الطلاق و المجاز والتعقيب
نداء تكليفي لكل من يريد أن يطلق إمرأته من
المسلمين
*أن يشرع في تطليقها بعد :
*بعد عدة إحصاء هي :
1.ثلاثة قروء
أو 2.ثلاثة أشهر قمرية
أو3.ما تبقي من مدة الحمل حتي تضع الحامل حملها
4.ثم الامساك أو التطليق
5.ثم الإشهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي نبي الله اما بعد
فتشريع الطلاق في الذكر المنزل في القران العظيم نزل علي 3 مراحل زمنية 1.مرحلة الأعوام الاولي من العهد المدني 2. ولها امتداد زمني في سورة ........ 3. ثم المرحلة الزمنية النهائية في سورة الطلاق ولم يتنزل بعدها ذرة حكم وإلي يوم القيامة
*/ والأكثر من الفقهاء لم يتنبه لهذه المراحل الزمنية فخلط بينهم في شكل واحد كأنهم نزلوا في مرحلة زمية واحدة وسوف نري بمشيئة الله تعالي الخطأ الاجتهادي الذي حدث من اعتبارهم الثلاث مرحلة واحدة في العناوين التالية
1.خصائص أحكام سورة الطلاق
2. خصائص أحكام الطلاق بسورة البقرة
3.خطأ الجمع بين التنزيلين جمعا اجتهاديا
4. كيف يتصرف المسلم في مثل هذه الحالات
5. ما دخل التجوز والتصرف بعشوائية في مثل هذه التشريعات
أولا خصائص الأحكام في سورة الطلاق .
1/ سورة الطلاق سورة مدنية نزلت في منتصف العهد المدني
/ ويقدر نزولها في العام من الخامس الهجري الي آخر السادس أو أول السابع الهجري 5/6 هـ
/ نزلت وهي آخر ما نزل في الطلاق وإلي يوم القيامة
/ نزلت بقاعدة عامة ومخصوصة في ذات الوقت جاء تفصيلها في عدة آيات أهمها تفصيلا الآية الأولي منها
/ تضمنت التفصيلات الواردة بها
- خطابا من الله لأمة الإسلام معينا بالتوجه لنبيه كتكليف عام يستوفيه النبي من المؤمنين بالتطبيق والمتابعة والتعليم لكل من يقدم بعد تنزيله من المؤمنين
- تضمن الخطاب الإلهي سياقا غاية في البلاغة دون تكلف في البديع لكن بنصوص بليغة واضحة ليس فيها مجاز ولا تأويل
- بدأ التكليف بقول الله تعالي يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
- ثم تلاه سياقا بليغا فيه اسلوب شرط غير جازم مكون من فعل الشرط { وفيه التكليف بالشروع دون التحقيق} إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
ثم انهي تكليفه لأمة الاسلام عن طريق خطابه لنبيهم بقوله تعالي بسياق تضمن التحقيق لما سبق الشروع فيه بقوله تعالي {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} – ثم استكمل رب العزة التكليف بقوله تعالي وأحصوا العدة
- ونبه الله تعالي علي ميقات الاحصاء ونهاية العد وربط ذلك ببيان نهاية العدة بحرف واحد هو لــ الأجل بالاسم لــ عدتهن وهي تسمي اللام بمعني بعد -
- فاستقام السياق علي الدلالة التالية { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } يعني يا أيها النبي إذا شرع أحدكم أن يريد تطليقة لأمرأته أن لا يطلقها إلا بعد انتهاء احصاء عدتها ولا يحق له أن يحقق التطليق الذي شرع فيه الا بعد انتهاء واحصاء عدتها
- فجعل من خصائص سورة الطلاق 5هـ أن
- نقل التحقيق لبعد العدة
- وجعل المعول هو التحقيق ووقته بعد احصاء العدة تماما وبعدها
- وصدَّر للزوج مهلة زمنية تحول بينه وبين تحقيقه -أي الزوج- لذلك الطلاق الذي أجله الباري جل وعلا لموعد بعد العدة
__1___|___2___|___3__|||وقت التطليق||
- فصار من خصائصها أن حالت العدة بين الزوج وتلفظه بحيلولة ناهبة قاضية مانعة جبرا وفرضا وحصن الزوجة من أن يمسها هوي الأزواج بحيث من تلفظ بالطلاق فلا اعتبار لتلفظه مطلقا
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا
الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) -
========*====
اما عن المجاز
قلت المدون يجب الاحتياط والعلم بما يلي
المجاز اصطلاحاً
المجاز اصطلاحاً: اللَّفظ
المستعمل في غير مَا وُضِع له في اصطلاحٍ به التخاطب، على وجْهٍ يَصِحُّ ضمْن الأصول الفكرية واللّغويّة العامّة،
بقرينة صارفة عن إرادة ما وُضِع له اللّفظ.
فالقرينةُ هي الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز، إذِ اللّفظ لا يَدُلُّ على
المعنى المجازيّ بنفسه دون قرينة.
قلت المدون
فالمجاز إذن هو :
1-اللَّفظ المستعمل في غير مَا وُضِع له في
اصطلاحٍ به التخاطب،
2- ووجهه يَصِحُّ ضمْن الأصول الفكرية واللّغويّة العامّة،
3- ويلزمه قرينة{دليل قاطع} صارفة عن إرادة ما وُضِع له اللّفظ.
4- ويتسم الدليل الصارف اليها بأنه 1-محكم 2-يقيني 3-ليس فيه احتمال ولا تشابه
5-ومنسجم تماما مع نسيجه العام غير متعارض مع اتجاهه ولا غايته او نسيجه التشريعي
5- ولا يدل علي تعارض أو انتكاس مخالف للأصل كقولنا أسامة كالأسد للتدليل علي شجاعته فإذا قادنا المجاز الي عكس قضية الشجاعة بفهم أن أسامة كالاسد في قسوته وغدره مثلا امتنع الاستدلال بالمجاز مطلقا وبطل لصيرورته كذبا
6- اذ اننا تجاوزنا حده من التجوز الي الكذب وذلك باطلا
7- أو كمثل استخدامه في قلب القضايا الموجبة الي سالبة او من سالبة الي موجبة فحينئذ يكون مجازا ياطلا تماما لا يصلح
8- او مثل استخدامه من طرف اصحاب التأويل في قلب قضايا نفي الايمان الي اثباته
9- واساليب استخدام ذلك كثيرة منها الاضافة القالبة للعكس كقولهم في نص ( والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم) الي لا يؤمن ايمانا كاملا
10- أو استخدام مصطحات واردة دخيلة من وضع المتأول مثل اقران نفي الايمان عن المؤمن الي اثبات باستخدام مصطلح الاستحلال مثلا
11- ووووو
مقالة د علي جمعة
السؤال : يحاول بعض
الناس أن يقولوا أن الإضافات الواردة في القرآن إلى الله سبحانه وتعالى تراد على
الحقيقة اللغوية والتي تقتضي التجسيم والعياذ بالله، ويسلكون لإثبات ذلك مسالك
منها أنهم يدعون أن القرآن ليس في مجاز وكل معانيه على الحقيقة، فما صحة هذا المسلك،
وهل هناك مجاز في القرآن والسنة ولغة العرب ؟
الجواب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا
رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
وبعد فالقرآن كلام الله عزَّ وجلَّ، الْمُتَعَّبد بتلاوته، الْمُنَزَّل على
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء192: 195]،
فهو مُعْجِزة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الزمن الذي وُلِدَ
وبُعِثَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم كان زمن الفصاحة والبلاغة والبيان، وجدنا أن
معجزته صلى الله عليه وسلم جاءت من جنس ما نبغ فيه قومه -كما هو حال معجزات
الرُّسل السابقين مع أقوامهم- فالعرب قد برعوا في قرض الشعر وفي الفصاحة والبلاغة،
حتى إنهم كانوا يَعْقِدُون في سوق عكاظ مُبَاريات أدبِيَّة يلقي فيها كل شاعر
نتاجه الأدبي من الشعر والفنون الأدبية الأخرى، ويقوم النُّقَّاد باختيار القصائد
الجيدة، ويَتِمُّ تعليقها على الكعبة، كما هو الحال في الْمُعَلَّقات.
وبعد نزول القرآن الكريم بلغة العرب، تحدَّى اللَّهُ عز وجل الكفَّارَ بأن يأتوا بمثله، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [سورة الطور: 33، 34]، فعجزوا، ثم تحدَّاهم أن يأتوا بعَشْرِ سور من مثله فعجزوا، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: 13]، ثم تحدَّاهم أن يأتوا بسورة من مِثْلِهِ فعجزوا. قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23
وقد نزل القرآن بلغة العرب، وجاء على طرائقهم في
البيان والتعبير، فلم تُسْتَغْلَق عليهم عباراته الواضحة، بل أثَّرت فيهم تأثيرا
بالِغًا، فكانوا يجدون له وقْعًا في القلوب، وقَرْعًا في النُّفوس يُرْهِبهُم
ويُحَيِّرهم فلم يتمالكوا إلا أن يعترفوا به نوعًا من الاعتراف، لذلك لم يحتج
الصحابة ولا الذين أدركوا وحيه أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن معانيه
الواضحة الظاهرة الْمُشَابهة لطرائق تعبيرهم، وإنما كانوا يسألون عن
الْمُسْتَغْلِق عليهم فقط، ولو كان القرآن مُسْتَغْلِقًا على الأفهام، لادَّعى
الكُفُّار هذا؛ لِيُقَلِّلوا من شأنه، خاصَّةً وهم في موقف التَّحَدِّي، ولكنَّ
هذا لم يحدث، فدلَّ على معرفتهم لأسلوبه، وعدم إنكارهم له
ومن طرائق العرب في التعبير، استخدام التعبير بالمجاز، وهو: «الكلمة
الْمُسْتَعْمَلة في غير ما وُضِعَت له في اصطلاح به التخاطب على وجه يصحُّ مع
قرينة عدم إرادته»([1]). فالقرينةُ تكون هي الصارف عن الحقيقة إلى المجاز، إذِ
اللّفظ لا يَدُلُّ على المعنى المجازي بنفسه دون قرينة. ومثال ذلك: استعمال لفظ
(اليد) في الدلالة على الإنعام، أو القوة.
وعرَّفه عبد القاهر الجرجاني بأنه هو: «كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن
موضوعه في العقل لضرب من التَّأَوُّل»([2]) ومثَّل له بقوله: نهارك صائم،
وليلك قائم.
ومن الأحاديث النَّبَوِيَّة التي اسْتُخْدِمَ فيها المجاز، قوله صلى الله
عليه وسلم «لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلاَ الدِّرْهَمَ
بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
الرَّمَاءَ»([3]) فأراد بالصَّاعِ ما فيه بإطلاق اسم الْمَحَلِّ على الْحَالِّ.
وقد اتَّفَق جمهور العلماء على أنَّ القرآن الكريم قد استخدم أسلوب المجاز،
ولم يَشِذْ عن هذا إلا القليل-كما سنذكر- قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: «إنما
خاطب الله العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع
لسانها([4]) وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهرا يُرَاد به العام الظاهر
ويستغني بأول هذا منه عن آخره، وعامًّا ظاهرا يُرَاد به العام ويدخله الخاص فيستدل
على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعامًّا ظاهرا يُرَاد به الخاص، وظاهر يعرف في سياقه
أنه يُرَادُ به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره،
وتبتدئ الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره، وتبتدئ الشيء يبين آخر لفظها
منه عن أوَّله، وتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ، كما تعرف الإشارة،
ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها؛ لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها،
وتُسَمِّي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، وتُسَمِّي بالاسم الواحد المعاني
الكثيرة.([5]) فنجد أن
ما ذكره الإمام الشافعي لا يخرج عن ما أطلق عليه بعد ذلك مصطلح المجاز.
وقال الإمام الغزالي: «القرآن يشتمل على المجاز, خلافا لبعضهم, فنقول:
المجاز اسم مشترك قد يُطْلَق على الباطل الذي لا حقيقة له, والقرآن مُنَزَّه عن ذلك, ولعلَّه الذي أراده من أنكر
اشتمال القرآن على المجاز»([6]). وقال أيضا: «المجاز ما استعملته العرب في غير
موضوعه، وهو ثلاثة أنواع: الأول: ما استُعِيرَ للشيء بسبب الْمُشَابهة في خاصِيَّة
مشهورة، كقولهم: للشُّجَاع أسد، وللبليد حمار, فلو سُمِيَ الأبخر أسدا لم يجز؛ لأن
البخر ليس مشهورا في حقِّ الأسد. الثاني: الزِّيَادَة, كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] فإنَّ الكاف وُضِعَت للإفادة, فإذا اسْتُعْمِلَت
على وجْهٍ لا يُفِيد كان على خلاف الوضع. الثالث: النُّقْصَان الذي لا يُبْطِلُ التَّفْهِيم,
كقوله عز وجل: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: 82] والمعنى: واسأل أهل القرية.
وهذا النُّقْصَان اعتادته العرب فهو توسُّع وتجوُّز»([7]).
وقال ابن حزم : «لا يجوز استعمال مجاز إلا بعد وروده في كتاب الله أو
سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم»([8]).وقال الفراء عند تفسير قوله تعالى:
﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ
اللَّهِ آنَآءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ [آل عمران: ]، فقال : «السُّجُود
في هذا الموضع اسم للصَّلاة لا للسُّجود؛ لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في
الركوع».([9])
فنجده قد صَرَف اللَّفظ عن ظاهره إلى المعنى المجازي.
وقال أبو يزيد القُرَشِي، وهو من أئمة اللغة، المتوفى سنة 170هـ: "وقد
يداني الشيءُ الشيءَ وليس من جنسه، ولا يُنْسَبُ إليه، ليَعْلَم العامَّة قُرْبَ
ما بينهما، وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من اللَّفْظِ المختلف، ومجاز
المعاني" ، ثُمَّ مَثَّل بقول امرئ القيس:
قِفا فاسألا الأطلالَ عن أُمّ مالك
وهل تُخبِرُ الأطلالُ غيرَ التّهالُكِ
ثم قال: «فقد علم أن الأطلال لا تجيب إذا سُئِلت، وإنما معناه: قفا فاسألا
أهل الأطلال، وقال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾
[يوسف:82]، يعنى أهل القرية»([10]).
وقد أشار الخليل بن أحمد الفراهيدي-وهو من أئمة اللغة- إلى المجاز
واستخدامه، حيث قال في العين: قال: «البَائِضُ» وهو ذَكرٌ، فإن قَالَ قائل:
الذَّكَرُ لا يَبِيضُ، قيل: هو في البَيْضِ سَبَبٌ؛ ولذلك جعله بَائِضًا، على قياس
والِدٍ بمعنى الأب، وكذلك البَائِضُ، لأَنَّ الوَلَدَ من الوَالِدِ، والوَلَد
والبَيْض في مذهبه شيء واحد.([11])
وقال سيبويه : «ومما جاء على اتِّسَاعِ الكلام والاختصار قوله تعالى:
﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا﴾
[يوسف: 82] إنما يُرِيدُ: أهل القرية، فاختصر، وعمل الفعل في القرية كما كان
عاملاً في الأهل لو كان هاهنا.([12])
فنُلاحِظُ أن سيبويه بَيَّن أن الفعل (اسأل) قد عمل في (القرية)
التي حلَّتْ مَحَلَّ (أهل)، فكان حقُّ الفعل (اسأل) أن يعمل في الأهل لا في
القرية، ولا في العير من حيث أنهما قرية وعير، والعلاقة في (القرية) المكانِيَّة، والعلاقة في (العير) المجاورة
أو المصاحبة.
وأبو عبيدة، صاحب كتاب مجاز القرآن([13])، كان من الذين أشاروا إلى المجاز
ولم يصرِّحُوا باسمه، قال: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ [الأنعام:
6] مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يُقَال: ما زِلْنَا في سماء، أي: في مطر، وما
زلنا نَطأُ السَّمَاءَ، أي: أثر المطر، وأَنَّى أخذَتكم هذه السماءُ؟ ومجاز
(أرْسلنا): أنزلنا وأمطرنا.([14])
ولا نُرِيدُ أن نُطِيلَ بذكر أقوال العلماء -سواء من ذكروا المصطلح، أو من
ذكروا معناه قبل تسميته وإطلاق هذا الاسم عليه- فما ذكرناه فيه الكفاية للدَّلالة
على استخدامهم للمجاز في القرآن، وفي السُّنَّة، وفي اللُّغَة.
ولم يشذ عن الاتفاق الذي يقول بوجود المجاز في القرآن والسنة واللغة إلا
القليل، منهم: داود الظاهري، وابنه محمد، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وفي
العصور المتأخرة: محمد أمين الشنقيطي([15]). فنجدهم قد أنكروا وجود المجاز في
القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وحتى في اللغة بوجه عام.
واعتمدوا في نفيهم لوجوده في اللغة بصفة عامَّة، وفي القرآن بصفة خاصَّة
على ما يلي : الأول: أن
المجاز عند مَنْ يقول به لا يدلُّ على معناه إلا بمعونة القرينة، وهذا تَطْوِيلٌ
بلا فائدة، ومع عدم القرينة يكون فيه إِلْبَاس.
والثاني: لو سَلَّمْنَا
أنَّ في القرآن مجازًا- والقرآنُ كلام الله- لَقِيلَ لله (مُتَجَوِّزٌ) وهذا الوصف لا يُطْلَقُ على الله
باتِّفَاقِ علماء الأُمَّة.
والثالث: وهو من
أدلَّة الظاهرية على نفي المجاز في القرآن أنهم قالوا: المجاز كَذِبٌ؛ لأنه
يَصِحُّ نفيه، فَيَصِحُّ في قوله تعالى: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم:
4] ما اشْتَعَل، وإذا كان كَذِبًا، فلا يقع في القرآن والحديث.([16])
والرابع: أن المجاز لا يُنْبئ بنفسه عن معناه، فورود القرآن به يقتضى
الالتباس.
والخامس: أن استعمال المجاز لموضع الضرورة، وتعالى الله أن يوصف بالاضطرار.
والسادس: وهو قول
ابن تيمية بأن سلف الأُمَّة لم يقولوا به مثل: الخليل، ومالك، والشافعي، وغيرهم من
اللغويين، والأصوليين وسائر الأُمَّة، فهو إذن حادث ؟!.
والسابع: إنكار ابن تيمية أن يكون للغة وَضْعٌ أوَّل تفَرَّع عنه المجاز
باستعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له كما يقول مجوزو المجاز؟!
الردود العِلْمِيَّة على ما استدلوا به في إنكار المجاز:
أولا: قولهم: إن
المجاز عند من يقول به لا يدل على معناه إلا بمعونة القرينة، وهذا تطويل بلا فائدة
ومع عدم القرينة يكون فيه إلباس. فالجواب: أنَّ المجاز لا بُدَّ فيه من قرينة، ومع
وُجُود القرينة لا يُوجَد إلباس. وليس في المجاز تطويل بلا فائدة: بل فيه فوائد من
أَجْلِهَا يُصَارُ إلى المجاز ويُعْدَلُ عن الحقيقة.([17])
ثانيًا: أما امتناع إطلاق وصف (مُتَجَوِّز) على الله فليس عِلَّتُه نفي المجاز عن
القرآن، وإنما أسماء الله توقيفِيَّة لا بُدَّ فيها من الإذن الشَّرعي، ولا إِذْنَ
هُنَا، فلا يُقَالُ: إذًا على الله إنه (مُتَجَوِّز) لعدم إذن الْمُشَرِّع.([18])
ثالثا: قولهم: إن
المجاز كذب، فَرَدَّ عليهم العلامة بهاء الدين السُّبكي بقوله: "إن
الاستعارة –وهي نوع من أنواع المجاز- ليست بكذب لأمرين:
أحدهما: خفي معنوي
وهو البِنَاءُ على التأويل، لأنَّ الكَذب غير مُتَأَوَّل، ناظر إلى العلاقة
الجامعة، وقد التبس ذلك على الظَّاهِرِيَّة، فادَّعَوْا أنَّ المجاز كَذِبْ،
ونَفَوْا وقوعه في كلام المعصوم وهو وَهْمٌ منهم.
الثاني: ظاهِرِي
لفظي أو غير لفظي وهو كالفرع عن الأول: أنَّ المجاز ينصب قائله قرينة تصرف اللفظة
عن حقيقتها، وتبين أنه أراد غير ظاهرها الموضوع لها".([19])
وهذا مردود؛ لأنَّ النفي الذي جعلوه أمارة من أمارات المجاز، المراد به:
نفي حقيقة اللفظ. فإذا قيل: رأيت أسدا يحمل السِّلاح، فإن النفي أن الْمُتَحَدَّث
عنه ليس هو الأسد الحيوان المعروف، وهذا ليس بكذب، ولا يتوجه النفي إلى المعنى
المراد، وهو: الشَّجَاعة.([20])
وقال ابن قتيبة ردًّا على من قالوا بامتناع وجود المجاز في القرآن بقوله:
"وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز، فإنهم زعموا أنه كذب؛ لأن الجدار لا
يريد، والقرية لا تسأل، وهذا من أشنع جهالاتهم، وأدلها على سوء نظرهم وقلة
أفهامهم، ولو كان المجاز كذبا، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا، كان أكثر
كلامنا فاسدا، لأنا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل،
ورخص السعر. وتقول: كان هذا الفعل منك في وقت كذا وكذا، والفعل لم يكن وإنما كون،
وتقول: كان الله، وكان بمعنى حدث، والله عز وجل قبل كل شيء بلاغا به لم يحدث فيكون
بعد أن لم يكن.([21])
فابن قتيبة يرى البطلان في كلامهم؛ لأن هذا المفهوم يؤدي إلى أن يكون كل
كلام العرب المبني على المجاز خطأ، وقد عرف عن العرب، قولهم: نبت البقل، وطالت
الشجرة، وأينعت الثمرة.
رابعا: قولهم: إن المجاز لا يُنْبِئُ بِنَفْسِه عن معناه، فورود القرآن به
يقتضى الالتباس. فالجواب: أنه لا التباس مع القرينة الدَّالَّة على المراد.([22])
خامسا: قولهم: إن استعمال المجاز لموضع الضرورة، وتعالى الله أن يُوصَفَ
بالاضطرار. فالجواب: أنَّا لا نُسَلِّمُ أن استعمال المجاز لموضع الضَّرُورَة، بل
ذلك عادة العرب في الكلام، وهي عندهم أمْرٌ مُسْتَحْسَن، ولهذا نراهم يستعملون ذلك
في كلامهم مع القُدْرَةِ على الحقيقة، والقُرْآن نزل بلغتهم فجرى الأمر فيه على
عادتهم.([23])
سادسا: قول ابن تيمية بأن سلف الأمة لم يقولوا به مثل: الخليل، ومالك،
والشافعي، وغيرهم من اللغويين، والأصوليين وسائر الأمة، فهو إذن حادث ؟!. فالجواب:
أننا ذكرنا –سابقا- أن العلماء الذين أنْكَرَ ابن تيمية معرفتهم للمجاز وذكرهم له،
وجدناهم قد عرفوا المجاز واستخدموه، ولم ينكروه، فإن لم يذكروا المصطلح، ولكنهم
ذكروه بالمعنى، أو ذكروا استخدامه في اللغة.
سابعا: وأما إنكار ابن تيمية أن يكون لِلُّغَة وَضْعٌ أوَّل تفرَّع عنه
المجاز باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما يقول مُجَوِّزو المجاز؟! فالواضح من
هذا أن مذهب ابن تيمية أن اللغة إلهام من الله، وليست وضعية، ، وينفي بِشِدَّةٍ أن
يكون جماعة من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على وضع المسميات وتعيينها للدلالة على
المراد منها، ويرى أن كل لفظ قد استعمل ابتداء فيما أريد منه دون أن يكون هناك وضع
سابق على الاستعمال، والذي دعاه إلى هذا نفي المجاز نفسه، لا في القرآن الكريم
فحسب، بل فيه وفى اللغة بوجه عام، لأنه رأى مجوزي المجاز يقولون: إن المجاز ما
نقلت فيه الكلمة من المعنى الوضعي فاستعملت في المعنى غير الوضعي، وهذا النقل هو
ركن من أهم أركان المجاز، وإن احتاج بعد النقل إلى علاقة وقرينة.
والجواب: أن ابن
تيمية قد خالف في كلام أطبق عليه علماء الأمة في كل زمان ومكان، وفي كل فرع من
فروع علم اللغة، قواعد وتطبيقات، فقد أدرك الرُّوَّاد الأوائل وغيرهم حقيقة الوضع
الأول والخروج عليه، ومنهم مَنْ أشار إليه معنى بغير لفظه، ومنهم مَنْ نصَّ عليه
نصًّا صريحا.
والذين أشاروا إليه معنًى سلكوا عدة طرق منها أن يقولوا: هذا مأخوذ من كذا.
ومنهم من يقول: هذا أصله كذا، أو الأصل كذا. ومرادهم من الأخذ والأصل أن اللفظ
المتحدث عنه له دلالتان: أحداهما: أَصْلِيَّة، وهى دلالة الوضع، والثانية: فرعية
وهى دلالة المجاز، وقد يُنَبِّهُ بعضهم بقوله: قد يُسْتَعَارُ لكذا.
وفكرة المعاجم اللغوية نفسها إنما نشأت لجمع الألفاظ اللغوية والوقوف على
مدلولاتها التي كان عليها الحال عند العرب الْخُلَّص، ولم يعنوا بالاستعمال
المجازي؛ لأنه غير منضبط الدلالة الوضعية، وإنما يكفى فيه ورود نوع العلاقة
المعتبرة لا كل صورة من صورها، وعلى هذا كان معتمد الحقائق السماع، أما المجاز فهو
قياسي، ويستثنى من هذا الإمام جار الله الزمخشري في كتابه (أساس البلاغة)، بذكره بعض الاستعمالات المجازية بعد
كل مادة يفرغ من ذكر دلالاتها الوضعية، وتابع الزَّمخشري بعض العلماء كابن السكيت
والثعالبي.([24])
مما قدَّمنا تَبَيَّنَ لنا أن المجاز وَاقِعٌ في القرآن، وفي السُّنَّة،
وفي اللُّغَةِ من باب أولى؛ حيث يطلبه المقام ويقتضيه، والله تعالى أعلى وأعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق