Translate

الخميس، 15 يونيو 2023

ج5. أصول الفقه لابن مفلح الاجتهاد

 

ج5. أصول الفقه لابن مفلح

الاجتهاد

لغة: (1) استفراغ الوسع لتحصيل أمر (2) مشق (3).

واصطلاحاً: استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي.

وسبق (4) تعريف الحكم والفقيه والأصولي.

وفي ورود النبي عليه السلام - على عكسه- نظر.

وقد عرف (5) المجتهِد والمجتهَد فيه خاصة.

مسألة

يتجزأ الاجتهاد عند أصحابنا وغيرهم، وجزم به الآمدي (6)، خلافا لبعضهم.

وذكر بعض أصحابنا مثله، وقولا "يتجزأ في باب لا مسألة".

لنا: أن من اطلع على أدلةِ مسألةٍ كغيره فيها ظاهرا، واحتمالُ تعلقِ ما لم يعلمه بها بعيد، كمسائل الطهارة والذكاة بالنسبة إِلى الفرائض، فلا

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 487، والصحاح/ 460 - 461.

(2) نهاية 157أمن (ظ).

(3) كذا في النسخ. ولعلها: يشق.

(4) في ص 180، 11، 16 من هذا الكتاب.

(5) يعني: عرف من هذا التعريف معنى المجتهد ومعنى المجتهد فيه.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 164.

(4/1469)

يضر، كخفاء بعضها عن مجتهد مطلق، ثم: الفرض علمه بأدلتها.

وأيضًا: تواتر توقف الصحابة والأئمة، والظاهر أنه ليس كله (1) لتعارضِ (2) الأدلة وعدم استفراغ الوسع لمانع.

مسألة

يجوز اجتهاده - عليه السلام - في أمر الدنيا، ووقع منه إِجماعًا.

ويجوز في أمر الشرع عقلاً عند أصحابنا والجمهور.

ويجوز شرعا، ووقع، اختاره من أصحابنا: ابن بطة (3) -وذكر عن أحمد نحوه- والقاضي (3) -وقال: أومأ إِليه أحمد- وأبو الخطاب (4) وابن عقيل (5) وابن الجوزي (6) وصاحب الروضة (7)، وقاله الحنفية وأكثر الشافعية.

ومنعه أكثر المعتزلة (8) والأشعرية (9)، واختاره من أصحابنا

__________

(1) نهاية 231 ب من (ب)، ونهاية 449 من (ح).

(2) في (ب): كتعارض.

(3) انظر: العدة/ 346 ب، والمسودة/ 507، 508.

(4) انظر: التمهيد / 152أ.

(5) انظر: المسودة/ 507.

(6) انظر: زاد المسير 8/ 63.

(7) انظر: روضة الناظر/ 356.

(8) انظر: المعتمد/ 761، وكشف الأسرار 3/ 205.

(9) انظر: كشف الأسرار 3/ 205، والمسودة/ 507.

(4/1470)

أبو حفص (1) العكبري (2) وابن حامد (3)، وقال: "هو قول أهل الحق"، وذكره القاضي (4) ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله (وما ينطق عن الهوى) (5).

وذكر الشافعي (6) أول رسالته (7) فيه خلافا، وجوزه فيها من غير قطع، كأبي المعالي (8) -وغيره من أصحابه- وعبد الجبار (9) وأبي الحسين.

وجوزه القاضي (10) -أيضًا- في أمر الحرب فقط، كالجبائي (11).

وتوقف بعض أصحابنا وغيرهم.

__________

(1) انظر: العدة / 247أ، والمسودة/ 508.

(2) هو: عمر بن إِبراهيم بن عبد الله، ويعرف بابن المسلم، ذو معرفة قوية بالمذهب الحنبلي، توفي سنة 387 هـ.

من مؤلفاته: المقنع، وشرح مختصر الخرقي.

انظر: طبقات الحنابلة 2/ 163، والمنهج الأحمد 2/ 73.

(3) انظر: المسودة/ 507.

(4) انظر: العدة / 247أ.

(5) سورة النجم: آية 3.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 165، والمسودة/ 507.

(7) الرسالة للشافعي: هي أول مصنف في أصول الفقه.

(8) انظر: البرهان/ 1356، والمسودة/ 506 - 507.

(9) انظر: المعتمد/ 762.

(10) انظر: المسودة/ 506.

(11) انظر: المعتمد/ 761، والإِحكام للآمدي 4/ 165، والمسودة/ 507.

(4/1471)

وجه الأول: لا يلزم منه محال.

والأصل مشاركته لأمته.

وظاهر قوله: (فاعتبروا) (1)] (وشاورهم) (2)، وطريق المشاورة الاجتهاد.

وفي مسلم (3): أنه استشار في أسرى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء، فأعجبه، وعُمَرُ بالقتل، فجاء عمر من الغد، وهما يبكيان، وقال - عليه السلام -: (أبكي للذي عرض عليَّ (4) أصحابك من أخذهم الفداء)، وأنزل الله: (ما كان لنبي) (5).

وأيضًا: (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم) (6)، قال في الفنون: هو من أعظم دليلٍ لرسالته؛ إِذ لو كان من عنده سَتَرَ على نفسه أو صَوَّبه لمصلحة (7) يدعيها، فصار رتبة لهذا المعنى، كَسَلْبِه الخَطّ (8).

__________

(1) سورة الحشر: آية 2.

(2) سورة آل عمران: آية 159.

(3) أخرجه مسلم في صحيحه / 1383 - 1385 من حديث عمر. وأ خرجه أحمد في مسنده 1/ 30 - 31، والطبري في تفسيره 14/ 63 - ط: دار المعارف- والواحدي في أسباب النزول / 137 - 138، وانظر: تفسير ابن كثير 2/ 289.

(4) نهاية 157 ب من (ظ).

(5) سورة الأنفال: آية 67.

(6) سورة التوبة: آية 43.

(7) نهاية 232 أمن (ب).

(8) في (ب): الحظ.

(4/1472)

وفي الصحيحين (1): (لو استقبلت [من أمري] (2) ما استدبرت لما سقتُ الهدي)، وإنما يكون ذلك فيما لم يوحَ.

واستدل: (بما أراك الله) (3)، أي: بما جعله لك رأيًا؛ لأن الإِراءة ليست الإِعلام، وإلا لَذَكَرَ المفعول الثالث لذكرِ الثاني.

رد: "ما" مصدرية، فلا ضمير, ويجوز حذف المفعولين.

ولو كانت موصولة حذف الثالث للثاني (4).

واستدل: اجتهاده أثوب للمشقة.

رد: عدمُه لِعلوِّ درجته.

قالوا: (وما ينطق عن الهوى) (5).

أجيب: رد على منكري (6) القرآن.

ثم: تعبده بالاجتهاد بوحي، فنطقه عن وحي.

__________

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 83، ومسلم في صحيحه/ 879 من حديث عائشة مرفوعًا.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(3) سورة النساء: آية 105.

(4) يعني: لأن الثاني محذوف.

(5) سورة النجم: آية 3.

(6) في (ح): منكر.

(4/1473)

قالوا: لو اجتهد لجاز مخالفته فيه؛ لجواز (1) مخالفة المجتهد لكنه يكفر إِجماعَا.

رد: لتكذيبه.

قال (2) في التمهيد (3) والواضح وغيرهما: وكالإِجماع عن اجتهاد.

قالوا: لو جاز لم يتأخر في جواب.

رد: لجواز وحيٍ أو استفراغ وسعه فيه، أو تعذره.

قالوا: قادر على العلم، فلم يجز الظن.

رد: القدرة بعد (4) الوحي، كحكمه (5) بالشهادة.

قالوا: فيه تهمة وتنفير، فَيُخِلّ بمقصود البعثة.

رد: بالنسخ.

ثم: بنفيه بصدقه بالمعجزة القاطعة.

واحتج أبو -حفص (6) بما رواه عنه - عليه السلام -: (لا يسألني الله عن

__________

(1) في (ح): بجواز.

(2) نهاية 450 من (ح).

(3) انظر: التمهيد/ 152 ب.

(4) يعني: إِنما تكون بعد الوحي.

(5) في (ح): لحكمه.

(6) قال القاضي في العدة / 247أ: وذكر أبو حفص في الجزء السابع من البيوع في باب التسعير: ... عن أبي فضلة قال: أصاب الناس على عهد رسول الله سنة، فقالوا:=

(4/1474)

سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني بها).

واحتج به أبو القاسم بن مندة (1) في ذم من فَعَلَ عبادة بلا شرع.

رد: سبق جوابه إِن صح.

وللشافعي عن عبيد بن عمير مرسلاً: (إِني والله لا يُمْسك عليّ الناس بشيء، ألا إِني لا أحل (2) إِلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إِلا ما حرم الله في كتابه) (3).

__________

=يا رسول الله، سعر لنا. فقال: (لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني الله بها).

وانظر: المسودة/ 508.

(1) هو: عبد الرحمن بن محمَّد بن إِسحاق العبدي الأصبهاني، حافظ مؤرخ، ولد بأصبهان سنة 383 هـ، وكان شديداً في السنة، قويًا على أهل البدع، وتوفي سنة 470 هـ. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 242، وفوات الوفيات 1/ 260، وتاريخ ابن الوردي 1/ 379، والنجوم الزاهرة 5/ 105.

(2) نهاية 232 ب من (ب).

(3) انظر: مسند الشافعي (مطبوع آخر الجزء الثامن من الأم 8/ 344)، وانظر: الأم 1/ 80. وأخرجه ابن حزم في الإِحكام/ 251 وقال: هذا مرسل لا يصح، وأخرجه -أيضًا- في الإحكام/ 250 من طريق ... مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رسول الله قال ... قال ابن حزم: وهذا مرسل، إِلا أن معناه صحيح.

وقد أخرجه الشافعي في المسند (انظر: بدائع المنن 1/ 18)، وفي جماع العلم/ 113: أخبرنا ابن عيينة بإِسناد أن رسول الله قال ... وأخرجه من طريقه البيهقي في المعرفة 1/ 25: ... أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة بإِسناد عن طاوس: أن رسول الله=

(4/1475)

مسألة

يجوز الاجتهاد لمن عاصره - عليه السلام - عقلاً، ذكره الآمدي (1) عن الأكثر.

وخالف قوم واختاره أبو الخطاب (2).

ويجوز شرعا، ووقع ذكره في العدة (3) والواضح وغيرهما وأكثر الشافعية.

ومنعه قوم مع القدرة، وذكره في مقدمة المجرد (4).

ومنعه قوم لمن بحضرته، وقاله ابن حامد (5)، زاد بعضهم: أو قريبًا منه.

وتوقف عبد الجبار (6) فيمن حضر، وبعضهم مطلقًا.

__________

=قال ... وفي جماع العلم/ 113: قال الشافعي: هذا منقطع.

وورد من حديث عائشة مرفوعًا. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 171 - 172، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط" وقال: لم يروه عن يحيى بن سعيد إِلا علي بن عاصم تفرد به صالح بن الحسن بن محمَّد الزعفراني، قلت: ولم أر من ترجمهما".

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 175.

(2) انظر: التمهيد/ 153 ب.

(3) انظر: العدة/ 249أ.

(4) و (5) انظر: المسودة/ 511.

(6) انظر: المعتمد/ 765، والإِحكام للآمدي 4/ 175.

(4/1476)

وجوزه في الروضة (1) للغائب، وجوزه للحاضر بإِذنه، كالحنفية.

وجوزه في التمهيد (2) للغائب، وجوزه بإِذنه أو يسمع حكمه فيقره لحاضر (3) أو يمكنه (4) سؤاله قبل ضيق وقت الحادثة، وحكاه عن الحنفية؛ لأن أبا قتادة (5) قال له (6) - عليه السلام -: "إِنه قتل رجلاً"، فقال رجل: "صَدَقَ، سَلَبه عندي، فَأَرْضِه مِنْ حقه"، فقال أبو بكر: "لاها الله إِذاً (7) لا يعمد إِلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه"، فقال: (صدق). متفق عليه (8).

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 354.

(2) انظر: التمهيد/ 153 أ- ب.

(3) في (ظ): للحاضر.

(4) يعني: أن الحاضر أو من يمكنه سؤاله قبل ضيق وقت الحادثة يجوز له الاجتهاد في إِحدى الحالتين:

1 - الأذن.

2 - أن يسمع حكمه فيقره.

(5) هو: الصحابي الحارث بن ربعي الأنصاري.

(6) نهاية 158أمن (ظ).

(7) يعني: "لا والله لا يعطي إِذًا"، فيكون قوله: "لا يعمد ... إِلخ " تأكيدًا للنفي المذكور وموضحًا للسبب فيه. انظر: فتح الباري 8/ 37 - 39.

(8) هذا الحديث رواه أبو قتادة، أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 92. وانظر: فتح الباري 8/ 34 وما بعدها. وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1370 - 1371. وقال الزركشي في المعتبر/ 92 أ- ب: وظاهر القصة أن الصديق لم يقله بالاجتهاد، بل هو تنفيذ لقول الرسول: (من قتل قتيلاً فله سلبه).

(4/1477)

والمعروف لغة: "لا هَا الله ذا (1) " أي: يميني. وقيل: زائدة (2).

ونزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل - عليه السلام - إِليه، فجاء، فقال: (نزل هؤلاء على حكمك)، قال: "فإِني أحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم"، فقال: (قضيت بحكم الله) متفق عليه (3).

وجاءه - عليه السلام - رجلان، فقال لعمرو بن العاص؛ (اقض بينهما)، قال: "وأنت ها هنا يا رسول الله! "، قال: (نعم) وعن عقبة (4) مرفوعًا بمثله (5)، رواهما الدارقطني (6) وغيره من رواية فرج بن فضالة (7)،

__________

(1) يعني: بغير الف قبل الذال. انظر: تيسير التحرير 4/ 194، وحاشية التفتازاني على شرح العضد 2/ 292.

(2) يعني: "إِذاً".

(3) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 112، ومسلم في صحيحه/ 1388 - 1389 من حديث أبي سعيد وعالًشة.

(4) هو: الصحابي عقبة بن عامر الجهني.

(5) نهاية 451 من (ح).

(6) من حديث عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر. انظر: من الدارقطني 4/ 203. وأخرج الحاكم في مستدركه 4/ 88 حديث عبد الله بن عمرو، وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي: فرج ضعفوه.

(7) هو: أبو فضالة التنوخي الحمصي -وقيل: الدمشقي- روى عن عبد الله بن عامر اليحصبي وغيره، وعنه علي بن حجر وغيره، توفي سنة 176 هـ.

قال ابن معين: صالح الحديث. وضعفه النسائي والدارقطني. وقال أحمد: إِذا حدث عن الشاميين فليس به بأس، لكن إِذا حدث عن يحيى بن سعيد أتى بمناكير.=

(4/1478)

ضعفه الأكثر (1).

ولأحمد (2) الأول.

وله (3): أنه - عليه السلام - أمر معقل بن يسار أن يقضي بين قوم.

وله (4) ولأبي داود وابن ماجه والترمذي -وحسنه-: أنه بعث عليا إِلى اليمن قاضيًا (5).

__________

=قال ابن حجر في التقريب: ضعيف.

انظر: ميزان الاعتدال 3/ 343، وتهذيب التهذيب 8/ 260، وتقريب التهذيب 2/ 108.

(1) نهاية 233 أمن (ب).

(2) أخرجه أحمد في مسنده 4/ 205 من حديث عمرو بن العاص، ثم جاء بعده مباشرة: ... عن عقبة عن النبي مثله. وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث عمرو -قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه- وفي الصغير والأوسط من حديث عقبة، قال الهيثمي: وفيه حفص بن سليمان الأسدي وهو متروك، ورواه أحمد بإِسناد رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 4/ 195.

(3) أخرجه أحمد في مسنده 5/ 26 من حديث معقل، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 193 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه أبو داود الأعمى (نفيع بن الحارث) وهو كذاب. فانظر: ميزان الاعتدال 4/ 272.

(4) ضرب في (ب) و (ظ): على: وله.

(5) هذا الحديث رواه علي. فانظر: مسند أحمد 2/ 53 - 54، 73، 266، 317 - 318، 341 - ط: دار المعارف - وسنن أبي داود 4/ 11، وسن ابن ماجه/ 774، وسنن الترمذي 2/ 395. ولفظ الترمذي: عن علي قال: قال لي رسول الله:=

(4/1479)

وسبق (1) في الإِجماع خبر معاذ.

القائل بالأول: (فاعتبرو) (2).

رد: لا مع وجود اليقين، كنص مع قياس.

واحتج في العدة (3): يجوز ترك اليقين للظن، كمن أخبره (4) بحضرته: يعمل به ويمكنه سؤاله؛ لفعل الصحابة، صح عن أسماء (5) وغيرها.

__________

= (إِذا تقاضى إِليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف

تقضي). قال علي: فما زلت قاضيا بعد. هذا حديث حسن.

والحديث أخرجه الطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 286) والبزار وأبو يعلى في مسنديهما -انظر: نصب الراية 4/ 61 - والحاكم في مستدركه 3/ 135 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه أيضًا في مستدركه 4/ 93 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وقد ورد هذا الحديث من رواية ابن عباس قال: بعث النبي عليا إِلى اليمن، فقال: (علمهم الشرائع واقض بينهم ...) أخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 88 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وفي بعض طرق الحديث انقطاع. فراجع: نصب الراية 4/ 60 - 62، والتلخيص الحبير 4/ 182.

(1) في ص 393.

(2) سورة الحشر: آية 2.

(3) انظر: العدة/ 249 ب.

(4) كذا في النسخ. ولعلها: أُخبر.

(5) هي: الصحابية أسماء بنت أبي بكر الصديق.

(4/1480)

أجاب في التمهيد (1): هو كمسألتنا. وسبق (2) في [خبر] (3) الواحد.

وقد يفرق بالمشقة، أو بحصول العلم للقرينة.

وأيضاً: كالغائب.

رد: بمنعه، ثم (4): للحاجة بتأخير الحق وفوته.

قالوا: كإِذنه وإقراره.

رد: لا يُقِرُّ على خطأ.

القائل بالثاني: قادر على اليقين، فهو كمن ببرية لا يدري أين يذهب، لا يجوز اجتهاده مع خبير يسأله، وكالحاضر.

وأيضًا: من باب التعاطي (5) والافتيات عليه، وهو قبيح.

رد ذلك: بمنعه في غائب أو حاضر بإِذنه وإقراره، وبما سبق (6)، وبأنه كغير المعاصر.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 154أ.

(2) في ص 515.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(4) في).ظ): للحاجة ثم.

(5) التعاطي: تناول ما ليس له بحق. انظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 354.

(6) من وقوع الاجتهاد.

(4/1481)

مسألة

من جهل وجود الرب، أو عَلِمه -وفَعَلَ أو قال ما أجمعت الأمة أنه لا يصدر إِلا من كافر- فكافر، وإلا فلا في رواية عن أحمد، واختاره القاضي في إِبطال التأويل (1) وابن الجوزي في السر المصون (2) وصاحب (3) المغني في رسالته (4) إِلى صاحب التلخيص، وذكر أبو المعالي (5) أن عليه معظم (6) كلام الأشعري وأصحابهم، واختاره ابن عقيل في فنونه، وأنه لا يفسق، وقاله جماعة من أصحابنا، زاد بعضهم: هو الذي عليه الصحابة وجمهور الأئمة، كالفروع، والتفرقة بينهما متناقضة، وهو مخطئ غير آثم، يثاب على اجتهاده، واحتج بالخبر (7) المتفق على صحته: (إِذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر)، وصح أن الله عفا عن النسيان والخطأ (8).

__________

(1) انظر: المسودة/ 496.

(2) وهو كتاب في أصول الدين. انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 417.

(3) انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 154 - 157. والبلبل/ 184.

(4) وهي الرسالة التي بعثها ابن قدامة -ت: 620 هـ- إِلى ابن تيمية فخر الدين، ت: 622 هـ. وموضوعها: تخليد أهل البدع في النار. ويوجد بعضها في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 154 - 157.

(5) انظر: المسودة/ 495 - 496.

(6) نهاية 233 ب من (ب).

(7) نهاية 158 ب من (ظ).

(8) انظر: ص 829 - 831، 837 من هذا الكتاب.=

(4/1482)

والأشهر عن أحمد وأصحابه تكفير الداعية، وإلا فروايتان.

وكفره قول المعتزلة (1).

وفي الكفاءة من الفصول: لا يفسق غيره.

ولا يكفر المقلِّد في الأشهر عن أحمد وأصحابه، زاد القاضي -في شرح الخرقي-: ولا يفسق.

ولأحمد روايتان في كُفْر من لم يكَفِّر من كَفَّرْناه، زاد صاحب المحرر: لا يفسق (2). والله أعلم.

...................

والمصيب واحد.

وذكر أبو المعالي (3): أن مذهب أقوام: أن المخطئ معذور مثاب في الآخرة إِذا لم يعاند، وفي الدنيا كافر نقاتله، قال: وقد يتمسكون بقوله: (إِن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية (4).

__________

=وقد أخرج مسلم في صحيحه/ 115 - 116، وأحمد في مسنده 2/ 412 من حديث أبي هريرة: أد الله قال -عقب كل دعوة من الدعوات المذكورة في سورة البقرة: آية 286 - : نعم. وقال -في حديث ابن عباس-: قد فعلت.

وانظر: تفسير الطبري 3/ 95.

(1) انظر: المسودة/ 496.

(2) نهاية 452 من (ح).

(3) انظر: المسودة/ 495.

(4) سورة البقرة: آية 62.

(4/1483)

وقال (1) الجاحظ وثمامة (2): المعارف ضرورية، ولم يؤمر بها ولا بالنظر، فمن حصلت له وفاقاً أُمِر بالطاعة، فإِن أطاع أثيب، وإلا فالنار، وأما (3) من مات جاهلاً فقيل: يصير تراباً، وقيل: إِلى الجنة.

وعن (4) عبيد الله بن الحسن العنبري (5) الإِمام المشهور -قاله بعض أصحابنا، وذكر الآمدي (6) أنه معتزلي-: المجتهدون من أهل القبلة مصيبون مع اختلافهم.

ومراده -والله أعلم-: بما كُلِّفوا، فلا (7) إِثم، أو يثابون لاجتهادهم، وإِلا فإِن أراد مطابقة الاعتقاد للمعتَقَد مجمعٌ بين النقيضين، ولا يريده عاقل.

__________

(1) انظر: المسودة/ 495.

(2) هو: أبو معن ثمامة بن الأشرس النميري المعتزلي، من الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، عالم أديب، حاذق فصيح، يقال: إِنه الذي أغوى المأمون ودعاه للاعتزال؛ توفي سنة 213 هـ. انظر: فرق وطبقات المعتزلة/ 70، وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة/ 272، وتاريخ بغداد 7/ 145، وميزان الاعتدال 1/ 173 وفيه أقوال له في مسائل الاجتهاد والتقليد.

(3) في (ح): وإلا

(4) انظر: المعتمد/ 988، والمسودة / 495.

(5) البصري، قاض صدوق مقبول، لكن تكلم في معتقده ببدعة، توفي سنة 168 هـ. ونقل عنه أنه رجع عن قوله: إِن كل مجتهد مصيب. انظر: حلية الأولياء 9/ 6، وتاريخ بغداد 10/ 306، وميزان الاعتدال 3/ 5، وتهذيب التهذيب 7/ 7.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 178.

(7) نهاية 234 أمن (ب).

(4/1484)

ورده بعض أصحابنا وغيرهم: بمخالفة القاطع، فَقَصَّر لتقليد أو عصبية أو إِهمال، فلم يعذَر، كأصل التوحيد ولا فرق. كذا قالوا.

ولم يقيد بعضهم (1) كلامه بأهل القبلة، ففهم منه ما لا ينبغي، فتأوله بعض المعتزلة (2) -وكلام الجاحظ- على المسائل الكلامية كالرؤية والكلام وأعمال العباد؛ لتعارض الأدلة الظنية.

قال الآمدي (3): فإِن صح أنه المراد فلا نزاع.

وحكى هو (4) وجماعة عن الجاحظ: لا يأثم من خالف الملة مجتهدًا.

وهذا وقوله السابق والقول قبله خلاف الكتاب والسنة والإِجماع قبله.

وليس تكليفهم نقيضَ اجتهادهم محال (5)، بل ممكن، غايته: منافٍ لِما تعودوه.

مسألة (6)

لا إِثم على مجتهد في حكم شرعي اجتهادي -ويثاب- عند أهل الحق، منهم: الأئمة الأربعة.

__________

(1) انظر: المرجع السابق.

(2) انظر: المرجع السابق 4/ 180.

(3) انظر: المرجع السابق 4/ 181.

(4) انظر: المرجع السابق 4/ 178.

(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: محالاً.

(6) من هنا إِلى آخر الكتاب لم يرد لفظ (مسألة) في (ظ).

(4/1485)

ويأثم (1) عند المريسي وابن علية والأصم والظاهرية.

ولا يفسق عندهم، ذكره الآمدي (2) وغيره، وذكر ابن برهان (3): يفسق.

لنا: إِجماع الصحابة والتابعين؛ فإِنهم اختلفوا في كثير [وتكرر] (4) وشاع من غير نكير ولا تأثيم، مع القطع: لو خالف أحد في نحو (5) أركان الإِسلام الخمس (6) أنكروا، كمانعي الزكاة والخوارج.

ولا يأثم من بذل وسعه ولو خالف قاطعاً (7)، وإلا أثم لتقصيره.

مسألة

المسألة الظنية: الحق عند الله واحد، وعليه (8) دليل، وعلى المجتهد طلبه، فمن أصابه فمصيب، وإلا فمخطئ مثاب عند (9) أحمد وأكثر (10)

__________

(1) انظر: المعتمد/ 949، والإِحكام للآمدي 4/ 182.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 182.

(3) يعني: ذكر عنهم. انظر: المسودة/ 498.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(5) في (ب) و (ظ): أحد.

(6) كذا في النسخ. ولعلها: الخمسة.

(7) نهاية 159 أمن (ظ).

(8) نهاية 234 ب من (ب).

(9) انظر: اللمع/ 76، والتبصرة/ 498، والفقيه والمتفقه 2/ 58 - 59، وشرح تنقيح الفصول/ 438، والمسودة/ 503.

(10) نهاية 453 من (ح).

(4/1486)

أصحابه، وقاله الأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق والمحاسبي (1) وابن كلاب، وذكره أبو المعالي (2) عن معظم الفقهاء، وذكره ابن برهان (2) عن الأشعري.

زاد في التمهيد (3): يطلبه حتى يعلم أنه وصله ظاهرًا -ومراده: يظن، كما ذكره [أيضًا] (4) هو وغيره- قال: "وثوابه على قصده واجتهاده لا على الخطأ"، وقاله ابن عقيل وغيره وبعض الشافعية، وبعضهم: على قصده.

وفي العدة (5) وغيرها: مخطئ عند الله وحكما.

وفي كتاب الروايتين (6) للقاضي: "مخطئ عند الله، وفي الحكم روايتان، إِحداهما: مصيب" وجزم به ابن عقيل (7) عن حنبلي، يعني:

__________

(1) هو: أبو عبد الله الحارث بن أسد، إِمام في الفقه والحديث والكلام، صنف في الرد على المعتزلة والرافضة، توفي سنة 243 هـ.

من مؤلفاته: مائية العقل، والرعاية لحقوق الله.

انظر: صفة الصفوة 2/ 367، ووفيات الأعيان 1/ 348، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 275، وشذرات الذهب 2/ 103.

(2) انظر: المسودة/ 502.

(3) انظر: التمهيد/ 204 ب، 205 ب.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) انظر: العدة/ 239أ.

(6) انظر: الروايتين/ 246 أ.

(7) انظر: المسودة/ 498.

(4/1487)

نفسه، وأخذها القاضي (1) من قول أحمد: لا يقول لمخالفه: مخطئ.

وفي التمهيد (2): يعني: لا يقطع بخطئه.

وبعض أصحابنا (3): من لم يحتج بنص فمخطئ، وإلا فلا، قال: وهو المنصوص.

ثم ذكر القاضي (4) اختلاف أصحابنا في أصحاب الجمل وصفين: هل كلاهما مصيب حكماً، أم واحد لا بعينه، أم عليّ؟ على أوجه، وأنه يجب البناء على هذا الأصل، وأن نص أحمد الوقف.

وقال بعض أصحابنا (5): لم يرد أحمد الوقف الحكمي، بل الإِمساك خوف الفتنة، ولهذا بني قتال البغاة على سيرة عليّ.

وقال القاضي (6) -في أثناء المسألة-: هو مصيب فيما فعله من الاجتهاد، مخطئ في تركه للزيادة (7) عليه.

__________

(1) انظر: الروايتين/ 246أ.

(2) انظر: التمهيد/ 204 ب.

(3) انظر: المسودة/ 499.

(4) انظر: الروايتين والوجهين/ 246أ- ب.

(5) انظر: المسودة/ 500.

(6) انظر: العدة/ 241 أ.

(7) نهاية 235 أمن (ب).

(4/1488)

قال بعض أصحابنا (1): وبه ينحل الإِشكال.

وعند (2) المريسي والأصم وابن علية: الدليل قطعي، ونقطع بخطأ مخالفنا.

قال في التمهيد (3): حكاه بعضهم عن الشافعي، واختاره أبو الطيب (4) وأبو إِسحاق الإِسفراييني (5)، وأومأ إِليه أحمد في حاكم "حكم في مفلس أن صاحب المتاع أسوة الغرماء": يرد حكمه.

وفي العدة (6): لاعتقاده (7) خلاف النص (8)؛ لا أنه يقطع بإِصابة وخطأ.

وفي الخلاف: ظاهره: لا يسوغ فيه الاجتهاد.

وقال فيها -في مسألة الظفر (9) -: إِن سوَّغْنا الاجتهاد فيه لم يأخذه

__________

(1) انظر: المسودة/ 501.

(2) انظر: المعتمد/ 949، والإحكام للآمدي 4/ 183.

(3) انظر: التمهيد/ 204 ب.

(4) و (5) انظر: المسودة/ 497، 498.

(6) انظر: العدة/ 239 أ.

(7) يعني: إِنما قال ذلك.

(8) فقد دل النص على أن صاحب المتاع أحق به من غيره. أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 118، ومسلم في صحيحه/ 1193 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

(9) مسألة الظفر: أن يكون لشخص على آخر حق مالي لم يُوَفِّه إِياه، فيظفر هذا الشخص بمال لمن عليه الحق، فيستوفي حقه منه. وفيها خلاف بين العلماء. انظر:=

(4/1489)

بلا حكم، وإلا أخذه كمغصوب.

وذكر -أيضًا-: أنه لا ينقض بالآحاد؛ لعدم القطع.

وفي أثناء المسألة ذكر نقضه؛ لمخالفة النص.

وجزموا في الفروع] (1) منهم: الرعاية (2) (3) -إِلا ظاهر الفصول، واحتمالا في الكافي (4) في مسألة المفلس- بنقضه بنص آحاد، خلاف الأشهر هنا.

وجزم صاحب (5) الرعاية -في أصول (6) الفقه-: "لا ينقض إِلا

__________

= فتح الباري 5/ 108. والمحلى 8/ 643.

(1) في (ظ): الفروع بنقضه منهم ... إِلخ.

(2) هناك الرعايتان -الكبرى والصغرى- في الفقه الحنبلي، وهما لابن حمدان، المتوفى سنة 695 هـ. وتوجد من الكبرى نسخة في دار الكتب الظاهرية في دمشق، رقم 2755.

(3) انظر: الرعاية الكبرى 3/ 222 أ.

(4) انظر: الكافي 2/ 174 - 175.

(5) هو: أبو عبد الله نجم الدين أحمد بن حمدان بن شبيب الحراني الحنبلي، فقيه أصولي، ولد بحران سنة 603 هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 695 هـ.

من مؤلفاته: الوافي في أصول الفقه، والرعاية الكبرى والرعاية الصغرى -وهما في الفقه- وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي.

انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 331، وشذرات الذهب 5/ 428.

(6) ذكرت قريبًا أن له كتابا في أصول الفقه، اسمه: الوافي.

(4/1490)

بقاطع"، مع أنه ذكر نقضه بتقليد غيره (1).

وقال بعض أصحابنا (2): يقطع في بعض المسائل (3) بحسب الأدلة، وعلى هذا ينبني نقض (4) الحكم وحلفُ أحمد في مسائل وتوقفه (5) في أخرى، وكذا قاله ابن حامد: لا خلاف عن أبي عبد الله أن الأخذ بالرأي مع الخبر مقطوع بخطئه ويرد عليه.

وما قاله صحيح، قاله أحمد في قتل مؤمن بكافر.

وقال: "إِنما لا يرد حكم الحاكم إِذا اعتدلت (6) الرواية"، وذكر قوله - عليه السلام -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (7))، (8) فمن عمل خلاف السنة رد عليه.

وإنما قال أبو الطيب (9): أمنعه من الحكم باجتهاده ولا أنقضه.

__________

(1) انظر: الرعاية الكبرى 3/ 222أ.

(2) انظر: المسودة/ 504.

(3) نهاية 454 من (ح).

(4) نهاية 159 ب من (ظ).

(5) في (ب): وتوقف.

(6) كذا في النسخ. ولعلها: إِذا اغتلت.

(7) في (ب) و (ظ): مردود.

(8) نهاية 235 ب من (ب).

(9) انظر: العدة/ 239 ب، والمسودة/ 497 - 498.

(4/1491)

وذكر الآمدي (1) عن الإِسفراييني وابن فورك: أنه ظني.

وقال قوم: لا دليل عليه، كدفين يُصاب (2). (3)

وعند أبي حنيفة (4) وأصحابه والمزني (5): كل مجتهد مصيب، والحق واحد عند الله، وهو الأشبه الذي لو نَصَّ الله على الحكم لنص عليه، وعليه دليل، ولم يكلف المجتهد إِصابته، بل الاجتهاد.

قال بعض أصحابه: فهو مصيب ابتداء -أي: في الطلب- مخطئ انتهاء، أي: في المطلوب، وحكاه بعضهم عن الشافعي (6).

وقال المعتزلة (7): كل مجتهد مصيب.

فقيل: كالحنفية.

وقيل: حكم الله تابع لظن المجتهد؛ لا دليل عليه، ولم يكلف غير اجتهاده، وحكي عن أبي حنيفة (8)، وقاله ابن الباقلاني (8)، وحكى عن

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 183.

(2) في (ب): يضاف.

(3) يعني: فمن أصابه فهو المصيب، ومن أخطأه فهو المخطئ.

(4) انظر: كشف الأسرار 4/ 18، وتيسير التحرير 4/ 201، وفواتح الرحموت 2/ 380.

(5) انظر: المسودة/ 502.

(6) انظر: المسودة/ 502.

(7) انظر: المعتمد/ 949، 956.

(8) انظر: العدة/ 240أ، والمسودة/ 502.

(4/1492)

الأشعري قولين أحدهما كقوله، وذكره (1) أبو المعالي (2) عن معظم المتكلمين وابن عقيل عن أكثر الأشعرية.

وبنى ابن الباقلاني (3) على هذا قوله: ليس في الأقيسة المظنونة تقديم ولا تأخير، وإنما الظنون بحسب الاتفاقات.

قال أبو المعالي (3): وهي هفوة عظيمة هائلة.

وعن الجبائي (4): "لا يجتهد، ويتخير من الأقوال"، واستنبطه ابن الباقلاني (4) من كلام الشافعي.

قال أبو المعالي (4): وهو خرق للإِجماع، وعن بعضهم: لصالح الأمة الإِفتاء بالتشهِّي، وعن قوم: إِن أفتى مجتهد أو غيره وبذل وسعه يريد التقرب إِلى الله فمصيب. قال (4): وطرده قوم في مسالك العقول، وحكاه بعضهم عن داود والظاهرية.

وذكر الآمدي (5): أنه نقل التصويب والتخطئة (6) عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد والأشعري.

__________

(1) في (ح): وذكر.

(2) انظر: المسودة/ 502.

(3) انظر: البرهان/ 889.

(4) انظر: المسودة/ 502، 503.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 184.

(6) نهاية 236 أمن (ب).

(4/1493)

وخرجه (1) ابن عقيل (2) من دلالته (3) على استفتاء غيره بلا حاجة، بخلاف حكم أحمد بصحة الصلاة خلفهم [فإِنه مأخذ بعيد] (4) للحاجة (5)، كصحة صلاة عامي (6) خلف مجتهد في القبلة، ولا يجوز أن يدله إِلى من يدله إِلى غيرها.

وأخذه بعض أصحابنا (7) من قول أحمد -لمن سمى: كتاب الاختلاف-: سَمِّه كتاب السعة، [وهو مأخذ بعيد] (8).

لنا: (ففهمناها سليمان) (9)، فتخصيصه دليل اتحاد الحق وإصابته، ولا نص؛ وإلا لَمَا اختلفا، أو ذُكِر فَنُقِل، ولأنه (10) ورث النبوة بعده، وإنما

__________

(1) يعني: أن كل مجتهد مصيب.

(2) انظر: المسودة/ 450.

(3) يعني: أحمد.

(4) ما بين المعقوفتين من (ح) و (ظ).

(5) نهاية 455 من (ح).

(6) في (ب): عامل.

(7) انظر: المسودة/ 450.

(8) ما بين المعقوفتين من (ب).

(9) سورة الأنبياء: آية 79.

(10) هذا جواب سؤال مقدر: "يحتمل أن الحكم الذي حكم به داود كان هو الحكم في شرعهم، ثم نسخ ذلك، فعلم بالنسخ سليمان، ولم يعلم به داود، فحكم فأصاب". والجواب: ما ذكره المؤلف، وهو: أن سليمان إِنما صار نبيا بعد داود، فكيف=

(4/1494)

يوسف بالفهم (1) المشتبه، وفي صحيح (2) الحاكم: أن سليمان قال: (أسألك حكماً يوافق حكمك (3)، ولما عُزِيَ إِلى سليمان، ولا سمي باسم "تفهيم".

