) نهاية 311 من (ح).

(4) سورة الأحقاف: آية 15.

(5) سورة لقمان: آية 14.

(6) سورة البقرة: آية 187.

(7) انظر: العدة/ 152 - 153.

(8) نهاية 150 ب من (ب).

(9) انظر: التمهيد/ 4 أ.

(10) انظر: التمهيد/ 4 ب.

(11) انظر: المرجع السابق / 2أ- ب.

(12) انظر: الواضح 1/ 8أ، 22أ، 124 ب، 126أ.

(3/1058)

يعدل [عنه] (1) إِلا بنسخ.

وفي العدة (2): الصريح في حكم وإن احتمل غيره.

واختار (3) في الروضة (4): ما أفاد بنفسه بلا احتمال أو احتمال لا دليل عليه. قال: وقد يطلق على الظاهر، ولا مانع منه؛ فإِنه (5) في اللغة: الظهور. قال (6): وما فهم منه التعليل يسمى: إِيماء وإشارة وفحوى الكلام ولحنه. والله أعلم.

* * *

والمفهوم: [مفهوم] (7) موافقة، ومفهوم مخالفة.

فالأول: أن يكون المسكوت موافقاً في الحكم -ويسمى: فحوى الخطاب ولحن الخطاب، قال الآمدي (8): "أي معنى الخطاب"، وسماه في العدة (9)

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(2) انظر: العدة/ 138.

(3) في (ب): واختاره.

(4) انظر: روضة الناظر/ 177.

(5) يعني: النص.

(6) انظر: المرجع السابق/ 262 - 263.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 66.

(9) انظر: العدة/ 153.

(3/1059)

كالإِضمار، ومثله في التمهيد (1) أيضًا (2)، وسماه في الروضة (3): فحواه -كتحريم الضرب من قوله: (فلا تقل لهما أفٍّ) (4)، وكالجزاء بما فوق المثقال من قوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره) (5)، وكتأدية ما دون القنطار من قوله: (يؤده إليك) وعدم الآخر (6) من: (لا يؤده إِليك) (7)، وهذا تنبيه بالأعلى، وما قبله بالأدنى، فلهذا: الحكم في المسكوت أولى منه في الملفوظ.

ويعرف الحكم في المسكوت بمعرفة المعنى المقصود من الحكم في النطق، وأنه أولى فيه.

.....................

وهو حجة -ذكره بعضهم إِجماعًا- لتبادر فهم العقلاء.

واختلف النقل عن داود (8).

.....................

__________

(1) انظر: التمهيد / 4أ.

(2) في (ح): أيضًا في التمهيد.

(3) انظر: روضة الناظر/ 263.

(4) سورة الإِسراء: آية 23.

(5) سورة الزلزلة: آية 7.

(6) في (ب): الآخرة.

(7) سورة آل عمران: آية 75.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 67، والمسودة/ 346.

(3/1060)

ثم: دلالته لفظية عند القاضي (1) والحنفية (2) والمالكية (3) وبعض الشافعية (4) وجماعة من المتكلمين والظاهرية (5) -قال بعض أصحابنا (6): (7) نص عليه أحمد في مواضع- واختاره ابن عقيل (8)، وذكره عن أصحابنا، واختاره الآمدي (9) وغيره؛ لفهمه لغة قبل شرع القياس، ولاندراج أصله في فرعه نحو: "لا تعطه ذرة" (10).

واحتج ابن عقيل (11) وغيره: بأنه لا يحسن الاستفهام، ويشترك في

__________

(1) انظر: العدة/ 480 وما بعدها، 205 أ- ب، والتمهيد/ 160أ، وروضة الناظر/ 263.

(2) انظر: أصول السرخسي 1/ 241، وكشف الأسرار 1/ 73، وتيسير التحرير 1/ 94، وفواتح الرحموت 1/ 410، وفتح الغفار 2/ 45.

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 108، والإِشارات/ 92، ونشر البنود 1/ 96.

(4) انظر: اللمع/ 25، والتبصرة/ 227، والآيات البينات 2/ 20، وشرح المحلي 1/ 243.

(5) انظر: الأحكام لابن حزم/ 1210 وما بعدها، والتبصرة/ 227.

(6) انظر: المسودة/ 389.

(7) نهاية 312 من (ح).

(8) انظر: الواضح 2/ 149.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 68.

(10) في (ب): ذرة ابن عقيل واحتج ابن عقيل ...

(11) انظر: الواضح 2/ 49 أ- ب، 52 ب.

(3/1061)

فهمه (1) اللغوي وغيره بلا قرينة -وضعف ابن عقيل (2) وغيره ما حكوه عن قوم "أنه مستفاد من اللفظ": أنه لم يلفظ به (3)، ولهذا افتقر إِلى استدلال وعلم قصد المتكلم وسياقه- ويفهم بأول وهلة.

فقيل (4) له: لو قال لمدعي دينارًا (*): "لا يستحق عَلَيَّ حبَّة" لم يجبه (5).

فقال (6): لأنه لا يكتفى في دفع الدعوى بظاهر بل بنص، ولهذا لو حلف "والله إِني لصادق فيما ادعيته عليه" أو حلف المنكر "إنه لكاذب فيما ادعاه عَلَيّ" لم يُقبل.

وخالفه بعض أصحابنا (7)، فقال: إِنه (8) يعم من باب الفحوى، إِلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية (9).

__________

(1) نهاية 151 أمن (ب).

(2) انظر: الواضح 2/ 50 ب، 51 ب.

(3) نهاية 107 ب من (ظ).

(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: دينار.

(4) انظر: الواضح 2/ 52 ب.

(5) يعني: ولو كان مستفادًا من فحوى اللفظ لكان قد أجابه.

(6) انظر: الواضح 2/ 52 ب- 53 أ.

(7) انظر: المسودة/ 172.

(8) يعني: قوله -مثلاً-: لا يستحق علي حبَّة.

(9) يعني: لا من باب الفحوى.

(3/1062)

ولنا وجهان (1) في اللعان في اعتبار قوله: "فيما رميتها به" (2).

وعند ابن أبي موسى (3) وأبي الحسن (3) الخرزي وأبي الخطاب (4) والحلواني (5) وغيرهم من أصحابنا والشافعي (6) وأكثر أصحابه: هو قياس جلي؛ لأنه لم يلفظ به، وإنما حكم بالمعنى المشترك.

رد: المعنى شرط لدلالة الملفوظ عليه لغة (7)، بخلاف القياس (8).

وقال بعض أصحابنا (9): إِن قصد التنبيه (10) فليس قياساً؛ لأنه

__________

(1) انظر: المغني 8/ 87. والفروع 5/ 509.

(2) بعد قوله: (لمن الصادقين) سورة النور: آية 6.

(3) انظر: المسودة/ 348

(4) في التمهيد/ 160أ: رجح أنه قياس الأولى. وفيه / 101أ: صرح بأن التنبيه ليس بقياس. وفي المسودة/ 346: حكى عنه أنه مستفاد من اللفظ، ثم حكى عنه فيها/ 348: أنه قياس. وانظر: التمهيد/ 76أ.

(5) انظر: المسودة/ 348.

(6) انظر: اللمع/ 27، والتبصرة/ 227، والإبهاج 2/ 19، والآيات البينات 2/ 20، وشرح المحلي 1/ 242. وحكاه -عن الشافعي- ابن برهان وأبو الطيب الطبري.

فانظر: المسودة/ 346 - 347.

(7) لا أنه يثبت به الحكم فيكون قياسًا. انظر: فواتح الرحموت 1/ 411.

(8) ومن ثم قال به النافي للقياس.

(9) انظر: المسودة/ 347.

(10) بالأدنى على الأعلى.

(3/1063)

المراد (1)، وإن قصد الأدنى فقياس، كاحتجاج أحمد في رهن المصحف عند الذمي: بنهيه (2) - عليه السلام - عن السفر بالقرآن إِلى أرض العدو، مخافة أن تناله أيديهم، فهذا قاطع، واحتجاجه -في أن لا شفعة لذمي على مسلم- بقوله في الصحيحين: (وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إِلى أضيقه (3))، فهذا مظنون.

وزعم أبو محمَّد البغدادي (4) من أصحابنا في جدله: ليس فيه قطعي.

وأما "إِذا ردت شهادة الفاسق فالكافر أولى" فقيل: ظني، وقيل فاسد.

وكذا إِيجاب الكفارة [في قتل العمد واليمين الغموس.

ومن الفاسد نحو: "إِذا] (5) جاز السلم مؤجلاً فحالّ أولى؛ لبُعْده من الغرر (6)

__________

(1) يعني: بالخطاب.

(2) أخرج البخاري في صحيحه 4/ 56، ومسلم في صحيحه/ 1490 - 1491 عن ابن عمر: أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إِلى أرض العدو.

(3) هذا الحديث رواه أبو هريرة مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/ 1707، وأبو داود في سننه 5/ 383 - 384، والترمذي في سننه 4/ 142 وقال: حسن صحيح، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 362)، وأحمد في مسنده 2/ 263.

ولم أجده في صحيح البخاري، وإنما وجدته قد أخرجه في الأدب المفرد/ 378، 380.

(4) انظر: المسودة/ 348.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) في (ح): العرض.

(3/1064)

وهو (1) المانع"، والحكم (2) لا يثبت لانتفائه (3) بل لمقتضيه، وهو الارتفاق (4) بالأجل (5).

* * *

مفهوم المخالفة: أن يكون المسكوت مخالفاً للمنطوق في الحكم.

ويسمى (6): دليل الخطاب.

.......................

وشرطه -عند القائلين [به] (7) -: أن لا تظهر أولوية ولا مساواة في المسكوت، فيكون موافقة.

ولا خرج مخرج الأغلب -ذكره الآمدي (8) اتفاقاً- نحو: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) (9)، (فإِن خفتم ألا يقيما) (10)، وقوله: (أيما

__________

(1) يعني: الغرر.

(2) هذا بيان وجه فساده.

(3) يعني: لانتفاء المانع.

(4) في لسان العرب 11/ 409: ارتفق به: ترفق به، وانتفع به.

(5) فإِذا انعدم الأجل انعدم الرفق.

(6) نهاية 151 ب من (ب).

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 100.

(9) سورة النساء: آية 23.

(10) سورة البقرة: آية 229.

(3/1065)

امرأة (1) نكحت نفسها بغير إِذن وليها).

وقال أبو المعالي (2): له مفهوم؛ ترجيحًا لما أشعر به اللفظ على القرينة العرفية.

وقال بعض أصحابنا (3): يظهر أنه من مسالك التأويل، فيخف على المتأول ما يبديه (4) من الدليل العاضد.

فعلى الأول: لا يعم (*)، ولهذا احتج العلماء من أصحابنا (5) وغيرهم لداود (6) -على اختصاص تحريم الربيبة بالحجر- بالآية، وأجابوا: لا حجة فيها؛ لخروجها على الغالب.

وفي المغني (7): تجوز خطبة مسلم على ذمي.

فقيل له: النهي (8) على الغالب.

__________

(1) نهاية 311 من (ح).

(2) انظر: البرهان/ 477 - 478.

(3) انظر: المسودة / 362. وقد ورد هذا الكلام في البرهان/ 477.

(4) في المسودة: ما يبذله.

(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: يعم.

(5) انظر: المغني 7/ 111.

(6) في (ظ): كداود.

(7) انظر: المغني 7/ 46.

(8) أخرج البخاري في صحيحه 7/ 19، ومسلم في صحيحه/ 1029 عن أبي هريرة أن النبي قال: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه).

(3/1066)

فقال: هو خاص بالسلم، وإلحاق غيره به إِنما يصح إِذا كان مثله.

واحتج في الانتصار -على نشر الحرمة بلبن الميتة- بقوله: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (1)، فقيل له: الآية حجتنا؛ لاقتضائها تعلق التحريم بفعلها للإِرضاع، فقال: عَلَّقه (2) لأنه الغالب كالربيبة، ولهذا: لو حلب منها ثم سقي نشر.

وأجاب أبو (3) الفتح بن المني من أصحابنا -من احتج لصحة النكاح (4) بلا إِذن (5) بالمفهوم-: بأن المفهوم ليس بحجة على أصلنا، ثم: هذا خرج مخرج الغالب، فيعم ويصير كقوله: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) (6)، لما خرج مخرج الغالب عَمّ. كذا قال.

وشرطه -أيضًا-: أن لا يخرج جوابًا لسؤال -ذكره صاحب (7) المحرر من أصحابنا في صلاة التطوع من شرحه (8) اتفاقاً، وذكر القاضي (9)

__________

(1) سورة النساء: آية 23.

(2) نهاية 108 أمن (ظ).

(3) في (ب): وأبو.

(4) في (ح): نكاح.

(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: بالأذن.

(6) سورة النساء: آية 23.

(7) انظر: المسودة/ 361.

(8) يعني: شرح الهداية لأبي الخطاب.

(9) في الجزء الذي صنفه في المفهوم. انظر: المسودة/ 361.

(3/1067)

احتمالين- ولا لحادثة كما (1) روي أنه مر بشاة ميمونة فقال: (دباغها طهورها)، ولا لتقدير جهل المخاطب بأن علم وجوب زكاة المعلوفة لا السائمة، ولا لرفع خوف كالقول -للخائف عن ترك الصلاة (2) أول الوقت (3) -: جاز ترك الصلاة أول الوقت" (4)، وغير ذلك مما يقتضي تخصيصه بالذكر.

وقال بعض أصحابنا (5): إِن تقدم ما يقتضي التخصيص من سؤال أو حاجة إِلى بيان -كقوله: (إِن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) - فلا مفهوم له، واحتج [به] (6) القاضي وغيره من المالكية والشافعية على الوصية للقاتل (7)، هي دلالة ضعيفة. هذا كلامه، وهو حسن.

واحتج في الروضة (8) للمفهوم: بسؤاله - عليه السلام -: "ما يلبس المحرم من الثياب (9) "؟، وبقوله (10) - عليه السلام -: (يقطع الصلاة

__________

(1) في (ح): كما لو روي.

(2) في (ح): للصلاة.

(3) نهاية 152أمن (ب).

(4) 314 من (ح).

(5) انظر: المسودة/ 361.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(7) في (ب): للقايل.

(8) انظر: روضة الناظر/ 267.

(9) فقال الرسول: (لا يلبس القميص ولا العمامة ...) الحديث. أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 35، 2/ 137، ومسلم في صحيحه/ 834 - 835 من حديث ابن عمر مرفوعًا.

(10) في (ب): ويقول.

(3/1068)

الكلب الأسود)، فسأله أبو ذر: "ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر؟ " فقال: (شيطان) (1).

وقد قال أحمد (2) -عن (لا وصية لوارث) -: يدل على أن الوصية لمن لا يرث.

* * *

والمفهوم أقسام

مفهوم الصفة: أن يقترن بعام صفة خاصة كقوله: (في الغنم في سائمتها الزكاة) (3).

قال به أحمد (4) ومالك (5) والشافعي (6) وأكثر أصحابهم، وذكره في

__________

(1) هذا الحديث رواه أبو ذر مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/ 365، وأبو داود في سننه 1/ 450 - 451، والترمذي في سننه 1/ 212 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 2/ 63 - 64، وابن ماجه في سننه/ 306، وأحمد في مسنده 5/ 149.

(2) انظر: العدة/ 449.

(3) هذا جزء من حديث رواه أنس مرفوعًا، وهو الحديث الذي روي في كتاب أبي بكر، وفيه بيّن أحكام الزكاة التي فرضها رسول الله. أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 118، وأبو داود في سننه 2/ 214 - 221، والنسائي في سننه 5/ 18 - 21، 27 - 29، والدارقطني في سننه 2/ 113 - 116، والحاكم في مستدركه 1/ 390 - 392، والبيهقي في سننه 4/ 86. وانظر: نصب الراية 2/ 335 - 337.

(4) انظر: العدة/ 449.

(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.

(3/1069)

الروضة (1) عن أكثر المتكلمين.

ثم: مفهومه عند الجميع: لا زكاة في معلوفة الغنم؛ لِتعلّق الحكم بالسوم والغنم، فهما العلة.

ولنا وجه -واختاره ابن عقيل (2)، وذكره القاضي (3) ظاهر (4) كلام أحمد-: لا زكاة في معلوفة كل حيوان -وقاله بعض الشافعية (5) - بناء على أن السوم العلة.

فعلى هذا قال القاضي (*): يلزم (6) لا زكاة في غير سائمة الغنم من حيوان وغيره، وقد لا يلزم.

وهل يعتبر البحث عما يعارضه؟ هو كالعموم، ذكره في التمهيد (7) وغيره.

وزعم الآمدي (8): (9) أنه لا يعتبر عند من قال به.

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 264.

(2) انظر: الواضح 2/ 66أ.

(3) انظر: العدة/ 473 - 474.

(4) في (ب): ظاهره.

(*) انظر: العدة/ 474.

(5) انظر: المحصول 1/ 2/ 249، ونهاية السول 1/ 319.

(6) يعني: على هذا القول.

(7) انظر: التمهيد / 74 أ.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 77.

(9) نهاية 315 من (ح).

(3/1070)

وإن كانت الصفة غير مقصودة فلا مفهوم، كقوله: (لا جناح عليكم إِن طلقتم النساء) الآية (1)، أراد: نفي الحرج عمن طلق ولم يمس، وإيجاب المتعة تبعاً (2)، ذكره القاضي (3) وغيره من المتكلمين (4).

ولم يقل بمفهوم الصفة أبو حنيفة (5) وأصحابه وجماعة من المالكية (6) وابن داود (7) وابن سريج (8) والقفال وابن الباقلاني (9) وأبو المعالي (10)

__________

(1) سورة البقرة: آية 236.

(2) فصار كأنه مذكور ابتداء من غير تعليق على صفة.

(3) انظر: المسودة/ 363 - 364.

(4) نهاية 152 ب من (ب).

(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 256، وكشف الأسرار 2/ 256، وتيسير التحرير 1/ 98، 103، وفواتح الرحموت 1/ 414.

(6) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.

(7) انظر: العدة/ 454.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72، والمنتهى لابن الحاجب/ 109.

(10) قال في البرهان/ 466 - 469: إِذا كانت الصفات مناسبة للأحكام المنوطة بالموصوف بها مناسبة العلل لمعلولاتها فذكرها يتضمن انتفاء الحكم عند انتفائها كقوله: (في سائمة الغنم زكاة)، وكل صفة لا يفهم منها مناسبة للحكم فالموصوف بها كالملقب بلقبه، والقول في تخصيصه بالذكر كالقول في تخصيص المسميات بألقابها، فقول القائل: "زيد يشبع إِذا أكل" كقوله: "الأبيض يشبع"؛ إِذ لا أثر للبياض، فيما ذكركما لا أثر للتسمية بـ "زيد" فيه.

(3/1071)

والغزالي (1) والشاشي (2) (3) وأكثر المعتزلة (4) وأبو الحسن التميمي (5) من أصحابنا والآمدي (6)، وقال في الانتصار (7) في مسألة الولي: "هو (8) إِحدى الروايتين"، وذكره في التمهيد (9) عن أكثر المتكلمين.

واختلف النقل عن الأشعري (10).

وأثبته أبو عبد الله البصري (11) إِن كان للبيان كـ "السائمة"، أو للتعليم

__________

(1) انظر: المستصفى 2/ 192.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.

(3) هو: أبو بكر فخر الإِسلام محمَّد بن أحمد بن الحسين بن عمر، فقيه أصولي، من كبار أئمة الشافعية، توفي سنة 507 هـ. من مؤلفاته: حلية العلماء.

انظر: العبر 4/ 13، ووفيات الأعيان 3/ 356، وتبيين كذب المفترى/ 306، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 80، وتذكرة الحفاظ/ 1241.

(4) انظر: المعتمد/ 162، والإِحكام للآمدي 3/ 72.

(5) انظر: العدة/ 455.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 85.

(7) انظر: المسودة/ 351.

(8) نهاية 108 ب من (ظ).

(9) انظر: التمهيد/ 72 ب.

(10) انظر: العدة / 454، والبرهان/ 450، والمستصفى 2/ 191، والإِحكام للآمدي 3/ 72، والمسودة/ 351.

(11) انظر: المعتمد/ 166 - 169، والإِحكام للآمدي 3/ 72.

(3/1072)

كـ "تحالف المتبايعين إِذا اختلفا"، أو دخل ما عدا الصفة تحتها كـ "الحكم بالشاهدين" يدخل شاهد واحد، وإلا فلا.

الوجه الأول: لو لم يدل لغة لما فهمه أهلها؛ قال - عليه السلام - (لَيّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته) -حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (1) - أي: مطل الغني.

وفي الصحيحين (2): (مطل الغني ظلم).

وفيهما: الآن يمتلئ جوف [أحدكم] (3) قيحاً خير له من أن يمتلئ شعرا) (4).

قال أبو عبيد (5) في الأول: يدل أن لَيَّ من ليس بواجد لا يحل عقوبته

__________

(1) من حديث الشريد بن سويد الثقفي مرفوعًا. فانظر: مسند أحمد 4/ 222، وسنن أبي داود 4/ 45 - 46، وسنن النسائي 7/ 316 - 317، وسنن ابن ماجه/ 811. وعلقه البخاري في صحيحه 3/ 118: ويذكر عن النبي: (لي الواجد يحل عقوبته وعرضه).

(2) من حديث أبي هريرة مرفوعاً. فانظر: صحيح البخاري 3/ 94، 118، وصحيح مسلم/ 1197.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 36 - 37 من حديث ابن عمر وأبي هريرة مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 1769 - 1770 من حديث أبي هريرة وسعد وأبي سعيد مرفوعًا.

(5) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 174 - 175، والعدة/ 463.

(3/1073)

وعرضه، وفي الثاني (1): مثله (2).

وقيل له في الثالث: المراد (2) الهجاء وهجاء النبي عليه (3) السلام، فقال: لو (4) كان كذلك لم (5) يكن (6) لِذِكْر الامتلاء معنى؛ لأن قليله كذلك (7).

فألزم أبو عبيد من تقدير الصفة المفهوم، قَدّر الامتلاء صفة للهجاء، وهو -والشافعي- من أئمة اللغة.

وذكره (8) (9) الآمدي (10) قول جماعة من أهل العربية.

فالظاهر أنهم فهموا ذلك لغة، فتثبت (11) اللغة به، واحتمال البناء على

__________

(1) وهو قوله: (مطل الغني ظلم).

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 73، والمنتهى لابن الحاجب / 109.

(3) في (ب): علي.

(4) في (ب): له.

(5) في (ب): لن.

(6) نهاية 316 أمن (ح).

(7) فقد فهم أبو عبيد من ذكر الامتلاء أن ما عداه بخلافه.

(8) في (ب): وذكر.

(9) يعني: القول بالمفهوم.

(10) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.

(11) في (ب): فثبتت. ولم تنقط الكلمة في (ظ).

(3/1074)

الاجتهاد مرجوح، [وإنما ذكره في كتب اللغة لا الأحكام، وهي نقل] (1).

وقد حكاه القاضي (2) عن أبي عمرو بن العلاء وثعلب، وأن أبا عبيد حكى عن العرب القول به.

عورض بمذهب الأخفش؛ قال (3): قول القائل: "ما جاءني غير (4) زيد" لا يدل على مجيء زيد.

رد: بمنع ثبوته، ثم: [هو (5)] (6) نحوي، ثم: من ذكرناهم أكثر، وبعضهم أفضل، ثم: المثبِت أولى.

وأيضًا: لو لم يدل كان تخصيص محل النطق بالذكر بلا فائدة، وهو ممتنع من آحاد البلغاء، فالشارع أولى.

واعترض: بأن هذا إِثبات للوضع بما (7) فيه من الفائدة، والفائدة مترتبة عليه (8).

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(2) في الجزء الذي ألفه في المفهوم. انظر: المسودة / 360.

(3) انظر: العدة/ 464، والإحكام للآمدي 3/ 73 - 74، والمنتهى لابن الحاجب/ 109.

(4) نهاية 153أمن (ب).

(5) يعني: الأخفش.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(7) يعني: بسبب ما فيه من الفائدة.

(8) فلا يثبت الوضع بما فيه من الفائدة.

(3/1075)

رد: يعرف بالاستقراء: إِذا لم يكن للفظ فائدة غير واحدة تعينت إِرادتها به.

وبأن دلالة الإِيماء ثبتت بالاستبعاد -كما سبق (1) في الصريح (2) - فهذا أولى.

واعترض: بمفهوم اللقب.

رد: بأنه حجة، ثم (3) فائدته حصول الكلام به؛ لأنه (4) يختل بعدمه (5)، بخلاف الصفة، أو لم يحضره المسكوت، أو قياس في اللغة.

واعترض: فائدته (6) تقوية دلالة ما جعل الوصف وصفاً له، حتى لا يُتوهم تخصيصه.

رد: بأن (7) هذا إِذا كان الاسم المقيد بالصفة عامًا (8)، ولا قائل به.

__________

(1) في ص 1056.

(2) كذا في النسخ. ولعله: (في غير الصريح) يعني: في المنطوق غير الصريح.

(3) يعني: على تسليم أنه ليس حجة.

(4) يعني: الكلام.

(5) يعني: اللقب.

(6) يعني: فائدة ذكر الوصف.

(7) يعني: إِنما يكون هذا إِذا كان الاسم ... إِلخ.

(8) مثل: الغنم.

(3/1076)

ثم (1): الفرض: لا شيء يقتضي (2) تخصيصه سوى المخالفة، كذا أجاب بعضهم (3).

والآمدي (4) إِنما اعترض بأن فائدته معرفة حكم المنطوق والمسكوت بنصين مختلفين؛ لأنه أدل (5)، للخلاف (6) في العموم وإمكان تخصيص محل الصفة وغيره باجتهاد، وليس مراد التخصيص.

وجوابه: أن العموم لغة العرب، والخلاف فيه حادث، فمثل هذا لا يقصد.

ثم: العرب لا تقصد قطع التوهُّم، ولهذا تتكلم بالحقيقة مع توهم (7) غيرها.

واعترض: فائدته ثواب الاجتهاد بالقياس، فإِن تخصيصه يشعر بأنه علة.

__________

(1) يعني: لو سلم العموم في بعض الصور فهو خارج عن محل النزاع؛ لأن الفرض ... إِلخ.

(2) نهاية 316 ب من (ح).

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 109، ومختصر 25/ 175.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 78.

(5) على المقصود من التعميم.

(6) في (ب): للخلال.

(7) نهاية 109 أمن (ظ).

(3/1077)

رد: إِن ساوى الفرع الأصل خرج (1)، وإلا فهو مما لا فائدة له سوى المخالفة.

وفيه نظر (2)؛ لأنه لا يخرج إِلا مع ثبوته لغة، والقياس يثبته عقلاً.

وأجاب في التمهيد (3): الكلام في اللغة، وقال أيضًا: الظاهر ما ذكرنا.

وأجاب في الروضة (4): النبي - عليه السلام - بعث لتبيين الأحكام، والاجتهاد ثبت ضرورة.

وأيضًا: الترتيب يدل على العلِّيَّة، وانتفاؤها يدل على انتفاء معلولها.

واستدل: لو لم يدل (5) لزم مشاركة المسكوت للمنطوق؛ لعدم واسطة بينهما، ولا مشاركة اتفاقا.

رد: بالمنع (6)، فلا يدل على حصر (7) ولا اشتراك، وبأنه يجري في اللقب.

وأما لفظ "السائمة" فلا يتناول المعلوفة اتفاقا (8).

__________

(1) عن محل النزاع؛ لأننا شرطنا عدم المساواة وعدم رجحان المسكوت عنه.

(2) نهاية 153 ب من (ب).

(3) انظر: التمهيد/ 73 ب، 74 أ- ب.

(4) انظر: روضة الناظر/ 269.

(5) في (ح): لو لم يكن.

(6) ضرب على (بالمنع) في (ظ).

(7) يعني: على مفهوم المخالفة.

(8) وليس محل النزاع.

(3/1078)

واستدل: لو لم يدل لم تنفر الشافعية من قول: "الفقهاء الحنفية فضلاء".

رد: النفرة لتركهم على الاحتمال، كتقديم (1) الحنفية عليهم، أو لتوهم ذلك من يرى المفهوم.

واستدل: بما في الصحيحين: أنه - عليه السلام - لما قام يصلي على (2) عبد الله بن أبي (3) فقال (4) له عمر، فقال: (خَيَّرني الله، وسأزيد على السبعين)، وفي البخاري: (خُيِّرت، فاخترت، لو أعلم أني إِن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها) (5)، ففهم أن ما زاد بخلافه.

رد: بالمنع؛ لأن الآية (6) مبالغة في أن السبعين وما فوقها سواء.

وقال: (لأزيدن) استمالة للاحياء (7)، أو فَهْم لبقاء وقوع المغفرة بالزيادة على أصله في الجواز قبل الآية.

__________

(1) يعني: كما تنفر من التقديم.

(2) نهاية 317 من (ح).

(3) هو: المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، توفي سنة 9 هـ.

انظر: البداية والنهاية 5/ 34.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: قال

(5) انظر: ص 575 من هذا الكتاب.

(6) سورة التوبة: آية 80.

(7) وترغيبا لهم في الدين.

(3/1079)

ويجاب: بأنه خلاف الظاهر.

قال ابن عقيل (1): "لم يقصد فيها (2)، بل بعد هذا في سورة المنافقين (3) ".

وفيه نظر.

واستدل: بقول يعلى (4) بن أمية لعمر: (فليس عليكم جناح أن تقصروا) (5)، فقد أَمِن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت (6) النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (7): (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)، رواه مسلم (8)، فَفَهِما عدم القصر لعدم الخوف، وأقر عليه السلام.

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 58 أ.

(2) يعني: لم يقصد فيها الإِياس.

(3) سورة المنافقون: آية 6.

(4) هو: الصحابي أبو صفوان التميمي الحنظلي.

(5) سورة النساء: آية 101.

(6) في (ب): فسأل.

(7) في (ب): ... وسلم صدقة فقال تصدق.

(8) انظر: صحيح مسلم/ 478. وأخرجه أبو داود في سننه/ 712، والترمذي في سننه 4/ 309 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 3/ 116 - 117، وابن ماجه في سننه / 339، والدارمي في سننه 1/ 292 - 293، وأحمد في مسنده 1/ 25، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 415. وراجع: نصب الراية 2/ 190.

(3/1080)

رد: لا يتعين من المفهوم، لجواز استصحابهما (1) وجوب الإِتمام، فعَجِبا لمخالفة الأصل.

أجيب: لم يدل القرآن على أنه الأصل.

وعند المخالف: الأصل القصر، وقد قال عمر: "صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمَّد - صلى الله عليه وسلم -" -حديث حسن رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (2) - وفي الصحيحين (3) عن عائشة: "فرضت ركعتين، فأُقرّت صلاة السفر، وأُتمّت صلاة الحضر"، وفي مسلم (4) عن ابن عباس: "فرضت في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين".

ثم: هو خلاف الظاهر.

واستدل: دلالته على المسكوت فيه فائدة، فهو أولى تكثيرًا للفائدة،

__________

(1) نهاية 154أمن (ب).

(2) انظر: مسند أحمد 1/ 37، وسنن النسائي 3/ 111، 1118، 183، وسنن ابن ماجه/ 338. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر. موارد الظمآن/ 144)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 421، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 124).

(3) انظر: صحيح البخاري 2/ 44، وصحيح مسلم/ 478.

(4) انظر: صحيح مسلم/ 279. وأخرجه النسائي في سننه 3/ 118 - 119، وابن ماجه في سننه/ 339، وأحمد في مسنده 1/ 355، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 421.

(3/1081)

وهي (1) تدل على الوضع على ما سبق (2) في المجمل في: "اللفظ لمعنى تارة ولمعنيين أخرى".

ورد: بأنه دور؛ لتوقف دلالته على (3) المسكوت (4) على الوضع، وهو (5) على تكثير الفائدة، وهي على دلالته على المسكوت.

أجيب: يلزم في كل موضع، فيقال: دلالة اللفظ تتوقف على الوضع، وهو على الفائدة لوضع اللفظ لها، وهي على الدلالة لعدم الفائدة بعدم اللفظ.

وبأن دلالة اللفظ على المسكوت تتوقف على تعقل تكثير الفائدة، لا على حصولها، وتعقلها لا يتوقف (6) بل حصولها.

واستدل: لو لم يكن مخالفاً لم تكن السبع -فيما رواه مسلم (7):

__________

(1) يعني: تكثير الفائدة.

(2) في ص 1012 - 1013.

(3) نهاية 318 من (ح).

(4) نهاية 109 ب من (ظ).

(5) يعني: الوضع.

(6) على الدلالة.

(7) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. فانظر: صحيح مسلم/ 234. وأخرجه البخاري في صحيحه 1/ 41 بلفظ: (إِذا شرب الكلب في إِناء أحدكم فليغسله سبعًا). وأخرجه أبو داود في سننه 1/ 57، والترمذي في سننه 1/ 61 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 1/ 52 - 54، وابن ماجه في سننه/ 130.

(3/1082)

(طهور إِناء أحدكم إِذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا) - مطهرة، لتطهيره بما دونها.

رد: لا يلزم، لجواز عدم الطهارة فيما دونها بدليل.

وجوابه: خلاف الظاهر، والأصل عدمه.

ومثله: "خمس رضعات يحرمن". رواه مسلم (1).

واحتج ابن عقيل (2) وغيره: بأنه إِجماع الصحابة؛ فإِن بعضهم لم يَرَ الغسل بدون إِنزال (3)؛ لقوله: (الماء من الماء) (4)، وخالفهم غيرهم بأنه منسوخ.

__________

(1) أخرج مسلم في صحيحه/ 1075 عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات ... وأخرجه أبو داود في سننه 2/ 551 - 552، والترمذي في سننه 2/ 409، والنسائي في سننه 6/ 100، وابن ماجه في سننه 625.

(2) انظر: الواضح 2/ 54أ - ب.

(3) أخرجه البخاري في صحيحه/ 62، ومسلم في صحيحه/ 271 - 272، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 89، وعبد الرزاق في مصنفه 1/ 248، والبيهقي في سننه 1/ 66.

(4) أخرجه مسلم في صحيحه/ 269، وأبو داود في سننه 1/ 148، وأحمد في مسنده 3/ 29، والبيهقي في سننه 1/ 167 من حديث أبي سعيد مرفوعاً. وأخرجه النسائي في سننه 1/ 115، وابن ماجه في سننه/ 199، وأحمد في مسنده 5/ 416، والدارمي في سننه 1/ 159 من حديث أبي أيوب مرفوعًا.

(3/1083)

وجه الثاني: لو ثبت لثبت بدليل، وهو: عقلي أو نقلي إِلى (1) آخره.

رد: تثبت (*) اللغة بالآحاد -وذكره بعض أصحابنا (2) عن الجمهور، وذكره ابن عقيل (3) عن جماعة (4) العلماء- لأن التواتر في البعض تحكّم لا قائل به، وفي الجميع متعذر، فيتعطل أكثر الكتاب والسنة واللغة، وهو فوق (5) محذور قبول خبر (6) الواحد، وذكر الآمدي (7): لم تزل العلماء عليه.

وذكره أبو الفرج المقدسي من أصحابنا إِجماع (8) أهل اللغة، وأن عندنا تثبت بالعقل، وذكره الآمدي (9) منعاً.

وذكر (10) القاضي (11) في مسألة العموم عن السِّمْناني (12): لا تثبت بالآحاد.

__________

(1) نهاية 154 ب من (ب).

(*) في (ب): ثبتت.

(2) انظر: المسودة/ 564.

(3) انظر: الواضح 2/ 62 ب.

(4) في (ظ): جماعة من العلماء.

(5) في (ب) و (ظ): فرق.

(6) في (ظ): الخبر.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 81.

(8) في (ب): إِجماعًا.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 80 - 81.

(10) في (ظ): وذكره.

(11) انظر: المسودة/ 564.

(12) هو: أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن محمَّد، فقيه حنفي أشعري، أصله من سمنان العراق، ولد سنة 361 هـ، ونشأ ببغداد، وولي القضاء بالموصل إِلى أن توفي بها سنة 444 هـ.

انظر: تبيين كذب المفترى/ 259، والجواهر المضية 2/ 21، ونكت الهميان/ 237.

(3/1084)

وفي التمهيد (1): (2) ثبت ذلك باستقراء كلامهم ومعرفة مرادهم، وفهمته الصحابة وهم أهل اللسان.

قالوا: لو ثبت لثبت في الخبر؛ لتقييد كل منهما بصفة نحو: "في الغنم (3) السائمة" أو "زيد الطويل في [الدار] (4) ". (5)

رد: بالتزامه (6)، وقاله في العدة (7) والتمهيد (8)، وذكر ابن عقيل (9) أن المذهب القول به في الخبر وفي الأسماء والحكم (10) كالاستثناء والتخصيص، ثم فرق -هو (11) وغيره- بين الأمر والخبر بأنه (12) قد لا يعلم غيره، ويقصد بالأمر البيان والتمييز.

__________

(1) انظر: التمهيد / 74أ.

(2) هذا رد على دليلهم.

(3) في المنتهى لابن الحاجب/ 111: رأيت الغنم السائمة. وفي مختصره 2/ 179: في الشام الغنم السائمة.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) نهاية 319 من (ح).

(6) في (ب): لتزامه.

(7) انظر: العدة/ 476 - 477.

(8) انظر: التمهيد/ 74 ب.

(9) انظر: الواضح 2/ 63 ب.

(10) كتضحية بحيوان بعينه يدل على نفي التضحية عن غيره.

(11) انظر: الواضح 2/ 63 ب-164 أ.

(12) يعني: المخبر.

(3/1085)

وبأن هذا قياس لغة، وقال بعضهم (1): ليس به.

وفرق بعض (2) أصحابنا (3) بين أسماء الأعلام والأجناس.

وفرق في التمهيد (4): بأنه لا يخبر عنه لئلا ينضر.

وفرق بعضهم (5): بأن الخبر لا يلزم (6) عدم حصوله للمسكوت؛ لأن له خارجياً، بخلاف الحكم، فإِنه إِذا لم يدل على المخالفة لم يحصل للمسكوت؛ لأنه [لا] (7) خارجي له.

قالوا: لو (8) دل امتنع: "أَدِّ (9) زكاة السائمة والمعلوفة"؛ لعدم الفائدة، وللتناقض، كما يمتنع: "لا تقل لهما أف واضربهما".

رد: الفائدة عدم تخصيص المعلوفة باجتهاد، والتناقض في القاطع (10).

__________

(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 111، ومختصره 2/ 179.

(2) في (ب): بعضهم أصحابنا.

(3) انظر: المسودة/ 361.

(4) انظر: التمهيد/ 74 ب.

(5) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 111.

(6) من دلالته على أن المسكوت غير مخبر به.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب). وقد مسح من (ظ).

(8) في (ب): له.

(9) في (ب) و (ظ): إِذ.

(10) فلا تناقض في الظواهر، ودلالة المفهوم ظاهر.

(3/1086)

قالوا: لو دل لما ثبت خلافه للتعارض، والأصل عدمه، وقد ثبت في نحو: (لا تأكلوا الربا (1) أضعافاً مضاعفة) (2)، واعتمد عليه الآمدي (3)، وعلى بيان دليل (4)، والأصل (5) عدمه.

رد: هو دليل ظاهر عارضه قاطع، والأصل (6) يخالف لدليل.

قال: لو كان دليلاً لم يبطل ببطلان المنطوق.

رد: ذكر القاضي (7) وجهين، قال: وبطلانه أشبه -جزم به في الروضة (8) في نسخ المنطوق- لأنه فرعه، وعَدَمه كالخطابين، واختاره ابن فُورك.

قالوا: لو دل لم يحسن الاستفهام.

رد: ذكر أصحابنا منعاً كالصريح (9) وتسليمًا لرفع الاحتمال، وجزم به

__________

(1) نهاية 155 أمن (ب).

(2) سورة آل عمران: آية 130.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 85.

(4) يعني: دليل للمفهوم.

(5) نهاية 110 أمن (ظ).

(6) وهو عدم التعارض.

(7) انظر: العدة/ 472 - 473.

(8) انظر: روضة الناظر/ 88.

(9) في (ب): لصريح.

(3/1087)

في الواضح (1)؛ لأن معنى الخطاب (2) مقدم عليه عند جمهور العلماء، ويحسن الاستفهام فيه نحو: "لا تشرب الخمر؛ لأنه يوقع العداوة"، فيقول: "فهل أشرب النبيذ؟ "، ولا ينكر أحد استفهامه هذا.

وفي التمهيد (3): يحتمل أن [لا] (4) يحسن (5)، ولهذا يحسن الإِنكار عليه.

ويتوجه تخريج حُسْن إِنكاره على الخلاف.

قال: ليس في اللغة كلمة تفيد أمرين متضادين (6).

رد: بالمنع؛ بدليل: الغاية، والأمر بشيء نهي عن ضده، والمشترك.

ثم: لم تفده من طريق واحد.

* * *

التقسيم - نحو: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن (7)) -:

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 63أ.

(2) وهو القياس.

(3) انظر: التمهيد/ 75 أ-ب.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(5) يعني: الاستفهام.

(6) نهاية 320 من (ح).

(7) هذا الحديث رواه ابن عباس مرفوعاً. أخرجه مسلم في صحيحه/ 1037، وأبو داود في سننه 2/ 577، والترمذي في سننه 2/ 387 وقال: حسن صحيح، والنسائي في=

(3/1088)

كالذي قبله -ذكره في الروضة (1) - لأن الحكم لو عَمّ انتفت الفائدة (2).

* * *

الصفة (3) العارضة المجردة (4) -كقوله: "السائمة فيها الزكاة"- كالصفة المقترنة بالعام عند أصحابنا وغيرهم، وذكره الآمدي (5) وغيره، مع أن الأول أقوى دلالة عندهم، مع أن ظاهر كلام جماعة من أصحابنا وغيرهم: التسوية.

وقال [به] (6) أبو المعالي (7) مع مناسبة الصفة للحكم، وإلا فليس بحجة.

وذكره بعض أصحابنا (8) ظاهر اختيار القاضي في موضع.

* * *

__________

=سننه 6/ 84، 85، وابن ماجه في سننه/ 601، والدارمي في سننه 2/ 63، ومالك في الموطأ/ 524، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 321 - 322)، والدارقطني في سننه 3/ 239 - 320.

(1) انظر: روضة الناظر/ 274.

(2) يعني: فائدة التقسيم.

(3) انظر: المسودة/ 353، وشرح الكوكب المنير 3/ 504، والإحكام للآمدي 3/ 87.

(4) عن الموصوف.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 87.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(7) انظر: البرهان/ 466 وما بعدها.

(8) انظر: المسودة/ 360.

(3/1089)

مفهوم (1) الشرط: نحو: (وإن كن أولات حمل) (2).

وهو أقوى من الصفة، فلهذا قال به ابن سريج وغيره من الشافعية (3) والكرخي وغيره من الحنفية (4) وأبو الحسين (5) البصري.

ولم يقل [به] (6) الجرجاني (7) وغيره من الحنفية (8) -وهو أشهر لهم- وابن الباقلاني (9) والآمدي (10)، وحكاه صاحب المحصول (11) عن أكثر المعتزلة.

القائل به: ما سبق (12).

__________

(1) نهاية 155 ب من (ب).

(2) سورة الطلاق: آية 6.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 88.

(4) انظر: كشف الأسرار 2/ 271، وفواتح الرحموت 1/ 421 - 422.

(5) انظر: المعتمد/ 152.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) انظر: العدة/ 454.

(8) انظر: أصول السرخسي 1/ 260، وكشف الأسرار 2/ 271، وتيسير التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 421.

(9) انظر: المحصول 1/ 2/ 205، والمنتهى لابن الحاجب/ 111، وشرح تنقيح الفصول/ 270.

(10) انظر: الإِحكام للآمدى 3/ 88.

(11) انظر: المحصول 1/ 2/ 205.

(12) في (ح): ما سبق في مفهوم الشرط.

(3/1090)

ولأنه يلزم من عدم الشرط عدم المشروط.

فإِن قيل: يحتمل أنه سبب لمسبَّب، فلا تلازم.

رد: خلاف الظاهر.

ثم: إِن قيل باتحاد السبب فأولى بالنفي؛ لأنه موجب للمسبَّب، وإن (1) قيل بتعدده فالأصل عدمه (2).

وقوله (3): (إِن أردن تحصّناً (4)) أي: تعفُّفًا، شرط إِرادته في الإِكراه لا في تحريمه؛ لاستحالة الإِكراه إِلا عند إِرادته، وإلا (5) فهي تبغي طبعًا (6).

وقيل: النهي لسبب؛ قال جابر: "كان عبد الله بن أبيّ يقول لجارية (7) له: اذهبي فابغنا (8) شيئًا، فنزلت الآية" (9).

__________

(1) في (ظ): فإِن.

(2) يعني: عدم غير ذلك السبب.

(3) هذا جواب اعتراض مقدر، وهو: أن قوله: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إِن أردن تحصنا) لو ثبت مفهوم الشرط فيه لثبت جواز الإِكراه عند عدم إِرادة التحصن، والإِكراه عليه غير جائز بحال من الأحوال إِجماعًا.

(4) سورة النور: آية 33.

(5) يعني: إِن لم يردن التحصن.

(6) فلا إِكراه.

(7) نهاية 321 من (ح).

(8) كذا في النسخ. وفي صحيح مسلم: فابغينا.

(9) أخرجه مسلم في صحيحه/ 2320، والطبري في تفسيره 18/ 103، والواحدي في أسباب النزول / 187. وراجع: تفسير ابن كثير 3/ 288، وفتح القدير 4/ 31.

(3/1091)

وقيل: عارض ظاهر الآية إِجماع قطعي.

وبنى صاحب المحصول (1) الخلاف على أصل، وهو أن عندنا وعند الشافعية: الشرط (2) مانع من الحكم، وعند الحنفية (3): من انعقاد السبب، فالتعليق سبب، وعندهم: عند وجود (4) الشرط، فعدمُ الحكم مضاف إِلى انتفاء شرطه مع وجود سببه، وعندهم: إِلى عدم سببه، وقالوا: شرط الخيار في البيع خلاف القياس؛ لعدم إِمكان تعليق البيع؛ لأنه [إيجاب] (5)، والغرض التدارك، فجعل داخلاً على الحكم لمنع اللزوم، وقالوا: لو علق طلاقها بقيامها ثم قال: "إِن طلقتها فعبدي حر" -ثم قامت- فالقياس: "يعتق (6) "؛ لأنه طلقها، لكن تركناه؛ لأن الأيمان تحمل على العرف والعادة إِنما يعقد يمينه (7) على ما يمكنه الامتناع منه (8)، وبنوا على هذا صحة

__________

(1) انظر: المحصول 1/ 2/ 205، ولم أجد فيه ما ذكر هنا. والمذكور -بتفاصيله- قد أورده فخر الإِسلام البزدوي في أصوله (انظر: كشف الأسرار 2/ 271 وما بعدها)، فيظهر أن المؤلف وجد هذا الكلام منسوبًا للفخر، فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.

(2) يعني: عدم الشرط.

(3) انظر: أصول السرخسي 1/ 260 وما بعدها، وكشف الأسرار 2/ 271 وما بعدها، وتيسير التحرير 1/ 119 وما بعدها، وفواتح الرحموت 1/ 423 وما بعدها.

(4) نهاية 110 ب من (ظ).

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) في (ب): تعتق.

(7) كقوله: إِن طلقتها ... إِلخ.

(8) والطلاق هنا لا يمكنه الامتناع منه؛ لأنه معلق بالقيام.

(3/1092)

تعليق (1) الطلاق بالملك (2) وامتناع تعجيل كفارة اليمين (3) وأن طول الحرة لا يمنع من نكاح الأمة.

وبنى صاحب المحصول (4) الخلاف في الصفة على هذا؛ لمنعها من عمل اللفظ المطلق، فهي كالشرط، وعند الحنفية (5): غايتها علة، ولا أثر لها في النفي.

* * *

مفهوم الغاية -نحو: (حتى تنكح) (6) - أقوى من الشرط، فلهذا قال به من لا يقول به كقوم من الحنفية (7) وعبد الجبار (8) المعتزلي.

__________

(1) نهاية 156أمن (ب).

(2) نحو: إِن تزوجتك فأنت طالق.

(3) بعد اليمين وقبل الحنث.

(4) اختار الفخر الرازي في مسألة الصفة مذهب الحنفية، فانظر: المحصول 1/ 2/ 229. وما ذكره المؤلف -هنا- قد ذكره فخر الإِسلام البزدوي في أصوله (انظر: كشف الأسرار 2/ 256 وما بعدها)، فيظهر لي أن المؤلف وجد هذا الكلام منسوبًا للفخر، فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.

(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 258.

(6) سورة البقرة: آية 230.

(7) انظر: تيسير التحرير 1/ 105، وفواتح الرحموت 1/ 432.

(8) انظر: المعتمد/ 157.

(3/1093)

وأكثر الحنفية (1) (2) وجماعة من الفقهاء والمتكلمين والتميمي (3) من أصحابنا -ذكره عنه (4) ابن شهاب من أصحابنا- والآمدي (5) وغيرهم: على المنع.

قال الحنفية (6): هو من قبيل الإِشارة، وهي: ما (7) استفيد من اللفظ غير مقصود به -كما سبق (8) - لا المفهوم.

القائل به: ما سبق في الصفة.

واستدل: بأن معنى "صوموا إِلى أن تغيب الشمس": "صوموا صوماً آخره غيبوبة الشمس"، فلو وجب صوم بعدها كانت وسطاً لا آخراً.

ورده الآمدي (9): بأن هذا معناه، وإنما الخلاف: هل نفي الحكم بعد الغاية لازم من التقييد بها؛ وهي غاية للصوم المأمور به أولاً (10)، وإنما تصير

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 432.

(2) في (ب): وأكثر الحنفية وجماعة من الحنفية وجماعة من الفقهاء والمتكلمين ...

(3) لعله: أبو الحسن التميمي.

(4) في (ب): عن.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 92.

(6) انظر: فواتح الرحموت 1/ 432.

(7) نهاية 322 من (ح).

(8) في ص 1057.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 93.

(10) فلا يلزم من وجود صوم بعد الغاية أن تصير الغاية وسطاً.

(3/1094)

وسطاً لو استند الصوم بعدها إِلى الخطاب قبلها، وليس كذلك.

وجوابه: أن هذا ظاهر التقييد ما لم يعارضه دليل، ولهذا يتبادر إِلى الفهم ولا يحسن الاستفهام فيما بعدها.

وسلم الآمدي (1) أنه لا يحسن، لكن لعدم دلالة اللفظ عليه (2).

وفيه نظر؛ لاحتماله [له] (3) عنده.

وقال ابن عقيل (4): لا يحسن التصريح بأن ما بعدها كما قبلها.

وهو خلاف ما في التمهيد (5) فيه وفي الشرط، ونقض بهما (6) في الصفة.

وقال الآمدي (7): لا مانع منه (8) إِجماعًا.

* * *

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 93.

(2) حيث إِن ما بعد الغاية غير متعرض له بنفي ولا إِثبات.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4) انظر: الواضح 2/ 56أ.

(5) انظر: التمهيد/ 74 ب.

(6) يعني: التصريح بأن ما بعد الغاية كما قبلها وأن الحكم بدون الشرط كما هو مع الشرط.

(7) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 92.

(8) يعني: من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق قبل الغاية.

(3/1095)

مفهوم العدد الخاص (1) -كـ (ثمانين جلدة) (2) - قال به أحمد وأكثر أصحابه ومالك (3) وداود (4) وبعض الشافعية (5)، وذكره أبو المعالي (6) عن الشافعي، واختياره: أنه من قسم الصفات -وكذا قال أبو الطيب (7) وغيره- لأن قَدْر الشيء صفته.

ونفاه الحنفية (8) والمعتزلة (9) والأشعرية (10) وأكثر الشافعية، واختاره القاضي (11) في جزء صنقه في المفهوم، وذكره أبو الخطاب (12) عن أبي إِسحاق (13) من أصحابنا في (14) مسألة: "الزيادة على النص هل هي نسخ؟ ".

__________

(1) نهاية 156 ب من (ب).

(2) سورة النور: آية 4.

(3) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.

(4) نقله في العدة/ 453، والمسودة/ 358. وذكر ابن حزم في الأحكام/ 1153: أن جمهور أصحابهم قال: دليل الخطاب ليس بحجة.

(5) انظر: المنخول/ 209، ونهاية السول 1/ 324.

(6) انظر: البرهان/ 453، 454.

(7) انظر: المسودة/ 352.

(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 432.

(9) انظر: المعتمد/ 157.

(10) انظر: المحصول 1/ 2/ 216، والإِحكام للآمدي 3/ 94.

(11) انظر: المسودة/ 359. وقد تردد فيها ذكر هذا الجزء للقاضي.

(12) انظر: التمهيد / 102 ب.

(13) الذي وجدته في التمهيد -في هذا الموضع-: عن أبي الحسن التميمي.

(14) نهاية 323 من (ح).

(3/1096)

القائل به: ما سبق (1) في الصفة من قوله: (لأزيدن على السبعين) (2).

ولئلا يعرى عن فائدة.

* * *

مفهوم اللقب (3): حجة عند أكثر أصحابنا، وذكروه (4) عن أحمد، وقاله مالك (5) وداود (6)، واختاره أبو بكر الدقاق وغيره من الشافعية، ذكره أبو المعالي (7).

ونفاه أكثر العلماء، واختاره القاضي (8) في الجزء الذي صنفه (9)، وابن عقيل (10) في تقسيم الأدلة، وصاحب الروضة (11)، وقال: ولو كان مشتقًا كالطعام.

__________

(1) في ص 1079 - 1080.

(2) نهاية 111 أمن (ظ).

(3) أي: الاسم. قال في تيسير التحرير 1/ 131: المراد باللقب -هنا- ما ليس بصفة.

(4) في (ظ): وذكره.

(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.

(6) نقله في العدة/ 453. وقد ذكر ابن حزم في الإِحكام/ 1153: أن جمهور أصحابهم قال: دليل الخطاب ليس بحجة.

(7) انظر: البرهان/ 453 - 454، واللمع/ 28، والإحكام للآمدي 3/ 95.

(8) انظر: المسودة/ 359.

(9) في المفهوم.

(10) انظر: الواضح 1/ 131 أ-ب.

(11) انظر: روضة الناظر/ 275.

(3/1097)

وقيده بعض أصحابنا (1) بغير المشتق.

قال بعض أصحابنا (1): فيصير في المشتق اللازم كالطعام -هل هو من الصفة أو اللقب؟ - وجهان.

وقال صاحب المحرر (2) وغيره من أصحابنا -وقال: أشار إِليه أبو الطيب في موضع-: إِنه حجة بعد سابقة ما يعمه -كقوله: (وترابها طهوراً) بعد قوله: (جعلت لي الأرض مسجدًا (3))، وكما لو قيل: يا رسول الله، [هل] (4) في بهيمة الأنعام زكاة؟ فقال: "في الإِبل زكاة"، أو: هل نبيع الطعام بالطعام (5)؟ فقال: "لا تبيعوا البر بالبر"- تقوية للخاص بالعام كالصفة بالموصوف. قال: وأكثر ما جاء عن أحمد في مفهوم اللقب لا يخرج عن هذا.

وجعله (6) بعض أصحابنا (7) حجة في اسم جنس لا اسم عين؛ لأن

__________

(1) انظر: المسودة/ 352.

(2) انظر: المرجع السابق / 352 - 353.

(3) هذا الحديث رواه حذيفة بن اليمان مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/ 371، والدارقطني في سننه 1/ 175 - 176، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 133، وأبو عوانة في مسنده 1/ 303، والبيهقي في سننه 1/ 213.

وراجع: التلخيص الحبير 1/ 148 - 149، ونصب الراية 1/ 158 - 159.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) يعني: متفاضلاً.

(6) نهاية 157 أمن (ب).

(7) انظر: المسودة/ 359.

(3/1098)

خطاب الشارع إِنما يجيء عاما لا مشخصًا.

وجه الأول: لو تعلق الحكم بالعام لم يتعلق بالخاص؛ (1) لأنه (2) أخصر وأعم.

ولأنه يميز مسماه كالصفة.

فإِن قيل: الصفة يجوز جعلها علة.

قيل: وكذا الاسم، فالتراب علة.

واحتج ابن عقيل (3): لو قال لمن يخاصمه: "ما أمي بزانية" فهم نسبة الزنا إِلى أمه، وحُدّ عند مالك (4) وأحمد.

رد هذا: للقرينة.

القائل "ليس بحجة" (5): ما سبق (6) من الفرق بينه وبين الصفة.

واستدل: يلزم كفر من قال: "محمَّد رسول الله" و"زيد موجود" ظاهرًا.

__________

(1) هذا تعليل لعدم تعليقه بالخاص.

(2) يعني: التعليق بالعام.

(3) انظر: الواضح 2/ 64 ب.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 112.

(5) نهاية 324 من (ح).

(6) في ص 1076.

(3/1099)

رد: لا يكفر؛ لأنه لم يتنبه للدلالة أو لم يُرِدْها.

واستدل: يلزم إِبطال القياس، لظهور الأصل في مخالفة الفرع له ظاهرًا.

رد: سبق (1) في تخصيص العام بالمفهوم: يقدم القياس، أو يتعارضان.

وسبق (2) في الصفة: أن مع المساواة لا مفهوم.

وأجاب في العدة (3): يبطل بالصفة تمنع (4) القياس (5)، كذا هنا (6).

وأجاب أيضًا (7) -وفي التمهيد (8) -: بأنه يدل لغة وبمنعه شرعًا وبأنه حجة ما لم يُسقط القياس.

واستدل: لو دل لم يحسن الخبر عن أكل زيد إِلا بعد علمه بنفيه عن غيره.

رد: للقرينة.

واستدل: لا يدل على نفيه عن عمرو.

__________

(1) في ص 962 وما بعدها.

(2) في ص 1078.

(3) انظر: العدة/ 477.

(4) في (ب): بمنع.

(5) فيما عداها.

(6) يمنع الاسم القياس فيما عداه، ولا فرق بينهما.

(7) انظر: العدة/ 477.

(8) انظر: التمهيد/ 72 ب.

(3/1100)

أجاب في التمهيد (1) بمنعه إِن أخبر عنهما نحو: دعوتهما فأكل زيد.

ثم: هذا في الخبر بخلاف التكليف.

* * *

إِذا خص نوع بالذكر بحكم مدح أو ذم -أو غيره مما لا يصلح للمسكوت- فله مفهوم، كقوله: (كلا إِنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون) (2)، فالحجاب عذاب، فلا يحجب من لا يعذب، ولو حجب الجميع لم يكن عذابًا.

قال مالك (3): لما حجب أعداءه تجلى لأوليائه حتى رأوه (4).

وقال الشافعي (5): لما حجب قومًا بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا.

وكذا احتج بها أحمد (6) وغيره في الرؤية.

__________

(1) انظر: المرجع السابق.

(2) سورة المطففين: آية 15.

(3) انظر: زاد المسير 9/ 56، وتفسير القرطبي 19/ 261.

(4) نهاية 157 ب من (ب).

(5) انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/ 40، وزاد المسير 9/ 56، وتفسير القرطبي 19/ 261، وتفسير ابن كثير 4/ 485 - 486.

(6) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة/ 129.

(3/1101)

وقال الزجاج (1): لولا ذلك لم يكن فيها فائدة، ولا خَسّت منزلتهم بحجبهم.

* * *

إِذا اقتضى الحال أو (2) اللفظ عموم الحكم لو عم (3) فتخصيص بعضٍ بالذكر (4) له مفهوم (5)، كقوله: (وفضلناهم على كثير) (6)، و (ألم تر أن الله (7) يسجد له) إِلى قوله: (وكثير من الناس) (8)، ذكره بعض أصحابنا (9) وغيرهم (10).

* * *

__________

(1) انظر: زاد المسير 9/ 56، وتفسير القرطبي 19/ 261.

(2) نهاية 111 ب من (ظ).

(3) يعني: الحكم.

(4) مع قيام المقتضي للبعض الآخر.

(5) يعني: يكون دليلاً على انتفاء الحكم فيه.

(6) سورة الإِسراء: آية 70.

(7) جاء أول الآية في النسخ هكذا (لله يسجد).

(8) سورة الحج: آية 18.

(9) انظر: المسودة/ 364.

(10) نهاية 325 من (ح).

(3/1102)

فعله - عليه السلام - له دليل، ذكره أصحابنا، منهم: القاضي (1)، وأخذوه من قول أحمد (2): لا يصلى على ميت بعد شهر؛ لحديث أم (3) سعد (4).

وضَعَّف هذه الدلالة بعض أصحابنا (5) وغيرهم.

وأكثر كلام ابن عقيل (6) مثله، وجَوَّز أن المستند استصحاب الحال، وقال: ليس للفعل صيغة تخص ولا تعم فضلاً أن نجعل لها دليل خطاب.

* * *

وذكر بعضهم ضهوم قِران العطف. وسبقت المسألة في العموم (7).

__________

(1) و (2) انظر: العدة/ 478.

(3) هي: الصحابية عمرة بنت مسعود بن قيس، والدة سعد بن عبادة.

(4) أخرج الترمذي في سننه 2/ 251 - وسكت عنه- والبيهقي في سننه 4/ 48 - 49 عن سعيد بن المسيب -مرسلاً-: أن أم سعد ماتت والشعبي غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر. قال البيهقي: وهو مرسل صحيح. قال: ورواه سويد بن سعيد عن يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً ... والمشهور: عن قتادة عن ابن المسيب عن النبي مرسلاً. وحكى أبو داود عن أحمد أنه قيل له: حدث به سويد عن يزيد بن زريع، قال: لا تحدث بمثل هذا.

(5) انظر: المسودة/ 353.

(6) انظر: الواضح 2/ 68 أ-ب، والمسودة/ 353.

(7) في ص 856.

(3/1103)

مسألة

" إنما" تفيد الحصر نطقًا عند صاحب التمهيد (1) والروضة (2) والفخر إِسماعيل (3) وغيرهم، وقاله الجرجاني (4) وغيره من الحنفية (5) والغزالي (6) وغيره من الشافعية (7).

وعند ابن عقيل (8) والحلواني (9) من أصحابنا: تفيده بالمفهوم، وقاله بعض الشافعية وجماعة من المتكلمين، وذكره في العدة (10)، وذكر في العمدة (11) احتمالين (12).

__________

(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 75 ب.

(2) انظر: روضة الناظر/ 271.

(3) انظر: المسودة/ 354.

(4) انظر: العدة/ 479، والمسودة/ 354.

(5) انظر: تيسير التحرير 1/ 132، وفواتح الرحموت 1/ 434.

(6) انظر: المستصفى 2/ 207.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 97.

(8) انظر: الواضح 2/ 69أ.

(9) انظر: المسودة/ 354.

(10) انظر: العدة/ 205، 478 - 479.

(11) العمدة: كتاب في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى. انظر: مقدمة تحقيق العدة/ 10.

(12) انظر: المسودة/ 354.

(3/1104)

وعند أكثر (1) الحنفية (2): لا تفيد الحصر، وتؤكد الإِثبات، واختاره بعض أصحابنا (3) والآمدي (4) وغيرهما (5).

القائل بالحصر: تبادر الفهم بلا دليل.

عورض: هذا لو انحصر دليل الحصر في "إِنما".

وجوابه: الأصل عدم غيره، والفرض فيه.

واحتج ابن عباس على إِباحة (6) ربا الفضل (7) بقوله - عليه السلام -: (إِنما الربا في النسيئة) (8) -وشاع في الصحابة ولم ينكر، وعُدِل إِلى دليل- وهو في الصحيحين، لكن فيهما: (لا ربا إِلا في النسيئة) (9).

__________

(1) ضرب على (أكثر) في (ب) و (ظ).

(2) قال في تيسير التحرير 1/ 132: "نسب للحنفية"، ثم تعقبه.

وانظر: فواتح الرحموت 1/ 434.

(3) انظر: البلبل/ 125.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 97.

(5) في (ب): وغيره.

(6) نهاية 158 أمن (ب).

(7) تقدمت مسألة إِباحة ابن عباس لربا الفضل في ص 507.

(8) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1218، والنسائي في سننه 7/ 28، وابن ماجه في سننه / 759، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 64 من حديث أسامة مرفوعًا.

(9) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 74 - 75، والنسائي في سننه 7/ 281، وأحمد في مسنده 5/ 202، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 64 من حديث أسامة مرفوعاً=

(3/1105)

واستدل: بأن "إِن" للإِثبات، و"ما" للنفي.

رد: تحكم؛ لأن "ما" لها أقسام.

ثم: يلزم نفي طلب المجد في قول امرئ القيس (1):

ولكنما أسعى لمجد مؤثَل (2)

وهو يناقض ما قبله وما بعده.

ثم: "ما" -هنا- زائدة عند النحاة (3)، تكف "إِنّ" عن العمل.

وبأن كلا منهما له صدر الكلام فلا يجمع بينهما، كـ "لام الابتداء" مع (4) "إِنّ"، لكن تدخل، "لام الابتداء (5) " على خبرها، وتدخل عليه "ما"

__________

=وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1217 - 1218 بلفظ: (الربا في النسيئة) وبلفظ: (إِنما الربا في النسيئة). وانظر: فتح الباري 4/ 381.

(1) هو: امرؤ القيس بن حجر بن عمرو الكندي، الشاعر الجاهلي المشهور. انظر: الشعر والشعراء 1/ 52 - 86، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 125، والمزهر 2/ 443.

(2) هذا صدر بيت عجزه:

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي.

وهو من قصيدة مطلعها:

ألا عِمْ صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يَعِمَنْ من كان في العُصُر الخالي

فانظر: ديوان امرئ القيس / 39.

والمؤثل: المثمر الذي له أصل، وهو الكثير أيضًا.

(3) انظر: المقتضب 1/ 54، 2/ 363.

(4) في (ب): من.

(5) في (ظ): الابتنا.

(3/1106)

إِن كان جملة، و"إِنّ" لتأكيد مضمونها.

وفي التمهيد (1) والروضة (2) وغيرهما: "إِنما" كأداة الاستثناء.

رد: عين الدعوى.

القائل بعدمه: "إِنما زيد قائم" بمعنى: "إِن زيدًا قائم" (3)، و"ما" زائدة، فهي كالعدم.

ولأنها ترد للحصر وغيره، فيلزم منه المجاز أو الاشتراك، وهما خلاف الأصل.

رد: بما سبق، ويخالف الأصل بدليل.

مسألة

مثل قوله: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (4))، وقول القائل:

__________

(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 75 ب.

(2) انظر: روضة الناظر/ 271.

(3) نهاية 326 من (ح).

(4) هذا جزء من حديث رواه علي مرفوعاً. أخرجه أبو داود في سننه/ 49 - 50، والترمذي في سننه 1/ 5 - وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن- وابن ماجه في سننه/ 101، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 273، والبيهقي في سننه 2/ 173، 379، وأحمد في مسنده 1/ 123، 129، والدارقطني في سننه 1/ 360، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 229. ورواه أبو سعيد مرفوعًا. أخرجه الترمذي في سننه 1/ 151، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 229، وابن ماجه في سننه/ 101، والبيهقي في سننه 2/ 280، والدارقطني في سننه 1/ 359. وراجع: نصب الراية 1/ 307 - 308.

