ج4.أصول الفقه لابن مفلح
القياس{ قلت المدون : منقوض من كثير من
الفقها اهمهم ابن حزم والشوكاني}
لغة (1): التقدير، فهو نسبة وإصافة بين شيئين بالمساواة.
واصطلاحًا:
قيل: إِصابة الحق.
وقيل: بذل الجهد في استخراجه.
وقيل: العلم عن نظر.
ويبطل ذلك بالنص والإِجماع، وبأن إِصابة الحق والعلم فرع للقياس وثمرته، مع أن أكثره ظن، والبذل حال القائس.
أبو هاشم (2): حمل الشيء على غيره بإِجراء حكمه عليه، وزاد عبد الجبار (2): بضرب من الشبه.
وأُبطلا: بخروج قياس فرعه معدوم ممتنع لذاته، فإِنه ليس بشيء (3)، ويحتاج الأول: بجامع.
وفي العدة (4): رد فرع إِلى أصل بعلة جامعة.
__________
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 40، ولسان العرب 8/ 70.
(2) انظر: المعتمد/ 697.
(3) نهاية 349 من (ح).
(4) انظر: العدة/ 174.
(3/1189)
وقاله في التمهيد (1)، وفيه: تحصيل (2) حكم الأصل في الفرع؛ لاشتباههما في علة الحكم، وقيل: حمل فرع على أصل بعلة الأصل، قال: ومعناهما سواء.
واختار أبو الحسين (3) البصري الأول، ومراده: تحصيل مثل حكم الأصل، ومعناه في الواضح (4)، وقال: "إِنه أسد ما رآه"، لكن: هو نتيجة القياس لا نفسه.
وفي الروضة (5): حمل فرع على أصل في حكم بجامع.
ابن الباقلاني (6) -وتبعه أكثر الشافعية-: حمل معلوم على معلوم في إِثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إِثبات حكم أو صفة أو نفيهما.
ورد: بأن المراد من الحمل إِثبات الحكم، وهو ثمرة القياس.
ورد أيضًا: بأن قوله: "في إِثبات حكم لهما" يُشعر بأن الحكم في الأصل والفرع بالقياس.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 145أ.
(2) نهاية 172 أمن (ب).
(3) انظر: المعتمد/ 697.
(4) انظر: الواضح 1/ 131 ب.
(5) انظر: روضة الناظر/ 275.
(6) انظر: البرهان/ 745، والإِحكام للآمدي 3/ 186، والمنتهى لابن الحاجب/ 123.
(3/1190)
وبأن "بجامع" كاف؛ لأنه المعتبر في ماهية القياس، لا أقسامه.
وأجاب الآمدي (1) عن الأول: بالمنع لما علم: مم يتركب منه القياس (2)؟
وعن الثاني: بأنه زيادة إِيضاح، ولا يلزم منه ذكر أقسام الحكم والصفة، لعدم وجوبه.
قال (3): لكن يرد (4) إِشكال لا محيص عنه، وهو: أنه أخذ في الحد ثبوت حكم الفرع، وهو فرع القياس، وهو دور.
ورد: بأن المحدود القياس الذهني وثبوت حكم الفرع الذهني، والخارجي ليس فرعاً للقياس الذهني.
وقال ابن المنِّي من أصحابنا: مساواة معلوم لمعلوم في معلوم ثالث يلزم من مساواة الثاني للأول فيه مساواته في حكمه.
وهو معنى من قال: "مساواة فرع لأصل في علة حكمه"، وقول الآمدي (5) (6): الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل. ويحتاج: أو غيرها.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 189، 190.
(2) وهو: الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والوصف الجامع.
(3) انظر: المرجع السابق 3/ 190.
(4) نهاية 120 ب من (ظ).
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 190.
(6) نهاية 172 ب من (ب).
(3/1191)
ومن قال بتصويب كل مجتهد لزمه (1) زيادة: "في نظر المجتهد"؛ لأنه صحيح ولو تبين غلطه ورجوعه عن الحكم.
وإن أريد تعريف الفاسد مع الصحيح قيل: تشبيه إِلى آخره.
...................
وقياس الدلالة (2) لم يرد بالحد.
وقيل: ليس بقياس حقيقة.
وقيل: داخل؛ لتضمنه المساواة في العلة، كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدة المطربة.
......................
وقياس العكس -مثل: لما (3) وجب الصيام في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر- لم يرد بالحد.
وقيل: ليس بقياس حقيقة.
وفي التمهيد (4): لا يسمى قياسًا؛ لاختلاف الحكم والعلة، قال: وسماه
__________
(1) في (ح): يلزمه.
(2) قالوا الآمدى في الإِحكام 4/ 4: قياس الدلالة: ما كان الجامع فيه دليل العلة لا العلة.
(3) نهاية 350 من (ح).
(4) انظر: التمهيد/ 145أ.
(3/1192)
بعض الحنفية قياسًا مجازاً، قال: وحَدَّ أبو الحسين (1) البصري القياس بحد يشملهما، فقال: إِثبات الحكم في الشيء باعتبار تعليل غيره، قال: فعلى هذا حدُّه: إِثبات نقيض حكم الشيء في غيره، لافتراقهما في علة الحكم.
وأولى منه قول بعض أصحابنا والآمدي (2): تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره، لافتراقهما في علة الحكم.
وقيل: داخل؛ لأن القصد مساواة الاعتكاف بغير نذرِ الصوم في اشتراط الصوم له بنذر الصوم، بمعنى: "لا فارق بينهما"، أو السبر، فيقال: الموجب للصوم الاعتكاف لا نذره بدليل الصلاة، فالصلاة ذكرت لبيان إِلغاء النذر، فالأصل اعتكاف بنذر صوم، والفرع بغير نذره، والحكم اشتراطه (3)، والعلة الاعتكاف، أو أن القصد قياس الصوم بنذر على الصلاة بنذر (4)، فيقال: بتقدير عدم وجوب الصوم في الاعتكاف لا يجب فيه بنذر كصلاة، والعلة: أنهما عبادتان.
* * *
__________
(1) انظر: المعتمد/ 1031.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 183.
(3) في (ب): واشتراطه.
(4) نهاية 173أمن (ب).
(3/1193)
أركان القياس
أصل وفرع وعلة وحكم
فإِذا قسنا النبيذ على الخمر بعلة الإِسكار:
فالأصل: الخمر، وهو محل الحكم المشبه به، وذكره الآمدي (1) عن الفقهاء، وأنه أشبه، لافتقار الحكم والنص إِليه.
وقيل: الأصل ليل الحكم، وحكي عن (2) المتكلمين.
وقيل: حكم المحل.
وذكر الآمدي (3): أنه ليس بالوصف الجامع اتفاقًا.
وحكي قول.
وقال بعض أصحابنا (4): الأصل يقع على الجميع.
واختار ابن عقيل (5): أنه الحكم والعلة.
والفرع: النبيذ، وهو المحل المشبه.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 192.
(2) نهاية 121 أمن (ظ).
(3) انظر: المرجع السابق 3/ 191.
(4) انظر: المسودة/ 371.
(5) انظر: الواضح 1/ 133 ب-134أ، والمسودة/ 370 - 371.
(3/1194)
وقيل: حكمه، واختاره الآمدي (1).
والأقوال متوجهة؛ لأن الأصل ما ينبني عليه غيره، ولهذا كان الجامع فرعًا (2) للأصل؛ لأخذه منه، وهو أصل للفرع اتفاقًا؛ لبناء حكمه عليه.
قال ابن عقيل (3): والمعلول الحكم لا (4) المحكوم فيه، خلافاً لأبي علي الطبري الشافعي؛ لأنها أثارته، ويقال: "بِمَ تُعلل الحكم؟ واعتل فلان لحكمه بكذا"، وعلة المريض تقوم به وتؤثر فيه، فلهذا كان الجسم معلولاً.
[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]
أصول الفقه لابن مفلح
شروط القياس
من شرط حكم الأصل: كونه شرعيًا؛ لأنه القصد من القياس الشرعي، قالوا في الروضة (5): والعقلي ومسائل الأصول قطعية لا تثبت بظني، وكذا لا يثبت به (6) أصل القياس وأصل خبر الواحد.
..........................
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 192.
(2) نهاية 351 من (ح).
(3) انظر: الواضح 1/ 134أ.
(4) في (ب): على.
(5) انظر: روضة الناظر: 318.
(6) يعني: بالقياس.
(3/1195)
ومنه: كونه [غير] (1) منسوخ؛ لأنه زال اعتبار الجامع. (2)
...................
ومنه: كونه غير فرع، اختاره القاضي (3) في مقدمة المجرد، وقال: هو ظاهر قول أحمد -وقيل له: يقيس الرجل بالرأي؟ - فقال: "لا، هو أن يسمع الحديث فيقيس عليه"، ثم ذكر أنه يجوز أن يستنبط من الفرع المتوسط علة ليست في الأصل، ويقاس عليه، وذكر -أيضًا- (4) في مسألة القياس جواز كون الشيء أصلاً لغيره في حكم وفرعاً لغيره في حكم آخر لا في حكم واحد.
وجوزه القاضي (5) -أيضاً- وأبو محمَّد البغدادي، وقال: لأنه (6) لا يخل بنظم القياس (7) وحقيقته.
وكذا أبو الخطاب (8)، ومنعه (9) أيضًا، (10) وقال في سؤال
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) نهاية 173 ب من (ب).
(3) انظر: المسودة/ 395.
(4) انظر: العدة/ 203 أ.
(5) انظر: العدة/ 209 ب.
(6) في (ظ): انه.
(7) في (ظ): القرآن.
(8) انظر: التمهيد/ 155 ب.
(9) انظر: المرجع السابق/ 165أ، والمسودة/ 396.
(10) جاء -هنا- في (ظ): (وقال على أصلنا) إِلى قوله (على مثله) وهو الكلام الآتي بعد سطر.
(3/1196)
المعارضة (1): "يقاس عليه بغير العلة التي ثبت بها، وإلا كان باطلاً"، وقاله ابن عقيل (2)، وقال: على أصلنا، وأنه قول أبي عبد الله البصري وأحد وجهي الشافعية، كأصل ثبت بنص، لصحة تعليله بعلتين، ولأنه لا مزية لأحدهما (3)، كمنصوص على (4) مثله.
واختار في الروضة (5) منعه مطلقًا إِلا باتفاق الخصمين، وذكره بعض أصحابنا (6) عن أكثر الجدليين، وقال -أيضاً-: إِن كانا (7) قياس علة (8) لم يجز، وإلا جاز.
والمنع: قاله الكرخي والآمدي (9)، وذكره عن أكثر أصحابهم.
والجواز: قاله الرازي (10) والجرجاني (11) وأبو عبد الله البصري (12).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 186 ب- 187أ.
(2) انظر: المسودة/ 397.
(3) يعني لأحد الفرعين.
(4) في (ظ): عليه.
(5) انظر: روضة الناظر/ 315.
(6) انظر: المسودة/ 395، 396.
(7) في (ب): كان.
(8) قال الآمدي في الإحكام 4/ 4: قياس العلة: هو ما كان الجامع فيه العلة الباعثة على الحكم في الأصل.
(9) انظر: الأحكام للأمدي 3/ 194.
(10) انظر: أصول الجصاص/ 274 ب، والعدة/ 209 ب، والمسودة/ 394.
(11) انظر: العدة/ 201 ب، والمسودة/ 394.
(12) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 194.
(3/1197)
وقال ابن برهان (1): يجوز عندنا، خلافاً للحنفية والصيرفي من أصحابنا، قال: وحرف المسألة تعليل الحكم بعلتين.
وجه المنع: إِن اتحدت العلة فالوسط لغو، كقول شافعي: "السفرجل مطعوم، فيكون ربوياً كالتفاح"، ثم يقيس التفاح على البر.
وإن لم تتحد فسد (2) القياس؛ لأن الجامع بين الفرع الأخير والمتوسط (3) لم يثبت اعتباره؛ لثبوت (4) الحكم في الأصل الأول بدونه، والجامع بين المتوسط وأصله ليس في فرعه، كقول (5) شافعي: "الجذام عيب يفسخ به البيع، فكذا النكاح كالرَّتَق"، ثم (6) يقيس الرتق على الجبّ بفوات الاستمتاع.
وإنما يجوز تعليل الحكم بعلتين مع ظن اعتبارهما (7) بثبوت الحكم على وفقهما (8)، وهو ثابت [في أصلها] (9) بغيرها (10).
__________
(1) انظر: المسودة/ 398.
(2) نهاية 174 أمن (ب).
(3) نهاية 121 ب من (ظ).
(4) في (ظ): كثبوت.
(5) في (ب): كقوله.
(6) نهاية 352 من (ح).
(7) في (ح): اعتبارها.
(8) في (ح): على وفقها.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(10) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 195.
(3/1198)
أما إِن كان حكم الأصل لا يقول به المستدل -كقول حنفي في صوم رمضان بنية نفل: أتى بما أمر به كفريضة حج بنية نفل- ففاسد، لفساد أصله عنده.
ومنه ذكره إِلزامًا لخصمه بقوله: "علة الأصل عندك في الفرع، فيلزم الاعتراف بحكمه أو إِبطالها لتخلف الحكم بلا معارض، فيمتنع ثبوت حكم الأصل"، فلخصمه أن يقول: "حكم الأصل ثبت بغيرها"، فَيُصدّق؛ لأنه عدل أعرف بمأخذ مذهبه، ولو ثبت بها (1) فليس تخطئته في حكم الفرع وتصويبه فيها أولى من العكس.
ويأتي (2) في النقض: هل له أن يُلزم خصمه ما لا يقول به؟
..................
ومنه: كونه (3) معدولاً به عن سنن القياس لا يعقل معناه، كشهادة خزيمة (4) وحده (5)، وأعداد الركعات، وتقدير نصاب زكاة وحدٍّ وكفارة.
__________
(1) يعني: ولو ثبت حكم الأصل بهذه العلة.
(2) في ص 1374.
(3) كذا في النسخ. ولعل الصواب: ومنه كونه غير معدول به. أو: ومنه عدم كونه معدولاً به.
(4) هو: الصحابي خزيمة بن ثابت الأنصاري.
(5) فقد جعل النبي شهادته بشهادة رجلين. أخرجه أبو داود في سننه 4/ 31 - 32 من حديث عمارة بن خزيمة عن عمه، وهو من أصحاب النبي، وأخرجه النسائي في سننه 7/ 301 - 302، والبيهقي في سننه 10/ 145 - 146، وأحمد في مسنده=
(3/1199)
ومنه (1): كونه لا نظير له، أي: لم يوجد ما يساويه في العلة، له معنى ظاهر -كرخص السفر للمشقة- أوْ لا، كاليمين في القسامة، والدية على العاقلة.
وما خُص من القياس (2) يجوز القياس عليه وقياسه على غيره عند أصحابنا والشافعية (3) وبعض الحنفية وإسماعيل (4) بن إِسحاق المالكي (5)؛
__________
=5/ 215 - 216.
وأخرج البخاري في صحيحه 4/ 19 - 20، وعبد الرزاق في مصنفه 8/ 367، وأحمد في مسنده 5/ 188، 189 عن زيد بن ثابت قال: نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فلم أجدها إِلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله شهادته شهادة رجلين. وأخرج البيهقي في سننه 10/ 146 من حديث عمارة بن خزيمة عن أبيه: أن رسول الله قال: (من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبه). وأخرجه الطبراني وابن شاهين. انظر: فتح الباري 8/ 519. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 366 - 367 من حديث محمَّد بن عمارة عن خزيمة بن ثابت.
(1) يعني: مما هو معدول به عن سنن القياس.
(2) نهاية 174 ب من (ب).
(3) انظر: اللمع / 60، والتبصرة/ 448.
(4) انظر: المسودة/ 400.
(5) الجهضمي الأزدى، فقيه جليل، ولد بالبصرة سنة 200 هـ، واستوطن بغداد وولي قضاءها، وبها توفي سنة 282 هـ.
من مؤلفاته: الموطأ، وأحكام القرآن، والمبسوط في الفقه.=
(3/1200)
لأن الظن الخاص أرجح، ولهذا قُدم أصله. وسبق (1) في تخصيص العموم بقياس.
فالأول: كقول أحمد (2) -فيمن نذر ذبح نفسه-: يفدي بكبش (3).
والثاني: كتجويزه شراء أرض السواد لا بيعها، قال: "استحسان"، واحتج بتجويز الصحابة شراء المصاحف لا بيعها (4).
ومنعه الحنفية (5) وأكثر المالكية (6)، إِلا أن يكون معللاً -كقوله: (إِنها من الطوافين (7)) - أو مجمعاً على قياسه،
__________
=انظر: ترتيب المدارك 3/ 167، والديباج المذهب/ 92، وتاريخ بغداد 6/ 284.
(1) في ص 981، 982.
(2) انظر: العدة/ 216 ب، والمسودة/ 400.
(3) قياسًا على من نذر ذبح ولده.
(4) أخرج بعض الآثار في ذلك عبد الرزاق في مصنفه 8/ 110 - 114، والبيهقي في سننه 6/ 16 - 17.
(5) انظر: كشف الأسرار 4/ 11، واللمع/ 60.
(6) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 415، ومفتاح الوصول/ 93 - 95.
(7) هذا جزء من حديث رواه أبو قتادة مرفوعًا، وفيه: قال النبي: (إِنها -يعني: الهرة- ليست بنجس، إِنها من الطوافين عليكم والطوافات).
أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود في سننه 1/ 60، والدارقطني في سننه 1/ 70، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 18 - 19، والحاكم في مستدركه 1/ 160 وقال: صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه -بلفظ: (إِنما هي) =
(3/1201)
كالتحالف (1) في الإِجارة كالبيع.
وهو (2) لنا وجه في التمهيد (3)، قال: ولهذا لا نقيس على لحم الإِبل في نقض الوضوء، وغير ذلك من أصولنا.
كذا قال، وفيه نظر؛ لعدم فهم المعنى أو اختلافه أو مساواته، ولهذا نقيس في الأشهر لنا -أو العنب (4) فقط- على العرايا.
وقد قاس الحنفية (5) القدَّر -كالموضِحة (6) - على دية النفس في حمل العاقلة.
__________
=الترمذي في سننه 1/ 62 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 1/ 178، ومالك في الموطأ / 22 - 23، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 55، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 60). وأخرجه -بلفظ: (هي من الطوافين) - ابن ماجه في سننه/ 131.
وورد الحديث -أيضًا- من رواية عائشة. أخرجه أبو داود في سننه/ 61.
(1) في (ب): كالتخالف.
(2) نهاية 353 من (ح).
(3) انظر: التمهيد/ 156 أ.
(4) ضرب على (أو العنب فقط) في (ب) و (ظ).
(5) واستدلوا -أيضاً- بالنص. انظر: الهداية 4/ 229.
(6) الموضحة: الشجة التي توضح العظم، أي: تبينه. وفيها: خمس من الإبل. انظر: الهداية 4/ 182.
(3/1202)
وذكر القاضي (1) -في أثناء المسألة-: لا يقاس على غيره في إِسقاط حكم النص، ويقاس غيره عليه.
* * *
ولا يعتبر اتفاق الأمة على حكم الأصل، ويكفي اتفاق الخصمين.
واعتبره قوم، وسموا ما اتفق عليه الخصمان قياسًا مركبًا، وهو: أن يكتفي المستدل (2) بموافقة خصمه في الأصل مع منعه علة الأصل أو منعه وجودها في الأصل.
فالأول: مركب الأصل، قيل: سمي مركبًا لاختلافهما في علته، وقيل: في تركيب الحكم عليها في الأصل؛ فعند المستدل: هي فرع له، والمعترض: بالعكس.
وسمي "مركب الأصل" للنظر في علة حكمه.
مثاله: "عبد، فلا (3) يقتل به الحر كالمكاتب"، فيقول الحنفي: "العلة جهالة المستحق من السيد والورثة، فإِن صحت بطل قياسك، وإن بطلت منعت حكم الأصل لانتفاء مُدْرَكه، فيمتنع القياس لعدم العلة في الفرع أو منع الأصل".
__________
(1) انظر: العدة / 228أ.
(2) نهاية 122أمن (ظ).
(3) نهاية 175 أمن (ب).
(3/1203)
والثاني: مركب الوصف، سمي به لاختلافهما فيه، كقوله في تعليق الطلاق بالنكاح: "تعليق، فلا يصح قبل النكاح، كما لو قال: زينب التي أتزوجها طالق"، فيقول الحنفي: العلة التعليق (1)، وفي الأصل تنجيز (2)، فإِن صح هذا بطل قياسك، وإن بطل منعت حكم الأصل، فيمتنع القياس؛ لعدم العلة في الأصل أو منع الأصل.
وضَعَّف في الروضة (3) هذا القول؛ لندرة المجمع عليه، وبأن كلاً منهما مقلِّد، فليس له منع حكمٍ ثبت مذهباً لإِمامه؛ لأنه لا يعلم مأخذه (4)، ثم: لا يلزم من عجزِه عجزُه، ثم: لا يتمكن أحدهما من إِلزام ما لم يجمع عليه.
وكذا قال الآمدي (5): المختار -بعد إِبطال معارضة الخصم في الأول وتحقيق وجود ما يدعيه في الأصل في الثاني- أن المقلد ليس له المنع وتخطئة إِمامه.
وجزم بعضهم (6): بأن المقلد إِن سلم دليل المستدل، أو أثبت المستدل وجود العلة في الأصل في الثاني: قامت الحجة عليه لاعترافه، كما لو كان
__________
(1) في نسخة في هامش (ب): تعليق.
(2) فالعلة عندي مفقودة في الأصل.
(3) انظر: روضة الناظر/ 316، 317.
(4) نهاية 354 من (ح).
(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 199.
(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124، ومختصره 2/ 211.
(3/1204)
مجتهدًا (1).
وهذا القياس المركب ليس بحجة.