قال الحسن (4): أُثني (5) لصوابه، وعُذِر (6) باجتهاده.

ولمسلم (7) عن بريدة (8): أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[كان] (9) إِذا أَمَّر أميرا على

__________

=يعلم بالوحي من ليس بنبي -ولا أنزل عليه- ولا يعلم به من أنزل عليه؟!. فانظر: التمهيد/ 205 أ.

(1) نهاية 160 أمن (ظ).

(2) في الرسالة المستطرفة/ 21: وهو المعروف بالمستدرك على الصحيحين مما لم يذكراه وهو على شرطهما أو شرط أحدهما، أولاً على شرط واحد منهما، وهو متساهل في التصحيح. أ. هـ. وا الكتاب مطبوع.

(3) هذا الحديث رواه عبد الله بن عمرو عن النبي: أن سليمان ... أخرجه الحاكم في مستدركه 1/ 30 - 31: أن سليمان سأل ربه حكماً يصادف حكمه، فأعطاه إِياه. قال الحاكم: صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته، ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم -أيضًا- في مستدركه 2/ 434، والنسائي في سننه 2/ 34، وابن ماجه في سننه/ 452، وأحمد في مسنده 2/ 176.

(4) انظر: تفسير الطبري 17/ 41، وزاد المسير 5/ 372، وتفسير القرطبي 11/ 309.

(5) يعني: على سليمان.

(6) يعني: داود.

(7) انظر: صحيح مسلم/ 1357 - 1358. وأخرجه أبو داود في سننه 3/ 83 - 85، والترمذي في سننه 3/ 85 - 86 وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في سننه/ 953 - 954، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 193.

(8) هو: الصحابي بريدة بن الحصيب الأسلمي.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4/1495)

جيش أو سرية قال: (إِذا حاصرت أهل حصن، وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإِنك لا تدري: تصيب فيهم [حكم الله] (1) أم لا؟).

واحتج القاضي (2) وغيره: بالخبر السابق (3): (وإِن أخطأ فله أجر).

فقيل لهم: آحاد.

فقالوا: قبلته الأمة، وأجمعت على صحته، فصار كمتواتر.

ومعناه في التمهيد (4). فدل أن المسألة عندهم قطعية، وَزَعَمَهُ بعض المصوبة.

وقيل لابن عقيل (5): يُحمل على جهله بكذب الشهود ونحوه، كإِقرار الخصم تهزِّيا.

فقال: هذا لا يُضاف إِلى الحاكم به (6) خطأ، ولهذا: من توضأ بماء جهل نجاسته -وأخطأ جهة القبلة (7) - لا ينقص ثوابه وأجر عمله، ولهذا قال

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(2) انظر: العدة/ 240 ب- 241أ.

(3) في ص 1315.

(4) انظر: التمهيد/ 250 ب.

(5) انظر: المسودة/ 505.

(6) في (ب) و (ظ): الحاكم به هذا خطأ. وانظر: المسودة/ 505.

(7) نهاية 236 ب من (ب).

(4/1496)

عمر: "يا صاحب الميزاب لا (1) تُعْلِمْهم (2) "، على أن اللفظ عام (3).

وأيضًا: أطلق (4) الصحابة -كثيراً- الخطأ في الاجتهاد، وشاع، ولم ينكر.

وأيضًا: لو كان كل مجتهد مصيبا لاجتمع النقيضان؛ للقطع بالحكم عند ظنه؛ لعلمه بإصابته، ودوام قطعه مشروط ببقاء ظنه؛ لأنه لو تغير ظنُّه لزمه الرجوع إلى الثاني إِجماعًا، فيلزم علمه بشيء وظنّه له معا.

لا يقال: "ينتفي الظن بالعلم"؛ لأنا نقطع (5) ببقائه (6) لدوام القطع،

__________

(1) في (ب): لا تعملهم.

(2) أخرجه مالك في الموطأ/ 23 - 24، وعبد الرزاق في مصنفه 1/ 76 - 77، والدارقطني في سننه 1/ 32 ... عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإِنا نرد على السباع وترد علينا.

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 174: مر عمر يومًا، فسقط عليه شيء من ميزاب، ومعه صاحب له، فقال: يا صاحب الميزاب، ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبرنا، ومضى. ذكره أحمد.

(3) يعني: قوله: (وإن أخطأ)، فلا يقصر على جهالته بكذب الشهود ونحوه.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 187، وروضة الناظر/ 366.

(5) نهاية 456 من (ح).

(6) يعني: الظن.

(4/1497)

وإلا (1) كان (2) يستحيل ظن النقيض مع ذكر (3) الحكم؛ لأجل العلم بالحكم، ولا يستحيل إِجماعًا.

فإِن قيل: اجتماع النقيضين مشترك الإِلزام؛ لأنه يجب الفعل أو يحرم قطعًا عند ظنه أحدهم؛ لاتباع ظنه.

رد: الظن متعلق بالوجوب أو الحرمة، والعلم بتحريم (4) مخالفته.

فإِن قيل: متعلقهما متحد؛ لزوال العلم بتحريمها (5) بتبدل الظن.

رد: لأن الظن شرطه.

فإِن قيل: لا يلزم اجتماع النقيضين؛ لتعلق الظن يكون الدليل، والعلم بثبوت مدلوله وهو الحكم، وزوال العلم بتبدل الظن لا يوجب اتحادهما؛ لأن الظن شرطه.

رد: كونه دليلاً حكم، فإِذا ظنَّه عَلِمَه، وإلا جاز تعبّده بغيره، فلا يكون كل مجتهد مصيبًا.

وأيضًا: الأصل عدم التصويب ودليله، وصُوِّب غير معيَّن للإِجماع.

ولم يحتجّ الآمدي (6) بغيره.

__________

(1) في (ح) و (ظ): ولا.

(2) يعني: لو كان الظن موجبا للعلم لامتنع ظن النقيض مع تذكره.

(3) يعني: مع تذكر الحكم.

(4) يعني: متعلق بتحريم مخالفته.

(5) يعني: المخالفة.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 192.

(4/1498)

واستدل: إِذا اختلف اجتهادهما: فإِن كان بدليلين تعيَّن (1) أرجحهما (2)، [وإلا] (3) تساقطا.

رد: الدليل الظني من الأمور الإِضافية، يترجح بالنسبة إِلى من يراه.

واستدل: بشرع المناظرة (4) إِجماعًا، وفائدتها إِصابة الحق.

رد: أو تبيين (5) ترجيح دليل على الآخر أو تساويهما، أو تمرين النفس.

واستدل: المجتهد طالب، ويستحيل طالب ولا مطلوب، فلا بد من ثبوت حكم قبل طلبه، فمن أخطأه فمخطئ.

رد: مطلوبُ كلٍّ ما يظنه، فليس معيَّنًا.

وأيضاً: يلزم المحال لو قال مجتهد شافعي لمجتهدة حنفية: "أنت بائن"، ثم قال: "راجعتك (6) "، أو تزوج امرأة بغير ولي (7)، ثم تزوجها بعده آخر بولي (8).

__________

(1) نهاية 237 أمن (ب).

(2) في (ب) و (ح): أرجحها.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(4) نهاية 160 ب من (ظ).

(5) في (ح) و (ظ): أو تبين.

(6) فالرجل يعتقد الحل، والمرأة تعتقد الحرمة، فيلزم من صحة المذهبين حلها وحرمتها.

انظر: شرح العضد 2/ 298.

(7) يعني: لأنه يرى صحته.

(8) يعني: لأنه يرى بطلان نكاح الأول.

(4/1499)

رد: مشترك الإِلزام؛ لوجوب اتباع ظنه، فَيُرفع إِلى حاكم فيتبع حكمه، ذكره القاضي (1) وابن برهان والآمدي (2) وغيرهم.

وفي انتصار أبي الخطاب (3): يعمل باطنًا بظنه.

قالوا: (وكلا (4) آتينا حكماً وعلمًا) (5)، ولو أخطأ أحدهما لم يَحْسُن.

رد: بما سبق (6)، وبأنه غير مانع، وبحمله على العمل (7).

قالوا: (بأيهم اقتديتم اهتديتم)، ولا هدى مع خطأ.

رد: بالمنع؛ لفعله ما يلزمه (8). (9)

قال ابن عقيل: ويحتمل (10) مراده الأخذ بالرواية، أو الإِمامة لصلاحيتهم لها، أو تقليد من شاء في حكم اتفقوا عليه.

__________

(1) انظر: المسودة/ 472.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 192.

(3) انظر: المسودة/ 472.

(4) نهاية 457 من (ح).

(5) سورة الأنبياء: آية 79.

(6) في ص 1494 - 1495.

(7) يعني: العمل بوسائل الاجتهاد، فالكل أوتي ذلك، لكن أصاب أحدهما.

(8) في (ب): ما يلزم.

(9) يعني: الصحابي يفعل ما يلزمه، وهو ما أداه إِليه اجتهاده.

(10) في (ب): ويحمل.

(4/1500)

قالوا: لو كان لم تتفق الصحابة على تسويغ (1) الخلاف، وتولية الحكام مع مخالفتهم لهم.

رد: لاتفاقهم أن كل مجتهد يتبع ظنَّه، ولم يتعين المخطئ، فلا إِنكار.

قالوا: لو كان لزم النقيضان إِن بقي الحكم المطلوب على المجتهد (2)، وإن سقط عنه لزم الخطأ (3).

رد: يلزم الخطأ؛ لأنه لو كان في المسألة نص أو إِجماع وبذل (4) وسعه -فلم يجد- لزم مخالفته، فهنا أولى؛ لأمره بالحكم بظنه، فحكم بما أنزل الله.

مسألة

تعادل دليلين قطعيين محال اتفاقًا؛ لاستلزام كل منهما مدلوله.

وكذا ظنيين -فيجتهد في الترجيح، ويقف إِلى أن يتبينه- عند أصحابنا وأكثر الشافعية (5) والكرخي (6) والسرخسي (6)، وحكاه الإِسفراييني (6) عن أصحابه.

__________

(1) في (ح): تشريع.

(2) يعني: لأنه يلزمه العمل بظنه، ويبقى الحكم في نفس الأمر عليه، وهما متناقضان.

(3) يعني: لأنه يكون العمل بالحكم الخطأ واجباً، وبالصواب حراماً.

(4) نهاية 237 ب من (ب).

(5) انظر: اللمع/ 77، والتبصرة/ 510.

(6) انظر: العدة/ 238أ، والمحصول 2/ 2/ 506، والإِحكام للآمدي 4/ 197،

والمسودة/ 446. والسرخسي: هو أبو سفيان.

(4/1501)

وذكر بعض أصحابنا (1): إِن عجز عن الترجيح قَلَّد عالمًا.

وقال الرازي (2) والجرجاني (3) والجبائي (4) وابنه وابن الباقلاني (5) -وقال: قاله الأشعري وكل من صوب كل مجتهد، وأنه محكي عن الحسن والعنبري-: يجوز تعادلهما، وذكره بعض أصحابنا رواية عن أحمد، واختاره ابن عقيل (6) ضمن [مسألة] (7) القياس، وذكر الأول عن الفقهاء وكل من صوب واحداً، وكذا في التمهيد (8): المسألة مبنية عليه، ومع تعادلهما لا نعلم الحق.

واختاره الآمدي (9)، وذكره عن أكثر الفقهاء، والأول عن أحمد.

فعلى هذا: يتخير كالكفارة وغيرها، والفرق أنه لا تعارض (10) فيها،

__________

(1) انظر: المسودة/ 449.

(2) انظر: أصول الجصاص/ 289 ب.

(3) انظر: العدة/ 238أ، والمسودة/ 446.

(4) انظر: المعتمد/ 853، والتبصرة/ 510.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 197، والمسودة/ 446.

(6) انظر: المسودة/ 447، 449.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: التمهيد/ 214 أ.

(9) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 197.

(10) في (ح): لا يعارض.

(4/1502)

ولهذا يجوز ورود الشرع بإِيجاب الكل، ولا يجوز في مسألتنا، ويكون (1) (2) علامة التخيير.

وفي الخلاف (3) -في تعارض البينتين- والروضة (4): تعارضهما وتساقطهما، وقاله بعضهم.

وفي مختصر القاضي (5): يجوز (6) تعادلهما، ويكون كعامي يجب تقليد غيره.

وذكر أبو المعالي (7): أن كلا من المصوبة والمخطئة قال: هل يقلد عالمًا -كعامي- أو يتوقف أو يتخير؟ فيه أقوال (8).

وجه الثاني: الأصل عدم المنع ودليله.

قالوا: لو تعادلا: فإِما أن يعمل بهما، أو بأحدهما معينًا أو مخيرا (9)،

__________

(1) يعني: التعادل.

(2) نهاية 161 أمن (ظ).

(3) انظر: المسودة/ 448.

(4) انظر: روضة الناظر/ 374.

(5) مختصر القاضي: هو كتاب ألفه القاضي فيما اختصره من أصول الدين والفقه. قال صاحب المسودة: "رأيته بخطه"، وأورد هذا الكلام عنه. فانظر: المسودة/ 449.

(6) نهاية 458 من (ح).

(7) انظر: المسودة/ 449 - 450.

(8) في (ح): أقول.

(9) نهاية 238 أمن (ب).

(4/1503)

أوْ لا، والأول: جمع بين النقيضين، والثاني: تحكم، والثالث: تخيير للمجتهد، ومنعه إِجماع، والرابع: تناقض؛ لأنه يقول: "لا حرام ولا واجب"، وهو أحدهما.

رد: يعمل بهما في أن كلا منهما وقف الآخر (1) في ترتيب مقتضاه عليه، فيقف المجتهد أو يتخير.

وإن سلم امتناعه (2) عمل بأحدهما على التخيير، والإِجماع (3) إِذا لم يتعادلا، وليس التخيير مطلقًا -ليلزم منه تركُ العمل بأحدهما- بل مشروط بقصد العمل بدليله، كالشرط في التخيير بين القصر والإِتمام.

قال ابن الباقلاني (4): "وليس له تخيير المستفتي والخصوم، ولا الحكم في وقت بحكم، وفي وقت بحكم آخر، بل يلزم أحد القولين"، وذكر أن هذا قول من حكاه عنه.

قال: وهل يتعين أحد الأقوال بالشروع فيه -كالكفارة- أو بالتزامه كالنذر؟ لهم فيه قولان.

قال بعض أصحابنا (5): هما نظيرا الوجهين لنا في جواز انتقال الإِنسان عنه.

__________

(1) في (ح): للآخر.

(2) يعني: العمل بهما. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 198 - 199.

(3) يعني: الإجماع على منع التخيير إِنما يكون إِذا لم يتعادلا.

(4) انظر: المسودة/ 446.

(5) انظر: المسودة/ 446.

(4/1504)

وذكر الآمدي (1): أنه لا يمتنع ذلك (2)، كما لو تغير اجتهاده، إِلا أن يكون المحكوم عليه واحداً؛ لتضرره بالحكم له بحل النكاح في وقت، وتحريمه في آخر. كذا قال.

واحتج ابن الباقلاني -أو (3) غيره-: بأنه قال - عليه السلام - لأبي بكر (4): (لا تقض في شيء واحد بحكمين مختلفين). كذا قال.

وإن (5) سلم امتناع التخيير فلا يعمل بهما، ويتساقطان.

وإنما يلزم التناقض لو اعتقد نفي الحكمين في نفس الأمر.

مسألة

ليس لمجتهد أن يقول في شيء واحد في وقت واحد قولين متضادين عندنا وعند عامة (6) العلماء؛ لأن اعتقادهما محال، وإلا: فإِن رجح أحدهما

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 199.

(2) يعني: نحو حكمه لزيد بحكم، ولعمرو بنقيضه.

(3) كذا في النسخ.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لأبي بكرة. والحديث أخرجه النسائي في سننه 8/ 247 من حديث أبي بكرة قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يقضين أحد في قضاء بقضاءين). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 196 بلفظ: (لا يقضين أحد في أمر قضاءين). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وانظر: تخريج أحاديث المنهاج للعراقي/ 307.

(5) هذا تمام الرد على دليلهم.

(6) نهاية 238 ب من (ب).

(4/1505)

تعين، وإلا فلا قول له.

وأطلق الشافعي (1) في سبع عشرة مسألة: فيها قولان.

فقيل: للعلماء (2).

رد: حكاهما على أنهما قوله، ولهذا ذكرهما أصحابه له، واختلفوا في المختار.

وبه رد ما قيل: فيها ما يقتضي للعلماء قولين؛ لتعادل الدليلين عنده.

قال الآمدي (3): (4) إِنما يمكن تصحيحه به (5) لكنه ليس قولاً بحكم شرعي.

وقيل: معنى القولين التخيير بين الحكمين أو الشك. (6)

رد: التخيير قول واحد، والشك ليس قولاً، ومن قال (7) بالتخيير في الكفارة -أو شك (8) - ليس له أقوال.

__________

(1) انظر: اللمع/ 77، والبرهان/ 1366، والإحكام للآمدي 4/ 201.

(2) يعني: فيها قولان للعلماء.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 202.

(4) نهاية 459 من (ح).

(5) يعني: بهذا القول (فيها ما يقتضي للعلماء قولين).

(6) نهاية 161 ب من (ظ).

(7) يعني: ولهذا فمن قال بالتخيير ... إِلخ.

(8) يعني: شك في شيء.

(4/1506)

أما لو أطلق وبين قوله منهما -كما فعله أحمد (1) - جاز.

مسألة

فإِن قاله في وقتين:

فإِن جهل أسبقهما جعلنا الحكم فيها مختلفا؛ لأنه لا أولوية بالسبق، ذكره القاضي (2).

قال بعض الشافعية (3): "ويحكى القولان عنه، وأن أقوال الشافعي كذلك"، وكذا بعض أصحابنا، وأنه إِجماع لنقل (4) أقوال السلف.

وفي التمهيد (5) وغيره: يجتهد في الأشبه بأصوله الأقوى في الحجة، فيجعله مذهبه، ويشك في الآخر.

وقاله في الروضة (6)، وفيها أيضًا: أنهما كخبرين عنه - عليه السلام - تعارضا.

وكذا جزم الآمدي (7): يمتنع العمل بأحدهما؛ لاحتمال رجوعه كنصين.

__________

(1) انظر: العدة/ 254أ- ب.

(2) انظر: العدة/ 253 ب-254 أ.

(3) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 3/ 153.

(4) في (ب) و (ح): كنقل.

(5) انظر: التمهيد/ 217 ب.

(6) انظر: روضة الناظر/ 376، 380.

(7) انظر: الأحكام للآمدي 4/ 201.

(4/1507)

وإن علم أسبقهما فالثاني مذهبه، وهو ناسخ للأول، اختاره في التمهيد (1) والروضة (2) والعدة (3) -وذكره ظاهر كلام الخلال وصاحبه (4)، كقولهما: "هذا (5) قول قديم أو أَوَّل، والعمل على كذا"- كنصين، ولأنه الظاهر، قال أحمد: إِذا رأيتُ ما هو أقوى أخذتُ به، وتركت القول الأول.

وجزم به الآمدي (6) وغيره.

وقال بعض أصحابنا (7): والأول مذهبه أيضًا؛ لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد.

وفيه نظر، ويلزمه لو صرح بالرجوع (8).

وبعض أصحابنا خالف، وذكره (9) بعضهم (10) مقتضى كلامهم.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 217أ- ب.

(2) انظر: روضة الناظر/ 376.

(3) انظر: العدة/ 253 ب، 254أ.

(4) هو: أبو بكر عبد العزيز.

(5) نهاية 239 أمن (ب).

(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 202.

(7) انظر: روضة الناظر / 380 - 381.

(8) يعني: فإِن الاجتهاد ينقض بالاجتهاد.

(9) يعني: كونهما مذهبا له، وإن صرح بالرجوع.

(10) انظر: المسودة/ 527.

(4/1508)

مسألة

مذهب الإِنسان: ما قاله أو جرى مجراه من تنبيه أو غيره، وإلا لم تجز نسبته إِليه.

ولأصحابنا وجهان في جواز نسبته إِليه من جهة القياس أو فعله أو مفهوم.

فإِن قلنا: "المفهوم مذهب"، فقال في مسألة بخلافه (1): بطل (2).

وقيل: لا.

وإن علله بعلة فقوله ما وُجِدَتْ فيه، ولو قلنا بتخصيص العلة؛ لعدمِ نقلِ مخصِّص، ومنعه قوم من أصحابنا.

وإن قلنا: "ما قيس على كلامه مذهبه"، فأفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين: لم يجز نقله من كل (3) منهما إِلى الأخرى، كقول الشارع، ذكره في التمهيد (4) وغيره.

وذكر ابن حامد (5) عن بعض أصحابنا: يجوز.

__________

(1) في (ب): بخلاف.

(2) يعني: المفهوم.

(3) في (ب): نقل.

(4) انظر: التمهيد/ 216 ب- 217 أ.

(5) انظر: تهذيب الأجوبة/ 89 أ- ب.

(4/1509)

ونص أحمد على إِعادة فصل في مكان نجس عجزًا: "لا يعيد" بخلاف الثوب (1)، وسَوَّى أصحابنا، ومنع بعضهم، وهو أظهر هنا؛ للفرق.

ولو نص على حكم مسألة، ثم قال: "لو قال قائل بكذا، أو ذهب ذاهب إِليه (2) ": لم يكن (3) مذهبا له؛ للشك، قال أبو الخطاب (4): خلافا لبعضهم؛ لأن الظاهر أنه سئل، فأجاب بمذهبه.

قال بعض (5) أصحابنا (6): يحتمله كلام أصحابنا في مسألة القصر.

مسألة

لا ينقض حكم في مسألة اجتهادية؛ للتساوي في الحكم بالظن -وإلا نُقِضَ بمخالفة قاطع في مذهب الأئمة الأربعة- إِلا ما سبق (7) في مسألة أن المصيب واحد، وذكره الآمدي (8) اتفاقًا؛ لأنه عمل الصحابة، وللتسلسل، فتفوت مصلحة نصب الحاكم.

__________

(1) نهاية 460 من (ح).

(2) في التمهيد/ 217 ب: " ... أو ذهب ذاهب إِليه كان مذهبا" لم يكن مذهبا له.

(3) نهاية 239 ب من (ب).

(4) انظر: التمهيد/ 217 ب.

(5) نهاية 162 أمن (ظ).

(6) انظر: المسودة/ 525.

(7) في ص 1489 وما بعدها.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 203.

(4/1510)

ولنا خلاف فيمن حُبِس في ثمنِ كلب أو خمرِ ذمي أراقه: هل يُطْلقه حاكم بعده، أمْ لا، أم يتوقف ويجتهد في الصلح؟.

وللشافعي كالأخيرين.

ولنا خلاف في نكاح بلا ولي، وقاله بعض أصحابه.

وعن أبي ثور (1) وداود: يُنْقض ما بان خطؤه.

وجوز ابن القاسم (2) المالكي نقض ما بأن غيرهُ أصوب.

...................

وحكمه بخلاف اجتهاد باطل، ولو قَلَّد غيره، وذكره الآمدي (3) اتفاقا.

وفي إِرشاد ابن أبي موسى: لا؛ للخلاف في المدلول، ويأثم.

وينبغي هذا فيمن قضى بخلاف رأيه ناسيًا له: لا إِثم، وينفذ كقول أبي حنيفة (4).

وعند أبي يوسف (5): يرجع عنه وينقضه، كقول المالكية (6)

__________

(1) انظر: المغني 10/ 50.

(2) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 958 - 959، وتفسير القرطبي 11/ 312.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 203.

(4) انظر: تيسير التحرير 4/ 234، وفواتح الرحموت 2/ 293، 395.

(5) انظر: شرح أدب القاضي 1/ 76، وتيسير التحرير 4/ 130، وفواتح الرحموت 2/ 392، 396.

(6) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 958 - 959، والمنتهى/ 161.

(4/1511)

والشافعية (1).

وبناه في شرح الخصاف (2) على جواز تقليد غيره (3).

نقل أبو طالب: إِذا أخطأ بلا تأويل فَلْيَرُده، ويطلب صاحبه، فيقضي بحق.

.................

وإن حكم مقلِّد بخلاف [مذهب] (4) إِمامه: فإِن صح حكم المقلِّد (5) انبنى نقضه على منع تقليد غيره (6)، ذكره (7) الآمدي (8)، وهو واضح، ومعناه لبعض أصحابنا.

__________

(1) انظر: أدب القاضي للماوردي 1/ 261، 647 والإِحكام للآمدي 4/ 203، ومغني المحتاج 4/ 378.

(2) الخصاف: هو أبو بكر أحمد بن عمر -ويقال: ابن عمرو- الشيباني، فقيه حنفي، توفي سنة 261 هـ. من مؤلفاته: أدب الفاضي، والحيل، وأحكام الأوقاف.

انظر: الجواهر المضية 1/ 87، والفوائد البهية/ 29، وتاج التراجم / 7.

ويعني المؤلف -هنا-: شرح كتابه "أدب القاضي". وقد شرحه جمع من العلماء، والشرح المشهور المتداول هو شرح عمر بن عبد العزيز بن مازه المعروف بالحسام الشهيد، المقتول سنة 536 هـ. انظر: كشف الظنون 1/ 46 - 47. وهذا الشرح مطبوع.

(3) انظر: شرح أدب القاضي 1/ 75 - 76.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).

(5) ضرورة عدم وجود المجتهد في زماننا.

(6) يعني: غير إِمامه.

(7) نهاية 240 أمن (ب).

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 203.

(4/1512)

وذكر ابن هبيرة (1) أن عمله بقول الأكثر أولى.

......................

ومن اجتهد لنفسه -كتزويجه بغير ولي- ثم تغير اجتهاده: ففي الروضة (2): تحرم، إِلا أن يحكم به ثم يتغير، وقاله الآمدي (3)، قال: لأن استدامة حلها بخلاف معتقده خلاف الإِجماع.

وقيل: تحرم مطلقًا.

.......................

والمقد (3/ 1) يتغير اجتهاد مقلَّده: لا يحرم، ذكره في التمهيد (4) والروضة (5)؛ لأن عمله بفتواه كالحكم.

وعند الشافعية (6) وبعض أصحابنا: يحرم.

وهو متجه، كالتقليد في القبلة.

وفي الرعاية (7): احتمال وجهين، وفي التي قبلها: يحرم، ويحتمل: لا.

__________

(1) انظر: الإِفصاح 2/ 344 - 345، والمسودة/ 539، 540.

(2) انظر: روضة الناظر/ 381.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 203.

(3/ 1) انظر: المسودة/ 543، وتيسير التحرير 4/ 236.

(4) انظر: التمهيد 2/ 269. نسخة جامعة الإمام.

(5) انظر: روضة الناظر/ 381.

(6) انظر: المستصفى 2/ 382، والإِحكام للآمدي 4/ 203.

(7) انظر: الرعاية الكبرى 3/ 231 ب- 232 أ.

(4/1513)

أما إِن لم يعمل بفتواه لزم المفتي تعريفه.

فإِن (1) لم يعمل ومات المفتي فاحتمالان في التمهيد (2): المنع؛ لتردد (3) بقائه عليها لو كان حيا -قال بعض أصحابنا (4): فعلى هذا: لو كان حيا لم يجز (5)، وهو بعيد- والجواز للظاهر (6).

* * *

ويجوز تقليد مجتهد ميت؛ لبقاء قوله في الإِجماع، وكحاكم وشاهد.

ولنا وللشافعية (7) وجه: لا، وذكره ابن عقيل (8) عن قوم من الفقهاء والأصوليين، واختاره في التمهيد (9) في أن عثمان لم يشرط عليه تقليد أبي بكر وعمر؛ لموتهما.

* * *

__________

(1) نهاية 461 من (ح).

(2) انظر: التمهيد 2/ 269. نسخة جامعة الإِمام.

(3) في (ح): كتردد.

(4) انظر: المسودة/ 543.

(5) أن يعمل بالفتيا ثانيا حتى يستفتيه مرة ثانية.

(6) يعني: لأن الظاهر أنه قوله حتى مات.

(7) انظر: المحصول 2/ 3/ 97 - 98، والمجموع 1/ 95، ونهاية السول 3/ 210 - 211.

(8) انظر: المسودة/ 466.

(9) انظر: التمهيد 2/ 276. نسخة جامعة الإِمام.

(4/1514)

قال بعض أصحابنا (1): ومخالفة المفتي نصَّ إِمامه الذي قلده كمخالفة المفتي (2) نص الشارع.

وإن عمل بفتياه في إِتلاف فبان خطؤه قطعًا ضمنه لا مستفتيه.

ويتوجه فيه كَمتَّهِب مع غاصب (3).

وإن لم يكن (4) أهلا للفتيا فوجهان.

وعند الإِسفراييني (5) وغيره: يضمن الأهل فقط.

مسألة

إِذا أداه [اجتهاده] (6) إِلى حكم لم يجز له تقليد غيره إِجماعًا.

وكذا إِن لم يجتهد عند أحمد وأكثر أصحابه ومالك (7) وجديد قولي الشافعي (8)، واختاره الآمدي (9)، وذكره عن أكثر الفقهاء.

__________

(1) انظر: المسودة/ 522.

(2) نهاية 162 ب من (ظ).

(3) انظر: المغني 5/ 204، والفروع 4/ 510.

(4) نهاية 240 ب من (ب).

(5) انظر: المجموع 1/ 81.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(7) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 443.

(8) انظر: البرهان/ 1339.

(9) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 204.

(4/1515)

وقيل: فيما يفتي به؛ لا فيما يخصه.

وجوزه بعض أصحابنا وبعض المالكية: لعذر.

ولأبي حنيفة (1) روايتان، وللشافعية وجهان: المنع -قاله أبو يوسف (2) - والجواز، حكي (3) عن أحمد والثوري وإسحاق، وذكره بعض أصحابنا قولاً لنا.

ومحمد (4): لأعلم منه.

وعن ابن سريج (5) مثله ومثل ضيق الوقت.

وجوز الشافعي (6) في القديم والجبائي (7) وابنه والسرخسي (8) وبعض شيوخه لغير صحابي تقليد صحابي أرجح ولا إِنكار منهم، فإِن استووا تَخَيَّر،

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 228، وفواتح الرحموت 2/ 393.

(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 227.

(3) انظر: اللمع/ 74، والتبصرة/ 403، والمحصول 2/ 3/ 115، والإِحكام للآمدي 4/ 204.

(4) انظر: تيسير التحرير 4/ 228، وفواتح الرحموت 2/ 393.

(5) انظر: اللمع/ 74، والتبصرة/ 412. والعدة/ 185أ، والإِحكام للآمدي 4/ 204، والمسودة/ 468، 469.

(6) انظر: المحصول 2/ 3/ 115، والإحكام للآمدي 4/ 204.

(7) انظر: المعتمد/ 942.

(8) شمس الأئمة. انظر: أصول السرخسي 2/ 105، 108.

(4/1516)

وقاله بعض المتكلمين قبل الفرقة، واختلف قول الشافعي في اعتبار انتشاره.

وقيل: وتابعي.

وذكر أبو المعالي (1) عن أحمد: يقلد (2) صحابيا، ويتخير فيهم، ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز (3) فقط.

وللمجتهد أن يجتهد ويدع غيره إِجماعًا.

لنا: إِثباته (4) يعتبر دليله، والأصل عدمه، ونفيه لانتفاء دليله.

وأيضاً: اجتهاده أصل متمكّن منه، فلم يجز بَدَلُه كغيره (5).

فإِن قيل: لو توقف في مسألة نحوية على سؤاله النحاة، أو في حديث على أهله: ما حكمه؟.

قيل: في التمهيد (6): "عامي فيه"، وفي الروضة (7) والآمدي:

__________

(1) انظر: المسودة/ 470.

(2) في (ح): تقليد.

(3) هو: أمير المؤمنين الأموي المدني ثم الدمشقي، الخليفة العادل، روى عن أنس وسعيد بن المسيب وجماعة، وعنه الزهري وجماعة، توفي سنة 101 هـ.

انظر: غاية النهاية 1/ 593، وتذكرة الحفاظ/ 118، وتهذيب التهذيب 7/ 435، والنجوم الزاهرة 1/ 246، وطبقات الحفاظ/ 46.

(4) يعني: إِثبات جواز تقليده لغيره.

(5) كالتيمم مع الوضوء.

(6) انظر: التمهيد 2/ 772. نسخة جامعة الإِمام.

(7) انظر: روضة الناظر/ 377.

(4/1517)

هو الأشبه (1).

وأيضًا: (فاعتبروا) (2)، (فردوه إلى الله والرسول) (3).

واستدل: كبعد اجتهاده.

رد: بالمنع؛ لأنه حصل ظن أقوى.

واستدل (4): كالعقليات.

رد: المطلوب فيها العلم، ولا يحصل بتقليد.

قالوا: (فاسألوا أهل الذكر) (5).

رد: المراد: يسأل من ليس أهلا أهل الذكر، وكلهم أهل، فلم يدخلوا، ولقوله (6): (إِن كنتم لا تعلمون (7)) (8)، وأمره هنا للوجوب (9)

__________

(1) نهاية 241أمن (ب).

(2) سورة الحشر: آية 2.

(3) سورة النساء: آية 59.

(4) نهاية 462 من (ح).

(5) سورة النحل: آية 43.

(6) في (ح) و (ظ): وكقوله.

(7) سورة النحل: آية 43.

(8) فهو يقتضي أن يجب على المجتهد بعد اجتهاده استفتاء غيره؛ لأنه بعد اجتهاده ليس بعالم، بل هو ظان، وبالإِجماع لا يجوز ذلك. انظر: المحصول 2/ 3/ 121.

(9) يعني: والسؤال غير واجب بالاتفاق.

(4/1518)

ولتخصيصه بما بعد الاجتهاد -وسبق (1): (أصحابي كالنجوم) (2) - وكتعارض دليلين، ولم يسوغوا الأخذ بكل من قوليهما، بل بالراجح.

قالوا: الظن كاف.

رد: ظنُّه متعين؛ لعلمه بشروطه، كعِلمٍ على ظن، ولأنه (3) مبدَل؛ لتعينه بعد اجتهاده (4).

قالوا: عاجز مع العذر، كعامي.

رد: اجتهاده شرط يمكنه كسائر الشروط، فيؤخر العبادة.

وفي التمهيد (5): مثل الصلاة، يفعله بحسبه ثم يعيد، كعادمِ (6) ماء وتراب ومحبوس بموضع نجس.

وقال بعض أصحابنا (7): لا يعيد، كظاهر مذهبنا في الأصل.

وكالعقليات لا يقلِّد فيها من خشي الموت، قاله في التمهيد (8)، وكذا

__________

(1) في ص 1452، 1500.

(2) يعني: وأنه للمقلد.

(3) يعني: الظن الحاصل باجتهاده.

(4) يعني: والأصل أنه لا يجوز العدول إِلى البدل مع إِمكان تحصيل المبدل.

(5) انظر: التمهيد / 222 ب.

(6) نهاية 163أمن (ظ).

(7) انظر: المسودة/ 471.

(8) انظر: التمهيد/ 222 ب.

(4/1519)

في الواضح: (1) مع ضيق الوقت.

وفي الفصول: لا يقلد في التوحيد مع ضيقه.

والعامي يلزمه التقليد مطلقًا.

مسألة

يجوز أن يقال يجتهد: "احكم بما (2) شئت فهو صواب" عند بعضهم، ويؤخذ من كلام القاضي وابن عقيل.

وَصَرَّحا (3) بجوازه للنبي عليه السلام، وقاله الشافعي (4) وأكثر أصحابه والجرجاني (4) وجمهور أهل الحديث.

ثم: في وقوعه (5) قولان.

وتأول بعضهم كلام الشافعي، وَرَدَّدَه الآمدي (6). (7)

__________

(1) في (ظ): في.

(2) في (ح): ثم.

(3) انظر: العدة/ 248 ب، والمسودة/ 510.

(4) انظر: اللمع/ 78، والمحصول 2/ 3/ 184، والإحكام للآمدي 4/ 209، والعدة/ 248 ب، والمسودة/ 510.

(5) في (ب): وقوفه.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 209.

(7) يعني: جعل كلامه مترددا بين الجواز والمنع.

(4/1520)

ومنعه السرخسي (1) وجماعة من المعتزلة (1)، واختاره أبو الخطاب (2)، وذكره عن أكثر الفقهاء، وأنه أشبه بمذهبنا (3): الحق عليه (4) أمارة، فكيف يحكم بغير طلبها؟.

القائل بالأول: الله قادر عليه، فجاز كالوحي، ولا مانع، والأصل عدمه.

واستدل: بتخييره (5) في الكفارة، والعامي في المجتهدين.

رد: لا يلزم؛ لأنه يختص هنا بمجتهد (6).

القائل "وقع": احتج القاضي (7) وابن عقيل وغيرهما بقوله: (إِلا ما حرم إِسرائيل على نفسه) (8).

رد: محتمل، وللمفسرين (9) قولان: هل هو باجتهاد، أو بإِذن الله؟.

__________

(1) انظر: المعتمد/ 890، والعدة/ 248 ب، والمسودة/ 510.

والسرخسي: هو أبو سفيان.

(2) انظر: التمهيد / 218أ.

(3) في (ح): بمذهب.

(4) في (ح): علي.

(5) في (ح) و (ظ): بتخيره.

(6) والتخيير في الكفارة يعم المجتهد والمقلد.

(7) انظر: العدة/ 248 ب.

(8) سورة آل عمران: آية 93.

(9) انظر: تفسير الطبري 7/ 7 - ط: دار المعارف - وزاد المسير 1/ 423، وتفسير القرطبي 4/ 35.

(4/1521)

وأيضاً: في الصحيحين عن بلد مكة: (لا يختلى خلاه)، فقال العباس (1): "يا رسول الله، إِلا الإِذخر؛ فإِنه لقينهم وبيوتهم"، فقال (إِلا الإِذخر (2). الخلا (3) -مقصور-: الحشيش الرطب، واختلاؤه: قَطْعه، والقين (4): الحدَّاد.

رد: ليس الإِذخر من الخلا، فإِباحته بالاستصحاب (5)، واستثناؤه تأكيد (6)، أو منه ولم يُرِدْه، واستثناؤه لفهم ذلك، أو أراده وَنُسِخَ بوحي سريع، أو أراد استثناءه فسبقه السائل.

وأيضاً: في الصحيحين: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

وفي مسلم: (فرض عليكم الحج، فحجوا)، فقال رجل: "أكل عام؟ "، فقال: (لو قلت: "نعم" لوجبت، ولما استطعتم) (7).

__________

(1) هو: العباس بن عبد المطلب.

(2) تقدم هذا الحديث في ص 908.

(3) انظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 75.

(4) انظر: المرجع السابق 4/ 135.

(5) نهاية 463 من (ح).

(6) في (ح): تأكيدا ومنه. وقد ضرب على الواو.

(7) أخرجه مسلم في صحيحه/ 975 من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

وأخرجه -أيضًا- النسائي في سننه 5/ 110، وأحمد في مسنده 2/ 508.

وأخرجه النسائي في سننه 5/ 111 من حديث ابن عباس مرفوعاً، وأخرجه=

(4/1522)

رد: يجوز أن الله خَيَّره في ذلك بعينه.

ويجوز أن (1) قوله - عليه السلام - بوحي.

القائل بالمنع: وضعت الشريعة لمصلحة العبد، وهو يجهلها، وقد يختار المفسدة، ثم: يمتنع دوام اختياره الصلاح، كأفعال كثيرة مُحْكَمَة بلا علم، ثم: يلزم (2) العامي.

رد: الأول: مبني على رعاية المصلحة، ثم: أَمِنَّا المفسدة.

والثاني: ممنوع، ثم: لا مانع في أفعال قليلة.

ويجوز لعامي عقلا، قاله الآمدي (3)، وفيه (4) وفي التمهيد (5): منعه فيه إِجماع.

__________

=-كذلك- الدارمي في سننه 1/ 361، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 235، وأحمد في مسنده 1/ 255، والحاكم في مستدركه 2/ 293 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وأخرجه الترمذي في سننه 2/ 154 - 155، 4/ 321 - 322 من حديث علي، بلفظ: قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟. قال الترمذي: حسن غريب من حديث علي. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 963.

وأخرجه ابن ماجه -أيضًا- في سننه/ 963 من حديث أنس.

وانظر: نصب الراية 3/ 1 - 4. والتلخيص الحبير 2/ 220.

(1) نهاية 242 أمن (ب).

(2) في (ب): يكرم.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 214.

(4) انظر: المرجع السابق 4/ 213.

(5) انظر: التمهيد/ 218 ب- 219 أ.

(4/1523)

فقيل: لفضل المجتهد وإكرامه.

رد: استويا هنا في الصواب.

وقال القاضي (1): لا يمتنع (2) في مجتهد بلا اجتهاد، كتخيير عامي في تقليد من شاء، والتخيير في الكفارة وغيرها.

وفي التمهيد (3): منعه بلا اجتهاد إِجماع.

وأيضًا: كما لا يجوز: أخْبِرْ، فإِنك لا تخبر إِلا بصواب.

رد: لا يمتنع، قاله القاضي (4) وابن عقيل.

قال في التمهيد (5): لو جاز خرج كون الأخبار عن الغيوب دالة على ثبوت (6) الأنبياء، وكلّف تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره (7) من غير علم بذلك.

كذا قال، والفرق بالمعجزة.

قالوا: لجعل وضع الشريعة إِلى النبي.

__________

(1) انظر: العدة/ 248 ب، 249 أ.

(2) نهاية 163 ب من (ظ).

(3) انظر: التمهيد/ 218 ب.

(4) انظر: العدة/ 249 أ.

(5) انظر: التمهيد/ 218 ب.

(6) كذا في (ب) و (ح). ولم تنقط في (ظ). ولعلها: نبوة.

(7) كذا في النسخ. وفي التمهيد: "دون غيره". أقول: ولعله الصواب.

(4/1524)

رد: لا يمتنع، قاله ابن عقيل وغيره.

قال القاضي (1): إِن (2) أمكنه (3) بفكر ورأي إِن عَلِمه الله مصلحة، كحِلِّه (4) (4/ 1) له أكل (5) ما شاء إِن عَلِمه لا يختار حراما.

مسألة

لا يقر - عليه السلام - على خطأ في اجتهاده إِجماعًا.

ومنع بعض الشافعية من الخطأ.

وفي العدة (6) -أيضًا- معصوم في اجتهاده كالأمة، فليس طريقه غالب الظن.

وفي التمهيد (7) -أيضًا-: حكمه معصوم بعصمته وإن صدر عن (8) ظن كالإِجماع.

احتج الأول: بما سبق (9) في اجتهاده.

__________

(1) انظر: العدة/ 249 أ.

(2) يعني: لا يمتنع إِن أمكنه.

(3) يعني: إِن أمكنه الوصول إِليه.

(4) يعني: كما لا يمتنع حله ... إِلخ. (4/ 1) كذا في النسخ. ولعلها: كإِحلاله.

(5) في (ب) و (ظ): أكمل.

(6) انظر: العدة / 248أ.

(7) انظر: التمهيد/ 152 ب.

(8) نهاية 242 ب من (ب).

(9) في ص 1472.

(4/1525)

وفي الصحيحين (1) عن أم سلمة مرفوعًا: (إِنما أنا بشر، وإِنكم تختصمون إِليّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإِنما أقطع له قطعة من النار).

واعترض (2): بأنه خطأ في فصلِ خصومة، والكلام في الحكم.

رد: يستلزمه.

قالوا: يلزم منه أمره لنا بخطأ.

رد: بالعامي يتبع المفتي مع جواز خطئه.

زاد ابن عقيل: وبسهو كسلام عن نقص (3).

وأجيب عن قياسه على الإِجماع: بأنه لا نقص ولا أولوية مع اتصافه برتبة أعلى -وهي الرسالة- ولزوم (4) أهل الإِجماع باتباعه، فيتبع (5) دليلهما (6).

قال ابن عقيل: ثم يُسْتَدْرَك بوحي، بخلاف الأمة.

__________

(1) انظر: صحيح البخاري 9/ 72، وصحيح مسلم/ 1337 - 1338.

(2) نهاية 464 من (ح).

(3) انظر: ص 513 من هذا الكتاب.

(4) يعني: ومع لزوم ... إِلخ.

(5) يعني: فيكون الدليل هو المتبع.

(6) يعني: دليل عصمة الإِجماع، ودليل جواز الخطأ من الرسول. وفي (ظ): دليلها.

(4/1526)

قالوا: مخل (1) بمقصود البعثة.

رد: بالمنع.

مسألة

النافي للحكم عليه دليل عند أصحابنا والشافعية، وذكره [في] (2) التمهيد (3) عن عامة العلماء، وابن [عقيل (4)] (5) عن محققي الفقهاء والأصوليين.

وعند قوم منهم -وقاله بعض الشافعية (6) -: لا.

وعند قوم منهم: عليه في حكم عقلي لا شرعي.

وعكسه عنهم في الروضة (7).

لنا: أنه أثبت يقينا أو ظنا بنفيه (8)، فلزمه كَمُثْبِت.

__________

(1) يعني: الشك في حكمه.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) انظر: التمهيد/ 193 ب.

(4) انظر: الواضح 1/ 202 أ.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) انظر: اللمع/ 73، والتبصرة/ 530.

(7) انظر: روضة الناظر/ 158.

(8) في (ح): ينفيه.

(4/1527)

ولئلا يعبِّر (1) كل أحد عن مقصوده بنفي، فيقول -بدل: محدَث-: ليس بقديم.

ولأنه كاتم للعلم.

واحتج في التمهيد (2): بأنه يلزم من نَفَى قِدَم الأجسام بلا خلاف، فكذا غيره.

واحتج الآمدي (3): بأنه يلزم مدعي الوحدانية والقِدَم إِجماعًا، وحاصلها (4) نفي شريك وحدوث (5).

قالوا: لو (6) لزمه لزم منكر مدعي النبوة وصلاة سادسة ومنكر الدعوى، ولا يلزمه إِجماعًا.

رد: الدليل الاستصحاب مع عدم رافعه.

قال الآمدي (7): قد يكتفى بظهور دليل عن ذكره.

__________

(1) في (ب): يغير.

(2) انظر: التمهيد/ 194 أ.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 219 - 220.

(4) كذا في النسخ. ولعلها: وحاصلهما.

(5) نهاية 164 أمن (ظ).

(6) نهاية 243 أمن (ب).

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 220.

(4/1528)

قال في التمهيد (1): دليله قوله: "لو كنتَ نبيًّا لأَيَّدَك الله بالمعجزة"، فلا فرق، وذكر في الأخريين الاستصحاب.

وفي الواضح (2) والروضة (3): اليمين دليل.

وأجاب بعضهم: بأنه مانع بدفع الدعوى؛ لا (4) مُدَّعٍ.

ويستدل (5): بانتفاء لازم على انفاء ملزوم، وبقياس شرعي على نفي بجعل جامع وجود مانع أو انتفاء شرط إِن جاز تخصيص العلة.

مسألة (6)

إِذا حدثت مسألة لا قول فيها فللمجتهد الاجتهاد فيها والفتوى والحكم.

وهل هذا أفضل، أم التوقف، أم توقفه في الأصول (7)؟ فيه أوجه لنا، ذكرها ابن حامد على ما ذكره بعضهم (8).

__________

(1) انظر: التمهيد/ 194 أ-ب.

(2) انظر: الواضح 1/ 202 ب.

(3) انظر: روضة الناظر/ 159.

(4) في (ظ): ولا.

(5) يعني: ويستدل النافي -بالإِضافة إِلى الاستصحاب- بانتفاء ... إِلخ.

(6) انظر: المسودة/ 450، 543.

(7) في (ظ): الأصل.

(8) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 176، والمسودة/ 450.

(4/1529)

وذكرها بعضهم في الجواز، ومعناه كلام (1) أبي الحسين (2) في ترجمة ابن حامد، وذكر قول أحمد: من قال: "الإِيمان غير مخلوق" ابتدع، ويهجر.

وذكرها صاحب (3) الرعاية، وأن أحمد أومأ إِلى المنع، كقوله (4) للميموني: إِياك أن تتكلم في مسألة ليس لك (5) فيها إِمام.

وفي خطبة الإِرشاد وغيرها: لا بد من الجواب.

__________

(1) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 176.

(2) هو: محمَّد بن محمَّد بن الحسين، القاضي الشهيد، ابن القاضي أبي يعلى، كان عارف بالمذهب الحنبلي مفتيا مناظرا بارعا في الأصول والفروع، قتله خدمه سنة 526 هـ.

من مؤلفاته: طبقات الحنابلة، والمفردات في أصول الفقه.

انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 176، وشذرات الذهب 4/ 79، والمدخل/ 210.

(3) انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 30.

(4) انظر: المسودة/ 350، 543.

(5) نهاية 465 من (ح).

(4/1530)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

التقليد

العمل بقول غيرك بلا حجة.

مأخوذ من التقليد لغة (1): وضع شيء بعنقه محيطًا به، وهو القلادة، فكأنه يُطوِّقه إِثم ما غشه أو كتمه.

فالرجوع إِلى الإِجماع، والعامي إِلى المفتي، والقاضي إِلى العدول (2): ليس بتقليد؛ لقيام الحجة عليها، قال الآمدي (3): وِإن سمي تقليدا عرفا فلا مشاحة في اللفظ.

قال بعض أصحابنا: المشهور أن أخذ عامي بقول مفتٍ تقليد.

قال في التمهيد (4): المفتي غير معصوم (5)، والتقليد حقيقة للشر، فهذا الفرق، وإلا فهما سواء (6).

وقد نقل أبو الحارث (7): من قلد الخبر رجوتُ أن يَسْلم.

......................

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 19 - 20، والصحاح/ 527.

(2) نهاية 243 ب من (ب).

(3) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 221.

(4) انظر: التمهيد 2/ 269. نسخة جامعة الإِمام.

(5) بخلاف قول الرسول والإِجماع.

(6) يعني: من حيث يجب على العامي الرجوع إلى العالم، كما يجب على العالم الرجوع إِلى قول الرسول وإلى الإِجماع.

(7) انظر: المسودة/ 462.

(4/1531)

والمفتي (1): العالم بأصول الفقه وما يستمد منه والأدلة السمعية مفصلة واختلاف مراتبها -كما سبق (2) - أي: غالبا، ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم.

وفي الواضح (3): يجب معرفة جميع أصول الفقه وأدلة الأحكام.

قال أصحابنا وغيرهم: يجب أن يحفظ من القرآن ما يتعلق بالأحكام، وذكره في الواضح (4) عن المحققين، وأن كثيرا من العلماء أوجب حفظ جميعه.

قال أصحابنا: ويعرف المجمع عليه والمختلف فيه. ولم يذكره في التمهيد (5) وغيره.

واعتبر بعض أصحابنا وبعض الشافعية: معرفة أكثر الفقه.

والأشهر: لا؛ لأنه نتيجته.

والمستفتي: إِن كان مجتهدًا أو محصلاً لعلم معتبر للاجتهاد فقد سبق (6)، أو عاميًا.

__________

(1) انظر: العدة/ 249 ب، والإِحكام للآمدي 4/ 222.

(2) في هذا الكتاب.

(3) انظر: الواضح 1/ 85أ.

(4) انظر: المرجع السابق 1/ 57 ب.

(5) انظر: التمهيد 2/ 267. نسخة جامعة الإمام.

(6) في ص 1469، 1515 وما بعدها.

(4/1532)

والمستفتَى فيه: المسائل الاجتهادية. (1)

مسألة

لا يجوز التقليد في معرفة الله والتوحيد والرسالة، ذكره القاضي (2) وابن عقيل (3) وأبو الخطاب (3)، وذكره عن عامة العلماء.

وأجازه العنبري (4) وغيره وبعض الشافعية (5) (6)، وسمعه ابن عقيل (7) من أبي القاسم بن التبان (8) المعتزلي، وأنه يكفي (9) بطريق فاسد، وأن قوما من أهل الحديث والظاهر (10) أوجبوا التقليد فيما لم يُعلم بالحس، وأبطلوا

__________

(1) نهاية 164 ب من (ظ).

(2) انظر: العدة/ 183أ، والمسودة/ 457.

(3) انظر: المسودة/ 457.

(4) انظر: اللمع/ 73، والتبصرة/ 401، والإحكام للآمدي 4/ 223.

(5) انظر: المعتمد/ 941.

(6) نهاية 244 أمن (ب).

(7) انظر: المسودة/ 457، 458.

(8) هو صاحب أبي الحسين البصري شيخ المعتزلة، وهو أحد شيوخ ابن عقيل الحنبلي الذين أخذ علم الكلام عنهم.

انظر: العبر 4/ 29، ومعرفة القراء الكبار 1/ 380، وذيل طبقات الحنابلة 11/ 42، والمنتظم 9/ 212 وهو فيه: ابن البيان. وفي المسودة/ 457: ابن البقال.

(9) يعني: معرفة الله.

(10) في (ب): والظاهرية.

(4/1533)

حجج العقول، واحتج أحمد بها وعامة الفقهاء والأصوليين.

وظاهر خطبته في الإِرشاد: جوازه.

وفي شرح المنهاج (1) لمؤلفه -عن الفقهاء-: يجوز مطلقًا؛ لأنه - عليه السلام - لم يسأل أحدا أسلم.

وأطلق الحلواني (2) وغيره (3) -من أصحابنا وغيرهم-: منع التقليد في أصول الدين.

لنا: أَمْره -تعالى- بالتفكر والتدبر والنظر.

وفي صحيح (4) ابن حبان: لما نزل في آل عمران: (إِن في خلق

__________

(1) لعله يعني: شرح "منهاج الوصول إِلى علم الأصول" للبيضاوي، فإِن مؤلفه -وهو البيضاوي- قد شرحه. والمنهاج مطبوع، والشرح لم أجده.

والبيضاوي: هو أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمَّد الشافعي، فقيه أصولي مفسر عالم بالعربية، توفي سنة 685 هـ

من مؤلفاته: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ومنهاج الوصول إِلى علم الأصول، وشرحه، والإِيضاح في أصول الدين. انظر: طبقات المفسرين للداودي 1/ 242، وبغية الوعاة 2/ 50، وطبقات الشافعية للسبكي 8/ 157، وشذرات الذهب 5/ 392.

(2) انظر: المسودة/ 457.

(3) نهاية 466 من (ح).

(4) في الرسالة المستطرفة / 20: وهو المسمى بالتقاسيم والأنواع، وترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد، والكشف عنه عسر جداً، وقد رتبه على الأبواب الأمير علاء الدين الفارسي، المتوفى سنة 739 هـ، وسماه: الإِحسان في تقريب صحيح ابن حبان.

(4/1534)

السماوات) -الآيات- (1) قال: (ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن، ويل له، ويل له) (2).

والإِجماع على وجوب معرفة الله تعالى، ولا تحصل بتقليد؛ لجواز كذب الخبر واستحالة حصوله لمن (3) قَلَّد (4) في حدوث العالم ولمن (5) قَلَّد في قِدَمه، ولأن التقليد لو أفاد علماً: فإِما بالضرورة -وهو باطل- أو النظر، فيستلزم الدليل، والأصل عدمه، والعلم يحصل بالنظر، واحتمال الخطأ لعدم تمام مراعاة القانون الصحيح.

ولأنه ذم التقليد بقوله: (إِنا وجدنا آباءنا على أمة) (6)، وهي فيما يطلب العلم، فلا يلزم الفروع.

ولأنه يلزم الشارع؛ لقوله: (فاعلم أنه لا إِله إِلا الله) (7)، فيلزمنا،

__________

(1) سورة آل عمران: الآيات 190 - 195.

(2) أخرجه ابن حبان -في صحيحه- وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التفكر، وابن المنذر، وابن مردويه، والأصبهاني في "الترغيب" وابن عساكر عن عطاء عن عائشة مرفوعًا. فانظر: الدر المنثور 2/ 110 - 111، وتفسير ابن كثير 1/ 440 - 441، وفتح القدير 1/ 412.

(3) في (ب): كمن.

(4) في (ح): قلده.

(5) في (ب): وكمن.

(6) سورة الزخرف: آية 22.

(7) سورة محمَّد: آية 19.

(4/1535)

لقوله: (فاتبعوه) (1).

قالوا: لو وجب لما نهى - عليه السلام - ناسا من أصحابه عن الكلام في القدر.

رد: رواه الترمذي (2) من حديث أبي هريرة من رواية صالح المري (3)، وهو ضعيف.

__________

(1) سورة الأنعام: آية 153، 155. وفي سورة الأعراف: آية 158 (واتبعوه). ولعل ما في الأعراف هو المراد؛ لأن المقصود -هنا- اتباع الرسول.

(2) أخرجه الترمذي في سننه 3/ 300، وقال: غريب لا نعرفه إِلا من هذا الوجه من حديث صالح المري، وصالح له غرائب يتفرد بها. قال: وفي الباب عن عمر وعائشة وأنس. قلت: أما حديث عمر فأخرجه أبو داود في سننه 5/ 84، 91 مرفوعاً بلفظ: (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم). وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 30، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 451)، والحاكم في مستدركه 1/ 85 وسكت عنه. وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه في سننه/ 33 مرفوعاً بلفظ: (من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه). وفي الزوائد: إِسناد هذا الحديث ضعيف.

وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وابن ماجه. فانظر: تحفة الأحوذي 6/ 336.

(3) هو: أبو بشر صالح بن بشير البصري، زاهد واعظ، روى عن الحسن وابن سيرين وغيرهما، توفي سنة 173 هـ. ضعفه ابن معين والدارقطني، وقال أحمد: هو صاحب قصص؛ ليس هو صاحب حديث، ولا يعرف الحديث. وقال الفلاس: منكر الحديث جداً. وقال النسائي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث.

انظر: ميزان الاعتدال 2/ 289، وتهذيب التهذيب 4/ 382.

(4/1536)

ورواه أحمد وابن ماجه (1) (2) من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه) (*) عن جده (**)، وفيه: (ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم).

فإِن صح فنهي عن جدال بباطل؛ لقوله: (وجادلهم بالتي هي أحسن) (3)، ولقوله: (إِلا بالتي هي أحسن) (4)، أو فيما لا ينبغي، كما في مسلم (5): أنه سمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فغضب، فقال: (إِنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب).

ولهذا روى ابن ماجه والترمذي (6) -وصححه- عن أبي هريرة: "أن مشركي قريش أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاصمونه في القدر".

__________

(1) انظر: مسند أحمد 2/ 178، وسنن ابن ماجه/ 33. وفي الزوائد: هذا إِسناد صحيح، رجاله ثقات. وراجع: تحفة الأحوذي 6/ 336.

(2) نهاية 244 ب من (ب).

(*) هو: شعيب بن محمَّد بن عبد الله.

(**) هو: عبد الله بن عمرو بن العاص.

(3) سورة النحل: آية 125.

(4) سورة العنكبوت: آية 46.

(5) أخرجه مسلم في صحيحه/ 2053 من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا.

وأخرج -نحوه- أحمد في مسنده 1/ 401، 421 من حديث ابن مسعود.

(6) انظر: سنن ابن ماجه/ 32، وسنن الترمذي 3/ 311. وأخرجه مسلم في صحيحه/ 2046، وأحمد في مسنده 2/ 444، 476، والطبري في تفسيره 27/ 65، والواحدي في أسباب النزول/ 228.

(4/1537)

قالوا: لو كان فعلته الصحابة، ونقل كالفروع.

رد: هو كذلك؛ لئلا يلزم نسبتهم إِلى الجهل به (1) وهو باطل؛ لأنه غير ضروري، ولم يُنْقل لعدم الحاجة.

قالوا: لو كان أنكرت (2) على العامة تركه.

رد: المراد دليل جملي -ويحصل بأيسر نظر- لا تحريرُ دليلٍ وجوابٌ عن شبهة.

قالوا: النظر مظنة وقوع في شبهة وضلالة، فيحرم.

رد: بالمنع.

ثم: يحرم التقليد إِن استند (3) إِلى نظر (4)، أو يتسلسل.

أجيب: يجوز أن يستند إِلى كشف (5) ومشاهدة.

رد: بمنعه طريقًا شرعيا؛ لعدم دليله، والمعارضة بمثله، خلافا للغزالي وغيره، وسبق (6) في الأعيان قبل الشرع.

__________

(1) يعني: بالله تعالى.

(2) نهاية 165 أ. من (ظ).

(3) يعني: اعتقاد من يقلده.

(4) لأن المحذور اللازم من النظر لازم في التقليد، مع احتمال كذب من قلده فيما أخبره به.

(5) نهاية 467 من (ح).

(6) ص 175 من هذا الكتاب.

(4/1538)

وسبق (1) في مسألة التحسين: أن النظر لا يتوقف على وجوبه، فلا دور.

مسألة

لا يجوز للعامي التقليد في أركان الإِسلام الخمسة ونحوها مما تواتر واشتهر (2)، ذكره القاضي (3)، وذكره أبو الخطاب (4) وابن عقيل (5) إِجماعًا، لِتساوي الناس في طريقها، وإلا لزمه -ساغ فيه اجتهاد، أوْ لا- عندنا وعند الشافعية والأكثر.

ومنعه قوم من المعتزلة البغداديين (6) ما لم يتبين له صحة اجتهاده بدليله، وذكره ابن برهان (7) عن الجبائي، وعنه: كقولنا.

ومنعه أبو علي (8) الشافعي فيما لا يسوغ فيه اجتهاد.

وبعضهم: في المسائل الظاهرة (9).

__________

(1) في 165 من هذا الكتاب.

(2) نهاية 245 أمن (ب).

(3) انظر: العدة/ 184 أ.

(4) انظر: التمهيد 2/ 271. نسخة جامعة الإِمام.

(5) انظر: المسودة/ 458.

(6) انظر: المعتمد/ 934، والإحكام للآمدي 4/ 228.

(7) انظر: المسودة/ 459.

(8) الطبري. انظر: المسودة/ 459.

(9) في (ب): الظاهرية.

(4/1539)

واختار الآمدي (1) لزومه في الجميع، وذكره عن محققي الأصول.

لنا: (فاسألوا أهل الذكر إِن كنتم لا تعلمون) (2)، وهو عام؛ لتكرره بتكرر الشرط، وعلة الأمر بالسؤال الجهل.

وأيضًا: الإِجماع؛ فإِن العوام يقلدون العلماء -من غير إِبداء مستند- من غير نكير.

وأيضًا: يؤدي إِلى خراب الدنيا بترك المعايش والصنائع.

ولا يلزم التوحيد والرسالة؛ لِيُسْره وقلّته، ودليله العقل.

قالوا: عنه - عليه السلام -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) (3).

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 228.

(2) سورة النحل: آية 43.

(3) أخرجه ابن ماجه في سننه/ 81: حدثنا هشام بن عمار ثنا حفص بن سليمان ثنا كثير بن شنظير عن محمَّد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). في الزوائد: إِسناده ضعيف لضعف حفص بن سليمان. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 8/ 11 من عدة طرق عن أنس مرفوعًا. وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 54 وما بعدها من حديث علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر وأنس وأبي سعيد من طرق، ثم قال: "هذه الأحاديث كلها لا تثبت"، وبين وجه ذلك، ثم قال: قال أحمد بن حنبل: لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 119 - 120 من حديث ابن مسعود رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ومن حديث أبي سعيد وابن عباس رواهما الطبراني=

(4/1540)

رد: لم يصح.

ثم: طلبه بطريقه الشرعي، فتقليد المفتي منه، فإِن العلم لا يجب عند أحد، بل النظر.

__________

=في الأوسط، ومن حديث الحسين بن علي رواه الطبراني في الصغير، وضعفها الهيثمي، وبين وجه ذلك. قال ابن عبد البر: يروى عن أنس من وجوه كثيرة كلها معلولة؛ لا حجة في شيء منها عند أهل العلم بالحديث من جهة الإسناد. وقال البزار: روي عن أنس بأسانيد واهية، وفي الباب عن أبي وجابر وحذيفة والحسين بن علي ... وقال البيهقي: متنه مشهور، وإسناده ضعيف، وروي من أوجه كلها ضعيفة. وقال العراقي: قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه.

وأخرجه ابن الجوزي في منهاج القاصدين من جهة أبي بكر بن داود، وقال: ليس في حديث (طلب العلم فريضة) أصح من هذا.

وقال السيوطي: سئل النووي عن هذا الحديث، فقال: إِنه ضعيف -أي: سندا- وإن كان صحيحًا، أي: معنى. وقال تلميذه جمال الدين المزي: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن. وهو كما قال؛ فإني رأيت له خمسين طريقًا، وقد جمعتها في جزء. انتهى كلام السيوطي.

وراجع: سنن ابن ماجه/ 81، وجامع بيان العلم وفضله 1/ 8 - 11، والعلل المتناهية 1/ 54 - 66، ومجمع الزوائد 1/ 191 - 120، والمقاصد الحسنة/ 275 - 277، واللآلئ المصنوعة 1/ 193، وكشف الخفاء 2/ 56 - 57، وفيض القدير 4/ 267.

(4/1541)

مسألة

للعامي استفتاء من عَرَفه عالماً عدلاً، أو رآه منتصبا مُعظَّما.

ولا يجوز في ضده عند العلماء، وذكره الآمدي (1) اتفاقًا.

قال في الروضة (2) وغيرها: "يكفيه قول عدل"، ومراده: خبير.

وعند بعض الشافعية (3): إِنما يعتمد على قوله (4): "أنا أهل للفتوى"؛ لإِفادة التواتر في المحسوس (5)، واشتهار ما لا أصل له.

واعتبر بعض أصحابنا (6) الاستفاضة؛ لا مجرد اعتزائه إِلى العلم ولو بمنصب تدريس أو غيره، ومراده: في زمانه، وقاله بعض الشافعية (7).

وذكر (8) ابن عقيل (9): يجب سؤال أهل الثقة والخبرة عنه؛ لأنه لا

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 232.

(2) انظر: روضة الناظر/ 384.

(3) انظر: البرهان/ 1341، والمجموع 1/ 94.

(4) نهالة 245 ب من (ب).

(5) يعني: وكونه مجتهدًا ليس بمحسوس.

(6) انظر: المسودة/ 464.

(7) انظر: المجموع 1/ 94.

(8) في (ح): وكذا ذكر.

(9) انظر: الواضح 1/ 61 أ- 62 أ.

(4/1542)

يجور (1) الرجوع إِلى غيره إِلا بعد علمه بأنه أهل، بدليل النبي والحاكم والمقوِّم والمخبِر بعيب.

ثم قال: يكفي خبرُ واحدٍ كحكم شرعي.

وذكر بعض (2) أصحابنا (3): يقلد من عَلِمه (4) أو ظَنَّه أهلا بطريق ما اتفاقًا.

واعتبر ابن الباقلاني (5): ثقتين.

وذكر ابن عاقيل (6) عن قوم: لا يلزمه، فيسأل من شاء، وعن الشيعة: منع تقليد غير المعصوم.

وهما باطلان.

ويمنع عندنا وعند الجمهور من لم يُعرف بعلم أو جهل؛ لأنه الأصل والظاهر الجهل، فالظاهر أنه منه.

ولا يلزم الجهل بالعدالة؛ لأنا نمنعه، ثم سلَّمه في الروضة (7) والآمدي (8)

__________

(1) نهاية 468 من (ح).

(2) نهاية 165 ب من (ظ).

(3) انظر: البلبل/ 185.

(4) في (ب) و (ظ): علم.

(5) انظر: البرهان/ 1341، والمسودة/ 472.

(6) انظر: الواضح 1/ 61أ، والمسودة/ 471، 513.

(7) انظر: روضة الناظر/ 385.

(8) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 232.

(4/1543)

وغيرهما؛ لأن الغالب عدالة العلماء.

قال في التمهيد (1) وغيره: من عرف ذلك -يعني: علم الاجتهاد- وكان عدلا لزمه الاجتهاد وجاز له أن يفتي.

وفي الواضح (2): صفة من تسوغ فتواه العدالة.

وكذا أطلق بعض أصحابنا وغيرهم: يلزم ولي الأمر منع من ليس أهلا.

وكذا قال الشافعي (3) وغيره: لا ينبغي أن يفتي إِلا من كان كذلك.

وقال ربيعة (4): بعض من يفتي أحق بالسجن من السُّرَّاق.

وفي الروضة (5): العدالة شرط لجواز اعتماد قوله (6). ومعناه في العدة (7).

وفي المغني (8): أن من شهد مع ظهور فسقه لم يُعَزَّر؛ لأنه (9) لا يمنع صدقه.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 221 ب.

(2) انظر: الواضح 1/ 57 أ.

(3) نقله عنه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 157.

(4) انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 11.

(5) انظر: روضة الناظر/ 352.

(6) نهاية 246 أمن (ب).

(7) انظر: العدة/ 250 أ.

(8) انظر: المغني 10/ 233.

(9) يعني: فسقه.

(4/1544)

وكلامه -هو وغيره- يدل [على] (1) أنه لا يحرم أداء فاسق مطلقًا.

ويفتي فاسق نفسه، ذكره أصحابنا والشافعية (2) وغيرهم.

قال بعض أصحابنا (3): لا تشترط عدالته في اجتهاده، بل في قبول فتياه وخبره.

مسألة

لا يشترط في المفتي الذكورية والحرية كالراوي، ولا مانع (4) شهادة.

ويفتي أخرس بإِشارة مفهومة أو كتابة.

وذكر بعض أصحابنا (5) قولاً: لا يفتي على عدوه -وقاله (6) الماوردي (7) - كالحكم عليه.

......................

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(2) انظر: المجموع 1/ 76.

(3) انظر: البلبل/ 174.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: ولا عدم مانع شهادة.

(5) انظر: المسودة/ 555.

(6) انظر: المجموع 1/ 75.

(7) هو: أبو الحسن علي بن محمَّد بن حبيب البصري الشافعي، فقيه أصولي مفسر، توفي سنة 450 هـ.

من مؤلفاته: النكت في التفسير، والحاوي في الفقه، والأحكام السلطانية.=

(4/1545)

وللحاكم أن يفتي.

وذكر بعض أصحابنا (1) قولاً: لا، وقولاً: فيما يتعلق بالحكم، ويجوز في نحو طهارة وصلاة.

وللشافعية (2) -فيما يتعلق بالحكم- وجهان.

..........................

ولا يفتي في حال لا يحكم فيها كغضب وغيره.

فظاهره: يحرم [كالحكم] (3).

وذكر بعض أصحابنا: إِن أفتى وأصاب صح وكره. وقيل (4): لا يصح.

...................

وله أخذ رزق من بيت المال.

وإن تعيَّن أن يفتي -وله كفاية- فوجهان.

ومن أخذ لم يأخذ أجرة، وإلا أخذ أجرةَ خطِّه.

وقيل: في أجرة خطه وجهان.

__________

=انظر: وفيات الأعيان 2/ 444، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 267، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 423، وشذرات الذهب 3/ 276.

(1) انظر: المسودة/ 555.

(2) انظر: المجموع 1/ 76.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(4) نهاية 469 من (ح).

(4/1546)

وإن جعل له أهل بلد رزقًا -ليتفرغ لهم- جاز.

وفي الرعاية (1): هو بعيد.

وله قبول هدية، والمراد: "لا ليفتيه بما يريده"، وإلا حرمت، زاد بعضهم (2): أو لنفعه بجاهه أو ماله. وفيه نظر.

ونقل المروذي: لا يقبل هدية إِلا أن يكافِئ.

قال أحمد (3): الدنيا داء، والسلطان داء، والعالم طبيب، فإِذا رأيت الطبيب يجر الداء إِلى نفسه فاحذره.

قال بعض أصحابنا (4): فيه التحذير من (5) استفتاء من يرغب في مال وشرف بلا حاجة.

واعتبر (6) بعض أصحابنا (7) في القاضي: الورع، وبعضهم: والزهد.

..................

__________

(1) انظر: الرعاية الكبرى 3/ 216 ب.

(2) انظر: المرجع السابق، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 35.

(3) انظر: المسودة/ 550.

(4) انظر: المسودة/ 550 - 551.

(5) نهاية 246 ب من (ب).

(6) نهاية 166 أمن (ظ).

(7) انظر: المسودة/ 550.

(4/1547)

قال أحمد (1): لا ينبغي أن يفتي حتى يكون له نية، ووقار وسكينة، قويا على ما هو فيه ومعرفته، والكفاية وإِلا مضغه الناس، ومعرفة الناس.

قال ابن عقيل: هذه الخصال مستحبة، فيقصد الإِرشاد وإِظهار أحكام الله؛ لا رياء وسمعة والتنويه باسمه، والسكينة والوقار ترغِّب المستفتي، وهم ورثة الأنبياء فيجب أن يتخلقوا بأخلاقهم، والكفاية لئلا ينسبه الناس إِلى التكسب بالعلم وأخذ العوض عليه، فيسقط قوله، ومعرفة الناس يحتمل: حال الرواة، ويحتمل: حال المستفتين، فالفاجر لا يستحق الرخص، فلا يفتيه بالخلوة بالمحارم مع علمه بأنه يسكر، ولا برخص السفر لِجُنْدِ وقتنا لمعرفتنا بسفرهم، والتسهيل على معتدات على صفات وقتنا؛ لئلا يضع الفتيا في غير محلها.

كذا قال، والخصلة الأولى واجبة.

وعن عمران (2) مرفوعًا: (إِن أَخْوَف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان). حديث حسن، رواه (3) أحمد والدارقطني، وقال: موقوف أشبه.

__________

(1) انظر: العدة/ 250 ب-251أ.

(2) هو: الصحابي أبو نجيد عمران بن حصين الخزاعي.

وفي الآداب الشرعية للمؤلف 3/ 313: عن عمر.

(3) أخرجه أحمد في مسنده 1/ 22، 44 من حديث عمر.

وفي العلل للدارقطني 1/ 49 أ: سئل عن حديث عبد الله بن بريدة عن عمر عن النبي: (أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان)، فقال: "هو حديث رواه حسين المعلم، واختلف عنه: فرواه معاذ بن معاذ عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران=

(4/1548)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

__________

=ابن حصين عن النبي، ووهم فيه، ورواه عبد الوهاب بن عطاء وروح بن عبادة وغيرهما عن حسين عن ابن بريدة عن عمر بن الخطاب، وهو الصواب.

وفي العلل -أيضاً- 1/ 71 أ: سئل عن حديث- أبي عثمان النهدي عن عمر قوله: "أخوف ما أخاف عليكم كل منافق عليم اللسان"، فقال: رواه المعلي بن زياد عن أبي عثمان عن عمر موقوفًا غير مرفوع، وكذلك رواه حماد بن زيد عن ميمون الكردى عن أبي عثمان عن عمر قوله، وخالفه ديلم بن غزوان -ويكني: أبا غالب- عن ميمون الكردي عن أبي عثمان عن عمر عن النبي، وتابعه الحسن بن أبي جعفر الجعفرى عن ميمون الكردي فرفعه -أيضًا- إلى النبي، والموقوف أشبه بالصواب. أ. هـ.

وعن عمر: عهد إِلينا نبينا، فقال: (إِن أخوف ما أخشى عليكم بعدي منافق عالم اللسان). أخرجه إِسحاق بن راهويه في مسنده. انظر: المطالب العالية 3/ 92.

وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 51) عن عمران بن حصين مرفوعًا: (أخوف ما أخاف عليكم جدال منافق عليم اللسان).

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 187 عن عمران بن حصين مرفوعًا: (إِن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. وأورد -أيضاً- عن عمر بن الخطاب قال: حذرنا رسول الله كل منافق عليم اللسان. قال الهيثمي: رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، ورجاله موثقون. انتهى كلام الهيثمي. وأخرجه إِسحاق بن راهويه في مسنده (انظر: المطالب العالية 3/ 89)، وانظر: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي / 11 أ، وهو فيه باللفظ الذي ذكره المؤلف.

وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 13 عن ابن عمر مرفوعًا.

وانظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 135 - 136، والفقيه والمتفقه 1/ 234.

(4/1549)

وعن عمر: كنا (1) نتحدث: إِنما يُهْلِك هذه الأمة كل منافق عليم اللسان". رواه أبو يعلى (2)، وفيه: مؤمل بن إِسماعيل (3)، مختلف فيه.

وقال معاذ: "احذر زلة (4) وجدال المنافق" (5).

......................

__________

(1) في العلل للدارقطني 1/ 43 أ: سئل عن حديث الأحنف بن قيصى عن عمر قال: "كنا نتحدث: إِنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم"، فقال: يرويه حماد بن سلمة، واختلف عنه: فرواه مؤمل عن حماد عن حميد ويونس عن الحسن عن الأحنف عن عمر، وخالفه عبد الأعلي بن حماد، فرواه عن حماد عن علي بن زيد عن الحسن، وهو أشبه بالصواب.

(2) هو: أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، حافظ ثقة محدث، ولد سنة 210 هـ، وسمع ابن معين، ومنه ابن حبان وأبو بكر الإِسماعيلي، توفي سنة 307 هـ.

من مؤلفاته: المسند الكبير.

انظر: تذكرة الحفاظ/ 707، والعبر 2/ 134، وطبقات الحفاظ/ 360.

(3) هو: أبو عبد الرحمن العدوي -بالولاء- البصري، نزيل مكة، روي عن عكرمة بن عمار وشعبة وسفيان، وعنه أحمد ومؤمل بن إِهاب، توفي سنة 206 هـ. قال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ، قيل: دفن كتبه وحدث حفطا فغلط. وعن ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر في التقريب: صدوق سيئ الحفظ.

انظر: الكاشف 3/ 190، وتهذيب التهذيب 10/ 380، وتقريب التهذيب 2/ 290.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: زلة العالم وجدال المنافق.

(5) أخرج نحوه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 135 - 136. وانظر: الفقيه والمتفقه 1/ 234.

(4/1550)

ومن عدم مفتيا -ببلده وغيره- فله حكم ما قبل الشرع (1).

مسألة

يلزم المفتي تكرير النظر عند تكرر (2) الواقعة، جزم به القاضي (3) وابن عقيل (4)، وقال: وإِلا يكون مقلدا لنفسه؛ لاحتمال تغيير اجتهاده، قال: وكالقبلة يجتهد لها ثانيًا (5).

واعترض: فيجب تكريره أبدًا.

رد: نعم. وغلط بعضهم فيه.

وذكر بعض أصحابنا: لا يلزم؛ لأن الأصل بقاء ما اطلع عليه وعدم غيرِه.

وللشافعية الوجهان (6).

ولزوم السؤال ثانيًا فيه الخلاف.

وعند أبي الخطاب (7) والآمدي (8): إِن ذكر المفتي طريق الاجتهاد لم يلزمه، وإلا لزمه.

__________

(1) نهاية 470 من (ح).

(2) نهاية 247 أمن (ب).

(3) انظر: العدة/ 184 ب، 245، والمسودة / 467.

(4) انظر: المسودة / 467.

(5) في (ح): ثابتاً.

(6) ذكرهما ابن برهان وغيره على ما في المسودة/ 467. وانظر: المجموع 1/ 83، والبرهان/ 1343، والمحصول 2/ 3/ 95، والإِحكام للآمدي 4/ 233.

(7) انظر: التمهيد 2/ 268. نسخة جامعة الإِمام.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 233.

(4/1551)

مسألة

لا يجوز خلو العصر عن مجتهد عند أصحابنا وطوائف.

قال بعض أصحابنا (1): ذكره أكثر من تكلم في الأصول في مسائل الإِجماع، ولم يذكر ابن عقيل خلافه إِلا عن بعض المحدثين.

وقال الآمدي (2): جوزه آخرون، وهو المختار؛ لأنه لو امتنع لكان لغيره، والأصل عدمه.

وفي الصحيحين (3): (إِن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه، ولكن يقبض العلماء، حتى إِذا لم يُبْق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).

وجه الأول: سبق (4) في الإِجماع: (لا تزال طائفة من أمتي (5) ظاهرين على الحق).

رد: الخبر الأول أدل على المقصود، ولو تعارضا سلم الأول.

وأيضاً: التفقه فرض كفاية، ففي تركه اتفاق الأمة على باطل.

__________

(1) انظر: المسودة / 472 - 473.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 233.

(3) تقدم في ص 391.

(4) في ص 384.

(5) نهاية 166 ب من (ظ).

(4/1552)

رد: منعه الآمدي (1) إِن أمكن تقليد العصر السابق.

ثم: فرض عند إِمكانه، فإِذا مات العلماء لم يمكن.

ويتوجه أن هذا مراد أصحابنا وغيرهم، فلا اختلاف؛ لقوله: (لا تقوم الساعة (2) حتى لا يقال (3) في الأرض: الله الله (4)، وقوله: (إِن الله يبعث ريحاً، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبَّة من إِيمان إِلا قبضته) (5). رواهما مسلم.

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 236.

(2) نهاية 247 ب من (ب).

(3) في (ظ): حتى لا يبقى في الأرض من يقول: الله الله.

(4) أخرجه مسلم في صحيحه/ 131 من حديث أنس مرفوعًا. وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 333 - 334 وقال: حديث حسن، وحدثنا محمَّد بن المثنى أخبرنا خالد بن الحارث عن حميد عن أنس نحوه، ولم يرفعه، وهذا أصح من الحديث الأول. وأخرجه أحمد في مسنده (انظر: الفتح الرباني 24/ 44)، وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 494 بلفظ: (حتى لا يقال في الأرض: لا إِله إِلا الله)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه -أيضًا- من حديث ابن مسعود مرفوعًا: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(5) أخرجه مسلم في صحيحه/ 109 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

وأخرج أحمد في مسنده 2/ 66 نحوه من حديث عبد الله بن عمرو. وأخرج مسلم في صحيحه/ 2250 - 2255، والترمذي في سننه 3/ 346 - 349 نحوه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا. قال الترمذي: غريب حسن صحيح لا نعرفه إِلا=

(4/1553)

ولأحمد وأبي داود (1) عن عمران مرفوعًا: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال (*)).

وأما قوله في التمهيد (2): قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يخلو العصر من حجة لله) (3) -وذكره القاضي (4) أيضًا- وقوله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يردوا عليّ) (5) فلا يصح.

وقول بعض أصحابنا (6) وبعض الشافعية (7): "عدم المجتهد المطلق من زمن طويل، مع أنه الآن أَيْسَر" فيه نظر.

__________

=من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وأخرج حديث النواس -أيضًا- أحمد في مسنده 4/ 181 - 182.

(1) انظر: مسند أحمد 4/ 437، وسنن أبي داود 3/ 11.

(*) اقرأ بعض أخباره في صحيح البخاري 9/ 59 - 61، وصحيح مسلم/ 2247 وما بعدها، 2266.

(2) انظر: التمهيد/ 140 ب، 144 أ.

(3) قال في التمهيد / 144أ: هذا الحديث غير معروف في أصل. وقال الشيرازي في التبصرة/ 376: لا نعرف هذا الحديث.

(4) انظر: العدة/ 176 أ.

(5) ذكره في التمهيد/ 140 ب.

(6) انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 17.

(7) انظر: المجموع 1/ 77.

(4/1554)

مسألة

ذكر القاضي (1) وأصحابه وصاحب الروضة (2) (3) وغيرهم: لا يجوز أن يفتي إِلا مجتهد، وقاله أبو الحسين (4) وجماعة.

قال القاضي (5): ومعناه عن أحمد، فقال: ينبغي للمفتي أن يكون عالماً بوجوه القرآن والأسانيد الصحيحة والسنن، وقال: ينبغي أن يكون عالمًا بقول من تَقَدَّم، وقال: لا يجوز الاختيار إِلا لعالم بكتاب وسنة.

قال بعض أصحابنا (6): الاختيار ترجيحُ قولٍ، وقد يفتي بالتقليد.

ثم ذكر القاضي (7) رواية عبد الله فيمن في مصره أصحاب رأي وأصحاب حديث لا يعرفون الصحيح: لمن يسأل؟ قال: أصحاب الحديث.

قال: فظاهره يجوز تقليدهم (8).

__________

(1) انظر: العدة/ 249 ب.

(2) انظر: روضة الناظر/ 384.

(3) نهاية 471 من (ح).

(4) انظر: المعتمد/ 929.

(5) انظر: العدة/ 250 أ.

(6) انظر: المسودة/ 515.

(7) انظر: العدة/ 250أ، والإِحكام لابن حزم/ 1035، والمحلى 1/ 89.

(8) يعني: وإن لم توجد فيهم الشرائط السابقة.

(4/1555)

قال بعض (1) [أصحابنا] (2): ولم يتأوله (3)، فظاهره أنه جعلها على روايتين، قال: وقد يقال (4): للحاجة.

وفي الواضح (5): "أن ظاهر رواية عبد الله أن صاحب الحديث أحق بالفتيا"، وحملها على أنهم فقهاء، أو أن السؤال يرجع إِلى الرواية.

ثم ذكر القاضي (6) قول أحمد: "لا يكون فقيهًا حتى يحفظ أربعمائة ألف"، وحمله -هو وغيره- على المبالغة والاحتياط، ولهذا قال أحمد: الأصول التي يدور عليها العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن تكون ألفًا أو ألفًا ومائتين.

وذكر القاضي (7): أن ابن شاقلا اعتُرِض عليه به، فقال: إِن كنت لا أحفظه فإِني أمَّتي بقول من يحفظ أكثر منه.

قال القاضي (7): لا يقتضي هذا أنه كان يقلِّد أحمد؛ لمنعه (8) الفتيا بلا علم (9).

__________

(1) انظر: المسودة/ 515.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) يعني: لم يتأول القاضي كلام أحمد.

(4) نهاية 248 أمن (ب).

(5) انظر: الواضح 1/ 59 ب.

(6) انظر: العدة/ 250 ب، 251 أ.

(7) انظر: العدة/ 250 ب.

(8) يعني: ابن شاقلا.

(9) نهاية 167أمن (ظ).

(4/1556)

قال بعض أصحابنا (1): ظاهره تقليده إِلا أن يُحمل على أخذه طرق العلم منه.

ثم ذكر (2) عن ابن بطة: "لا يجوز أن يفتي بما يسمع من مفتٍ"، وعن ابن بشار (3): ما أعيب على رجل حفظ لأحمد خمس مسائل استند إِلى سارية المسجد يفتي بها.

قال القاضي (4): هذا منه مبالغة في فضله.

قال بعض أصحابنا (5): هو صريح بالإِفتاء بتقليد أحمد، قال: فصار لأصحابنا فيها وجهان، قال: فإِن لم يجز لحاجة مطلقًا، وإلا فالأقوال ثلاثة.

وقال ابن هبيرة (6): من لم يجوِّز إِلا توليه قاض مجتهد إِنما عني قبل استقرار هذه المذاهب، وانحصر الحق فيهم.

وقال (7): المجتهد اليوم لا يتصور اجتهاده في هذه المسائل التي تحررت

__________

(1) انظر: المسودة/ 516.

(2) يعني: ذكر القاضي. انظر: العدة/ 250 ب.

(3) هو: أبو الحسن علي بن محمَّد بن بشار الحنبلي، عالم زاهد، حدث عن أبي بكر المروذي وصالح وعبد الله ابني أحمد، وروى عنه أبو علي النجاد وغيره، توفي سنة 313 هـ. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 57 - 63.

(4) انظر: العدة/ 250 ب.

(5) انظر: المسودة/ 517.

(6) انظر: الإِفصاح 2/ 343.

(7) انظر: المسودة/ 541.

(4/1557)

في المذاهب؛ لأن المتقدمين فرغوا منها، فلا يؤدي اجتهاده إِلا إِلى أحدهم (1). كذا قال.

وفي التلخيص: عَزَّ المجتهد، والمقلد لا يصح قضاؤه، يبقى المجتهد في مذهب إِمام ألجأت الضرورة إِلى الاكتفاء به (2)، وقد عَزَّ.

واختاره الآمدي (3)؛ للإِجماع على قبوله، فيدل أنه ليس كعامي، ولبعده عن خطأ، وأن بعضهم جوزه مطلقًا -كالحنفية (4) - لأنه ناقل كالراوي.

رد: ليس -إِذاً- مفتيا، بل مخبر، ذكره جماعة، منهم: ابن عقيل وأبو الخطاب (5) وصاحب المغني (6)، وزاد -ومعناه لغيره-: فيحتاج يخبر عن معيَّن مجتهد، فيعمل بخبره لا بفتياه.

وكذا عند الحليمي والروياني (7) من الشافعية (8): لا يفتي مقلد.

__________

(1) نهاية 248 ب من (ب).

(2) نهاية 472 من (ح).

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 236.

(4) انظر: تيسير التحرير 4/ 249، وفواتح الرحموت 2/ 404.

(5) انظر: التمهيد 2/ 268. نسخة جامعة الإِمام.

(6) انظر: المغني 10/ 38.

(7) هو: أبو المحاسن عبد الواحد بن إِسماعيل بن أحمد، فقيه شافعي أصولي عالم بالخلاف، قتله الباطنية الملاحدة بجامع آمل سنة 502 هـ.

من مؤلفاته: البحر، والحلية في الفقه، والفروق.

انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 2/ 277، ووفيات الأعيان 2/ 369، وطبقات الشافعية للسبكي 7/ 197، وشذرات الذهب 4/ 4.

(8) انظر: المجموع 1/ 80.

(4/1558)

وعند القفال (1) المروزي (2) منهم: من حفظ مذهب إِمام أفتى به.

وعند أبي محمَّد (3) الجويني (4): [يفتي] (5) المتبحر فيه.

وذكر الماوردي (6) منهم -في عامي عرف حكم حادثة بدليلها-: يفتي، أو إِن كان من كتاب أو سنة، أو المنع مطلقًا -وهو أصح- فيه أوجه.

مسألة

للمقلد تقليد المفضول من المجتهدين عند أكثر أصحابنا كالقاضي (7)

__________

(1) انظر: المرجع السابق، والمسودة/ 544.

(2) هو: أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، القفال الصغير، فقيه شافعي أصولي، توفي سنة 417 هـ. من مؤلفاته: الفتاوى.

انظر: العبر 3/ 124، ووفيات الأعيان 2/ 249، والنجوم الزاهرة 4/ 265، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 53، وشذرات الذهب 3/ 207.

(3) انظر: المجموع 1/ 80، والمسودة/ 544.

(4) هو: عبد الله بن يوسف بن عبد الله، والد إِمام الحرمين، مفسر فقيه شافعي أصولي أديب، درس وأفتى بنيسابور، وبها توفي سنة 438 هـ.

من مؤلفاته: شرح رسالة الشافعي، والفروق.

انظر: تبيين كذب المفترى/ 257، ووفيات الأعيان 2/ 250، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 253، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 73.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(6) انظر: المجموع 1/ 80، والمسودة/ 545.

(7) انظر: العدة/ 184 ب.

(4/1559)

وأبي الخطاب (1) وصاحب الروضة (2)، وقاله الحنفية (3) والمالكية (4) وأكثر الشافعية.

وذكر ابن عقيل (5): يلزمه الاجتهاد، فيقدم الأرجح، ومعناه قول الخرقي (6)، وقاله ابن سريج (7) والقفال وجماعة من الفقهاء والأصوليين.

ولأحمد روايتان.

لنا: أنهم استفتُوا زمن الصحابة والسلف، وأفتوا، وشاع ولم ينكر.

وسبق (8): (فاسألوا أهل الذكر) (9)، (أصحابي كالنجوم) (10).

واستدل: قاصر عن الترجيح (11).

__________

(1) انظر: التمهيد 2/ 273. نسخة جامعة الإِمام.

(2) انظر: روضة الناظر / 385.

(3) انظر: تيسير التحرير 4/ 251، وفواتح الرحموت 2/ 404.

(4) انظر: المنتهى/ 165، وشرح تنقيح الفصول/ 442.

(5) انظر: الواضح 1/ 62أ.

(6) انظر: مختصر الخرقي (مع المغني 1/ 323)، وروضة الناظر/ 375، 385.

(7) انظر: اللمع / 75، والإِحكام للآمدي 4/ 237، والمجموع 1/ 95.

والقفال: هو المروزي.

(8) في ص 1518، 1540.

(9) سورة النحل: آية 43.

(10) سبق في ص 1452، 1500، 1518.

(11) نهاية 249أمن (ب).

(4/1560)

رد: يظهر بالشهرة والمراجعة.

قالوا: أقوالهم له كالأدلة للمجتهد.

رد: دليلنا إِجماع، وهذا (1) قياس، ثم: ترجيحه عسر.

....................

أما لو بأن له الأرجح لزمه تقليده، زاد بعض أصحابنا (2) وبعض الشافعية (3): في الأظهر.

وفي التمهيد (4): إِن رجح دينُ واحدٍ قَدَّمه في أحد الوجهين، وفي الآخر: لا؛ لأن العلماء لا تنكر على العامي تركه.

وذكر في تقديم الأدين على الأعلم وعكسه مذهبين.

ولنا وجهان، قيل لأحمد: من نسأل بعدك؟ قال: عبد الوهاب الوراق (5)؛ فإِنه صالح، مثله يوفَّق للحق.

قال في الرعاية (6): ولا يكفيه من لم تسكن نفسه إِليه.

__________

(1) نهاية 167 ب من (ظ).

(2) انظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 70، والمسودة/ 464.

(3) انظر: المجموع 1/ 95.

(4) انظر: التمهيد 2/ 273. نسخة جامعة الإِمام.

(5) هو: أبو الحسن -ويقال: أبو الحكم- عبد الوهاب بن عبد الحكم البغدادي، حافظ محدث ثقة صدوق، توفي سنة 250 هـ. انظر: تاريخ بغداد 11/ 25، وتذكرة الحفاظ/ 526، وتهذيب التهذيب 6/ 448، وطبقات الحفاظ/ 229.

(6) انظر: الرعاية الكبرى 3/ 216 ب، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ 56.

(4/1561)

مسألة

فإِن استووا تخير، ذكره أبو الخطاب (1) وجماعة من أصحابنا وغيرهم.

وذكر بعض أصحابنا (2) والمالكية (3) والشافعية (4): هل يلزمه التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه؟ على وجهين:

أشهرهما: لا -كجمهور العلماء (5) - فيتخير، وعند بعض أصحابنا (6) وبعض الشافعية (7): يجتهد في أصح المذاهب فيتبعه.

والثاني: يلزمه.

واختار الآمدي (8): منع الانتقال فيما عمل به.

وقال بعض أصحابنا: "في لزوم الأخذ برخصه وعزائمه طاعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإِجماع"، وتوقف أيضًا في جوازه، وقال أيضًا: إِن خالفه لقوة دليل أو زيادة علم أو تقوى فقد (9)

__________

(1) انظر: التمهيد 2/ 273. نسخة جامعة الإِمام.

(2) انظر: صفة الفتوى/ 72.

(3) انظر: المنتهى/ 166.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 238.

(5) نهاية 473 من (ح).

(6) انظر: المسودة / 465.

(7) انظر: المجموع 1/ 95 - 96.

(8) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 238.

(9) نهاية 249 ب من (ب).

(4/1562)

أحسن، ولم يقدح في عدالته بلا نزاع، وقال أيضًا: بل يجب في هذه الحال، وأنه نص أحمد.

وكذا قال (1) القدوري (2) الحنفي: ما ظَنَّه أقوى عليه تقليده فيه، وله الإِفتاء به حاكياً مذهب من قلده.

وذكر ابن هبيرة: من مكايد الشيطان أن يقيم أوثانا في المعنى تعبد من دون الله، مثل أن يتبين الحق فيقول: ليس هذا مذهبنا تقليدًا لمعظَّم عنده قد قَدَّمه على الحق.

وقال ابن حزم (3): أجمعوا أنه لا يحل لحاكم ولا لمفتٍ تقليد رجل، فلا يحكم ولا يفتي إِلا بقوله.

.....................

ولا يجوز (4) للعامي تتبع الرخص، وذكره ابن عبد البر إجماعًا (5).

ويفسق عند أحمد والقطان وغيرهما (6).

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 255، والمسودة/ 512.

(2) هو: أبو الحسين أحمد بن محمَّد بن أحمد، فقيه انتهت إِليه رئاسة الحنفية بالعراق، ولد ببغداد سنة 362 هـ، وتوفي بها سنة 428 هـ. من مؤلفاته: المختصر في الفقه الحنفي.

انظر: وفيات الأعيان 1/ 21، والجواهر المضية 1/ 93. والنجوم الزاهرة 5/ 24.

(3) انظر: المحلى 10/ 509، والفروع 6/ 451، وتيسير التحرير 4/ 253.

(4) انظر: تيسير التحرير 4/ 254، وفواتح الرحموت 2/ 406.

(5) انظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 112.

(6) انظر: المسودة/ 518.

(4/1563)

وحمله القاضي (1) على غير متأول أو مقلِّد. وفيه نظر.

وذكر بعض أصحابنا في فسق من أخذ بالرخص روايتين، وإن قوي دليل أو كان عاميًا فلا. كذا قال.

وقال الحنفية (2) كالقاضي، إِلا أن يتمذهب بمذهب فيأخذ به في الصحيح.

مسألة

فأما المفتي فيجب أن يعمل بموجَب اعتقاده فيما له وعليه إِجماعًا، قاله بعض أصحابنا.

قال بعض الشافعية (3): من اكتفى من فتياه بموافقة قولٍ أو (4) وجهٍ في المسألة -من غير نظر (5) في ترجيح ولا تقيّد به- فقد جهل وخرق الإِجماع.

وذكر عن أبي الوليد الباجي (6): أنه ذكر عن بعض أصحابهم: أنه كان

__________

(1) انظر: المرجع السابق/ 519.

(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 253، وفواتح الرحموت 2/ 406، وذكر فيهما: أن الأصح: لا يلزمه.

(3) انظر: المسودة/ 537.

(4) في (ب) و (ح): قول أوجه.

(5) نهاية 168 أمن (ظ).

(6) انظر: المسودة/ 537.

(4/1564)

يقول: الذي لصديقي عليَّ أن أفتيه بالرواية التي توافقه.

قال أبو الوليد: وهذا لا يجوز عند أحد يعتد به في الإِجماع (1).

مسألة

إِذا استفتى واحدا أخذ بقوله، ذكره ابن البنا وغيره.

والأ شهر: يلزمه بالتزامه، وقيل: ويظنه حقا، و [قيل: و] (2) يعمل به، وقيل: يلزمه إِن ظنه حقًا.

وإن لم يجد مفتيا آخر لزمه، كما لو حكم عليه (3) به حاكم.

وقال بعضهم: لا يلزمه مطلقًا إِلا مع عدم غيره.

...............

وإن اختلف عليه فتيا مفتيين تخير عند القاضي (4) وصاحب الروضة (5) والتمهيد (6)، وذكره ظاهر كلام أحمد؛ فإِنه سئل عن مسألة في الطلاق، فقال: "إِن فعل حنث"، فقال السائل: "إِن أفتاني إِنسان: لا أحنث"، قال:

__________

(1) نهاية 250 أمن (ب).

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) نهاية 474 من (ح).

(4) انظر: العدة/ 184 ب.

(5) انظر: روضة الناظر/ 385.

(6) انظر: التمهيد/ 2/ 273. نسخة جامعة الإِمام.

(4/1565)

"تعرف حلقة المدنيين؟ "، قلت: "فإِن أفتوني حلّ"، قال: نعم.

وذكر ابن البنا وجها: يأخذ بقول الأرجح -واختاره بعض أصحابنا (1) - ووجها: بأغلظهما -وللشافعية (2) هذه الوجوه- ووجها: الأخف- وقاله عبد الجبار (3) - ووجها: يسأل مفتيا آخر.

وذكرها -أيضًا- بعض أصحابنا (4)، وذكر -أيضًا- وجها: بأرجحهما دليلاً.

مسألة

[للمفتي] (5) رد الفتوى (6) وفي البلد غيره أهل لها شرعًا، خلافاً للحليمي (7) الشافعي، وإلا لزمه، ذكره أبو الخطاب (8) وابن عقيل (9) وغيرهما.

__________

(1) انظر: المسودة/ 463، 465

(2) انظر: اللمع/ 75، والبرهان/ 1344، والمنخول/ 483، والمجموع 1/ 97.

(3) انظر: المعتمد/ 940.

(4) انظر: صفة الفتوى/ 80 - 81.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) انظر: الواضح 1/ 160، والمسودة/ 512.

(7) انظر: المسودة/ 512.

(8) انظر: التمهيد 2/ 268. نسخة جامعة الإِمام.

(9) انظر: الواضح 1/ 60أ.

(4/1566)

ولا يلزم (1) جواب ما لم يقع، وما لا يحتمله السائل ولا ينفعه.

سئل أحمد عن يأجوج ومأجوج (2): أمسلمون هم؟ فقال للسائل: أَحْكَمتَ العلم حتى تسأل عن ذا؟

وسئل عن مسألة في اللعان، فقال: سَلْ -رحمك الله- عما ابتليت به.

وسأله مهنا عن مسألة، فغضب، وقال: خذ -ويحك- فيما تنتفع به، وإياك وهذه المسائل المحدثة، وخذ فيما فيه حديث.

وسئل عن مسألة، فقال: ليت (*) أنا نُحْسن ما جاء فيه الأثر.

ولأحمد (3) عن ابن عمر: "لا تسألوا عما لم يكن، فإِن عمر نهى عنه (4) ".

__________

(1) انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 2/ 76 وما بعدها.

(2) انظر -في التعريف بهم-: تفسير القرطبي 1/ 561.

(*) كذا في النسخ. ولعلها: ليتنا.

(3) رواه أحمد من رواية ليث عن طاوس عن ابن عمر. انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 2/ 77.

(4) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 47 عن ابن عمر قال: لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن.

وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 170 - وانظر: ص 174، 175 منه- والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 7 - 8.

(4/1567)

وله (1) -أيضًا- عن ابن عباس: أنه قال عن (2) الصحابة: ما كانوا يسألون إِلا عما ينفعهم (3).

واحتج الشافعي (4) على (5) كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله: (لا تسألوا عن أشياء) الآية (6).

وكان - عليه السلام - ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال (7). وفي لفظ: (إِن الله كره لكم ذلك) (8). متفق عليهما.

وفي حديث اللعان: "فكره - عليه السلام - المسائل (9)

__________

(1) قال المؤلف في الآداب الشرعية 2/ 77 - 78: بإِسناد حسن.

(2) نهاية 250 ب من (ب).

(3) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 48، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 173.

(4) انظر: الأم: 5/ 127.

(5) في (ب): عن.

(6) سورة المائدة: آية 101.

(7) أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 95، والدارمي في سننه 2/ 219، وأحمد في مسنده 4/ 250 - 251 من حديث المغيرة. ووجدته في صحيح مسلم/ 1341 بلفظ: سمعت رسول الله يقول: (إِن الله حرم ثلاثاً، ونهى عن ثلاث ... ، ونهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال).

(8) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 124، 8/ 4، ومسلم في صحيحه 1341 من حديث المغيرة مرفوعاً.

(9) نهاية 168 ب من (ظ).

(4/1568)

وعابها" (1).

قال البيهقي (2): "كره السلف السؤال عن المسألة قبل كونها إِذا لم يكن فيها كتاب أو سنة؛ لأن الاجتهاد إِنا يباح ضرورة"، ثم روى عن معاذ: "أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله (3) "، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن -مرسلاً- معناه.

وقال ابن عباس لعكرمة: "من سألك عما لا يعينه فلا تفته" (4).

وسأل المروذي لأحمد (5) عن

__________

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 99 - 100، ومسلم في صحيحه/ 1129 من حديث سهل بن سعد.

(2) في المدخل. فانظر: الآداب الشرعية للمؤلف 2/ 79.

(3) وأخرجه -كذلك- الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 12. وأخرجه إِسحاق بن راهويه في مسنده مرفوعًا وموقوفًا على معاذ، فانظر: المطالب العالية 3/ 106. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 174 عن معاذ مرفوعًا. وأخرج الدارمي في سننه 1/ 46 ... حدثنا أبو سلمة الحمصي أن وهب بن عمرو الجمحي حدثه أن النبي قال: (لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها). وفي فتح الباري 13/ 266 - 267: وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعًا ومن طريق طاوس عن معاذ رفعه: (لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها ...) وهما مرسلان يقوي بعض بعضا، ومن وجه ثالث عن أشياخ الزبير بن سعيد مرفوعًا: (لا يزال في أمتي مَنْ إِذا سئل سُدد وأرشد حتى يتساءلوا عما لم ينزل ...) الحديث.

(4) انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 2/ 80، وفيه: قال عكرمة: قال لي ابن عباس: انطلق فأفت الناس، فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإِنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس. ورواه الحاكم في تاريخه، وفيه: انطلق فأفت الناس، وأنا لك عون.

(5) كذا في النسخ. ولعلها: أحمد.

(4/1569)

شيء (1) من أمر العدل، فقال: لا تسأل عن هذا؛ فإِنك لا تدركه.

وذكر ابن عقيل: أنه يحرم إِلقاء علم لا يحتمله.

وذكر ابن الجوزي: أنه لا ينبغي.

وقال البخاري (2): قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله".

وروي معناه (3) مرفوعًا من غير طريق.

__________

(1) نهاية 475 من (ح).

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 33، وقال: حدثنا عبد الله بن موسى عن معروف بن خَرَّبُوذ عن أبي الطفيل عن علي بذلك. قال العراقي في تخريج أحاديث الإِحياء (المغني عن حمل الأسفار) 1/ 36: ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم.

(3) قال المؤلف في الآداب الشرعية 2/ 164: روى أبو الحسن التميمي من أصحابنا في كتاب العقل له بإِسناده عن ابن عباس عن النبي قال: (نحن معاشر الأنبياء نخاطب الناس على قدر عقولهم). وكذا أورده أبو الخطاب في التمهيد/ 9 ب. وأبو الحسن التميمي متهم بالوضع، فانظر: المغني في الضعفاء 2/ 396 - 397، وميزان الاعتدال 2/ 624 - 626.

ثم قال المؤلف في الآداب 2/ 164 - 165: روى الحافظ ضياء الدين في المختارة من رواية أحمد بن زياد العتكي ثنا الأسود بن سالم أنا أبو عبد الرحمن يزيد بن يزيد الزراد عن محمَّد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال: (أمرنا معشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم). ثم قال الحافظ الضياء: الزراد لم يذكره ابن أبي حاتم ولا الحاكم أبو أحمد في كتابه الكنى. أ. هـ. وهذا الحديث (أمرنا أن نكلم) =

(4/1570)

وفي مقدمة مسلم: قال ابن مسعود: "ما أنت بمحدِّث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إِلا كان فتنة لبعضهم" (1).

وعن معاوية مرفوعًا: "نهى عن الغلُوطات". رواه أحمد وأبو داود (2).

قيل (3): بفتح الغين، واحدها غلوطة، وهي المسائل التي يغالط بها.

وقيل: بضمها، وأصلها الأُغْلوطات.

__________

=أورده الغزالي في إِحياء علوم الدين 1/ 57. قال العراقي في تخريج أحاديثه (المغني عن حمل الأسفار): حديث: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم)، رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخصر منه، وعند أبي داود من حديث عائشة: أنزلوا الناس منازلهم. أ. هـ. وبهذا اللفظ -الذي ذكره العراقي عن أبي داود- أخرجه أبو داود في سننه 5/ 173 - 174 من حديث ميمون بن أبي شبيب عن عائشة. قال أبو داود: ميمون لم يدرك عائشة. أ. هـ. وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن المقدام بن معد يكرب مرفوعاً: (إِذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم ما يعزب عنهم ويشق عليهم).

انظر: تدريب الراوي 2/ 138.

(1) انظر: صحيح مسلم/ 11. قال العراقي في تخريج أحاديث الإِحياء 1/ 36 (المغني عن حمل الأسفار): ورواه العقيلي في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم في الرياء من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف.

(2) انظر: مسند أحمد 5/ 435 - وفيه: قال الأوزاعي: الغلوطات شداد المسائل وصعابها- وسنن أبي داود 4/ 65. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 170، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 11 بلفظ: الأغلوطات. وانظر: الآداب الشرعية للمؤلف 2/ 82.

(3) انظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 378.

(4/1571)

ونهى عنها السلف، ويعزر فاعله، ذكره بعض أصحابنا.

مسألة

قيل لأحمد (1): الرجل يسأل (2) عن مسألة، أَدُلُّه على إِنسان: هل عليَّ شيء؛ قال: إِن كان متبعًا (3) فلا بأس، ولا يعجبني رأي أحد.

ونقل الأثرم عنه: قوم يفتون هكذا يتقلدون قول الرجل، ولا يبالون بالحديث.

ونقل أبو طالب: عجبا لقوم عرفوا الإِسناد وصحته، يدعونه ويذهبون إِلى رأي سفيان وغيره، قال الله: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) الآية (4)، الفتنة: الكفر.

وقال لأحمد بن الحسن: ألا تعجب، يقال للرجل: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" فلا يقنع، و"قال فلان" فيقنع.

قال ابن الجوزي -عن أصول ظاهرة البرهان-: لا يهولنك مخالفتها (5) لقول معظَّم في النفس وَلِطَغَام (6).

__________

(1) انظر: المسودة/ 513.

(2) نهاية 251أمن (ب).

(3) في (ظ): ونسخة في هامش (ب): متعينا.

(4) سورة النور: آية 63.

(5) يعني: كونها مخالفة لقول .. إِلخ.

(6) الطعام: أراذل الناس.

(4/1572)

قال رجل لعليّ: أتظن أنا نظن أن طلبة والزبير على الخطأ، وأنت على الصواب؟ فقال: إِنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله (1).

وقال رجل لأحمد: "إِن ابن المبارك قال كذا"، قال: إِن ابن المبارك لم ينزل من السماء.

وقال أحمد: من ضيق علم الرجل أن يقلد.

وذُكر لأحمد كلمات عن إِبراهيم بن أدهم (2)، فقال: وقعنا في بنيات (3) الطريق، عليك بما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

وقال ابن الجوزي: التقليد للأكابر أفسد العقائد، ولا ينبغي أن يناظر بأسماء الرجال، وإِنما ينبغي أن يتبع الدليل، فإِن أحمد (4) أخذ (5) في الجد

__________

(1) ذكر ذلك ابن عقيل في فنونه على ما سيذكره المؤلف في الصفحة التالية. وانظر: تلبيس إِبليس/ 81 - 82.

(2) هو: أبو إِسحاق العجلي، وقيل: التميمي، البلخي، سكن الشام، وروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري والثوري وغيرهما، وعنه الأوزاعي والثوري -أيضًا- وغيرهما، توفي سنة 162 هـ. وثقه النسائي وابن معين والعجلي.

انظر: الكاشف 1/ 75، وتهذيب التهذيب 1/ 102.

(3) بنيات الطريق: هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة، وهي الترهات. انظر: الصحاح/ 2287. وفي (ظ): بنيان.

(4) انظر: تلبيس إِبليس/ 82، والفنون/ 606.

(5) نهاية 169 أمن (ظ).

(4/1573)

بقول زيد (1)، وخالف الصديق (2).

وفي واضح ابن عقيل: من أكبر الآفات الإِلف لمقالة من سلف أو السكون إِلى قولِ معظَّم في النفس لا بدليل، فهو أعظم حائل عن الحق (3) وبلوى تجب معالجتها (4).

وقال في فنونه عمن قال في مفردات أحمد: "الانفراد ليس بمحمود"، قال: "الرجل ممن يؤثر الوحدة"، ثم ذكر قول علي السابق (5)، وانفراد الشافعي، وصواب عمر في أسرى بدر (6)، فمن يعيّر بعد هذا بالوحدة؟

__________

(1) أعطى زيد بن ثابت الجد ثلث المال مع الأخوة، ونصفه مع الأخ، أخرج هذا سعيد في سننه 3/ 1/ 20، والدارمي في سننه 2/ 258، وعبد الرزاق في مصنفه 10/ 265 - 266، 267، والبيهقي في سننه 6/ 245، 246 - 248.

(2) جعل أبو بكر الجد أبا. أخرج هذا سعيد في سننه 3/ 1/ 20 - 22، والدارمي في سننه 2/ 254 - 256، وعبد الرزاق في مصنفه 10/ 263، 265، والبيهقي في سننه 6/ 246. وانظر: فتح الباري 12/ 18 وما بعدها.

(3) نهاية 476 من (ح).

(4) نهاية 251 ب من (ب).

(5) في الصفحة السابقة.

(6) فقد أشار بقتلهم، ونزل القرآن بما يوافق رأيه. ورد ذلك من طرق، أخرجه مسلم في صحيحه/ 1383 - 1385، والطبري في تفسيره 14/ 61 - 63، والحاكم في مستدركه 3/ 21 - 22، والواحدي في أسباب النزول/ 136 - 138، وأحمد في مسنده 1/ 244، 250، 5/ 227 ط: دار المعارف.

وانظر: ص 1472.

(4/1574)

وقال: من صدر اعتقاده عن برهان لم يبق عنده تَلَوُّن يراعي به أحوال الرجال، (أفإِن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (1)، وكان الصديق ممن ثبت مع اختلاف الأحوال، فلم تنقلب به الأحوال في كل مقام زلت به الأقدام.