(3/1107)

"العالم زيد وصديقي زيد" -ولا قرينة عهد- يفيد الحصر نطقًا (1)، على كلام القاضي في تعليقه في قوله (2): (الشفعة فيما لم يقسم)، واختاره صاحب الروضة (3) والمحرر (4) من أصحابنا -وذكره قول المحققين- وأبو المعالي (5) والغزالي (6) وجماعة.

وقيل: يفيده بالفهوم، ولهذا احتج ابن عقيل (7) -أن المفهوم حجة- بأن الصحابة احتجت (8) بقوله: (الماء من الماء) على أنه لا غسل بغير إِنزال.

وعند الحنفية (9) -أو أكثرهم- وابن الباقلاني (10) والآمدي (11) وغيرهم: لا يفيد الحصر.

__________

(1) في (ظ): قطعاً.

(2) في (ب): قول.

(3) انظر: روضة الناظر/ 272.

(4) انظر: المسودة/ 363.

(5) انظر: البرهان/ 478.

(6) انظر: المستصفى 2/ 207.

(7) انظر: الواضح 2/ 54 أ - ب، والمسودة/ 363.

(8) نهاية 112 أمن (ظ).

(9) انظر: تيسير التحرير 1/ 134، وفواتح الرحموت 1/ 434.

(10) انظر: المستصفى 2/ 207، والإِحكام للآمدي 3/ 98.

(11) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 98.

(3/1108)

القائل بالحصر: التعريف (1) باللام والإِضافة للاستغراق، وخبر المبتدأ يجب كونه مساويا للمبتدأ أو أعم، لا يجوز أخص نحو: "الحيوان إِنسان"، ولهذا احتجت به الصحابة.

وسلمه الآمدي (2) لو ثبت أن اللام للجنس، لكن هي ظاهرة في البعض.

وجوابه: ما سبق (3) في عمومها.

واستدل: لو لم يفده لأخبر عن الأعم بالأخص، لتعذر كون اللام للجنس لعدم صدق "كل عالم زيد" و"كل صديقي زيد"، ولا قرينة عهد، فوجب جعله لمعهود ذهني بمعنى: الكامل والمنتهي في العلم والصداقة.

رد: المعروف جعله لمعهود بعضي نحو: أكلت الخبز.

ثم: بتسليمه (4)، واللام للمبالغة، فلا حصر (5).

ونص سيبويه (6) في "زيد الرجل": اللام للمبالغة، أي: الكامل في الرجولية.

__________

(1) نهاية 158 ب من (ب).

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 98.

(3) في ص 769 - 770.

(4) يعني: تسليم ما ذكرتم.

(5) في (ح): ولا حصر.

(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 112.

(3/1109)

ويلزم الخصم الحصر بما ذكره في "زيد العالم" (1).

فإِن قال: اللام فيه للماهية، فيخبر بالأعم عن الأخص.

فجوابه: (2) شرطه (3) تنكير الأعم (4) ليعم على البدل.

فإِن قال: اللام فيه للعهد بقرينة تقديم "زيد".

فجوابه: يمنع منه استقلاله (5) بالتعريف، وإلا لتوقف تعريفه على تقديم (6) قرينة "زيد".

القائل بعدمه: ما سبق: لو أفاده لأفاده عكسه.

وأيضاً: لكان التقديم يغير مدلول نفس الموضوع والمحمول.

وجواب: منع أن الدلالة لا تختلف بالتركيب.

__________

(1) في (ح): شرط.

(2) فيقال: يلزم الأخبار بالعام عن الخاص ... إِلخ.

(3) يعني: شرط جواز الأخبار بالأعم عن الأخص.

(4) نهاية 327 من (ح).

(5) يعني: وجوب استقلاله.

(6) في (ح) و (ظ): تقدم.

(3/1110)

النسخ

لغة (1): الرفع والإِزالة "نسخت الشمس الظل"، والنقل "نسخت النحل (2) " (3)، ومنه: المناسخات في المواريث.

فعند أصحابنا وأبي الحسين (4) وغيرهم: حقيقة في الأول.

وعند القفال (5) الشافعي: في الثاني.

وعند ابن الباقلاني (5) والغزالي (6) وغيرهما: مشترك.

.....................

وشرعًا: رفع حكم شرعي بقول الشارع (7) أو فعله متراخيًا.

فيخرج: مباح (8) بحكم الأصل، والرفع لعدم الفهم (9)، وبنحو: صَلِّ إِلى آخر الشهر.

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 424.

(2) في (ح): النخل.

(3) إذا نقلته من خلية إِلى أخرى.

(4) انظر: المعتمد/ 394.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 102.

(6) انظر: المستصفى 1/ 107.

(7) نهاية 159 أمن (ب).

(8) يعني: رفع مباح.

(9) يعني: بالنوم والغفلة مثلاً.

(3/1111)

والمراد بـ "الحكم" ما تعلق بالمكلف بعد وجوده أهلاً، فالتكليف المشروط بالعقل عدم عند عدمه.

فلا يرد: الحكم قديم، فلا يرتفع.

ولا ينتقض عكسه بتخصيص متأخر؛ لأنه بيان لا رفع عند أصحابنا وغيرهم، خلافاً لبعضهم.

وهذا معنى حدّ أبي الخطاب (1)، وزاد: "رفع مِثْل الحكم"؛ لئلا يرد البَدَاء -وهو ظهور ما لم يكن- لأنه رفع نفس الحكم، وقال: على وجه لولاه لكان ثابتًا.

وأبطله الآمدي (2): بأن إِزالة المِثْل قبل وجوده وبعد عدمه محال، وكذا معه؛ لأنها إِعدام.

وفيه نظر، لكن يلزم منع نسخ أمر مقيد بمرة قبل فعله.

وقال بعض أصحابنا: منع استمرار [حكم] (3) خطاب شرعي بخطاب شرعي متراخ عنه.

وهو مراد الآمدي (4) بحدّه.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 93أ - ب.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 104.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(4) انظر: المرجع السابق 3/ 107.

(3/1112)

وكذا في الروضة (1): رفع حكم ثابت بخطاب [بخطاب] (2) متراخ عنه.

وقال القاضي (3): بيان انقضاء (4) مدة العبادة (5) التي ظاهرها الإِطلاق، أو: بيان ما لم يرد باللفظ العام في الأزمان.

وقال -أيضاً- (6): إِخراج ما لم يرد باللفظ العام في الأزمان، مع تراخيه عنه.

وغَلّط من قال: "ما أريد (7) باللفظ"؛ لإِفضائه إِلى البَدَاء.

وهو خلاف ما قاله في النسخ قبل الوقت (8) وما قاله أكثر الأصحاب وغيرهم.

وقال أبو المعالي (9): لفظ قال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول.

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 69.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).

(3) انظر: العدة/ 155 - 156.

(4) نهاية 328 من (ح).

(5) نهاية 112 ب من (ظ).

(6) انظر: العدة / 778 - 779.

(7) يعني: إِخراج ما أريد باللفظ.

(8) انظر: العدة/ 810 - 811، والمسودة/ 195.

(9) انظر: البرهان/ 1297.

(3/1113)

فيرد: أن اللفظ دليل النسخ لا نفسه.

ونقض طرده بقول العدل: "نُسِخ حكم كذا"، وعكسه (1): بفعله عليه السلام.

ثم: حاصله: "اللفظ الدال على النسخ (2) "؛ لأنه فَسَّر "شرط دوام الحكم" بانتفاء النسخ، فانتفاء شرط (3) دوامه (4) حصوله (5). (6)

وقال ابن الباقلاني (7) وابن عقيل (8) والغزالي (9): خطاب قال على ارتفاع حكم ثابت بخطاب متقدم، على وجه لولاه لكان ثابتًا، مع تراخيه عنه.

وأُورد: الثلاث السابقة على أبي المعالي، وأن قوله: "على وجه إِلى آخره" زيادة.

__________

(1) نهاية 159 ب من (ب).

(2) فيكون تعريفًا للشيء بنفسه.

(3) شرط دوامه: هو انتفاء النسخ.

(4) يعني: دوام الحكم.

(5) قوله (حصوله) خبر لقوله (فانتفاء).

(6) يعني: حصول النسخ.

(7) انظر الإِحكام للآمدي 3/ 105، والمنتهى لابن الحاجب/ 113.

(8) انظر: الواضح 1/ 44 ب- 45 أ.

(9) انظر: المستصفى 1/ 107.

(3/1114)

وأجاب الآمدي (1) عن الأول: بمنع أن النسخ ارتفاع الحكم، بل (2) نفس الرفع -وهو الفعل- صفة الرافع، وهو الخطاب الدال على الارتفاع -ومستلزم له (3) - وهو الانفعال صفة المرفوع المفعول، على نحو فسخ العقد وانفساخه، وأن فعله - عليه السلام - لا يدل على الارتفاع، بل على الخطاب الدال عليه، والزيادة لا تخل بصحة الحد، وفيها فائدة.

وحكي عن الفقهاء (4): النص الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع التأخر عن زمن وروده.

فيرد: الأول والثالث.

فإِن فرّوا من "الرفع (5) " -لِقِدم الحكم وتعلقه (6) عقلاً -فانتهاء أمد الوجوب [ينافي بقاء الوجوب] (*) على المكلف، وهو معنى الرفع.

وإن فروا -لأنه لا يرتفع تعلق بمستقبل- لزم منع النسخ قبل الفعل (7).

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 106 - 107.

(2) تكرر (بل) في (ب).

(3) يعني: للارتفاع.

(4) انظر: البرهان/ 1293.

(5) إِلى الانتهاء.

(6) يعني: وقدم تعلقه.

(*) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(7) وهو خلاف مذهبهم.

(3/1115)

وإن فروا -لأنه ينافي (1) أمد تعلق الحكم بالمستقبل المظنون دوامه- فلا بد من زوال التعلق، فصح إِطلاق الرفع عليه.

وقالت المعتزلة (2): خطاب قال على أن مِثْل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل على وجه لولاه لكان ثابتًا.

فيرد: ما على الغزالي.

وأورد: الأمر المقيد بمرة ينسخ قبل فعله (3). وهم يمنعونه (4).

وفي الواضح (5): حَدُّهم يصرح بأن الناسخ يزيل ما ثبت بالخطاب الأول، وكلهم يقول: "ما أزاله لم يثبت بالأول، ولو ثبت به لم يجز زواله (6) [للبَدَاء] (7) على الله"، وهذه مناقضة.

* * *

__________

(1) في المنتهى لابن الحاجب 1/ 13، ومختصره بشرح العضد 2/ 186، 187: لأنه بيان أمد ... إِلخ.

(2) انظر: المعتمد/ 395، 396، 397، والبرهان/ 1294.

(3) ولم يتناوله الحد.

(4) يعني: لا يجيزون نسخه.

(5) انظر: الواضح 1/ 46أ.

(6) نهاية 160أمن (ب).

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3/1116)

والناسخ -حقيقة- هو: الله عندنا وعند الأشعرية (1)، وطريق معرفته عند (2) المعتزلة (3).

مسألة

أهل الشرائع على جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعًا.

وخالف أكثر اليهود (4) في الجواز، وأبو مسلم (5) الأصفهاني في الوقوع (6).

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 108.

(2) نهاية 329 من (ح).

(3) انظر: المعتمد / 369، والإحكام للآمدي 3/ 108.

(4) قال العطار في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 121: نبه البلقيني على أن حكايته خلاف اليهود في كتب أصول الفقه مما لا يليق؛ لأن الكلام في أصول الفقه فيما هو مقرر في الإسلام وفي اختلاف الفرق الإسلامية، أما حكايته خلاف الكفار فالمناسب ذكرها في أصول الدين.

(5) هو: محمَّد بن بحر، معتزلي متكلم بليغ، ولد سنة 254 هـ، وتوفي سنة 322 هـ.

من مؤلفاته: جامع التأويل لمحكم التنزيل، وهو كتاب في التفسير على مذهب المعتزلة.

انظر: فرق وطبقات المعتزلة/ 299، ولسان الميزان/ 895، وطبقات المفسرين للداودي 2/ 106.

(6) كثرت النقول عن أبي مسلم في مسألة جواز النسخ وعدمه، فقيل: يمنعه بين الشرائع، في الشريعة الواحدة، وقيل: في القرآن خاصة، وحرر ابن السبكي في رفع الحاجب 2/ 132 ب المسألة، وردّ الخلاف فيها إِلى الخلاف اللفظي، فقال: الإِنصاف أن الخلاف=

(3/1117)

لنا: القطع بعدم استحالة تكليف في وقت (1) ورفعه.

وإن قيل: "أفعال الله متابعة لمصالح العباد -كالمعتزلة-" فالمصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات.

وفي التوراة: أنه أمر آدم بتزويج بناته من بنيه، وقد حرم ذلك.

واستدل: بتحريم السبت، وكان مباحًا، وبجواز الختان مطلقًا، ثم وجب في ثامن الولادة عندهم، وبجواز جمع الأختين، ثم حرم.

رد: رفع مباح الأصل ليس بنسخ إِجماعًا.

قالوا: لو صح بطل قول موسى المتواتر: إِن شريعته مؤبدة.

__________

=بين أبي مسلم والجماعة لفظي؛ وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مُغَيّا في علم الله تعالى كما هو مُغَيّا باللفظ، ويسمي الجميع تخصيصًا، ولا فرق عنده بين أن يقول: "وأتموا الصيام إِلى الليل" وأن يقول: "صوموا مطلقًا"، وعلمه محيط بأنه سينزل: "لا تصوموا وقت الليل"، والجماعة يجعلون الأول تخصيصًا والثاني نسخًا، ولو أنكر أبو مسلم النسخ بهذا المعنى لزمه إِنكار شريعة المصطفى، وإنما يقول: كانت شريعة السابقين مغياة إِلى مبعثه عليه السلام، وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أن هذه الشريعة مخصصة للشرائع أو ناسخة، وهذا معنى الخلاف. انتهى كلام ابن السبكي، وهو من أدرى الناس بكلام الأصفهاني؛ إِذ قد وقف على تفسيره واطلع على آرائه كما ذكر ذلك في رفع الحاجب.

انظر: تعليق الدكتور -محمَّد حسن هيتو- على التبصرة/ 251، وراجع: شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 88 - 89.

(1) نهاية 113أمن (ظ).

(3/1118)

رد: موضوع؛ للقطع -عادة- بأنه لو صح عارضوا به محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ولَمَا أسلم علماؤهم كابن سلام (1) وكعب (2) ووهب (3).

ثم: المراد نحو التوحيد، أو: مؤبدة ما لم تنسخ.

قالوا: إِن نسخ لحكمة ظهرت بعد أن لم تكن فهو البَدَاء، وإلا فعبث (4)، ولا يجوز البداء على الله -وهو تجدّد العلم- إِلا عند الرافضة، وهو كفر، ومن كذبهم حكايته (5) عن موسى بن جعفر (6)

__________

(1) هو: الصحابي أبو يوسف عبد الله بن سلام.

(2) هو: أبو إِسحاق كعب بن ماتع الحميري، المعروف بكعب الأحبار، قال ابن حجر: أدرك النبي رجلاً، وأسلم في خلافة أبي بكر، وقيل: في زمن النبي، والراجح أن إِسلامه كان في خلافة عمر. أ. هـ. كان يهوديًا قبل إِسلامه، وتوفي بحمص سنة 32 هـ.

انظر: الإِصابة 5/ 647.

(3) هو: أبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني الذماري، عالم أهل اليمن، تابعي حافظ، كان عنده من علم أهل الكتاب شيء كثير، فإِنه صرف عنايته إِلى ذلك، وكان ثقة واسع العلم ينظر بكعب الأحبار في زمانه، توفي بصنعاء سنة 116 هـ، وكان مولده سنة 34 هـ.

انظر: حلية الأولياء 4/ 23، والعبر 1/ 143، وتذكرة الحفاظ/ 100، وتهذيب التهذيب 11/ 166، وشذرات الذهب 1/ 50.

(4) ضرب على (وإلا فعبث) في (ب) و (ظ)، ثم كتب متأخرًا على ما سيأتي في الصفحة التالية.

(5) في (ظ): حكايتهم.

(6) هو: أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن=

(3/1119)

وعن علي (1)، وذكره ابن عقيل (2) عن المختار (3) وغيره، وأن بعضهم جَوّزه فيما لم يطلعنا عليه (4).

رد: إِن سلم اعتبار المصلحة فهو لحكمة علمها قديمًا تكون عند نسخه؛ لاختلاف الأوقات والأحوال، فلم يظهر ما لم يكن.

__________

=أبي طالب، الكاظم، توفي ببغداد سنة 183 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 13/ 27، ووفيات الأعيان 2/ 131، وصفة الصفوة 1/ 103، والبداية والنهاية 10/ 183.

(1) انظر: الواضح 2/ 223أ، والإِحكام للآمدى 3/ 109 - 110.

(2) انظر: الواضح 2/ 223 ب.

(3) هو: أبو إِسحاق المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، من زعماء الثائرين على بني أمية، ولد سنة اهـ، وسكن البصرة بعد علي، ولما قتل الحسين سنة 61 هـ انحرف المختار عن عبيد الله بن زياد -أمير البصرة- فقبض عليه ابن زياد وجلده، ثم نفاه إِلى الطائف، ولما مات يزيد بن معاوية سنة 64 هـ -وقام عبد الله بن الزبير في المدينة يطلب الخلافة- ذهب إِليه المختار وعاهده، ثم خرج إِلى الكوفة فتتبع قتلة الحسين، واشتهر أمره، واستبد بالسلطة، فقاتله مصعب بن الزبير- أمير البصرة بالنيابة عن أخيه- حتى قتله سنة 67 هـ بالكوفة.

انظر: تاريخ الأمم والملوك 7/ 58، 93، 112، 130، 133، 140، 146، والكامل في التاريخ 4/ 168، 211، 246، 258، 267، والإِصابة 6/ 349.

(4) في (ب) و (ظ): لم يطلعنا عليه، وإلا فعبث. وسبقت الإِشارة إلى هذا في هامش 4 من الصفحة السابقة.

(3/1120)

قالوا: إِنْ قيد الأول بوقت فلا نسخ؛ لانتهائه بانتهاء وقته (1)، وإن دل على التأبيد فلا نسخ؛ لاجتماع الإِخبار بالتأبيد ونفيه، وهو تناقض، ولأنه يؤدي إِلى تعذر الإِخبار بالتأبيد لاحتمال النسخ، وإلى أنه لا يوثق بتأبيد حكم، وإلى نسخ شريعتكم.

رد: مطلق، فيدل على تعلق الوجوب، لا على البقاء ونفيه.

ثم: لو دل على التأبيد فالأمر بشيء في المستقبل أبداً لا يستلزم دوامه، بل إِن الفعل فيه (2) متعلق الوجوب (3)، فزوال التعلق به بنسخ ليس مناقضة كالموت، إِنما التناقض في خبره ببقاء الوجوب أبدًا ثم ينسخه.

ونسخ شريعتنا محال؛ للتواتر بأن محمدًا خاتم النبيين.

قالوا: لو جاز لكان قبل الفعل، ولا رفع لما لم يوجد، ولا بعده لعدمه، ولا معه، وإلا ارتفع حال وجوده.

رد: المراد زوال التكليف الثابت بعد أن لم يكن (4)، كزواله بالموت، لا ارتفاع الفعل.

قالوا: إِن عُلِم دوامه أبدًا فلا نسخ، أو إِلى مدة معينة فارتفاع الحكم بوجود غايته ليس بنسخ.

__________

(1) نهاية 160 ب من (ب).

(2) يعني: في المستقبل أبدًا.

(3) نهاية 330 من (ح).

(4) يعني: بعد أن لم يكن التكليف قد ثبت.

(3/1121)

رد: يعمله مستمراً إِلى وقت ارتفاعه بالنسخ، وعلمه بارتفاعه به يحقق النسخ (1).

ولنا -على الأصفهاني-: الإِجماع أن شريعتنا ناسخة لما خالفها.

ونسخ [التوجه] (2) إِلى بيت المقدس (3)، وتقديم الصدقة لمناجاته عليه السلام (4)، وصوم عاشوراء (5)، وغيره.

__________

(1) لا يمنعه.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) قال تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) سورة البقرة: آية 144.

وقد أخرج خبر نسخ التوجه إِلى بيت المقدس البخاري في صحيحه 1/ 84، ومسلم في صحيحه/ 374 من حديث البراء بن عازب.

(4) قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إِذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلكم خير لكم وأطهر فإِن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم * أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإِذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) سورة المجادلة: الآيتان 12، 13.

وخبر نسخ تقديم الصدقة: أخرجه الترمذي في سننه 5/ 80 - 81، والطبري في تفسيره 28/ 14 - 16، ومجاهد في تفسير5/ 660 - 661.

وانظر: أسباب النزول للواحدي/ 234 - 235، والمعتبر 179أ- ب.

(5) نسخ صوم عاشوراء: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 43، ومسلم في صحيحه/ 792 من حديث عائشة مرفوعًا.

(3/1122)

مسألة

بيان الغاية المجهولة -كقوله: (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً) (1) - اختلف كلام أصحابنا وغيرهم: هل هو نسخ أم لا؟ والأظهر النفي.

مسألة (2)

يجوز النسخ قبل الفعل بعد دخول الوقت، ذكره القاضي (3) وابن عقيل (4) إِجماعًا، وفي التمهيد (5): "لا أعلم فيه خلافاً"، قال: ولا فرق -عقلاً- بين (6) أن يعصَي أو يطيع.

وجزم بعضهم بالمنع (7)؛ لعصيانه.

....................

__________

(1) سورة النساء: آية 15.

(2) نهاية 113 ب من (ظ).

(3) انظر: العدة/ 807.

(4) انظر: الواضح 2/ 264أ.

(5) انظر: التمهيد / 95 ب- 96أ.

(6) نهاية 161 أمن (ب).

(7) يعني: منع النسخ.

(3/1123)

ويجوز قبل وقت الفعل عند أصحابنا، وذكره القاضي (1) ظاهر قول أحمد: "إِذا شاء الله نسخ من كتابه ما أحبّ" -وفيه نظر- وقاله الأشعرية (2) وأكثر الشافعية، وذكره الآمدي (3) قول أكثر الفقهاء.

ومنعه أكثر الحنفية (4) والمعتزلة (5)

ولأبي الحسن (6) التميمي من أصحابنا قولان.