وقال بعض أصحابنا (2): القياس المركب أصله ليس بحجة عند محققي الشافعية والحنفية، وأشار إِليه أبو الخطاب، وجوزه أبو إِسحاق الإِسفراييني وجماعة (3) من الطرديين، وهو كثير في كلام القاضي وغيره من أصحابنا. والله أعلم
و [قال] (4) في الواضح (5): يجوز جعل وصف مركب علة، وهو أولى من أصل مركب، نحو: "العلي لا زكاة فيه لصغير، فكذا كبير كجوهر"، لكن تقف صحة كونه علة على دليل كغيره (6)، وهل تجب مساواة كبير وصغير في زكاة (7)؟ والله أعلم.
ولو أثبت المستدل حكم الأصل بنص، ثم أثبت العلة بأحد طرقها: جاز، ونهض دليله على الخصم، زاد بعضهم: المجتهد؛ لجواز اعتقاد القلد دفع إِمامه دليلَ المستدل.
__________
(1) يعني: وظن ذلك، فإِنه لا يسعه المخالفة.
(2) انظر: المسودة/ 399.
(3) نهاية 175 ب من (ب).
(4) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(5) انظر: الواضح 1/ 142 أ.
(6) يعني: كغيره من الأوصاف.
(7) يعني: أو لا تجب.
(3/1205)
ومنع قوم القياس على مختلف فيه، لنقل الكلام.
لنا (1): لو لم يُقبل من المستدل لم يُقبل منه مقدمة يثبتها بعد منع خصمه، فلا يُقبل (2) إِلا البديهي.
* * *
ومن شرط حكم الأصل: كون دليله غير شامل حكم الفرع؛ لأنه لا أولوية (3)، ولا (4) قيام دليل على تعليله وجواز القياس عليه، خلافاً لبعضهم.
ولو قاس على مجمع عليه، فقيل: "بيّن مستنده، لعله يعمّ الفرع": لم يلزمه، ذكره ابن عقيل.
لنا: أنه (5) أصل كالنص.
قالوا: الإِجماع عن دليل، فيجب طلبه لاحتمال تناوله للفرع، أو لا يتعدى معناه.
__________
(1) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/ 213.
(2) نهاية 122 ب من (ظ).
(3) في (ظ): أولية.
(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لا قيام. أي: لا يشترط قيام دليل ... إِلخ. النظر: الإحكام للآمدي 3/ 199.
(5) يعني: الإجماع.
(3/1206)
أجاب في التمهيد (1): تناوله للفرع لا يمنع القياس بل يقوِّيه، وإن كان معنى لا يتعدى لم يمنع أن هناك معنى (2) يتعدى.
.................
ويجوز القياس على عام خُصّ، كاللائط ومن أتى بهيمة على الزاني، قال ابن عقيل (3): هو الأصح لنا وللشافعية.
وقيل: لا، لضعف معناه، للخلاف (4) فيه.
..................
وليس من شرطه أن يكون فيه نص.
وذكر ابن برهان (5) عن بعض أصحابهم: يشترط، حتى لو أجمعت (6) الأمة عليه لم يجز القياس عليه. (7)
.....................
__________
(1) انظر: التمهيد/ 155 ب.
(2) يعني: معنى آخر غيره.
(3) انظر: الواضح 1/ 143 ب.
(4) نهاية 176 أمن (ب).
(5) انظر: المسودة/ 408.
(6) في (ح) و (ظ): اجتمعت.
(7) نهاية 355 من (ح).
(3/1207)
[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]
أصول الفقه لابن مفلح
شروط علة الأصل
هل من شرطها كونها باعثة -أي: مشتملة على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم- أم هي مجرد أمارة وعلامة نَصَبَها الشرع دليلاً على الحكم؟ سبق (1) أول مسألة التحسين.
والثاني: قول أصحابنا، زاد ابن عقيل (2) وغيره: مع أنها موجِبة لمصالح ودافعة لمفاسد، ليست من جنس الأمارة الساذجة (3).
واختار الآمدي (4) وغيره الأول؛ لأنه لا فائدة في الأمارة سوى تعريف الحكم، وقد عُرِف بالخطاب، ولأنها معرِّفة لحكم الأصل، فهو (5) فرعها، وهي مستنبطة منه، فهي فرعه، فيلزم الدور.
وفيه (6) نظر؛ لجواز كون فائدتها تعريف حكم الفرع.
فإِن قيل: يلزم منه تعريفها لحكم الأصل، وإلا لم يكن للأصل مدخل في الفرع، لعدم توقف ثبوت الوصف فيه وتعريفه لحكمه على حكم الأصل، لعدم تعريفه لحكم الأصل.
__________
(1) في ص 152 من هذا الكتاب.
(2) انظر: المسودة/ 385.
(3) يعني: العاطلة عن الإِيجاب.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 202.
(5) في (ح): فهي.
(6) في (ب): فيه.
(3/1208)
قيل: إِلا أن (1) الوصف مستفاد من الأصل.
وبنى أصحابنا على قولهم صحة التعليل بالاسم، وأنه ظاهر قول أحمد (2): "يجوز الوضوء بماء الباقِلاء والحِمَّص؛ لأنه ماء"، وقول أكثر الحنفية والشافعية (3)، وذكره الجرجاني (4) والإِسفراييني (4) عن أصحابهما، وذكر ابن برهان (5) الجواز عندهم، قال: وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وقال ابن البنا (6) من أصحابنا: اختلف في التعليل بالاسم اللقب على وجهين، قال: ومذهبنا جوازه، نص عليه أحمد، كما لو نص عليه الشرع بقوله: "حرمت التفاضل في البر لكونه براً"، فإِنه اتفاق (7)، وليست موجبة بخلاف العلة العقلية.
قال ابن عقيل وغيره: العقوبة (8) لما لم يجز كونها معللة بإِحسان المُحسِن لم يجز ورود الشرع بها (9).
.......................
__________
(1) في (ظ): إِلا أن يكون الوصف.
(2) انظر: العدة/ 206 أ.
(3) انظر: اللمع/ 63، والتبصرة/ 454.
(4) انظر: العدة/ 206أ، والمسودة/ 393.
(5) انظر: الوصول لابن برهان/ 86 ب، والمسودة/ 393.
(6) نهاية 176 ب من (ب).
(7) نهاية 356 من (ح).
(8) نهاية 123أمن (ظ).
(9) قال ابن عقيل في الواضح 1/ 134 ب: وقال قوم: "إِن الاسم العلم لا يجوز أن يكون علة؛ لأن العلة ما أفادت معنى يتعلق به الحكم، والاسم إِنما هو مواضعة بين أهل=
(3/1209)
هل يجوز التعليل بحكمة مجردة عن وصف ضابط لها؟
اختلف أصحابنا وغيرهم:
قال الآمدي (1): "منعه الأكثر، وجوزه الأقل"، ثم اختار قول من جوزه بحكمة ظاهرة منضبطة، وإلا فلا، وذكره بعض أصحابنا (2) عن طائفة من أصحابنا وغيرهم والمالكية.
وجه الأول (3): رَدُّ الشارع في ذلك إِلى المظان الظاهرة دفعاً للعسر واختلاف الأحكام، ولهذا لم يرخّص للحَمَّال ونحوه للمشقة.
ولأنه يكون الوصف الظاهر المنضبط عدم التأثير، استغناء بأصل الحكمة.
__________
=اللغة للتعريف، وما كان للتعريف لم يقتض التعليل كقولنا: "زيد وعمرو"، ولهذا كان موجودا قبل الشرع"، وهذا ليس بصحيح؛ لأن العلل الشرعية أمارات من جهة صاحب الشرع جعلت علامات على الأحكام وصارت علة بجعل جاعل، ولذلك لو ورد التعليل به من صاحب الشرع -فقال: "أزيلوا النجاسة بالماء لا بغيره؛ لأنه ماء، وتيمموا بالتراب؛ لأنه تراب"- كان تعليلاً صحيحًا، وإذا جاز ورود الشرع لم يجز المنع من كونه علة، ألا ترى أن العقوبة لما لم يجز أن تكون معللة بإِحسان المحسن وطاعة المطيع لم يجز أن يرد الشرع بها، فيقول: عاقبوا زيدًا؛ لأنه أحسن، أو لأنه وَحَّد الله.
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 202.
(2) انظر: المسودة/ 424.
(3) وهو: المنع.
(3/1210)
ولأن فيه حرجًا بالبحث عنها، فينتفي بالآية (1).
ورد (2): بأنه يلزم في الوصف؛ للزوم معرفتها (3) في جعله (4) علة، بل المشقة (5) أكثر.
والاطلاع (6) على الوصف أسهل، فلا يلزم منه المنع.
أجيب: تعتبر معرفة كميتها وخصوصيتها، لئلا يختلف الأصل والفرع فيها، ولا يمكن (7)، بخلافه في الوصف. كذا قيل.
ويلزم من كونه أسهل تأخير الحكم لو علّل بها (8)، وهو ممتنع.
وجه الثالث (9): أنها مع ظهورها وانضباطها كالوصف أو (10) أولى؛ لأنها المقصودة من شرع الحكم.
__________
(1) قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) سورة الحج: آية 78.
(2) هذا رد على الوجه الأول.
(3) يعني: معرفة الحكمة.
(4) يعني: جعل الوصف.
(5) وفي هذا رد على الوجه الثالث.
(6) في هذا رد على الوجه الثاني، حيث قالوا: لا حاجة إِليه، استغناء بأصل الحكمة.
(7) يعني: في الحكمة الخفية المضطربة.
(8) فيؤخر الحكم إلى زمان إِمكان الاطلاع على الحكمة مع إِمكان اتباعه بالضابط في أقرب زمان.
(9) وهو التفصيل.
(10) نهاية 177أمن (ب).
(3/1211)
رد: لا يمكن ذلك (1)، لرجوعها إِلى الحاجة إِلى المصلحة ودفع المفسدة، وهي مختلفة.
ثم: نادر، وفيه حرج، فينتفي بالآية (2).
أجيب: الفرض: أنها (3) ظاهرة منضبطة، فلا محذور. وفيه نظر.
* * *
يصح تعليل الحكم الثبوتي بالعلم عند أصحابنا، وذكره ابن برهان (4) عن الشافعية (5)، والمنع عن الحنفية، واختاره الآمدي (6) وغيره، ولم يذكره في التمهيد (7) إِلا عن بعض الشافعية.
واستثنى بعض الحنفية (8) مثل قول محمَّد بن الحسن -في ولد المغصوب (9) -: "لم يُغصب"، وفيما لا خمس فيه من اللؤلؤ: "لم
__________
(1) يعني: التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة.
(2) انظر: هامش 1 من الصفحة السابقة.
(3) في (ظ): بأنها.
(4) انظر: المسودة/ 418.
(5) نهاية 357 من (ح).
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 206.
(7) انظر: المسودة/ 418، والتمهيد/ 164أ.
(8) انظر: كشف الأسرار 3/ 375، وتيسير التحرير 4/ 4، وفواتح الرحموت 2/ 274.
وقد نسب إِلى الحنفية أنهم يمنعون التعليل بالعلم مطلقًا.
(9) يعني: في عدم ضمانه.
(3/1212)
يُوجف (1) عليه دخيل ولا ركاب (2) ".
القائل بالصحة: كنص الشارع عليه.
وكالأحكام تكون (3) نفياً.
وكالعلة العقلية، مع أنها موجبة.
وكتعليل العدم به، ذكره بعضهم اتفاقًا نحو: "لم أفعل هذا لعدم الداعي إِليه" و"لم أسلم على فلان لعدم رؤيته"؛ لأن نفي الحكم لنفي مقتضيه أكثر من نفيه لوجود منافيه.
ولأنه يصح تعليل ضربه لعبده بعدم امتثاله.
ولأن العلة أمارة، فالعدمية تُعَرِّف الحكم كالوجودية، وإن اعتبر الباعث فالعدم المقابل للوصف الوجودي -الظاهر المنضبط المشتمل على مصلحة أو دفع مفسدة- مشتمل على نقيض اشتمل عليه، فإِن اشتمل الوجودي على مصلحة فعدمه عدمها، وهو مفسدة، وإلا (4) فعدم المفسدة (5) مصلحة، وهو مقدور للمكلف، فيصح التعليل به كالوجودي.
__________
(1) الإِيجاف بالخيل والركاب: الإِسراع بها في السير، من الوجف، وهو: سرعة السير. انظر: لسان العرب 11/ 267 - 268.
(2) فإِن الخمس إِنما يجب فيما أخذ من أيدي الكفار بإِيجاف الخيل والركاب، والمستخرج من البحر ليس في أيديهم. انظر: تيسير التحرير 4/ 4.
(3) في (ب): يكون.
(4) يعني: وإن اشتمل على مفسدة فعدمه عدمها، فعدم الفسدة مصلحة.
(5) نهاية 123 ب من (ظ).
(3/1213)
وقد يجيب الخصم (1) عن الأول والثاني والثالث: بالمطالبة (2) بصحة القياس وبالمانع أو بالمنع.
وأجاب الآمدي (3) عن الرابع: بأن وجود الرؤية والداعي شرط لا علة، وأضيف عدم الأثر إِليه بلام التعليل مجازاً؛ لافتقار الأثر إِلى كل منهما جمعًا بين الأدلة.
وعن الخامس: بأن تعليله بامتناعه وكف نفسه عنه، وهو ثبوتي.
وعن السادس: بأنه تعليل بالإِعدام المقدور، وهو وجودي، لا عدم محض لا قدرة للمكلف عليه، وليس محل النزاع. كذا قال.
وخالفه بعض (4) من يتبعه، فاحتج به للمنع (5)، فقال: لو كان عدماً لكان مناسباً أو مظنته، وتقرير الثانية: أن العدم إِن كان مطلقًا فباطل؛ لأنه لا يختص ببعض الأحكام الثبوتية، وإن كان مخصَّصاً بأمر -أي: مضافاً إِليه- فإِن كان وجوده منشأ مصلحة فباطل؛ لأن عدمه عدمها، وإن كان منشأ مفسدة فمانع، وعدم المانع ليس علة -زاد بعضهم: اتفاقاً- وإن كان وجوده ينافي وجود المناسب للحكم الثبوتي لم يصلح عدمه مظنة لنقيضه المناسب؛ لأن المناسب إِن كان ظاهرًا فهو علة بلا مظنة، وإلا لاجتمع علتان على معلول
__________
(1) نهاية 177 ب من (ب).
(2) في (ظ): بالمطابقة.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 208.
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124، ومختصره 2/ 214.
(5) نهاية 358 من (ح).
(3/1214)
واحد، وإن كان خفياً فنقيضه -الأمر العدم- خفي، والخفي ليس مظنة للخفي، وإن لم يناف وجوده وجود المناسب فوجوده كعدمه، فليس (1) مناسبًا ولا مظنته.
وجوابه: بمنع المقدمة الأولى (2).
وبأن المناسب هو: الظاهر المنضبط، فكيف يقول: وإن كان خفياً؟!.
ولا يلزم من خفاء أحد المتقابلين خفاء الآخر، وإنما يلزم في المتضايفين يلزم من تصوُّر أحدهما تصوُّر الآخر، فإِن ادعى أنه المراد بطل قوله: "وإن لم يكن فوجوده كعدمه"، وقد جعل في الدليل المنافي للمناسب قسيماً لما هو منشأ مفسدة، وهو منه.
قالوا: "لا علة" عدم، فنقيضه وجود، فلو كان العدم علة اتصف المعدوم (3) بالوجودي.
رد: سبق (4) مثله في مسألة التحسين.
قالوا: فيلزم سبر الأعدام.
__________
(1) يعني: العدم.
(2) نهاية 178أمن (ب).
(3) يعني: اتصف المعدوم بالعلة وهي أمر وجودي.
(4) في 160، 161 من هذا الكتاب.
(3/1215)
أجاب بعض أصحابنا (1): يلزم.
ثم: لعدم تناهيها، لا لعدم صلاحيتها علة، وجزم به بعضهم.
قالوا: الأعدام لا تتميز.
رد: بالمنع لتميز عدم لازم عن عدم ملزوم.
فعلى هذا: لا يكون العدم جزءًا منها، لما سبق.
قالوا (2): انتفاء معارضة المعجزة جزء من المعرِّف بها؛ لأنها فعل خارق (3) مع التحدي ونفي (4) المعارض، والدوران جزؤه -وهو العكس- عدم.
رد: شرط، لا جزء (5).
وقال بعضهم: العدم علة في قياس الدلالة لا قياس العلة، ذكره بعض أصحابنا (6) في قاعدة له في التوحيد، وقال: هذا فصل الخطاب، فلا يكون العدم علة تامة في قياس العلة بل جزءًا منها.
* * *
__________
(1) انظر: البلبل/ 155.
(2) يعني: من جوز أن يكون العدم جزءًا منها.
(3) نهاية 124أمن (ظ).
(4) نهاية 359 من (ح).
(5) في (ظ): الآخر.
(6) انظر: مجموع الفتاوى 14/ 25.
(3/1216)
ويشترط أن لا تكون محلَّ الحكم ولا جزأه، وذكره الآمدي (1) عن الأكثر، وجوزه آخرون، ثم اختار: امتناعه بالمحل دون الجزء.
وجه الأول (2): لو كانت المحل كانت قاصرة؛ لأنه لو تحقق (3) بخصوصه في الفرع اتحدا، وكذا جزؤه، أطلقه بعضهم (4)، ولعله مراده: "الخاص به" كقول بعضهم، لإِمكان وجود الجزء المشترك في الفرع.
وتجوز القاصرة (5)؛ لجواز استلزام محل الحكم لحكمة داعية إِليه، زاد الآمدي (6): كاستلزام (7) التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع.
وقال بعض الحنفية (8) في القاصرة: نحن منعناه مطلقًا.
وأطلق بعضهم: لا يُعلل بالمحلّ؛ لأن القابل لا يفعل.
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 201.
(2) نهاية 178 ب من (ب).
(3) يعني: لو تحقق المحل.
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124.
(5) يعني: يجوز أن تكون محل الحكم.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 201.
(7) كذا في النسخ. وفي الإِحكام للآمدي 3/ 201: كاستلزام الأوصاف العامة لمحل لأصل والفرع، وأما الجزء فلا يمتنع التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع.
(8) يأتي الخلاف في التعليل بالعلة القاصرة في الصفحة التالية.
(3/1217)
رد: بالمنع، ثم: العلة المعرف (1).
..................
يصح التعليل بعلة قاصرة مستنبطة عند صاحب التمهيد (2) والروضة (3) والمحرر (4) -وقال: ثبت مذهباً لأحمد؛ حيث علل الربا في النقد بن بالثمنية- وقاله الشافعي (5) وأكثر أصحابه والمالكية (6) وعبد الجبار (7) وأبو الحسين (8) والآمدي (9)، وذكره عن أكثر الفقهاء والمتكلمين.
ومنعه أكثر أصحابنا وأبو حنيفة (10) وأكثر أصحابه.
__________
(1) يعني: لا الفاعل.
(2) انظر: التمهيد/ 165 ب.
(3) انظر: روضة الناظر/ 319 - 323.
(4) انظر: المسودة/ 411.
(5) انظر: اللمع/ 63، والتبصرة/ 452، والمستصفى 2/ 345، والمنخول/ 419، والمحصول 2/ 2/ 423، والإِحكام للآمدي 3/ 216.
(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 126، وشرح تنقيح الفصول/ 409، ومفتاح الوصول/ 102.
(7) انظر: المعتمد / 801.
(8) انظر: المرجع السابق/ 801 - 805.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 216.
(10) انظر: أصول السرخسي 2/ 158، وكشف الأسرار 3/ 315، وتيسير التحرير 4/ 5، وفواتح الرحموت 2/ 276.
(3/1218)
وجه الأول: حصول الظن بأن الحكم لأجلها، ولا معنى للصحة سوى هذا.
وكالثابتة (1) بنص أو إِجماع اتفاقاً.
ورده الآمدي (2): بتحققها إِذًا، وبأنه قياس في الأسباب.
وجوابه: الظن كاف (3)، وهو إِلحاق بعدم الفارق.
ولأن دوران الحكم مع الوصف القاصر علة كالمتعدي. ويأتي (4) الدوران.
واستدل: لو وقفت صحتها على تعديتها لم تنعكس (5)؛ للدور، وتنعكس اتفاقا.
رد: إِنما يلزم لو كان التوقف مشروطاً بتقدم كل منهما على (6) الآخر، لا في توقف المعية كالمتضايفين.
قالوا: لو صحت لأفادت، والحكم (7) في الأصل بنص أو إِجماع، ولا فرع؛ لقصورها.
__________
(1) في (ظ): أو كالثابتة.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 217.
(3) نهاية 360 من (ح).
(4) في ص 1297.
(5) يعني: لم تكن تعديتها موقوفة على صحتها.
(6) نهاية 179أمن (ب).
(7) (ظ): الحكم.
(3/1219)
رد: يلزم في القاصرة بنص.
وبأن فائدته معرفة الباعث ليكون أسرع قبولاً.
وبأنه يمتنع لأجلها تعدية الحكم إِلى الفرع.
وبأنه إِذا قُدِّر في محلها وصف آخر متعد اعتبر دليلٌ لاستقلاله (1).
وفي التمهيد (2): وربما حدث جنس يجعل ثمناً، فتكون تلك علته (3).
وقيل: ثبت حكم الأصل بها، والنص أو الإِجماع دليل الدليل.
ورد: ثبت بالنص، ثم: هي به، فلو ثبت بها دار.
...................
النقض: وجود العلة بلا حكم.
واختلف قول أحمد وأصحابه في جواز تخصيص (4) العلة المستنبطة ونقضها به.
والمنع: اختاره أبو الحسن الخوزي (5) وابن حامد (6)، وقاله أكثر
__________
(1) يعني: اشترط دليل يدل على استقلاله.
(2) انظر: التمهيد/ 166 أ.
(3) في (ظ): علة.
(4) نهاية 124 ب من (ظ).
(5) انظر: العدة/ 214أ، والمسودة/ 412.
(6) انظر: المسودة/ 415.
(3/1220)
الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3)، وذكره ابن برهان (4) عن الشافعي.
والجواز: اختاره أبو الخطاب (5) وبعض الحنفية والمالكية والشافعية، وذكره الآمدي (6) عن أكثر أصحابنا.
واختلف اختيار القاضي (7).
فعلى الأول: في المنصوصة قولان لنا ولغيرنا.
وعلى الثاني: إِن لم يكن في محل التخصيص مانع ولا عدم شرط: اختلف كلام أبي الخطاب (8) وغيره، والمنع قاله الأكثر.
وعليه -أيضًا-: يجوز تخصيص المنصوصة، ذكره الآمدي (9) (10) اتفاقًا، وخالف بعضهم.
__________
(1) انظر: أصول السرخسي 2/ 208، وكشف الأسرار 4/ 32، وتيسير التحرير 4/ 9، وفواتح الرحموت 2/ 277.
(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 126، وشرح تنقيح الفصول/ 399، ومفتاح الوصول/ 101.
(3) انظر: التبصرة/ 466، والمستصفى 2/ 336، والإِحكام للآمدي 3/ 218.
(4) انظر: المسودة/ 413، والوصول لابن برهان / 85 أ.
(5) انظر: التمهيد / 166أ.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 218.
(7) انظر: العدة/ 214أ، والمسودة/ 412، 414 - 415.
(8) انظر: المسودة/ 412، 413.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 419.
(10) نهاية 361 من (ح).
(3/1221)
اختار في الروضة (1) وغيرها: تخصيص المنصوصة، ومنع المستنبطة إِلا لمانع أو (2) فوات شرط، واختاره (3) الآمدي (4) وغيره.
واختار أبو محمَّد البغدادي (5) من أصحابنا: المنع إِلا في المنصوصة، أو فيما استثني عن القواعد كالمصراة والعاقلة.
وجه ما في الروضة: أن المنصوصة كظاهر عام، ولا يبطل بالتخصيص.
ولأنه جمع بين دليلين.
وكما لا تبطل العلة القاطعة كعلل القصاص (6).
والمستنبطة لا يثبت كونها علة عند تخلف الحكم إِلا بمانع -لبقاء (7) الظن معه (8) - أو عدم شرط، وإلا فَلِعَدمِ المقتضي، ويمتنع تخلف المعلول عن العلة عند الشرط وعدم المانع.
القائل بالمنع: النقض يلزم فيه مانع أو عدم شرط، وإلا فلا علة، ونقيض أحدهما جزء من العلة، لتوقف الحكم عليه، والكل -وهو العلة- ينتفي
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 324.
(2) نهاية 179 ب من (ب).
(3) في (ح): اختاره.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 219.
(5) انظر: المسودة/ 414.
(6) للتخلف في الوالد.
(7) في (ب) و (ظ): كبقاء.
(8) يعني: لبقاء ظن العلية مع المانع.
(3/1222)
بعدم جزئه.
رد: إِن أريد بالعلة "الباعث" فليس جزء أحدهما (1) منها، ولا يقدح، وإن أريد ما يثبت الحكم فمنها، ويقدح، فالنزاع لفظي.
قالوا: لو جاز لزم الحكم في صورة النقض؛ لاستلزام العلة معلولها.
رد: بالمنع (2)؛ لأنها باعثة (3). وإن قيل: "تامة (4) " فلفظي.
قالوا: سقط دليل اعتبارها وإبطالها بتعارضهما (5).
رد: انتفاء الحكم لمعارض (6) لا ينافي دليل اعتبارها.
قالوا: كالعقلية.
رد: باقتضائها معلولها بالذات، قال ابن عقيل (7): "فلا يجوز تخصيصها عند أحد، ولا تفتقر إِلى شرط، وتنعكس، كالحركة علة كون المحل القائمة (8) به متحركاً، فما لم تقم (9) به ليس متحركاً، وهي مقارنة
__________
(1) كذا في النسخ. ولعل الصواب: فليس أحدهما جزءاً منها، أو: فليس نقيض أحدهما منها.
(2) يعني: منع كونه من لوازم العلية.
(3) يعني: لأن مرادنا بها كونها باعثة، لا لزوم الحكم لها مطلقًا.
(4) يعني: مشروطة بعدم المانع ووجود الشرط.
(5) في (ب) و (ح) بتعارضها.
(6) في (ب): لعارض.
(7) انظر: الواضح 1/ 84 ب- 85أ- ب.
(8) في النسخ: المحل القائم متحركاً. والمثبت من نسخة في هامش (ب).
(9) في (ب): لم يقم.
(3/1223)
لحكمها موجبة له بنفسها، فلا (1) توجب حكمين، والشرعية بوضع الشارع" (2).
وجوز الآمدي (3) تخلف حكم العقلية عنها عند عدم القابل له.
وكذا منعها (4) في التمهيد (5) لأن علة هبوط الحجر ثِقَله، ثم قد لا يهبط في موضع لمانع.
وفي الواضح (6): لا يجوز تخصيصها عند أحد.
القائل "يجوز في المنصوصة": صحة المستنبطة تتوقف على المانع -وإلا (7) لم يتخلف الحكم -وهو علتها (8)؛ لأن المانع إِنما يكون مانعاً مع المقتضي، فدار.
رد: توقف معية.
__________
(1) نهاية 180 أمن (ب).
(2) يعني: باختياره لحكمين مختلفين معلقين عليها مع اتحادها.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 228.
(4) نهاية 125 أمن (ظ).
(5) انظر: التمهيد/ 167 ب.
(6) انظر: الواضح 1/ 84 ب.
(7) نهاية 362 من (ح).
(8) كذا في النسخ. ولعل الصواب: عليها. وقد كانت في (ح): "عليها"، ثم غيرت إلى: علتها.
(3/1224)
وبأن صحتها لا تتوقف على المانع، بل دوام ظنها عند تخلف الحكم وتحقق المانع يتوقف على ظهور صحتها، فلا دور، كإِعطاء فقير يظن أنه لفقره، فإِن لم يُعط آخر وقف الظن، فإِن بأن مانع عاد، وإلا فلا.
القائل "يجوز في المستنبطة (1) ": دليل المنصوصة عام (2).
رد: إِن دل على العلة قطعاً لم يقبل النقض، وإلا قبل.
القائل "يجوز في المستنبطة (3) ": لأنها علة بدليل ظاهر هو المناسبة، وتخلف الحكم يحتمل لعدم العلة ولمعارض (4)، فلا يعارض الظاهر.
رد: بتساوي الاحتمال (5)؛ لأن الشك في أحد المتقابلين، شك في الآخر.
قالوا: لا يتوقف كونها أمارة على ثبوت الحكم في محل النقض؛ لأنه إِن انعكس (6) فدور، وإلا تحكم.
رد: دور معية.
وبأن دوام الظن بكونه أمارة يتوقف على المانع في محل النقض، وثبوت
__________
(1) يعني: دون المنصوصة. انظر: شرح العضد 2/ 220.
(2) يعني: فلا يقبل التخصيص.
(3) يعني: وإن لم يكن لمانع ولا لعدم شرط. انظر: شرح العضد 2/ 218، 220.
(4) يعني: أنه مشكك.
(5) يعني: تخلف الحكم ظاهر في أنها ليست بعلة، والمناسبة والاستنباط مشكك.
(6) يعني: فتوقف في محل النقض على ثبوته في غيره.
(3/1225)
الحكم فيه على ظهور كونه أمارة، فلا دور.
وفي التمهيد (1): أمارة، فلا يجب اطرادها، كغيم (2) [رطب] (3) شتاء أمارة على المطر، ومركوب قاض على باب أمير أمارةٌ على كونه عنده، قال: وهذا عمدة المسألة، ومن هنا قال: يجوز زوال الحكم وبقاء العلة كالعكس. والله أعلم.
ثم: العلة عند من لا يخصصها: إِن كانت لجنس الحكم اعتبر طردها وعكسها كالحد.
وإن كانت لعين الحكم: فإِن كانت لإِلحاقه انتقضت بأعيان المسائل.
وإن كانت لإِثبات حكم مجمل لم تنتقض إِلا بنفي مجمل، ولإِثبات مفصل تنتقض بنفي مجمل، ولنفي مجمل تنتقض بإِثبات مجمل أو مفصل، ولنفي مفصل (4) تنتقض بإِثبات مجمل. وأمثلتها في التمهيد (5) وغيره.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 166 ب-167 أ.
(2) نهاية 180 ب من (ب).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(4) في (ح): ولنفي مفصل لم تنتقض. وقد كانت كذلك في (ب) و (ظ)، ثم مسحت (لم) منهما. وانظر: التمهيد/ 174 ب.
(5) انظر: التمهيد/ 174 ب.
(3/1226)
والتعليل (1) لجواز الحكم لا ينتقض بأعيان المسائل، مثل: "الصبي حر مسلم، فجاز أن تجب زكاة ماله كبالغ"، فلا ينتقض بغير الزكوي.
والتعليل (2) لنوع (3) الحكم لا ينتقض بعين مسألة (4)، كقولنا في نقض الطهارة بلحم الإِبل: "نوع عبادة تفسد بالحدث، فتفسد بالأكل كالصلاة"، فلا ينتقض بالطواف (5)؛ لأنه بعض النوع.
* * *
الكسر: وجود الحكمة بلا حكم.
لا يبطل العلة عند أصحابنا، وذكره الآمدي (6) عن الأكثر.
كقول الحنفي -في العاصي بسفره-: "مسافر (7)، فيترخص كغير العاصي"، ثم يبين مناسبة السفر بالمشقة، فيعترض: بمن صَنْعته شاقة حضراً لا يترخص إِجماعًا.
__________
(1) انظر: المسودة/ 416.
(2) المرجع نفسه:/ 416.
(3) غيرت في (ظ) إلى: بنوع.
(4) في (ظ): المسألة.
(5) فإِنه يفسد بالحدث، ولا يفسد بالأكل.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 230.
(7) نهاية 363 من (ح).
(3/1227)
لنا: سبق (1) عدم التعليل بالحكمة، فالعلة (2) السفر، ولا نقض عليه (3).
قالوا: الحكمة هي المقصودة (4) من شرع الحكم.
رد: مساواة قدر حكمة النقض حكمة الأصل مظنون.
ثم: لعل انتفاء حكمه لمعارض، والعلة في الأصل موجودة قطعاً، ولا (5) تعارض بين قطع وظن.
فإِن قيل: لو وجد قدرها قطعاً.
قيل: إِن وقع فذكر الآمدي (6) عن بعض أصحابهم: لا أثر له؛ لندرته وعسره، ثم اختارو هو من تبعه؛ [أنه] (7) يبطل لتعارضهما (8) حينئذ؛ لأن محذور (9) نفي الحكم مع وجود حكمته قطعا -والعكس (10) - فوق المحذور
__________
(1) في ص 729.
(2) نهاية 125 ب من (ظ).
(3) يعني: ولم يرد النقض عليه.
(4) في (ح): المقصود.
(5) نهاية 181 أمن (ب).
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 231 - 232.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(8) في (ح): لتعارضها.
(9) في (ح): محذوره.
(10) وهو إِثبات الحكم مع نفي حكمته.
(3/1228)
اللازم للمجتهد من البحث عن الحكمة في آحاد الصور، إِلا أن يثبت حكم آخر في محل النقض أليق بالحكمة، فلا يبطل (1)، كما لو علل قطع اليد قصاصاً بحكمة الزجر، فيعترض: "بأنها في القتل العمد العدوان أعظم"، فيقول المستدل: "ثبت معها حكم أليق بها، وهو القتل". والله أعلم.
وذكر القاضي (2) -ضمن جواب التسوية- أن سؤال الكسر صحيح، وأن جوابه بالتسوية يصح وفاقاً.
قال أبو الخطاب (3) وغيره: فإِن التزم المعلِّل الكسر لزمه أن يجيب عنه بفرق تضمنته علته نطقًا أو معنًى، كجواب (4) النقض.
وعند بعضهم: يكفيه ولو لم تضمنه؛ واختاره بعض أصحابنا (5). (6)
* * *
النقض المكسور: نقض بعض الأوصاف.
لا يبطل عندنا، وذكره الآمدي (7) عن الأكثر.
__________
(1) في (ح): فلا تبطل.
(2) انظر: العدة / 266 ب، والمسودة/ 421.
(3) انظر: التمهيد/ 179 ب، والمسودة/ 429.
(4) في (ظ): لجواب.
(5) انظر: المسودة/ 429.
(6) نهاية 364 من (ح).
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 233.
(3/1229)
كقولنا -في بيع الغائب-: "مبيع مجهول الصفة عند العاقد، فلا يصح، كقوله: بعتك عبدًا"، فيعترض: بما لو تزوج امرأة لم يَرَها.
لنا: العلة مجموع الأوصاف، ولم ينقضها، فإِن بَيَّن المعترض: لا لكونه بيعاً، فإِن أصر المستدل على التعليل بالوصفين بطل ما (1) علل به؛ لعدم تأثيره لا بالنقض، وإن اقتصر على الوصف المنقوض بطل بالنقض؛ لأن ورد على كل العلة، وإن أتى بوصف لا أثر له في الأصل -ليحترز به من النقض- لم يجز.
وفي مقدمة المجرد (2): يحتمل أن لا يجوز، ويحتمل أن يجوز؛ لأن الأوصاف يحتاج إِليها للتأثير والاحتراز، والحكم يعلق بالمؤثر، فكذا المحترز به.
رد: بمنع ما لا تأثير له.
وأجازه من صحح العلة بالطرد، وبعصهم مطلقًا، ذكره أبو المعالي (3)، ثم اختار (4) تفصيلاً.
* * *
العكس: عدم الحكم لعدم العلة.
اشتراطه مبني على منع تعليل الحكم بعلتين:
__________
(1) نهاية 181 ب من (ب).
(2) انظر: المسودة/ 428.
(3) انظر: البرهان/ 797 - 798.
(4) في (ب): اختاره.
(3/1230)
فمن منعه اشترطه؛ لعدم الحكم لعدم دليله، والمراد بعدم الحكم: عدم العلم (1) أو الظن به؛ لتوقفه على النظر الصحيح في الدليل، ولا دليل، وإِلا فالصنعة دليل وجود الصانع، ولا يلزم من عدمها عدمه.
ومن جوزه لم يشترطه؛ لجواز دليل آخر.
هذا إن كان التعليل لنوع الحكم، نحو: الردة علة لإِباحة الدم.
فأما لجنسه فالعكس شرط، نحو: "الردة علة لجنس إِباحة الدم"، فلا يصح؛ لفوت العكس.
وظاهر ما سبق: أن الخلاف في تعليل الحكم الواحد بعلتين (2) معاً وعلى البدل.
وكذا لم يقيد جماعة المسألة (3) بالمعية.
وقيدها الآمدي (4)، وقال في العكس: "أثبته قوم، ونفاه أصحابنا والمعتزلة"، ثم اختار: أنه إِنما يكون معللاً بعلة على البدل، فلا يلزم من نفيها (5)؛ لجواز بدلها.
* * *
__________
(1) يعني: لا انتفاء نفس الحكم.
(2) نهاية 126أمن (ظ).
(3) نهاية 365 من (ح).
(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 234، 235، 236.
(5) يعني: فلا يلزم من نفيها نفي الحكم.
(3/1231)
يجوز تعليل الحكم (1) بعلل، كل صورة بعلة اتفاقاً.
ويجوز تعليل حكم واحد في صورة واحدة بعلتين أو علل معا عند أصحابنا، قال بعضهم (2): "ويقتضيه كلام أحمد في خنزير ميت وغيره"، وذكره (3) ابن عقيل عن جمهور الفقهاء والأصوليين.
ومنعه متقدمو المالكية وابن برهان (4)، واختاره الآمدي (5)، وحكاه -هو وغيره- عن ابن الباقلاني وأبي المعالي ومن تابعهما.
ومنعه في الروضة (6) في المستنبطة فقط، واختاره -أيضًا- بعض أصحابنا والغزالي (7) وصاحب المحصول (8)، وحكاه بعضهم (9) عن ابن الباقلاني.
ومنعه بعضهم (9) في المنصوصة.
__________
(1) نهاية 182أمن (ب).
(2) انظر: المسودة/ 417.
(3) في (ح): قال وذكره ... إِلخ.
(4) انظر: الوصول لابن برهان/ 83 ب.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 336.
(6) انظر: روضة الناظر/ 333 - 334.
(7) انظر: المستصفى 2/ 342 - 344.
(8) انظر: المحصول 2/ 7/ 362، 375.
(9) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 128.
(3/1232)
وحكى بعضهم (1) عن أبي المعالي: جائز عقلاً، ممتنع شرعًا.
القائل بالجواز: وقوعه دليل جوازه، وللحدث علل مستقلة كالبول والغائط والمذي، وكذا للقتل وغيره.
واعترض الآمدي (2): بأن الحكم -أيضًا- متعدد شخصًا متحد نوعًا، ولهذا ينتفي القتل بالردة -بأن (3) ارتد بعد القتل، تم أسلم- ويبقى القصاص، وينتفي القتل بالقصاص -بأن عفا الولي- ويبقى بالردة، وإلإِباحة بجهة القتل حق للآدمي (4)، وبالردة لله، ولا يتصور ذلك في شيء واحد، ويقدم الآدمي في الاستيفاء.
وقاله قبله أبو المعالي (5)، واختاره بعض أصحابنا (6)، قال: وعليه نص الأئمة، كقول أحمد في بعض ما ذكره: "هذا (7) مثل خنزير ميت، حرام من وجهين"، فأثبت تحريمين، وحل الدم متعدد، لكن ضاق المحل، ولهذا (8) يزول واحد ويبقى الآخر، ولو اتحد الحل بقي بعض حل، فلا يبيح، وقول
__________
(1) انظر: المرجع السابق، والبرهان/ 832.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 237.
(3) في (ب): وبأن.
(4) في (ح): لآدمي.
(5) انظر: البرهان/ 828 - 829.
(6) انظر: المسودة/ 417.
(7) نهاية 366 من (ح).
(8) نهاية 182 ب من (ب).
(3/1233)
الفقهاء: "وتتداخل هذه الأحكام" هو دليل تعددها، وإِلا شيء واحد لا يعقل (1) فيه تداخل.
قال (2): وقول أبي بكر من أصحابنا في مسألة الأحداث: "إِذا نوى أحدها ارتفع وحده" يقتضي ذلك، والأشهر لنا (3) وللشافعية (4): يرتفع الجميع، وقاله المالكية (5).
ورد ذلك: بأن الشيء لا يتعدد في نفسه بتعدد إِضافاته (6)، وإلا غاير حدث البول حدث الغائط، وتعدده باختلاف الأحكام المتعلقة فدعوى (7) خاصة لا تفيد (8).
وأجاب في الروضة (9): باستحالة اجتماع مثلين. كذا قال.
وأيضًا: العلة دليل، فجاز تعددها (10) كالأدلة.
__________
(1) في (ظ): ولا يعقل.
(2) انظر: المسودة/ 417، ومجموع الفتاوى 20/ 169 - 171.
(3) في (ب): ولنا.
(4) انظر: المهذب 1/ 15.
(5) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 164.
(6) يعني: إِضافة الشيء إِلى أحد دليليه لا يوجب تعددًا.
(7) كذا في النسخ. ولعلها: دعوى.
(8) في (ح): لا تقبل. وفي نسخة في هامشها: لا تفيد.
(9) انظر: روضة الناظر/ 334.
(10) في (ب): فعددها.
(3/1234)
ويعرف جوابه مما سبق.
القائل بالمنع: لو جاز كانت كل منهما مستقلة غير مستقلة؛ لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم، فتتناقض بتعددها.
رد: مستقلة حالة الانفراد فقط، فلا تناقض (1).
أجيب: الكلام في حالة الاجتماع. (2)
وأيضًا: لو جاز: فإِن كانتا معاً اجتمع مثلان؛ للزوم كل منهما ما لزم من الأخرى، وهو معلولها، فيلزم التناقض؛ لأن الحكم يكون مستغنياً غير (3) مستغن، لثبوته بكل منهما، وإن تَرَتَّبا ففيه تحصيل الحاصل.
رد: إِنما يلزم في العلل العقلية، ويجوز لمدلول واحد أدلة.
وأيضًا: لو جاز لم تقل الأئمة في علة الربا بالترجيح؛ لصحة استقلال كل منهما (*)، والترجيح (4) ينافيه (5)، وإلا كان الجميع علة.
رد: إِنما تعرضوا (6) للإِبطال (7).
__________
(1) يعني: فلا تناقض في التعدد.
(2) نهاية 126 ب من (ظ).
(3) في (ب): عن.
(*) كذا في النسخ. ولعلها: منها.
(4) نهاية 183 أمن (ب).
(5) يعني: ينافي التعدد.
(6) نهاية 367 من (ح).
(7) يعني: لا للترجيح.
(3/1235)
سلمنا، فلاتحاد علة الربا إِجماعاً، فتعرضوا للترجيح؛ لئلا يلزم جعلها أجزاء علة؛ لأن جعل أحدها (1) علة -بلا مرجِّح- محال.
قالوا: لا يجتمع مؤثِّران على أثر واحد، كمقدور بين قادرين.
أجاب ابن عقيل (2): تستقل منفردة، ومع الاجتماع العلة واحدة؛ لأنها بوضع الشارع، كشدة الخمر، والمقدور بينهما (3) ليس بالجعل والوضع فمن أحاله فلمعنى يعود إِلى نفسه.
وقال ابن عقيل -أيضًا- في مناظراته: التحقيق أن الحكم إِذا استقل بعلة تعطلت الأخرى، كمكان امتلأ بجسم، وفعل وقع بواحد، وكما لا يصح فعل بين فاعلين، هذا مع تساويهما، وإلا فالعلة الضعيفة لا تعمل مع القوية بلا خلاف.
القائل بالمنصوصة: لاستقلال كل منهما بنصه، فكل واحدة علامة، والمستنبطة: إِن عُيّن بنص استقلال كل وصف فمنصوصة، وإلا فإِسناد الحكم إِلى أحدهما تحكم، وإلى كل منهما تناقض؛ لأنه يكون مستغنيًا عن كل منهما غير مستغن، فتعين إِليهما معا، كل منهما جزء علة.
رد: يستنبط استقلالها بثبوت الحكم في محل كل منهما منفردًا.
وسبق جوابه (4).
__________
(1) في (ظ): أحدهما.
(2) انظر: المسودة/ 416 - 417.
(3) يعني: بين قادرين.
(4) وهو قوله -في الصفحة السابقة-: أجيب: الكلام في حالة الاجتماع.
(3/1236)
القائل بالمستنبطة: لاستقلالها؛ لما سبق فيما قبله، والمنصوصة قطعية، ففي استقلالها اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل.
رد: ليس قطعية.
ثم: يجوز اجتماع أدلة قطعية على مدلول واحد.
.....................
ثم: اختلف (1) من قال بوقوع تعليل الحكم الواحد بعلل إِذا اجتمعت: فذكر بعض أصحابنا وغيرهم: كل واحدة علة.
وقيل: جزء، واختاره ابن عقيل (2).
وقيل: واحدة لا بعينها.
وجه الأول: ثبت استقلال كل منهما منفردة.
رد: لم يثبت (3) مجتمعة.
وأيضًا: لامتنع (4) اجتماع الأدلة؛ لأنها (5) أدلة.
وجه الثاني: يلزم من الاستقلال اجتماع مثلين -وسبق (6) دليلاً للقائل
__________
(1) نهاية 183 ب من (ب).
(2) انظر: المسودة/ 416.
(3) نهاية 368 من (ح).
(4) يعني: لو امتنع كون كل واحدة علة لامتنع ... إلخ.
(5) يعني: العلل الشرعية.
(6) في ص 1235.
(3/1237)
بالمنع- أو التحكم إِن ثبت بواحدة، فتعين الجزء.
رد: ثبت بكل واحدة، كأدلة عقلية وسمعية، يثبت المدلول بكل منها.
وجه الثالث: ما يلزم من التحكم أو الجزئية.
وجوابه: ما سبق.
وقد ذكر في التمهيد (1) جواز تعليل الحكم بعلتين، فإِن دلت إِحداهما على حكم الأصل، والأخرى لم تدل -كقولنا في الطلاق قبل النكاح: "من لا ينفذ (2) طلاقه المباشر لا ينفذ المعلق كالصبي"، فيقول (3) الحنفي: "العلة في الصبي أنه غير مكلف"، فيقول الحنبلي: "أقول بالعلتين (4) "- فقال بعضهم: يجوز تعليله (5) بالعلة التي لا تدل (6) عليه (7)؛ لأنها (8) طريق فيه، كالنص على حكمه لا يمنع التعليل ببعض أوصافه المؤثرة، ومنعه بعضهم؛ لأنها لو وجدت وحدها في الأصل لم يثبت حكمه بها، قال: والأول أشبه بأصولنا.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 165 ب، والمسودة/ 417 - 418.
(2) في (ح): من لا ينعقد. وفي نسخة في هامشها: من لا ينفذ.
(3) نهاية 127 أمن (ظ).
(4) وهما:
1 - أنه غير مكلف.
2 - أنه لا ينفذ طلاقه المباشر.
(5) يعني: الأصل.
(6) وهي: امتناع وقوع طلاقه المباشر.
(7) يعني: حكم الأصل.
(8) انظر: التمهيد/ 175 ب.
(3/1238)
وبناه بعض أصحابنا (1) على القياس على فرع ثبت بالقياس بعلة غير علته، وسبق (2) لنا فيه قولان.
* * *
يجوز تعليل حكمين بعلة -بمعنى الأمارة- اتفاقًا، كغروب الشمس للفطر والصلاة (3).
واختلفوا فيه بمعنى الباعث.
وجوازه أظهر؛ لأنه لا مانع، كالإِسكار للتحريم والحد.
قالوا: أحد الحكمين حصل الحكمة، فإِن حصلها الثاني فتحصيل الحاصل، وإلا فليست علة (4) له.
رد: يتوقف المقصود عليهما، فلا يحصل جميعها إِلا بهما (5)، أو يحصّل الحكم الثاني حكمة أخرى، فتعدد الحكمة، والوصف ضابط لإِحداهما (6).
* * *
اختلفوا في جواز تأخير علة الأصل عن حكمه، كتعليل ولاية الأب
__________
(1) في المسودة / 418: قلت: على هذا ينبني القياس على فرع .. إلخ.
(2) في ص 1196.
(3) نهاية 184أمن (ب).
(4) نهاية 369 من (ح).
(5) في (ح): إِلا بها.
(6) في (ح): لإِحداها.
(3/1239)
على صغير عَرَضَ له جنون بالجنون (1).
واختار الآمدي (2) وغيره: المنع؛ لاستحالة ثبوت الحكم بلا باعث، وإن جاز التعليل بالأمارة (3) فتعريف المعرَّف؛ لتعريف الحكم بالنص.
وفيه نظر؛ لجواز [كون] (4) فائدتها تعريف حكم الفرع، فيتوجه قول ثالث.
* * *
ومن شروط علة الأصل: أن لا ترجع عليه بالإِبطال؛ لبطلانها به، كما سبق (5) في التأويل بقيمة شاة.
وإن عادت عليه بالتخصيص فالخلاف (6).
وقد قال بعض أصحابنا (7): "ما حكم به الشارع مطلقًا أو في عين أو
__________
(1) يعني: فالولاية ثابتة قبل الجنون.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 241.
(3) والأمارة هي المعرف.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) في ص 1048.
(6) ضرب على (فالخلاف) في (ح).
(7) انظر: المسودة/ 227 - 228، وص 1163 من هذا الكتاب.
(3/1240)
فَعَله أو أقرّه، هل يجوز تعليله (1) بعلة مختصة بذلك الوقت بحيث يزول الحكم مطلقًا؟ جوزه الحنفية والمالكية، ذكروه في مسألة التخليل، وذكره المالكية في حكمه بتضعيف الغرم على سارق الثمر المعلق والضالة المكتومة (2) ومانع الزكاة وتحريق متاع الغال، وهو شبهتهم أن حكم المؤلفة انقطع (3)، ومنعه أصحابنا والشافعية، ثم قال بعضهم: قد تزول العلة ويبقى الحكم كالرمل (4)، وقال بعضهم: النطق حكم مطلق وإن كان سببه خاصاً، فقد تثبت العلة مطلقًا. وهذان جوابان لا حاجة إِليهما، واحتج بأن هذا رأي مجرد، وبتمسك الصحابة بنهيه عن ادخار لحم الأضاحي في العام القابل -ومراده: أنه صح عن ابن عمر (5) وأبي سعيد (6) وقتادة (7) بن
__________
(1) من قوله: (وقد قال) إِلى قوله: (تعليله) درس محله في (ح).
(2) أخرج عبد الرزاق في مصنفه 10/ 129 عن معمرعن عمرو بن مسلم عن عكرمة -أحسبه عن أبي هريرة- أن النبي قال: (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها). وأخرجه أبو داود في سننه 2/ 339 من طريق عبد الرزاق. قال المنذري في مختصره 2/ 273: لم يجزم عكرمة بسماعه من أبي هريرة، فهو مرسل. وأخرجه البيهقي في سننه 6/ 191 من طريق أبي داود.
(3) نهاية 184 ب من (ب).
(4) في (ب): وكالرمل.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 104، ومسلم في صحيحه/ 1561.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 103، والنسائي في سننه 7/ 233، والبيهقي في سننه 9/ 292.
(7) أخرجه النسائي في سننه 7/ 234، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد=
(3/1241)
النعمان (1)، وقول جابر: كنا لا نأكل فأرخص لنا (2) - أما تعليله بعلة زالت -لكن إِذا عادت عاد- ففيه نظر، وعكسه: تعليل الناسخ بعلة مختصة بذلك الزمن بحيث إِذا زالت زال، ويقع الفقهاء فيه كثيراً" والله أعلم.
ويأتي (3) كلام أبي الخطاب في استصحاب حكم الإِجماع (4).
وفي واضح ابن عقيل: "ألحق الحنفية النسخ بزوال العلة، كالخمر: حرمت أولاً وألفوا شربها، فنهي عن تخليلها (5) تغليظًا، وزالت باعتياد (6) الترك، فزال الحكم"، ثم أبطله بأنه نسخ بالاحتمال، كمنعه في حدٍّ وفسق ونجاستها.
* * *
__________
=الظمآن/ 260). قال ابن حجر في فتح الباري 10/ 25: فيه قلب للمتن؛ جعل راوي الحديث أبا سعيد، والممتنع من الأكل قتادة، وما في الصحيحين -يعني: كون الممتنع أبا سعيد- أصح.
(1) هو: الصحابي أبو عمرو الأوسي.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 172، ومسلم في صحيحه/ 1562.
(3) في ص 1436 - 1437.
(4) نهاية 127 ب من (ظ).
(5) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1573، وأبو داود في سننه 4/ 82، والترمذي في سننه 2/ 380، والدارمي في سننه 2/ 43، وأحمد في مسنده 3/ 119 من حديث أنس مرفوعًا. وقال الترمذي: حسن صحيح.
(6) في (ب) و (ح): باعتبار.
(3/1242)
ومن شورط العلة: أن لا يكون للمستنبطة (1) معارض في الأصل؛ لجواز كونه العلة، أو هما.
وقيل: معارض راجح. وفيه نظر.
وقيل: ونفي المعارض في الفرع.
وقيد الآمدي (2) المعارض بكونه راجحاً عند من جوز تخصيص العلة، ليفيد القياس (3)، وقال: ويكفي الظن في نفي معارض في أصل وفرع (4).
................
وأن لا تخالف نصاً أو إِجماعًا.
وأن لا تتضمن زيادة على النص، أي: زاد الاستنباط قيدًا عليه.
وقال الآمدي (5): إِن نافت مقتضاه.
وأن يكون دليلها شرعيًا.
....................
وأن لا يعم دليلها حكم الفرع بعمومه أو بخصوصه -كقول شافعي: "الفواكه مطعومة فجرى الربا كالبر"، ثم أثبت الطعم علة بقوله (لا
__________
(1) في (ظ): المستنبطة.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 248.
(3) يعني: ليكون القياس مفيدًا.
(4) نهاية 185 أمن (ب).
(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 245.
(3/1243)
تبيعوا (1) الطعام بالطعام (2))، وكقول حنفي في نجاسة غير السبيل: "خارج نجس، فنقض كالسبيل"، ثم أثبت العلة بما يروى من قوله: (من قاء (3)) - لأنه تطويل بلا فائدة ورجوع عن القياس؛ لثبوت (4) الحكم بدليلها (5).
وقال الآمدي (6): هذه مناقشة جدلية، فلا (7) تمنع صحة القياس، وقد يكون العام مخصوصًا لا يراه المستدل حجة، فيتمسك به في إِثبات العلة.
* * *
__________
(1) نهاية 370 من (ح).
(2) لم أجده بهذا اللفظ، وإنما وجدت ما أخرجه مسلم في صحيحه/ 1214، وأحمد في مسنده 6/ 400، والدارقطني في سننه 3/ 24، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 3، والبيهقي في سننه 5/ 283 عن معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع رسول الله يقول: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل)، وكان طعامنا يومئذ الشعير.
(3) أخرج ابن ماجه في سننه/ 385 - 386 عن عائشة مرفوعًا: (من أصابه قيء ... فلينصرف فليتوضأ ...) وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 153 - 155 بلفظ: (إِذا قاء أحدكم في صلاته ... فلينصرف فليتوضأ). وأخرجه البيهقي في سننه 1/ 142 - 143 بلفظ: (إِذا قاء أحدكم). ثم أسند البيهقي إِلى أحمد أنه قال: حديث ابن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي قال: (من قاء أو رعف ...) الحديث، هكذا رواه ابن عياش، وإنما رواه ابن جريج عن أبيه ولم يسنده، وليس فيه ذكر عائشة. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ص 621.
(4) في (ب) و (ظ): كثبوت.
(5) يعني: دليل العلة.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 246.
(7) في (ح): ولا.
(3/1244)
ويجوز كون العلة حكمًا شرعيًا عند قوم، وقاله ابن عقيل (1)، وذكره (2) أبو الخطاب (3) عن أصحابنا، وعقله بأنها أمارة، والعلة التي يحتاج إِلى إِثباتها في الأصل المتعديةُ (4) إِلى الفرع، وأيضًا: قد يدور حكم مع حكم، والدوران علة كما يأتي (5)
ومنعه آخرون -قال بعض أصحابنا (6): أظنه اختيار ابن عقيل وابن المنّي- لأن الحكم المعلّل إِن تقدم أو تأخر فباطل؛ لِتَقَدّم المعلول أو تأخره، ومعه لا أولوية لتعليل (7) أحدهما بالآخر.
رد: يجوز تأخره (8)؛ لأنه معرّف، ولأن الشدة المطربة وإن (9) سبقت التحريم فإِنما هي علة بجعل الشارع، وقد يكون أحدهما أولى لمناسبته للآخر (10) بلا عكس.
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 134 ب.
(2) في (ب): ذكره.
(3) انظر: التمهيد/ 163 ب- 164أ، والمسودة/ 411.
(4) يعني: هي المتعدية إلى الفرع.
(5) في ص 1297.
(6) انظر: المسودة/ 411.
(7) في (ح): كتعليل.
(8) في (ح): تأخيره.
(9) في (ظ): ان.
(10) نهاية 185 ب من (ب).
(3/1245)
وأيضاً: يحتمل أن لا علة، أو أنها غير الحكم المعلل به، ووقوع احتمال من اثنين أغلب.
رد: يلزم في التعليل بالأوصاف.
واختار الآمدي (1): يجوز كونه علة له بمعنى الأمارة في غير أصل القياس، نحو: "مهما رأيتم أني حرمت كذا فقد حرمت كذا"، وفيه (2): لا يجوز كما سبق (3)، وإن كان باعثًا عليه فحكم الأصل: إِن كان تكليفيًا لم يجز؛ لأنه لا قدرة للمكلف عليه، وبهذا (4) يمتنع (5) تعليله بوصف لا قدرة له عليه، وإن كان بخطاب (6) الوضع لم يجز إِن بعث على حكم الأصل لدفع مفسدة تلزم (7) من شرع الحكم المعلل به؛ لأنها لو طلب الشرع نفيها بشرع (8) حكم الأصل لم يشرع الحكم المعلل به، وإن بعث عليه لمصلحة جاز؛ لأنه قد يستلزم ترتب أحد الحكمين على الآخر مصلحة لا يستقل بها
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 211.
(2) يعني: في أصل القياس.
(3) في ص 1208 من أنه لا يجوز أن تكون العلة فيه بمعنى الأمارة، بل بمعنى الباعث.
(4) في (ح): ولهذا.
(5) نهاية 371 من (ح).
(6) يعني: ثبت حكم الأصل بخطاب الوضع.
(7) في (ب): يلزم. ولم تنقط الكلمة في (ح) و (ظ). وانظر الإِحكام للآمدي 3/ 212.
(8) نهاية 128أمن (ظ).
(3/1246)
أحدهما، كجعل الحكم بالنجاسة علة في بطلان بيع الخمر؛ لتحصيل مصلحة التنزه عنه.
قال في التمهيد (1): يجوز جعل صفة الاتفاق والاختلاف علة عند أصحابنا والأكثر، كالإِجماع (2): "حادث، وهو دليل"، والاختلاف يتضمن خفة حكمه، وعكسه الاتفاق -واختاره ابن عقيل (3) - كقولنا في المتولد بين الظباء والغنم: "متولد من أصلين يزكي أحدهما إِجماعًا، فوجب فيه كمتولد بين سائمة ومعلوفة"، وكقول الحنفية في الكلب: مختلف في حل لحمه، فلم يجب في ولوغه عدد، كالسَّبُع.
ومنعه بعضهم؛ لحدوثهما (4) بعد الأحكام، وقاله القاضي (5) (6) في تعليقه ضمن مسألة النبيذ لنا.
* * *
__________
(1) انظر: التمهيد / 164أ- ب.
(2) هذا جواب سؤال مقدر: اِن الاتفاق والاختلاف حادثان بعد الرسول، والعلة أمارة شرعية تحتاج إِلى نصب الشرع. فأجاب: بأن هذا وإن كان حادثًا فيجوز أن يكون أمارة دالة، كما أن الإِجماع حادث، وكان دليلاً معلومًا.
(3) انظر: الواضح 1/ 141 ب- 142 أ.
(4) يعني: الاتفاق والاختلاف.
(5) انظر: المسودة/ 410.
(6) نهاية 186 أمن (ب).
(3/1247)
ويجوز تعدد الوصف ووقوعه عندنا وعند الأكثر، كتعليل القصاص بالقتل العمد العدوان؛ لأن طريق إِثبات الواحد يثبت به غيره (1).
قالوا: لو جاز كانت العلية صفة زائدة؛ لأنا نعقل مجموع الأوصاف، ونجهل كونها علة، والمعلوم غير المجهول، ولأنا نصفها بأنها علة، والصفة غير الموصوف، وليست (2) صفة زائدة؛ لأنها إِن قامت بوصف فهو العلة، وإن قامت بكل وصف فكل وصف علة، وإن قام كل بعض منها بوصف لزم تعدد المتحد لقيامه بالتعدد (3) أو اتحاد المتعدد.
رد: يجرى الدليل في امتناع وصف الكلام بكونه خبرًا أو استخبارًا (4).
وبأن (5) العلية قائمة بالمجموع من حيث هو، فلا يلزم شيء.
وبأن معنى العلة قضاء الشرع بالحكم عند الوصف للحكمة، فليست العلية صفة زائدة، ثم (6): ليست وجودية؛ لئلا يقوم العَرَض بالعَرَض؛ لأنها عرض، والأوصاف عرض.
__________
(1) وهو المتعدد.
(2) في (ظ): فليست.
(3) كذا في النسخ. ولعل صوابه: بالمتعدد.
(4) وهو موصوف بذلك مع تعدد ألفاظه وحروفه.
(5) في (ح): أو بأن.
(6) يعني: لو سلم أنها زائدة.
(3/1248)
قالوا: لو جاز (1) لزم أن عدمَ كلِ جزءٍ علةٌ لعدم صفة العلية؛ لانتفائها بعدمه، والتالي باطل؛ لأنه يلزم نقض علية عدم جزء لعدم صفة العلية؛ لأنه لو عدم وصف آخر لم تعدم العلية؛ لعدمها (2) بالأول (3).
رد: كل جزء شرط للعلة، فعدمت لعدمه، وليس عدمه علة لعدم المشروط.
ولو سلم أن عدم كل جزءٍ علةٌ فهو كبول بعد مس وعكسه (4)، كل منهما (5) علة للوضوء؛ لأنها علامات، فتقع معًا ومرتبة، فلا يلزم النقض.
قال الآمدي (6): وسبق (7) أن العدم ليس علة.
* * *
لا يشترط في علة (8) الأصل القطع بحكمه (9)، ولا القطع بها في الفرع، ولا انتفاء مخالفة مذهب صحابي -إِن لم يكن حجة- خلافاً
__________
(1) نهاية 372 من (ح).
(2) في (ح): في الأول.
(3) يعني: بعدم الجزء الأول.
(4) نهاية 186 ب من (ب).
(5) في (ب) و (ح): منها.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 215.
(7) انظر: ص 1212.
(8) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): محل.
(9) في (ح): بحكمة.
(3/1249)
لبعضهم في الثلاثة.
ولا النص (1) عليها، أو الإجماع على تعليله، خلافاً للمريسي (2).
* * *
وإذا كانت العلة لنفي الحكم وجود مانع -كعدم القصاص على الأب لمانع- أو عدم شرط، كعدم الرجم (3) لعدم الإِحصان: اختلفوا في اشتراط وجود المقتضي، فيبين بدليل، ونَفْي الشارع للحكم دليل وجوده حملاً له على التأسيس.
واختار الآمدي (4): يشترط؛ لأن الحكم شرع لمصلحة الخلق؛ فما لا فائدة فيه لم يشرع، فانتفى لنفي فائدته.
قالوا: أدلة (5) متعددة، وإذا استقل المانع وعدمُ الشرط مع وجود معارضة المقتضي فمع عدمه أولى.
رد: لا يلزم؛ لما سبق (6).
__________
(1) في (ب): التضمن.
(2) انظر: المعتمد/ 761.
(3) نهاية 128 ب من (ظ).
(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 242.
(5) يعني: عدم المقتضي ووجود المانع.
(6) في اختيار الآمدي. وانظر: الإِحكام للآمدي 3/ 242.
(3/1250)
قالوا: يلزم التعارض بينهما، وهو خلاف (1) الأصل.
رد: هو أهون (2)، ولهذا اتفق من خصص العلة على نفي الحكم بالمانع وعدم الشرط مع وجود المقتضي (3)، واختلفوا فيه مع عدمه.
قالوا: لو أحيل نفي الحكم عند انتفاء المقتضي على نفيه (4) -مع مناسبة نفيه من المانع وعدم الشرط- لزم إِهمالهما، وهو خلاف الأصل.
رد: هو (5) أولى، ولهذا يستقل بنفيه عند عدم المعارض اتفاقاً، وفي استقلال (6) المانع وعدم (7) الشرط بنفيه (8) الخلاف في تخصيص العلة.
وإِن قيل: يحال نفيه عليهما (9) معاً.
رد: إِن استقل كل منهما بنفيه ففيه تعليل حكم واحد في صورة بعلتين، وإلا امتنع؛ لخروج المستقل بالنفي -وهو نفي المقتضي عند نفي معارضه- عن الاستقلال.
* * *
__________
(1) نهاية 373 من (ح).
(2) من نفيه لوجود مانع مع ذوات المقتضي.
(3) في (ح): الشرط.
(4) يعني: نفي المقتضي.
(5) يعني: انتفاؤه لنفي المقتضي أولى من انتفائه للمانع.
(6) نهاية 187أمن (ب).
(7) ضرب في (ب) و (ظ) على: عدم الشرط.
(8) في (ب) و (ظ): نفيه.
(9) يعني: على المانع ونفي المقتضي.
(3/1251)
قال ابن عقيل (1): هل يصح كون العلة صورة المسألة نحو: "يصح رهن مشاع كرهنه من شريكه" منعه بعضهم؛ لإِفضائه (2) إِلى تعليلِ المسألة وعدمِه، وصححه بعضهم، قال: وهو أصح.
قال بعضهم: يستدل بوجود العلة على الحكم لا بعليتها، لتوقفها (3) عليه؛ لأنها (4) نسبة.
* * *
حكم الأصل ثابت بالنص عندنا وعند الحنفية (5)؛ لأنه قد يثبت تعبدًا، فلو ثبت بالعلة لم يثبت مع عدمها، ولأنها مظنونة وفرع عليه.
ومرادهم: أنه معرِّف له.
وعند الشافعية (6): بالعلة.
ومرادهم: الباعثة عليه. فالخلاف لفظي.
* * *
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 141أ.
(2) يعني: يفضي إِلى أن تكون العلة هي المعلَّل له، فيفضي إِلى التنافي؛ لأنه يؤدي إِلى كون المسألة معللة لا معللة؛ لأنك إِذا قلت: "حرمت الخمر لأنها خمر" فقد بينت أنها معللة، إلا أن قولك: "لأنها خمر" معناه: أنها غير معللة.
(3) يعني: العلية.
(4) في (ب): لأنه.
(5) انظر: تيسير التحرير 3/ 294 - 295، وفواتح الرحموت 2/ 293.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 247. وكذا عند الحنفية السمرقنديين، فانظر: تيسير التحرير 3/ 295.
(3/1252)
[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]
أصول الفقه لابن مفلح
شروط الفرع
منها: مساواة علته علة الأصل فيما يقصد من عين العلة أو جنسها، كالشدة المطربة في النبيذ، وكالجناية في قياس قصاص طرف على نفس.
وعن بعض الحنفية (1): يكفي مجرد الشبه.
لنا: اعتبار الصحابة المعنى المؤثر في الحكم.
ولاشتراك العامي والعالم فيه (2).
ولأنه ليس هذا الشبه بأولى من عكسه (3).
وكالقياس العقلي (4).
قالوا: لم تعتبر الصحابة سوى مجرد الشبه.
رد: بالمنع.
* * *
__________
(1) انظر: اللمع/ 62، والتبصرة/ 458.
(2) يعني: إِذا جاز رد الفرع إِلى الأصل من غير علة مخصوصة لم يحتج إِلى النظر والفكر.
(3) قال في التبصرة/ 458: ولأنه لو جاز رد الفرع إِلى الأصل بمجرد الشبه لم يكن حمل الفرع على بعض الأصول بأولى من حمله على البعض؛ لأنه ما من فرع تردد بين أصلين إلا وفيه شبه من كل واحد من الأصلين.
(4) يعني: يعتبر فيه معنى مخصوص.
(3/1253)
ويشترط تأثيرها في أصلها المقيس عليه عند أصحابنا والحنفية (1) (2) والشافعية (3).
واكتفى الحلواني (4) من أصحابنا وأبو الطيب (5) الطبري الشافعي بتأثيرها في أصل ما.
واشترط بعضهم: في أصلها وفي بقية المواضع.
كقول المالكية (6) في الكلب: "حيوان، فكان طاهرًا كالشاة"، تأثيره في الحيوان إِذا مات، ولا تأثير له في (7) الجماد، فالحياة تؤثر في محل دون محل.
* * *
ومنها: مساواة حكمه حكم الأصل فيما يقصد كونه وسيلة للحكمة (8) من عين الحكم أو جنسه، كالقصاص في النفس بالمثقل على
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 134، 151.
(2) نهاية 187 ب من (ب).
(3) انظر: اللمع 671، والتبصرة/ 464.
(4) هو: عبد الرحمن الحلواني. انظر: المسودة/ 438 - 439.
(5) انظر: اللمع/ 67، والمسودة/ 438.
(6) انظر: مفتاح الوصول/ 107، والمسودة/ 422.
(7) نهاية 129أمن (ظ).
(8) نهاية 374 من (ح).
(3/1254)
المحدد، وكالولاية في نكاح الصغيرة على الولاية في مالها. ويأتي (1) في الأسئلة.
..................
ومنها: أن لا يكون منصوصًا على حكمه.
قالت الحنفية (2) وغيرهم -وجزم به الآمدي (3)، وتبعه بعض أصحابنا -: ولا متقدمًا على حكم الأصل، كقياس أصحابنا والشافعية (4) الوضوء على التيمم في اشتراط النية؛ لثبوت حكم الفرع قبل ثبوت العلة؛ لتأخر الأصل.
قال الآمدي (4): إِلا أن يذكره إِلزامًا للخصم.
وفي الروضة (5): الصحيح: يشترط لقياس العلة لا الدلالة، فيقاس الوضوء على التيمم؛ لجواز تأخر (6) الدليل عن المدلول، كحدوث العالم دليل على القديم، والأثر على المؤثر.
وذكر أبو الخطاب (7) وابن عقيل (8) -من الأسئلة الفاسدة-: تأخر
__________
(1) في ص 1393 وما بعدها.
(2) انظر: تيسير التحرير 3/ 299، وفواتح الرحموت 2/ 259.
(3) و (4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 251.
(5) انظر: روضة الناظر/ 319.
(6) في (ح): تأخير.
(7) انظر: التمهيد/ 181 ب-182أ.
(8) انظر: الواضح 1/ 167 ب، 203أ.
(3/1255)
حكم الأصل عن حكم الفرع؛ لأن الأمارة والدليل يتأخر ويتقدم، كالمعجزة مع النبوة، والعالَم على الصانع، ويمتنع في العلة العقلية، كتحرك الجسم أو سواده لحركة (1) أو سواد يتأخر.
......................
وشرط قوم -وحكوه عن أبي هاشم (2) - ثبوت حكم (3) الفرع بنص جملة لا تفصيلاً، كميراث الأخ مع الجد.
وهو باطل بما يأتي (4) من (5) أدلة القياس، ولا دليل عليه.
واحتج الآمدي (6) وغيره (7): بأن الصحابة قاسوا (8) "أنت حرام" على الطلاق واليمين والظهار.
وجوابه: منع صحته، بل لا يصح.
* * *
__________
(1) في (ح) و (ظ): بحركة.
(2) انظر: المعتمد/ 809 - 810.
(3) نهاية 188 أمن (ب).
(4) في ص 1311 وما بعدها.
(5) في (ب) و (ظ): عن.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 251.
(7) يعني: لإِبطال هذا القول.
(8) سيأتي في ص 1320 الإِشارة إِلى الآثار عن الصحابة في مسألة الحرام.
(3/1256)
[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]
أصول الفقه لابن مفلح
مسالك إِثبات العلة
الأول: الإِجماع.
......................
الثاني: النص:
فمنه: صريح، نحو: "لعلة كذا أو لسبب"، قال بعض أصحابنا وغيرهم: وكذا: "لأجْل أو من أجْل أو كي أو إِذًا" لا يحتمل غير التعليل -وكذا اختار أبو محمَّد البغدادي (1): أن "كيلا ولأجل ونحوهما" صريح، وعندنا وذكره الآمدي (2): (3) إِن قام دليل لم يقصد التعليل فمجاز نحو: لم فعلت؟ فيقول: لأني أردت- كقوله: لكذا أو (4) إِن كان كذا أو لكذا (5) أو بكذا نحو: (فبما رحمة) (6).
وكذا "إِنّ"، ذكره القاضي (7) وغيره والآمدي (8)، وذكره في
__________
(1) في (ح): في أن.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 253.
(3) نهاية 375 من (ح).
(4) في (ب) و (ظ): وإن كان.
(5) قوله: (أو لكذا) كذا في (ب) و (ظ). وفي (ح): أو إِن كان كذا لكذا. وعلى أي حال فهذه الزيادة (أو لكذا) مكررة مع قوله: (كقوله: لكذا).
(6) سورة آل عمران: آية 159.
(7) انظر: العدة/ 221 ب.
(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 252.
(3/1257)
الروضة (1) عن أبي الخطاب.
وقيل: تنبيه.
وقيل لأبي الفتح بن المنّي من أصحابنا -في زوال البكارة بالزنا-: إِن "إِنّ" موضوعة للتعليل، كقوله: (إِنها من الطوافين).
فقال: لا نسلم، وإنما هي موضوعة للتأكيد، وإنما كان الطواف علة، لعسر الاحتراز عنه؛ لا لفظة (2) "إِنَّ".
وكذا قال أبو محمَّد البغدادي: أجمع علماء العربية أنها لم تأتِ للتعليل، بل للتأكيد أو بمعنى "نعم"، وإنما، جعلنا الطواف علة لأنه قرنه بحكم الطهارة، وهو مناسب.
.....................
ومن التنبيه والإيمان (3) ترتب الحكم عقب وصف بالفاء، فإِنها للتعقيب ظاهراً، ويلزم منه السببية عندنا، وذكره الآمدي (4) وغيره، كقوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا) (5)، وقول الراوي: "سها (6) فسجدا)،
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 297.
(2) كذا في النسخ. ولعلها: للفظة.
(3) نهاية 188 ب من (ب).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 254.
(5) سورة المائدة: آية 38.
(6) نهاية 129 ب من (ظ).
(3/1258)
و"زنى ماعز فرجم" (1)، وقيل: كما قبله (2)، والفقيه وغيره سواء؛ لأنه ظاهر (3) حاله مع دينه وعلمه (4).
* * *
ومنه: اقتران الوصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره علة للحكم كان اقترانه بعيدًا شرعًا ولغة، كقول الأعرابي له - عليه السلام -: وقعت على أهلي في رمضان، فقال: (أعتق رقبة) (5)، فكأنه قيل: "إِذا واقعت فكفّر"؛ لأن الظاهر كونه جوابا، والسؤال معاد فيه.
فإِن حذف (6) بعض الأوصاف -كـ "ذلك الشهر، وكونه أعرابيا"-
__________
(1) تقدم تخريج حديث رجم ماعز في ص 863. وهذا اللفظ: "زنى ماعز فرجم" ورد -أيضاً- في مختصر ابن الحاجب. قال الزركشي في المعتبر/ 80 أ: هو مروي بالمعنى في الصحيحين، لكن مقصود ابن الحاجب هذا اللفظ، ولم يَرِد.
(2) يعني: كالصريح.
(3) يعني: ظاهر حاله أنه لو لم يفهم ترتب الحكم على الوصف لم يقله.
(4) يعني: علمه أن الفاء للتعقيب.
(5) قصة الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان رواها أبو هريرة، وسبق تخريج ذلك في ص 304. قال الزركشي في المعتبر/ 80 أ: واقعت أهلي في رمضان، فقال: (أعتق رقبة) هو في الكتب الستة، لكن بغير هذه الصيغة، أما بهذه الصيغة ففي سنن ابن ماجه. أ. هـ. فانظر: سنن ابن ماجه / 534.
(6) في (ح): حذفت.
(3/1259)
سمي تنقيح المناط، أي: تنقيح ما ناط به حكم الشارع.
وأقر به أكثر منكري القياس، وأجراه أبو حنيفة (1) في الكفارات مع منعه القياس فيها.
وذكر بعضهم (2): أنه أحد مسالك العلة، بأن يبين إِلغاء الفارق.
وقد يقال: العلة إِما المشترك أو المميز، والثاني باطل (3)، فثبت الأول.
ولا يكفي أن يقال: "محل الحكم إِما المشترك أو مميّز الأصل"؛ لأنه لا يلزم من ثبوت المحل ثبوت الحكم.
قيل: لا دليل على عدم عليته (4)، فهو علة.
رد: لا دليل لعليته، فليس بعلة.
قيل: لو كان علة لتأتَّى القياس المأمور به.
رد: هو دور. والله أعلم.
....................
ومن الإِيماء (5): أن يقدّر الشارع وصفاً لو لم يكن للتعليل كان بعيداً لا
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 42، فواتح الرحموت 2/ 298.
(2) انظر: المحصول 2/ 2/ 315.
(3) لأن الفارق ملغى.
(4) يعني: علية الوصف. وانظر: المحصول 2/ 2/ 319 - 320.
(5) نهاية 376 من (ح).
(3/1260)
فائدة (1) فيه، كقوله عليه السلام -لما سئل عن بيع التمر بالرطب- فقال (2): (أينقص الرطب إِذا يبس؟)، قالوا (3): "نعم"، فنهى عن ذلك، صححه الترمذي وغيره.
ومثال التقدير في نظير محل السؤال قول امرأة (4) من جهينة (5) له -عليه السلام -: إِن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟) قالت: "نعم"، قال: (اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء). متفق عليه (6).
__________
(1) نهاية 189 أمن (ب).
(2) كذا في النسخ. ولعل المناسب حذف كلمة: "فقال".
(3) في (ح): قال.
(4) قيل: اسمها غاثية أو غايثة أو غاينة.
انظر: الإِصابة 8/ 44، وفتح الباري 4/ 65.
(5) جهينة: حي عظيم من قضاعة من القحطانية، وهم: بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة.
انظر: معجم قبائل العرب 1/ 216.
(6) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 18، 9/ 102 من حديث ابن عباس، وأخرجه النسائي في سننه 5/ 116 بمعناه.
ولم أجده في صحيح مسلم، وإِنما وجدت مسلم قد أخرج هذا المعنى من حديث ابن عباس في الصيام في قصة المرأة التي أخبرت الرسول أن أمها ماتت وعليها صوم واجب، فقال - عليه السلام -: (أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقتضينه؟) قالت: نعم، قال: (فدين الله أحق بالقضاء). انظر: صحيح مسلم/ 804.
(3/1261)
وفيه تنبيه على الأصل -وهو دين الآدمي- والفرع، وهو الحج الواجب، والعلة، وهي قضاء الدين عن الميت.
وذكر في التمهيد (1) وغيره: أن من هذا قول عمر له - عليه السلام -: "صنعت اليوم أمراً عظيمًا، قبّلت وأنا صائم"، فقال.: (أرأيت لو تمضمضت بماء، وأنت صائم؟) قلت: "لا بأس"، فقال: (ففيم (2)؟).
وقال الآمدي (3): إِنما هو نقض لما توهمه عمر من إِفساد مقدمة إِفساد الصوم التي هي القُبلة مقدمة الوقاع، فنقض بالمضمضة مقدمة الشرب، ولم يقدّر - عليه السلام - المضمضة لتعليل منع الإِفساد؛ لأنه ليس فيها ما يتخيل مانعاً منه، بل غايتها أن لا تفسد.
.........................
ومن الإِيماء: أن يفرق - عليه السلام - بين حكمين بصفة مع ذكرهما،
__________
(1) انظر: التمهيد/ 159 ب.
(2) أخرجه أبو داود في سننه 2/ 779 - 780 من حديث عمر. قال المنذري في مختصره 3/ 263: "وأخرجه النسائي، وهذا حديث منكر، قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إِلا من هذا الوجه". وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 21، 52، والدارمي في سننه 1/ 345، وابن خزيمة في صحيحه 3/ 245، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 227)، والحاكم في مستدركه 1/ 431 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 258.
(3/1262)
نحو: (للراجل سهم، وللفارس سهمان (1)، أو مع ذكر أحدهما نحو:
__________
(1) لم أجده من لفظ النبي هكذا، وإنما وجدت ما أخرجه أبو داود في سننه 3/ 174 - 175، 413 عن مجمع بن جارية الأنصاري قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية، فأعطى النبي الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما. قال أبو داود: "حديث أبي معاوية- (وهو ما أخرجه أبو داود في سننه 3/ 172 - 173: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهما له، وسهمين لفرسه. وأخرجه البخاري في صحيحه 4/ 30، ومسلم في صحيحه 1383) - أصح، والعمل عليه". وأخرج حديث مجمع أحمد في مسنده 3/ 420، والدارقطني في سننه 4/ 105 - 106، والحاكم في مستدركه 2/ 131 وقال: هذا حديث كبير صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
قال في نصب الراية 3/ 416 - 417: ورواه الطبراني في معجمه وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في سننه ... قال ابن القطان في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف روى عنه غير ابنه، وابنه مجمع ثقة.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا: ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله جعل للفارس سهمين وللراجل سهما. انظر: نصب الراية 3/ 417. ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في سننه 4/ 106 ثم قال: قال الرمادي: كذا يقول ابن نمير، قال لنا النيسابورى: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي: لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا -انظر: سنن الدارقطني 4/ 102 - ورواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا. انظر: سنن الدارقطني 4/ 102. وأطال الدارقطني الكلام عليه، فراجع: سننه 3/ 106 - 107، ونصب الراية 3/ 418.
(3/1263)
(القاتل لا يرث (1))، أو بالشرط والجزاء نحو: (فإِذا اختلفت هذه الأصناف (2) فبيعوا (3))، أو بغاية: (ولا تقربوهن (4) حتى
__________
(1) ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه 4/ 692 - 694. قال المنذري في مختصره 6/ 363: في إِسناده محمَّد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد. وانظر: ميزان الاعتدال 3/ 543.
وورد من حديث أبي هريرة مرفوعًا. أخرجه الترمذي في سننه 3/ 288 وقال: هذا حديث لا يصح؛ لا يعرف هذا إِلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة -أحد رجال الإِسناد- قد تركه بعض أهل العلم، منهم: أحمد بن حنبل. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 883.
وورد من حديث عمرو بن شعيب عن عمر مرفوعاً. أخرجه مالك في الموطأ/ 867، وابن ماجه في سننه/ 884 وفي الزوائد: "إِسناده حسن". وهو منقطع؛ لأن عمرا لم يدرك عمر.
وراجع: الرسالة/ 171، وسنن البيهقي 6/ 219 - 221، وقيل الأوطار 6/ 194، وتحفة الأحوذى 6/ 291.
(2) في (ب): الأوصاف.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1211 من حديث عبادة مرفوعاً: (الذهب بالذهب ... مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإِذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إِذا كان يدا بيد). وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 320، وأبو داود في سننه 3/ 647، وابن الجارود في المنتقى/ 218 - 219، والدارقطني في سننه 3/ 24، والبيهقي في سننه 5/ 278، 284.
(4) نهاية 189 ب من (ب).
(3/1264)
يطهرن) (1)، أو استثناء: (فنصف (2) ما فرضتم إِلا أن يعفون) (3)، أو استدراك: (ولكن (4) يؤاخذكم بما عقدتم) (5).
......................
ومن الإِيماء: ذكره في سياق الكلام شيئًا لو لم يكن علة لذلك الحكم المقصود كان الكلام غير منتظم، كنهيه عن البيع وقت الجمعة (6)، فإِنه علة للمنع عن السعي إِلى الجمعة؛ لا مطلقًا.
......................
ومن الإِيماء: ذكر وصف مناسب مع الحكم، نحو: (لا يقضي القاضي وهو غضبان (7)).
.......................
__________
(1) سورة البقرة: آية 222.
(2) نهاية 377 من (ح).
(3) سورة البقرة: آية 237.
(4) نهاية 130 أمن (ظ).
(5) سورة المائدة: آية 89.
(6) في سورة الجمعة: آية 9.
(7) هذا الحديث رواه أبو بكرة مرفوعًا. أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 65 بلفظ: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)، ومسلم في صحيحه/ 1342 - 1343 بلفظ: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)، وابن ماجه في سننه/ 776 بلفظ:=
(3/1265)
فإِن ذكر الوصف صريحًا، والحكم مستنبط منه -نحو: (وأحل الله البيع) (1)، صحته مستنبطة من حله- فهو مُوْمَأ إِليه، واختاره الآمدي (2) وذكره عن المحققين؛ للزوم الصحة للحل كذكره (3).
وخالف قوم، كذكر الحكم صريحًا والوصف مستنبط، فإِنه لا إِيماء (4)، جزم به الآمدي (5)، كعلة الربا مستنبطة من حكه.
رد: بالمنع؛ لأن الإِيماء اقتران الوصف بالحكم، وهو حاصل.
ثم: لا استلزام (6).
......................
وهل تشترط مناسبة الوصف المومأ إِليه؟
أطلق أصحابنا وجهين.
__________
= (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 232) بلفظ: (لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان).
(1) سورة البقرة: آية 275.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 263.
(3) يعني: كذكر الحكم. وفي (ب): لذكره.
(4) في (ب): لا إيماء بما جزم به الآمدي.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 262.
(6) يعني: في الوصف المستنبط.
(3/1266)
وقال الآمدي (1): "اشترطه قوم، ونفاه آخرون"، ثم اختار: إِن فُهِم التعليل من المناسبة اشترط؛ لأن المناسبة فيه منشأ للإِيماء، وإِلا فلا؛ لأنه بمعنى الأمارة.
ومعناه في الروضة (2) وجدل أبي محمَّد البغدادي.
وقال بعض أصحابنا (3): ترتيب الحكم على اسم مشتق يدل [على] (3/ 1) أن ما منه الاشتقاق علة في قول [أكثر] (4) الأصوليين، واختاره ابن المني، وقال قوم: إِن كان مناسبًا (5)، واختاره أبو الخطاب -في تعليل الربا من الانتصار- وأبو المعالي (6) والغزالي.
كذا قال، وإنما ذكر أبو الخطاب منعًا وتسليماً.
قالوا: لو اشترط لم يُفهَم التعليل من ترتيب الحكم على وصف غير مناسب،: كـ "أَهِن العالم وأكرم الجاهل"، ولم يُلَم عليه.
رد: لم يفهم منه، واللوم للإِساءة في الجزاء، ولهذا توجه اللوم لو سكت عن الجزاء في موضع يفهم من السكوت.
* * *
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 261 - 262.
(2) انظر: روضة الناظر/ 297 - 300.
(3) انظر: المسودة/ 438. (3/ 1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).
(4) ما بين المعقوفتين من نسخة في هامش (ب).
(5) نهاية 378 من (ح).
(6) نهاية 190 أمن (ب).
(3/1267)
المسلك الثالث: السبر والتقسيم.
وهو حصر الأوصاف في الأصل، وإِبطال بعضها بدليل، فيتعين الباقي للعلة.
ويكفي المناظر: "بحثت عن الأوصاف، فلم أجد غير ذلك"؛ لأنه أهلٌ عدل ثقة فيما يقول، فالظاهر صدقه.
أو يقول: الأصل عدم ما سوى ذلك.
فإِن قيل: قوله: "سبرتُ فلم أَجِدْ" عدمُ علمٍ.
ثم: ليس علمًا بالنسبة إِلى الخصم؛ لاحتمال عِلْمه بوصف آخر.
ثم: صحة العلة إِنما تكون بوجود مصحِّحها، وهذا إبطال مُعارِضها، فلا يلزم صحة كون الباقي علة.
قيل: بل هو ظنٌّ بعدمه، فإِن الظن بعدم الشيء لازم للبحث عنه.
والظاهر: لو علم الخصم وصفا آخر أظهره إِفحاماً لخصمه إِظهارًا لعلم، وإلا فهو معاند.
وليس صحة الباقي علة لإِبطال المعارض (1)، بل لأنه لا بد من علة -لما يأتي (2) - فيُظَنُّ انحصارها في الأوصاف، فإِذا بطل بعضها ظُنَّ صحة الباقي.
__________
(1) يعني: ليس كون الباقي علة؛ لأننا أبطلنا المعارض.
(2) في ص 1274.
(3/1268)
وإن بين المعترض وصفا آخر لزم (1) المستدل (2) إِبطاله؛ لا انقطاعه (3)؛ لأنه أبطله.
وأما الناظر (4) المجتهد فيعمل بظنه.
ومتى كان الحصر والإِبطال قطعيًا فالتعليل قطعي، وإلا فظني.
....................
وطرق الحذف:
منها: الإِلغاء، وهو: بيان المستدل إِثبات الحكم بالباقي فقط في صورة، ولم يثبت دونه، فيظهر استقلاله وحده.
وقال الآمدي (5): لا يكفي ذلك في استقلاله بدون طريق من طرق إِثبات العلة، وإلا لكفى في أصل القياس (6)، فإِن بَيَّنه (7) في صورة الإِلغاء بالسبر فالأصل الأول تطويل بلا فائدة، وإن بيَّنه بطريق آخر لزم محذور آخر وهو الانتقال.
__________
(1) نهاية 379 من (ح).
(2) نهاية 130 ب من (ظ).
(3) يعني: لا يكون ذكر ذلك الوصف ملزمًا للمستدل بالانقطاع؛ لأنه إِذا أبطله فقد سَلِم حصره.
(4) نهاية 190 ب من (ب).
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 267 - 268.
(6) ولم يكن إِلى البحث والسير حاجة.
(7) يعني: بين الاستقلال.
(3/1269)
وعلل بعضهم بجواز أن الوصف المحذوف جزء علة وأعم من المعلول، فلا يلزم من وجود الحكم دونه -وعدم الحكم عند وجوده- استقلال الباقي.
ويشبه الإِلغاء نفي العكس؛ لأن كلاً منهما إِثبات الحكم بدون الوصف، وليس هو؛ لأنه لم يقصد في (1) الإِلغاء: لو كان المحذوف علة لانتفى عند انتفائه، بل قصد: لو أن الباقي جزء علة لما استقل.
ومنها: طرد المحذوف، أي: ألفنا عدم اعتباره شرعاً كالطول والقصر، أو بالنسبة إِلى ذلك الحكم كالذكورة (2) في العتق.
ومنها -عند [بعض] (3) الشافعية وغيرهم، وجزم به الآمدي (4) وغيره-: عدم ظهور مناسبته.
ويكفي المناظر (5): بحثت (6).
فإِن ادعى المعترض أن الباقي كذلك: فإِن كان بعد تسليمه (7) مناسبته يقبل، وإلا فَسَبْر المستدل أرجح؛ لموافقته للتعدية، وليس له (8) بيان (9)
__________
(1) في (ح): في للإِلغاء.
(2) في (ب): كالذكورية. وفي (ظ): كذكورية.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 268.
(5) نهاية 380 من (ح).
(6) يعني: فلم أجد له مناسبة.
(7) يعني: تسليم المعترض.
(8) يعني: وليس للمستدل. انظر: الإحكام للآمدي 3/ 269.
(9) نهاية 191 أمن (ب).
(3/1270)
المناسبة؛ لانتقاله إِلى طريق آخر.
وفي الروضة (1): ليس منها؛ لمعارضة خصمه له بمثل كلامه، ولا يكفيه نقضه (2) لاحتمال كونه جزء علة أو شرطاً فيها (3).
..................
والسبر مسلك صحيح لإِثبات العلة في ظاهر كلام القاضي (4) وغيره، وقاله ابن عقيل (5)، وذكره بعضهم عن الأكثر، وجزم به الآمدي (6) وغيره، خلافاً للحنفية (7).
واختار في الروضة (8) -وذكره عن أبي الخطاب-: أنه لا يصح؛ لجواز التعبد، وتعارض قول المستدل بقول المعترض: "بعثت فيما ذكرتَه، فلم أَرَ
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 307.
(2) يعني: نقض علة خصمه.
(3) فلا يستقل بالحكم، ولا يلزم من عدم استقلاله صحة علة المستدل دونه.
(4) انظر: العدة/ 219 ب.
(5) انظر: الواضح 1/ 172أ.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 264.
(7) انظر: تيسير التحرير 4/ 48، وفواتح الرحموت 2/ 299، وفيهما: عن الجصاص والمرغيناني كقول الجمهور.
(8) انظر: روضة الناظر/ 306 - 307.
(3/1271)
ما يصلح علة"، إِلا أن تجمع الأمة على تعليل أصل، فيبطل ما علّل به إِلا واحدة، فيصح؛ لئلا يخرج الحق عن الأمة.
وفي التمهيد (1): إِن لم يجمعوا، لكن علّله بعضهم واختلفوا: فهل إِفساد إِحداهما دليل صحة الأخرى؟ على مذهبين.
قال (2) -وقاله ابن عقيل أيضًا-: فأما إِن أفسد حنبلي علة شافعي في الربا لم يدل على صحة علته؛ لتعليل بعض الفقهاء بغيرهما، وليس إِجماعهما دليلاً على من خالفهما، لكن يكون طريقاً في إِبطال مذهب خصمه وإلزاماً له صحة علته.
وفي الروضة (3) -في هذه الصورة- الخلاف في التي قبلها. وفيه (4) نظر.
وقد ذكر القاضي (5) عن ابن حامد: أن علة الأصل -كعلة الربا- لا تثبت بالاستنباط، قال: وأومأ إِليه أحمد، فسأله مهنا (6): هل يقيس بالرأي؟ قال: "لا، هو أن يسمع الحديث فيقيس عليه"، وعلّله بعدم القطع بصحتها،
__________
(1) انظر: التمهيدا / 16 أ.
(2) انظر: المرجع السابق.
(3) انظر روضة الناظر / 307.
(4) نهاية 381 من (ح).
(5) انظر: الروايتين والوجهين/ 243أ، والمسودة/ 404 - 405.
(6) نهاية 131أمن (ظ).
(3/1272)
ثم اختار (1) أنه يصح، وذكر كلام أحمد في (2) علة الربا.
قال بعض أصحابنا (3): "لا يخالف ابن حامد في استنباط سمعي، وهو التنبيه والإِيماء (4) "، وهذا أشهر.
وعن (5) البخاريين (6): لا يقبل السبر في ظني، وذكره أبو المعالي (7) عن بعض الأصوليين، وذكر -أيضًا- (8) عن النهرواني (9) والقاشاني (10):
__________
(1) يعني: القاضي.
(2) نهاية 191 ب من (ب).
(3) انظر: المسودة/ 402.
(4) يعني: وإنما يخالف في أننا بالعقل نعرف علة الحكم.
(5) انظر: المسودة/ 427.
(6) بخارى: من أعظم مدن ما وراء النهر -نهر جيحون- وأجلها. انظر: معجم البلدان 1/ 353. وفي (ب) و (ظ): النجاريين.
(7) انظر: البرهان/ 816.
(8) انظر: المرجع السابق/ 774 - 775.
(9) هو: أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى، ويلقب بالجريري؛ لأنه كان على مذهب ابن جرير الطبري، توفي سنة 390 هـ.
انظر: الفهرست/ 236، واللباب 3/ 249، والنجوم الزاهرة 4/ 201، وشذرات الذهب 2/ 134.
(10) هو: أبو بكر محمَّد بن إِسحاق القاشاني نسبة إِلى (قاشان) ناحية مجاورة لـ (قم)،=
(3/1273)
لا يقبل في التعليل إِلا الإِيماء (1) وما علم بغير نظر، كبوله في إِناء (2)، ثم يصبّه في ماء، ووافقهما أبو هاشم (3).
وجه الأول: لا بد للحكم من علة، وذكره الآمدي (4) إِجماع الفقهاء، بطريق الوجوب عند المعتزلة، وبطريق اللطف والاتفاق (5) عند الأشعرية. وسبق (6) في مسألة التحسين.
وكذا ذكر أبو الخطاب: أن ما ثبت حكمه بنص أو إِجماع كله معلّل، وتخفى علينا علته نادرًا.
واحتج الآمدي (7) بقوله: (وما أرسلناك إِلا رحمة) (8)، وظاهره جميع
__________
=وبالسين ناحية من نواحي أصبهان، كان ظاهريا ثم صار شافعيا، توفي سنة 280 هـ.
من مؤلفاته: كتاب في الرد على داود في إِبطال القياس.
انظر: الفهرست/ 213، وطبقات الفقهاء للشيرازي/ 176، وهدية العارفين 2/ 20، ومعجم المؤلفين 9/ 41.
(1) في (ظ): إِلا إِيماء.
(2) غيرت في (ظ): إِلى: في ماء. وفي نسخة في هامش (ب): في ماء.
(3) انظر: البرهان/ 775 - 776.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 264، 285.
(5) في (ظ): والارتفاق.
(6) في ص 150 وما بعدها، 170 من هذا الكتاب.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 286.
(8) سورة الأنبياء: آية 107.
(3/1274)
ما جاء به، فلو خلا حكم عن علة لم يكن رحمة (1)؛ لأن التكليف به -بلا حكمة وفائدة- مشقة. كذا قال.
ثم: لو سلم فالتعليل الغالب، قال القاضي: التعليل الأصل تُرِك نادرًا؛ لأن تعقل العلة أقرب إِلى القبول من التعبد، ولأنه الألوف عرفا، والأصل موافقة الشرع له (2)، فيحمل ما نحن فيه على الغالب، ويجب العمل بالظن في علل الأحكام إِجماعًا، على ما يأتي (3) في العمل بالقياس.
وقيل: الأصل عدم التعليل؛ لأن الموجِب الصيغة، وبالتعليل ينتقل حكمه إِلى معناه، فهو كالمجاز من الحقيقة، ونصره بعض الحنفية (4)؛ لأن التعليل لا يجب للنص دائمًا، فيعتبر لدعواه دليل.
وفي (5) واضح ابن عقيل -في مسألة القياس-: أكثر الأحكام غير معلّل.
وقال في فنونه -لمن قاس الزكاة في مال الصبي على العُشْر، وبَيَّن العلة، فأبطلها ابن عقيل، فقال له: فما العلة إِذًا؟ - فقال (6): لا يلزم، ونتبرع فنقول: سؤالك عن العلة قول من يوجب لكل حكم علة، وليس كذلك؛
__________
(1) نهاية 382 من (ح).
(2) يعني: للعرف.
(3) في ص 1338.
(4) انظر: فواتح الرحموت 2/ 293 - 294.
(5) نهاية 192أمن (ب).
(6) كذا في النسخ. ولعل المناسب حذف كلمة (فقال).
(3/1275)
لأن من الناس من يقول: الأصول معللة، [وبعضهم يقول غير معللة]، (1) وبعضهم يقول: "بعضها معلل، وبعضها غير معلل"، فيجوز أن هذا لا علة له، أو له علة خافية عنا.
قالوا: شرع الحكم لا يستلزم الحكمة والمقصود؛ لأنه من صنعه، وهو (2) لا يستلزم ذلك؛ لخلق المعاصي وموت الأنبياء وإِنظار إِبليس والتخليد في النار وتكليف من علم عدم إِيمانه وخلق العالم في وقته المحدود (3) وشكله القدّر (4).
رد: ليست الحكمة قطعية، ولا ملازمة لجميع (5) أفعاله.
سلمنا لزومها، لكن قد تخفى علينا.
وقد قيل (6): القدرة تتعلق بالحدوث والوجود، والمعاصي راجعة إِلى مخالفة نهي الشارع، وذلك ليس من متعلق القدرة.
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(2) يعني: صنعه.
(3) في (ح): المعدود. ثم كتب تحتها: المحدود.
(4) نهاية 383 من (ح).
(5) في (ب): بجميع.
(6) كذا نقل المؤلف هذا القول بهذه الصيغة. وهذا القول قد أجاب به الآمدي في الإِحكام 3/ 290. وقد رد عليه الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تعليقه.
(3/1276)
قالوا: لو كان: فإِن وجب الفعل عنده صار غير مختار (1)، وكذا إِن ترجَّح، وهو تسلسل.
رد: لا يجب، وهو تبع لتعلق القدرة والإِرادة، وهو مختار.
قالوا: إِن كان المقصود قديماً لزم (2) قدم الصنع والمصنوع، وإِلا فإِن توقف حدوثه على مقصود آخر تسلسل (3).
رد: حادث، ولا يفتقر إِلى مقصود آخر؛ للتسلسل، وإِن افتقر فذلك المقصود هو نفسه (4). (5)
قالوا: إِن كان قديماً لزم قدم غير الباري وصفاته، وإِلا تَعَلَّل (6) القديم بالحادث.
رد: الحكم: الكلام بصفة التعلق، فكان حادثًا.
ثم: لو كان قديمًا -والمقصود حادثًا- فإِنما يمتنع تعليله به لو أوجب الحكم وأثر فيه، وإنما هو أمارة أو باعث، فلا يمتنع تأخره (7).
__________
(1) في (ظ): مختارا.
(2) نهاية 131 ب من (ظ).
(3) يعني: وإن لم يتوقف فهو المطلوب.
(4) يعني: لا غيره، فلا تسلسل.
(5) نهاية 192 ب من (ب).
(6) في (ب) و (ظ): وإلا تعليل.
(7) في (ح) تأخيره.
(3/1277)
قالوا: إِن كان: فإِن كان فعله معه أولى (1) يلزم استكمال الباري (2)، وإلا فلا أولوية.
رد: بأنه أولى، لكن بالنسبة إِلى المخلوق.
قالوا: ما سبق (3) في منع التعليل (4) بالحكمة.
وسبق جوابه.
قالوا: إن قدر الباري على تحصيل الحكمة بدون الحكم، فالحكم مجرد تعب، وإلا لزم وصفه بالنقص.
رد: طريقان لحصول الفائدة.
قالوا: إِنما تطلب الحكمة فيمن تميل نفسه في فعله إِلى نفعٍ أو دفع ضررٍ، أو في فعلِ من لو خلا فعله عنها ذُمَّ وكان عابثًا.
رد الأول: بل في فعلِ من لو وجدت (5) فيه (6) لم يمتنع، بل وقع غالبًا.
وجواب الثاني: بالمنع.
__________
(1) يعني: أولى من الترك.
(2) يعني: بذلك الصنع، ويكون ناقصًا قبله.
(3) في ص 1210.
(4) نهاية 384 من (ح).
(5) يعني: الحكمة.
(6) يعني: في فعله.
(3/1278)
وأجاب الآمدي (1): إِنما يلزم فيمن تجب رعايتها (2) في فعله، ولا كذلك الباري.
....................
المسلك الرابع: المناسبة، ويرادفها: الإِخالة (3)، وتخريج المناط.
وهو: تعيين علة الأصل بمجرد إِبداء المناسبة من ذات الوصف لا بنص وغيره، كالإِسكار للتحريم، والقتل العمد العدوان للقصاص.
"المناسبة" لغوية، فلا دور.
والمناسب: وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودًا من شرع الحكم من حصول مصلحة أو دفع (4) مفسدة.
فيمكن إِثباته على الخصم في المناظرة، يكون (5) (6) معاندًا بمنعه (7).
فإِن كان الوصف خفيّا أو غير منضبط فكل منهما غيب عن العقل، فلا
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 293.
(2) يعني: رعاية الحكمة.
(3) الإخالة في اللغة بمعنى الظن. انظر: الصحاح/ 1692 - 1693، ولسان العرب 13/ 240.
(4) نهاية 193أمن (ب).
(5) كذا في النسخ. ولعله: ويكون.
(6) يعني: الخصم.
(7) في (ب): يمنعه.
(3/1279)
يعرف الغيب عنه، وهو الحكم، فيعتبر (1) ملازمه، وهو المظنة كالسفر للمشقة، والفعل المقضي عليه عرفا بالعمد في العمدية.
وقال أبو زيد (2) الحنفي: المناسب ما لو عُرض على العقول السليمة تلقته بالقبول.
فلا يمكن المناظر إِثباته على خصمه.
......................
والمقصود من شرع الحكم: قد يحصل يقينًا -كالبيع الصحيح يحصل منه الملك- وظنا كالقصاص يزجر عن القتل.
وقد يتساوى الحصول وعدمه، كحد الخمر لحفظ العقل.
وقد يكون عدمه أرجح، كنكاح الآيسة لمصلحة التوالد.
وأنكر بعضهم جواز التعليل بهذا والذي قبله، ذكره بعضهم (3)، واحتج عليه: بأن البيع مظنة الحاجة إِلى التعاوض (4)، والسفر مظنة المشقة، واعتبرا، وإن انتفى الظن في بعض الصور. كذا قال.
__________
(1) نهاية 385 من (ح).
(2) انظر: تقويم الأدلة/ 131 أ- 139أ، وكشف الأسرار 3/ 352، وتيسير التحرير 3/ 325، وفواتح الرحموت 2/ 301، والإِحكام للآمدي 3/ 270، وشرح العضد 2/ 239.
(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 134، ومختصره 2/ 240.
(4) في (ظ): التعارض.
(3/1280)
والأظهر ما ذكره الآمدي (1): أنه يصح التعليل بهما اتفاقا إِذا ظهر المقصود (2) في غالب صور الجنس، وإلا فلا، أي: لأن احتمال الترتيب وعدمه سواء، أو عدمه (3) أرجح.
والأظهر -أيضًا- ما في الفنون وغيرها: السفر مشقته عامة، ويختلف قدرها، ولذا (4) تحسن التهنئة بالقدوم للجميع، كالمرض بالسلامة.
أما لو فات المقصود يقينًا -وهو ظاهر في غالب الصور- لم يجز التعليل به (5) -قال الآمدي (6): خلافاً للحنفية- لمخالفة عادة الشارع في رعاية الحكمة، ولأن الحكم شُرع لأجلها، فمع عدمها لا يفيد، فلا يشرع.
ومَثَّله الآمدي (6) بلحوق نسب مشرقي بمغربية (7)، واستبراء جارية يشتريها بائعها في المجلس، مع أن مذهب الشافعي: تستبرأ (8)، خلافا للحنفية، ولأ حمد روايتان (9).
.....................
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 272.
(2) يعني: المقصود من الوصف.
(3) نهاية 123أمن (ظ).
(4) في (ظ): وكذا.
(5) نهاية 193 ب من (ب).
(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 273.
(7) نهاية 386 من (ح).
(8) في (ح): يستبرى.
(9) انظر: المهذب 2/ 154، والمغني 8/ 150.
(3/1281)
والمقاصد من شرع الحكم:
ضروري أصلاً، وهي أعلى مراتب المناسبات، وهي الخمسة التي روعيت في كل ملة: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، بقتل الكفار وعقوبة المبتدع والقصاص وحد المسكر وشرع الزواجر لزانٍ ومحارب وسارق وغاصب.
ومكمل للضروري: كحفظ العقل بالحد بقليل المسكر.
وغير ضروري:
حاجي: كبيع وِإجارة ومساقاة ومضاربة، وبعضها أبلغ.
وقد يكون ضروريًا، كإِجارة لتربية (1) طفل وشراء مطعوم وملبوس له، زاد غير (2) الآمدي: ولغيره.
ومكمل للحاجي: كرعاية كفاءة ومهرِ مِثْلٍ في تزويج صغيرة؛ لأنه أفضى (3) إِلى دوام النكاح.
وغير حاجي -ولكنه تحسيني-: كسلب العبد أهلية الشهادة؛ لشرفها جرياً على ما أُلِف من محاسن العادات، ذكر ذلك الآمدي (4).
ومثَّل أبو (5) محمَّد البغدادي تتمة الضروري -أيضًا- بمراعاة المماثلة
__________
(1) في (ب): كتربية.
(2) انظر: المنتهى/ 124، ومختصره 2/ 240.
(3) في (ح): افضآ.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 275.
(5) في (ب): ومثل محمَّد البغدادي.
(3/1282)
في القصاص، والحاجي بتسليط الولي على تزويج صغيرة، وتتمَّته كما سبق، ومثَّل التحسيني -هو وغيره (1) - أيضًا: بتحريم تناول القاذورات وسلب المرأة عبارة النكاح.
وكون حفظ العقل من الضروري في كل ملة فيه نظر؛ فإِنه لا يحد عند أهل الكتاب، ولا عندنا على الأصح؛ لاعتقاده إِباحته.
ويتوجه من الضروري حفظ العرض بشرع عقوبة المفتري.
والعبد أهل للشهادة عندنا؛ فما ذكره ممنوع.
وفي الروضة (2): ما لم يشهد الشرع بإِبطاله أو اعتباره: منه: حاجي، كتسليط الولي على تزويج صغيرة تحصيلاً للكفء، ومنه: تحسيني، كاعتبار الولي في نكاح، فلا يُحتج بهما؛ لا نعلم فيه خلافا؛ فإِنه وضع للشرع (3) بالرأي، ومنه: ضروري، وهي الخمسة السابقة، فليست هذه المصلحة بحجة خلافا لمالك وبعض الشافعية.
وفي الواضح (4): ما يسميه (5) الفقهاء "الذرائع"، وأهل الجدل "المؤدي إِلى المستحيل عقلاً أو شرعاً"، ومثَّل بمسألة الولي وغيرها، ثم اعترض على
__________
(1) نهاية 194أمن (ب).
(2) انظر: روضة الناظر/ 169 - 170.
(3) نهاية 387 من (ح).
(4) انظر: الواضح 1/ 138أ.
(5) في (ظ): وفي الواضح تسمية الفقهاء ... إِلخ.
(3/1283)
هذه الدلالة بوجهين.
قال بعضهم (1): والمناسب أخروي -أيضًا- كتزكية النفس، وإِقناعي ينتفي ظنُّ مناسبته بتأمُّله.
مسألة (2)
إِذا اشتمل الوصف على مصلحة ومفسدة راجحة على المصلحة أو مساوية فهل تنخرم مناسبته (3) للحكم؟:
نفاه قوم، واختاره في الروضة (4) وأبو محمَّد البغدادي؛ قالا: لأنها أمر حقيقي، فلا تبطل بمعارض، وجزم به بعض أصحابنا.
وأثبته آخرون، واختاره الآمدي (5) وغيره.
ووجهه (6): حكم العقل بأن (7) لا مناسبة مع مفسدة مساوية، ولهذا ينسب العقلاء الساعي في تحصيل مثل هذه المصلحة إِلى السفه.
__________
(1) انظر: نهاية السول 3/ 52.
(2) نهاية 132 ب من (ظ).
(3) في (ظ): مناسبة.
(4) انظر: روضة الناظر/ 311.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 276.
(6) في (ظ): ووجه.
(7) نهاية 194 ب من (ب).
(3/1284)
قال بعضهم (1): لا يعدم نفعه لقلته، لكن يندفع مقتضاه (2).
قالوا: لو لم يكن لما حَسُن قول العاقل: الداعي إِلى إِثبات الحكم حاصل لولا المانع.
رد: المراد به المصلحة التي في المناسبة لا مصلحة مستقلة بتحقيقها (3)، فالمانع أخلّ بمناسبة المصلحة، فليس الانتفاء محالاً على المفسدة مع المناسبة لفوات شرطها.
قالوا: تصح الصلاة في الدار المغصوبة، فإِن غلب الحرام زادت مفسدتها، وإلا تساوتا.
رد: لم تنشأ مفسدة الغصب عن الصلاة ومصلحة الصلاة عن الغصب، ولو نشأتا من الصلاة لم تصح.
وللمعلل ترجيح وصفه بطريق تفصيلي يختلف باختلاف المسائل، وإجمالي [وهو] (4): لو لم يُقدر رجحان المصلحة ثبت الحكم تعبدًا (5)، ذكره [بعض] (6) أصحابنا وغيرهم، وسبق (7) في السبر.
__________
(1) انظر: نهاية السول 3/ 60.
(2) يعني: لكونه مرجوحًا.
(3) يعني: بتحقيق المناسبة.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) يعني: وهو خلاف الأصل. انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 279.
(6) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(7) في ص 1275.
(3/1285)
وذكر الآمدي (1): أن لقائلٍ أن يعارضه بعدم الاطلاع على ما به يكون راجحًا مع البحث عنه.
فإِن قيل: بَحْثُنا عن وصف صالح للتعليل لا يتعدى محل الحكم (2)، فهو أولى.
قيل: إِن خرج (3) ما به الترجيح عن محل الحكم لم يتحقق به ترجيح فيه (4)، وإلا اتحد محلّهما، فلا ترجيح (5).
وإن سلم اتحاد محل بحث المستدل فقط: فإِنما يترجح بحثه (6) بتقدير كون ظنه راحجًا؛ لا العكس ولا مساويًا، ووقوع احتمال من اثنين أقرب.
قال (7) (8) واشتراط (9) الترجيح في تحقيق المناسبة إِنما هو عند من لا يخصص العلة، وإلا فلا.
..............
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 269 - 280.
(2) يعني: فمحله متحد، وبحثكم إِنما هو عما به الترجيح، وهو غير منحصر في محل الحكم.
(3) نهاية 388 من (ح).
(4) يعني: في محل الحكم.
(5) يعني: بهذه الجهة.
(6) في (ظ): ظنه.
(7) في (ح): قالوا.
(8) نهاية 195 أمن (ب).
(9) في (ح): فاشتراط.
(3/1286)
والمناسب: مؤثر وملائم وغريب ومرسل؛ لأ نه إِما معتبر، أوْ لا، والمعتبر -بنص، كتعليل الحدث بمس الذكر، أو إِجماع كتعليل ولاية المال بالصِّغَر- يسمى مؤثرًا؛ لأنه ظهر تأثيره في الحكم.
والمعتبر بترتيب الحكم على الوصف فقط (1) -إِن ثبت بنص أو إِجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو بالعكس أو جنسه في جنس الحكم- يسمى ملائمًا؛ لكونه موافقًا لما اعتبره الشارع، وإلا سميَّ غريباً.
وغير المعتبر يسمى مرسلاً، فإِن اعتبر الشارع جنسه البعيد في جنس الحكم سميَّ ملائمًا مرسلاً، وإلا غريبًا مرسلاً، أو مرسلاً ثبت إِلغاؤه.
فالأول من أقسام الملائم: كالتعليل بالصغر في قياس النكاح على المال في الولاية، فعين الصغر معتبر في جنس حكم الولاية إِجماعًا.
والثاني: كالتعليل بعذر (2) الحرج في قياس الحضر بعذر المطر على السفر في الجمع، فجنس الحرج معتبر في عين رخصة (3) الجمع (4) إِجماعًا.
والثالث: كالتعليل بجناية القتل العمل العدوان في قياس المثقل على المحدد في القصاص، فجنس الجناية معتبرة (5) في جنس قصاص النفس، لاشتماله على قصاص النفس وغيرها كالأطراف.
__________
(1) يعني: من غير نص أو إِجماع.
(2) في (ظ): بعلة.
(3) نهاية 133 أمن (ظ).
(4) نهاية 389 من (ح).
(5) كذا في النسخ. ولعل المناسب: معتبر.
(3/1287)
ومثَّله بعضهم (1) بإِيجاب حد القذف في الشرب لكونه مظنة للقذف، والمظنة تقوم مقام المظنون.
والرابع: الغريب من المعتبر، كالتعليل بالإِسكار في قياس النبيذ على الخمر بتقدير عدم نص بعلية الإِسكار (2)، فعين الإِسكار معتبر في عين التحريم بترتيب الحكم عليه فقط، كاعتبار جنس المشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في جنس التخفيف، وهذا المثال (3) دون ما قبله (4)؛ لرجحان الظن باعتبار الخصوص؛ لكثرة ما به الاشتراك.
والخامس: الملائم المرسل، كتعليل تحريم قليل الخمر بأنه يدعو إِلى كثيرها، فجنسه البعيد معتبر في جنس الحكم، كتحريم الخلوة بتحريم الزنا.
والسادس: الغريب المرسل، كالتعليل بالفعل المحرم لغرض فاسد في قياس الباتّ في مرضه على القاتل في الحكم بالمعارضة بنقيض مقصوده، وصار توريث المبتوتة كحرمان القاتل.
والسابع: المرسل الملغى، كإِيجاب صوم شهرين ابتداءً في الظهار على من يسهل عليه العتق، كما أفتى به بعض العلماء.
__________
(1) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 3/ 55.
(2) نهاية 195 ب من (ب).
(3) وهو مثال: الحائض والمسافر.
(4) وهو مثال: النبيذ والخمر.
(3/1288)
فهذا مردود إِجماعًا، ذكره جماعة، وذكره الآمدي (1)، وأن الملائم الأول متفق عليه، مختلف فيما عداه، واختار اعتبار (2) الرابع، وأن ما بعده -وهو المناسب المرسل- لم يشهد الشرع باعتباره وإلغائه؛ ليس بحجة عند الحنفية والشافعية وغيرهم، وهو الحق؛ لتردده بين معتبر وملغى، فلا بد من شاهد قريب بالاعتبار، فإِن قيل: "هو من جنس ما اعتُبر"، قيل: "ومن جنس ما أُلغي، فيلزم اعتبار وصف واحد وإِلغاؤه بالنظر إِلى حكم واحد، وهو محال"، وعن مالك: القول به، وأنكره أصحابه، قال (3) فإِن صح عنه فالأشبه أنه في مصلحة ضرورية كلية قطعية كمسألة التَّتَرُّس (3/ 1).
ومعنى اختياره في الروضة (4) (5) واختيار (6) أبي محمَّد (7) البغدادي (8) من أصحابنا: أن غير الملغى حجة، وذكره بعض أصحابنا (8) عنهما، ويوافقه ما احتج به الأصحاب (9) في الفروع -كالقاضي وأصحابه-
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 282، 284، 285، 4/ 160 - 161.
(2) في (ب): اختبار.
(3) يعني: الآمدى. (3/ 1) في (ظ): الترس.
(4) انظر: روضة الناظر/ 305.
(5) نهاية 196 أمن (ب).
(6) في (ح): اختيار.
(7) نهاية 390 من (ح).
(8) انظر: المسودة/ 408.
(9) جاء -هنا- في (ب): (لما سبق، ولما يأتي، وسبق كلامه في الروضة قريبًا قبل اشتمال لوصف على مصلحة ومفسدة). وقد جاء هذا الكلام في (ح) و (ظ) متأخرا.
(3/1289)
بالقسم الخامس والسادس؛ لما سبق (*)، ولما يأتي (**).
وسبق (1) كلامه في الروضة قريبا قبل "اشتمال الوصف على مصلحة ومفسدة".
ومنع في الانتصار -في أن علة الربا الطعم- التعليلَ بالقسم الرابع كقول الحنفية، ثم قال: الأقوى أن لا تنازع في المناسبة وما يُظن تعليق (2) الحكم عليه.
وسبق (3) (4) قول ابن حامد في السبر.
وقال بعض أصحابنا (5): لا يشترط في المؤثر كونه مناسبًا، وجعله في الروضة (6) من قسم المناسب.
قال: ونظيره تعليق الحكم بوصف مشتق: في اشتراط مناسبته وجهان.
وقد سبقا (7).
__________
(*) في السير في ص 1274.
(**) في ص 1292.
(1) في ص 1283.
(2) في (ظ): بتعليق.
(3) في ص 1272 - 1273.
(4) نهاية 133 ب من (ظ).
(5) انظر: المسودة/ 408.
(6) انظر: روضة الناظر/ 303.
(7) في ص 1266.
(3/1290)
قال: وكلام القاضي والعراقيين يقتضي أنه لا يحتج بالمناسب الغريب، ويحتج بالمؤثر: مناسبا، أوْ لا.
قال: فصار المؤثر المناسب لم يخالف فيه إِلا ابن حامد، والمؤثر غير المناسب أو المناسب غير المؤثر: فيهما أوجه.
وذكر بعض الأصوليين (1): أن القسم السادس مردود اتفاقًا.
وقَبِل أبو المعالي (2) القسم الخامس، وذكره عن المحققين، ويذكر عن مالك (3) والشافعي.
ورده بعضهم (3).
وقبله الغزالي (4) بشرط كون المصلحة ضرورية قطعية كلية، كَتَتَرُّس كفار بمسلمين، مع الجزم لو لم نقتلهم ملكوا جميع بلاد الإِسلام، وقتلوا جميع المسلمين حتى الترس، فَقَتْل الترس مصلحة ضرورية قطعية (5) كلية.
قال القرطبي (6) -في تفسير سورة الفتح-: قال علماؤنا: هذه المصلحة لا ينبغي أن يختلف فيها، ونَفَر منها من لم يُمعن النظر فيها؛
__________
(1) كابن الحاجب في المنتهى/ 135.
(2) انظر: البرهان / 1114.
(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 135.
(4) انظر: المستصفى 1/ 294 - 296.
(5) نهاية 391 من (ح).
(6) انظر: تفسير القرطبي 16/ 287 - 288.
(3/1291)
للمفسدة (1).
ويجوز قتل الترس عند إِمامنا أحمد والأكثر؛ للخوف على (2) المسلمين.
ومذهبه: من مات بموضع لا حاكم فيه فلرجلٍ مسلم بيعُ ما فيه مصلحة؛ لأنه ضرورة، كولاية تكفينه.
وجه العمل بالمناسبة: ما سبق (3) في السير من ظهور العلة؛ لأنه لا بد للحكم من علة، ثم: العلة ظاهرة بالمناسبة؛ لأن مناسبة الوصف للحكم [تفيد] (4) ظن كونه علة.
قالوا: لا يلزم كونه علة.
ثم: لو دلّ كانت أجزاء العلة المناسبة عِللاً.
رد: يلزم كونه علة ظاهراً؛ لما سبق.
والعلة مجموع الأوصاف.
....................
__________
(1) يعني: المترتبة عليها.
(2) نهاية 196 ب من (ب).
(3) في ص 1274.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3/1292)
المسلك الخامس: إِثبات العلة بالشبه:
وهو عند القاضي (1) وابن عقيل (2) وغيرهما: تردد الفرع بين أصلين فيه مناط كل منهما، إِلا أنه يشبه أحدهما في أوصاف أكثر، فإِلحاقه به هو الشبه، كالعبد: هل يَمْلك؟ وهل يضمنه قاتله بأكثر من دية الحر؟.
وقال الآمدي (3): ليس من الشبه في شيء، فإِن كل مناط مناسب، وكثرة المشابهة (4) للترجيح (5).
وفسره بعضهم: بـ "ما عُرف مناطه، ويفتقر في بعض الصور إِلى تحقيقه"، كالمِثْل في جزاء الصيد.
وليس منه؛ لأن الكلام في العلة الشبهية، وهنا في تحقيق الحكم الواجب، وهو (6) الأشبه؛ لا في تحقيق المناط، وهو (7) متفق عليه، والشبه مختلف فيه.
__________
(1) انظر: العدة/ 203 ب.
(2) انظر: الواضح 1/ 132 ب- 133أ.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 295.
(4) في (ح): المشابه.
(5) يعني: كثرة المشابهة ليست إِلا من باب الترجيح لأحد المناطين على الآخر، وذلك لا يخرجه عن المناسب، وإن كان يفتقر إِلى نوع ترجيح.
(6) في (ب): هو.
(7) نهاية 392 من (ح).
(3/1293)
وفسره ابن الباقلاني (1): بقياس الدلالة.
وبعضهم: بما يُوهِم (2) المناسبة.
ويتميز الشبه عن الطردي: بأن وجود الطردي كالعدم.
وعن المناسب الذاتي: بأن مناسبته عقلية يُعْلَم قبل الشرع، كالإِسكار في التحريم.
فالشبه: كقولنا في إِزالة النجاسة (3): طهارة تراد للصلاة، فَتَعَيَّن لها الماء، كطهارة الحدث، فمناسبة الطهارة -وهو الجامع- لِتَعَيُّن الماء غير ظاهرة، واعتبارها للصلاة ومس المصحف يُوهِمها.
قال الآمدي (4): اصطلاحات لفظية، وهذا أقربها، وقاله أكثر المحققين.
................
ثم: قياس علة الشبه حجة عندنا وعند الشافعية (5)، [حتى] (6) قال ابن عقيل (7): "لا عبرة بالمخالف"؛ لما سبق (8) في السير.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 295.
(2) نهاية 134أمن (ظ).
(3) نهاية 197 أمن (ب).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 296.
(5) انظر: اللمع / 59، والمحصول 2/ 2 / 280، والإِحكام للآمدي 3/ 297.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) انظر: الواضح 1/ 133 أ.
(8) في ص 1274.
(3/1294)
وذكر القاضي (1) روايتين.
وفساده: قول الحنفية (2) وأبي إِسحاق (3) المروزي الشافعي (4) وابن الباقلاني (5)، وذكره في الروضة (6) اختيار القاضي، وأن للشافعي [قولين] (7).
قال أحمد: (8): إنما يقاس الشيء على الشيء إذا كان مثله في كل أحواله.
واكتفى بعض الحنفية (9) بضرب من الشبه.
__________
(1) انظر: العدة/ 203.
(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 53، وفواتح الرحموت 2/ 301.
(3) انظر: المسودة 375.
(4) هو إِبراهيم بن أحمد، فقيه انتهت إِليه رئاسة الشافعية بالعراق بعد ابن سريج، ولد بمرو الشاهجان، وأقام ببغداد، وتوفي بمصر سنة 340 هـ.
من مؤلفاته: شرح مختصر المزني.
انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي/ 112، ووفيات الأعيان 1/ 4، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 375، ومرآة الجنان 2/ 331.
(5) انظر: البرهان / 870، والمحصول 2/ 2/ 280.
(6) انظر: روضة الناظر / 314.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(8) انظر: العدة/ 203 ب.
(9) انظر: العدة/ 209 أ، واللمع/ 62، والتبصرة/ 458.
(3/1295)
وذكر الآمدي (1) عن بعض أصحابهم: صحة الشبه إِن اعتبر عينه في عين الحكم فقط؛ لعدم الظن (2)، ولأنه دون المناسب المرسل.
وأجاب: بالمنع؛ لاعتبار الشارع له في بعض الأحكام.
ويلزم من كونه حجة -على تفسير القاضي- التسوية بين شيئين، مع العلم بافتراقهما (3) في صفة أو صفات مؤثرة، لكن لضرورة إِلحاقه بأحدهما، كفعل القافة بالولد، قاله بعض أصحابنا (4)، وقال: القائلون بالأشبه -كالقاضي- سلموا أن العلة لم توجد في الفرع، وأنه حكم بغير قياس، بل بأنه أشبه بهذا من غيره، ويقولون: "لا يعطى حكمهما (5) "، ذكره الشافعية وأصحابنا، وكذا من قال: "ليس بحجة"، وعند الحنفية: يعطى حكمهما (5)، وقاله المالكية، وهو طريقة الشبهيين (5/ 1).
وقال (6) بعض أصحابنا (7): هو كثير في مذهب مالك وأحمد، كتعلق الزكاة بالعين (8) أو بالذمة، والوقف: هل هو ملك لله أو للموقوف عليه؟،
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 297
(2) يعني: إِذا اعتبر جنسه في جنسه.
(3) نهاية 393 من (ح).
(4) انظر: المسودة/ 375 - 376.
(5) في (ح): حكمها. (5/ 1) في المسودة: الشبهين.
(6) نهاية 197 ب من (ب).
(7) انظر: المسودة/ 375 - 376.
(8) في (ظ): بالمعين.
(3/1296)
وملك العبد، وسلك القاضي وغيره هذا في تعليل إِحدى الروايتين فيما إِذا أقر اثنان بنسب أو دين: لا يعتبر لفظ الشهادة والعدالة؛ لأنه يشبه الشهادة، لأنه إِثبات حق على (1) غيره، والإِقرار (2) لثبوت المشاركة [له] (3) فيما بيده من المال، فأعطيناه حكم الأصلين، فاشترطنا العدد كالشهادة؛ لا غير (4) كالإِقرار، وكذا قاله الحنفية، وقاله المالكية في شبه مع فراش.
وقاله بعض أصحابنا (5)، وأنه يعمل بهما إِن أمكن، وإِلا بالأشبه.
* * *
المسلك السادس: الطرد والعكس، وهو الدوران:
وهو: ترتب الحكم على الوصف وجودًا وعدما.
يفيد العلية (6) عند أكثر أصحابنا والمالكية (7) والشافعية (8) والجرجاني (9) والسرخسي (10). (11)
__________
(1) في (ب): لا غيره.
(2) يعني: ويشبه الإقرار.
(3) ما بين المعقوفتين من (ح).
(4) يعني: ولم نشترط فيه غير العدد.
(5) انظر: المسودة/ 376.
(6) في حاشية (ب): أي: ظنا.
(7) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 396، ومفتاح الوصول/ 107.
(8) انظر: اللمع/ 65، والمحصول 2/ 2/ 285.
(9) انظر: العدة/ 222 ب، والمسودة/ 427.
(10) هو: أبو سفيان. انظر: العدة/ 222 ب، والمسودة/ 427.
(11) نهاية 394 من (ح).
(3/1297)
وذكر القاضي وجهاً (1): لا يفيدها -وأن أحمد أومأ إِليه: "إِنما يقاس على الشيء إِذا كان مثله في كل أحواله، وأقبل به وأدبر"- وقاله أكثر الحنفية -كالكرخي وأبي زيد (2) - واختاره الآمدي (3)، وذكره قول المحققين من أصحابهم وغيرهم.
وقيل: يفيدها قطعاً.
وجه الأول: لو دُعي رجل باسم فغضب، وبغيره لم يغضب، وتكرر -ولا مانع- دل أنه سبب الغضب.
رد: بالمنع، بل بطريق السير؛ لجواز ملازمة الوصف للعلة كرائحة الخمر مع الشدة المطربة، ولهذا: الدوران في المتضايفين، ولا علة.
أجيب: الجواز لا يمنع الظهور، والقطع بأن (4) الرائحة ليست علة، وكذا الدوران في المتضايفين كالأبوة والبنوة، ولأن كلاً منهما مع الآخر.
وأجاب أبو محمَّد البغدادي عن الأول: بأن العلة الأمارة المعرفة للحكم، فالمُدار معه علة، لكن التعليل بالشدة المطربة، فقدم على الطرد المحض.
وقاس أصحابنا على العلة العقلية.
__________
(1) نهاية 134 ب من (ظ).
(2) انظر: تقويم الأدلة/ 133أ.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 399.
(4) نهاية 198أمن (ب).
(3/1298)
قال الغزالي (1): الطرد سلامته من النقض، وسلامته من مفسد لا يوجب نفي كل مفسد، ولو سلّم فالصحة بمصحِّح، ولا أثر للعكس؛ لأنه غير شرط فيها.
رد: للاجتماع (2) تأثير، كأجزاء العلة.
قال في التمهيد (3) والروضة (4): ويشبه ذلك شهادة الأصول نحو: الخيل لا زكاة في ذكورها منفردة، فكذا إِناثها، كبقية الحيوان.
وصححه القاضي (5)، وللشافعية وجهان.
.................
وديس الطرد وحده دليلاً في مذهب الأربعة والمتكلمين، خلافاً لبعض الحنفية (6) والشافعية (7)، منهم: الصيرفي (8).
__________
(1) انظر: المستصفى 2/ 306، 307، 308.
(2) يعني: اجتماع الطرد والعكس، وإن كان كل واحد لا يؤثر منفردًا.
(3) انظر: التمهيد/ 161 ب.
(4) انظر: روضة الناظر/ 309.
(5) انظر: العدة/ 223 أ.
(6) انظر: كشف الأسرار 3/ 365، والبرهان/ 789، والمسودة/ 427.
(7) انظر: التبصرة/ 460، والمحصول 2/ 2 / 305.
(8) انظر: اللمع/ 66، والتبصرة/ 460.
(3/1299)
وجوزه الكرخي (1) جدلاً؛ لا عملاً أو فتوى (2).
وقيل (3): يكفي مقارنته في صورة.
......................
قال بعض أصحابنا (4) وغيرهم: تنقسم العلة العقلية والشرعية إِلى ما تؤثر في معلولها كوجود علة الأصل في الفرع [مؤثر في نقل حكمه] (5)، وإلى ما يؤثر فيها معلولها كالدوران (6).
* * *
سبق تنقيح المناط في الإِيماء (7)، وتخريج المناط في المناسبة (8)، وهو القياس الآتي (9) المختلف فيه.
وأما تحقيق المناط: فإِن علمت العلة بنص كجهة القبلة -مناط وجوب
__________
(1) انظر: البرهان/ 789، والمسودة/ 427 - 428.
(2) نهاية 395 من (ح).
(3) انظر: المحصول 2/ 2/ 305.
(4) انظر: المسودة/ 389.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) فذلك مؤثر في كونه علة حكم الأصل.
(7) في ص 1260.
(8) في ص 1279.
(9) في 1302، 1310.
(3/1300)
استقبالها (1) - ومعرفتها عند الاشتباه مظنون، أو (2) إِجماع كالعدالة -مناط قبول الشهادة- ومظنونة في الشخص المعين، وكالمِثْل في جزاء الصيد (3): فقال في الروضة (4) والآمدي (5): لا نعرف خلافاً في صحة الاحتجاج به.
وذكر أبو المعالي (6): "أن النهرواني والقاشاني لم يقبلا من النظر في مسالك الظن إِلا ترتيب الحكم على اسم مشتق -كآية السرقة (7)، وقول الراوي: زنى ماعز فرجم- وما يعلم أنه في معنى المنصوص بلا نظر كالبول في إِناء ثم صبه في الماء، ووافقهما أبو هاشم (8)، وزاد قسما ثالثًا، وَمَثَّله بطلب القبلة عند الاشتباه والمِثْل في الصيد"، ثم رد عليهم في الحصر، وقال (9): إِنه لم ينكر إِلحاق معنى المنصوص إِلا حشوية لا يبالَى بهم -داود وأصحابه- وأن ابن الباقلاني قال: لا يخرقون الإِجماع.
* * *
__________
(1) في سورة البقرة: آية 144.
(2) نهاية 198 ب من (ب).
(3) في سورة المائدة: آية 95.
(4) انظر: روضة الناظر/ 277.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 302.
(6) انظر: البرهان/ 774 - 775.
(7) سورة المائدة: آية 38.
(8) نهاية 135 أمن (ظ).
(9) انظر: البرهان/ 784.
(3/1301)
القياس: إِن قُطِع بنفي الفارق فيه -كما سبق (1)، وكالأمة على العبد في سراية [العتق] (2) - فهو جلي، وإلا فخفي كالمثقل على المحدد في القود.
وينقسم القياس -أيضًا- إِلى: قياس علة: بأن صرح فيه بالعلة، وقياس دلالة: بأن جُمع فيه بما يلازم العلة كالرائحة الملازمة للشدة، أو جُمع بأحد موجَبي العلة في الأصل لملازمة الآخر ليستدل به عليه، كقياس قطع جماعة بواحد على قتلها بواحد، بواسطة الاشتراك في وجوب الدية عليهم بتقدير إِيجابها، وثبوت حكم الفرع بعلة الأصل أولى؛ لتعدِّيها (3) واطرادها وانعكاسها.
وإلى قياس في معنى الأصل: بأن جُمِع بنفي الفارق، كالأمة في (4) العتق.
مسألة
يجوز التعبد بالقياس في الشرعيات عقلاً عند الأئمة الأربعة وعامة الفقهاء والمتكلمين، خلافا للشيعة (5) وجماعة من معتزلة بغداد، كالنظام (6)
__________
(1) انظر: ص 1260، 1270، 1301.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) نهاية 396 من (ح).
(4) نهاية 199 أمن (ب).
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 5.
(6) انظر: المعتمد/ 746.
(3/1302)
والجعفرين (1) (2) ويحيى الإِسكافي (3).
فقيل (4): لعدم معرفة الحكم منه (5)؛ لبنائه على المصلحة التي لا تعرف به (6).
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 5.
(2) الجعفران هما:
1 - أبو محمَّد جعفر بن مبشر الثقفي، من الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة؛ له آراء انفرد بها وتصانيف، ولد ببغداد، وبها توفي سنة 234 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 7/ 162.
2 - أبو الفضل جعفر بن حرب الهمداني من الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، من أهل بغداد، ولد سنة 177 هـ، وتوفي سنة 236 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 7/ 162، ومروج الذهب 2/ 298.
واليهما تنسب (الجعفرية) من فرق المعتزلة. فانظر: الفرق بين الفرق/ 167، وفرق وطبقات المعتزلة/ 78، 81، وميزان الاعتدال 1/ 405، 414.
(3) كذا في الإِحكام للآمدى 4/ 5. وفي العدة/ 195: محمَّد بن عبد الله الإِسكافي. أقول: ولعله الصواب؛ فهو الذي وجدته من معتزلة بغداد بهذه النسبة، وهو: أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الإِسكافي -نسبة إِلى إسكاف: ناحية ببغداد- معتزلي من رجال الطبقة السابعة من طبقاتهم، كان عالمًا فاضلاً، تتلمذ على جعفر بن حرب، وصنف في الكلام، وإليه تنسب (الإِسكافية) فرقة من المعتزلة، توفي سنة 240 هـ. انظر: المنية والأمل/ 83، والفرق بين الفرق/ 102، والأنساب 1/ 334 - 335، ولسان الميزان 5/ 221.
(4) انظر: المسودة/ 368، 369.
(5) يعني: من القياس.
(6) يعني: بالقياس.
(3/1303)
وقيل: لوجوب الحكم المتضاد.
وقيل: لأنه أَدْون البيانين مع القدرة على أعلاهما (1).
وأوجبه أبو الخطاب (2) والقفال (3) وأبو الحسين (4) البصري، وقاله القاضي أيضًا.
لنا: لا يمتنع عقلاً نحو قول الشارع: "حرمت الخمر لإِسكاره، فقيسوا عليه معناه"، قال ابن عقيل (5) والآمدي (6): لا خلاف بين العقلاء في حسن ذلك.
ولأنه وقع شرعًا كما يأتي (7).
قالوا: العقل يمنع من وقوع ما فيه خطأ؛ لأنه محذور (8).
ردَّ: منع احتياط لا إِحالة.
ثم: لا منع مع ظن الصواب، بدليل العموم وخبر الواحد والشهادة.
قالوا: أمر الشارع بمخالفة الظن، كالحكم بشاهد واحد، وشهادة النساء
__________
(1) انظر: التمهيد/ 146أ.
(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 5.
(3) انظر: المعتمد/ 707 - 708، 725.
(4) انظر: العدة/ 196 ب-197أ.
(5) انظر: الواضح 1/ 149أ.
(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 6.
(7) في ص 1312 وما بعدها.
(8) في (ب): محذوف.
(3/1304)
في الزنا، ونكاح أجنبية من عشرٍ فيهن رضيعة مشتبهة.
رد: لمانع شرعي لا عقلي؛ لما سبق (1).
واحتج النظام (2): بأن الشرع فرق بين المتماثلات -كإِيجاب غسل بمني لا ببول، وغسل بول صبية ونضح بول صبي، والجلد بنسبةِ زنا لا كفر، وقطع سارقِ قليل لا غاصبِ كثير، والقتل بشاهدين لا الزنا، وعدَّتَيْ موت وطلاق- وجَمَع بين المختلفات، كردة وزنا في إِيجاب قتل، وقتلِ (3) صيدٍ عمدًا وخطاً في ضمانه، وقاتل وواطىء -في صوم رمضان- (4) ومظاهرٍ في كفارة.
رد: فرق لعدم صلاحية ما وقع جامعًا، أو لعارض له في أصل أو فرع.
وجمع لاشتراك المختلفات في معنى جامع أو اختصاص كل منها بعلة مثلِ حكمِ خلافِه (5).
وألزمه في التمهيد (6) وغيره بالقياس العقلي، كقطع العرق والرفق
__________
(1) من العمل بخبر الواحد والشهادة.
(2) انظر: المعتمد/ 746، والإِحكام للآمدي 4/ 7.
(3) نهاية 199 ب من (ب).
(4) نهاية 135 ب من (ظ).
(5) يعني: فإِن العلل المختلفة لا يمتنع أن توجب في المحال المختلفة حكماً واحداً.
(6) انظر: التمهيد/ 151 ب.
(3/1305)
بالصبي، (1) كل منهما يكون حسنًا وقبيحًا، وهما متفقان، والرفق به وضربه، حسنان (2)، وهما مختلفان معنى.
قالوا: القياس فيه اختلاف؛ لتعدد الأمارة والمجتهد، فَيُرَدّ؛ لقوله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرًا) (3).
رد: بنقضه بالظاهر.
وبأن مراد الآية (4): "تناقضه (5) أو ما يخل ببلاغته"؛ للاختلاف (6) في الأحكام قطعاً.
قالوا: إِذا اختلف قياس مجتهدين: فإِن كان كل مجتهد مصيباً لزم كون الشيء ونقيضه حقاً، وإلا فتصويب أحد الظنين -مع استوائهما- ترجيح بلا مرجح.
رد: بالظاهر، وحكم الله يختلف لتعدد المجتهد والمقلِّد والزمن، فلا اتحاد، فلا تناقض.
وبأن أحد المجتهدين لا بعينه مصيب، فلا يلزم ترجيح بلا مرجح.
__________
(1) نهاية 397 من (ح).
(2) يعني: يكونان حسنين.
(3) سورة النساء: آية 82.
(4) يعني: مرادها بالاختلاف.
(5) غيرت في (ب) إِلى: يناقضه.
(6) يعني: لأنه حصل الاختلاف.
(3/1306)
قالوا: مقتضى القياس إِن وافق البراءة الأصلية فمستغنَى عنه، وإلا لم يُرفع اليقين بالظن.
رد: بالظاهر.
قالوا: حكم الله يستلزم خبر الله عنه؛ لأنه مفسَّر بخطابه (1)، ويستحيل خبره بلا توقيف.
رد: القياس توقيف؛ لثبوته بنص أو إِجماع.
قالوا: إِن تعارض علتان فالعمل بأحدهما (2) (3) ترجيح بلا مرجح، وبهما تناقض.
رد: بالظاهر.
ثم: لا تناقض إِن تعدد المجتهد، وإلا (4) رجّح، فإِن تعذر وقف.
وذكر الآمدي (5): أنه عرف من مذهب الشافعي وأحمد: يعمل بما شاء.
وكذا خيره ابن عقيل (6) كالكفارة، قال: وهذا لا يجيء
__________
(1) يعني: لأن الحكم مفسر بخطاب الله.
(2) كذا في النسخ. ولعلها: بإحداهما.
(3) نهاية 200 أمن (ب).
(4) يعني: وإن كان واحدا.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 21.
(6) انظر: المسودة/ 447.
(3/1307)
على (1) تصويب كل مجتهد، ونحن وكل من لم يصوبه على أنه لا بد من ترجيح (2)، فعدمه لتقصيره.
قالوا: كالأصول.
رد: لا جامع.
ثم: فيها أدلة تقتضي العلم (3)، ذكره في التمهيد (4) وغيره.
وفي الواضح: ليس في أصلٍ صفة جعلت أمارة لإِثبات أصل آخر، ولو كان قلنا به، فمنعنا لعدم الطريق كما لو عُدمت في الفروع؛ لا لكونه أصلاً.
وقال بعض أصحابنا (5): في كل منهما قياس بحسب مطلوبه، قطعًا في الأول (6)، وظنًا في الثاني.
__________
(1) نقل في المسودة عنه: من قال بالتساوي فحكمه التخيير، وإنما يجيء على قول من يقول: كل مجتهد مصيب. أ. هـ. أقول: فلعل صواب العبارة هنا: وهذا لا يجيء إِلا على تصويب كل مجتهد.
(2) يعني: فلا يمكن التساوى.
(3) فلا يكلف فيها بالظن.
(4) انظر: التمهيد/ 146 ب.
(5) انظر: البلبل/ 150.
(6) نهاية 398 من (ح).
(3/1308)
ثم: هذا قياس منكم، فإِن صح صح قولنا.
وقيل: يجرى في العقليات (1) عند أكثر المتكلمين.
قالوا: بيان (2) بالأدنى.
رد: بالظاهر، ثم: قد يكون مصلحة.
قالوا: مبني على المصالح، ولا يعلمها إِلا الله.
رد: تعرف به.
القائل "يجب": النص مُتَنَاهٍ، والأحكام لا تتناهى، فيجب؛ لئلا يخلو بعضها عن حكم، وهو (3) خلاف القصد من بعثة الرسل.
رد: إِنما كلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يمكنه تبليغه خطابا.
وأيضًا: العموم يستوعبها، نحو: (كل مسكر حرام) (4).
أجاب في الروضة (5): إِن تصور فليس بواقع. كذا قال، وذكر بعض أصحابنا اختلاف الناس فيه، فقيل: لا يمكن، وقيل: بلى، فقيل: وقع -قال: وهو الصواب- وقيل: لا، فقيل: النص بقي بالقليل، وقيل: بالكثير أو الأكثر.
__________
(1) نهاية 136أمن (ظ).
(2) في (ظ): إِثبات.
(3) في (ح): وهذا.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 30، ومسلم في صحيحه/ 1586 من حديث أبي موسى مرفوعًا.
(5) انظر: روضة الناظر/ 280.
(3/1309)
مسألة (1)
القائل بـ "جوازه عقلاً" قال: وقع شرعا، إِلا داود (2) وابنه والقاشاني (3) والنهرواني، فإِن عندهم منع الشرع منه، وقيل: بل لا دليل فيه بجوازه.
وأكثر أصحابنا وغيرهم: وقع التعبد سمعا، وقيل: وعقلاً.
وفي كلام القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل: أنه قطعي.
وفي كلامهم -أيضاً-: ظني.
وذكر الآمدي (3) القطع عن الجميع، وعند أبي الحسين: ظني، قال: وهو المختار.
وذكر ابن حامد (4) عن بعض أصحابنا: ليس بحجة؛ لقول (5) أحمد في رواية الميموني (6): "يجتنب المتكلم هذين الأصلين: المجمل، والقياس".
وحمله القاضي (7) وابن عقيل (8) على قياس عارض سنة.
__________
(1) نهاية 200 ب من (ب).
(2) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 1208، والإِحكام للآمدي 4/ 24.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 24.
(4) انظر: المسودة/ 372 - 373.
(5) في (ب) و (ظ): كقول.
(6) هو: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الرقي، فقيه، من أصحاب أحمد الذين لازموه ونقلوا عنه، توفي سنة 274 هـ.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 212، وشذرات الذهب 2/ 165.
(7) انظر: العدة/ 195 أ.
(8) انظر: المسودة/ 367.
(3/1310)
قال أبو الخطاب (1): والظاهر خلافه.
واحتج القاضي (2) وغيره بقول أحمد: "لا يستغني أحد عن القياس"، وقوله: "ما تصنع به، وفي الأثر ما يغنيك [عنه] (3)؟ "، وقوله في رواية الميموني: "سألت الشافعي عنه، فقال: ضرورة"، وأعجبه ذلك.
لنا: (فاعتبروا) (4)، وهو اختبار شيء بغيره، وانتقال من شيء إِلى غيره، والنظر في شيء ليعرف به آخر من جنسه.
فإِن قيل: هو الاتعاظ؛ لسياق (5) الآية.
رد: مطلق.
فإِن قيل الدال على الكلي لا يدل على الجزئي.
رد: بلى.
ثم: مراد الشارع القياس [الشرعي] (6)؛ لأن خطابه غالبًا بالأمر الشرعي.
وفي كلام أصحابنا وغيرهم: عام؛ لجواز الاستثناء.
__________
(1) انظر: التمهيد / 146أ.
(2) انظر: العدة/ 195 أ-ب، والمسودة/ 367، 368.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(4) سورة الحشر: آية 2.
(5) نهاية 399 من (ح).
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3/1311)
ثم: متحقق فيه؛ لأن المتعظ بغيره منتقل من العلم بغيره إِلى نفسه (1)، فالمراد قدر مشترك.
ومنعه الآمدي (2) بمعنى الاتعاظ؛ لقولهم: "اعتبر فلان، فاتعظ"، لشيء لا يترتب على (3) نفسه.
وجوابه: منع صحته.
فإِن قيل: لو كان بمعنى القياس لما حسن ترتيبه (4) في الآية (5).
رد: بالمنع (6) مع تحقق الانتقال في الاتعاظ (7).
وسبق (8) في الأمر ظهور صيغة "افعلْ" في الطلب.
وأيضًا: سبق (9) خبر الخثعمية (10) وغيره في مسالك العلة.
__________
(1) نهاية 136 ب من (ظ).
(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 30.
(3) نهاية 201أمن (ب).
(4) يعني: على قوله تعالى: (يخربون بيوتهم).
(5) يعني: وإنما يحسن عند إِرادة الاتعاظ.
(6) يعني: لا نسلم امتناع ترتيب القياس.
(7) على ما قدمنا.
(8) في ص 660 وما بعدها.
(9) في ص 1261.
(10) كذا في النسخ. ولعله يريد: الجهنية.
(3/1312)
وسبق (1) خبر معاذ في الإِجماع.
وروى سعيد بإِسناد (2) جيد معنى حديث معاذ عن ابن مسعود قوله (3)، وعن الشعبي (4) عن عمر قوله (5) -وولد لست سنين خلت من خلافته (6)، قال أحمد بن عبد الله العِجْلي (7): مرسله
__________
(1) في ص 393.
(2) في (ظ): بإسناده.
(3) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 54، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 200 - 201، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70 - 71، والحاكم في مستدركه 4/ 94 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأورده ابن حزم في الإحكام/ 1004 من طريق سعيد.
(4) هو: أبو عمرو عامر بن شراحيل، تابعي كوفي، ثقة فقيه، توفي بالكوفة سنة 103 هـ. انظر: حلية الأولياء 4/ 310، وتاريخ بغداد 12/ 229، والمعارف/ 449، ووفيات الأعيان 2/ 227، وتذكرة الحفاظ/ 79.
(5) وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 199 - 200، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70، وأورده ابن حزم في الإِحكام/ 1005 من طريق سعيد.
(6) انظر: تهذيب التهذيب 5/ 68.
(7) هو: أبو الحسن الكوفي نزيل طرابلس الغرب، ولد سنة 182 هـ، وسمع من والده وحسين بن علي الجعفي ويعلي بن عبيد وطبقتهم، وحدث عنه ولده صالح بمصنفه في "الجرح والتعديل" وحدث عنه سعيد بن عثمان وسعيد بن إِسحاق ومسند الأندلس محمَّد الغافقي، توفي بطرابلس سنة 261 هـ.
انظر: العبر 2/ 21، وتذكرة الحفاظ/ 560، وطبقات الحفاظ/ 242.
(3/1313)
صحيح (1) - وبإِسناد جيد معناه عن ابن عباس فعله (2).
وللنسائي قول ابن مسعود (3)، وله عن (4) شريح (5) (6) عن عمر -بعد: "ما قضى به الصالحون"-: "فإِن شئت تَقَدَّم، والتأخير خير لك (7) ".
__________
(1) في تهذيب التهذيب 5/ 67: قال العجلي: ولا يكاد الشعبي يرسل إِلا صحيحاً.
(2) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 55، والخطيب في الفقه والمتفقه 1/ 202 - 203، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 71 - 72، والبيهقي في سننه 10/ 115. وأورده ابن حزم في الإِحكام/ 1005 من طريق سعيد ومن طريق آخر.
(3) انظر: سنن النسائي 8/ 230. وأخرجه البيهقي في سننه 10/ 115، والخطيب في الفقيه والمتفقه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، فانظر: هامش 3، ص 1313.
(4) في (ب): من.
(5) في (ظ): عن ابن شريح.
(6) هو: أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكندي الكوفي، أدرك النبي ولم يلقه على المشهور، روى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، ولاه عمر قضاء الكوفة، وتوفي سنة 78هـ.
انظر: صفة الصفوة 3/ 38، ووفيات الأعيان 2/ 167، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 243، وشذرات الذهب 1/ 85.
(7) انظر: سنن النسائي 8/ 231. وأخرج الخطيب نحوه في الفقه والمتفقه 1/ 199 - 200، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70 - 71، والدارمي في سننه 1/ 55، والبيهقي في سنة 10/ 115، وابن حزم في الإِحكام/ 1006، 1300. وراجع موقف ابن حزم من هذه الآثار في: الإِحكام/ 1016 - 1017.
(3/1314)