لنا: ما تواتر (7) -وفي الصحيحين (8) وغيرهما- من نسخ فرض

__________

(1) انظر: العدة/ 807.

(2) انظر: اللمع/ 33، والتبصرة/ 260، والمنخول 297، والمستصفى 1/ 112، والإِحكام للآمدي 3/ 126.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 126.

(4) نقل عن جمهورهم القول بالجواز. فانظر: أصول السرخسي 2/ 63، وتيسير التحرير 3/ 87، ومسلم الثبوت (فواتح الرحموت 2/ 61).

وقال في فواتح الرحموت -بعد أن حكى صاحب السلم القول بالمنع عن بعض الحنفية-: بل رؤسائهم كالكرخي والماتريدي والجصاص والدبوسي، قال: وقولهم هو الحق المتلقى بالقبول.

(5) انظر: المعتمد/ 407.

(6) انظر: العدة/ 808. والمسودة/ 207.

(7) في (ح) و (ظ): ما تواترا وفي.

(8) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 74 - 75، 4/ 109 - 110، 135 - 136، ومسلم في صحيحه/ 145 وما بعدها، والترمذي في سننه 1/ 137، والنسائي في سننه=

(3/1124)

خمسين [صلاة] (1) في السماء ليلة الإِسراء بخمس قبل تمكّنه - عليه السلام - من الفعل.

والإِسراء يقظة (2) عند أحمد وأصحابه وعامة السلف والخلف، وهو ظاهر الأخبار.

وفي فنون ابن عقيل: إِن الرواية عن أحمد اختلفت فيه. كذا قال.

وفي رواية شريك (3): "وهو نائم". رواه البخاري (4).

__________

=1/ 217 وما بعدها، وابن ماجه في سننه/ 448، وأحمد في مسنده 3/ 149، 5/ 144 من حديث أنس مرفوعًا.

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(2) انظر: تفسير الطبري 15/ 13، وشرح الطحاوية/ 246، والمعراج للقشيري/ 65، وتفسير القرطبي 10/ 208، وفتح الباري 13/ 484.

(3) هو: أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي -وقيل: الليثي- المدني، تابعي روى عن أنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وغيرهم، وعنه الثوري ومالك والدراوردي وغيرهم، توفي سنة 144 هـ. قال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: إِذا روي عنه ثقة فإِنه ثقة. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ.

انظر: ميزان الاعتدال 2/ 269، وتهذيب التهذيب 4/ 337، وتقريب التهذيب 1/ 351.

(4) أخرج البخاري في صحيحه 9/ 149 - 150 ... عن شريك قال: سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله من مسجد الكعبة: إِنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إِليه وهو نائم في المسجد الحرام ... وفي آخره: واستيقظ وهو في المسجد الحرام.=

(3/1125)

وأنكرها العلماء، ثم: يحتمل أول وصول الملك إِليه.

وفي الواضح (1): من منعه يقظة منع ذلك.

ولا يجوز النسخ قبل علم المكلف بالمأمور [به] (2)؛ لعدم الفائدة باعتقاد الوجوب (3) والعزم على الفعل.

وجوزه الآمدي (4)؛ لعدم مراعاة الحِكَم في أفعاله تعالى.

__________

=وأخرجه مسلم في صحيحه/ 148 باللفظ السابق إِلى قوله: "وهو نائم في المسجد الحرام"، ثم قال: وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدم فيه وأخر وزاد ونقص.

ونقل ابن حجر في فتح الباري 13/ 484 عن عبد الحق قال: زاد فيه -يعني شريكًا- زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ. ثم ذكر ابن حجر ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين -ومن ذلك كونه مناماً- وأفاض في ذلك.

وقال ابن القيم في زاد المعاد 2/ 55: وقد غلَّط الحفاظ شريكًا في ألفاظ من أحاديث الإسراء.

(1) انظر: الواضح/ 2/ 267 ب.

(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(3) نهاية 331 من (ح).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 132.

(3/1126)

وفي البخاري (1) عن أبي هريرة: أنه - عليه السلام - بعثه في بعث، وقال: (إِن وجدتم فلانًا وفلاناً فأحرقوهما بالنار)، ثم قال -حين أردنا الخروج-: (إِن النار لا يعذب بها إِلا الله، فإِن وجدتموهما فاقتلوهما).

وأمر -عليه [السلام] (2) - بكسر قدور من لحم حمر إِنسية، فقال [رجل] (3): أو نغسلها؟ فقال: (اغسلوا). متفق عليه (4).

ولأحمد (5): أنه - عليه السلام - بعث أبا بكر يبلغ "براءة"، فسار ثلاثاً (6)، ثم قال لعلي: (الحقه وبلّغها أنت).

وأيضًا: كما يجوز رفعه بالموث وغيره.

__________

(1) انظر: صحيح البخاري 4/ 61. وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 125، والترمذي في سننه 3/ 67 وقال: حسن صحيح، والدارمي في سننه 2/ 141، وأحمد في مسنده 2/ 307.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 136، ومسلم في صحيحه/ 1540 من حديث سلمة بن الأكوع.

(5) أخرجه أحمد في مسنده 1/ 3 من حديث أبي بكر. وأخرج -نحوه- الترمذي في سننه 4/ 339 من حديث أنس -وقال: حسن غريب من حديث أنس- والطبري في تفسيره 14/ 106، 108 - 109 (ط: دار المعارف) من حديث زيد بن يثيع وأبي جعفر محمَّد بن علي بن حسين بن علي والسدي.

(6) نهاية 161 ب من (ب).

(3/1127)

ولأن كل نسخ قبل الفعل؛ لاستحالته بعده -لتحصيل الحاصل- ومعه؛ لامتناع الفعل ونفيه.

واحتج أصحابنا وغيرهم: بأن إِبراهيم أمر بذبح الولد بإِجماع علماء النقل، بدليل: (افعل ما تؤمر) (1)، ولإِقدامه عليه، ونُسِخ قبل وقته، وإلا لعصى بتأخيره.

رد: لم ينسخ؛ لأن الأمر قائم لم ينته، ولم يحصل بمحله للفداء لا للنسخ.

وجوابه: منع بقاء الأمر بذبحه، بل نسخ بالفداء.

وسلّم الآمدي (2): أنه نسخ، لكن بعد تمكنه، وإنما يكون قبله (3) لو اقتضى الأمر الفور (4) وتضيّق وقت الإِمكان.

ورد: لو كان موسعًا قضت العادة بتأخيره (5) رجاء نسخه أو موته لِعِظَم الأمر، ولم يمنع (6) رفع تعلق الوجوب بالمستقبل لبقاء الأمر على المكلف (7) لعدم

__________

(1) سورة الصافات: آية 102.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 129.

(3) يعني: قبل تمكنه.

(4) في (ب): الفوت.

(5) ولم يقدم عليه.

(6) يعني: لو كان موسعًا لم يمنع ... إِلخ.

(7) نهاية 114 أمن (ظ).

(3/1128)

فعله، وبقاء الأمر هو المانع عندهم (1).

قال: لم يؤمر، ولهذا قال: (إِني أرى في المنام) (2)، أو أُمر بمقدمات الذبح؛ لقوله: (صَدقْتَ الرؤيا) (3).

رد: منام النبي وحي.

وأراد بـ (أرى): رأيت، ولهذا أقدم.

وقيل: (افعل ما تؤمر) (4) أي: ما أُمرت، أو وقتاً بعد وقت.

ولو أُمر بمقدماته (5) لم يقل: (أذبحك) (6)، ولم يحتج إِلى فداء.

وصَدَّق الرؤيا باعتقاد جازم وبكل فعل أمكنه.

وهو (7) جواب قولهم: "ذبحه والتحم"، مع أنه كان يشتهر لأنه معجزه (8).

قال: صفّح عنقه بنحاس منعه منه.

__________

(1) من النسخ، فإِذا نسخ عنه فقد نسخ تعلق الوجوب بالمستقبل، وجاز ما قال بامتناعه.

(2) سورة الصافات: آية 102.

(3) سورة الصافات: آية 105.

(4) سورة الصافات: آية 102.

(5) نهاية 332 من (ح).

(6) الصافات: آية 102.

(7) يعني: لو كان ذبحه لم يحتج إِلى فداء.

(8) في (ح): معجز.

(3/1129)

رد: فيكون تكليفًا بما لا يطاق، ونسخاً قبل الفعل، وكان يشتهر.

قالوا: إِن أمر بالفعل وقت (1) نسخه توارد النفي والإِثبات، وإلا فلا نسخ (2) لعدم رفع شيء.

رد: يبطل بـ "صُمْ رمضان" ونسخه فيه.

وبأنه ليس مأمورا ذلك الوقت (3) بل قبله، وانقطع (4) بالناسخ عند وقته (5) كالموت.

مسألة

يجوز نسخ أمر مقيد بالتابيد -نحو: "صوموا أبداً"- عند الجمهور؛ لأنه يجوز في المطلق -وظاهره التأبيد- ولو قبل الوقت، فمثله هذا، والعادة والعرف التأكيد للمبالغة نحو: "الزمْ فلاناً أو السوق أبدًا"، وكما يجوز تخصيص عموم مؤكد بـ "كل".

قالوا: متناقض؛ لأن التأبيد للدوام، والناسخ بيان انتهائه ويقطعه، فالمنافاة ثابتة بين تكليفين ضرورة، بخلاف قطعه بالموت.

__________

(1) في (ظ): قبل.

(2) نهاية 162 أمن (ب).

(3) أي: وقت النسخ.

(4) يعني: وانقطع التكليف.

(5) يعني: وقت الناسخ.

(3/1130)

رد: بمنع التأبيد عرفاً.

وبالإِلزام بتخصيص عموم مؤكد. والجواب واحد.

قالوا: كالخبر.

وجوابه: اختلفوا في نسخه: فمنعه جمهور الفقهاء والأصوليين، واختاره جماعة من أصحابنا، منهم: أبو بكر بن الأنباري (1) وابن الجوزي (2)، وجزم به في الروضة (3).

وجوزه قوم، ولعلهم أرادوا ما قاله القاضي (4): إِن صَحَّ تَغَيُّره -كالخبر عن زيد بأنه مؤمن وكافر- جاز نسخه، وإِلا فلا، كصفات الله وخبر ما كان وما يكون؛ لأنه الذي يفضي إِلى الكذب، واختاره بعض أصحابنا (5)، ويخرج عليه نسخ المحاسبة بما في النفوس في قوله: (وإِن تبدوا ما في أنفسكم) (6) كقول جماعة من الصحابة (7) والتابعين، فهو في مسلم (8)

__________

(1) انظر: زاد المسير 1/ 344، والمسودة/ 197.

(2) من قوله (واختاره جماعة) إِلى قوله (الجوزي) ورد في (ح) بعد قوله (الروضة).

(3) انظر: روضة الناظر/ 73.

(4) انظر: العدة/ 825.

(5) انظر: المسودة/ 196.

(6) سورة البقرة: آية 284.

(7) انظر: تفسير الطبري 6/ 103 - 112، ط: دار المعارف، وفتح الباري 8/ 206.

(8) انظر: صحيح مسلم/ 115 - 116. وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 412، والطبري في تفسيره 3/ 95.

(3/1131)

عن أبي هريرة وفي البخاري (1) عن ابن عمر.

وذكر ابن عقيل (2) كالأول، ثم اختار: إِن تعلَّق بمستقبل جاز فيه نوع احتمال كعفو في وعيد وصفة (3) وشرط (4)، حتى وقع في "الأبد" خلاف وأنه أبد (5) من الآباد، ولا احتمال في ماض.

وكذا قال بعض الشافعية (6): يجوز خلافاً لأبي هاشم (7)، لاحتمال: "لأعاقبنه (8) أبدًا"، ثم يقول: "أردت سنة". كذا قال.

وِإيهام الكذب (9) لا يمنع كالأمر البداء (10).

__________

(1) انظر: صحيح البخاري 6/ 33.

(2) انظر: الواضح 2/ 240أ، ب، 241 أ- ب.

(3) نهاية 162 ب من (ب).

(4) يعني: يقع الخبر من الله مطلقًا، ويكشف البيان عن أنه أراد به خبرًا على صفة وشرط نحو: (إِن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) مشروط بقوله: (ولا تقربا هذه الشجرة)؛ لأنه عرى وبدت له سوأته.

(5) في معجم مقاييس اللغة 1/ 34: الأبد: الدهر، ؤجمعه: آباد.

(6) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 2/ 177.

(7) انظر: المعتمد/ 420.

(8) في (ب): لا عاقبته.

(9) نهاية 114 ب من (ظ).

(10) يعني: كإِيهام الأمر البداء.

(3/1132)

فلو قيد (1) الخبر بالتأبيد لم يجز، خلافاً للآمدي (2).

وفي التمهيد (3): إِفادة الدوام (4) فيهما (5) لا يمنع من دليل أن المراد به غير ظاهره كالعموم، ثم: مطلق الخبر كالمقيد بالتأييد، فالأمر مثله (6)، ثم: مطلق الأمر يُنسخ، فكذا مقيده.

وجواز تأبيد التكليف بلا غاية مبني على وجوب الجزاء، وجوزه ابن عقيل (7) وغيره، وأنه قول الفقهاء والأشعرية (8)، وخالف بعض أصحابنا والمعتزلة (9).

__________

(1) في (ب): قيل.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 135.

(3) انظر: التمهيد/ 95 أ.

(4) نهاية 333 من (ح).

(5) يعني: الأمر والخبر المقيد بن بالتأبيد.

(6) يعني: يجب أن يكون مطلق الأمر مثل المقيد بالتأبيد.

(7) انظر: المسودة/ 55، وقال: حكاه ابن عقيل في أواخر كتابه.

وانظر: الواضح 2/ 16 ب- 17 أ.

(8) انظر: المعتمد/ 413 - 415.

(9) انظر: البرهان/ 1313.

(3/1133)

مسألة

الجمهور: جواز النسخ من غير بدل.

ومنعه بعضهم؛ وذكره أبو المعالي (1) عن جمهور المعتزلة.

ومنعه بعضهم في العبادة، بناء على أن النسخ يجمع معنى الرفع والنقل.

لنا: ما اعتمد عليه في إِثبات النسخ.

ولأنه نسخ تقديم الصدقة أمام المناجاة وتحريم ادخار (2) لحوم الأضاحي (3).

وفي البخاري (4): أنه كان إِذا دخل وقت الفطر -فنام قبل أن يفطر-

__________

(1) انظر: البرهان/ 1313.

(2) في (ب): الادخار.

(3) كذا -أيضًا- في مختصر ابن الحاجب 2/ 193. وقال الزركشي في المعتبر/ 76 أ: واعلم أن في جعل هذا من النسخ نظرًا، وإنما هو من باب ارتفاع الحكم لارتفاع علته، وعَوْده إِذا عادت، لا من باب النسخ الذي إِذا ارتفع لا يعود أبدًا، ولهذا قال - عليه السلام -: (إِنما نهيتكم من أجل الدافة)، فدل على أنه لم يرفعه أبدًا، فلو قدم على أهل بلد محتاجون في زمن الأضحية امتنع الادخار، وعلى هذا نص الشافعي في الأم؛ فإِنه قال: فإِذا دفت الدافة ثبت النهي عن إِمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وإذا لم تدف الدافة فالرخصة ثابتة بالأ كل والتزود والادخار. هذا كلامه.

(4) هذا الحديث رواه البراء بن عازب. أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 28، وأبو داود في سننه 2/ 737، والترمذي في سننه 4/ 278 - 279 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 4/ 147 - 148، والدارمي في سننه 1/ 337 - 338.

(3/1134)

حرم الطعام والشراب وإتيان النساء إِلى الليلة الآتية، ثم نسخ (1).

واحتج الآمدي (2) على عادته: أنه لو فرض وقوعه لم يلزم منه محال.

ورده بعض أصحابنا وغيرهم: بأنه مجرد دعوى، وأن إِمكان هذا ذهني بمعنى عدم العلم بالامتناع، ليس إِمكانه خارجيًا بمعنى العلم به خارجًا؛ فإِنه يكون للعلم بوجوده أو نظيره (3) أو أولى منه كما يذكر في القرآن.

قالوا: (نأتِ بخير منها أو مثلها) (4).

رد: الخلاف في الحكم لا في اللفظ (5)، ثم (6): ليس عامًا في كل حكم، ثم: مخصوص بما سبق (7)، ثم: يكون نسخه بغير بدل خيرًا لمصلحة علمها، ثم: إِنما تدل الآية أنه لم يقع لا أنه لا يجوز.

__________

(1) بقوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) إِلى قوله: (من الفجر) سورة البقرة: آية 187.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 135.

(3) نهاية 163 أمن (ب).

(4) سورة البقرة: آية 106.

(5) ومراد الآية: نأت بلفظ خير منها.

(6) يعني: على تسليم أن معناها: نأت بحكم.

(7) مما نسخ إِلى غير بدل.

(3/1135)

مسألة

الجمهور: جواز النسخ بأثقل، خلافاً لبعض الشافعية (1) وابن داود (2) وغيره من الظاهرية (3)، وذكره ابن برهان (4) عن المعتزلة.

ومنعه قوم شرعًا، وقوم عقلاً.

لنا: ما سبق.

ووقع كنسخ تخيير (5) الصحيح بين صوم رمضان والفدية بصومه (6)، وعاشوراء برمضان، والحبس في البيوت (7) بالحد (8)، والصفح عن

__________

(1) انظر: التبصرة / 258، والإِحكام للآمدي 3/ 137.

(2) انظر: العدة/ 786، والمسودة/ 201.

(3) حكاه ابن حزم عن قوم من أصحابهم، ثم خَطَّأهم، فانظر: الإِحكام له / 602.

(4) انظر: المسودة/ 201. وفي الوصول لابن برهان/ 52أ: عن بعض المتكلمين.

(5) نهاية 334 من (ح).

(6) أخرجه البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 8/ 181)، ومسلم في صحيحه/ 802 عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) -سورة البقرة: آية 184 - كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها.

(7) في سورة النساء: آية 15.

(8) قال تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) سورة النور: آية 2.

وأخرج النسخ بهذه الآية الطبرى في تفسيره 8/ 74 - ط: دار المعارف - وأبو داود في سننه 4/ 569 عن ابن عباس.=

(3/1136)

الكفار (1) بقتل مقاتلهم (2) ثم بقتالهم كافة (3).

قال: أبعد من المصلحة وأشق.

رد: لازم في ابتداء التكليف.

وإن اعتبرت المصلحة فقد تكون في الأثقل كمرض (4) وغيره.

قالوا: (نأتِ بخير منها) (5)، قال ابن عباس (6): "بأيسر على

__________

=وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).

أخرجه مسلم في صحيحه/ 1316 - 1317، وأبو داود في سننه 4/ 569 - 571، والترمذي في سننه 2/ 445 وقال: صحيح، وابن ماجه في سننه/ 852، والدارمي في سننه 2/ 101، وأحمد في مسنده 3/ 476، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 286)، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 298)، والطبري في تفسيره 8/ 76 وما بعدها، ط: دار المعارف.

(1) في سورة الزخرف: آية 89.

(2) في سورة البقرة: الآيتان 190، 191.

(3) في سورة التوبة: آية 36.

(4) بعد صحة.

(5) سورة البقرة: آية 106.

(6) انظر: زاد المسير 1/ 128. وأخرج الطبري في تفسيره 2/ 481 عن ابن عباس: (نأت بخير منها أو مثلها) يقول: خير لكم في المنفعة وأرفق بكم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي. راجع: الدر المنثور 1/ 104.

(3/1137)

الناس"، وقال غيره (1): (أو مثلها) أي: في الثواب، والحكمة في تبديلها الاختبار (2).

وجوابه: ما سبق في التي قبلها (3).

وإن ثبت عن ابن عباس فمعناه: "غالبًا"؛ لما سبق (4)، وهو خير باعتبار الثواب (5)، وقاله القاضي (6) [أيضًا] (7)، وقال: وفي بعضه من الإِعجاز أكثر من بعض.

وقال ابن عقيل (8) هذا والذي قبله، قال: كالمرسِل واحد، والمرسَلون بعضهم أفضل.

وقال القاضي -أيضًا-: لا يجوز أن يتفاضل ثوابه، وجميعه صفة لله.

__________

(1) انظر: زاد المسير 1/ 128.

(2) في (ب): الاختيار.

(3) من أن الخلاف في الحكم لا في اللفظ، ومراد الآية: اللفظ.

(4) من ثبوت النسخ بالأثقل.

(5) نهاية 115 أمن (ظ).

(6) انظر: العدة/ 787، 792.

(7) ما بين المعقوفتين من (ح).

(8) انظر: الواضح 2/ 237 ب- 238أ، 247 ب.

(3/1138)

مسألة

يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه عند العلماء، خلافاً لبعض المعتزلة (1).

ولم يخالفوا في نسخهما معاً، خلافًا لما حكاه الآمدي (2) عنهم.

لنا (3): ما سبق.

ولأن التلاوة حكم، وما تعلق بها من الأحكام حكم آخر، فجاز نسخهما ونسخ أحدهما كغيرهما.

وأيضًا: وقع؛ عن عمر: "كان فيما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجمنا بعده، ثم إِنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن (4) لا ترغبوا عن آبائكم، فإِنه كُفْر بكم أن ترغبوا عن آبائكم". متفق عليه (5).

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 141. وما ذكر أبو الحسين في المعتمد/ 418 موافق لقول الجمهور.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 141.

(3) نهاية 163 ب من (ب).

(4) في (ظ): لئلا.

(5) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 168 - 169. وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1317 دون قوله: ثم إِنا كنا نقرأ ... الحديث.

(3/1139)

ولمالك والشافعي وابن ماجه (1): "الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما ألبتة".

قال في الواضح (2): علّقه على الشيخين لإِحصانهما غالبًا.

وسبق (3) في العمل بالشاذ: "متتابعات".

ونسخ آية الاعتداد (4) بالحول (5)، (6) وحبس الزواني بالحد.

__________

(1) انظر: الموطأ/ 824، وبدائع المنن 2/ 283 - 284، وسنن ابن ماجه/ 853 - 854.

وأخرج أحمد في مسنده 5/ 132، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 435) من حديث أبي بن كعب: لقد قرأنا فيها -أي: في سورة الأحزاب- آية الرجم: "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم". وفي إِسناده: عاصم بن أبي النجود، وقد ضعف.

وأخرج أحمد في مسنده 5/ 183، والدارمي في سننه 2/ 100، والحاكم في مستدركه 4/ 360 عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله يقول: الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما البتة. قال الحاكم: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.

(2) انظر: الواضح 1/ 53 أ.

(3) في ص 314 من هذا الكتاب.

(4) نهاية 335 من (ح).

(5) سورة البقرة: آية 240.

(6) بآية الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً. سورة البقرة: آية 234.

(3/1140)

وعن عائشة: "كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يُحَرِّمْن، ثم نُسِخ بخمس". رواه مسلم.

وفي جواز مس محدث ما نسخ لفظه -وتلاوة جنب له- قولان لنا ولغيرنا.

وجه ابن عقيل (1) المنع؛ لبقاء حرمته كبيت المقدس، نسخ كونه قبلة، وحرمته باقية، والجواز، لعدم (2) حرمة كتبه في المصحف.

قالوا: التلاوة مع حكمها متلازمان كالعلم مع العالِمية والحركة مع المتحرِّكية والمنطوق مع المفهوم.

رد: العلم هو العالمية، والحركة هي المتحركية.

ومنع أن المنطوق لا ينفك عن المفهوم.

سلمنا المغايرة (3) وأن المنطوق لا ينفك، فالتلاوة أمارة الحكم ابتداء لا دوامًا، فلا يلزم من نفيها نفيه (4)، وبالعكس.

قالوا: بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم، فيؤدي إِلى التجهيل وإبطال فائدة القرآن.

__________

(1) انظر: الواضح 2/ 234أ.

(2) في (ب) و (ظ): كعدم.

(3) بين العلم والعالمية، وبين الحركة والمتحركية.

(4) يعني: فلا يلزم من نفي التلاوة نفي الحكم.

(3/1141)

رد: مبني على التحسين، ثم: لا جهل مع الدليل للمجتهد، وفرض المقلِّد التقليد، والفائدة: الإِعجاز وصحة الصلاة به.

مسألة (1)

سبق (2) نسخ الخبر في نسخ الأمر المقيد بالتأبيد.

وقال الآمدي (3): نسخ تلاوة خبر ماض أو مستقبل وتكليف (4) الإِخبار به -تغيَّر مدلوله أوْ لا- جائز بلا خلاف.

ويجوز نسخ تكليفنا بالإِخبار عما لا يتغير بتكليفنا بالإِخبار بنقيضه.

ومنعه المعتزلة (5)؛ بناء على التحسين العقلي ورعاية المصلحة في أفعاله تعالى.

ونسخ مدلول خبر لا يتغير محال إِجماعًا، وإلا جاز (6) عند عبد الجبار وأبي عبد الله وأبي الحسين (7) من المعتزلة والآمدي (8)،

__________

(1) نهاية 164 أمن (ب).

(2) في ص 1131.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 144.

(4) يعني: ونسخ تكليف الإخبار به.

(5) انظر: المعتمد/ 419.

(6) نهاية 115 ب من (ظ).

(7) انظر: المعتمد/ 419، والإِحكام للآمدي 3/ 144.

(8) انظر: الأحكام للآمدى 3/ 145.

(3/1142)

لتكرُّر (1) مدلوله كما في الأمر، وكالخبر بمعنى الأمر.

ومنعه ابن الباقلاني (2) والجبائية (3) وجماعة من الفقهاء والمتكلمين.

ومنعه بعضهم في الخبر الماضي (4).

مسألة

يجوز نسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة بمثلها، والآحاد بمثلها وبالمتواتر.

......................

ويجوز نسخ المتواتر بالآحاد عقلاً، ذكره الآمدي (5) اتفاقًا.

وذكر الباجي (6) المالكي فيه خلافا.

ولا يجوز شرعًا، ذكره ابن برهان (7) وأبو المعالي (8) إِجماعًا.

__________

(1) فيكون عائد، فالناسخ يكون مبيناً لإخراج بعض ما تناوله اللفظ.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 144، والمنتهى لابن الحاجب/ 117.

(3) انظر: المعتمد/ 420.

(4) نهاية 336 من (ح).

(5) انظر: الإِحكام للآمدى 3/ 146.

(6) انظر: إِحكام الفصول/ 54أ.

(7) انظر: الوصول لابن برهان/ 55 ب، والمسودة / 206.

(8) انظر: البرهان/ 1311.

(3/1143)

وجوزه داود (*) والظاهرية.

وقيل: يجوز زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختاره الباجي (1)، قال: لا يجوز بعده إِجماعًا.

........................

ولا يجوز نسخ القرآن بالآحاد.

وجزم القاضي (2) بجوازه في مسألة تخصيصه به، وقال: "نص أحمد على هذا؛ قال: يجب العمل به، ثم ذكر قصة قباء، وخبر الخمر (3) أهْرَقوها ولم ينظروا (4) غيره (5) "، قال: فاحتج بقصة قباء وأن الصحابة أخذت بالخبر وإن كان فيه نسخ.

وكذا ابن (6) عقيل (7)، وأنه مذهب أحمد، وقال: "وهي تشبه مذهبه

__________

(*) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 617، والوصول لابن برهان/ 55 ب، والإِحكام للآمدي 3/ 146.

(1) انظر: إِحكام الفصول/ 54أ، والإِشارات/ 74.

(2) انظر: العدة/ 554.

(3) في (ب) و (ظ): الحمر.

(4) ينظروا: بمعنى ينتظروا. انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 444، ولسان العرب 7/ 73.

(5) هذا الخبر رواه أنس. أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 105، ومسلم في صحيحه/ 1570 - 2572.

(6) نهاية 164 ب من (ب).

(7) انظر: الواضح 1/ 48 أ- ب، 2/ 146 أ.

(3/1144)

في إِثبات الصفات بها، وهو أكثر من النسخ"، وقرره في فنونه (1)، وقال -فيه (2) وفي القياس-: يصير كأن الشارع قال: "اقطعوا بحكم كلامي ما لم يضاده خبر واحد أو قياس"، هذا هو التحقيق، وبناه على أن العمل بهما (3) قطعي.

وذكر أبو الخطاب (4) النسخ بالآحاد عن بعض الظاهرية، وقال: في هذه المسألة نظر؛ لأن دليل المخالف فيها قوي ظاهر.

وقال بعض أصحابنا: الأصح عن أحمد وقوعه. كذا قال.

وقال في قراءة الفاتحة من الانتصار (5) -وقاله القاضي (6) -: الثابت باليقين كان يحتمل الرفع بخبر واحدٍ زمنه عليه السلام؛ لأنه ثابت لعدم (7) دلالة الرفع، فيرتفع بأدنى دليل، ألا ترى إِلى قصة قباء.

وذكر (8) ابن الباقلاني (9) -فيما ذكر ابن حاتم في اللامع (10) -: "أن

__________

(1) انظر: المسودة/ 203.

(2) يعني: في خبر الواحد.

(3) يعني: بخبر الواحد والقياس.

(4) انظر: التمهيد / 99 ب، 100أ.

(5) انظر: الانتصار 1/ 216أ، والمسودة/ 205.

(6) انظر: المسودة/ 205.

(7) يعني: ثبوته إِنما كان لعدم دلالة دليل على الرفع.

(8) في (ظ): وذكره.

(9) نهاية 337 من (ح).

(10) انظر: المسودة / 204.

(3/1145)

الآحاد التي قامت الحجة على ثبوتها كالمتواتر هنا، وعن أبي يوسف المنع بها" (1).

قال بعض أصحابنا (2): هذا يقتضي أن من أصله (3) أن بعض الآحاد كالمتواتر (4).

احتج المانع: بما سبق (5) في منع التخصيص به.

وأيضًا: قاطع، فلا يرفع بالظن.

رد: خبر الواحد دلالته قطعية، فيرفع دلالة ظنية (6).

فإِن قيل: فيكون مخصِّصاً.

رد: يكون نسخاً إِذا ورد بعد العمل بقرآن أو متواتر عامين.

واحتج ابن عقيل (7): بأن رد الصحابة لبعض قراءة ابن مسعود تنبيه لرد روايته في نسخه.

__________

(1) يعني: بالآحاد، وقال: لا يجوز إِلا بأخبار متواترة.

(2) انظر: المسودة/ 204.

(3) يعني: أصل الباقلاني.

(4) في (ب): كالتواتر.

(5) في ص 959.

(6) وهي البقاء.

(7) انظر: الواضح 2/ 261 ب.

(3/1146)

احتج (1) المجوز: بقصة قباء السابقة (2) في خبر الواحد.

رد: يحتمل أنه - عليه السلام - كان (3) وعدهم أو أخبرهم بنسخه إِذا جاءهم رسوله، أو أعلن الناس به، وهم بقرب مسجده.

وأيضًا: سبق (4): أنه كان يبعث الآحاد لتبليغ الأحكام.

رد: إِن كان منها ناسخ لمتواتر فمعلوم بالقرائن.

وأيضًا: (قل لا أجد في ما أوحي إِليّ مُحَرَّماً) (5) نُسِخ بنهيه عن كل ذي ناب من السباع (6).

رد: ليس فيها إِباحة الجميع (7)، وبالتخصيص، وبأن (لا أجد) للحال (8)، وتحريم مباح الأصل ليس بنسخ.

__________

(1) نهاية 116أمن (ظ).

(2) في ص 507.

(3) نهاية 165 أمن (ب).

(4) في ص 511.

(5) سورة الأنعام: آية 145.

(6) نهى الرسول عن كل ذي ناب من السباع: أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 96 من حديث أبي ثعلبة الخشني، ومسلم في صحيحه 1533 - 1534 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس، وأبو داود في سننه 4/ 151، 159 - 160 من حديث خالد بن الوليد وأبي ثعلبة وابن عباس، والترمذي في سننه 3/ 60 من حديث أبي ثعلبة، والنسائي في سننه 7/ 200 - 201، 206 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس، وابن ماجه في سننه / 1077 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس.

(7) في (ب): والجميع.

(8) في (ح): (وبأن معناها لا أجد الآن)، وكتب فوقها: وبأن (لا أجد) للحال.

(3/1147)

مسألة

يتعين الناسخ بعلم تأخره (1) -زاد بعض أصحابنا: أو ظنِّه- أو بقوله -عليه السلام-: "هذا ناسخ"، أو معناه نحو: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) (2)، أو بالإِجماع، أو بقول (3) الراوي: "كان هذا وقت كذا، وهذا وقت كذا"، وتقدُّم أحدهما معلوم.

وإن قال الصحابي: "هذه (4) الآية منسوخة" لم يُقبل حتى يخبر بماذا نُسِخت، قال القاضي (5): "أومأ إِليه أحمد، كقول الحنفية والشافعية (6) ".

وذكر ابن عقيل (7) رواية: يُقبل كقول بعضهم؛ لعلمه فلا احتمال.

__________

(1) في (ح): تأخيره.

(2) هذا جزء من حديث رواه بريدة مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/ 672، 1564، وأبو داود في سننه 3/ 558، 4/ 97 - 98، والترمذي في سننه 2/ 259 - وقال: حسن صحيح- والنسائي في سننه 4/ 89.

وقد أخرجه ابن ماجه في سننه/ 501 من حديث ابن مسعود مرفوعًا.

وأخرجه مالك في الموطأ/ 485، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 220) من حديث أبي سعيد مرفوعًا.

(3) في (ح): أو يقول.

(4) نهاية 338 من (ح).

(5) انظر: العدة/ 835 - 836.

(6) انظر: اللمع/ 36.

(7) انظر: الواضح 2/ 270أ.

(3/1148)

وقاله بعض أصحابنا (1) إِن كان هناك نص يخالفها، عملاً بالظاهر.

.....................

وإن قال: "نزلت هذه بعد هذه" قُبِل، ذكره القاضي (2) وغيره، وهو ظاهر قول من سبق، وجزم به بعض الشافعية (3).

وجزم الآمدي (4) بالمنع؛ لتضمنه (5) نسخ متواتر بآحاد.

وذكر (*) بعضهم تردداً؛ للعلم بنسخ أحدهما (6)، وخبر الواحد معين للناسخ (7).

وذكر الباجي (8) المالكي قولاً: إِنْ ذكر الناسخ لم يقع به نسخ، وإلا وقع.

.........................

وإن قال: "هذا الخبر منسوخ" فكالآية.

__________

(1) انظر: المسودة/ 230.

(2) انظر: العدة/ 832.

(3) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 2/ 193.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 181.

(5) في (ب): كتضمنه.

(*) في (ظ): وذكره.

(6) كذا في النسخ. ولعلها: إِحداهما.

(7) في (ب): الناسخ.

(8) انظر: إِحكام الفصول / 54أ.

(3/1149)

وجزم أبو الخطاب (1): يُقبل، كالرواية الثانية. (2)

......................

وإن قال: "كان كذا ونسِخ" قُبِل قوله في النسخ في قياس مذهبنا -قاله بعض أصحابنا (3) - وقاله الحنفية (4).

وقال (5) ابن برهان (6): لا يقبل عندنا. وجزم به الآمدي (7).

وقال القاضي (8): خبر الواحد إِذا أخبر به صحابي وقال: "منسوخ" قُبِل عند من يجوّز رواية الخبر بالمعنى، وإِلا فلا.

......................

ولا يثبت كون الحكم منسوخًا بقبليته في المصحف.

ولا كونه ناسخًا بحداثة الصحابي، ولا بتأخر إِسلامه -خلافاً للروضة (9) فيه (10) - ولا بموافقته للأصل، ولا بعقل وقياس.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 127 ب.

(2) نهاية 165 ب من (ب).

(3) انظر: المسودة/ 231.

(4) انظر: فواتح الرحموت 2/ 95.

(5) في (ب): وقاله.

(6) انظر: الوصول لابن برهان / 157، والمسودة/ 231.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 181.

(8) انظر: العدة/ 837.

(9) انظر: روضة الناظر/ 89.

(10) يعني: في حالة تأخر إسلامه.

(3/1150)

وإِذا لم يعلم وقف أو يتخير. ويأتي (1).

.................

مسألة

ويعتبر: تأخر الناسخ، وإلا فاستثناء أو تخصيص.

والتعارض، فلا نسخ إِن أمكن الجمع.

ومن قال: "نُسِخ صوم عاشوراء برمضان" فالمراد: [وافق] (2) نسخ عاشوراء فرض رمضان، فحصل النسخ معه لا به.

وأن (3) لا يكون أضعف من المنسوخ.

وفي التمهيد (4): اشترطه أصحابنا كنسخ قرآن بآحاد (5). كذا قال (6).

مسألة

مذهب الأئمة الأربعة وعامة الفقهاء والمتكلمين: جواز نسخ السنة بالقرآن.

__________

(1) في ص 1501 - 1502.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3) في (ظ): أن لا يكون.

(4) انظر: التمهيد/ 94أ.

(5) نهاية 339 من (ح).

(6) نهاية 117 ب من (ظ).

(3/1151)

وعن أحمد (1) والشافعي (2) وبعض الشافعية (3): المنع.

لنا: لا يلزم عنه محال لذاته، والأصل عدم مانع لغيره (4).

ووجوب التوجه إِلى بيت المقدس -وتأخيره صلاة الخوف يوم الخندق (5)، وتحريم المباشرة ليلاً في رمضان، وصوم عاشوراء- نُسِخ بالقرآن.

عورض: بجواز نسخه بسنة وافقت القرآن.

رد: خلاف الظاهر، والأصل عدمه، وبأنه يمنع تعيين ناسخ (6).

وأيضًا: القرآن أعلى.

__________

(1) انظر: المسودة/ 206.

(2) انظر: الرسالة/ 108، والإِحكام للآمدي 3/ 150.

(3) انظر: اللمع/ 35، والتبصرة/ 272.

(4) في (ح): كغيره.

(5) تأخير صلاة الخوف يوم الخندق: رواه أبو سعيد الخدري. أخرجه النسائي في سننه 2/ 17، والدارمي في سننه 1/ 296، وأحمد في مسنده 3/ 25، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 55)، وابن خزيمة في صحيحه 2/ 99، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 94).

ثم نسخ تأخيرها بالقرآن، قال تعالى: (فإِن خفتم فرجالاً أو ركبانًا) سورة البقرة: آية 239، وقال تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمتَ لهم الصلاة) الآية. سورة النساء: آية 102. وانظر: تفسير الطبري 5/ 237، 9/ 141 ط: دار المعارف.

(6) يعني: لو صح ما ذكر لما أمكن تعيين ناسخ أبداً؛ لتطرق مثل ذلك الاحتمال إِليه، وهو خلاف الإِجماع.

(3/1152)

قالوا: (لتبين للناس) (1)، (2) والنسخ رفع.

رد: معناه: "لتبلغ"، ثم: النسخ بيان، ثم: ليس (3) فيه منع النسخ (4). (5)

قالوا: مُنَفِّر عنه عليه [السلام] (6).

رد: يبطل بأصل النسخ (7)، ولا نفرة مع العلم بأنه مبلغ.

قالوا: يشترط كون الناسخ من جنس المنسوخ.

رد: بالمنع، قال في التمهيد (8): ولهذا يُنْسخ حكم العقل بالشرع، وهم لا يسمونه نسخًا، والنسخ رفع، وقد وجد.

ثم (8): ليس الكلام في الأسماء (9).

__________

(1) سورة النحل: آية 44.

(2) فالرسول عمله البيان.

(3) نهاية 166 أمن (ب).

(4) في (ب) و (ظ): للنسخ.

(5) يعني: كونه مبينًا لا ينفي كونه ناسخًا أيضاً؛ لأنه قد يكون مبينًا لما ثبت من الأحكام ناسخًا لما ارتفع منها، ولا منافاة بينهما.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(7) فلو امتنع نسخ السنة بالقرآن -لدلالته على أن ما شرعه أولاً غير مرضي- لامتنع نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة، وهو خلاف إجماع القائلين بالنسخ.

(8) انظر: التمهيد/ 100 أ.

(9) فالناسخ -هنا- من جنس المنسوخ، وإن اختلف الاسم، فالكل وحي.

(3/1153)

مسألة

يجوز -عقلاً- نسخ قرآن بخبر مواتر، قاله القاضي (1)، وقال: ظاهر كلام أحمد منعه.

واختلفت الشافعية (2)، قال ابن الباقلاني (3): منهم من منعه تبع القدرية في الأصلح.

....................

ويجوز شرعًا في رواية عن أحمد -اختارها أبو الخطاب (4) - وقاله أكثر الفقهاء والمتكلمين (5)، منهم: الحنفية (6) وأكثر المالكية (7).

ثم: قيل: وقع، واختاره ابن عقيل (8)، وذكره في المغني (9) عن أصحابنا في حد الزنا.

__________

(1) انظر: العدة/ 801، وروضة الناظر/ 84.

(2) انظر: اللمع/ 35، والإِحكام للآمدي 3/ 153.

(3) انظر: المسودة/ 204.

(4) انظر: التمهيد/ 97 ب.

(5) نهاية 340 من (ح).

(6) انظر: أصول السرخسي 2/ 67، وكشف الأسرار 3/ 167.

(7) انظر: الإِشارات/ 71، والمنتهى لابن الحاجب/ 118، وشرح تنقيح الفصول/ 313.

(8) انظر: الواضح 2/ 246 ب، 260 أ.

(9) انظر: المغني 9/ 34.

(3/1154)

وقيل: لا، واختاره أبو الخطاب (1).

ومنعه أحمد (2) في الأشهر عنه -واختاره ابن أبي موسى (3) والقاضي (4) وصاحب الروضة (5) - وقاله الشافعي (6) وأكثر أصحابه وأكثر الظاهرية (7).

وجه الأول: ما سبق: لا يلزم عنه محال.

وأيضاً: (لتبين للناس) (8).

وللقطع بأن القاطع يرفع القاطع، ولا أثر للفضل، ككلام النبي المسموع منه والمتواتر.

واستدل: بأن (لا وصية لوارث) نَسَخ الوصية للوالدين والأقربين (9)،

__________

(1) انظر: التمهيد/ 99 أ.

(2) انظر: العدة/ 788.

(3) انظر: المسودة/ 202.

(4) انظر: العدة/ 788.

(5) انظر: روضة الناظر/ 84 - 85.

(6) انظر: الرسالة/ 106، والتبصرة/ 264، والإِحكام للآمدي 3/ 153.

(7) كذا -أيضًا- حكى عنهم الآمدي في الإِحكام 3/ 153. والذي ذكره ابن حزم في الإِحكام/ 617 هو الجواز.

(8) سورة النحل: آية 44.

(9) قال الزركشي في المعتبر/ 178: في جعل هذا -يعني: النسخ بـ (لا وصية لوارث) - من نسخ القرآن بالسنة وأنه أبطل الوصية للأقربين نظر من وجهين:=

(3/1155)

ورجم المحصن نسخ الجلد (1).

أجيب: آحاد (2).

وبنسخ الوصية بآية الميراث (3)، أو بقوله بعدها: (تلك حدود الله) (4) إِلى قوله: (ومن يعص الله) الآية (5).

والجلد لم ينسخ، أو دل عدم فعله على ناسخ.

__________

=أحدهما: أنه من نسخ القرآن بالقرآن، والناسخ آية المواريث، وفي صحيح البخاري ما يدل عليه. الثاني: أن هذا ليس من باب النسخ، وغايته أنه مجمل فسرته الوصية أو عام خصص به، قال الأستاذ أبو إِسحاق الإسفراييني: لا يجوز أن يقال: "الوصية للوارث منسوخة بآية المواريث"؛ لإِمكان الجمع.

(1) قال الزركشي في المعتبر/ 78 ب- 79أ: يعني أن الجلد كان ثابتًا بالقرآن لكل زان محصن وغيره، وهو قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا)، ثم نسخ بالسنة المتواترة بحديث ماعز والغامدية وحديث (خذوا عني ...)، وفي التمثيل بهذا نظر من وجهين: أحدهما: أن ابن بطال حكى عن بعضهم أن الرجم ثابت بالقرآن، إِما بقوله: (ويدرأ عنها العذاب)، أو بما كان قرآنًا ونسخت تلاوته لحديث عمر: "الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما". ولهذا قال النبي -في قصة العسيف-: (لأقضين بينكم بكتاب الله)، وجعل على المرأة الرجم.

الثاني: سلمنا، لكن دعوى النسخ ممنوعة لإمكان الجمع، إِذ المرفوع من قوله: (الزانية والزاني) حكم المحصن، فهو تخصيص؛ لأنه رفع البعض، لا نسخ؛ لأنه لم يرفع الكل.

(2) وهو خلاف الفرض، إِذ فرض المسألة في المتواتر.

(3) سورة النساء: آية 11.

(4) سورة النساء: آية 13.

(5) سورة النساء: آية 14.

(3/1156)

قالوا: (نأتِ بخير منها أو مثلها) (1).

أجيب: لا عموم، (2) وليس فيه ما يدل أن ما يأتي هو الناسخ، ولا أنه من جنس المنسوخ، والمراد: حكم أنفع للمكلف، والجميع من الله (3).

رد الأولان: خلاف الظاهر، قال ابن عقيل (4): "والمماثلة تقتضي إِطلاقها من كل وجه"، وقاله القاضي (5) وغيره، مع قول بعضهم: قد يتفاوتان شدة كالحركتين والسوادين، قال الجوهري (6): "مثل" (*) كلمة تسوية.

قالوا (7): (قل ما يكون لي أن أبدله) (8).

أجيب: أي الوحي (9)، ثم: السنة بوحي.

وبه يجاب عن قولهم: "القرآن أصل (10) "، ثم: المنسوخ ليس أصلاً.

__________

(1) سورة البقرة: آية 106.

(2) نهاية 166 ب من (ب).

(3) هذا جواب اعتراض مقدر، وهو: أنه قال: (نأت)، والضمير لله.

(4) انظر: الواضح 2/ 247 أ.

(5) انظر: العدة/ 790، 791.

(6) انظر: الصحاح/ 1816.

(*) نهاية 117 أمن (ظ).

(7) في (ظ): قال.

(8) سورة يونس: آية 15.

(9) يعني: لفظه، بأن يضع ما لم ينزل مكان ما نزل.

(10) يعني: فالسنة أصل أيضًا.

(3/1157)

قالوا: القرآن أقوى؛ لإِعجازه ويثاب بعد حفظه على تلاوته، بخلاف السنة -قالوا القاضي (1): بلا خلاف- فلا مماثلة، وكذا ذكر ابن عقيل (2) وغيره: "يثاب على تلاوته دونها"، واقتصر بعضهم على أنها دونه.

رد: الخلاف في الحكم، جزم به في الروضة (3) والآمدي (4) وغيرهما، وقاله في التمهيد (5)؛ لأن اللفظ لا يمكن رفعه إِلا أن يشاء الله، قالوا: ويحتمل أن يجوز بأن يقول - عليه السلام -: "لا تقرؤوا هذه الآية"، وجزم القاضي (6) بهذا وأن الخلاف في الجميع، ومعناه لابن عقيل (7).

وفي التمهيد (8): بعض آية لا إِعجاز فيها، ويجوز نسخ آية فيها إِعجاز بآية لا إِعجاز فيها (9)، ومن سلم اعتبار (10) المماثلة (11)؟

قالوا: عن جابر مرفوعًا: (كلامي لا ينسخ كلام الله، وكلام الله ينسخ

__________

(1) انظر: العدة/ 795.

(2) انظر: الواضح 2/ 247 ب، 261 ب.

(3) انظر: روضة الناظر/ 85.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 159.

(5) انظر: التمهيد/ 99 أ.

(6) انظر: العدة/ 794.

(7) انظر: الواضح 2/ 248أ، 258 ب.

(8) انظر: التمهيد/ 98أ، ب.

(9) نهاية 341 من (ح).

(10) في (ب) و (ظ): اعتبر.

(11) هذا جواب سؤال مقدر، وهو: الآيات متماثلة، والقرآن والسنة غير متماثلين.

(3/1158)

كلامي، وكلام الله ينسخ بعضه بعضًا). رواه الدارقطني (1).

رد: موضوع (2)، فيه جبرون (3) بن واقد.

مسألة

أصحابنا والجمهور: أن الإِجماع لا ينسخ؛ لأنه إِن نُسِخ بنص أو إِجماع قاطعين فالأول خطأ، وهو باطل، وإلا (4) (5) فالقاطع مقدم.

قالوا: لو أجمعوا على قولين فهي اجتهادية إِجماعًا، فلو اتفقوا [على] (6) أحدهما كان نسخًا لحكم الإِجماع.

رد: بمنع انعقاد إِجماع ثان.

ثم: شرط الإِجماع الأول عدم إِجماع ثان، فانتفى لانتفاء (7) شرطه.

__________

(1) انظر: سنن الدارقطني 4/ 145.

(2) انظر: ميزان الاعتدال 1/ 388، والتعليق المغني على الدارقطني 4/ 145.

(3) الإفريقي، روى عن سفيان بن عيينة، وعنه محمَّد بن داود القنطري، قالوا الذهبي: متهم. وفي "المغني في الضعفاء": ليس بثقة.

انظر: ميزان الاعتدال 1/ 387، والمغني في الضعفاء 1/ 127.

(4) يعني: وإن لم يكن الناسخ نصًا أو إِجماعًا قاطعين.

(5) نهاية 167أمن (ب).

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) في (ظ): بانتفاء.

(3/1159)

مسألة

أصحابنا والجمهور: أن الإِجماع لا يُنسخ به؛ لأنه إِن كان عن نص فهو الناسخ، وإن كان عن قياس فالمنسوخ إِن كان قطعيًا فالإِجماع خطأ -لانعقاده بخلافه- وإن كان ظنيًا زال شرط العمل به، وهو رجحانه على معارضه الذي هو سند الإِجماع، وإلا يكون الإِجماع خطأ (1)، ومع زواله لا (2) ثبوت له، فلا نسخ.

قالوا: ما سبق (3) في أقل الجمع من قول ابن عباس لعثمان وردّه عليه.

أجيب: حجب الأم عن الثلث إِنما يكون نسخًا لو ثبت المفهوم (4)، وأن الأخوين ليسا بإِخوة قطعًا، فيجب (5) تقدير نص دل على حجبها عن الثلث، وإلا كان الإِجماع خطأ (6)، فالنص الناسخ (7).

مسألة

أصحابنا والجمهور: أن القياس لا يُنسخ به.

وجوزه ابن سريج (8)، وحكاه ابن برهان (8) عن أصحابه.

__________

(1) إِذ كيف يجمع على قياس مع رجحان غيره عليه؟.

(2) في (ب): ولا.

(3) في ص 781.

(4) يعني: بأن تفيد الآية عدم حجب ما ليس بإِخوة قطعًا.

(5) يعني: لو سلم وجب تقدير نص ... إِلخ.

(6) لمخالفته للقاطع.

(7) في (ب): ناسخ.

(8) انظر: المسودة/ 225.

(3/1160)

وجوزه أبو (1) القاسم الأنماطي (2) (3) الشافعي بقياس جلي، ومعناه اختيار الباجي (4) المالكي والآمدي (5).

وعن طائفة: ما جاز التخصيص به جاز النسخ.

ونقض: بالعقل (6) والحس.

وجه الأول: أن المنسوخ: إِن كان قطعيًا لم ينسخ بمظنون، وإن كان ظنيًا فالعمل به مقيد برجحانه على معارضه، وتبين بالقياس زوال شرط العمل به -وهو رجحانه- فلا ثبوت له، فلا نسخ.

.......................

وأما القياس فلا يُنسخ- ذكره القاضي (7)، وذكره الآمدي (8) عن

__________

(1) انظر: التبصرة/ 274.

(2) هو: عثمان بن سعيد بن بشار، صاحب المزني والربيع، أصولي فقيه، اشتهرت به كتب الشافعي ببغداد، وعليه تفقه ابن سريج. توفي سنة 288 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 11/ 292، والعبر 2/ 81، ووفيات الأعيان 2/ 406، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 301، ومرآة الجنان 2/ 215.

(3) نهاية 342 من (ح).

(4) انظر: إِحكام الفصول/ 54 ب. وقال في الإِشارات/ 75: فأما القياس فلا يصح النسخ به جملة.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 164.

(6) نهاية 117 ب من (ظ).

(7) انظر: العدة/ 827.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 163.

(3/1161)

أصحابنا- لبقائه (1) ببقاء أصله.

وعن بعض المعتزلة (2): الجواز والمنع.

واختار أبو الخطاب (3): لا نسخ إِلا إِن ثبت القياس في وقته -عليه السلام- بنصه على العلة أو تنبيهه، فيجوز نسخه بنصه، كـ "حرمتُ التفاضل (4) في البُرِّ؛ لأنه مطعوم"، ثم يقول: "بيعوا الأرز بالأرز متفاضلاً".

وقاله ابن عقيل (5) -وأن قومًا قال: يكون تخصيصًا للعلة بالطعم في البُرِّ- وابن برهان (6) وأبو الحسين (7)، وقال: "ويجوز نسخه بقياس أمارته أقوى من أمارة الأول"، وقاله الآمدي (8)، قال: إِلا أن من ذهب إِليه (9) بعد النبي عليه السلام -ثم بان ناسخه- نتبين أنه كان منسوخًا (10)، قال: وسواء

__________

(1) نهاية 167 ب من (ب).

(2) انظر: المعتمد/ 434، والإِحكام للآمدي 3/ 163.

(3) انظر: التمهيد/ 100 ب.

(4) في (ب) و (ظ): الفضل.

(5) انظر: المسودة/ 215 وقال: قاله ابن عقيل في أواخر كتابه.

(6) انظر: الوصول لابن برهان/ 56 أ- ب.

(7) انظر: المعتمد/ 434.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 163 - 164.

(9) يعني: إِلى القياس.

(10) لا أن النسخ تجدد، وفرق ما بين الأمرين.

(3/1162)

قلنا: " [إِن] (1) كل مجتهد مصيب" أوْ لا. وكذا لم يفرق أصحابنا.

وقال أبو الحسين (2): من لم يقل به (3) لا يقول بتعبده بالقياس الأول، فرفْعه لا يُعلم (4).

وفي الروضة (5): ما ثبت بالقياس: إِن نُصّ على علته فكالنص -يُنسخ ويُنسخ به- وإلا فلا.

مسألة

ما حكم به الشارع مطلقًا أو في أعيان لا يجوز تعليله بعلة مختصة بذلك الوقت عندنا وعند الشافعية.

وجوزه الحنفية والمالكية؛ ذكروه في مسألة التخليل (6)، وذكره المالكية في حكمه (7) بتضعيف الغرم على سارق الثمر

__________

(1) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(2) انظر: المعتمد/ 435، والإِحكام للآمدي 3/ 163.

(3) يعني: بأن كل مجتهد مصيب.

(4) يعني: لا يكون رفعه متحققًا.

(5) انظر: روضة الناظر/ 87.

(6) يعني: تخليل الخمر. فقد قالوا: إِن النهي الوارد عن تخليلها إِنما كان في ابتداء التحريم منعاً لهم من أن يحوموا حول الخمور. فانظر: العناية على الهداية 8/ 167، وبداية المجتهد 1/ 492.

(7) في (ب) و (ظ): حكم.

(3/1163)

المعلق (1) ومانع الزكاة (2) (3)

__________

(1) ورد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه 4/ 550 - 551، والنسائي في سننه 8/ 85 - 86، وابن ماجه في سننه/ 865 - 866، وابن الجارود في المنتقى/ 281، والدارقطني في سننه 3/ 195، والبيهقي في سننه 8/ 278، وأحمد في مسنده 2/ 180، والحاكم في مستدركه 4/ 381 وقال: هذه سنة تفرد بها عمرو بن شعيب بن محمَّد عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، إِذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر. ووافقه الذهبي في التلخيص.

(2) نهاية 343 من ح.

(3) أخرج البخاري في صحيحه 2/ 122 عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل وعباس بن عبد الطلب. فقال النبي: (... وأما العباس فعَمُّ رسول الله، فهي عليه صدقة ومثلها معها). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 676 - 677 بلفظ: (فهي علي ومثلها معها).

قال ابن حجر في فتح الباري 3/ 333: فعلى الرواية الأولى (فهي عليه صدقة ومثلها معها) يكون - عليه السلام - ألزمه بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فالمعنى: فهي صدقة ثابتة عليه سيصّدّق بها ويضيف إِليها مثلها كرماً. ودلت رواية مسلم على أنه - عليه السلام - التزم بإِخراج ذلك عنه، لقوله: (فهي علي)، وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله: (إِن العم صنو الأب). ثم قال ابن حجر في الفتح 3/ 334: وأبعد الأقوال كلها قول من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس -بامتناعه من أداء الزكاة- بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه، لعظم قدره وجلالته، كما في قوله تعالى -في نساء النبي-: (يضاعف لها العذاب ضعفين) الآية. سورة الأحزاب: آية 30.

وقد ذكر ابن قدامة في المغني 2/ 428: أن إِسحاق بن راهويه وأبا بكر عبد العزيز قالا -فيمن منع الزكاة-: يأخذها الإمام وشطر ماله؛ لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن=

(3/1164)

وتحريق متاع (1) الغال (2).

وهو شبهة من يقول: انقطع حكم المؤلَّفة.

لنا: لا يجوز رفع حكم شرعي بغير دليل شرعي.

__________

=جده -معاوية بن حيدة- عن النبي أنه قال: (... ومن أباها -أي: الزكاة- فإِني آخذها وشطر ماله). أخرجه أبو داود في سننه 2/ 333، وأحمد في مسنده 5/ 2، 4، والبيهقي في سننه 4/ 105، وابن الجارود في المنتقى/ 125، والحاكم في مستدركه 1/ 398 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود 2/ 194: وبهز بن حكيم وثقه بعضهم وتكلم فيه بعضهم. فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 353.

وقال ابن قدامة في المغني 2/ 428: واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر، فقيل: كان في بدء الإِسلام حيث كانت العقوبات في المال، ثم نسخ ... وراجع: معالم السنن 2/ 233 - 234.

(1) انظر: تفسير القرطبي 2/ 259 - 260.

(2) أخرج أبو داود في سننه 3/ 157 عن عمر عن النبي قال: (إِذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه). وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 11 - وقال: غريب لا نعرفه إِلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا "يعني البخاري" فقال: إِنما روى هذا صالح بن محمَّد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث - والدارمي في سننه 2/ 149، وأحمد في مسنده 1/ 22، والبيهقي في سننه 9/ 102 - 103 وضعفه، والحاكم في مستدركه 2/ 127 - 128 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرج أبو داود في سننه 3/ 158، والبيهقي في سننه 9/ 102 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه. وروي عنه مرسلاً.

(3/1165)

ثم: قيل: قد تزول العلة ويبقى الحكم، كالرَّمَل والاضطباع.

وقيل: النطق حكم مطلق، وإن كان سببه خاصًا.

وتمسّك الصحابة بنهيه (1) عن الادخار في العام القابل (2). قال (3) بعض أصحابنا (4): وهل يجوز تعليل حكم مطلق بعلة قد زالت، لكن إِذا عادت يعود (5)؟ فيه نظر، وعكسه: تعليل الناسخ بعلة مختصة بذلك الزمان بحيث إِذا زالت العلة زال النسخ، لكن وقوعه في خطاب عام فيه نظر.

__________

(1) أخرج مسلم في صحيحه/ 1560 عن ابن عمر عن النبي قال: (لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام). وأخرجه البخاري -بنحوه- في صحيحه 7/ 104.

(2) أخرج البخاري في صحيحه 7/ 103، ومسلم في صحيحه/ 1563 عن سلمة بن الأكوع: ... فلما كان في العام المقبل قال: يا رسول الله أنفعل كما فعلنا عام أول؟ فقال: (لا؛ إِن ذاك عام كان الناس فيه بجهد فأردت أن يفشو فيهم).

وأخرج مسلم في صحيحه/ 1561 عن عائشة قالت: قال رسول الله: (ادخروا ثلاثاً، ثم تصدقوا بما بقي)، فلما كان بعد ذلك قال: يا رسول الله، إِن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك، فقال رسول الله: (وما ذاك؟) قال: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال: (إِنما نهيتكم من أجل الدافة).

(3) نهاية 168أمن (ب).

(4) انظر: المسودة: 228.

(5) في (ب): تعود.

(3/1166)

مسألة

الفحوى يُنسخ وينسخ به، ذكره الآمدي (1) اتفاقاً.

وفي التمهيد (2): المنع عن بعض الشافعية. وذكره في العدة (3) عن الشافعية -قال: فيما حكاه الإِسفراييني- واختاره بعض أصحابنا.

لنا: أنه كالنص.

وإن قيل: "قياس" فقطعي، ولهذا (4) قال الشافعي (5): "لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه، وينتقض به حكم الحاكم": وكذا قال أبو الخطاب (6): لا يحسن المنع منه -وإن نُهي عن القياس الشرعي- لمناقضته (7) (8) التعليل، وِإن لم يكن مناقضًا في اللفظ.

وقال بعض أصحابنا (9): هذا يقتضي أنه مع تسميته قياسًا وانه (10)

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدى 3/ 165.

(2) انظر: التمهيد/ 101أ.

(3) انظر: العدة/ 828.

(4) نهاية 118 أمن (ظ).

(5) حكاه عنه ابن برهان وأبو الطيب. انظر: المسودة/ 346 - 347.

(6) انظر: التمهيد/ 160 ب.

(7) في (ب): لمناقضة.

(8) يعني: لمناقضة المنع.

(9) انظر: المسودة/ 387.

(10) في المسودة: فإِنه.

(3/1167)

مستفاد من دلالة اللفظ، حتى مع النهي عن القياس، فصارت المذاهب ثلاثة. كذا قال.

مسألة

يجوز نسخ أصل الفحوى -كالتأفيف- دونه، كالضرب، ذكره أبو محمَّد (1) البغدادي من أصحابنا، وعليه أكثر كلام ابن عقيل (1)، وقاله القاضي (2)، وحكي عن الحنفية (3) وغيرهم.

وفي الروضة (4): المنع، وذكره الآمدي (5) قول الأكثر.

ويجوز نسخ الفحوى دون أصله في ظاهر كلام أصحابنا (6).

وجزم بعض أصحابنا بالمنع، وحكي عن الحنفية (7) وغيرهم.

واختلف كلام عبد الجبار (8) المعتزلي، ومنعه أبو الحسين (8) منهم، وهو أظهر.

__________

(1) انظر: المسودة/ 221.

(2) انظر: العدة/ 197 أ- ب، والمسودة/ 221.

(3) انظر: تيسير التحرير 3/ 214، وفواتح الرحموت 2/ 87، والمسودة/ 221.

(4) انظر: روضة الناظر/ 88.

(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 165.

(6) نهاية 344 من (ح).

(7) انظر: تيسير التحرير 3/ 214، وفواتح الرحموت 2/ 87.

(8) انظر: المعتمد/ 437.

(3/1168)

ومنع بعضهم هنا (1)؛ لأن تحريم التأفيف يستلزم تحريم الضرب؛ لأنه (2) معلوم منه، وجوازه (3) لا يستلزم جوازه (4)؛ لأنه (4) أكثر أذى.

قالوا: دلالتان، فجاز رفع كل منهما (5).

رد: بمنعه (6) مع الاستلزام، لامتناع بقاء ملزوم (7) بدون لازمه (8).

قالوا: الفحوى تابع لأصله، فيرتفع به.

رد: تابع (9) لدلالة المنطوق على حكمه، لا لحكمه، ودلالته باقية.

__________

(1) يعني: وأجاز هناك.

(2) نهاية 168 ب من (ب).

(3) يعني: التأفيف.

(4) يعني: الضرب.

(5) يعني: إِفادة اللفظ للأصل والفحوى دلالتان متغايرتان، فجاز رفع كل منهما بدون الأخرى ضرورة.

(6) يعني: منع دلالة التغاير على رفع كل واحد منهما دون الآخر مع الاستلزام.

(7) كتحريم التأفيف.

(8) كتحريم الضرب.

(9) يعني: دلالة اللفظ على الفحوى متابعة لدلالته على الأصل، وليس حكمها تابعًا لحكمه، فإِن فَهْمنا لتحريم الضرب حصل من فهمنا لتحريم التأفيف لا أن الضرب إِنما كان حراماً لأن التأفيف حرام ولولا حرمة التأفيف لما كان الضرب حراماً، والذي يرتفع هو حكم تحريم التأفيف، لا دلالة اللفظ عليه، فإِنها باقية، فالمتبوع لم يرتفع، والمرتفع ليس بمتبوع.

(3/1169)

مسألة

إِن ثبت حكم المفهوم جاز نسخه، وإلا فلا نسخ.

قال في التمهيد (1): يجوز نسخه مع بقاء اللفظ؛ لأنه لا ينقض الغرض به، كقول الصحابة في: (الماء من الماء).

وسبق (2) في المفهوم: هل يبطل ببطلان أصله؟

مسألة

إِذا نسخ حكم أصل القياس تبعه حكم الفرع عند أصحابنا والشافعية (3)، خلافًا للحنفية (4) -أو لبعضهم-[وبعض (5) الشافعية] (6).

وقال القاضي (7) -في إِثبات القياس عقلاً-: لا يمتنع عندنا بقاء حكم الفرع مع نسخ حكم الأصل.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 101 أ.

(2) في ص 1087.

(3) انظر: التبصرة/ 275.

(4) اختار في تيسير التحرير 3/ 215: أنه لا يبقى حكم الفرع. وفي مسلم الثبوت: (ونسب -يعني: بقاء حكم الفرع عند نسخ حكم الأصل- إِلى الحنفية). قال في فواتح الرحموت: أشار إِلى أن هذه النسبة لم تثبت. انظر: فواتح الرحموت 2/ 86.

(5) انظر: التبصرة/ 275.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) انظر: العدة / 197أ- ب.

(3/1170)

وفي التمهيد (1): "يحتمل أن يثبت النسخ في الفرع"، ثم منعه.

وَمَثّله أصحابنا -وذكره ابن عقيل (*) عن المخالف- ببقاء حكم النبيذ المطبوخ في الوضوء بعد نسخ النَّيء (2)، وصوم رمضان بنية من النهار بعد نسخ عاشوراء (3) عندهم.

وقال بعض (4) أصحابنا (5): المنسوخ عندهم تجويز شربه، فتتبعه الطهورية، فإِنها نفس المسألة، وقال (6): جاز الوضوء بهما، ثم حرم الأصل، فالمعنى الناسخ اختص به (7).

__________

(1) انظر: التمهيد/ 152أ، والمسودد/ 220. وفي التمهيد/ 101 أ: مسألة: إِذا ثبت الحكم في عين من الأعيان بعلة نص عليها، وقيس عليه غيره، ثم نسخ ذلك الحكم في تلك العين: بطل الحكم في فروعه.

(*) انظر: الواضح 2/ 254 ب- 255أ.

(2) بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا) سورة المائدة: آية 6. انظر: العدة/ 821، وبدائع الصنائع / 114 وما بعدها.

(3) فالرسول أجاز صوم عاشوراء بنية من النهار، أخرج البخاري في صحيحه 3/ 44، ومسلم في صحيحه/ 798 عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النبي رجلاً من أسلم أن أذن في الناس: (أن من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء).

(4) انظر: المسودة/ 213.

(5) قال: الأولى صحيحة، وفيها نظر أيضًا؛ فإِن المنسوخ عندهم ... إِلخ.

(6) انظر: المسودة/ 218.

(7) يعني: بالأصل.

(3/1171)

قال (1): والصحيح في الثانية أن ذلك لا يوجب نسخ ذلك الحكم، والمنسوخ وجوب صوم عاشوراء، فسقط إِجزاؤه (2) [بنية] (3) من النهار لعدم المحل، فأما إِجزاء الواجب بنية من النهار فلم يتعرض لنسخه.

وقال (4) -أيضًا-: التحقيق أن هذا من باب نسخ الأصل نفسه -الذي هو حكم- هل هو نسخ لصفاته؟.

قال (5): ويشبه نسخ نفس (6) الأصل قرعة يونس، فإِنها لا تجوز في شرعنا؛ لأن المذنب لو عرفناه لم نُلْقِه، فهل نسخ القرعة (7) في هذا الأصل نسخ لجنس القرعة؟ قد احتج أصحابنا (8) بها (9) على القرعة، وقرعة زكريا -كانوا أجانب، وكان لهم في شرعهم ولاية حضانة المحررة (10) - فارتفاع الحكم في غير

__________

(1) انظر: المسودة/ 213.

(2) نهاية 118 ب من (ظ).

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4) انظر: المسودة/ 218.

(5) انظر: المرجع السابق/ 213 - 214.

(6) في المسودة: بعض.

(7) نهاية 169 أمن (ب).

(8) نهاية 345 من (ح).

(9) أي: بالآية التي فيها القرعة، وهي آية 141 من سورة الصافات.

(10) في تفسير القرطبي 4/ 66: (محرراً) أي: عتيقًا خالصاً لله خادماً للكنيسة حبيساً عليها مفرغاً لعبادة الله، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم، وكان على أولادهم أن يطيعوهم، والأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة.

(3/1172)

الأصل لارتفاع الأصل لا يكون رفعاً له في مثل ذلك الأصل إِذا وجد.

قال: (1) ومثله نهيه لمعاذ عن الجمع بين الائتمام وإمامة قومه (2) -إِذا كان للتطويل عليهم-: هل هو نسخ لما دل الجمع عليه من ائتمام مفترض بمتنفل (3)؟.

وذكر في التمهيد (4) -في آخر مسألة القياس- ما سبق (5) عن الأصحاب احتمالاً، ثم سلم.

__________

(1) انظر: المسودة/ 214.

(2) أخرجه أحمد في مسنده 5/ 74 عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني سلمة -يقال له سليم-: أنه قال للرسول: إِن معاذًا يطول علينا في الصلاة. فقال - عليه السلام - لمعاذ: (إِما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك). وكذا أخرجه ابن حزم في المحلى 4/ 325. قال ابن حجر في فتح الباري 2/ 194: وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 409 عن معاذ بن رفاعة أن رجلاً من بني سلمة، فذكره مرسلاً. وكذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. انظر: مجمع الزوائد 2/ 72. قال الطحاوي: قال: (إِما أن تصلي معي) أي: ولا تصل بقومك، (وإما أن تخفف على قومك) أي: ولا تصل معي. قال ابن حجر في فتح الباري 2/ 197: فيه نظر؛ لأن لمخالفه أن يقول: "بل التقدير: إِما أن تصلي معي فقط إِذا لم تخفف، وإما أن تخفف على قومك فتصلي معي" وهو أولى من تقديره؛ لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف؛ لأنه هو المسؤول عنه المتنازع فيه.

(3) في (ح): لمتنفل.

(4) انظر: التمهيد/ 152أ.

(5) في ص 1170. وفي (ب): ما سيق.

(3/1173)

وضعّف -أيضًا- في الانتصار منع أصحابنا من نسخ عاشوراء وبقاء حكمه (1) في رمضان: بأنه إِذا ثبت جواز النية نهاراً في صوم واجب لا يزول بنقل الواجب من محل إِلى محل وزمن إِلى زمن.

وفرق ابن عقيل وغيره: بأن رمضَان وجد سبب إِيجابه قبل شروعه فيه، فالنية فيه كحكم وضعها في كل واجب.

وإن قلنا بقول أصحابنا ومحققي الشافعية (2): "إِن عاشوراء كان نفلاً" فواضح. (3)

واختار بعض أصحابنا (4): إِن نص على العلة لم يتبعه الفرع، إِلا أن يعلّل في نسخه بعلة، فيتبعها النسخ.

وجه الأول: خروج العلة عن اعتبارها، فلا فرع، وإلا وجد المعلول بلا علة.

فإِن قيل: أمارة، فلم يحتج إِليها دوامًا.

__________

(1) في (ب): حكم.

(2) انظر: المجموع 6/ 443.

(3) جاء -بعد هذا- في (ب): (وبعض الشافعية، ومثله أصحابنا -وذكره ابن عقيل عن المخالف- ببقاء حكم النبيذ المطبوخ في الوضوء بعد نسخ النبي، وصوم رمضان بنية من النهار بعد نسخ عاشوراء). وهو -ماعدا قوله: وبعض الشافعية- تكرار لما سبق في ص 1171. وقد ضرب عليه أحد قراء النسخة.

(4) انظر: المسودة/ 220.

(3/1174)

رد: باعثة.

قالوا: الفرع تابع للدلالة لا للحكم، كما سبق (1) في (2) الفحوى.

رد: زال الحكم بزوال حكمته (3).

وفي التمهيد (4) -أيضًا- لا يسمى نسخًا كزوال حكم بزوال علته.

ومعناه في العدة (5).

مسألة

لا حكم للناسخ مع جبريل اتفاقاً.

فإِذا بلَّغه النبي - عليه السلام - لم يثبت [حكمه] (6) في حق من لم يبلغه في ظاهر كلام أحمد (7) -لأنه أخذ بقصة أهل قباء، والقبلة وإن جاز تركها لعذر لكن يعيد (8) عند الخصم- وقاله أصحابنا والحنفية (9) وأكثر

__________

(1) في ص 1169.

(2) نهاية 169 ب من (ب).

(3) فيزول الحكم مطلقًا لانتفاء حكمته.

(4) انظر: التمهيد/ 101أ.

(5) انظر: العدة/ 823.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) انظر: العدة/ 823.

(8) في (ح): بعيد.

(9) انظر: تيسير التحرير 3/ 216، وفواتح الرحموت 2/ 89.

(3/1175)

العلماء.

وللشافعية (1) وجهان.

واختار أبو الطيب (2) وابن برهان (3) ثبوته.

وخرّجه أبو الخطاب (4) من عزل الوكيل قبل العلم في إِحدى الروايتين.

وليس بتخريج دوري كما قالوا بعضهم (5).

وفرق الأصحاب (6): بأن أمر الشارع يتعلق به ثواب وعقاب، فاعتبر العلم، وحق الآدمي يتعلق به الضمان.

وقال أبو الخطاب (7): للخصم (8) أن يقول: إِذن الموكل يتعلق به صحة التصرف وفساده (9)، فلا فرق.

__________

(1) انظر: التبصرة/ 282، والمستصفى 1/ 120، والإِحكام للآمدي 3/ 168.

(2) انظر: المسودة/ 223.

(3) انظر: الوصول لابن برهان/ 57 ب، والمسودة/ 223.

(4) انظر: التمهيد/ 101 ب- 102أ، والمسودة/ 223.

(5) قالوا بعضهم: إِنه تخريج دوري؛ لأن هذه المسألة أصولية، ومسألة الوكيل فرعية، فهي فرع على مسألة النسخ؛ لأن الأصل تخريج الفروع على الأصول، فلو خرجنا هذا الأصل المذكور في النسخ على ما في الوكالة لزم الدور.

(6) انظر: العدة/ 825.

(7) انظر: التمهيد/ 102 أ.

(8) نهاية 119 أمن (8).

(9) وذلك يعتبر فيه علم الوكيل.

(3/1176)

قال: (1): وقال (2) شيخنا (3): حكم الخطاب يلزم المعدوم ولم (4) يوجد.

كذا قال.

وقال بعض أصحابنا (5): كلام القاضي يقتضي أن هذا [لا] (6) يختص بمسألة النسخ، ويشمل الحكم المبتدأ.

وجه الأول: لو ثبت لزم وجوب شيء وتحريمه في وقت واحد؛ لأنه لو نُسخ واجب بمحرم أثم بترك الواجب اتفاقًا، وأيضًا: يأثم بعمله بالثاني اتفاقًا.

قالوا: إسقاط حق لا يعتبر فيه رضا من يسقط عنه، فكذا علمه، كطلاق وإبراء.

رد: إِنما هو تكليف تضمن رفع حكم خطاب.

ثم: يلزم قبل تبليغ جبريل.

قالوا: كما يثبت حكم إِباحة الآدمي (7) قبل العلم -فيمن حلف: "لا

__________

(1) انظر: التمهيد/ 101 ب.

(2) نهاية 346 من (ح).

(3) يعني: القاضي أبا يعلى. انظر: العدة/ 386.

(4) في التمهيد: ومن لم يوجد.

(5) انظر: المسودة/ 223.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) لآدمي آخر.

(3/1177)

خرجت إِلا بإِذنه (1) "- وإباحة ماله (2).

رد: بالمنع.

قالوا: رفع الحكم بالناسخ.

رد (3): بشرط العلم.

قالوا: الناسخ حكم، فلم يتوقف ثبوته على عِلْم المكلف كبقية الأحكام.

رد: إِن أريد بثبوته تعلقه بالمكلف تَوَقَّفَ؛ لاعتبار التمكّن من الامتثال.

مسألة

زيادة عبادة مستقلة ليست نسخًا عند العلماء.

وعن بعض العراقيين (4): صلاة سادسة نسخ: [لتغير الوسط] (5).

رد: بزيادة عبادة (6).

* * *

__________

(1) ثم خرج قبل علمه بإِذنه لم يحنث.

(2) كما لو قال: "أبحت ثمرة بستاني لكل من دخله"، فإِنه يباح لكل داخل وإن لم يعلم ذلك.

(3) نهاية 170أمن (ب).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 170، وكشف الأسرار 3/ 191.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(6) لإِخراج الأخيرة عن كونها أخيرة.

(3/1178)

وزيادة غيرها ليست نسخاً عند أصحابنا والمالكية (1) والشافعية (2) والجبائية (3).

وعند الحنفية (4): "نسخ"، مع اعتبارهم الفقر في ذوي القربى قياسًا (5).

وقيل: إِن رفعت الزيادة مفهوم المخالفة فنسخٌ.

وقيل: إِن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل -كالتغريب (6) على

__________

(1) انظر: المنتهى لابت الحاجب/ 120، وشرح تنقيح الفصول/ 317 ومفتاح الوصول / 77.

(2) انظر: اللمع/ 37، والتبصرة / 276، والمستصفى 1/ 117، والمحصول 1/ 3/ 540، والإِحكام للآمدي 3/ 170.

(3) انظر: المعتمد / 437.

(4) انظر: أصول السرخسي 2/ 82، وكشف الأسرار 3/ 191، وتيسير التحرير 3/ 218، وفواتح الرحموت 2/ 91.

(5) انظر: ص 1051 من هذا الكتاب، والهداية 2/ 148.

(6) التغريب ورد في أحاديث، منها: حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا، وفيه: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة). وقد تقدم تخريجه في هامش ص 1137.

ومنها حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف، وفيه قول الرسول: (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام). أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 167 - 168، ومسلم في صحيحه / 1324 - 1325.

(3/1179)

الحد، وزيادة عدد الجلد- فنسخ (1)، وإلا فلا (2).

وقيل: إِن غيّرتْه حتى صار وجوده (3) كعدمه شرعًا -كركعة على ركعتي الفجر- فنسخ، وإلا فلا.

وقيل: إِن غيرته حتى ارتفع التعدد بينهما -كركعة على ركعتي الفجر- فنسخ، وإلا فلا (4).

واختار أبو الحسين (5) والآمدي (6) وغيرهما: إِن رفعت الزيادة حكماً شرعيًا بعد ثبوته بدليل شرعي فنسخ، وإلا فلا، ومعناه لبعض أصحابنا (7)، وكلام الباقين نحوه.

* * *

فقوله (8): "في السائمة زكاة" ثم قوله: "في المعلوفة زكاة" نسخ

__________

(1) لتغيره من الكل إِلى البعض.

(2) كزيادة وجوب ستر الركبة بعد وجوب ستر الفخذ، فإِنها لا تكون نسخًا لوجوب ستر كل الفخذ؛ لأن ستر الفخذ لا يتصور بدون ستر بعض الركبة، فلا تكون الزيادة مغيرة للحكم الأول في المستقبل، بل تكون مقررة له.

(3) يعني: دونها.

(4) كزيادة عشرين جلدة على حدِّ القذف.

(5) انظر: المعتمد/ 442 - 443.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 171.

(7) انظر: المسودة/ 208.

(8) بدأ المؤلف في ذكر بعض الأمثلة التطبيقية على المسألة.

(3/1180)

للمفهوم إِن علم أنه (1) مراد، وإِلا فلا.

ومثله (2): "اجلدوا مائة" (3).

قال في العدة (4) والروضة (5): استقراره (6) بتأخير البيان (7) نسخ.

وفي التمهيد (8) والواضح (9): نسخٌ لمنع الزيادة (10)، والمفهوم ينسخ بخبر الواحد والقياس.

وفي العدة (11) (12): ربما قال قائل: "تخصيص؛ لرفعه (13) بقياس وخبر واحد"، قال: والصحيح نسخٌ كالخطاب.

__________

(1) يعني: المفهوم.

(2) نهاية 347 من (ح).

(3) في حدّ الزنا.

(4) انظر: العدة/ 820.

(5) انظر: روضة الناظر/ 80، 81.

(6) يعني: دليل الخطاب.

(7) بما يرد بعده مما يوجب تركه.

(8) انظر: التمهيد/ 102 ب-103أ.

(9) انظر: الواضح 2/ 253أ، 254 أ.

(10) المفهوم من التقييد بالعدد.

(11) انظر: العدة/ 820.

(12) نهاية 170 ب من (ب).

(13) يعني: دليل الخطاب.

(3/1181)

وقال بعض أصحابنا (1): تراخي البيان لا يوجب أنه (2) مراد في ظاهر المذهب لجوازه (3)، وإلا (4) وجب (5).

........................

ولو زيد ركعة في الفجر فليس بنسخ (6) عند أصحابنا وأبي الحسين (7) وغيرهم؛ لعدم رفع حكم شرعي، بل ضم إِليه حكم.

وعند الآمدي (8): نسخ، لرفع وجوب التشهد عقب الركعتين.

رد: التشهد آخر الصلاة للخروج منها، فلا نسخ.

ثم: يلزم زيادة التغريب على الحد.

وقيل (9): نسخ لتحريم الزيادة.

رد: لم تحرم بالأمر بالركعتين، بل لدليل.

__________

(1) انظر: المسودة/ 210، 212.

(2) يعني: دليل الخطاب.

(3) يعني: تأخير البيان.

(4) يعني: وإن لم نجوز تأخير البيان.

(5) أن يكون مراداً.

(6) نهاية 119 ب من (ظ).

(7) انظر: المعتمد/ 445 - 446.

(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 172 - 173.

(9) يعني: زيادة الركعة نسخ لتحريم الزيادة.

(3/1182)

وقيل: نسخ؛ لرفع الصحة والإِجزاء.

رد: لم يثبتا (1) بالخطاب، بل بالاستصحاب (2)، زاد بعض أصحابنا (3): والمفهوم.

وأجاب في الروضة (4): بأن النسخ رفع جميع موجب الخطاب لا رفع بعضه، وبأنه إِنما يكون نسخًا إِذا استقر (5) وثبت، ومن المحتمل أن دليل الزيادة كان مقارنًا (6). كذا قال.

...................

وزيادة التغريب على الجلد ليست نسخًا -واختاره الآمدي (7) - لما سبق، خلافاً لبعضهم.

قال بعض أصحابنا: قصد بالزيادة تعبد المكلف بها لا رفع استقلال ما كان قبلها، بل حصل (8) ضرورة وتبعاً، والمنسوخ مقصود بالرفع (9)، ولا

__________

(1) يعني: الصحة والإجزاء.

(2) يعني: استصحاب النفي الأصلي من أنه لا يجب شيء غيرهما، فليس حكماً شرعيًا.

(3) انظر: المسودة/ 209، 210.

(4) انظر: روضة الناظر/ 81.

(5) يعني: الإِجزاء.

(6) في (ظ): مقرنًا.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 173.

(8) في (ح): حصلت.

(9) ورفع الاستقلال لم يقصد.

(3/1183)

يلزم من قصدها (1) قصد لازمها، وهو رفع الاستقلال، لتصور الملزوم غافل (2) عن لازمه. والله أعلم.

.....................

ولو أوجب غسل الرجل عيْنًا، ثم خيّر بينه وبين المسح: فذكر الآمدي (3): أنه نسخ؛ لأن التخيير رفع الوجوب.

ولعل المراد: عَيَّنَه مع الخف (4)، وإلا فلا نسخ.

.......................

وقوله: (واستشهدوا شهيدين) (5)، ثم حكمه - عليه السلام - بشاهد ويمين (6): ليس بنسخ؛ لأنه لم يرفع شيئًا، ولو ثبت مفهومه ومفهوم (فإِن لم يكونا رجلين) الآية (7)؛ لأنه ليس فيه منع الحكم بغيره، بل حصر الاستشهاد.

__________

(1) يعني: الزيادة.

(2) (غافل) فاعل للمصدر (تصور). وفي (ح): غافلاً.

(3) في منتهى السول 2/ 92. وقال في الإِحكام 3/ 174: ليس بنسخ.

(4) نهاية 171 أمن (ب).

(5) سورة البقرة: آية 282.

(6) تقدم تخريجه في ص 609. وأخرجه -أيضاً- مسلم في صحيحه / 1337، وأبو داود في سننه 4/ 33، وابن ماجه في سننه/ 793 من حديث ابن عباس.

(7) سورة البقرة: آية 282.

(3/1184)

وقال الآمدي (1): إِن كان المفهوم حجة فرفعه نسخ، ولا يجوز بخبر الواحد. كذا قال

.....................

ولو زيد في الوضوء اشتراط غسل عضو -أو شَرْط في الصلاة- فلا نسخ؛ لما سبق.

...................

وفرضية الفاتحة واشتراط الطهارة للطواف ليس بنسخ، خلافًا للحنفية (2) في جميع ذلك وغيره. وسبق (3) في المطلق (4).

مسألة

نسخ جزء العبادة أو شرطها ليس نسخاً لجميعها عند أصحابنا وأكثر الشافعية (5) والكرخي (6) وأبي الحسين البصري (7).

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 175.

(2) انظر: أصول السرخسي 2/ 82، وكشف الأسرار 3/ 191، وتيسير التحرير 3/ 218، وفواتح الرحموت 2/ 91.

(3) في ص 989 - 990.

(4) نهاية 348 من (ح).

(5) انظر: اللمع/ 37، والتبصرة/ 281، والإحكام للآمدي 3/ 178، والمستصفى 1/ 116، والمحصول/ 1/ 3/ 556.

(6) انظر: المعتمد/ 477، والتبصرة/ 281، والإِحكام للآمدي 3/ 178.

(7) انظر: المعتمد/ 448.

(3/1185)

وعن بعض المتكلمين والغزالي (1) -وحكاه ابن برهان (2) عن الحنفية (3) -: نسخ.

وعن عبد الجبار (4): نسخ بنسخ جزئها (5).

وقال بعض أصحابنا (6): الخلاف في شرط متصل كالتوجه، ومنفصل -كوضوء- ليس نسخًا لها إِجماعًا.

وذكره الآمدي (7) فيهما.

لنا: بقاء وجوبها، ولا يفتقر إِلى دليل ثان إِجماعًا، ولم يتجدد وجوب، وكنسخ سنتها (8) اتفاقاً.

مسألة

يستحيل تحريم معرفته (9) -إِلا على تكليف المحال- لتوقفه (10) على معرفته، وهو دور.

__________

(1) انظر: المستصفى 1/ 116.

(2) انظر: المسودة/ 213.

(3) انظر: تيسير التحرير 3/ 220، وفواتح الرحموت 2/ 94.

(4) انظر: المعتمد/ 447 - 448.

(5) يعني: لا شرطها.

(6) انظر: المسودة/ 213.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 178.

(8) في (ح): سننها.

(9) يعني: معرفة الله تعالى.

(10) يعني: توقف التحريم.

(3/1186)

وما حسن أو قبح لذاته -كمعرفته والكفر- يجوز نسخ وجوبه وتحريمه عند القائل بنفي الحسن والقبح (1) ورعاية الحكمة في أفعاله، ومن أثبته منعه، ذكره الآمدي (2).

وقيل للقاضي (3): لو جاز النسخ لجاز في اعتقاد التوحيد، (4) فقال: التوحيد مصلحة لجميع المكلفين في جميع الأوقات، ولهذا لا يجوز الجمع بين إِيجابه والنهي عن مثله [في] (5) المستقبل، بخلاف الفعل الشرعي.

ومعناه لابن عقيل (6).

قالوا بعض أصحابنا (7): ويجوز نسخ جميع التكاليف -سوى معرفة الله- على أصل أصحابنا وسائر أهل الحديث، خلافاً للقدرية في قولهم: مصالح، فلا يجوز رفعها.

قال ابن عقيل: وإن قلنا بالمصالح فلا يمتنع، لعلمه أن التكاليف (8)

__________

(1) نهاية 120أمن (ظ).

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 180.

(3) انظر: العدة/ 776.

(4) نهاية 171 ب من (ب).

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) انظر: الواضح 2/ 231 ب-232أ.

(7) انظر: المسودة/ 200.

(8) في (ح): التكليف.

(3/1187)

تفسدهم (1)، وكجنون بعضهم وموته، وكنسخه منها بحسب بالأصلح.

وقال الآمدي (2): وبعد تكليف العبد بها اختلفوا في جواز نسخ جميع التكاليف.

واختار الغزالي (3) المنع -وقال بعض أصحابنا: نحن بمنعه أولى- لأنه لا بد من بقاء وجوب معرفة النسخ والناسخ.

ورد: لا يمتنع معرفته، وإن لم يكن مكلّفاً به.

........................

__________

(1) في (ب): يفسدهم.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 180.

(3) انظر: المستصفى 1/ 123.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجنة دار الأبرار والطريق الموصل اليها

  ➌ الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. {{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِ...