Translate

الخميس، 15 يونيو 2023

ج4.أصول الفقه لابن مفلح

 

ج4.أصول الفقه لابن مفلح

القياس{ قلت المدون : منقوض من كثير من

 الفقها اهمهم ابن حزم والشوكاني}

لغة (1): التقدير، فهو نسبة وإصافة بين شيئين بالمساواة.

واصطلاحًا:

قيل: إِصابة الحق.

وقيل: بذل الجهد في استخراجه.

وقيل: العلم عن نظر.

ويبطل ذلك بالنص والإِجماع، وبأن إِصابة الحق والعلم فرع للقياس وثمرته، مع أن أكثره ظن، والبذل حال القائس.

أبو هاشم (2): حمل الشيء على غيره بإِجراء حكمه عليه، وزاد عبد الجبار (2): بضرب من الشبه.

وأُبطلا: بخروج قياس فرعه معدوم ممتنع لذاته، فإِنه ليس بشيء (3)، ويحتاج الأول: بجامع.

وفي العدة (4): رد فرع إِلى أصل بعلة جامعة.

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 40، ولسان العرب 8/ 70.

(2) انظر: المعتمد/ 697.

(3) نهاية 349 من (ح).

(4) انظر: العدة/ 174.

(3/1189)

وقاله في التمهيد (1)، وفيه: تحصيل (2) حكم الأصل في الفرع؛ لاشتباههما في علة الحكم، وقيل: حمل فرع على أصل بعلة الأصل، قال: ومعناهما سواء.

واختار أبو الحسين (3) البصري الأول، ومراده: تحصيل مثل حكم الأصل، ومعناه في الواضح (4)، وقال: "إِنه أسد ما رآه"، لكن: هو نتيجة القياس لا نفسه.

وفي الروضة (5): حمل فرع على أصل في حكم بجامع.

ابن الباقلاني (6) -وتبعه أكثر الشافعية-: حمل معلوم على معلوم في إِثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إِثبات حكم أو صفة أو نفيهما.

ورد: بأن المراد من الحمل إِثبات الحكم، وهو ثمرة القياس.

ورد أيضًا: بأن قوله: "في إِثبات حكم لهما" يُشعر بأن الحكم في الأصل والفرع بالقياس.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 145أ.

(2) نهاية 172 أمن (ب).

(3) انظر: المعتمد/ 697.

(4) انظر: الواضح 1/ 131 ب.

(5) انظر: روضة الناظر/ 275.

(6) انظر: البرهان/ 745، والإِحكام للآمدي 3/ 186، والمنتهى لابن الحاجب/ 123.

(3/1190)

وبأن "بجامع" كاف؛ لأنه المعتبر في ماهية القياس، لا أقسامه.

وأجاب الآمدي (1) عن الأول: بالمنع لما علم: مم يتركب منه القياس (2)؟

وعن الثاني: بأنه زيادة إِيضاح، ولا يلزم منه ذكر أقسام الحكم والصفة، لعدم وجوبه.

قال (3): لكن يرد (4) إِشكال لا محيص عنه، وهو: أنه أخذ في الحد ثبوت حكم الفرع، وهو فرع القياس، وهو دور.

ورد: بأن المحدود القياس الذهني وثبوت حكم الفرع الذهني، والخارجي ليس فرعاً للقياس الذهني.

وقال ابن المنِّي من أصحابنا: مساواة معلوم لمعلوم في معلوم ثالث يلزم من مساواة الثاني للأول فيه مساواته في حكمه.

وهو معنى من قال: "مساواة فرع لأصل في علة حكمه"، وقول الآمدي (5) (6): الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل. ويحتاج: أو غيرها.

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 189، 190.

(2) وهو: الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والوصف الجامع.

(3) انظر: المرجع السابق 3/ 190.

(4) نهاية 120 ب من (ظ).

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 190.

(6) نهاية 172 ب من (ب).

(3/1191)

ومن قال بتصويب كل مجتهد لزمه (1) زيادة: "في نظر المجتهد"؛ لأنه صحيح ولو تبين غلطه ورجوعه عن الحكم.

وإن أريد تعريف الفاسد مع الصحيح قيل: تشبيه إِلى آخره.

...................

وقياس الدلالة (2) لم يرد بالحد.

وقيل: ليس بقياس حقيقة.

وقيل: داخل؛ لتضمنه المساواة في العلة، كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدة المطربة.

......................

وقياس العكس -مثل: لما (3) وجب الصيام في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر- لم يرد بالحد.

وقيل: ليس بقياس حقيقة.

وفي التمهيد (4): لا يسمى قياسًا؛ لاختلاف الحكم والعلة، قال: وسماه

__________

(1) في (ح): يلزمه.

(2) قالوا الآمدى في الإِحكام 4/ 4: قياس الدلالة: ما كان الجامع فيه دليل العلة لا العلة.

(3) نهاية 350 من (ح).

(4) انظر: التمهيد/ 145أ.

(3/1192)

بعض الحنفية قياسًا مجازاً، قال: وحَدَّ أبو الحسين (1) البصري القياس بحد يشملهما، فقال: إِثبات الحكم في الشيء باعتبار تعليل غيره، قال: فعلى هذا حدُّه: إِثبات نقيض حكم الشيء في غيره، لافتراقهما في علة الحكم.

وأولى منه قول بعض أصحابنا والآمدي (2): تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره، لافتراقهما في علة الحكم.

وقيل: داخل؛ لأن القصد مساواة الاعتكاف بغير نذرِ الصوم في اشتراط الصوم له بنذر الصوم، بمعنى: "لا فارق بينهما"، أو السبر، فيقال: الموجب للصوم الاعتكاف لا نذره بدليل الصلاة، فالصلاة ذكرت لبيان إِلغاء النذر، فالأصل اعتكاف بنذر صوم، والفرع بغير نذره، والحكم اشتراطه (3)، والعلة الاعتكاف، أو أن القصد قياس الصوم بنذر على الصلاة بنذر (4)، فيقال: بتقدير عدم وجوب الصوم في الاعتكاف لا يجب فيه بنذر كصلاة، والعلة: أنهما عبادتان.

* * *

__________

(1) انظر: المعتمد/ 1031.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 183.

(3) في (ب): واشتراطه.

(4) نهاية 173أمن (ب).

(3/1193)

أركان القياس

أصل وفرع وعلة وحكم

فإِذا قسنا النبيذ على الخمر بعلة الإِسكار:

فالأصل: الخمر، وهو محل الحكم المشبه به، وذكره الآمدي (1) عن الفقهاء، وأنه أشبه، لافتقار الحكم والنص إِليه.

وقيل: الأصل ليل الحكم، وحكي عن (2) المتكلمين.

وقيل: حكم المحل.

وذكر الآمدي (3): أنه ليس بالوصف الجامع اتفاقًا.

وحكي قول.

وقال بعض أصحابنا (4): الأصل يقع على الجميع.

واختار ابن عقيل (5): أنه الحكم والعلة.

والفرع: النبيذ، وهو المحل المشبه.

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 192.

(2) نهاية 121 أمن (ظ).

(3) انظر: المرجع السابق 3/ 191.

(4) انظر: المسودة/ 371.

(5) انظر: الواضح 1/ 133 ب-134أ، والمسودة/ 370 - 371.

(3/1194)

وقيل: حكمه، واختاره الآمدي (1).

والأقوال متوجهة؛ لأن الأصل ما ينبني عليه غيره، ولهذا كان الجامع فرعًا (2) للأصل؛ لأخذه منه، وهو أصل للفرع اتفاقًا؛ لبناء حكمه عليه.

قال ابن عقيل (3): والمعلول الحكم لا (4) المحكوم فيه، خلافاً لأبي علي الطبري الشافعي؛ لأنها أثارته، ويقال: "بِمَ تُعلل الحكم؟ واعتل فلان لحكمه بكذا"، وعلة المريض تقوم به وتؤثر فيه، فلهذا كان الجسم معلولاً.

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

شروط القياس

من شرط حكم الأصل: كونه شرعيًا؛ لأنه القصد من القياس الشرعي، قالوا في الروضة (5): والعقلي ومسائل الأصول قطعية لا تثبت بظني، وكذا لا يثبت به (6) أصل القياس وأصل خبر الواحد.

..........................

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 192.

(2) نهاية 351 من (ح).

(3) انظر: الواضح 1/ 134أ.

(4) في (ب): على.

(5) انظر: روضة الناظر: 318.

(6) يعني: بالقياس.

(3/1195)

ومنه: كونه [غير] (1) منسوخ؛ لأنه زال اعتبار الجامع. (2)

...................

ومنه: كونه غير فرع، اختاره القاضي (3) في مقدمة المجرد، وقال: هو ظاهر قول أحمد -وقيل له: يقيس الرجل بالرأي؟ - فقال: "لا، هو أن يسمع الحديث فيقيس عليه"، ثم ذكر أنه يجوز أن يستنبط من الفرع المتوسط علة ليست في الأصل، ويقاس عليه، وذكر -أيضًا- (4) في مسألة القياس جواز كون الشيء أصلاً لغيره في حكم وفرعاً لغيره في حكم آخر لا في حكم واحد.

وجوزه القاضي (5) -أيضاً- وأبو محمَّد البغدادي، وقال: لأنه (6) لا يخل بنظم القياس (7) وحقيقته.

وكذا أبو الخطاب (8)، ومنعه (9) أيضًا، (10) وقال في سؤال

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(2) نهاية 173 ب من (ب).

(3) انظر: المسودة/ 395.

(4) انظر: العدة/ 203 أ.

(5) انظر: العدة/ 209 ب.

(6) في (ظ): انه.

(7) في (ظ): القرآن.

(8) انظر: التمهيد/ 155 ب.

(9) انظر: المرجع السابق/ 165أ، والمسودة/ 396.

(10) جاء -هنا- في (ظ): (وقال على أصلنا) إِلى قوله (على مثله) وهو الكلام الآتي بعد سطر.

(3/1196)

المعارضة (1): "يقاس عليه بغير العلة التي ثبت بها، وإلا كان باطلاً"، وقاله ابن عقيل (2)، وقال: على أصلنا، وأنه قول أبي عبد الله البصري وأحد وجهي الشافعية، كأصل ثبت بنص، لصحة تعليله بعلتين، ولأنه لا مزية لأحدهما (3)، كمنصوص على (4) مثله.

واختار في الروضة (5) منعه مطلقًا إِلا باتفاق الخصمين، وذكره بعض أصحابنا (6) عن أكثر الجدليين، وقال -أيضاً-: إِن كانا (7) قياس علة (8) لم يجز، وإلا جاز.

والمنع: قاله الكرخي والآمدي (9)، وذكره عن أكثر أصحابهم.

والجواز: قاله الرازي (10) والجرجاني (11) وأبو عبد الله البصري (12).

__________

(1) انظر: التمهيد/ 186 ب- 187أ.

(2) انظر: المسودة/ 397.

(3) يعني لأحد الفرعين.

(4) في (ظ): عليه.

(5) انظر: روضة الناظر/ 315.

(6) انظر: المسودة/ 395، 396.

(7) في (ب): كان.

(8) قال الآمدي في الإحكام 4/ 4: قياس العلة: هو ما كان الجامع فيه العلة الباعثة على الحكم في الأصل.

(9) انظر: الأحكام للأمدي 3/ 194.

(10) انظر: أصول الجصاص/ 274 ب، والعدة/ 209 ب، والمسودة/ 394.

(11) انظر: العدة/ 201 ب، والمسودة/ 394.

(12) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 194.

(3/1197)

وقال ابن برهان (1): يجوز عندنا، خلافاً للحنفية والصيرفي من أصحابنا، قال: وحرف المسألة تعليل الحكم بعلتين.

وجه المنع: إِن اتحدت العلة فالوسط لغو، كقول شافعي: "السفرجل مطعوم، فيكون ربوياً كالتفاح"، ثم يقيس التفاح على البر.

وإن لم تتحد فسد (2) القياس؛ لأن الجامع بين الفرع الأخير والمتوسط (3) لم يثبت اعتباره؛ لثبوت (4) الحكم في الأصل الأول بدونه، والجامع بين المتوسط وأصله ليس في فرعه، كقول (5) شافعي: "الجذام عيب يفسخ به البيع، فكذا النكاح كالرَّتَق"، ثم (6) يقيس الرتق على الجبّ بفوات الاستمتاع.

وإنما يجوز تعليل الحكم بعلتين مع ظن اعتبارهما (7) بثبوت الحكم على وفقهما (8)، وهو ثابت [في أصلها] (9) بغيرها (10).

__________

(1) انظر: المسودة/ 398.

(2) نهاية 174 أمن (ب).

(3) نهاية 121 ب من (ظ).

(4) في (ظ): كثبوت.

(5) في (ب): كقوله.

(6) نهاية 352 من (ح).

(7) في (ح): اعتبارها.

(8) في (ح): على وفقها.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(10) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 195.

(3/1198)

أما إِن كان حكم الأصل لا يقول به المستدل -كقول حنفي في صوم رمضان بنية نفل: أتى بما أمر به كفريضة حج بنية نفل- ففاسد، لفساد أصله عنده.

ومنه ذكره إِلزامًا لخصمه بقوله: "علة الأصل عندك في الفرع، فيلزم الاعتراف بحكمه أو إِبطالها لتخلف الحكم بلا معارض، فيمتنع ثبوت حكم الأصل"، فلخصمه أن يقول: "حكم الأصل ثبت بغيرها"، فَيُصدّق؛ لأنه عدل أعرف بمأخذ مذهبه، ولو ثبت بها (1) فليس تخطئته في حكم الفرع وتصويبه فيها أولى من العكس.

ويأتي (2) في النقض: هل له أن يُلزم خصمه ما لا يقول به؟

..................

ومنه: كونه (3) معدولاً به عن سنن القياس لا يعقل معناه، كشهادة خزيمة (4) وحده (5)، وأعداد الركعات، وتقدير نصاب زكاة وحدٍّ وكفارة.

__________

(1) يعني: ولو ثبت حكم الأصل بهذه العلة.

(2) في ص 1374.

(3) كذا في النسخ. ولعل الصواب: ومنه كونه غير معدول به. أو: ومنه عدم كونه معدولاً به.

(4) هو: الصحابي خزيمة بن ثابت الأنصاري.

(5) فقد جعل النبي شهادته بشهادة رجلين. أخرجه أبو داود في سننه 4/ 31 - 32 من حديث عمارة بن خزيمة عن عمه، وهو من أصحاب النبي، وأخرجه النسائي في سننه 7/ 301 - 302، والبيهقي في سننه 10/ 145 - 146، وأحمد في مسنده=

(3/1199)

ومنه (1): كونه لا نظير له، أي: لم يوجد ما يساويه في العلة، له معنى ظاهر -كرخص السفر للمشقة- أوْ لا، كاليمين في القسامة، والدية على العاقلة.

وما خُص من القياس (2) يجوز القياس عليه وقياسه على غيره عند أصحابنا والشافعية (3) وبعض الحنفية وإسماعيل (4) بن إِسحاق المالكي (5)؛

__________

=5/ 215 - 216.

وأخرج البخاري في صحيحه 4/ 19 - 20، وعبد الرزاق في مصنفه 8/ 367، وأحمد في مسنده 5/ 188، 189 عن زيد بن ثابت قال: نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، فلم أجدها إِلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله شهادته شهادة رجلين. وأخرج البيهقي في سننه 10/ 146 من حديث عمارة بن خزيمة عن أبيه: أن رسول الله قال: (من شهد له خزيمة أو شهد عليه فهو حسبه). وأخرجه الطبراني وابن شاهين. انظر: فتح الباري 8/ 519. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 366 - 367 من حديث محمَّد بن عمارة عن خزيمة بن ثابت.

(1) يعني: مما هو معدول به عن سنن القياس.

(2) نهاية 174 ب من (ب).

(3) انظر: اللمع / 60، والتبصرة/ 448.

(4) انظر: المسودة/ 400.

(5) الجهضمي الأزدى، فقيه جليل، ولد بالبصرة سنة 200 هـ، واستوطن بغداد وولي قضاءها، وبها توفي سنة 282 هـ.

من مؤلفاته: الموطأ، وأحكام القرآن، والمبسوط في الفقه.=

(3/1200)

لأن الظن الخاص أرجح، ولهذا قُدم أصله. وسبق (1) في تخصيص العموم بقياس.

فالأول: كقول أحمد (2) -فيمن نذر ذبح نفسه-: يفدي بكبش (3).

والثاني: كتجويزه شراء أرض السواد لا بيعها، قال: "استحسان"، واحتج بتجويز الصحابة شراء المصاحف لا بيعها (4).

ومنعه الحنفية (5) وأكثر المالكية (6)، إِلا أن يكون معللاً -كقوله: (إِنها من الطوافين (7)) - أو مجمعاً على قياسه،

__________

=انظر: ترتيب المدارك 3/ 167، والديباج المذهب/ 92، وتاريخ بغداد 6/ 284.

(1) في ص 981، 982.

(2) انظر: العدة/ 216 ب، والمسودة/ 400.

(3) قياسًا على من نذر ذبح ولده.

(4) أخرج بعض الآثار في ذلك عبد الرزاق في مصنفه 8/ 110 - 114، والبيهقي في سننه 6/ 16 - 17.

(5) انظر: كشف الأسرار 4/ 11، واللمع/ 60.

(6) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 415، ومفتاح الوصول/ 93 - 95.

(7) هذا جزء من حديث رواه أبو قتادة مرفوعًا، وفيه: قال النبي: (إِنها -يعني: الهرة- ليست بنجس، إِنها من الطوافين عليكم والطوافات).

أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود في سننه 1/ 60، والدارقطني في سننه 1/ 70، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 18 - 19، والحاكم في مستدركه 1/ 160 وقال: صحيح ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه -بلفظ: (إِنما هي) =

(3/1201)

كالتحالف (1) في الإِجارة كالبيع.

وهو (2) لنا وجه في التمهيد (3)، قال: ولهذا لا نقيس على لحم الإِبل في نقض الوضوء، وغير ذلك من أصولنا.

كذا قال، وفيه نظر؛ لعدم فهم المعنى أو اختلافه أو مساواته، ولهذا نقيس في الأشهر لنا -أو العنب (4) فقط- على العرايا.

وقد قاس الحنفية (5) القدَّر -كالموضِحة (6) - على دية النفس في حمل العاقلة.

__________

=الترمذي في سننه 1/ 62 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 1/ 178، ومالك في الموطأ / 22 - 23، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 55، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 60). وأخرجه -بلفظ: (هي من الطوافين) - ابن ماجه في سننه/ 131.

وورد الحديث -أيضًا- من رواية عائشة. أخرجه أبو داود في سننه/ 61.

(1) في (ب): كالتخالف.

(2) نهاية 353 من (ح).

(3) انظر: التمهيد/ 156 أ.

(4) ضرب على (أو العنب فقط) في (ب) و (ظ).

(5) واستدلوا -أيضاً- بالنص. انظر: الهداية 4/ 229.

(6) الموضحة: الشجة التي توضح العظم، أي: تبينه. وفيها: خمس من الإبل. انظر: الهداية 4/ 182.

(3/1202)

وذكر القاضي (1) -في أثناء المسألة-: لا يقاس على غيره في إِسقاط حكم النص، ويقاس غيره عليه.

* * *

ولا يعتبر اتفاق الأمة على حكم الأصل، ويكفي اتفاق الخصمين.

واعتبره قوم، وسموا ما اتفق عليه الخصمان قياسًا مركبًا، وهو: أن يكتفي المستدل (2) بموافقة خصمه في الأصل مع منعه علة الأصل أو منعه وجودها في الأصل.

فالأول: مركب الأصل، قيل: سمي مركبًا لاختلافهما في علته، وقيل: في تركيب الحكم عليها في الأصل؛ فعند المستدل: هي فرع له، والمعترض: بالعكس.

وسمي "مركب الأصل" للنظر في علة حكمه.

مثاله: "عبد، فلا (3) يقتل به الحر كالمكاتب"، فيقول الحنفي: "العلة جهالة المستحق من السيد والورثة، فإِن صحت بطل قياسك، وإن بطلت منعت حكم الأصل لانتفاء مُدْرَكه، فيمتنع القياس لعدم العلة في الفرع أو منع الأصل".

__________

(1) انظر: العدة / 228أ.

(2) نهاية 122أمن (ظ).

(3) نهاية 175 أمن (ب).

(3/1203)

والثاني: مركب الوصف، سمي به لاختلافهما فيه، كقوله في تعليق الطلاق بالنكاح: "تعليق، فلا يصح قبل النكاح، كما لو قال: زينب التي أتزوجها طالق"، فيقول الحنفي: العلة التعليق (1)، وفي الأصل تنجيز (2)، فإِن صح هذا بطل قياسك، وإن بطل منعت حكم الأصل، فيمتنع القياس؛ لعدم العلة في الأصل أو منع الأصل.

وضَعَّف في الروضة (3) هذا القول؛ لندرة المجمع عليه، وبأن كلاً منهما مقلِّد، فليس له منع حكمٍ ثبت مذهباً لإِمامه؛ لأنه لا يعلم مأخذه (4)، ثم: لا يلزم من عجزِه عجزُه، ثم: لا يتمكن أحدهما من إِلزام ما لم يجمع عليه.

وكذا قال الآمدي (5): المختار -بعد إِبطال معارضة الخصم في الأول وتحقيق وجود ما يدعيه في الأصل في الثاني- أن المقلد ليس له المنع وتخطئة إِمامه.

وجزم بعضهم (6): بأن المقلد إِن سلم دليل المستدل، أو أثبت المستدل وجود العلة في الأصل في الثاني: قامت الحجة عليه لاعترافه، كما لو كان

__________

(1) في نسخة في هامش (ب): تعليق.

(2) فالعلة عندي مفقودة في الأصل.

(3) انظر: روضة الناظر/ 316، 317.

(4) نهاية 354 من (ح).

(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 199.

(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124، ومختصره 2/ 211.

(3/1204)

مجتهدًا (1).

وهذا القياس المركب ليس بحجة.

وقال بعض أصحابنا (2): القياس المركب أصله ليس بحجة عند محققي الشافعية والحنفية، وأشار إِليه أبو الخطاب، وجوزه أبو إِسحاق الإِسفراييني وجماعة (3) من الطرديين، وهو كثير في كلام القاضي وغيره من أصحابنا. والله أعلم

و [قال] (4) في الواضح (5): يجوز جعل وصف مركب علة، وهو أولى من أصل مركب، نحو: "العلي لا زكاة فيه لصغير، فكذا كبير كجوهر"، لكن تقف صحة كونه علة على دليل كغيره (6)، وهل تجب مساواة كبير وصغير في زكاة (7)؟ والله أعلم.

ولو أثبت المستدل حكم الأصل بنص، ثم أثبت العلة بأحد طرقها: جاز، ونهض دليله على الخصم، زاد بعضهم: المجتهد؛ لجواز اعتقاد القلد دفع إِمامه دليلَ المستدل.

__________

(1) يعني: وظن ذلك، فإِنه لا يسعه المخالفة.

(2) انظر: المسودة/ 399.

(3) نهاية 175 ب من (ب).

(4) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(5) انظر: الواضح 1/ 142 أ.

(6) يعني: كغيره من الأوصاف.

(7) يعني: أو لا تجب.

(3/1205)

ومنع قوم القياس على مختلف فيه، لنقل الكلام.

لنا (1): لو لم يُقبل من المستدل لم يُقبل منه مقدمة يثبتها بعد منع خصمه، فلا يُقبل (2) إِلا البديهي.

* * *

ومن شرط حكم الأصل: كون دليله غير شامل حكم الفرع؛ لأنه لا أولوية (3)، ولا (4) قيام دليل على تعليله وجواز القياس عليه، خلافاً لبعضهم.

ولو قاس على مجمع عليه، فقيل: "بيّن مستنده، لعله يعمّ الفرع": لم يلزمه، ذكره ابن عقيل.

لنا: أنه (5) أصل كالنص.

قالوا: الإِجماع عن دليل، فيجب طلبه لاحتمال تناوله للفرع، أو لا يتعدى معناه.

__________

(1) انظر: مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/ 213.

(2) نهاية 122 ب من (ظ).

(3) في (ظ): أولية.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لا قيام. أي: لا يشترط قيام دليل ... إِلخ. النظر: الإحكام للآمدي 3/ 199.

(5) يعني: الإجماع.

(3/1206)

أجاب في التمهيد (1): تناوله للفرع لا يمنع القياس بل يقوِّيه، وإن كان معنى لا يتعدى لم يمنع أن هناك معنى (2) يتعدى.

.................

ويجوز القياس على عام خُصّ، كاللائط ومن أتى بهيمة على الزاني، قال ابن عقيل (3): هو الأصح لنا وللشافعية.

وقيل: لا، لضعف معناه، للخلاف (4) فيه.

..................

وليس من شرطه أن يكون فيه نص.

وذكر ابن برهان (5) عن بعض أصحابهم: يشترط، حتى لو أجمعت (6) الأمة عليه لم يجز القياس عليه. (7)

.....................

__________

(1) انظر: التمهيد/ 155 ب.

(2) يعني: معنى آخر غيره.

(3) انظر: الواضح 1/ 143 ب.

(4) نهاية 176 أمن (ب).

(5) انظر: المسودة/ 408.

(6) في (ح) و (ظ): اجتمعت.

(7) نهاية 355 من (ح).

(3/1207)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

شروط علة الأصل

هل من شرطها كونها باعثة -أي: مشتملة على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم- أم هي مجرد أمارة وعلامة نَصَبَها الشرع دليلاً على الحكم؟ سبق (1) أول مسألة التحسين.

والثاني: قول أصحابنا، زاد ابن عقيل (2) وغيره: مع أنها موجِبة لمصالح ودافعة لمفاسد، ليست من جنس الأمارة الساذجة (3).

واختار الآمدي (4) وغيره الأول؛ لأنه لا فائدة في الأمارة سوى تعريف الحكم، وقد عُرِف بالخطاب، ولأنها معرِّفة لحكم الأصل، فهو (5) فرعها، وهي مستنبطة منه، فهي فرعه، فيلزم الدور.

وفيه (6) نظر؛ لجواز كون فائدتها تعريف حكم الفرع.

فإِن قيل: يلزم منه تعريفها لحكم الأصل، وإلا لم يكن للأصل مدخل في الفرع، لعدم توقف ثبوت الوصف فيه وتعريفه لحكمه على حكم الأصل، لعدم تعريفه لحكم الأصل.

__________

(1) في ص 152 من هذا الكتاب.

(2) انظر: المسودة/ 385.

(3) يعني: العاطلة عن الإِيجاب.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 202.

(5) في (ح): فهي.

(6) في (ب): فيه.

(3/1208)

قيل: إِلا أن (1) الوصف مستفاد من الأصل.

وبنى أصحابنا على قولهم صحة التعليل بالاسم، وأنه ظاهر قول أحمد (2): "يجوز الوضوء بماء الباقِلاء والحِمَّص؛ لأنه ماء"، وقول أكثر الحنفية والشافعية (3)، وذكره الجرجاني (4) والإِسفراييني (4) عن أصحابهما، وذكر ابن برهان (5) الجواز عندهم، قال: وقال أبو حنيفة: لا يجوز.

وقال ابن البنا (6) من أصحابنا: اختلف في التعليل بالاسم اللقب على وجهين، قال: ومذهبنا جوازه، نص عليه أحمد، كما لو نص عليه الشرع بقوله: "حرمت التفاضل في البر لكونه براً"، فإِنه اتفاق (7)، وليست موجبة بخلاف العلة العقلية.

قال ابن عقيل وغيره: العقوبة (8) لما لم يجز كونها معللة بإِحسان المُحسِن لم يجز ورود الشرع بها (9).

.......................

__________

(1) في (ظ): إِلا أن يكون الوصف.

(2) انظر: العدة/ 206 أ.

(3) انظر: اللمع/ 63، والتبصرة/ 454.

(4) انظر: العدة/ 206أ، والمسودة/ 393.

(5) انظر: الوصول لابن برهان/ 86 ب، والمسودة/ 393.

(6) نهاية 176 ب من (ب).

(7) نهاية 356 من (ح).

(8) نهاية 123أمن (ظ).

(9) قال ابن عقيل في الواضح 1/ 134 ب: وقال قوم: "إِن الاسم العلم لا يجوز أن يكون علة؛ لأن العلة ما أفادت معنى يتعلق به الحكم، والاسم إِنما هو مواضعة بين أهل=

(3/1209)

هل يجوز التعليل بحكمة مجردة عن وصف ضابط لها؟

اختلف أصحابنا وغيرهم:

قال الآمدي (1): "منعه الأكثر، وجوزه الأقل"، ثم اختار قول من جوزه بحكمة ظاهرة منضبطة، وإلا فلا، وذكره بعض أصحابنا (2) عن طائفة من أصحابنا وغيرهم والمالكية.

وجه الأول (3): رَدُّ الشارع في ذلك إِلى المظان الظاهرة دفعاً للعسر واختلاف الأحكام، ولهذا لم يرخّص للحَمَّال ونحوه للمشقة.

ولأنه يكون الوصف الظاهر المنضبط عدم التأثير، استغناء بأصل الحكمة.

__________

=اللغة للتعريف، وما كان للتعريف لم يقتض التعليل كقولنا: "زيد وعمرو"، ولهذا كان موجودا قبل الشرع"، وهذا ليس بصحيح؛ لأن العلل الشرعية أمارات من جهة صاحب الشرع جعلت علامات على الأحكام وصارت علة بجعل جاعل، ولذلك لو ورد التعليل به من صاحب الشرع -فقال: "أزيلوا النجاسة بالماء لا بغيره؛ لأنه ماء، وتيمموا بالتراب؛ لأنه تراب"- كان تعليلاً صحيحًا، وإذا جاز ورود الشرع لم يجز المنع من كونه علة، ألا ترى أن العقوبة لما لم يجز أن تكون معللة بإِحسان المحسن وطاعة المطيع لم يجز أن يرد الشرع بها، فيقول: عاقبوا زيدًا؛ لأنه أحسن، أو لأنه وَحَّد الله.

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 202.

(2) انظر: المسودة/ 424.

(3) وهو: المنع.

(3/1210)

ولأن فيه حرجًا بالبحث عنها، فينتفي بالآية (1).

ورد (2): بأنه يلزم في الوصف؛ للزوم معرفتها (3) في جعله (4) علة، بل المشقة (5) أكثر.

والاطلاع (6) على الوصف أسهل، فلا يلزم منه المنع.

أجيب: تعتبر معرفة كميتها وخصوصيتها، لئلا يختلف الأصل والفرع فيها، ولا يمكن (7)، بخلافه في الوصف. كذا قيل.

ويلزم من كونه أسهل تأخير الحكم لو علّل بها (8)، وهو ممتنع.

وجه الثالث (9): أنها مع ظهورها وانضباطها كالوصف أو (10) أولى؛ لأنها المقصودة من شرع الحكم.

__________

(1) قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) سورة الحج: آية 78.

(2) هذا رد على الوجه الأول.

(3) يعني: معرفة الحكمة.

(4) يعني: جعل الوصف.

(5) وفي هذا رد على الوجه الثالث.

(6) في هذا رد على الوجه الثاني، حيث قالوا: لا حاجة إِليه، استغناء بأصل الحكمة.

(7) يعني: في الحكمة الخفية المضطربة.

(8) فيؤخر الحكم إلى زمان إِمكان الاطلاع على الحكمة مع إِمكان اتباعه بالضابط في أقرب زمان.

(9) وهو التفصيل.

(10) نهاية 177أمن (ب).

(3/1211)

رد: لا يمكن ذلك (1)، لرجوعها إِلى الحاجة إِلى المصلحة ودفع المفسدة، وهي مختلفة.

ثم: نادر، وفيه حرج، فينتفي بالآية (2).

أجيب: الفرض: أنها (3) ظاهرة منضبطة، فلا محذور. وفيه نظر.

* * *

يصح تعليل الحكم الثبوتي بالعلم عند أصحابنا، وذكره ابن برهان (4) عن الشافعية (5)، والمنع عن الحنفية، واختاره الآمدي (6) وغيره، ولم يذكره في التمهيد (7) إِلا عن بعض الشافعية.

واستثنى بعض الحنفية (8) مثل قول محمَّد بن الحسن -في ولد المغصوب (9) -: "لم يُغصب"، وفيما لا خمس فيه من اللؤلؤ: "لم

__________

(1) يعني: التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة.

(2) انظر: هامش 1 من الصفحة السابقة.

(3) في (ظ): بأنها.

(4) انظر: المسودة/ 418.

(5) نهاية 357 من (ح).

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 206.

(7) انظر: المسودة/ 418، والتمهيد/ 164أ.

(8) انظر: كشف الأسرار 3/ 375، وتيسير التحرير 4/ 4، وفواتح الرحموت 2/ 274.

وقد نسب إِلى الحنفية أنهم يمنعون التعليل بالعلم مطلقًا.

(9) يعني: في عدم ضمانه.

(3/1212)

يُوجف (1) عليه دخيل ولا ركاب (2) ".

القائل بالصحة: كنص الشارع عليه.

وكالأحكام تكون (3) نفياً.

وكالعلة العقلية، مع أنها موجبة.

وكتعليل العدم به، ذكره بعضهم اتفاقًا نحو: "لم أفعل هذا لعدم الداعي إِليه" و"لم أسلم على فلان لعدم رؤيته"؛ لأن نفي الحكم لنفي مقتضيه أكثر من نفيه لوجود منافيه.

ولأنه يصح تعليل ضربه لعبده بعدم امتثاله.

ولأن العلة أمارة، فالعدمية تُعَرِّف الحكم كالوجودية، وإن اعتبر الباعث فالعدم المقابل للوصف الوجودي -الظاهر المنضبط المشتمل على مصلحة أو دفع مفسدة- مشتمل على نقيض اشتمل عليه، فإِن اشتمل الوجودي على مصلحة فعدمه عدمها، وهو مفسدة، وإلا (4) فعدم المفسدة (5) مصلحة، وهو مقدور للمكلف، فيصح التعليل به كالوجودي.

__________

(1) الإِيجاف بالخيل والركاب: الإِسراع بها في السير، من الوجف، وهو: سرعة السير. انظر: لسان العرب 11/ 267 - 268.

(2) فإِن الخمس إِنما يجب فيما أخذ من أيدي الكفار بإِيجاف الخيل والركاب، والمستخرج من البحر ليس في أيديهم. انظر: تيسير التحرير 4/ 4.

(3) في (ب): يكون.

(4) يعني: وإن اشتمل على مفسدة فعدمه عدمها، فعدم الفسدة مصلحة.

(5) نهاية 123 ب من (ظ).

(3/1213)

وقد يجيب الخصم (1) عن الأول والثاني والثالث: بالمطالبة (2) بصحة القياس وبالمانع أو بالمنع.

وأجاب الآمدي (3) عن الرابع: بأن وجود الرؤية والداعي شرط لا علة، وأضيف عدم الأثر إِليه بلام التعليل مجازاً؛ لافتقار الأثر إِلى كل منهما جمعًا بين الأدلة.

وعن الخامس: بأن تعليله بامتناعه وكف نفسه عنه، وهو ثبوتي.

وعن السادس: بأنه تعليل بالإِعدام المقدور، وهو وجودي، لا عدم محض لا قدرة للمكلف عليه، وليس محل النزاع. كذا قال.

وخالفه بعض (4) من يتبعه، فاحتج به للمنع (5)، فقال: لو كان عدماً لكان مناسباً أو مظنته، وتقرير الثانية: أن العدم إِن كان مطلقًا فباطل؛ لأنه لا يختص ببعض الأحكام الثبوتية، وإن كان مخصَّصاً بأمر -أي: مضافاً إِليه- فإِن كان وجوده منشأ مصلحة فباطل؛ لأن عدمه عدمها، وإن كان منشأ مفسدة فمانع، وعدم المانع ليس علة -زاد بعضهم: اتفاقاً- وإن كان وجوده ينافي وجود المناسب للحكم الثبوتي لم يصلح عدمه مظنة لنقيضه المناسب؛ لأن المناسب إِن كان ظاهرًا فهو علة بلا مظنة، وإلا لاجتمع علتان على معلول

__________

(1) نهاية 177 ب من (ب).

(2) في (ظ): بالمطابقة.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 208.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124، ومختصره 2/ 214.

(5) نهاية 358 من (ح).

(3/1214)

واحد، وإن كان خفياً فنقيضه -الأمر العدم- خفي، والخفي ليس مظنة للخفي، وإن لم يناف وجوده وجود المناسب فوجوده كعدمه، فليس (1) مناسبًا ولا مظنته.

وجوابه: بمنع المقدمة الأولى (2).

وبأن المناسب هو: الظاهر المنضبط، فكيف يقول: وإن كان خفياً؟!.

ولا يلزم من خفاء أحد المتقابلين خفاء الآخر، وإنما يلزم في المتضايفين يلزم من تصوُّر أحدهما تصوُّر الآخر، فإِن ادعى أنه المراد بطل قوله: "وإن لم يكن فوجوده كعدمه"، وقد جعل في الدليل المنافي للمناسب قسيماً لما هو منشأ مفسدة، وهو منه.

قالوا: "لا علة" عدم، فنقيضه وجود، فلو كان العدم علة اتصف المعدوم (3) بالوجودي.

رد: سبق (4) مثله في مسألة التحسين.

قالوا: فيلزم سبر الأعدام.

__________

(1) يعني: العدم.

(2) نهاية 178أمن (ب).

(3) يعني: اتصف المعدوم بالعلة وهي أمر وجودي.

(4) في 160، 161 من هذا الكتاب.

(3/1215)

أجاب بعض أصحابنا (1): يلزم.

ثم: لعدم تناهيها، لا لعدم صلاحيتها علة، وجزم به بعضهم.

قالوا: الأعدام لا تتميز.

رد: بالمنع لتميز عدم لازم عن عدم ملزوم.

فعلى هذا: لا يكون العدم جزءًا منها، لما سبق.

قالوا (2): انتفاء معارضة المعجزة جزء من المعرِّف بها؛ لأنها فعل خارق (3) مع التحدي ونفي (4) المعارض، والدوران جزؤه -وهو العكس- عدم.

رد: شرط، لا جزء (5).

وقال بعضهم: العدم علة في قياس الدلالة لا قياس العلة، ذكره بعض أصحابنا (6) في قاعدة له في التوحيد، وقال: هذا فصل الخطاب، فلا يكون العدم علة تامة في قياس العلة بل جزءًا منها.

* * *

__________

(1) انظر: البلبل/ 155.

(2) يعني: من جوز أن يكون العدم جزءًا منها.

(3) نهاية 124أمن (ظ).

(4) نهاية 359 من (ح).

(5) في (ظ): الآخر.

(6) انظر: مجموع الفتاوى 14/ 25.

(3/1216)

ويشترط أن لا تكون محلَّ الحكم ولا جزأه، وذكره الآمدي (1) عن الأكثر، وجوزه آخرون، ثم اختار: امتناعه بالمحل دون الجزء.

وجه الأول (2): لو كانت المحل كانت قاصرة؛ لأنه لو تحقق (3) بخصوصه في الفرع اتحدا، وكذا جزؤه، أطلقه بعضهم (4)، ولعله مراده: "الخاص به" كقول بعضهم، لإِمكان وجود الجزء المشترك في الفرع.

وتجوز القاصرة (5)؛ لجواز استلزام محل الحكم لحكمة داعية إِليه، زاد الآمدي (6): كاستلزام (7) التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع.

وقال بعض الحنفية (8) في القاصرة: نحن منعناه مطلقًا.

وأطلق بعضهم: لا يُعلل بالمحلّ؛ لأن القابل لا يفعل.

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 201.

(2) نهاية 178 ب من (ب).

(3) يعني: لو تحقق المحل.

(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 124.

(5) يعني: يجوز أن تكون محل الحكم.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 201.

(7) كذا في النسخ. وفي الإِحكام للآمدي 3/ 201: كاستلزام الأوصاف العامة لمحل لأصل والفرع، وأما الجزء فلا يمتنع التعليل به لاحتمال عمومه للأصل والفرع.

(8) يأتي الخلاف في التعليل بالعلة القاصرة في الصفحة التالية.

(3/1217)

رد: بالمنع، ثم: العلة المعرف (1).

..................

يصح التعليل بعلة قاصرة مستنبطة عند صاحب التمهيد (2) والروضة (3) والمحرر (4) -وقال: ثبت مذهباً لأحمد؛ حيث علل الربا في النقد بن بالثمنية- وقاله الشافعي (5) وأكثر أصحابه والمالكية (6) وعبد الجبار (7) وأبو الحسين (8) والآمدي (9)، وذكره عن أكثر الفقهاء والمتكلمين.

ومنعه أكثر أصحابنا وأبو حنيفة (10) وأكثر أصحابه.

__________

(1) يعني: لا الفاعل.

(2) انظر: التمهيد/ 165 ب.

(3) انظر: روضة الناظر/ 319 - 323.

(4) انظر: المسودة/ 411.

(5) انظر: اللمع/ 63، والتبصرة/ 452، والمستصفى 2/ 345، والمنخول/ 419، والمحصول 2/ 2/ 423، والإِحكام للآمدي 3/ 216.

(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 126، وشرح تنقيح الفصول/ 409، ومفتاح الوصول/ 102.

(7) انظر: المعتمد / 801.

(8) انظر: المرجع السابق/ 801 - 805.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 216.

(10) انظر: أصول السرخسي 2/ 158، وكشف الأسرار 3/ 315، وتيسير التحرير 4/ 5، وفواتح الرحموت 2/ 276.

(3/1218)

وجه الأول: حصول الظن بأن الحكم لأجلها، ولا معنى للصحة سوى هذا.

وكالثابتة (1) بنص أو إِجماع اتفاقاً.

ورده الآمدي (2): بتحققها إِذًا، وبأنه قياس في الأسباب.

وجوابه: الظن كاف (3)، وهو إِلحاق بعدم الفارق.

ولأن دوران الحكم مع الوصف القاصر علة كالمتعدي. ويأتي (4) الدوران.

واستدل: لو وقفت صحتها على تعديتها لم تنعكس (5)؛ للدور، وتنعكس اتفاقا.

رد: إِنما يلزم لو كان التوقف مشروطاً بتقدم كل منهما على (6) الآخر، لا في توقف المعية كالمتضايفين.

قالوا: لو صحت لأفادت، والحكم (7) في الأصل بنص أو إِجماع، ولا فرع؛ لقصورها.

__________

(1) في (ظ): أو كالثابتة.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 217.

(3) نهاية 360 من (ح).

(4) في ص 1297.

(5) يعني: لم تكن تعديتها موقوفة على صحتها.

(6) نهاية 179أمن (ب).

(7) (ظ): الحكم.

(3/1219)

رد: يلزم في القاصرة بنص.

وبأن فائدته معرفة الباعث ليكون أسرع قبولاً.

وبأنه يمتنع لأجلها تعدية الحكم إِلى الفرع.

وبأنه إِذا قُدِّر في محلها وصف آخر متعد اعتبر دليلٌ لاستقلاله (1).

وفي التمهيد (2): وربما حدث جنس يجعل ثمناً، فتكون تلك علته (3).

وقيل: ثبت حكم الأصل بها، والنص أو الإِجماع دليل الدليل.

ورد: ثبت بالنص، ثم: هي به، فلو ثبت بها دار.

...................

النقض: وجود العلة بلا حكم.

واختلف قول أحمد وأصحابه في جواز تخصيص (4) العلة المستنبطة ونقضها به.

والمنع: اختاره أبو الحسن الخوزي (5) وابن حامد (6)، وقاله أكثر

__________

(1) يعني: اشترط دليل يدل على استقلاله.

(2) انظر: التمهيد/ 166 أ.

(3) في (ظ): علة.

(4) نهاية 124 ب من (ظ).

(5) انظر: العدة/ 214أ، والمسودة/ 412.

(6) انظر: المسودة/ 415.

(3/1220)

الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3)، وذكره ابن برهان (4) عن الشافعي.

والجواز: اختاره أبو الخطاب (5) وبعض الحنفية والمالكية والشافعية، وذكره الآمدي (6) عن أكثر أصحابنا.

واختلف اختيار القاضي (7).

فعلى الأول: في المنصوصة قولان لنا ولغيرنا.

وعلى الثاني: إِن لم يكن في محل التخصيص مانع ولا عدم شرط: اختلف كلام أبي الخطاب (8) وغيره، والمنع قاله الأكثر.

وعليه -أيضًا-: يجوز تخصيص المنصوصة، ذكره الآمدي (9) (10) اتفاقًا، وخالف بعضهم.

__________

(1) انظر: أصول السرخسي 2/ 208، وكشف الأسرار 4/ 32، وتيسير التحرير 4/ 9، وفواتح الرحموت 2/ 277.

(2) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 126، وشرح تنقيح الفصول/ 399، ومفتاح الوصول/ 101.

(3) انظر: التبصرة/ 466، والمستصفى 2/ 336، والإِحكام للآمدي 3/ 218.

(4) انظر: المسودة/ 413، والوصول لابن برهان / 85 أ.

(5) انظر: التمهيد / 166أ.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 218.

(7) انظر: العدة/ 214أ، والمسودة/ 412، 414 - 415.

(8) انظر: المسودة/ 412، 413.

(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 419.

(10) نهاية 361 من (ح).

(3/1221)

اختار في الروضة (1) وغيرها: تخصيص المنصوصة، ومنع المستنبطة إِلا لمانع أو (2) فوات شرط، واختاره (3) الآمدي (4) وغيره.

واختار أبو محمَّد البغدادي (5) من أصحابنا: المنع إِلا في المنصوصة، أو فيما استثني عن القواعد كالمصراة والعاقلة.

وجه ما في الروضة: أن المنصوصة كظاهر عام، ولا يبطل بالتخصيص.

ولأنه جمع بين دليلين.

وكما لا تبطل العلة القاطعة كعلل القصاص (6).

والمستنبطة لا يثبت كونها علة عند تخلف الحكم إِلا بمانع -لبقاء (7) الظن معه (8) - أو عدم شرط، وإلا فَلِعَدمِ المقتضي، ويمتنع تخلف المعلول عن العلة عند الشرط وعدم المانع.

القائل بالمنع: النقض يلزم فيه مانع أو عدم شرط، وإلا فلا علة، ونقيض أحدهما جزء من العلة، لتوقف الحكم عليه، والكل -وهو العلة- ينتفي

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 324.

(2) نهاية 179 ب من (ب).

(3) في (ح): اختاره.

(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 219.

(5) انظر: المسودة/ 414.

(6) للتخلف في الوالد.

(7) في (ب) و (ظ): كبقاء.

(8) يعني: لبقاء ظن العلية مع المانع.

(3/1222)

بعدم جزئه.

رد: إِن أريد بالعلة "الباعث" فليس جزء أحدهما (1) منها، ولا يقدح، وإن أريد ما يثبت الحكم فمنها، ويقدح، فالنزاع لفظي.

قالوا: لو جاز لزم الحكم في صورة النقض؛ لاستلزام العلة معلولها.

رد: بالمنع (2)؛ لأنها باعثة (3). وإن قيل: "تامة (4) " فلفظي.

قالوا: سقط دليل اعتبارها وإبطالها بتعارضهما (5).

رد: انتفاء الحكم لمعارض (6) لا ينافي دليل اعتبارها.

قالوا: كالعقلية.

رد: باقتضائها معلولها بالذات، قال ابن عقيل (7): "فلا يجوز تخصيصها عند أحد، ولا تفتقر إِلى شرط، وتنعكس، كالحركة علة كون المحل القائمة (8) به متحركاً، فما لم تقم (9) به ليس متحركاً، وهي مقارنة

__________

(1) كذا في النسخ. ولعل الصواب: فليس أحدهما جزءاً منها، أو: فليس نقيض أحدهما منها.

(2) يعني: منع كونه من لوازم العلية.

(3) يعني: لأن مرادنا بها كونها باعثة، لا لزوم الحكم لها مطلقًا.

(4) يعني: مشروطة بعدم المانع ووجود الشرط.

(5) في (ب) و (ح) بتعارضها.

(6) في (ب): لعارض.

(7) انظر: الواضح 1/ 84 ب- 85أ- ب.

(8) في النسخ: المحل القائم متحركاً. والمثبت من نسخة في هامش (ب).

(9) في (ب): لم يقم.

(3/1223)

لحكمها موجبة له بنفسها، فلا (1) توجب حكمين، والشرعية بوضع الشارع" (2).

وجوز الآمدي (3) تخلف حكم العقلية عنها عند عدم القابل له.

وكذا منعها (4) في التمهيد (5) لأن علة هبوط الحجر ثِقَله، ثم قد لا يهبط في موضع لمانع.

وفي الواضح (6): لا يجوز تخصيصها عند أحد.

القائل "يجوز في المنصوصة": صحة المستنبطة تتوقف على المانع -وإلا (7) لم يتخلف الحكم -وهو علتها (8)؛ لأن المانع إِنما يكون مانعاً مع المقتضي، فدار.

رد: توقف معية.

__________

(1) نهاية 180 أمن (ب).

(2) يعني: باختياره لحكمين مختلفين معلقين عليها مع اتحادها.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 228.

(4) نهاية 125 أمن (ظ).

(5) انظر: التمهيد/ 167 ب.

(6) انظر: الواضح 1/ 84 ب.

(7) نهاية 362 من (ح).

(8) كذا في النسخ. ولعل الصواب: عليها. وقد كانت في (ح): "عليها"، ثم غيرت إلى: علتها.

(3/1224)

وبأن صحتها لا تتوقف على المانع، بل دوام ظنها عند تخلف الحكم وتحقق المانع يتوقف على ظهور صحتها، فلا دور، كإِعطاء فقير يظن أنه لفقره، فإِن لم يُعط آخر وقف الظن، فإِن بأن مانع عاد، وإلا فلا.

القائل "يجوز في المستنبطة (1) ": دليل المنصوصة عام (2).

رد: إِن دل على العلة قطعاً لم يقبل النقض، وإلا قبل.

القائل "يجوز في المستنبطة (3) ": لأنها علة بدليل ظاهر هو المناسبة، وتخلف الحكم يحتمل لعدم العلة ولمعارض (4)، فلا يعارض الظاهر.

رد: بتساوي الاحتمال (5)؛ لأن الشك في أحد المتقابلين، شك في الآخر.

قالوا: لا يتوقف كونها أمارة على ثبوت الحكم في محل النقض؛ لأنه إِن انعكس (6) فدور، وإلا تحكم.

رد: دور معية.

وبأن دوام الظن بكونه أمارة يتوقف على المانع في محل النقض، وثبوت

__________

(1) يعني: دون المنصوصة. انظر: شرح العضد 2/ 220.

(2) يعني: فلا يقبل التخصيص.

(3) يعني: وإن لم يكن لمانع ولا لعدم شرط. انظر: شرح العضد 2/ 218، 220.

(4) يعني: أنه مشكك.

(5) يعني: تخلف الحكم ظاهر في أنها ليست بعلة، والمناسبة والاستنباط مشكك.

(6) يعني: فتوقف في محل النقض على ثبوته في غيره.

(3/1225)

الحكم فيه على ظهور كونه أمارة، فلا دور.

وفي التمهيد (1): أمارة، فلا يجب اطرادها، كغيم (2) [رطب] (3) شتاء أمارة على المطر، ومركوب قاض على باب أمير أمارةٌ على كونه عنده، قال: وهذا عمدة المسألة، ومن هنا قال: يجوز زوال الحكم وبقاء العلة كالعكس. والله أعلم.

ثم: العلة عند من لا يخصصها: إِن كانت لجنس الحكم اعتبر طردها وعكسها كالحد.

وإن كانت لعين الحكم: فإِن كانت لإِلحاقه انتقضت بأعيان المسائل.

وإن كانت لإِثبات حكم مجمل لم تنتقض إِلا بنفي مجمل، ولإِثبات مفصل تنتقض بنفي مجمل، ولنفي مجمل تنتقض بإِثبات مجمل أو مفصل، ولنفي مفصل (4) تنتقض بإِثبات مجمل. وأمثلتها في التمهيد (5) وغيره.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 166 ب-167 أ.

(2) نهاية 180 ب من (ب).

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(4) في (ح): ولنفي مفصل لم تنتقض. وقد كانت كذلك في (ب) و (ظ)، ثم مسحت (لم) منهما. وانظر: التمهيد/ 174 ب.

(5) انظر: التمهيد/ 174 ب.

(3/1226)

والتعليل (1) لجواز الحكم لا ينتقض بأعيان المسائل، مثل: "الصبي حر مسلم، فجاز أن تجب زكاة ماله كبالغ"، فلا ينتقض بغير الزكوي.

والتعليل (2) لنوع (3) الحكم لا ينتقض بعين مسألة (4)، كقولنا في نقض الطهارة بلحم الإِبل: "نوع عبادة تفسد بالحدث، فتفسد بالأكل كالصلاة"، فلا ينتقض بالطواف (5)؛ لأنه بعض النوع.

* * *

الكسر: وجود الحكمة بلا حكم.

لا يبطل العلة عند أصحابنا، وذكره الآمدي (6) عن الأكثر.

كقول الحنفي -في العاصي بسفره-: "مسافر (7)، فيترخص كغير العاصي"، ثم يبين مناسبة السفر بالمشقة، فيعترض: بمن صَنْعته شاقة حضراً لا يترخص إِجماعًا.

__________

(1) انظر: المسودة/ 416.

(2) المرجع نفسه:/ 416.

(3) غيرت في (ظ) إلى: بنوع.

(4) في (ظ): المسألة.

(5) فإِنه يفسد بالحدث، ولا يفسد بالأكل.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 230.

(7) نهاية 363 من (ح).

(3/1227)

لنا: سبق (1) عدم التعليل بالحكمة، فالعلة (2) السفر، ولا نقض عليه (3).

قالوا: الحكمة هي المقصودة (4) من شرع الحكم.

رد: مساواة قدر حكمة النقض حكمة الأصل مظنون.

ثم: لعل انتفاء حكمه لمعارض، والعلة في الأصل موجودة قطعاً، ولا (5) تعارض بين قطع وظن.

فإِن قيل: لو وجد قدرها قطعاً.

قيل: إِن وقع فذكر الآمدي (6) عن بعض أصحابهم: لا أثر له؛ لندرته وعسره، ثم اختارو هو من تبعه؛ [أنه] (7) يبطل لتعارضهما (8) حينئذ؛ لأن محذور (9) نفي الحكم مع وجود حكمته قطعا -والعكس (10) - فوق المحذور

__________

(1) في ص 729.

(2) نهاية 125 ب من (ظ).

(3) يعني: ولم يرد النقض عليه.

(4) في (ح): المقصود.

(5) نهاية 181 أمن (ب).

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 231 - 232.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(8) في (ح): لتعارضها.

(9) في (ح): محذوره.

(10) وهو إِثبات الحكم مع نفي حكمته.

(3/1228)

اللازم للمجتهد من البحث عن الحكمة في آحاد الصور، إِلا أن يثبت حكم آخر في محل النقض أليق بالحكمة، فلا يبطل (1)، كما لو علل قطع اليد قصاصاً بحكمة الزجر، فيعترض: "بأنها في القتل العمد العدوان أعظم"، فيقول المستدل: "ثبت معها حكم أليق بها، وهو القتل". والله أعلم.

وذكر القاضي (2) -ضمن جواب التسوية- أن سؤال الكسر صحيح، وأن جوابه بالتسوية يصح وفاقاً.

قال أبو الخطاب (3) وغيره: فإِن التزم المعلِّل الكسر لزمه أن يجيب عنه بفرق تضمنته علته نطقًا أو معنًى، كجواب (4) النقض.

وعند بعضهم: يكفيه ولو لم تضمنه؛ واختاره بعض أصحابنا (5). (6)

* * *

النقض المكسور: نقض بعض الأوصاف.

لا يبطل عندنا، وذكره الآمدي (7) عن الأكثر.

__________

(1) في (ح): فلا تبطل.

(2) انظر: العدة / 266 ب، والمسودة/ 421.

(3) انظر: التمهيد/ 179 ب، والمسودة/ 429.

(4) في (ظ): لجواب.

(5) انظر: المسودة/ 429.

(6) نهاية 364 من (ح).

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 233.

(3/1229)

كقولنا -في بيع الغائب-: "مبيع مجهول الصفة عند العاقد، فلا يصح، كقوله: بعتك عبدًا"، فيعترض: بما لو تزوج امرأة لم يَرَها.

لنا: العلة مجموع الأوصاف، ولم ينقضها، فإِن بَيَّن المعترض: لا لكونه بيعاً، فإِن أصر المستدل على التعليل بالوصفين بطل ما (1) علل به؛ لعدم تأثيره لا بالنقض، وإن اقتصر على الوصف المنقوض بطل بالنقض؛ لأن ورد على كل العلة، وإن أتى بوصف لا أثر له في الأصل -ليحترز به من النقض- لم يجز.

وفي مقدمة المجرد (2): يحتمل أن لا يجوز، ويحتمل أن يجوز؛ لأن الأوصاف يحتاج إِليها للتأثير والاحتراز، والحكم يعلق بالمؤثر، فكذا المحترز به.

رد: بمنع ما لا تأثير له.

وأجازه من صحح العلة بالطرد، وبعصهم مطلقًا، ذكره أبو المعالي (3)، ثم اختار (4) تفصيلاً.

* * *

العكس: عدم الحكم لعدم العلة.

اشتراطه مبني على منع تعليل الحكم بعلتين:

__________

(1) نهاية 181 ب من (ب).

(2) انظر: المسودة/ 428.

(3) انظر: البرهان/ 797 - 798.

(4) في (ب): اختاره.

(3/1230)

فمن منعه اشترطه؛ لعدم الحكم لعدم دليله، والمراد بعدم الحكم: عدم العلم (1) أو الظن به؛ لتوقفه على النظر الصحيح في الدليل، ولا دليل، وإِلا فالصنعة دليل وجود الصانع، ولا يلزم من عدمها عدمه.

ومن جوزه لم يشترطه؛ لجواز دليل آخر.

هذا إن كان التعليل لنوع الحكم، نحو: الردة علة لإِباحة الدم.

فأما لجنسه فالعكس شرط، نحو: "الردة علة لجنس إِباحة الدم"، فلا يصح؛ لفوت العكس.

وظاهر ما سبق: أن الخلاف في تعليل الحكم الواحد بعلتين (2) معاً وعلى البدل.

وكذا لم يقيد جماعة المسألة (3) بالمعية.

وقيدها الآمدي (4)، وقال في العكس: "أثبته قوم، ونفاه أصحابنا والمعتزلة"، ثم اختار: أنه إِنما يكون معللاً بعلة على البدل، فلا يلزم من نفيها (5)؛ لجواز بدلها.

* * *

__________

(1) يعني: لا انتفاء نفس الحكم.

(2) نهاية 126أمن (ظ).

(3) نهاية 365 من (ح).

(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 234، 235، 236.

(5) يعني: فلا يلزم من نفيها نفي الحكم.

(3/1231)

يجوز تعليل الحكم (1) بعلل، كل صورة بعلة اتفاقاً.

ويجوز تعليل حكم واحد في صورة واحدة بعلتين أو علل معا عند أصحابنا، قال بعضهم (2): "ويقتضيه كلام أحمد في خنزير ميت وغيره"، وذكره (3) ابن عقيل عن جمهور الفقهاء والأصوليين.

ومنعه متقدمو المالكية وابن برهان (4)، واختاره الآمدي (5)، وحكاه -هو وغيره- عن ابن الباقلاني وأبي المعالي ومن تابعهما.

ومنعه في الروضة (6) في المستنبطة فقط، واختاره -أيضًا- بعض أصحابنا والغزالي (7) وصاحب المحصول (8)، وحكاه بعضهم (9) عن ابن الباقلاني.

ومنعه بعضهم (9) في المنصوصة.

__________

(1) نهاية 182أمن (ب).

(2) انظر: المسودة/ 417.

(3) في (ح): قال وذكره ... إِلخ.

(4) انظر: الوصول لابن برهان/ 83 ب.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 336.

(6) انظر: روضة الناظر/ 333 - 334.

(7) انظر: المستصفى 2/ 342 - 344.

(8) انظر: المحصول 2/ 7/ 362، 375.

(9) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 128.

(3/1232)

وحكى بعضهم (1) عن أبي المعالي: جائز عقلاً، ممتنع شرعًا.

القائل بالجواز: وقوعه دليل جوازه، وللحدث علل مستقلة كالبول والغائط والمذي، وكذا للقتل وغيره.

واعترض الآمدي (2): بأن الحكم -أيضًا- متعدد شخصًا متحد نوعًا، ولهذا ينتفي القتل بالردة -بأن (3) ارتد بعد القتل، تم أسلم- ويبقى القصاص، وينتفي القتل بالقصاص -بأن عفا الولي- ويبقى بالردة، وإلإِباحة بجهة القتل حق للآدمي (4)، وبالردة لله، ولا يتصور ذلك في شيء واحد، ويقدم الآدمي في الاستيفاء.

وقاله قبله أبو المعالي (5)، واختاره بعض أصحابنا (6)، قال: وعليه نص الأئمة، كقول أحمد في بعض ما ذكره: "هذا (7) مثل خنزير ميت، حرام من وجهين"، فأثبت تحريمين، وحل الدم متعدد، لكن ضاق المحل، ولهذا (8) يزول واحد ويبقى الآخر، ولو اتحد الحل بقي بعض حل، فلا يبيح، وقول

__________

(1) انظر: المرجع السابق، والبرهان/ 832.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 237.

(3) في (ب): وبأن.

(4) في (ح): لآدمي.

(5) انظر: البرهان/ 828 - 829.

(6) انظر: المسودة/ 417.

(7) نهاية 366 من (ح).

(8) نهاية 182 ب من (ب).

(3/1233)

الفقهاء: "وتتداخل هذه الأحكام" هو دليل تعددها، وإِلا شيء واحد لا يعقل (1) فيه تداخل.

قال (2): وقول أبي بكر من أصحابنا في مسألة الأحداث: "إِذا نوى أحدها ارتفع وحده" يقتضي ذلك، والأشهر لنا (3) وللشافعية (4): يرتفع الجميع، وقاله المالكية (5).

ورد ذلك: بأن الشيء لا يتعدد في نفسه بتعدد إِضافاته (6)، وإلا غاير حدث البول حدث الغائط، وتعدده باختلاف الأحكام المتعلقة فدعوى (7) خاصة لا تفيد (8).

وأجاب في الروضة (9): باستحالة اجتماع مثلين. كذا قال.

وأيضًا: العلة دليل، فجاز تعددها (10) كالأدلة.

__________

(1) في (ظ): ولا يعقل.

(2) انظر: المسودة/ 417، ومجموع الفتاوى 20/ 169 - 171.

(3) في (ب): ولنا.

(4) انظر: المهذب 1/ 15.

(5) انظر: الكافي لابن عبد البر/ 164.

(6) يعني: إِضافة الشيء إِلى أحد دليليه لا يوجب تعددًا.

(7) كذا في النسخ. ولعلها: دعوى.

(8) في (ح): لا تقبل. وفي نسخة في هامشها: لا تفيد.

(9) انظر: روضة الناظر/ 334.

(10) في (ب): فعددها.

(3/1234)

ويعرف جوابه مما سبق.

القائل بالمنع: لو جاز كانت كل منهما مستقلة غير مستقلة؛ لأن معنى استقلالها ثبوت الحكم، فتتناقض بتعددها.

رد: مستقلة حالة الانفراد فقط، فلا تناقض (1).

أجيب: الكلام في حالة الاجتماع. (2)

وأيضًا: لو جاز: فإِن كانتا معاً اجتمع مثلان؛ للزوم كل منهما ما لزم من الأخرى، وهو معلولها، فيلزم التناقض؛ لأن الحكم يكون مستغنياً غير (3) مستغن، لثبوته بكل منهما، وإن تَرَتَّبا ففيه تحصيل الحاصل.

رد: إِنما يلزم في العلل العقلية، ويجوز لمدلول واحد أدلة.

وأيضًا: لو جاز لم تقل الأئمة في علة الربا بالترجيح؛ لصحة استقلال كل منهما (*)، والترجيح (4) ينافيه (5)، وإلا كان الجميع علة.

رد: إِنما تعرضوا (6) للإِبطال (7).

__________

(1) يعني: فلا تناقض في التعدد.

(2) نهاية 126 ب من (ظ).

(3) في (ب): عن.

(*) كذا في النسخ. ولعلها: منها.

(4) نهاية 183 أمن (ب).

(5) يعني: ينافي التعدد.

(6) نهاية 367 من (ح).

(7) يعني: لا للترجيح.

(3/1235)

سلمنا، فلاتحاد علة الربا إِجماعاً، فتعرضوا للترجيح؛ لئلا يلزم جعلها أجزاء علة؛ لأن جعل أحدها (1) علة -بلا مرجِّح- محال.

قالوا: لا يجتمع مؤثِّران على أثر واحد، كمقدور بين قادرين.

أجاب ابن عقيل (2): تستقل منفردة، ومع الاجتماع العلة واحدة؛ لأنها بوضع الشارع، كشدة الخمر، والمقدور بينهما (3) ليس بالجعل والوضع فمن أحاله فلمعنى يعود إِلى نفسه.

وقال ابن عقيل -أيضًا- في مناظراته: التحقيق أن الحكم إِذا استقل بعلة تعطلت الأخرى، كمكان امتلأ بجسم، وفعل وقع بواحد، وكما لا يصح فعل بين فاعلين، هذا مع تساويهما، وإلا فالعلة الضعيفة لا تعمل مع القوية بلا خلاف.

القائل بالمنصوصة: لاستقلال كل منهما بنصه، فكل واحدة علامة، والمستنبطة: إِن عُيّن بنص استقلال كل وصف فمنصوصة، وإلا فإِسناد الحكم إِلى أحدهما تحكم، وإلى كل منهما تناقض؛ لأنه يكون مستغنيًا عن كل منهما غير مستغن، فتعين إِليهما معا، كل منهما جزء علة.

رد: يستنبط استقلالها بثبوت الحكم في محل كل منهما منفردًا.

وسبق جوابه (4).

__________

(1) في (ظ): أحدهما.

(2) انظر: المسودة/ 416 - 417.

(3) يعني: بين قادرين.

(4) وهو قوله -في الصفحة السابقة-: أجيب: الكلام في حالة الاجتماع.

(3/1236)

القائل بالمستنبطة: لاستقلالها؛ لما سبق فيما قبله، والمنصوصة قطعية، ففي استقلالها اجتماع المثلين أو تحصيل الحاصل.

رد: ليس قطعية.

ثم: يجوز اجتماع أدلة قطعية على مدلول واحد.

.....................

ثم: اختلف (1) من قال بوقوع تعليل الحكم الواحد بعلل إِذا اجتمعت: فذكر بعض أصحابنا وغيرهم: كل واحدة علة.

وقيل: جزء، واختاره ابن عقيل (2).

وقيل: واحدة لا بعينها.

وجه الأول: ثبت استقلال كل منهما منفردة.

رد: لم يثبت (3) مجتمعة.

وأيضًا: لامتنع (4) اجتماع الأدلة؛ لأنها (5) أدلة.

وجه الثاني: يلزم من الاستقلال اجتماع مثلين -وسبق (6) دليلاً للقائل

__________

(1) نهاية 183 ب من (ب).

(2) انظر: المسودة/ 416.

(3) نهاية 368 من (ح).

(4) يعني: لو امتنع كون كل واحدة علة لامتنع ... إلخ.

(5) يعني: العلل الشرعية.

(6) في ص 1235.

(3/1237)

بالمنع- أو التحكم إِن ثبت بواحدة، فتعين الجزء.

رد: ثبت بكل واحدة، كأدلة عقلية وسمعية، يثبت المدلول بكل منها.

وجه الثالث: ما يلزم من التحكم أو الجزئية.

وجوابه: ما سبق.

وقد ذكر في التمهيد (1) جواز تعليل الحكم بعلتين، فإِن دلت إِحداهما على حكم الأصل، والأخرى لم تدل -كقولنا في الطلاق قبل النكاح: "من لا ينفذ (2) طلاقه المباشر لا ينفذ المعلق كالصبي"، فيقول (3) الحنفي: "العلة في الصبي أنه غير مكلف"، فيقول الحنبلي: "أقول بالعلتين (4) "- فقال بعضهم: يجوز تعليله (5) بالعلة التي لا تدل (6) عليه (7)؛ لأنها (8) طريق فيه، كالنص على حكمه لا يمنع التعليل ببعض أوصافه المؤثرة، ومنعه بعضهم؛ لأنها لو وجدت وحدها في الأصل لم يثبت حكمه بها، قال: والأول أشبه بأصولنا.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 165 ب، والمسودة/ 417 - 418.

(2) في (ح): من لا ينعقد. وفي نسخة في هامشها: من لا ينفذ.

(3) نهاية 127 أمن (ظ).

(4) وهما:

1 - أنه غير مكلف.

2 - أنه لا ينفذ طلاقه المباشر.

(5) يعني: الأصل.

(6) وهي: امتناع وقوع طلاقه المباشر.

(7) يعني: حكم الأصل.

(8) انظر: التمهيد/ 175 ب.

(3/1238)

وبناه بعض أصحابنا (1) على القياس على فرع ثبت بالقياس بعلة غير علته، وسبق (2) لنا فيه قولان.

* * *

يجوز تعليل حكمين بعلة -بمعنى الأمارة- اتفاقًا، كغروب الشمس للفطر والصلاة (3).

واختلفوا فيه بمعنى الباعث.

وجوازه أظهر؛ لأنه لا مانع، كالإِسكار للتحريم والحد.

قالوا: أحد الحكمين حصل الحكمة، فإِن حصلها الثاني فتحصيل الحاصل، وإلا فليست علة (4) له.

رد: يتوقف المقصود عليهما، فلا يحصل جميعها إِلا بهما (5)، أو يحصّل الحكم الثاني حكمة أخرى، فتعدد الحكمة، والوصف ضابط لإِحداهما (6).

* * *

اختلفوا في جواز تأخير علة الأصل عن حكمه، كتعليل ولاية الأب

__________

(1) في المسودة / 418: قلت: على هذا ينبني القياس على فرع .. إلخ.

(2) في ص 1196.

(3) نهاية 184أمن (ب).

(4) نهاية 369 من (ح).

(5) في (ح): إِلا بها.

(6) في (ح): لإِحداها.

(3/1239)

على صغير عَرَضَ له جنون بالجنون (1).

واختار الآمدي (2) وغيره: المنع؛ لاستحالة ثبوت الحكم بلا باعث، وإن جاز التعليل بالأمارة (3) فتعريف المعرَّف؛ لتعريف الحكم بالنص.

وفيه نظر؛ لجواز [كون] (4) فائدتها تعريف حكم الفرع، فيتوجه قول ثالث.

* * *

ومن شروط علة الأصل: أن لا ترجع عليه بالإِبطال؛ لبطلانها به، كما سبق (5) في التأويل بقيمة شاة.

وإن عادت عليه بالتخصيص فالخلاف (6).

وقد قال بعض أصحابنا (7): "ما حكم به الشارع مطلقًا أو في عين أو

__________

(1) يعني: فالولاية ثابتة قبل الجنون.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 241.

(3) والأمارة هي المعرف.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) في ص 1048.

(6) ضرب على (فالخلاف) في (ح).

(7) انظر: المسودة/ 227 - 228، وص 1163 من هذا الكتاب.

(3/1240)

فَعَله أو أقرّه، هل يجوز تعليله (1) بعلة مختصة بذلك الوقت بحيث يزول الحكم مطلقًا؟ جوزه الحنفية والمالكية، ذكروه في مسألة التخليل، وذكره المالكية في حكمه بتضعيف الغرم على سارق الثمر المعلق والضالة المكتومة (2) ومانع الزكاة وتحريق متاع الغال، وهو شبهتهم أن حكم المؤلفة انقطع (3)، ومنعه أصحابنا والشافعية، ثم قال بعضهم: قد تزول العلة ويبقى الحكم كالرمل (4)، وقال بعضهم: النطق حكم مطلق وإن كان سببه خاصاً، فقد تثبت العلة مطلقًا. وهذان جوابان لا حاجة إِليهما، واحتج بأن هذا رأي مجرد، وبتمسك الصحابة بنهيه عن ادخار لحم الأضاحي في العام القابل -ومراده: أنه صح عن ابن عمر (5) وأبي سعيد (6) وقتادة (7) بن

__________

(1) من قوله: (وقد قال) إِلى قوله: (تعليله) درس محله في (ح).

(2) أخرج عبد الرزاق في مصنفه 10/ 129 عن معمرعن عمرو بن مسلم عن عكرمة -أحسبه عن أبي هريرة- أن النبي قال: (ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها). وأخرجه أبو داود في سننه 2/ 339 من طريق عبد الرزاق. قال المنذري في مختصره 2/ 273: لم يجزم عكرمة بسماعه من أبي هريرة، فهو مرسل. وأخرجه البيهقي في سننه 6/ 191 من طريق أبي داود.

(3) نهاية 184 ب من (ب).

(4) في (ب): وكالرمل.

(5) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 104، ومسلم في صحيحه/ 1561.

(6) أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 103، والنسائي في سننه 7/ 233، والبيهقي في سننه 9/ 292.

(7) أخرجه النسائي في سننه 7/ 234، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد=

(3/1241)

النعمان (1)، وقول جابر: كنا لا نأكل فأرخص لنا (2) - أما تعليله بعلة زالت -لكن إِذا عادت عاد- ففيه نظر، وعكسه: تعليل الناسخ بعلة مختصة بذلك الزمن بحيث إِذا زالت زال، ويقع الفقهاء فيه كثيراً" والله أعلم.

ويأتي (3) كلام أبي الخطاب في استصحاب حكم الإِجماع (4).

وفي واضح ابن عقيل: "ألحق الحنفية النسخ بزوال العلة، كالخمر: حرمت أولاً وألفوا شربها، فنهي عن تخليلها (5) تغليظًا، وزالت باعتياد (6) الترك، فزال الحكم"، ثم أبطله بأنه نسخ بالاحتمال، كمنعه في حدٍّ وفسق ونجاستها.

* * *

__________

=الظمآن/ 260). قال ابن حجر في فتح الباري 10/ 25: فيه قلب للمتن؛ جعل راوي الحديث أبا سعيد، والممتنع من الأكل قتادة، وما في الصحيحين -يعني: كون الممتنع أبا سعيد- أصح.

(1) هو: الصحابي أبو عمرو الأوسي.

(2) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 172، ومسلم في صحيحه/ 1562.

(3) في ص 1436 - 1437.

(4) نهاية 127 ب من (ظ).

(5) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1573، وأبو داود في سننه 4/ 82، والترمذي في سننه 2/ 380، والدارمي في سننه 2/ 43، وأحمد في مسنده 3/ 119 من حديث أنس مرفوعًا. وقال الترمذي: حسن صحيح.

(6) في (ب) و (ح): باعتبار.

(3/1242)

ومن شورط العلة: أن لا يكون للمستنبطة (1) معارض في الأصل؛ لجواز كونه العلة، أو هما.

وقيل: معارض راجح. وفيه نظر.

وقيل: ونفي المعارض في الفرع.

وقيد الآمدي (2) المعارض بكونه راجحاً عند من جوز تخصيص العلة، ليفيد القياس (3)، وقال: ويكفي الظن في نفي معارض في أصل وفرع (4).

................

وأن لا تخالف نصاً أو إِجماعًا.

وأن لا تتضمن زيادة على النص، أي: زاد الاستنباط قيدًا عليه.

وقال الآمدي (5): إِن نافت مقتضاه.

وأن يكون دليلها شرعيًا.

....................

وأن لا يعم دليلها حكم الفرع بعمومه أو بخصوصه -كقول شافعي: "الفواكه مطعومة فجرى الربا كالبر"، ثم أثبت الطعم علة بقوله (لا

__________

(1) في (ظ): المستنبطة.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 248.

(3) يعني: ليكون القياس مفيدًا.

(4) نهاية 185 أمن (ب).

(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 245.

(3/1243)

تبيعوا (1) الطعام بالطعام (2))، وكقول حنفي في نجاسة غير السبيل: "خارج نجس، فنقض كالسبيل"، ثم أثبت العلة بما يروى من قوله: (من قاء (3)) - لأنه تطويل بلا فائدة ورجوع عن القياس؛ لثبوت (4) الحكم بدليلها (5).

وقال الآمدي (6): هذه مناقشة جدلية، فلا (7) تمنع صحة القياس، وقد يكون العام مخصوصًا لا يراه المستدل حجة، فيتمسك به في إِثبات العلة.

* * *

__________

(1) نهاية 370 من (ح).

(2) لم أجده بهذا اللفظ، وإنما وجدت ما أخرجه مسلم في صحيحه/ 1214، وأحمد في مسنده 6/ 400، والدارقطني في سننه 3/ 24، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 3، والبيهقي في سننه 5/ 283 عن معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع رسول الله يقول: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل)، وكان طعامنا يومئذ الشعير.

(3) أخرج ابن ماجه في سننه/ 385 - 386 عن عائشة مرفوعًا: (من أصابه قيء ... فلينصرف فليتوضأ ...) وأخرجه الدارقطني في سننه 1/ 153 - 155 بلفظ: (إِذا قاء أحدكم في صلاته ... فلينصرف فليتوضأ). وأخرجه البيهقي في سننه 1/ 142 - 143 بلفظ: (إِذا قاء أحدكم). ثم أسند البيهقي إِلى أحمد أنه قال: حديث ابن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي قال: (من قاء أو رعف ...) الحديث، هكذا رواه ابن عياش، وإنما رواه ابن جريج عن أبيه ولم يسنده، وليس فيه ذكر عائشة. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ص 621.

(4) في (ب) و (ظ): كثبوت.

(5) يعني: دليل العلة.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 246.

(7) في (ح): ولا.

(3/1244)

ويجوز كون العلة حكمًا شرعيًا عند قوم، وقاله ابن عقيل (1)، وذكره (2) أبو الخطاب (3) عن أصحابنا، وعقله بأنها أمارة، والعلة التي يحتاج إِلى إِثباتها في الأصل المتعديةُ (4) إِلى الفرع، وأيضًا: قد يدور حكم مع حكم، والدوران علة كما يأتي (5)

ومنعه آخرون -قال بعض أصحابنا (6): أظنه اختيار ابن عقيل وابن المنّي- لأن الحكم المعلّل إِن تقدم أو تأخر فباطل؛ لِتَقَدّم المعلول أو تأخره، ومعه لا أولوية لتعليل (7) أحدهما بالآخر.

رد: يجوز تأخره (8)؛ لأنه معرّف، ولأن الشدة المطربة وإن (9) سبقت التحريم فإِنما هي علة بجعل الشارع، وقد يكون أحدهما أولى لمناسبته للآخر (10) بلا عكس.

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 134 ب.

(2) في (ب): ذكره.

(3) انظر: التمهيد/ 163 ب- 164أ، والمسودة/ 411.

(4) يعني: هي المتعدية إلى الفرع.

(5) في ص 1297.

(6) انظر: المسودة/ 411.

(7) في (ح): كتعليل.

(8) في (ح): تأخيره.

(9) في (ظ): ان.

(10) نهاية 185 ب من (ب).

(3/1245)

وأيضاً: يحتمل أن لا علة، أو أنها غير الحكم المعلل به، ووقوع احتمال من اثنين أغلب.

رد: يلزم في التعليل بالأوصاف.

واختار الآمدي (1): يجوز كونه علة له بمعنى الأمارة في غير أصل القياس، نحو: "مهما رأيتم أني حرمت كذا فقد حرمت كذا"، وفيه (2): لا يجوز كما سبق (3)، وإن كان باعثًا عليه فحكم الأصل: إِن كان تكليفيًا لم يجز؛ لأنه لا قدرة للمكلف عليه، وبهذا (4) يمتنع (5) تعليله بوصف لا قدرة له عليه، وإن كان بخطاب (6) الوضع لم يجز إِن بعث على حكم الأصل لدفع مفسدة تلزم (7) من شرع الحكم المعلل به؛ لأنها لو طلب الشرع نفيها بشرع (8) حكم الأصل لم يشرع الحكم المعلل به، وإن بعث عليه لمصلحة جاز؛ لأنه قد يستلزم ترتب أحد الحكمين على الآخر مصلحة لا يستقل بها

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 211.

(2) يعني: في أصل القياس.

(3) في ص 1208 من أنه لا يجوز أن تكون العلة فيه بمعنى الأمارة، بل بمعنى الباعث.

(4) في (ح): ولهذا.

(5) نهاية 371 من (ح).

(6) يعني: ثبت حكم الأصل بخطاب الوضع.

(7) في (ب): يلزم. ولم تنقط الكلمة في (ح) و (ظ). وانظر الإِحكام للآمدي 3/ 212.

(8) نهاية 128أمن (ظ).

(3/1246)

أحدهما، كجعل الحكم بالنجاسة علة في بطلان بيع الخمر؛ لتحصيل مصلحة التنزه عنه.

قال في التمهيد (1): يجوز جعل صفة الاتفاق والاختلاف علة عند أصحابنا والأكثر، كالإِجماع (2): "حادث، وهو دليل"، والاختلاف يتضمن خفة حكمه، وعكسه الاتفاق -واختاره ابن عقيل (3) - كقولنا في المتولد بين الظباء والغنم: "متولد من أصلين يزكي أحدهما إِجماعًا، فوجب فيه كمتولد بين سائمة ومعلوفة"، وكقول الحنفية في الكلب: مختلف في حل لحمه، فلم يجب في ولوغه عدد، كالسَّبُع.

ومنعه بعضهم؛ لحدوثهما (4) بعد الأحكام، وقاله القاضي (5) (6) في تعليقه ضمن مسألة النبيذ لنا.

* * *

__________

(1) انظر: التمهيد / 164أ- ب.

(2) هذا جواب سؤال مقدر: اِن الاتفاق والاختلاف حادثان بعد الرسول، والعلة أمارة شرعية تحتاج إِلى نصب الشرع. فأجاب: بأن هذا وإن كان حادثًا فيجوز أن يكون أمارة دالة، كما أن الإِجماع حادث، وكان دليلاً معلومًا.

(3) انظر: الواضح 1/ 141 ب- 142 أ.

(4) يعني: الاتفاق والاختلاف.

(5) انظر: المسودة/ 410.

(6) نهاية 186 أمن (ب).

(3/1247)

ويجوز تعدد الوصف ووقوعه عندنا وعند الأكثر، كتعليل القصاص بالقتل العمد العدوان؛ لأن طريق إِثبات الواحد يثبت به غيره (1).

قالوا: لو جاز كانت العلية صفة زائدة؛ لأنا نعقل مجموع الأوصاف، ونجهل كونها علة، والمعلوم غير المجهول، ولأنا نصفها بأنها علة، والصفة غير الموصوف، وليست (2) صفة زائدة؛ لأنها إِن قامت بوصف فهو العلة، وإن قامت بكل وصف فكل وصف علة، وإن قام كل بعض منها بوصف لزم تعدد المتحد لقيامه بالتعدد (3) أو اتحاد المتعدد.

رد: يجرى الدليل في امتناع وصف الكلام بكونه خبرًا أو استخبارًا (4).

وبأن (5) العلية قائمة بالمجموع من حيث هو، فلا يلزم شيء.

وبأن معنى العلة قضاء الشرع بالحكم عند الوصف للحكمة، فليست العلية صفة زائدة، ثم (6): ليست وجودية؛ لئلا يقوم العَرَض بالعَرَض؛ لأنها عرض، والأوصاف عرض.

__________

(1) وهو المتعدد.

(2) في (ظ): فليست.

(3) كذا في النسخ. ولعل صوابه: بالمتعدد.

(4) وهو موصوف بذلك مع تعدد ألفاظه وحروفه.

(5) في (ح): أو بأن.

(6) يعني: لو سلم أنها زائدة.

(3/1248)

قالوا: لو جاز (1) لزم أن عدمَ كلِ جزءٍ علةٌ لعدم صفة العلية؛ لانتفائها بعدمه، والتالي باطل؛ لأنه يلزم نقض علية عدم جزء لعدم صفة العلية؛ لأنه لو عدم وصف آخر لم تعدم العلية؛ لعدمها (2) بالأول (3).

رد: كل جزء شرط للعلة، فعدمت لعدمه، وليس عدمه علة لعدم المشروط.

ولو سلم أن عدم كل جزءٍ علةٌ فهو كبول بعد مس وعكسه (4)، كل منهما (5) علة للوضوء؛ لأنها علامات، فتقع معًا ومرتبة، فلا يلزم النقض.

قال الآمدي (6): وسبق (7) أن العدم ليس علة.

* * *

لا يشترط في علة (8) الأصل القطع بحكمه (9)، ولا القطع بها في الفرع، ولا انتفاء مخالفة مذهب صحابي -إِن لم يكن حجة- خلافاً

__________

(1) نهاية 372 من (ح).

(2) في (ح): في الأول.

(3) يعني: بعدم الجزء الأول.

(4) نهاية 186 ب من (ب).

(5) في (ب) و (ح): منها.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 215.

(7) انظر: ص 1212.

(8) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): محل.

(9) في (ح): بحكمة.

(3/1249)

لبعضهم في الثلاثة.

ولا النص (1) عليها، أو الإجماع على تعليله، خلافاً للمريسي (2).

* * *

وإذا كانت العلة لنفي الحكم وجود مانع -كعدم القصاص على الأب لمانع- أو عدم شرط، كعدم الرجم (3) لعدم الإِحصان: اختلفوا في اشتراط وجود المقتضي، فيبين بدليل، ونَفْي الشارع للحكم دليل وجوده حملاً له على التأسيس.

واختار الآمدي (4): يشترط؛ لأن الحكم شرع لمصلحة الخلق؛ فما لا فائدة فيه لم يشرع، فانتفى لنفي فائدته.

قالوا: أدلة (5) متعددة، وإذا استقل المانع وعدمُ الشرط مع وجود معارضة المقتضي فمع عدمه أولى.

رد: لا يلزم؛ لما سبق (6).

__________

(1) في (ب): التضمن.

(2) انظر: المعتمد/ 761.

(3) نهاية 128 ب من (ظ).

(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 242.

(5) يعني: عدم المقتضي ووجود المانع.

(6) في اختيار الآمدي. وانظر: الإِحكام للآمدي 3/ 242.

(3/1250)

قالوا: يلزم التعارض بينهما، وهو خلاف (1) الأصل.

رد: هو أهون (2)، ولهذا اتفق من خصص العلة على نفي الحكم بالمانع وعدم الشرط مع وجود المقتضي (3)، واختلفوا فيه مع عدمه.

قالوا: لو أحيل نفي الحكم عند انتفاء المقتضي على نفيه (4) -مع مناسبة نفيه من المانع وعدم الشرط- لزم إِهمالهما، وهو خلاف الأصل.

رد: هو (5) أولى، ولهذا يستقل بنفيه عند عدم المعارض اتفاقاً، وفي استقلال (6) المانع وعدم (7) الشرط بنفيه (8) الخلاف في تخصيص العلة.

وإِن قيل: يحال نفيه عليهما (9) معاً.

رد: إِن استقل كل منهما بنفيه ففيه تعليل حكم واحد في صورة بعلتين، وإلا امتنع؛ لخروج المستقل بالنفي -وهو نفي المقتضي عند نفي معارضه- عن الاستقلال.

* * *

__________

(1) نهاية 373 من (ح).

(2) من نفيه لوجود مانع مع ذوات المقتضي.

(3) في (ح): الشرط.

(4) يعني: نفي المقتضي.

(5) يعني: انتفاؤه لنفي المقتضي أولى من انتفائه للمانع.

(6) نهاية 187أمن (ب).

(7) ضرب في (ب) و (ظ) على: عدم الشرط.

(8) في (ب) و (ظ): نفيه.

(9) يعني: على المانع ونفي المقتضي.

(3/1251)

قال ابن عقيل (1): هل يصح كون العلة صورة المسألة نحو: "يصح رهن مشاع كرهنه من شريكه" منعه بعضهم؛ لإِفضائه (2) إِلى تعليلِ المسألة وعدمِه، وصححه بعضهم، قال: وهو أصح.

قال بعضهم: يستدل بوجود العلة على الحكم لا بعليتها، لتوقفها (3) عليه؛ لأنها (4) نسبة.

* * *

حكم الأصل ثابت بالنص عندنا وعند الحنفية (5)؛ لأنه قد يثبت تعبدًا، فلو ثبت بالعلة لم يثبت مع عدمها، ولأنها مظنونة وفرع عليه.

ومرادهم: أنه معرِّف له.

وعند الشافعية (6): بالعلة.

ومرادهم: الباعثة عليه. فالخلاف لفظي.

* * *

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 141أ.

(2) يعني: يفضي إِلى أن تكون العلة هي المعلَّل له، فيفضي إِلى التنافي؛ لأنه يؤدي إِلى كون المسألة معللة لا معللة؛ لأنك إِذا قلت: "حرمت الخمر لأنها خمر" فقد بينت أنها معللة، إلا أن قولك: "لأنها خمر" معناه: أنها غير معللة.

(3) يعني: العلية.

(4) في (ب): لأنه.

(5) انظر: تيسير التحرير 3/ 294 - 295، وفواتح الرحموت 2/ 293.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 247. وكذا عند الحنفية السمرقنديين، فانظر: تيسير التحرير 3/ 295.

(3/1252)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

شروط الفرع

منها: مساواة علته علة الأصل فيما يقصد من عين العلة أو جنسها، كالشدة المطربة في النبيذ، وكالجناية في قياس قصاص طرف على نفس.

وعن بعض الحنفية (1): يكفي مجرد الشبه.

لنا: اعتبار الصحابة المعنى المؤثر في الحكم.

ولاشتراك العامي والعالم فيه (2).

ولأنه ليس هذا الشبه بأولى من عكسه (3).

وكالقياس العقلي (4).

قالوا: لم تعتبر الصحابة سوى مجرد الشبه.

رد: بالمنع.

* * *

__________

(1) انظر: اللمع/ 62، والتبصرة/ 458.

(2) يعني: إِذا جاز رد الفرع إِلى الأصل من غير علة مخصوصة لم يحتج إِلى النظر والفكر.

(3) قال في التبصرة/ 458: ولأنه لو جاز رد الفرع إِلى الأصل بمجرد الشبه لم يكن حمل الفرع على بعض الأصول بأولى من حمله على البعض؛ لأنه ما من فرع تردد بين أصلين إلا وفيه شبه من كل واحد من الأصلين.

(4) يعني: يعتبر فيه معنى مخصوص.

(3/1253)

ويشترط تأثيرها في أصلها المقيس عليه عند أصحابنا والحنفية (1) (2) والشافعية (3).

واكتفى الحلواني (4) من أصحابنا وأبو الطيب (5) الطبري الشافعي بتأثيرها في أصل ما.

واشترط بعضهم: في أصلها وفي بقية المواضع.

كقول المالكية (6) في الكلب: "حيوان، فكان طاهرًا كالشاة"، تأثيره في الحيوان إِذا مات، ولا تأثير له في (7) الجماد، فالحياة تؤثر في محل دون محل.

* * *

ومنها: مساواة حكمه حكم الأصل فيما يقصد كونه وسيلة للحكمة (8) من عين الحكم أو جنسه، كالقصاص في النفس بالمثقل على

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 134، 151.

(2) نهاية 187 ب من (ب).

(3) انظر: اللمع 671، والتبصرة/ 464.

(4) هو: عبد الرحمن الحلواني. انظر: المسودة/ 438 - 439.

(5) انظر: اللمع/ 67، والمسودة/ 438.

(6) انظر: مفتاح الوصول/ 107، والمسودة/ 422.

(7) نهاية 129أمن (ظ).

(8) نهاية 374 من (ح).

(3/1254)

المحدد، وكالولاية في نكاح الصغيرة على الولاية في مالها. ويأتي (1) في الأسئلة.

..................

ومنها: أن لا يكون منصوصًا على حكمه.

قالت الحنفية (2) وغيرهم -وجزم به الآمدي (3)، وتبعه بعض أصحابنا -: ولا متقدمًا على حكم الأصل، كقياس أصحابنا والشافعية (4) الوضوء على التيمم في اشتراط النية؛ لثبوت حكم الفرع قبل ثبوت العلة؛ لتأخر الأصل.

قال الآمدي (4): إِلا أن يذكره إِلزامًا للخصم.

وفي الروضة (5): الصحيح: يشترط لقياس العلة لا الدلالة، فيقاس الوضوء على التيمم؛ لجواز تأخر (6) الدليل عن المدلول، كحدوث العالم دليل على القديم، والأثر على المؤثر.

وذكر أبو الخطاب (7) وابن عقيل (8) -من الأسئلة الفاسدة-: تأخر

__________

(1) في ص 1393 وما بعدها.

(2) انظر: تيسير التحرير 3/ 299، وفواتح الرحموت 2/ 259.

(3) و (4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 251.

(5) انظر: روضة الناظر/ 319.

(6) في (ح): تأخير.

(7) انظر: التمهيد/ 181 ب-182أ.

(8) انظر: الواضح 1/ 167 ب، 203أ.

(3/1255)

حكم الأصل عن حكم الفرع؛ لأن الأمارة والدليل يتأخر ويتقدم، كالمعجزة مع النبوة، والعالَم على الصانع، ويمتنع في العلة العقلية، كتحرك الجسم أو سواده لحركة (1) أو سواد يتأخر.

......................

وشرط قوم -وحكوه عن أبي هاشم (2) - ثبوت حكم (3) الفرع بنص جملة لا تفصيلاً، كميراث الأخ مع الجد.

وهو باطل بما يأتي (4) من (5) أدلة القياس، ولا دليل عليه.

واحتج الآمدي (6) وغيره (7): بأن الصحابة قاسوا (8) "أنت حرام" على الطلاق واليمين والظهار.

وجوابه: منع صحته، بل لا يصح.

* * *

__________

(1) في (ح) و (ظ): بحركة.

(2) انظر: المعتمد/ 809 - 810.

(3) نهاية 188 أمن (ب).

(4) في ص 1311 وما بعدها.

(5) في (ب) و (ظ): عن.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 251.

(7) يعني: لإِبطال هذا القول.

(8) سيأتي في ص 1320 الإِشارة إِلى الآثار عن الصحابة في مسألة الحرام.

(3/1256)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

مسالك إِثبات العلة

الأول: الإِجماع.

......................

الثاني: النص:

فمنه: صريح، نحو: "لعلة كذا أو لسبب"، قال بعض أصحابنا وغيرهم: وكذا: "لأجْل أو من أجْل أو كي أو إِذًا" لا يحتمل غير التعليل -وكذا اختار أبو محمَّد البغدادي (1): أن "كيلا ولأجل ونحوهما" صريح، وعندنا وذكره الآمدي (2): (3) إِن قام دليل لم يقصد التعليل فمجاز نحو: لم فعلت؟ فيقول: لأني أردت- كقوله: لكذا أو (4) إِن كان كذا أو لكذا (5) أو بكذا نحو: (فبما رحمة) (6).

وكذا "إِنّ"، ذكره القاضي (7) وغيره والآمدي (8)، وذكره في

__________

(1) في (ح): في أن.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 253.

(3) نهاية 375 من (ح).

(4) في (ب) و (ظ): وإن كان.

(5) قوله: (أو لكذا) كذا في (ب) و (ظ). وفي (ح): أو إِن كان كذا لكذا. وعلى أي حال فهذه الزيادة (أو لكذا) مكررة مع قوله: (كقوله: لكذا).

(6) سورة آل عمران: آية 159.

(7) انظر: العدة/ 221 ب.

(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 252.

(3/1257)

الروضة (1) عن أبي الخطاب.

وقيل: تنبيه.

وقيل لأبي الفتح بن المنّي من أصحابنا -في زوال البكارة بالزنا-: إِن "إِنّ" موضوعة للتعليل، كقوله: (إِنها من الطوافين).

فقال: لا نسلم، وإنما هي موضوعة للتأكيد، وإنما كان الطواف علة، لعسر الاحتراز عنه؛ لا لفظة (2) "إِنَّ".

وكذا قال أبو محمَّد البغدادي: أجمع علماء العربية أنها لم تأتِ للتعليل، بل للتأكيد أو بمعنى "نعم"، وإنما، جعلنا الطواف علة لأنه قرنه بحكم الطهارة، وهو مناسب.

.....................

ومن التنبيه والإيمان (3) ترتب الحكم عقب وصف بالفاء، فإِنها للتعقيب ظاهراً، ويلزم منه السببية عندنا، وذكره الآمدي (4) وغيره، كقوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا) (5)، وقول الراوي: "سها (6) فسجدا)،

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 297.

(2) كذا في النسخ. ولعلها: للفظة.

(3) نهاية 188 ب من (ب).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 254.

(5) سورة المائدة: آية 38.

(6) نهاية 129 ب من (ظ).

(3/1258)

و"زنى ماعز فرجم" (1)، وقيل: كما قبله (2)، والفقيه وغيره سواء؛ لأنه ظاهر (3) حاله مع دينه وعلمه (4).

* * *

ومنه: اقتران الوصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره علة للحكم كان اقترانه بعيدًا شرعًا ولغة، كقول الأعرابي له - عليه السلام -: وقعت على أهلي في رمضان، فقال: (أعتق رقبة) (5)، فكأنه قيل: "إِذا واقعت فكفّر"؛ لأن الظاهر كونه جوابا، والسؤال معاد فيه.

فإِن حذف (6) بعض الأوصاف -كـ "ذلك الشهر، وكونه أعرابيا"-

__________

(1) تقدم تخريج حديث رجم ماعز في ص 863. وهذا اللفظ: "زنى ماعز فرجم" ورد -أيضاً- في مختصر ابن الحاجب. قال الزركشي في المعتبر/ 80 أ: هو مروي بالمعنى في الصحيحين، لكن مقصود ابن الحاجب هذا اللفظ، ولم يَرِد.

(2) يعني: كالصريح.

(3) يعني: ظاهر حاله أنه لو لم يفهم ترتب الحكم على الوصف لم يقله.

(4) يعني: علمه أن الفاء للتعقيب.

(5) قصة الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان رواها أبو هريرة، وسبق تخريج ذلك في ص 304. قال الزركشي في المعتبر/ 80 أ: واقعت أهلي في رمضان، فقال: (أعتق رقبة) هو في الكتب الستة، لكن بغير هذه الصيغة، أما بهذه الصيغة ففي سنن ابن ماجه. أ. هـ. فانظر: سنن ابن ماجه / 534.

(6) في (ح): حذفت.

(3/1259)

سمي تنقيح المناط، أي: تنقيح ما ناط به حكم الشارع.

وأقر به أكثر منكري القياس، وأجراه أبو حنيفة (1) في الكفارات مع منعه القياس فيها.

وذكر بعضهم (2): أنه أحد مسالك العلة، بأن يبين إِلغاء الفارق.

وقد يقال: العلة إِما المشترك أو المميز، والثاني باطل (3)، فثبت الأول.

ولا يكفي أن يقال: "محل الحكم إِما المشترك أو مميّز الأصل"؛ لأنه لا يلزم من ثبوت المحل ثبوت الحكم.

قيل: لا دليل على عدم عليته (4)، فهو علة.

رد: لا دليل لعليته، فليس بعلة.

قيل: لو كان علة لتأتَّى القياس المأمور به.

رد: هو دور. والله أعلم.

....................

ومن الإِيماء (5): أن يقدّر الشارع وصفاً لو لم يكن للتعليل كان بعيداً لا

__________

(1) انظر: تيسير التحرير 4/ 42، فواتح الرحموت 2/ 298.

(2) انظر: المحصول 2/ 2/ 315.

(3) لأن الفارق ملغى.

(4) يعني: علية الوصف. وانظر: المحصول 2/ 2/ 319 - 320.

(5) نهاية 376 من (ح).

(3/1260)

فائدة (1) فيه، كقوله عليه السلام -لما سئل عن بيع التمر بالرطب- فقال (2): (أينقص الرطب إِذا يبس؟)، قالوا (3): "نعم"، فنهى عن ذلك، صححه الترمذي وغيره.

ومثال التقدير في نظير محل السؤال قول امرأة (4) من جهينة (5) له -عليه السلام -: إِن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: (حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟) قالت: "نعم"، قال: (اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء). متفق عليه (6).

__________

(1) نهاية 189 أمن (ب).

(2) كذا في النسخ. ولعل المناسب حذف كلمة: "فقال".

(3) في (ح): قال.

(4) قيل: اسمها غاثية أو غايثة أو غاينة.

انظر: الإِصابة 8/ 44، وفتح الباري 4/ 65.

(5) جهينة: حي عظيم من قضاعة من القحطانية، وهم: بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة.

انظر: معجم قبائل العرب 1/ 216.

(6) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 18، 9/ 102 من حديث ابن عباس، وأخرجه النسائي في سننه 5/ 116 بمعناه.

ولم أجده في صحيح مسلم، وإِنما وجدت مسلم قد أخرج هذا المعنى من حديث ابن عباس في الصيام في قصة المرأة التي أخبرت الرسول أن أمها ماتت وعليها صوم واجب، فقال - عليه السلام -: (أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقتضينه؟) قالت: نعم، قال: (فدين الله أحق بالقضاء). انظر: صحيح مسلم/ 804.

(3/1261)

وفيه تنبيه على الأصل -وهو دين الآدمي- والفرع، وهو الحج الواجب، والعلة، وهي قضاء الدين عن الميت.

وذكر في التمهيد (1) وغيره: أن من هذا قول عمر له - عليه السلام -: "صنعت اليوم أمراً عظيمًا، قبّلت وأنا صائم"، فقال.: (أرأيت لو تمضمضت بماء، وأنت صائم؟) قلت: "لا بأس"، فقال: (ففيم (2)؟).

وقال الآمدي (3): إِنما هو نقض لما توهمه عمر من إِفساد مقدمة إِفساد الصوم التي هي القُبلة مقدمة الوقاع، فنقض بالمضمضة مقدمة الشرب، ولم يقدّر - عليه السلام - المضمضة لتعليل منع الإِفساد؛ لأنه ليس فيها ما يتخيل مانعاً منه، بل غايتها أن لا تفسد.

.........................

ومن الإِيماء: أن يفرق - عليه السلام - بين حكمين بصفة مع ذكرهما،

__________

(1) انظر: التمهيد/ 159 ب.

(2) أخرجه أبو داود في سننه 2/ 779 - 780 من حديث عمر. قال المنذري في مختصره 3/ 263: "وأخرجه النسائي، وهذا حديث منكر، قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إِلا من هذا الوجه". وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 21، 52، والدارمي في سننه 1/ 345، وابن خزيمة في صحيحه 3/ 245، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 227)، والحاكم في مستدركه 1/ 431 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 258.

(3/1262)

نحو: (للراجل سهم، وللفارس سهمان (1)، أو مع ذكر أحدهما نحو:

__________

(1) لم أجده من لفظ النبي هكذا، وإنما وجدت ما أخرجه أبو داود في سننه 3/ 174 - 175، 413 عن مجمع بن جارية الأنصاري قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية، فأعطى النبي الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهما. قال أبو داود: "حديث أبي معاوية- (وهو ما أخرجه أبو داود في سننه 3/ 172 - 173: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهما له، وسهمين لفرسه. وأخرجه البخاري في صحيحه 4/ 30، ومسلم في صحيحه 1383) - أصح، والعمل عليه". وأخرج حديث مجمع أحمد في مسنده 3/ 420، والدارقطني في سننه 4/ 105 - 106، والحاكم في مستدركه 2/ 131 وقال: هذا حديث كبير صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

قال في نصب الراية 3/ 416 - 417: ورواه الطبراني في معجمه وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في سننه ... قال ابن القطان في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف روى عنه غير ابنه، وابنه مجمع ثقة.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا: ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله جعل للفارس سهمين وللراجل سهما. انظر: نصب الراية 3/ 417. ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في سننه 4/ 106 ثم قال: قال الرمادي: كذا يقول ابن نمير، قال لنا النيسابورى: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي: لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا -انظر: سنن الدارقطني 4/ 102 - ورواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا. انظر: سنن الدارقطني 4/ 102. وأطال الدارقطني الكلام عليه، فراجع: سننه 3/ 106 - 107، ونصب الراية 3/ 418.

(3/1263)

(القاتل لا يرث (1))، أو بالشرط والجزاء نحو: (فإِذا اختلفت هذه الأصناف (2) فبيعوا (3))، أو بغاية: (ولا تقربوهن (4) حتى

__________

(1) ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه 4/ 692 - 694. قال المنذري في مختصره 6/ 363: في إِسناده محمَّد بن راشد الدمشقي المكحولي، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد. وانظر: ميزان الاعتدال 3/ 543.

وورد من حديث أبي هريرة مرفوعًا. أخرجه الترمذي في سننه 3/ 288 وقال: هذا حديث لا يصح؛ لا يعرف هذا إِلا من هذا الوجه، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة -أحد رجال الإِسناد- قد تركه بعض أهل العلم، منهم: أحمد بن حنبل. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 883.

وورد من حديث عمرو بن شعيب عن عمر مرفوعاً. أخرجه مالك في الموطأ/ 867، وابن ماجه في سننه/ 884 وفي الزوائد: "إِسناده حسن". وهو منقطع؛ لأن عمرا لم يدرك عمر.

وراجع: الرسالة/ 171، وسنن البيهقي 6/ 219 - 221، وقيل الأوطار 6/ 194، وتحفة الأحوذى 6/ 291.

(2) في (ب): الأوصاف.

(3) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1211 من حديث عبادة مرفوعاً: (الذهب بالذهب ... مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإِذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إِذا كان يدا بيد). وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 320، وأبو داود في سننه 3/ 647، وابن الجارود في المنتقى/ 218 - 219، والدارقطني في سننه 3/ 24، والبيهقي في سننه 5/ 278، 284.

(4) نهاية 189 ب من (ب).

(3/1264)

يطهرن) (1)، أو استثناء: (فنصف (2) ما فرضتم إِلا أن يعفون) (3)، أو استدراك: (ولكن (4) يؤاخذكم بما عقدتم) (5).

......................

ومن الإِيماء: ذكره في سياق الكلام شيئًا لو لم يكن علة لذلك الحكم المقصود كان الكلام غير منتظم، كنهيه عن البيع وقت الجمعة (6)، فإِنه علة للمنع عن السعي إِلى الجمعة؛ لا مطلقًا.

......................

ومن الإِيماء: ذكر وصف مناسب مع الحكم، نحو: (لا يقضي القاضي وهو غضبان (7)).

.......................

__________

(1) سورة البقرة: آية 222.

(2) نهاية 377 من (ح).

(3) سورة البقرة: آية 237.

(4) نهاية 130 أمن (ظ).

(5) سورة المائدة: آية 89.

(6) في سورة الجمعة: آية 9.

(7) هذا الحديث رواه أبو بكرة مرفوعًا. أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 65 بلفظ: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)، ومسلم في صحيحه/ 1342 - 1343 بلفظ: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)، وابن ماجه في سننه/ 776 بلفظ:=

(3/1265)

فإِن ذكر الوصف صريحًا، والحكم مستنبط منه -نحو: (وأحل الله البيع) (1)، صحته مستنبطة من حله- فهو مُوْمَأ إِليه، واختاره الآمدي (2) وذكره عن المحققين؛ للزوم الصحة للحل كذكره (3).

وخالف قوم، كذكر الحكم صريحًا والوصف مستنبط، فإِنه لا إِيماء (4)، جزم به الآمدي (5)، كعلة الربا مستنبطة من حكه.

رد: بالمنع؛ لأن الإِيماء اقتران الوصف بالحكم، وهو حاصل.

ثم: لا استلزام (6).

......................

وهل تشترط مناسبة الوصف المومأ إِليه؟

أطلق أصحابنا وجهين.

__________

= (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 232) بلفظ: (لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان).

(1) سورة البقرة: آية 275.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 263.

(3) يعني: كذكر الحكم. وفي (ب): لذكره.

(4) في (ب): لا إيماء بما جزم به الآمدي.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 262.

(6) يعني: في الوصف المستنبط.

(3/1266)

وقال الآمدي (1): "اشترطه قوم، ونفاه آخرون"، ثم اختار: إِن فُهِم التعليل من المناسبة اشترط؛ لأن المناسبة فيه منشأ للإِيماء، وإِلا فلا؛ لأنه بمعنى الأمارة.

ومعناه في الروضة (2) وجدل أبي محمَّد البغدادي.

وقال بعض أصحابنا (3): ترتيب الحكم على اسم مشتق يدل [على] (3/ 1) أن ما منه الاشتقاق علة في قول [أكثر] (4) الأصوليين، واختاره ابن المني، وقال قوم: إِن كان مناسبًا (5)، واختاره أبو الخطاب -في تعليل الربا من الانتصار- وأبو المعالي (6) والغزالي.

كذا قال، وإنما ذكر أبو الخطاب منعًا وتسليماً.

قالوا: لو اشترط لم يُفهَم التعليل من ترتيب الحكم على وصف غير مناسب،: كـ "أَهِن العالم وأكرم الجاهل"، ولم يُلَم عليه.

رد: لم يفهم منه، واللوم للإِساءة في الجزاء، ولهذا توجه اللوم لو سكت عن الجزاء في موضع يفهم من السكوت.

* * *

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 261 - 262.

(2) انظر: روضة الناظر/ 297 - 300.

(3) انظر: المسودة/ 438. (3/ 1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).

(4) ما بين المعقوفتين من نسخة في هامش (ب).

(5) نهاية 378 من (ح).

(6) نهاية 190 أمن (ب).

(3/1267)

المسلك الثالث: السبر والتقسيم.

وهو حصر الأوصاف في الأصل، وإِبطال بعضها بدليل، فيتعين الباقي للعلة.

ويكفي المناظر: "بحثت عن الأوصاف، فلم أجد غير ذلك"؛ لأنه أهلٌ عدل ثقة فيما يقول، فالظاهر صدقه.

أو يقول: الأصل عدم ما سوى ذلك.

فإِن قيل: قوله: "سبرتُ فلم أَجِدْ" عدمُ علمٍ.

ثم: ليس علمًا بالنسبة إِلى الخصم؛ لاحتمال عِلْمه بوصف آخر.

ثم: صحة العلة إِنما تكون بوجود مصحِّحها، وهذا إبطال مُعارِضها، فلا يلزم صحة كون الباقي علة.

قيل: بل هو ظنٌّ بعدمه، فإِن الظن بعدم الشيء لازم للبحث عنه.

والظاهر: لو علم الخصم وصفا آخر أظهره إِفحاماً لخصمه إِظهارًا لعلم، وإلا فهو معاند.

وليس صحة الباقي علة لإِبطال المعارض (1)، بل لأنه لا بد من علة -لما يأتي (2) - فيُظَنُّ انحصارها في الأوصاف، فإِذا بطل بعضها ظُنَّ صحة الباقي.

__________

(1) يعني: ليس كون الباقي علة؛ لأننا أبطلنا المعارض.

(2) في ص 1274.

(3/1268)

وإن بين المعترض وصفا آخر لزم (1) المستدل (2) إِبطاله؛ لا انقطاعه (3)؛ لأنه أبطله.

وأما الناظر (4) المجتهد فيعمل بظنه.

ومتى كان الحصر والإِبطال قطعيًا فالتعليل قطعي، وإلا فظني.

....................

وطرق الحذف:

منها: الإِلغاء، وهو: بيان المستدل إِثبات الحكم بالباقي فقط في صورة، ولم يثبت دونه، فيظهر استقلاله وحده.

وقال الآمدي (5): لا يكفي ذلك في استقلاله بدون طريق من طرق إِثبات العلة، وإلا لكفى في أصل القياس (6)، فإِن بَيَّنه (7) في صورة الإِلغاء بالسبر فالأصل الأول تطويل بلا فائدة، وإن بيَّنه بطريق آخر لزم محذور آخر وهو الانتقال.

__________

(1) نهاية 379 من (ح).

(2) نهاية 130 ب من (ظ).

(3) يعني: لا يكون ذكر ذلك الوصف ملزمًا للمستدل بالانقطاع؛ لأنه إِذا أبطله فقد سَلِم حصره.

(4) نهاية 190 ب من (ب).

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 267 - 268.

(6) ولم يكن إِلى البحث والسير حاجة.

(7) يعني: بين الاستقلال.

(3/1269)

وعلل بعضهم بجواز أن الوصف المحذوف جزء علة وأعم من المعلول، فلا يلزم من وجود الحكم دونه -وعدم الحكم عند وجوده- استقلال الباقي.

ويشبه الإِلغاء نفي العكس؛ لأن كلاً منهما إِثبات الحكم بدون الوصف، وليس هو؛ لأنه لم يقصد في (1) الإِلغاء: لو كان المحذوف علة لانتفى عند انتفائه، بل قصد: لو أن الباقي جزء علة لما استقل.

ومنها: طرد المحذوف، أي: ألفنا عدم اعتباره شرعاً كالطول والقصر، أو بالنسبة إِلى ذلك الحكم كالذكورة (2) في العتق.

ومنها -عند [بعض] (3) الشافعية وغيرهم، وجزم به الآمدي (4) وغيره-: عدم ظهور مناسبته.

ويكفي المناظر (5): بحثت (6).

فإِن ادعى المعترض أن الباقي كذلك: فإِن كان بعد تسليمه (7) مناسبته يقبل، وإلا فَسَبْر المستدل أرجح؛ لموافقته للتعدية، وليس له (8) بيان (9)

__________

(1) في (ح): في للإِلغاء.

(2) في (ب): كالذكورية. وفي (ظ): كذكورية.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 268.

(5) نهاية 380 من (ح).

(6) يعني: فلم أجد له مناسبة.

(7) يعني: تسليم المعترض.

(8) يعني: وليس للمستدل. انظر: الإحكام للآمدي 3/ 269.

(9) نهاية 191 أمن (ب).

(3/1270)

المناسبة؛ لانتقاله إِلى طريق آخر.

وفي الروضة (1): ليس منها؛ لمعارضة خصمه له بمثل كلامه، ولا يكفيه نقضه (2) لاحتمال كونه جزء علة أو شرطاً فيها (3).

..................

والسبر مسلك صحيح لإِثبات العلة في ظاهر كلام القاضي (4) وغيره، وقاله ابن عقيل (5)، وذكره بعضهم عن الأكثر، وجزم به الآمدي (6) وغيره، خلافاً للحنفية (7).

واختار في الروضة (8) -وذكره عن أبي الخطاب-: أنه لا يصح؛ لجواز التعبد، وتعارض قول المستدل بقول المعترض: "بعثت فيما ذكرتَه، فلم أَرَ

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 307.

(2) يعني: نقض علة خصمه.

(3) فلا يستقل بالحكم، ولا يلزم من عدم استقلاله صحة علة المستدل دونه.

(4) انظر: العدة/ 219 ب.

(5) انظر: الواضح 1/ 172أ.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 264.

(7) انظر: تيسير التحرير 4/ 48، وفواتح الرحموت 2/ 299، وفيهما: عن الجصاص والمرغيناني كقول الجمهور.

(8) انظر: روضة الناظر/ 306 - 307.

(3/1271)

ما يصلح علة"، إِلا أن تجمع الأمة على تعليل أصل، فيبطل ما علّل به إِلا واحدة، فيصح؛ لئلا يخرج الحق عن الأمة.

وفي التمهيد (1): إِن لم يجمعوا، لكن علّله بعضهم واختلفوا: فهل إِفساد إِحداهما دليل صحة الأخرى؟ على مذهبين.

قال (2) -وقاله ابن عقيل أيضًا-: فأما إِن أفسد حنبلي علة شافعي في الربا لم يدل على صحة علته؛ لتعليل بعض الفقهاء بغيرهما، وليس إِجماعهما دليلاً على من خالفهما، لكن يكون طريقاً في إِبطال مذهب خصمه وإلزاماً له صحة علته.

وفي الروضة (3) -في هذه الصورة- الخلاف في التي قبلها. وفيه (4) نظر.

وقد ذكر القاضي (5) عن ابن حامد: أن علة الأصل -كعلة الربا- لا تثبت بالاستنباط، قال: وأومأ إِليه أحمد، فسأله مهنا (6): هل يقيس بالرأي؟ قال: "لا، هو أن يسمع الحديث فيقيس عليه"، وعلّله بعدم القطع بصحتها،

__________

(1) انظر: التمهيدا / 16 أ.

(2) انظر: المرجع السابق.

(3) انظر روضة الناظر / 307.

(4) نهاية 381 من (ح).

(5) انظر: الروايتين والوجهين/ 243أ، والمسودة/ 404 - 405.

(6) نهاية 131أمن (ظ).

(3/1272)

ثم اختار (1) أنه يصح، وذكر كلام أحمد في (2) علة الربا.

قال بعض أصحابنا (3): "لا يخالف ابن حامد في استنباط سمعي، وهو التنبيه والإِيماء (4) "، وهذا أشهر.

وعن (5) البخاريين (6): لا يقبل السبر في ظني، وذكره أبو المعالي (7) عن بعض الأصوليين، وذكر -أيضًا- (8) عن النهرواني (9) والقاشاني (10):

__________

(1) يعني: القاضي.

(2) نهاية 191 ب من (ب).

(3) انظر: المسودة/ 402.

(4) يعني: وإنما يخالف في أننا بالعقل نعرف علة الحكم.

(5) انظر: المسودة/ 427.

(6) بخارى: من أعظم مدن ما وراء النهر -نهر جيحون- وأجلها. انظر: معجم البلدان 1/ 353. وفي (ب) و (ظ): النجاريين.

(7) انظر: البرهان/ 816.

(8) انظر: المرجع السابق/ 774 - 775.

(9) هو: أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى، ويلقب بالجريري؛ لأنه كان على مذهب ابن جرير الطبري، توفي سنة 390 هـ.

انظر: الفهرست/ 236، واللباب 3/ 249، والنجوم الزاهرة 4/ 201، وشذرات الذهب 2/ 134.

(10) هو: أبو بكر محمَّد بن إِسحاق القاشاني نسبة إِلى (قاشان) ناحية مجاورة لـ (قم)،=

(3/1273)

لا يقبل في التعليل إِلا الإِيماء (1) وما علم بغير نظر، كبوله في إِناء (2)، ثم يصبّه في ماء، ووافقهما أبو هاشم (3).

وجه الأول: لا بد للحكم من علة، وذكره الآمدي (4) إِجماع الفقهاء، بطريق الوجوب عند المعتزلة، وبطريق اللطف والاتفاق (5) عند الأشعرية. وسبق (6) في مسألة التحسين.

وكذا ذكر أبو الخطاب: أن ما ثبت حكمه بنص أو إِجماع كله معلّل، وتخفى علينا علته نادرًا.

واحتج الآمدي (7) بقوله: (وما أرسلناك إِلا رحمة) (8)، وظاهره جميع

__________

=وبالسين ناحية من نواحي أصبهان، كان ظاهريا ثم صار شافعيا، توفي سنة 280 هـ.

من مؤلفاته: كتاب في الرد على داود في إِبطال القياس.

انظر: الفهرست/ 213، وطبقات الفقهاء للشيرازي/ 176، وهدية العارفين 2/ 20، ومعجم المؤلفين 9/ 41.

(1) في (ظ): إِلا إِيماء.

(2) غيرت في (ظ): إِلى: في ماء. وفي نسخة في هامش (ب): في ماء.

(3) انظر: البرهان/ 775 - 776.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 264، 285.

(5) في (ظ): والارتفاق.

(6) في ص 150 وما بعدها، 170 من هذا الكتاب.

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 286.

(8) سورة الأنبياء: آية 107.

(3/1274)

ما جاء به، فلو خلا حكم عن علة لم يكن رحمة (1)؛ لأن التكليف به -بلا حكمة وفائدة- مشقة. كذا قال.

ثم: لو سلم فالتعليل الغالب، قال القاضي: التعليل الأصل تُرِك نادرًا؛ لأن تعقل العلة أقرب إِلى القبول من التعبد، ولأنه الألوف عرفا، والأصل موافقة الشرع له (2)، فيحمل ما نحن فيه على الغالب، ويجب العمل بالظن في علل الأحكام إِجماعًا، على ما يأتي (3) في العمل بالقياس.

وقيل: الأصل عدم التعليل؛ لأن الموجِب الصيغة، وبالتعليل ينتقل حكمه إِلى معناه، فهو كالمجاز من الحقيقة، ونصره بعض الحنفية (4)؛ لأن التعليل لا يجب للنص دائمًا، فيعتبر لدعواه دليل.

وفي (5) واضح ابن عقيل -في مسألة القياس-: أكثر الأحكام غير معلّل.

وقال في فنونه -لمن قاس الزكاة في مال الصبي على العُشْر، وبَيَّن العلة، فأبطلها ابن عقيل، فقال له: فما العلة إِذًا؟ - فقال (6): لا يلزم، ونتبرع فنقول: سؤالك عن العلة قول من يوجب لكل حكم علة، وليس كذلك؛

__________

(1) نهاية 382 من (ح).

(2) يعني: للعرف.

(3) في ص 1338.

(4) انظر: فواتح الرحموت 2/ 293 - 294.

(5) نهاية 192أمن (ب).

(6) كذا في النسخ. ولعل المناسب حذف كلمة (فقال).

(3/1275)

لأن من الناس من يقول: الأصول معللة، [وبعضهم يقول غير معللة]، (1) وبعضهم يقول: "بعضها معلل، وبعضها غير معلل"، فيجوز أن هذا لا علة له، أو له علة خافية عنا.

قالوا: شرع الحكم لا يستلزم الحكمة والمقصود؛ لأنه من صنعه، وهو (2) لا يستلزم ذلك؛ لخلق المعاصي وموت الأنبياء وإِنظار إِبليس والتخليد في النار وتكليف من علم عدم إِيمانه وخلق العالم في وقته المحدود (3) وشكله القدّر (4).

رد: ليست الحكمة قطعية، ولا ملازمة لجميع (5) أفعاله.

سلمنا لزومها، لكن قد تخفى علينا.

وقد قيل (6): القدرة تتعلق بالحدوث والوجود، والمعاصي راجعة إِلى مخالفة نهي الشارع، وذلك ليس من متعلق القدرة.

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(2) يعني: صنعه.

(3) في (ح): المعدود. ثم كتب تحتها: المحدود.

(4) نهاية 383 من (ح).

(5) في (ب): بجميع.

(6) كذا نقل المؤلف هذا القول بهذه الصيغة. وهذا القول قد أجاب به الآمدي في الإِحكام 3/ 290. وقد رد عليه الشيخ عبد الرزاق عفيفي في تعليقه.

(3/1276)

قالوا: لو كان: فإِن وجب الفعل عنده صار غير مختار (1)، وكذا إِن ترجَّح، وهو تسلسل.

رد: لا يجب، وهو تبع لتعلق القدرة والإِرادة، وهو مختار.

قالوا: إِن كان المقصود قديماً لزم (2) قدم الصنع والمصنوع، وإِلا فإِن توقف حدوثه على مقصود آخر تسلسل (3).

رد: حادث، ولا يفتقر إِلى مقصود آخر؛ للتسلسل، وإِن افتقر فذلك المقصود هو نفسه (4). (5)

قالوا: إِن كان قديماً لزم قدم غير الباري وصفاته، وإِلا تَعَلَّل (6) القديم بالحادث.

رد: الحكم: الكلام بصفة التعلق، فكان حادثًا.

ثم: لو كان قديمًا -والمقصود حادثًا- فإِنما يمتنع تعليله به لو أوجب الحكم وأثر فيه، وإنما هو أمارة أو باعث، فلا يمتنع تأخره (7).

__________

(1) في (ظ): مختارا.

(2) نهاية 131 ب من (ظ).

(3) يعني: وإن لم يتوقف فهو المطلوب.

(4) يعني: لا غيره، فلا تسلسل.

(5) نهاية 192 ب من (ب).

(6) في (ب) و (ظ): وإلا تعليل.

(7) في (ح) تأخيره.

(3/1277)

قالوا: إِن كان: فإِن كان فعله معه أولى (1) يلزم استكمال الباري (2)، وإلا فلا أولوية.

رد: بأنه أولى، لكن بالنسبة إِلى المخلوق.

قالوا: ما سبق (3) في منع التعليل (4) بالحكمة.

وسبق جوابه.

قالوا: إن قدر الباري على تحصيل الحكمة بدون الحكم، فالحكم مجرد تعب، وإلا لزم وصفه بالنقص.

رد: طريقان لحصول الفائدة.

قالوا: إِنما تطلب الحكمة فيمن تميل نفسه في فعله إِلى نفعٍ أو دفع ضررٍ، أو في فعلِ من لو خلا فعله عنها ذُمَّ وكان عابثًا.

رد الأول: بل في فعلِ من لو وجدت (5) فيه (6) لم يمتنع، بل وقع غالبًا.

وجواب الثاني: بالمنع.

__________

(1) يعني: أولى من الترك.

(2) يعني: بذلك الصنع، ويكون ناقصًا قبله.

(3) في ص 1210.

(4) نهاية 384 من (ح).

(5) يعني: الحكمة.

(6) يعني: في فعله.

(3/1278)

وأجاب الآمدي (1): إِنما يلزم فيمن تجب رعايتها (2) في فعله، ولا كذلك الباري.

....................

المسلك الرابع: المناسبة، ويرادفها: الإِخالة (3)، وتخريج المناط.

وهو: تعيين علة الأصل بمجرد إِبداء المناسبة من ذات الوصف لا بنص وغيره، كالإِسكار للتحريم، والقتل العمد العدوان للقصاص.

"المناسبة" لغوية، فلا دور.

والمناسب: وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودًا من شرع الحكم من حصول مصلحة أو دفع (4) مفسدة.

فيمكن إِثباته على الخصم في المناظرة، يكون (5) (6) معاندًا بمنعه (7).

فإِن كان الوصف خفيّا أو غير منضبط فكل منهما غيب عن العقل، فلا

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 293.

(2) يعني: رعاية الحكمة.

(3) الإخالة في اللغة بمعنى الظن. انظر: الصحاح/ 1692 - 1693، ولسان العرب 13/ 240.

(4) نهاية 193أمن (ب).

(5) كذا في النسخ. ولعله: ويكون.

(6) يعني: الخصم.

(7) في (ب): يمنعه.

(3/1279)

يعرف الغيب عنه، وهو الحكم، فيعتبر (1) ملازمه، وهو المظنة كالسفر للمشقة، والفعل المقضي عليه عرفا بالعمد في العمدية.

وقال أبو زيد (2) الحنفي: المناسب ما لو عُرض على العقول السليمة تلقته بالقبول.

فلا يمكن المناظر إِثباته على خصمه.

......................

والمقصود من شرع الحكم: قد يحصل يقينًا -كالبيع الصحيح يحصل منه الملك- وظنا كالقصاص يزجر عن القتل.

وقد يتساوى الحصول وعدمه، كحد الخمر لحفظ العقل.

وقد يكون عدمه أرجح، كنكاح الآيسة لمصلحة التوالد.

وأنكر بعضهم جواز التعليل بهذا والذي قبله، ذكره بعضهم (3)، واحتج عليه: بأن البيع مظنة الحاجة إِلى التعاوض (4)، والسفر مظنة المشقة، واعتبرا، وإن انتفى الظن في بعض الصور. كذا قال.

__________

(1) نهاية 385 من (ح).

(2) انظر: تقويم الأدلة/ 131 أ- 139أ، وكشف الأسرار 3/ 352، وتيسير التحرير 3/ 325، وفواتح الرحموت 2/ 301، والإِحكام للآمدي 3/ 270، وشرح العضد 2/ 239.

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 134، ومختصره 2/ 240.

(4) في (ظ): التعارض.

(3/1280)

والأظهر ما ذكره الآمدي (1): أنه يصح التعليل بهما اتفاقا إِذا ظهر المقصود (2) في غالب صور الجنس، وإلا فلا، أي: لأن احتمال الترتيب وعدمه سواء، أو عدمه (3) أرجح.

والأظهر -أيضًا- ما في الفنون وغيرها: السفر مشقته عامة، ويختلف قدرها، ولذا (4) تحسن التهنئة بالقدوم للجميع، كالمرض بالسلامة.

أما لو فات المقصود يقينًا -وهو ظاهر في غالب الصور- لم يجز التعليل به (5) -قال الآمدي (6): خلافاً للحنفية- لمخالفة عادة الشارع في رعاية الحكمة، ولأن الحكم شُرع لأجلها، فمع عدمها لا يفيد، فلا يشرع.

ومَثَّله الآمدي (6) بلحوق نسب مشرقي بمغربية (7)، واستبراء جارية يشتريها بائعها في المجلس، مع أن مذهب الشافعي: تستبرأ (8)، خلافا للحنفية، ولأ حمد روايتان (9).

.....................

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 272.

(2) يعني: المقصود من الوصف.

(3) نهاية 123أمن (ظ).

(4) في (ظ): وكذا.

(5) نهاية 193 ب من (ب).

(6) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 273.

(7) نهاية 386 من (ح).

(8) في (ح): يستبرى.

(9) انظر: المهذب 2/ 154، والمغني 8/ 150.

(3/1281)

والمقاصد من شرع الحكم:

ضروري أصلاً، وهي أعلى مراتب المناسبات، وهي الخمسة التي روعيت في كل ملة: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، بقتل الكفار وعقوبة المبتدع والقصاص وحد المسكر وشرع الزواجر لزانٍ ومحارب وسارق وغاصب.

ومكمل للضروري: كحفظ العقل بالحد بقليل المسكر.

وغير ضروري:

حاجي: كبيع وِإجارة ومساقاة ومضاربة، وبعضها أبلغ.

وقد يكون ضروريًا، كإِجارة لتربية (1) طفل وشراء مطعوم وملبوس له، زاد غير (2) الآمدي: ولغيره.

ومكمل للحاجي: كرعاية كفاءة ومهرِ مِثْلٍ في تزويج صغيرة؛ لأنه أفضى (3) إِلى دوام النكاح.

وغير حاجي -ولكنه تحسيني-: كسلب العبد أهلية الشهادة؛ لشرفها جرياً على ما أُلِف من محاسن العادات، ذكر ذلك الآمدي (4).

ومثَّل أبو (5) محمَّد البغدادي تتمة الضروري -أيضًا- بمراعاة المماثلة

__________

(1) في (ب): كتربية.

(2) انظر: المنتهى/ 124، ومختصره 2/ 240.

(3) في (ح): افضآ.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 275.

(5) في (ب): ومثل محمَّد البغدادي.

(3/1282)

في القصاص، والحاجي بتسليط الولي على تزويج صغيرة، وتتمَّته كما سبق، ومثَّل التحسيني -هو وغيره (1) - أيضًا: بتحريم تناول القاذورات وسلب المرأة عبارة النكاح.

وكون حفظ العقل من الضروري في كل ملة فيه نظر؛ فإِنه لا يحد عند أهل الكتاب، ولا عندنا على الأصح؛ لاعتقاده إِباحته.

ويتوجه من الضروري حفظ العرض بشرع عقوبة المفتري.

والعبد أهل للشهادة عندنا؛ فما ذكره ممنوع.

وفي الروضة (2): ما لم يشهد الشرع بإِبطاله أو اعتباره: منه: حاجي، كتسليط الولي على تزويج صغيرة تحصيلاً للكفء، ومنه: تحسيني، كاعتبار الولي في نكاح، فلا يُحتج بهما؛ لا نعلم فيه خلافا؛ فإِنه وضع للشرع (3) بالرأي، ومنه: ضروري، وهي الخمسة السابقة، فليست هذه المصلحة بحجة خلافا لمالك وبعض الشافعية.

وفي الواضح (4): ما يسميه (5) الفقهاء "الذرائع"، وأهل الجدل "المؤدي إِلى المستحيل عقلاً أو شرعاً"، ومثَّل بمسألة الولي وغيرها، ثم اعترض على

__________

(1) نهاية 194أمن (ب).

(2) انظر: روضة الناظر/ 169 - 170.

(3) نهاية 387 من (ح).

(4) انظر: الواضح 1/ 138أ.

(5) في (ظ): وفي الواضح تسمية الفقهاء ... إِلخ.

(3/1283)

هذه الدلالة بوجهين.

قال بعضهم (1): والمناسب أخروي -أيضًا- كتزكية النفس، وإِقناعي ينتفي ظنُّ مناسبته بتأمُّله.

مسألة (2)

إِذا اشتمل الوصف على مصلحة ومفسدة راجحة على المصلحة أو مساوية فهل تنخرم مناسبته (3) للحكم؟:

نفاه قوم، واختاره في الروضة (4) وأبو محمَّد البغدادي؛ قالا: لأنها أمر حقيقي، فلا تبطل بمعارض، وجزم به بعض أصحابنا.

وأثبته آخرون، واختاره الآمدي (5) وغيره.

ووجهه (6): حكم العقل بأن (7) لا مناسبة مع مفسدة مساوية، ولهذا ينسب العقلاء الساعي في تحصيل مثل هذه المصلحة إِلى السفه.

__________

(1) انظر: نهاية السول 3/ 52.

(2) نهاية 132 ب من (ظ).

(3) في (ظ): مناسبة.

(4) انظر: روضة الناظر/ 311.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 276.

(6) في (ظ): ووجه.

(7) نهاية 194 ب من (ب).

(3/1284)

قال بعضهم (1): لا يعدم نفعه لقلته، لكن يندفع مقتضاه (2).

قالوا: لو لم يكن لما حَسُن قول العاقل: الداعي إِلى إِثبات الحكم حاصل لولا المانع.

رد: المراد به المصلحة التي في المناسبة لا مصلحة مستقلة بتحقيقها (3)، فالمانع أخلّ بمناسبة المصلحة، فليس الانتفاء محالاً على المفسدة مع المناسبة لفوات شرطها.

قالوا: تصح الصلاة في الدار المغصوبة، فإِن غلب الحرام زادت مفسدتها، وإلا تساوتا.

رد: لم تنشأ مفسدة الغصب عن الصلاة ومصلحة الصلاة عن الغصب، ولو نشأتا من الصلاة لم تصح.

وللمعلل ترجيح وصفه بطريق تفصيلي يختلف باختلاف المسائل، وإجمالي [وهو] (4): لو لم يُقدر رجحان المصلحة ثبت الحكم تعبدًا (5)، ذكره [بعض] (6) أصحابنا وغيرهم، وسبق (7) في السبر.

__________

(1) انظر: نهاية السول 3/ 60.

(2) يعني: لكونه مرجوحًا.

(3) يعني: بتحقيق المناسبة.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(5) يعني: وهو خلاف الأصل. انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 279.

(6) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(7) في ص 1275.

(3/1285)

وذكر الآمدي (1): أن لقائلٍ أن يعارضه بعدم الاطلاع على ما به يكون راجحًا مع البحث عنه.

فإِن قيل: بَحْثُنا عن وصف صالح للتعليل لا يتعدى محل الحكم (2)، فهو أولى.

قيل: إِن خرج (3) ما به الترجيح عن محل الحكم لم يتحقق به ترجيح فيه (4)، وإلا اتحد محلّهما، فلا ترجيح (5).

وإن سلم اتحاد محل بحث المستدل فقط: فإِنما يترجح بحثه (6) بتقدير كون ظنه راحجًا؛ لا العكس ولا مساويًا، ووقوع احتمال من اثنين أقرب.

قال (7) (8) واشتراط (9) الترجيح في تحقيق المناسبة إِنما هو عند من لا يخصص العلة، وإلا فلا.

..............

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 269 - 280.

(2) يعني: فمحله متحد، وبحثكم إِنما هو عما به الترجيح، وهو غير منحصر في محل الحكم.

(3) نهاية 388 من (ح).

(4) يعني: في محل الحكم.

(5) يعني: بهذه الجهة.

(6) في (ظ): ظنه.

(7) في (ح): قالوا.

(8) نهاية 195 أمن (ب).

(9) في (ح): فاشتراط.

(3/1286)

والمناسب: مؤثر وملائم وغريب ومرسل؛ لأ نه إِما معتبر، أوْ لا، والمعتبر -بنص، كتعليل الحدث بمس الذكر، أو إِجماع كتعليل ولاية المال بالصِّغَر- يسمى مؤثرًا؛ لأنه ظهر تأثيره في الحكم.

والمعتبر بترتيب الحكم على الوصف فقط (1) -إِن ثبت بنص أو إِجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو بالعكس أو جنسه في جنس الحكم- يسمى ملائمًا؛ لكونه موافقًا لما اعتبره الشارع، وإلا سميَّ غريباً.

وغير المعتبر يسمى مرسلاً، فإِن اعتبر الشارع جنسه البعيد في جنس الحكم سميَّ ملائمًا مرسلاً، وإلا غريبًا مرسلاً، أو مرسلاً ثبت إِلغاؤه.

فالأول من أقسام الملائم: كالتعليل بالصغر في قياس النكاح على المال في الولاية، فعين الصغر معتبر في جنس حكم الولاية إِجماعًا.

والثاني: كالتعليل بعذر (2) الحرج في قياس الحضر بعذر المطر على السفر في الجمع، فجنس الحرج معتبر في عين رخصة (3) الجمع (4) إِجماعًا.

والثالث: كالتعليل بجناية القتل العمل العدوان في قياس المثقل على المحدد في القصاص، فجنس الجناية معتبرة (5) في جنس قصاص النفس، لاشتماله على قصاص النفس وغيرها كالأطراف.

__________

(1) يعني: من غير نص أو إِجماع.

(2) في (ظ): بعلة.

(3) نهاية 133 أمن (ظ).

(4) نهاية 389 من (ح).

(5) كذا في النسخ. ولعل المناسب: معتبر.

(3/1287)

ومثَّله بعضهم (1) بإِيجاب حد القذف في الشرب لكونه مظنة للقذف، والمظنة تقوم مقام المظنون.

والرابع: الغريب من المعتبر، كالتعليل بالإِسكار في قياس النبيذ على الخمر بتقدير عدم نص بعلية الإِسكار (2)، فعين الإِسكار معتبر في عين التحريم بترتيب الحكم عليه فقط، كاعتبار جنس المشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في جنس التخفيف، وهذا المثال (3) دون ما قبله (4)؛ لرجحان الظن باعتبار الخصوص؛ لكثرة ما به الاشتراك.

والخامس: الملائم المرسل، كتعليل تحريم قليل الخمر بأنه يدعو إِلى كثيرها، فجنسه البعيد معتبر في جنس الحكم، كتحريم الخلوة بتحريم الزنا.

والسادس: الغريب المرسل، كالتعليل بالفعل المحرم لغرض فاسد في قياس الباتّ في مرضه على القاتل في الحكم بالمعارضة بنقيض مقصوده، وصار توريث المبتوتة كحرمان القاتل.

والسابع: المرسل الملغى، كإِيجاب صوم شهرين ابتداءً في الظهار على من يسهل عليه العتق، كما أفتى به بعض العلماء.

__________

(1) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 3/ 55.

(2) نهاية 195 ب من (ب).

(3) وهو مثال: الحائض والمسافر.

(4) وهو مثال: النبيذ والخمر.

(3/1288)

فهذا مردود إِجماعًا، ذكره جماعة، وذكره الآمدي (1)، وأن الملائم الأول متفق عليه، مختلف فيما عداه، واختار اعتبار (2) الرابع، وأن ما بعده -وهو المناسب المرسل- لم يشهد الشرع باعتباره وإلغائه؛ ليس بحجة عند الحنفية والشافعية وغيرهم، وهو الحق؛ لتردده بين معتبر وملغى، فلا بد من شاهد قريب بالاعتبار، فإِن قيل: "هو من جنس ما اعتُبر"، قيل: "ومن جنس ما أُلغي، فيلزم اعتبار وصف واحد وإِلغاؤه بالنظر إِلى حكم واحد، وهو محال"، وعن مالك: القول به، وأنكره أصحابه، قال (3) فإِن صح عنه فالأشبه أنه في مصلحة ضرورية كلية قطعية كمسألة التَّتَرُّس (3/ 1).

ومعنى اختياره في الروضة (4) (5) واختيار (6) أبي محمَّد (7) البغدادي (8) من أصحابنا: أن غير الملغى حجة، وذكره بعض أصحابنا (8) عنهما، ويوافقه ما احتج به الأصحاب (9) في الفروع -كالقاضي وأصحابه-

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 282، 284، 285، 4/ 160 - 161.

(2) في (ب): اختبار.

(3) يعني: الآمدى. (3/ 1) في (ظ): الترس.

(4) انظر: روضة الناظر/ 305.

(5) نهاية 196 أمن (ب).

(6) في (ح): اختيار.

(7) نهاية 390 من (ح).

(8) انظر: المسودة/ 408.

(9) جاء -هنا- في (ب): (لما سبق، ولما يأتي، وسبق كلامه في الروضة قريبًا قبل اشتمال لوصف على مصلحة ومفسدة). وقد جاء هذا الكلام في (ح) و (ظ) متأخرا.

(3/1289)

بالقسم الخامس والسادس؛ لما سبق (*)، ولما يأتي (**).

وسبق (1) كلامه في الروضة قريبا قبل "اشتمال الوصف على مصلحة ومفسدة".

ومنع في الانتصار -في أن علة الربا الطعم- التعليلَ بالقسم الرابع كقول الحنفية، ثم قال: الأقوى أن لا تنازع في المناسبة وما يُظن تعليق (2) الحكم عليه.

وسبق (3) (4) قول ابن حامد في السبر.

وقال بعض أصحابنا (5): لا يشترط في المؤثر كونه مناسبًا، وجعله في الروضة (6) من قسم المناسب.

قال: ونظيره تعليق الحكم بوصف مشتق: في اشتراط مناسبته وجهان.

وقد سبقا (7).

__________

(*) في السير في ص 1274.

(**) في ص 1292.

(1) في ص 1283.

(2) في (ظ): بتعليق.

(3) في ص 1272 - 1273.

(4) نهاية 133 ب من (ظ).

(5) انظر: المسودة/ 408.

(6) انظر: روضة الناظر/ 303.

(7) في ص 1266.

(3/1290)

قال: وكلام القاضي والعراقيين يقتضي أنه لا يحتج بالمناسب الغريب، ويحتج بالمؤثر: مناسبا، أوْ لا.

قال: فصار المؤثر المناسب لم يخالف فيه إِلا ابن حامد، والمؤثر غير المناسب أو المناسب غير المؤثر: فيهما أوجه.

وذكر بعض الأصوليين (1): أن القسم السادس مردود اتفاقًا.

وقَبِل أبو المعالي (2) القسم الخامس، وذكره عن المحققين، ويذكر عن مالك (3) والشافعي.

ورده بعضهم (3).

وقبله الغزالي (4) بشرط كون المصلحة ضرورية قطعية كلية، كَتَتَرُّس كفار بمسلمين، مع الجزم لو لم نقتلهم ملكوا جميع بلاد الإِسلام، وقتلوا جميع المسلمين حتى الترس، فَقَتْل الترس مصلحة ضرورية قطعية (5) كلية.

قال القرطبي (6) -في تفسير سورة الفتح-: قال علماؤنا: هذه المصلحة لا ينبغي أن يختلف فيها، ونَفَر منها من لم يُمعن النظر فيها؛

__________

(1) كابن الحاجب في المنتهى/ 135.

(2) انظر: البرهان / 1114.

(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 135.

(4) انظر: المستصفى 1/ 294 - 296.

(5) نهاية 391 من (ح).

(6) انظر: تفسير القرطبي 16/ 287 - 288.

(3/1291)

للمفسدة (1).

ويجوز قتل الترس عند إِمامنا أحمد والأكثر؛ للخوف على (2) المسلمين.

ومذهبه: من مات بموضع لا حاكم فيه فلرجلٍ مسلم بيعُ ما فيه مصلحة؛ لأنه ضرورة، كولاية تكفينه.

وجه العمل بالمناسبة: ما سبق (3) في السير من ظهور العلة؛ لأنه لا بد للحكم من علة، ثم: العلة ظاهرة بالمناسبة؛ لأن مناسبة الوصف للحكم [تفيد] (4) ظن كونه علة.

قالوا: لا يلزم كونه علة.

ثم: لو دلّ كانت أجزاء العلة المناسبة عِللاً.

رد: يلزم كونه علة ظاهراً؛ لما سبق.

والعلة مجموع الأوصاف.

....................

__________

(1) يعني: المترتبة عليها.

(2) نهاية 196 ب من (ب).

(3) في ص 1274.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3/1292)

المسلك الخامس: إِثبات العلة بالشبه:

وهو عند القاضي (1) وابن عقيل (2) وغيرهما: تردد الفرع بين أصلين فيه مناط كل منهما، إِلا أنه يشبه أحدهما في أوصاف أكثر، فإِلحاقه به هو الشبه، كالعبد: هل يَمْلك؟ وهل يضمنه قاتله بأكثر من دية الحر؟.

وقال الآمدي (3): ليس من الشبه في شيء، فإِن كل مناط مناسب، وكثرة المشابهة (4) للترجيح (5).

وفسره بعضهم: بـ "ما عُرف مناطه، ويفتقر في بعض الصور إِلى تحقيقه"، كالمِثْل في جزاء الصيد.

وليس منه؛ لأن الكلام في العلة الشبهية، وهنا في تحقيق الحكم الواجب، وهو (6) الأشبه؛ لا في تحقيق المناط، وهو (7) متفق عليه، والشبه مختلف فيه.

__________

(1) انظر: العدة/ 203 ب.

(2) انظر: الواضح 1/ 132 ب- 133أ.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 295.

(4) في (ح): المشابه.

(5) يعني: كثرة المشابهة ليست إِلا من باب الترجيح لأحد المناطين على الآخر، وذلك لا يخرجه عن المناسب، وإن كان يفتقر إِلى نوع ترجيح.

(6) في (ب): هو.

(7) نهاية 392 من (ح).

(3/1293)

وفسره ابن الباقلاني (1): بقياس الدلالة.

وبعضهم: بما يُوهِم (2) المناسبة.

ويتميز الشبه عن الطردي: بأن وجود الطردي كالعدم.

وعن المناسب الذاتي: بأن مناسبته عقلية يُعْلَم قبل الشرع، كالإِسكار في التحريم.

فالشبه: كقولنا في إِزالة النجاسة (3): طهارة تراد للصلاة، فَتَعَيَّن لها الماء، كطهارة الحدث، فمناسبة الطهارة -وهو الجامع- لِتَعَيُّن الماء غير ظاهرة، واعتبارها للصلاة ومس المصحف يُوهِمها.

قال الآمدي (4): اصطلاحات لفظية، وهذا أقربها، وقاله أكثر المحققين.

................

ثم: قياس علة الشبه حجة عندنا وعند الشافعية (5)، [حتى] (6) قال ابن عقيل (7): "لا عبرة بالمخالف"؛ لما سبق (8) في السير.

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 295.

(2) نهاية 134أمن (ظ).

(3) نهاية 197 أمن (ب).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 296.

(5) انظر: اللمع / 59، والمحصول 2/ 2 / 280، والإِحكام للآمدي 3/ 297.

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(7) انظر: الواضح 1/ 133 أ.

(8) في ص 1274.

(3/1294)

وذكر القاضي (1) روايتين.

وفساده: قول الحنفية (2) وأبي إِسحاق (3) المروزي الشافعي (4) وابن الباقلاني (5)، وذكره في الروضة (6) اختيار القاضي، وأن للشافعي [قولين] (7).

قال أحمد: (8): إنما يقاس الشيء على الشيء إذا كان مثله في كل أحواله.

واكتفى بعض الحنفية (9) بضرب من الشبه.

__________

(1) انظر: العدة/ 203.

(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 53، وفواتح الرحموت 2/ 301.

(3) انظر: المسودة 375.

(4) هو إِبراهيم بن أحمد، فقيه انتهت إِليه رئاسة الشافعية بالعراق بعد ابن سريج، ولد بمرو الشاهجان، وأقام ببغداد، وتوفي بمصر سنة 340 هـ.

من مؤلفاته: شرح مختصر المزني.

انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي/ 112، ووفيات الأعيان 1/ 4، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 375، ومرآة الجنان 2/ 331.

(5) انظر: البرهان / 870، والمحصول 2/ 2/ 280.

(6) انظر: روضة الناظر / 314.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(8) انظر: العدة/ 203 ب.

(9) انظر: العدة/ 209 أ، واللمع/ 62، والتبصرة/ 458.

(3/1295)

وذكر الآمدي (1) عن بعض أصحابهم: صحة الشبه إِن اعتبر عينه في عين الحكم فقط؛ لعدم الظن (2)، ولأنه دون المناسب المرسل.

وأجاب: بالمنع؛ لاعتبار الشارع له في بعض الأحكام.

ويلزم من كونه حجة -على تفسير القاضي- التسوية بين شيئين، مع العلم بافتراقهما (3) في صفة أو صفات مؤثرة، لكن لضرورة إِلحاقه بأحدهما، كفعل القافة بالولد، قاله بعض أصحابنا (4)، وقال: القائلون بالأشبه -كالقاضي- سلموا أن العلة لم توجد في الفرع، وأنه حكم بغير قياس، بل بأنه أشبه بهذا من غيره، ويقولون: "لا يعطى حكمهما (5) "، ذكره الشافعية وأصحابنا، وكذا من قال: "ليس بحجة"، وعند الحنفية: يعطى حكمهما (5)، وقاله المالكية، وهو طريقة الشبهيين (5/ 1).

وقال (6) بعض أصحابنا (7): هو كثير في مذهب مالك وأحمد، كتعلق الزكاة بالعين (8) أو بالذمة، والوقف: هل هو ملك لله أو للموقوف عليه؟،

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 297

(2) يعني: إِذا اعتبر جنسه في جنسه.

(3) نهاية 393 من (ح).

(4) انظر: المسودة/ 375 - 376.

(5) في (ح): حكمها. (5/ 1) في المسودة: الشبهين.

(6) نهاية 197 ب من (ب).

(7) انظر: المسودة/ 375 - 376.

(8) في (ظ): بالمعين.

(3/1296)

وملك العبد، وسلك القاضي وغيره هذا في تعليل إِحدى الروايتين فيما إِذا أقر اثنان بنسب أو دين: لا يعتبر لفظ الشهادة والعدالة؛ لأنه يشبه الشهادة، لأنه إِثبات حق على (1) غيره، والإِقرار (2) لثبوت المشاركة [له] (3) فيما بيده من المال، فأعطيناه حكم الأصلين، فاشترطنا العدد كالشهادة؛ لا غير (4) كالإِقرار، وكذا قاله الحنفية، وقاله المالكية في شبه مع فراش.

وقاله بعض أصحابنا (5)، وأنه يعمل بهما إِن أمكن، وإِلا بالأشبه.

* * *

المسلك السادس: الطرد والعكس، وهو الدوران:

وهو: ترتب الحكم على الوصف وجودًا وعدما.

يفيد العلية (6) عند أكثر أصحابنا والمالكية (7) والشافعية (8) والجرجاني (9) والسرخسي (10). (11)

__________

(1) في (ب): لا غيره.

(2) يعني: ويشبه الإقرار.

(3) ما بين المعقوفتين من (ح).

(4) يعني: ولم نشترط فيه غير العدد.

(5) انظر: المسودة/ 376.

(6) في حاشية (ب): أي: ظنا.

(7) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 396، ومفتاح الوصول/ 107.

(8) انظر: اللمع/ 65، والمحصول 2/ 2/ 285.

(9) انظر: العدة/ 222 ب، والمسودة/ 427.

(10) هو: أبو سفيان. انظر: العدة/ 222 ب، والمسودة/ 427.

(11) نهاية 394 من (ح).

(3/1297)

وذكر القاضي وجهاً (1): لا يفيدها -وأن أحمد أومأ إِليه: "إِنما يقاس على الشيء إِذا كان مثله في كل أحواله، وأقبل به وأدبر"- وقاله أكثر الحنفية -كالكرخي وأبي زيد (2) - واختاره الآمدي (3)، وذكره قول المحققين من أصحابهم وغيرهم.

وقيل: يفيدها قطعاً.

وجه الأول: لو دُعي رجل باسم فغضب، وبغيره لم يغضب، وتكرر -ولا مانع- دل أنه سبب الغضب.

رد: بالمنع، بل بطريق السير؛ لجواز ملازمة الوصف للعلة كرائحة الخمر مع الشدة المطربة، ولهذا: الدوران في المتضايفين، ولا علة.

أجيب: الجواز لا يمنع الظهور، والقطع بأن (4) الرائحة ليست علة، وكذا الدوران في المتضايفين كالأبوة والبنوة، ولأن كلاً منهما مع الآخر.

وأجاب أبو محمَّد البغدادي عن الأول: بأن العلة الأمارة المعرفة للحكم، فالمُدار معه علة، لكن التعليل بالشدة المطربة، فقدم على الطرد المحض.

وقاس أصحابنا على العلة العقلية.

__________

(1) نهاية 134 ب من (ظ).

(2) انظر: تقويم الأدلة/ 133أ.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 399.

(4) نهاية 198أمن (ب).

(3/1298)

قال الغزالي (1): الطرد سلامته من النقض، وسلامته من مفسد لا يوجب نفي كل مفسد، ولو سلّم فالصحة بمصحِّح، ولا أثر للعكس؛ لأنه غير شرط فيها.

رد: للاجتماع (2) تأثير، كأجزاء العلة.

قال في التمهيد (3) والروضة (4): ويشبه ذلك شهادة الأصول نحو: الخيل لا زكاة في ذكورها منفردة، فكذا إِناثها، كبقية الحيوان.

وصححه القاضي (5)، وللشافعية وجهان.

.................

وديس الطرد وحده دليلاً في مذهب الأربعة والمتكلمين، خلافاً لبعض الحنفية (6) والشافعية (7)، منهم: الصيرفي (8).

__________

(1) انظر: المستصفى 2/ 306، 307، 308.

(2) يعني: اجتماع الطرد والعكس، وإن كان كل واحد لا يؤثر منفردًا.

(3) انظر: التمهيد/ 161 ب.

(4) انظر: روضة الناظر/ 309.

(5) انظر: العدة/ 223 أ.

(6) انظر: كشف الأسرار 3/ 365، والبرهان/ 789، والمسودة/ 427.

(7) انظر: التبصرة/ 460، والمحصول 2/ 2 / 305.

(8) انظر: اللمع/ 66، والتبصرة/ 460.

(3/1299)

وجوزه الكرخي (1) جدلاً؛ لا عملاً أو فتوى (2).

وقيل (3): يكفي مقارنته في صورة.

......................

قال بعض أصحابنا (4) وغيرهم: تنقسم العلة العقلية والشرعية إِلى ما تؤثر في معلولها كوجود علة الأصل في الفرع [مؤثر في نقل حكمه] (5)، وإلى ما يؤثر فيها معلولها كالدوران (6).

* * *

سبق تنقيح المناط في الإِيماء (7)، وتخريج المناط في المناسبة (8)، وهو القياس الآتي (9) المختلف فيه.

وأما تحقيق المناط: فإِن علمت العلة بنص كجهة القبلة -مناط وجوب

__________

(1) انظر: البرهان/ 789، والمسودة/ 427 - 428.

(2) نهاية 395 من (ح).

(3) انظر: المحصول 2/ 2/ 305.

(4) انظر: المسودة/ 389.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(6) فذلك مؤثر في كونه علة حكم الأصل.

(7) في ص 1260.

(8) في ص 1279.

(9) في 1302، 1310.

(3/1300)

استقبالها (1) - ومعرفتها عند الاشتباه مظنون، أو (2) إِجماع كالعدالة -مناط قبول الشهادة- ومظنونة في الشخص المعين، وكالمِثْل في جزاء الصيد (3): فقال في الروضة (4) والآمدي (5): لا نعرف خلافاً في صحة الاحتجاج به.

وذكر أبو المعالي (6): "أن النهرواني والقاشاني لم يقبلا من النظر في مسالك الظن إِلا ترتيب الحكم على اسم مشتق -كآية السرقة (7)، وقول الراوي: زنى ماعز فرجم- وما يعلم أنه في معنى المنصوص بلا نظر كالبول في إِناء ثم صبه في الماء، ووافقهما أبو هاشم (8)، وزاد قسما ثالثًا، وَمَثَّله بطلب القبلة عند الاشتباه والمِثْل في الصيد"، ثم رد عليهم في الحصر، وقال (9): إِنه لم ينكر إِلحاق معنى المنصوص إِلا حشوية لا يبالَى بهم -داود وأصحابه- وأن ابن الباقلاني قال: لا يخرقون الإِجماع.

* * *

__________

(1) في سورة البقرة: آية 144.

(2) نهاية 198 ب من (ب).

(3) في سورة المائدة: آية 95.

(4) انظر: روضة الناظر/ 277.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 302.

(6) انظر: البرهان/ 774 - 775.

(7) سورة المائدة: آية 38.

(8) نهاية 135 أمن (ظ).

(9) انظر: البرهان/ 784.

(3/1301)

القياس: إِن قُطِع بنفي الفارق فيه -كما سبق (1)، وكالأمة على العبد في سراية [العتق] (2) - فهو جلي، وإلا فخفي كالمثقل على المحدد في القود.

وينقسم القياس -أيضًا- إِلى: قياس علة: بأن صرح فيه بالعلة، وقياس دلالة: بأن جُمع فيه بما يلازم العلة كالرائحة الملازمة للشدة، أو جُمع بأحد موجَبي العلة في الأصل لملازمة الآخر ليستدل به عليه، كقياس قطع جماعة بواحد على قتلها بواحد، بواسطة الاشتراك في وجوب الدية عليهم بتقدير إِيجابها، وثبوت حكم الفرع بعلة الأصل أولى؛ لتعدِّيها (3) واطرادها وانعكاسها.

وإلى قياس في معنى الأصل: بأن جُمِع بنفي الفارق، كالأمة في (4) العتق.

مسألة

يجوز التعبد بالقياس في الشرعيات عقلاً عند الأئمة الأربعة وعامة الفقهاء والمتكلمين، خلافا للشيعة (5) وجماعة من معتزلة بغداد، كالنظام (6)

__________

(1) انظر: ص 1260، 1270، 1301.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(3) نهاية 396 من (ح).

(4) نهاية 199 أمن (ب).

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 5.

(6) انظر: المعتمد/ 746.

(3/1302)

والجعفرين (1) (2) ويحيى الإِسكافي (3).

فقيل (4): لعدم معرفة الحكم منه (5)؛ لبنائه على المصلحة التي لا تعرف به (6).

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 5.

(2) الجعفران هما:

1 - أبو محمَّد جعفر بن مبشر الثقفي، من الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة؛ له آراء انفرد بها وتصانيف، ولد ببغداد، وبها توفي سنة 234 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 7/ 162.

2 - أبو الفضل جعفر بن حرب الهمداني من الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، من أهل بغداد، ولد سنة 177 هـ، وتوفي سنة 236 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 7/ 162، ومروج الذهب 2/ 298.

واليهما تنسب (الجعفرية) من فرق المعتزلة. فانظر: الفرق بين الفرق/ 167، وفرق وطبقات المعتزلة/ 78، 81، وميزان الاعتدال 1/ 405، 414.

(3) كذا في الإِحكام للآمدى 4/ 5. وفي العدة/ 195: محمَّد بن عبد الله الإِسكافي. أقول: ولعله الصواب؛ فهو الذي وجدته من معتزلة بغداد بهذه النسبة، وهو: أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الإِسكافي -نسبة إِلى إسكاف: ناحية ببغداد- معتزلي من رجال الطبقة السابعة من طبقاتهم، كان عالمًا فاضلاً، تتلمذ على جعفر بن حرب، وصنف في الكلام، وإليه تنسب (الإِسكافية) فرقة من المعتزلة، توفي سنة 240 هـ. انظر: المنية والأمل/ 83، والفرق بين الفرق/ 102، والأنساب 1/ 334 - 335، ولسان الميزان 5/ 221.

(4) انظر: المسودة/ 368، 369.

(5) يعني: من القياس.

(6) يعني: بالقياس.

(3/1303)

وقيل: لوجوب الحكم المتضاد.

وقيل: لأنه أَدْون البيانين مع القدرة على أعلاهما (1).

وأوجبه أبو الخطاب (2) والقفال (3) وأبو الحسين (4) البصري، وقاله القاضي أيضًا.

لنا: لا يمتنع عقلاً نحو قول الشارع: "حرمت الخمر لإِسكاره، فقيسوا عليه معناه"، قال ابن عقيل (5) والآمدي (6): لا خلاف بين العقلاء في حسن ذلك.

ولأنه وقع شرعًا كما يأتي (7).

قالوا: العقل يمنع من وقوع ما فيه خطأ؛ لأنه محذور (8).

ردَّ: منع احتياط لا إِحالة.

ثم: لا منع مع ظن الصواب، بدليل العموم وخبر الواحد والشهادة.

قالوا: أمر الشارع بمخالفة الظن، كالحكم بشاهد واحد، وشهادة النساء

__________

(1) انظر: التمهيد/ 146أ.

(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 5.

(3) انظر: المعتمد/ 707 - 708، 725.

(4) انظر: العدة/ 196 ب-197أ.

(5) انظر: الواضح 1/ 149أ.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 6.

(7) في ص 1312 وما بعدها.

(8) في (ب): محذوف.

(3/1304)

في الزنا، ونكاح أجنبية من عشرٍ فيهن رضيعة مشتبهة.

رد: لمانع شرعي لا عقلي؛ لما سبق (1).

واحتج النظام (2): بأن الشرع فرق بين المتماثلات -كإِيجاب غسل بمني لا ببول، وغسل بول صبية ونضح بول صبي، والجلد بنسبةِ زنا لا كفر، وقطع سارقِ قليل لا غاصبِ كثير، والقتل بشاهدين لا الزنا، وعدَّتَيْ موت وطلاق- وجَمَع بين المختلفات، كردة وزنا في إِيجاب قتل، وقتلِ (3) صيدٍ عمدًا وخطاً في ضمانه، وقاتل وواطىء -في صوم رمضان- (4) ومظاهرٍ في كفارة.

رد: فرق لعدم صلاحية ما وقع جامعًا، أو لعارض له في أصل أو فرع.

وجمع لاشتراك المختلفات في معنى جامع أو اختصاص كل منها بعلة مثلِ حكمِ خلافِه (5).

وألزمه في التمهيد (6) وغيره بالقياس العقلي، كقطع العرق والرفق

__________

(1) من العمل بخبر الواحد والشهادة.

(2) انظر: المعتمد/ 746، والإِحكام للآمدي 4/ 7.

(3) نهاية 199 ب من (ب).

(4) نهاية 135 ب من (ظ).

(5) يعني: فإِن العلل المختلفة لا يمتنع أن توجب في المحال المختلفة حكماً واحداً.

(6) انظر: التمهيد/ 151 ب.

(3/1305)

بالصبي، (1) كل منهما يكون حسنًا وقبيحًا، وهما متفقان، والرفق به وضربه، حسنان (2)، وهما مختلفان معنى.

قالوا: القياس فيه اختلاف؛ لتعدد الأمارة والمجتهد، فَيُرَدّ؛ لقوله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرًا) (3).

رد: بنقضه بالظاهر.

وبأن مراد الآية (4): "تناقضه (5) أو ما يخل ببلاغته"؛ للاختلاف (6) في الأحكام قطعاً.

قالوا: إِذا اختلف قياس مجتهدين: فإِن كان كل مجتهد مصيباً لزم كون الشيء ونقيضه حقاً، وإلا فتصويب أحد الظنين -مع استوائهما- ترجيح بلا مرجح.

رد: بالظاهر، وحكم الله يختلف لتعدد المجتهد والمقلِّد والزمن، فلا اتحاد، فلا تناقض.

وبأن أحد المجتهدين لا بعينه مصيب، فلا يلزم ترجيح بلا مرجح.

__________

(1) نهاية 397 من (ح).

(2) يعني: يكونان حسنين.

(3) سورة النساء: آية 82.

(4) يعني: مرادها بالاختلاف.

(5) غيرت في (ب) إِلى: يناقضه.

(6) يعني: لأنه حصل الاختلاف.

(3/1306)

قالوا: مقتضى القياس إِن وافق البراءة الأصلية فمستغنَى عنه، وإلا لم يُرفع اليقين بالظن.

رد: بالظاهر.

قالوا: حكم الله يستلزم خبر الله عنه؛ لأنه مفسَّر بخطابه (1)، ويستحيل خبره بلا توقيف.

رد: القياس توقيف؛ لثبوته بنص أو إِجماع.

قالوا: إِن تعارض علتان فالعمل بأحدهما (2) (3) ترجيح بلا مرجح، وبهما تناقض.

رد: بالظاهر.

ثم: لا تناقض إِن تعدد المجتهد، وإلا (4) رجّح، فإِن تعذر وقف.

وذكر الآمدي (5): أنه عرف من مذهب الشافعي وأحمد: يعمل بما شاء.

وكذا خيره ابن عقيل (6) كالكفارة، قال: وهذا لا يجيء

__________

(1) يعني: لأن الحكم مفسر بخطاب الله.

(2) كذا في النسخ. ولعلها: بإحداهما.

(3) نهاية 200 أمن (ب).

(4) يعني: وإن كان واحدا.

(5) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 21.

(6) انظر: المسودة/ 447.

(3/1307)

على (1) تصويب كل مجتهد، ونحن وكل من لم يصوبه على أنه لا بد من ترجيح (2)، فعدمه لتقصيره.

قالوا: كالأصول.

رد: لا جامع.

ثم: فيها أدلة تقتضي العلم (3)، ذكره في التمهيد (4) وغيره.

وفي الواضح: ليس في أصلٍ صفة جعلت أمارة لإِثبات أصل آخر، ولو كان قلنا به، فمنعنا لعدم الطريق كما لو عُدمت في الفروع؛ لا لكونه أصلاً.

وقال بعض أصحابنا (5): في كل منهما قياس بحسب مطلوبه، قطعًا في الأول (6)، وظنًا في الثاني.

__________

(1) نقل في المسودة عنه: من قال بالتساوي فحكمه التخيير، وإنما يجيء على قول من يقول: كل مجتهد مصيب. أ. هـ. أقول: فلعل صواب العبارة هنا: وهذا لا يجيء إِلا على تصويب كل مجتهد.

(2) يعني: فلا يمكن التساوى.

(3) فلا يكلف فيها بالظن.

(4) انظر: التمهيد/ 146 ب.

(5) انظر: البلبل/ 150.

(6) نهاية 398 من (ح).

(3/1308)

ثم: هذا قياس منكم، فإِن صح صح قولنا.

وقيل: يجرى في العقليات (1) عند أكثر المتكلمين.

قالوا: بيان (2) بالأدنى.

رد: بالظاهر، ثم: قد يكون مصلحة.

قالوا: مبني على المصالح، ولا يعلمها إِلا الله.

رد: تعرف به.

القائل "يجب": النص مُتَنَاهٍ، والأحكام لا تتناهى، فيجب؛ لئلا يخلو بعضها عن حكم، وهو (3) خلاف القصد من بعثة الرسل.

رد: إِنما كلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يمكنه تبليغه خطابا.

وأيضًا: العموم يستوعبها، نحو: (كل مسكر حرام) (4).

أجاب في الروضة (5): إِن تصور فليس بواقع. كذا قال، وذكر بعض أصحابنا اختلاف الناس فيه، فقيل: لا يمكن، وقيل: بلى، فقيل: وقع -قال: وهو الصواب- وقيل: لا، فقيل: النص بقي بالقليل، وقيل: بالكثير أو الأكثر.

__________

(1) نهاية 136أمن (ظ).

(2) في (ظ): إِثبات.

(3) في (ح): وهذا.

(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 30، ومسلم في صحيحه/ 1586 من حديث أبي موسى مرفوعًا.

(5) انظر: روضة الناظر/ 280.

(3/1309)

مسألة (1)

القائل بـ "جوازه عقلاً" قال: وقع شرعا، إِلا داود (2) وابنه والقاشاني (3) والنهرواني، فإِن عندهم منع الشرع منه، وقيل: بل لا دليل فيه بجوازه.

وأكثر أصحابنا وغيرهم: وقع التعبد سمعا، وقيل: وعقلاً.

وفي كلام القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل: أنه قطعي.

وفي كلامهم -أيضاً-: ظني.

وذكر الآمدي (3) القطع عن الجميع، وعند أبي الحسين: ظني، قال: وهو المختار.

وذكر ابن حامد (4) عن بعض أصحابنا: ليس بحجة؛ لقول (5) أحمد في رواية الميموني (6): "يجتنب المتكلم هذين الأصلين: المجمل، والقياس".

وحمله القاضي (7) وابن عقيل (8) على قياس عارض سنة.

__________

(1) نهاية 200 ب من (ب).

(2) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 1208، والإِحكام للآمدي 4/ 24.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 24.

(4) انظر: المسودة/ 372 - 373.

(5) في (ب) و (ظ): كقول.

(6) هو: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الرقي، فقيه، من أصحاب أحمد الذين لازموه ونقلوا عنه، توفي سنة 274 هـ.

انظر: طبقات الحنابلة 1/ 212، وشذرات الذهب 2/ 165.

(7) انظر: العدة/ 195 أ.

(8) انظر: المسودة/ 367.

(3/1310)

قال أبو الخطاب (1): والظاهر خلافه.

واحتج القاضي (2) وغيره بقول أحمد: "لا يستغني أحد عن القياس"، وقوله: "ما تصنع به، وفي الأثر ما يغنيك [عنه] (3)؟ "، وقوله في رواية الميموني: "سألت الشافعي عنه، فقال: ضرورة"، وأعجبه ذلك.

لنا: (فاعتبروا) (4)، وهو اختبار شيء بغيره، وانتقال من شيء إِلى غيره، والنظر في شيء ليعرف به آخر من جنسه.

فإِن قيل: هو الاتعاظ؛ لسياق (5) الآية.

رد: مطلق.

فإِن قيل الدال على الكلي لا يدل على الجزئي.

رد: بلى.

ثم: مراد الشارع القياس [الشرعي] (6)؛ لأن خطابه غالبًا بالأمر الشرعي.

وفي كلام أصحابنا وغيرهم: عام؛ لجواز الاستثناء.

__________

(1) انظر: التمهيد / 146أ.

(2) انظر: العدة/ 195 أ-ب، والمسودة/ 367، 368.

(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(4) سورة الحشر: آية 2.

(5) نهاية 399 من (ح).

(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3/1311)

ثم: متحقق فيه؛ لأن المتعظ بغيره منتقل من العلم بغيره إِلى نفسه (1)، فالمراد قدر مشترك.

ومنعه الآمدي (2) بمعنى الاتعاظ؛ لقولهم: "اعتبر فلان، فاتعظ"، لشيء لا يترتب على (3) نفسه.

وجوابه: منع صحته.

فإِن قيل: لو كان بمعنى القياس لما حسن ترتيبه (4) في الآية (5).

رد: بالمنع (6) مع تحقق الانتقال في الاتعاظ (7).

وسبق (8) في الأمر ظهور صيغة "افعلْ" في الطلب.

وأيضًا: سبق (9) خبر الخثعمية (10) وغيره في مسالك العلة.

__________

(1) نهاية 136 ب من (ظ).

(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 30.

(3) نهاية 201أمن (ب).

(4) يعني: على قوله تعالى: (يخربون بيوتهم).

(5) يعني: وإنما يحسن عند إِرادة الاتعاظ.

(6) يعني: لا نسلم امتناع ترتيب القياس.

(7) على ما قدمنا.

(8) في ص 660 وما بعدها.

(9) في ص 1261.

(10) كذا في النسخ. ولعله يريد: الجهنية.

(3/1312)

وسبق (1) خبر معاذ في الإِجماع.

وروى سعيد بإِسناد (2) جيد معنى حديث معاذ عن ابن مسعود قوله (3)، وعن الشعبي (4) عن عمر قوله (5) -وولد لست سنين خلت من خلافته (6)، قال أحمد بن عبد الله العِجْلي (7): مرسله

__________

(1) في ص 393.

(2) في (ظ): بإسناده.

(3) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 54، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 200 - 201، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70 - 71، والحاكم في مستدركه 4/ 94 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأورده ابن حزم في الإحكام/ 1004 من طريق سعيد.

(4) هو: أبو عمرو عامر بن شراحيل، تابعي كوفي، ثقة فقيه، توفي بالكوفة سنة 103 هـ. انظر: حلية الأولياء 4/ 310، وتاريخ بغداد 12/ 229، والمعارف/ 449، ووفيات الأعيان 2/ 227، وتذكرة الحفاظ/ 79.

(5) وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 199 - 200، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70، وأورده ابن حزم في الإِحكام/ 1005 من طريق سعيد.

(6) انظر: تهذيب التهذيب 5/ 68.

(7) هو: أبو الحسن الكوفي نزيل طرابلس الغرب، ولد سنة 182 هـ، وسمع من والده وحسين بن علي الجعفي ويعلي بن عبيد وطبقتهم، وحدث عنه ولده صالح بمصنفه في "الجرح والتعديل" وحدث عنه سعيد بن عثمان وسعيد بن إِسحاق ومسند الأندلس محمَّد الغافقي، توفي بطرابلس سنة 261 هـ.

انظر: العبر 2/ 21، وتذكرة الحفاظ/ 560، وطبقات الحفاظ/ 242.

(3/1313)

صحيح (1) - وبإِسناد جيد معناه عن ابن عباس فعله (2).

وللنسائي قول ابن مسعود (3)، وله عن (4) شريح (5) (6) عن عمر -بعد: "ما قضى به الصالحون"-: "فإِن شئت تَقَدَّم، والتأخير خير لك (7) ".

__________

(1) في تهذيب التهذيب 5/ 67: قال العجلي: ولا يكاد الشعبي يرسل إِلا صحيحاً.

(2) وأخرجه الدارمي في سننه 1/ 55، والخطيب في الفقه والمتفقه 1/ 202 - 203، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 71 - 72، والبيهقي في سننه 10/ 115. وأورده ابن حزم في الإِحكام/ 1005 من طريق سعيد ومن طريق آخر.

(3) انظر: سنن النسائي 8/ 230. وأخرجه البيهقي في سننه 10/ 115، والخطيب في الفقيه والمتفقه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، فانظر: هامش 3، ص 1313.

(4) في (ب): من.

(5) في (ظ): عن ابن شريح.

(6) هو: أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكندي الكوفي، أدرك النبي ولم يلقه على المشهور، روى عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم، ولاه عمر قضاء الكوفة، وتوفي سنة 78هـ.

انظر: صفة الصفوة 3/ 38، ووفيات الأعيان 2/ 167، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 243، وشذرات الذهب 1/ 85.

(7) انظر: سنن النسائي 8/ 231. وأخرج الخطيب نحوه في الفقه والمتفقه 1/ 199 - 200، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 70 - 71، والدارمي في سننه 1/ 55، والبيهقي في سنة 10/ 115، وابن حزم في الإِحكام/ 1006، 1300. وراجع موقف ابن حزم من هذه الآثار في: الإِحكام/ 1016 - 1017.

(3/1314)

وعن أم سلمة مرفوعاً: (إِنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليَّ فيه). حديث حسن، فيه أسامة بن زيد الليثي، مختلف فيه، رواه أبو عبيد (1) وأبو داود (2)، وكذا المعمري (3) والطبراني والبيهقي (4) وغيرهم، وزادوا في آخره: (الوحي).

واحتج القاضي (5) وأبو الخطاب (6) وغيرهما: بقوله - عليه السلام - (إِذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) (7). رواه مسلم.

__________

(1) في كتاب: أدب القضاء. انظر: العدة/ 198 ب.

(2) انظر: سنن أبي داود 4/ 15. وأخرجه ابن حزم في الإِحكام/ 915 - 116 وقال: حديث ساقط مكذوب؛ لأن أسامة بن زيد هذا ضعيف لا يحتج بحديثه.

(3) هو: أبو علي الحسن بن علي بن شبيب البغدادي، حافظ صدوق، كان إِماما في جمع الحديث وتصنيفه، توفي سنة 295 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 7/ 369، والعبر 2/ 101، وتذكرة الحفاظ/ 667، وطبقات الحفاظ/ 290.

(4) أخرجه البيهقي في سننه 10/ 260 بلفظ: (إِنما أنا بشر أقضي فيما لم ينزل عليّ فيه شيء برأيي).

وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 239 بلفظ: (إِني إِنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل علي).

(5) انظر: العدة / 198أ- ب.

(6) انظر: التمهيد/ 148 ب.

(7) هذا الحديث رواه عمرو بن العاص مرفوعًا، أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 108، ومسلم في صحيحه/ 1342.

(3/1315)

فقيل لهم: يحتمل أن اجتهاده في تأويل أو بناء لفظ على لفظ.

فقالوا: عام.

وفي الروضة (1): يتجه عليه أنه (2) يجتهد في تحقيق المناط لا تخريجه.

واحتج أصحابنا وغيرهم: بإِجماع الصحابة، قال بعض أصحابنا والآمدي (3) وغيرهم: هو أقوى (4) الحجج:

فمنه: اختلافهم الكثير الشائع المتباين في ميراث الجد مع الإِخوة، وفي الأكدرية (5)

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 286.

(2) في (ح): أن.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 40.

(4) نهاية 400 من (ح).

(5) الأكدرية: (زوج، وأم، وأخت، وجد)، سميت بذلك لتكديرها لأصول زيد بن ثابت في الجد، فإنه أعالها، ولا عول عنده في مسائل الجد، وفرض للأخت معه، ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما، ولا نظير لذلك، وقيل: سميت بذلك لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً اسمه الأكدر، فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها، فنسبت إِليه.

وقد اختلف العلماء في قسمتها، فراجع: من سعيد بن منصور 3/ 1/ 26 - 27، وسنن الدارمي 2/ 258، ومصنف عبد الرزاق 10/ 270، 271، وسنن البيهقي 6/ 251، والمحلى 10/ 377 - 378، والمغني 6/ 313، وكنز العمال 11/ 69.

(3/1316)

والخرقاء (1)، ولا نص عندهم (2)، ولهذا: في الصحيحين (3) أن عمر قال في الخطبة على المنبر: "ثلاث وددت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عهد إِلينا فيهن عهدًا ننتهي إِليه: الجد، والكلالة (4)، وأبواب من أبواب الربا".

وصح عن ابن عمر (5): "أجرؤكم على الجد أجرؤكم على جهنم"، وصح عن ابن المسيب عن عمر وعلي (6)، ورواه سعيد في سننه بإِسناد جيد

__________

(1) الخرقاء: (أم، وأخت، وجد)، سميت بذلك لكثرة اختلاف الصحابة فيها، فكأن الأقوال خرقتها. فراجع: سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 27 - 28، ومصنف عبد الرزاق 10/ 269، 271، وسنن البيهقي 6/ 252، والمحلى 10/ 376 - 377، والمغني 6/ 315، وكنز العمال 11/ 61، 68.

(2) نهاية 201 ب من (ب).

(3) انظر: صحيح البخاري 7/ 106، وصحيح مسلم/ 2322.

(4) في النهاية في غريب الحديث 4/ 197: الكلالة: الوارثون الذين ليس فيهم ولد ولا والد.

(5) أخرج عبد الرزاق في مصنفه 10/ 262 عن معمر عن أيوب عن نافع قال: قال ابن عمر: أجرؤكم على جراثيم جهنم أجرؤكم على الجد.

وانظر: المحلى 10/ 365.

(6) أخرج سعيد في سننه 3/ 1/ 24، وعبد الرزاق في مصنفه 10/ 263، والدارمي في سننه 2/ 254، والبيهقي في سننه 6/ 245 عن سعيد بن جبير عن رجل من مراد قال: سمعت عليا يقول: من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. وانظر: المحلى 10/ 365، فقد أورد ابن حزم من طريق حماد بن زيد ثنا أيوب السختياني عن حميد بن هلال قال: سألت سعيد بن المسيب عن فريضة فيها جد فقال: ما تصنع=

(3/1317)

عن ابن المسيب مرفوعًا (1)، وضعفه ابن حزم (2). (3)

وضرب زيد لعمر مثلاً (4) بشجرة انشعب من أصلها غصن، ثم انشعب من الغصن خُوْطان (5)، فالغصن (6) يجمع الخُوْطين دون الأصل، واحد الخوطين أقرب إِلى أخيه منه إِلى الأصل.

وضرب علي وابن عباس لعمر مثلاً، معناه: أن سيلا سال، فخلج منه خليج، ثم خَلَج من ذلك الخليج شِعْبان (7). وفيه عبد الرحمن ابن أبي

__________

=إِلى هذا -أو تريد إِلى هذا- إِن عمر بن الخطاب قال: أجرؤكم على الجد أجرؤكم على النار.

(1) انظر: سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 24. وأورده ابن حزم في المحلى 10/ 380 من طريق سعيد.

(2) انظر: المحلى 10/ 380 - 381.

(3) نهاية 137أمن (ظ).

(4) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/ 265، والبيهقي في سننه 6/ 247 - 248 من طرق في أحدها عبد الرحمن بن أبي الزناد. وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 93 - 94 بسند ليس فيه ابن أبي الزناد.

(5) الخوط: الغصن الناعم. انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 229، ولسان العرب 9/ 168.

(6) في (ب): والغصن.

(7) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/ 265، والبيهقي في سننه 6/ 247 - 248، بسند ليس فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وأورده ابن حزم في الإِحكام/ 1317 - 1318. وأورده -أيضًا- في الإِحكام/ 1318 - 1329، والمحلى 10/ 382 من طريق فيها عبد الرحمن بن أبي الزناد. وأخرجه -مختصرًا- الحاكم في مستدركه 4/ 339=

(3/1318)

الزناد، مختلف فيه، وضعفه ابن حزم (1).

وصح عن عمر قوله لعثمان: "رأيت في الجد رأيا، فإِن رأيتم (2) فاتبعوه"، فقلت: "إِن نتبع رأيك فهو رشد، وإن نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان". (3)

وسئل عبيدة (4) عن مسألة فيها جد، فقال: "حفظت عن عمر فيه مائة قضية مختلفة" (5).

__________

=بسند فيه ابن أبي الزناد، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(1) قال في الإِحكام -بعد أن أورده بالإِسنادين-: كلا الإِسنادين ضعيف؛ في الأول -وهو من رواية الشعبي عن عمر- عيسى بن أبي عيسى الخياط، وهو ضعيف، ومع ذلك منقطع؛ لأن الشعبي لم يدرك عمر. والثاني: فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف ألبتة. وانظر: المحلى 10/ 383 - 384، وملخص إِبطال القياس/ 7.

(2) في (ح): رأيتموه.

(3) أخرجه الدارمي في سننه 2/ 256، وعبد الرزاق في مصنفه 10/ 263 - 264، والبيهقي في سننه 6/ 246، وابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير (انظر: المعتبر/ 84 ب- 85أ)، وأورده ابن حزم في المحلى 10/ 367.

(4) هو: أبو عمرو عبيدة بن قيس بن عمرو السلماني المرادي الهمداني، تابعي كبير، أسلم قبل وفاة النبي ولم يره، وسمع عمر وعليا وابن مسعود وابن الزبير، توفي سنة 72 هـ.

انظر: تاريخ بغداد 11/ 117، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 317، وتذكرة الحفاظ/ 50، وشذرات الذهب 1/ 78.

(5) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/ 261 - 262، والبيهقي في سننه 6/ 245، وابن حزم في المحلى 10/ 386. وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 254 بلفظ "ثمانين" مكان "مائة"، ولم يذكر عمر. وراجع: التلخيص الحبير 3/ 87.

(3/1319)

قال ابن حزم (1): لا إِسناد أصح منه.

وصح عن ابن عباس (2) -واحتج به ابن حزم (3) -: أنه قال لزيد عن قوله في العمريتين (4): "أتقوله برأيك أو تجده في كتاب الله؟ "، قال: "برأيي لا أفضل أمًّا على أب".

ومنه: اختلافهم في قوله لزوجته: "أنت عليّ حرام" (5).

__________

(1) انظر: المحلى 10/ 386.

(2) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 202، وابن حزم في المحلى 10/ 328. وأخرجه البيهقي في سننه 6/ 228 بلفظ: أبكتاب الله قلت أم برأيك؟ فقال: برأيي. فقال ابن عباس: وأنا أقول برأيي. وأخرجه البيهقي -أيضًا- في سننه 6/ 228، ولفظه: فأرسل إِليه ابن عباس: أفي كتاب الله تجد هذا؟ قال: لا، ولكن أكره أن أفضل أما على أب.

وأخرج الدارمي في سننه 2/ 250 عن عكرمة قال: أرسل ابن عباس إِلى زيد بن ثابت: أتجد في كتاب الله للأم ثلث ما بقي؟ فقال زيد: إِنما أنت رجل تقول برأيك، وأنا رجل أقول برأيي. وانظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 72.

(3) انظر: المحلى 10/ 328.

(4) العمريتان:

1 - زوج، وأم، وأب.

2 - زوجة، وأم، وأب.

وسميتا بذلك لأن عمر قضى للأم فيهما بثلث الباقي، فاتبعه على ذلك جمع، وجعل ابن عباس للأم فيهما الئلث كاملا. انظر: المغني 6/ 279.

(5) أخرجه بعض الآثار عن الصحابة في هذه المسألة: البخاري في صحيحه 7/ 44، ومسلم في صحيحه/ 1100، وابن ماجه في سننه/ 670، ومالك في الموطأ/ 552، وابن أبي شيبة في مصنفه 5/ 72 - 75، وعبد الرزاق في مصنفه 6/ 399 - 405، وسعيد في سننه 3/ 1/ 391 - 397، والبيهقي في سننه 7/ 350 - 353. وراجع: المحلى 11/ 384 وما بعدها، والتلخيص الحبير 3/ 215 - 216.

(3/1320)

وعن عبيد الله (1) بن أبي حميد (2) -وهو ضعيف عندهم- عن أبي المليح (3) الهذلي (4): كتب عمر إِلى أبي موسى: "ما لم يبلغك في الكتاب والسنة اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إِلى أحبها إِلى الله وأشبهها بالحق"، وذكر الحديث (5). (6) رواه الدارقطني (7).

__________

(1) غيرت (عبيد الله) في (ب) و (ظ) إِلى: عبيدة.

(2) هو: أبو الخطاب عبيد الله بن أبي حميد غالب الهذلي البصري، روى عن أبي المليح الهذلي، وعنه عيسى بن يونس ووكيع وغيرهما. ضعفه محمَّد بن المثنى ودحيم، وقال البخاري: منكر الحديث، يروى عن أبي المليح عجائب. وقال النسائي: متروك. وقال أحمد: ترك الناس حديثه.

انظر: ميزان الاعتدال 3/ 5، وتهذيب التهذيب 7/ 9.

(3) نهاية 2/ 2 أمن (ب).

(4) هو: عامر بن أسامة بن عمير -وقيل في اسمه غير ذلك- روى عن أبيه ومعقل بن يسار وابن عباس وغيرهم، وعنه سالم بن أبي الجعد وقتادة وأيوب وطائفة، توفي سنة 98 هـ. وثقه أبو زرعة.

انظر: تهذيب التهذيب 12/ 246، وتقريب التهذيب2/ 476.

(5) في (ب): الحريث.

(6) نهاية 401 من (ح).

(7) انظر: سنن الدارقطني 4/ 206. وأخرجه البيهقي في المعرفة: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إِسحاق الصغاني ثنا محمَّد بن عبد الله بن كناسة ثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام البصري قال: كتب عمر، فذكره. انظر: نصب الراية 4/ 82.

(3/1321)

وقال أحمد: ثنا سفيان بن عيينة ثنا إِدريس الأَوْدي (1) عن سعيد بن أبي بردة (2)، وأخرج الكتاب، فقال: "هذا كتاب عمر"، وذكره. إِسناد جيد، وسعيد لم ير عمر.

ورواه الدارقطني من (3) حديثه (4)، وأبو بكر الخلال من حديث سفيان

__________

(1) هو: إِدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري، روي عن أبيه وأبي إِسحاق السبيعي وسماك بن حرب وغيرهم، وعنه ابنه عبد الله والثوري ووكيع وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات.

انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 21، والكاشف 1/ 101، وتهذيب التهذيب 1/ 195.

(2) هو: سعيد بن عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي، روى عن أبيه وأنس بن مالك وأبي وائل وغيرهم، وعنه قتادة وأبو إِسحاق الشيباني وشعبة وغيرهم، وتوفي سنة 138 هـ. وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم.

انظر: تهذيب التهذيب 4/ 8، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/ 136.

(3) في (ب) و (ظ): من غير حديثه.

(4) يعني: من حديث أحمد. انظر: سنن الدارقطني 4/ 207.

وأخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 200، والبيهقي في سننه 10/ 115 كلاهما ... حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إِدريس ... بالسند السابق.

وأخرجه ابن حزم في الإِحكام/ 1298، والمحلى 10/ 565. وانظر: المعتبر/ 83 ب.

وقد أورد ابن القيم كتاب عمر في إِعلام الموقعين 1/ 85 - 86، وقال: "هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إِليه وإلى تأمله والتفقه فيه"، ثم شرحه شرحًا مليئًا بالفوائد استغرق بقية الجزء الأول و"183" صفحة من الجزء الثاني.

(3/1322)

وبإِسناد جيد إِلى قتادة (1): أن (2) عمر كتب إِلى أبي موسى، فذكره. منقطع (3).

قال أحمد -في رواية أحمد بن الحسن (4) -: قال عمر بن الخطاب: "اعرف الأمثال والأشباه، وقايس الأمور".

وقال ابن حزم (5): موضوع على عمر، تفرد به عبد الملك بن الوليد بن

__________

(1) هو: أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي، حافظ مفسر ثقة ثبت، ولد سنة 61 هـ، وروى عن أنس، وأرسل عن أبي سعيد الخدري وعمران بن حصين، وروى عن سعيد بن المسيب وعكرمة والحسن البصري وغيرهم، وعنه أيوب السختياني وشعبة والأوزاعي وغيرهم، توفي بواسط سنة 117 هـ.

انظر: ميزان الاعتدال 3/ 385، والكاشف 2/ 396، وتهذيب التهذيب 8/ 351.

(2) في (ح): وأن.

(3) بين قتادة وعمر؛ لأن قتادة ولد سنة 61 هـ.

(4) يوجد في طبقات الحنابلة 1/ 36 - 38 شخصان بهذا الاسم:

1 - أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد، ثقة، نقل عن إِمامنا أشياء، وتوفي سنة 306 هـ.

2 - أبو الحسن أحمد بن الحسن الترمذي، نقل عن إِمامنا مسائل كثيرة.

(5) انظر: الإِحكام/ 1300، والمحلى 1/ 77. وقال في ملخص إِبطال القياس/ 6: وهذه رسالة لا تصح، تفرد بها عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه، وكلاهما متروك، ومن طريق عبد الله بن أبي سعيد، وهو مجهول، ومثلها بعيد عن عمر.

وساق الكتاب في الإِحكام/ 1298 من طريقين، قال: فأما رسالة عمر فحدثنا بها أحمد بن عمر العذري نا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي نا أبو سعيد الخليل بن=

(3/1323)

معدان (1) -وهو ساقط بلا خلاف- عن أبيه (2)، وهو أسقط منه. كذا قال، فَوَهِم (3).

__________

=أحمد القاضي السجستاني نا يحيى بن محمَّد بن صاعد نا يوسف بن موسى القطان نا عبيد الله بن موسى نا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه قال: كتب عمر إِلى أبي موسى، فذكر الرسالة.

وحدثناها أحمد بن عمر نا عبد الرحمن بن الحسن الشافعي نا القاضي أحمد بن محمَّد الكرخي نا محمَّد بن عبد الله العلاف نا أحمد بن علي بن محمَّد الوراق نا عبد الله بن سعد نا أبو عبد الله محمَّد بن يحيى بن أبي عمر المدني نا سفيان عن إِدريس بن يزيد الأودي عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: كتب عمر ... وانظر: المحلى 10/ 565.

ثم قال في الإِحكام/ 1299: وهذا لا يصح؛ لأن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد ابن معدان، وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف، وأبوه مجهول، وأما السند الثاني فمن بين الكرخي إِلى سفيان مجهولون، وهو أيضاً منقطع، فبطل القول به جملة. قال ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 196: ساقه ابن حزم من طريقين، وأعلهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوي أصل الرسالة؛ لا سيما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة.

(1) الضبعي البصري، وقد ينسب إلى جده، روى عن أبيه وعاصم بن بهدلة وهارون بن رياب، وعنه أبو داود الطيالسي وغيره، قال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، لا يحل الاحتجاج به. وقال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها. وقال الأزدي: منكر الحديث. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 666، وتهذيب التهذيب 6/ 428.

(2) هو: الوليد بن معدان، حدث عنه ولده عبد الملك. قال الذهبي: انفرد بحديث عمر في كتابه إِلى أبي موسى أن يجتهد رأيه. انظر: ميزان الاعتدال 4/ 349.

(3) انظر: المعتبر/ 84أ.

(3/1324)

وقال أحمد (1) -أيضًا- في رواية بكر (2): على الإِمام والحاكم يَرِد عليه الأمران يقيس ويشبه، كما كتب عمر إِلى شريح (3): "أن قس الأمور وكذا وكذا"، فأما رجل لم يقلّد إِليه هذا فأرجو أن لا يلزمه.

وسئل -في رواية يوسف بن موسى (4) - عن القياس، فقال: ذهب قوم إِليه؛ لأن عمر قال (5): "يشبّه بالشيء"، وقال آخرون: "لا"، قيل: فما تقول؟ قال: اعْفِني، قيل: من فعله يُعَنَّف؟ قال: إِذا وضع الكتب وأكثر.

ومراده: ما سبق (6) أنه ضرورة.

وصح عن عثمان القضاء بتوريث المبتوتة في مرض الموت، رواه (7) مالك

__________

(1) انظر: العدة 1/ 195 أ.

(2) هو: أبو أحمد بكر بن محمَّد، النسائي الأصل، البغدادي النشأة، من أصحاب أحمد الناقلين عنه.

انظر: طبقات الحنابلة 1/ 119.

(3) سبق كتاب عمر إِلى شريح في الاجتهاد بالرأي في ص 1314.

(4) يوجد في طبقات الحنابلة 1/ 420 - 421 شخصان بهذا الاسم:

1 - يوسف بن موسى العطار الحربي.

2 - أبو يعقوب يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي، المتوفى سنة 253 هـ.

وكلاهما من أصحاب أحمد الناقلين عنه.

(5) نهاية 137 ب من (ظ).

(6) في ص 1311.

(7) انظر: الموطأ/ 571 - 572، وبدائع المنن 2/ 229 - 230. وأخرجه عبد الرزاق=

(3/1325)

والشافعي وأحمد.

ورواه البيهقي (1) عن عمر وضعفه (2).

لكن رواه ابن حزم (3) وغيره من حديث جرير (4) عن

__________

=في مصنفه 7/ 61، وابن أبي شيبة في مصنفه 5/ 217، وسعيد في سننه 3/ 2/ 42، 46، والبيهقي في سننه 7/ 362 - 363، والدارقطني في سننه 4/ 64 - 65. وراجع: التلخيص الحبير 3/ 217. وقال في المعتبر / 82أ -بعد أن ذكر ما ورد في الموطأ-: وفيه انقطاع، ووصله أبو عبيد القاسم بن سلام، فقال: حدثنا يحيى القطان ...

(1) نهاية 202 ب من (ب).

(2) انظر: سنن البيهقي 7/ 363 فقد أخرجه ... عن المغيرة عن إِبراهيم أن عمر ... قال البيهقي: وهذا منقطع، ولم يسمعه مغيرة من إِبراهيم، إِنما قال: ذكر عبيدة عن إِبراهيم عن عمر، وعبيدة الضبي ضعيف، ولم يرفعه عبيدة إِلى عمر في رواية يحيى القطان عنه، إِنما ذكره عن إِبراهيم والشعبي عن شريح ليس فيه عمر. أ. هـ. وأخرجه البيهقي -كذلك- في سننه 8/ 97.

وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في مصنفه 7/ 64، وسعيد في سننه 3/ 2/ 43 - 44. وانظر: المحلى 11/ 556، والمعتبر/ 82 ب، ففيه: أن ابن المديني أخرجه في العلل.

(3) في المحلى 11/ 556 من طريق ابن أبي شيبة الذي أخرجه في مصنفه 5/ 217 - 218. وانظر: الجوهر النقي على سنن البيهقي 7/ 363.

(4) هو: أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي، عالم أهل الري، نشأ بالكوفة، وروى عن أبي إِسحاق الشيباني ومغيرة وعطاء بن السائب وغيرهم، وعنه ابن راهويه وابن=

(3/1326)

مغيرة (1) عن إِبراهيم عن شريح قال: أتاني عروة الباقي (2) من عند عمر، فذكره. صحيح.

ولما حوصر عثمان طلق أم البنين (3)، فَوَرَّثَها علي، وقال: تركها حتى إِذا أشرت على الموت طلقها (4).

وسبق (5) في المحكوم عليه قوله: "إِذا سكر هذى".

__________

=معين وابن المديني، توفي سنة 188 هـ. قال ابن حجر في التقريب: ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه.

انظر: ميزان الاعتدال 1/ 182، وتهذيب التهذيب 2/ 75، وتقريب التهذيب 1/ 127.

(1) هو: أبو هشام مغيرة بن مقسم الضبي -بالولاء- الكوفي الفقيه، روى عن أبيه وأبي وائل والنخعي وغيرهم، وعنه: شعبة وجرير وهشيم وغيرهم، توفي سنة 136 هـ. قال ابن حجر في التقريب: ثقة متقن إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إِبراهيم.

انظر: ميزان الاعتدال 4/ 165، وتهذيب التهذيب 10/ 269، وتقريب التهذيب 2/ 270.

(2) هو: الصحابي عروة بن الجعد.

(3) هي: أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارى؛ لوالدها صحبة، ولها إِدراك.

انظر: الإصابة 8/ 178.

(4) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 5/ 218 - 219. ومن طريقه رواه ابن حزم في المحلى 11/ 592.

(5) في ص 285 من هذا الكتاب.

(3/1327)

ولم يُنْكَر شيء مما سبق.

فإِن قيل: آحاد، والمسألة قطعية.

ثم: لعل عملهم بغير القياس.

ثم: من عمل بعض الصحابة.

ثم: لا نسلم عدم الإِنكار، فلعله لم ينقل، ثم: قد نُقِل، فعن الصديق: "أي أرض تُقِلُّني أو أي سماء تُظِلّني إِن قلت في آية من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم (1)؟! ". قال ابن حزم (2): ثبت عنه.

وفي الصحيح عن الفاروق: "اتهموا الرأي على الدين (3) "، وكذا عن سهل (4) بن حنيف (5).

__________

(1) أخرجه الطبري في مقدمة تفسيره 1/ 27، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 64، وعبد بن حميد (انظر: المعتبر/ 85 ب)، وابن حزم في الإِحكام/ 1018 - 1019.

(2) انظر: المحلى 1/ 80، وملخص إِبطال القياس/ 56 - 57، والإِحكام/ 1018 - 1019.

(3) أخرجه البيهقي في المدخل/ 117، وابن حزم في الأحكام/ 1019، 1022 - 1023، وانظر: ملخص إِبطال القياس/ 57. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 179 وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله موثقون وإن كان فيهم مبارك بن فضالة (قال فيه ابن معين: قدرى. وضعفه النسائي وغيره. انظر: ميزان الاعتدال 3/ 431 - 432). وانظر: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي/ 9أ.

(4) أخرجه البخاري في صحيحه 5/ 128، 9/ 100، ومسلم في صحيحه/ 1412 - 1413.

(5) هو: الصحابي أبو سعد -ويقال: أبو عبد الله- الأنصاري الأوسي.

(3/1328)

وعن (1) علي: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل (2) الخف أولى بالمسح من أعلاه". إِسناده جيد، رواه (3) أبو داود وغيره.

وعن عمر: "إِياكم وأصحاب الرأي، فإِنهم أعداء السنن" أعْيَتْهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا". فيه مجالد (4)، ضعيف عندهم، رواه جماعة، منهم: الدارقطني وابن عبد البر (5).

__________

(1) في (ظ) و (ح): عن علي.

(2) نهاية 402 من (ح).

(3) هذا الأثر من رواية عبد خير عن علي. أخرجه أبو داود في سننه 1/ 114، والدارقطني في سننه 1/ 199، والبيهقي في سننه 1/ 292 وقال: وعبد خير لم يحتج به صاحبا الصحيح. وأخرجه ابن حزم في الإِحكام / 1020. قال ابن حجر في بلوغ الرام (انظر: حاشية الدهلوي على بلوغ المرام 1/ 37): إِسناده حسن. وقال في التلخيص الحبير 1/ 160: إِسناده صحيح. قال الشوكاني في نيل الأوطار 1/ 218: في إِسناده عبد خير بن يزيد الهمداني، وثقه ابن معين والعجلي، وأما قول البيهقي: "لم يحتج به صاحبا الصحيح" فليس بقادح بالاتفاق.

وقد أخرجه هذا الأثر الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 181 عن عمر.

(4) هو: أبو عمرو -ويقال: أبو سعيد- مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي، توفي سنة 143هـ. قال ابن معين وغيره: لا يحتج به. وقال أحمد: يرفع كثيراً مما لا يعرفه الناس، ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي. وضعفه جماعة. انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 549، وميزان الاعتدال 3/ 439، وتهذيب التهذيب 10/ 39.

(5) انظر: من الدارقطني 4/ 146، وجامع بيان العلم وفضله 2/ 164. وأخرجه البيهقي في المدخل/ 17 أ. وأخرجه الخطيب في الفقه والمتفقه 1/ 180 - 181، وابن حزم=

(3/1329)

وعن ابن مسعود: "يجيء قوم يقيسون الأمور بآرائهم". فيه مجالد، رواه جماعة، منهم: الدارمي (1) (2) وأبو بكر الخلال.

ورووا -أيضًا- بإِسناد جيد عن ابن سيرين: "أول من قاس إِبليس، وما عبدت الشمس والقمر (3) إِلا بالمقاييس". (4)

ورووا -أيضًا- من رواية عيسى الخياط (5) -وهو ضعيف عندهم-

__________

=في الإِحكام/ 1019 - 1020 من طرق ليس في بعضها مجالد. وأخرجه ابن عبد البر -أيضاً- في جامع بيان العلم وفضله 2/ 165 من طريق ليس فيها مجالد.

(1) انظر: سنن الدارمي 1/ 58. وأخرجه البيهقي في المدخل/ 16 ب، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 182، وابن حزم في الإِحكام/ 1025، 1378، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 165 - 166. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 1/ 180 وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه مجالد بن سعيد، وقد اختلط.

(2) هو: أبو محمَّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التميمي السمرقندي، حافظ ثقة، ولد سنة 181هـ، وتوفي سنة 255 هـ.

من مؤلفاته: السنن.

انظر: تاريخ بغداد 10/ 29، والعبر 2/ 18، والنجوم الزاهرة 3/ 22. وتذكرة الحفاظ / 534، وتهذيب التهذيب 5/ 294.

(3) في (ح): والعجل.

(4) أخرجه الدارمي في سننه 1/ 58، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 93، وابن حزم في الإِحكام/ 1381.

(5) هو: أبو موسى عيسى بن أبي عيسى ميسرة الغفاري المدني، يقال له: "الخياط، والحناط، والخباط"؛ لأنه عمل المعايش الثلاث، روى عن أبيه وأنس والشعبي=

(3/1330)

عن (1) الشعبي: "إِياكم والمقايسة (2) "، وروي عنه نحوه من وجوه (3).

قال ابن حزم (4): "القول بالقياس أو بالرأي لا يحل في الدين، أبطلناه بالنص والعقل، وأجمع الصحابة على إِبطاله؛ لأنهم مصدقون بالقرآن، وفيه: (اليوم أكملت لكم دينكم) (5)، (فإِن تنازعتم في شيء) الآية (6)، وكل رأي جاء عنهم فليس أنه إِلزام أو حق؛ لكنه إِشارة بعفو أو صلح أو تورع"، ثم احتج بخبر عوف بن مالك (7): (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون (8) الأمور برأيهم، فيحللون

__________

=ونافع وغيرهم، وعنه وكيع وابن أبي فديك وجماعة، توفي سنة 151 هـ. ضعفه أحمد وغيره، وقال الفلاس والنسائي: متروك.

انظر: ميزان الاعتدال 3/ 320، وتهذيب التهذيب 8/ 224.

(1) نهاية 203 أمن (ب).

(2) أخرجه الدارمي في سننه 1/ 45، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 283، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 94، 167، وابن حزم في الإِحكام / 1381.

(3) انظر: سنن الدارمي 1/ 59، والفقيه والمتفقه 1/ 183 - 184، وجامع بيان العلم وفضله 2/ 94، 167 - 168، والإحكام لابن حزم/ 1025، 1381 - 1382.

(4) انظر: المحلى 1/ 73، 76، 79، 81، 82.

(5) سورة المائدة: آية 3.

(6) سورة النساء: آية 59.

(7) هو: الصحابي أبو محمَّد الأشجعي.

(8) نهاية 138.

(3/1331)

الحرام، ويحرمون الحلال). وفيه نعيم بن حماد (1) عن ابن المبارك (2) عن عيسى بن يونس (3)، والمعروف: نعيم عن عيسى (4). ونعيم وثقه جماعة (5)،

__________

(1) هو: أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي الفرضي، روى عن إِبراهيم بن طهمان وابن المبارك وهشيم وغيرهم، وعنه ابن معين والذهلي والدارمي وغيرهم، توفي سنة 228 هـ. وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وضعفه النسائي. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً ... وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه، وقال: باقي حديثه مستقيم.

انظر: تاريخ بغداد 13/ 316، وتذكرة الحفاظ/ 418، وميزان الاعتدال 4/ 267، وتقريب التهذيب 2/ 305، والنجوم الزاهرة 2/ 257.

(2) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 163، وابن حزم في الإِحكام / 1374. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 179 وقال: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح.

(3) هو: أبو عمرو -ويقال: أبو محمَّد- عيسى بن يونس بن أبي إِسحاق السبيعي الكوفي، إِمام صدوق ثقة، سكن الشام، روى عن سليمان التيمي وهشام بن عروة والأعمش وغيرهم، وعنه حماد بن سلمة وابن المديني وابن راهويه وغيرهم، توفي سنة 187 هـ.

انظر: ميزان الاعتدال 3/ 328، وتهذيب التهذيب 8/ 237.

(4) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 180، وفي تاريخه 13/ 307 - 311، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 93. وانظر: ميزان الاعتدال 4/ 268، وتهذيب التهذيب 10/ 460.

(5) انظر: ميزان الاعتدال 4/ 267 - 268، وتهذيب التهذيب 10/ 459 - 460.

(3/1332)

وقال النسائي (1) وغيره: لا يحتج به. وقال ابن يونس (2) وغيره: روى مناكير (3)، واتهمه الأزدي (4) بالوضع في مثل هذا (5).

قال ابن معين: لا أصل له، قيل له: كيف يُحَدِّث ثقة بباطل؟

قال: شُبِّه له (6).

__________

(1) انظر: الضعفاء والمتروكين للنسائي/ 305، وتهذيب التهذيب 10/ 461.

(2) هو: أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري، إِمام حافظ ثبت مؤرخ محدث، ولد بالقاهرة سنة 281 هـ، وسمع أباه وأبا عبد الرحمن النسائي وأبا يعقوب المنجنيقي وغيرهم، روي عنه ابن مندة وغيره، توفي بالقاهرة سنة 347 هـ.

انظر: العبر 2/ 276، وفوات الوفيات 1/ 252، وتذكرة الحفاظ/ 898، وطبقات الحفاظ/ 367.

(3) انظر: تاريخ بغداد 13/ 314، وتهذيب التهذيب 10/ 462.

(4) هو: أبو الفتح محمَّد بن الحسين بن أحمد الموصلي، من حفاظ الحديث، نزيل بغداد، توفي بالموصل سنة 374 هـ، وقيل: سنة 367 هـ.

من مؤلفاته: تسمية من وافق اسمه اسم أبيه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المحدثين، ومصنف في الضعفاء.

انظر: تاريخ بغداد 2/ 283، وتذكرة الحفاظ/ 967، وطبقات الحفاظ/ 386، وشذرات الذهب 3/ 84، والأعلام 6/ 98 ط 4 سنة 1979 م.

(5) يعني: في تقوية السنة وذم الرأي. انظر: ميزان الاعتدال 4/ 269، وتهذيب التهذيب 10/ 463.

(6) انظر: تاريخ بغداد 13/ 307 وما بعدها، وتهذيب التهذيب 10/ 460 - 463.

(3/1333)

وقال البيهقي (1): تفرد به وسرقه منه جماعة ضعفاء، وهو منكر.

وقال الخطيب (2): وافقه على روايته سويد (3) وعبد الله بن جعفر (4) عن عيسى.

__________

(1) حكى ابن حجر في تهذيب التهذيب 10/ 460 - 461 نحو هذا الكلام عن ابن عدي.

(2) انظر: تاريخ بغداد 13/ 308.

(3) هو: أبو محمَّد سويد بن سعيد الهروي الحدثاني الأنباري، روى عن مالك وعيسى بن يونس وعبد الرحمن بن أبي الزناد وغيرهم، وعنه مسلم وابن ماجه وأبو زرعة وغيرهم، توفي سنة 240 هـ عن 100 عام. احتج به مسلم، وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: حديثه منكر. وعن أحمد: متروك الحديث. وكذبه ابن معين.

انظر: ميزان الاعتدال 2/ 248، وتهذيب التهذيب 4/ 272.

(4) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي القرشي بالولاء، روى عن عبد العزيز الدراوردي وأبي المليح ومعتمر بن سليمان وغيرهم، وعنه أبو زرعة الدمشقي وأبو حاتم الرازي والدارمي وغيرهم، توفي سنة 220 هـ.

وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال النسائي: ليس به بأس قبل أن يتغير. وقال هلال بن العلاء: عمي سنة 216 هـ، وتغير سنة 218 هـ. وقال ابن حبان: اختلط سنة 218 هـ، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا.

انظر: ميزان الاعتدال 2/ 403، وتهذيب التهذيب 5/ 173.

(3/1334)

وقال ابن عدي (1): رواه الحكم (2) بن المبارك (3) -ويقال: لا بأس به- عن عيسى.

سلمنا عدم الإِنكار؛ لكنه لا يدل على الموافقة؛ لاحتمال خوف أو غيره.

ثم: لا حجة في إِجماعهم.

ثم: هي أقيسة مخصوصة.

ثم: يجوز لهم خاصة (4).

رد الأول: بتواترها معنى، كشجاعة علي وسخاء حاتم.

ثم: هي ظنية.

ولأصحابنا الجوابان

__________

(1) حكاه الخطيب في تاريخه 13/ 309.

(2) في (ح): الحاكم.

(3) هو: أبو صالح البلخي، حافظ ثقة، روى عن مالك وأبي عوانة وحماد بن زيد، وعنه أبو محمَّد الدارمي وجماعة، توفي سنة 213 هـ. ولوح ابن عدي بأنه ممن يسرق الحديث. قال ابن حجر في التقريب: صدوق ربما وهم.

انظر: الكاشف 1/ 247، وميزان الاعتدال 1/ 579، وتهذيب التهذيب 2/ 438، وتقريب التهذيب 1/ 192.

(4) نهاية 403 من (ح).

(3/1335)

والثاني: بأنه دل السياق والقرائن (1) أن العمل به (2)، ولو كان بغيره لظهر واشتهر ونقل.

وسبق الثالث (3) والرابع (4) والخامس (5) والسادس (6) في الإِجماع (7).

والمراد من الإِنكار القياس الباطل، بأن صدر عن غير مجتهد، أو في مقابلة نص، أو فيما اعتبر فيه العلم، أو أصله فاسد، أو على من غلب عليه ولم يعرف الأخبار، أو احتج به قبل طلب نص لا يعرفه مع رجائه لو طلبه -فإِنه لا يجوز عند أحمد والشافعي وفقهاء الحديث، ولهذا جعلوه بمنزلة التيمّم، قال بعض أصحابنا (8): وطريقة الحنفية تقتضي جوازه- بدليل ما سبق (9) جمعا وتوفيقا.

ودعوى ابن حزم باطلة.

__________

(1) نهاية 203 ب من (ب).

(2) يعني: بالقياس.

(3) يعني: يجاب عنه بأن شياعه وتكريره قاطع عادة بالموافقة.

(4) وهو قولهم: لا نسلم عدم الإِنكار. فيجاب: بأن العادة تقتضي نقل مثله.

(5) فيجاب عنه بما سبق في الثالث.

(6) فيجاب عنه بما سبق من حجية الإِجماع.

(7) انظر: ص 371 وما بعدها، 426 وما بعدها.

(8) انظر: المسودة/ 370.

(9) من قولهم بالقياس.

(3/1336)

وجواب ما احتج به من الكتاب: ما سبق (1).

ومن الباطل حجته (2) بقوله: (فلا تضربوا لله الأمثال) (3).

ثم: القياس مأمور به شرعا، وهو دين (4).

وعند أبي الهذيل (5) المعتزلي (6): لا يطلق عليه اسم دين: وهو في بعض كلام القاضي.

وعند الجبائي (6): الواجب منه دين.

وكذا جواب من احتج بقوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله (7)) (8)، (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) (9)، (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (10)، وقيل: الكتاب: اللوح المحفوظ، وعن ابن

__________

(1) من ورود الأحاديث بالقياس وقول الصحابة به، وانظر: ص 373، 390.

(2) في (ب): حجة.

(3) سورة النحل: آية 74.

(4) انظر: التمهيد/ 158 ب، والإِحكام للآمدي 4/ 68.

(5) في (ح): أبي الحسين الهذلي المعتزلي.

(6) انظر: المعتمد/ 766.

(7) في النسخ: والرسول. وفي هامش (ب): صوابه: ورسوله.

(8) سورة الحجرات: آية 1.

(9) سورة المائدة: آية 49.

(10) سورة الأنعام: آية 38.

(3/1337)

عباس (1) القولان.

وسبق (2) في خبر الواحد النهي عن الظن (3).

قولهم: أقيسة مخصوصة.

رد: بما سبق.

ثم: عملوا لظهورها (4) -كالأدلة الظاهرة- لا لخصوصها (5). (6)

وقولهم: يجوز لهم خاصة.

رد: بما سبق، ثم: لا قائل بالتفرقة.

وأيضًا: ظن تعليل حكم الأصل بعلة توجد في الفرع يوجب التسوية (7)، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والعمل بالمرجوح ممنوع، فالراجح متعين.

قالوا: يؤدي [إِلى] (8) التفرق والمنازعة المنهي عنهما.

__________

(1) انظر: تفسير الطبري 11/ 345، وزاد المسير 3/ 35، والدر المنثور 3/ 11.

(2) في ص 492.

(3) يعني: الاحتجاج بالنهي عن الظن، والجواب عنه.

(4) في (ب): لظهورا.

(5) في (ح) و (ظ): لا بخصوصها.

(6) نهاية 138 ب من (ظ).

(7) نهاية 204 أمن (ب).

(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ) و (ب).

(3/1338)

رد: بالمنع، ثم: بخبر الواحد (1) والعموم.

.......................

وقد (2) أثبت قوم القياس في الأحكام لا الحقائق، فقالوا في (3) حياة الشعر (4): "جزء من الحيوان، فنجس بالموت، كالأعضاء"، واحتجوا على الحياة بخصيصتها وهو النماء، وانقطاعه (5) بالموت، كما يحتج بالحركة الاختيارية عليها (6).

ورد: العلم بالخصيصة (7) بتعليل أو باطراد عادة، وهو القياس، فإِن القياس يحتج به على الحكم في الفرع بخصيصته بالعلة (8) أو دليلها.

وفي الصحيحين (9) من حدتحا أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال -للذي أراد الانتفاء من ولده بمخالفة لونه-: (لعله نَزَعه عِرْق)، وهو قياس لجواز

__________

(1) في (ح): ثم بالعموم.

(2) انظر: المسودة/ 366.

(3) نهاية 404 من (ح).

(4) يعني: في إِثبات حياته.

(5) يعني: انقطاع النماء.

(6) يعني: على الحياة.

(7) يعني: إِنما يكون بتعليل ... إِلخ.

(8) يعني: بخصيصته التي هي العلة ...

(9) انظر: صحيح البخاري 7/ 53، 8/ 173، وصحيح مسلم/ 1137 - 1138.

(3/1339)

مخالفة لون الولد للوالد في أحد نوعي الحيوان على نوع آخر، وقياس في الطبيعيات؛ لأن الأصل (1) لا نسب فيه، وعمدة الطب مبناه على القياس، وهو لإِثبات حقيقة الجسم، وعامة أمر الناس في عرفهم في عين وصفة وفعل مبناها عليه. (2)

.....................

فإِن قيل: ما حكم قياس العكس؟

قيل: حجة، ذكره القاضي (3) وغيره والمالكية (4)، وهو المشهور عن الحنفية (5) والشافعية، كالدلالة لطهارة دم السمك بأكله به؛ لأنه لو كان نجساً لما أكل به كالحيوانات النجسة (6) دمها، ونحو: لو سنت السورة في الأخريين لسن الجهر كالأوليين.

وفي مسلم (7) من حديث أبي ذر: (وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا:

__________

(1) وهو الحيوان.

(2) يعني: على القياس.

(3) انظر: العدة/ 219أ.

(4) ذكره عبد الوهاب. انظر: المسودة/ 425.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 183، والمسودة/ 425.

(6) كذا في النسخ. ولعل الصواب: النجسة دماؤها. أو: النجس دمها.

(7) انظر: صحيح مسلم/ 697 - 698. وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 167، 168. وأخرج -نحوه- أبو داود في سننه 2/ 61، 5/ 407.

(3/1340)

يا رسول الله، (1) أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان (2) عليه وِزْر؟ فكذلك إِذا وضعها في الحلال كان له أجر).

ومنع منه قوم، منهم: ابن الباقلاني (3).

وسبق (4) بيانه أول القياس في حده.

مسألة

النص على علة حكم الأصل يكفي في التعدي عند أصحابنا، قال القاضي (5) وابن عقيل: أشار أحمد إِليه: "لا يجوز بيع رطب بيابس"، واحتج بنهيه (6) عن بيع الرطب بالتمر.

وذكره بعض أصحابنا (7) وغيرهم عن الأكثر (8) من مثبتي القياس -كالرازي والكرخي وأكثر الشافعية- ومن منكريه، كالنظام والقاشاني والنهرواني.

__________

(1) نهاية 204 ب من (ب).

(2) في (ظ): كان.

(3) انظر: المسودة/ 425.

(4) في ص 1192.

(5) انظر: العدة / 211أ.

(6) يعني: بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم -.

(7) انظر: المسودة/ 390.

(8) نهاية 139 أمن (ظ).

(3/1341)

وفي الروضة (1): (2) إِن ورد التعبد بالقياس كفى، وإلا فلا. وذكره في التمهيد (3) ضمن مسألة تخصيص العلة، واختاره السرخسي (4)، وذكره عن بعض شيوخه، واختاره الآمدي (5)، وذكره عن أكثر الشافعية، وقاله الجعفران (6) وبعض الظاهرية (7)، وذكره عبد الوهاب المالكي (8) وبعض أصحابنا قول الجمهور ونصروه.

وعند أبي عبد الله البصري (9): يكفي في علة التحريم؛ لا غيرها (10)، قال بعض أصحابنا (11): هو قياس مذهبنا في الأيمان وغيرها؛ لأنه يجب ترك المفاسد كلها، بخلاف المصالح، فإِنما يجب تحصيل ما يُحتاج إِليه.

وسمى ابن عقيل (12) العلة المنصوصة استدلالا، وقال: مذهبنا: ليس بقياس، وأنه قول جماعة من الفقهاء؛ لأن الفأرة كالهرة في الطواف المصرح به.

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 293.

(2) نهاية 405 من (ح).

(3) انظر: التمهيد/ 167أ، 168أ.

(4) هو: أبو سفيان. انظر: العدة/ 211أ، والمسودة/ 390.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 55، 56.

(6) انظر: المعتمد/ 753.

(7) انظر: المعتمد/ 753، والإِحكام للآمدي 4/ 55، والإِحكام لابن حزم/ 1110.

(8) انظر: المسودة/ 391.

(9) انظر: المعتمد/ 753.

(10) كالإِيجاب والندب.

(11) انظر: المسودة/ 391.

(12) انظر: المرجع السابق/ 392.

(3/1342)

وذكر القاضي (1) التنبيه (2) والعلة المنصوصة وما في معنى الأصل -كالزيت مع السمن (3)، والأمة مع العبد، والجوع مع الغضب- مسألة واحدة.

وسبق (4) في التنبيه.

وكذا ذكر أبو المعالي (5) الأمة مع العبد والبول في إِناء وصبه في ماء ونحوهما: في تسميته قياسا مذهبان نحو الخلاف في العلة المنصوصة، ورجح تسميته قياسا، قال: وهي لفظية.

وفي التمهيد (6): لا يجوز المنع من هذا القياس، وإن نهي عن القياس الشرعي.

وقصره ابن الباقلاني (7) وأبو حامد الإِسفراييني وغيرهما على الصورة المعللة، تُعبدنا بالقياس، أوْ لا.

وفي التمهيد (8): لم يقله أحد. كذا قال.

__________

(1) انظر: العدة / 205أ.

(2) في (ب): الشبيه.

(3) نهاية 205أمن (ب).

(4) في ص 1061 وما بعدها. وانظر: المسودة/ 389.

(5) انظر: البرهان/ 785 - 786.

(6) انظر: التمهيد/ 160 ب وفيه: لا يحسن.

(7) انظر: المسودة/ 390.

(8) انظر: التمهيد / 154أ.

(3/1343)

وفي مقدمة المجرد (1): احتمالان، أحدهما: لا يتعدى، حتى يقول: قيسوا عليه، والثاني: يتعدى.

وذكر الشيرازي (2) احتمالين، أحدهما: يتعدى. والثاني: لا، كالوكيل فيه، ورجّحه.

وقال بعض أصحابنا (3): يظهر في: "حرمت السكرّ لحلاوته" التعليل بالحلاوة الخاصة لا المطلقة، بخلاف قوله: "لأنه حلو".

وسوى ابن عقيل (3) وغيره.

وجه الثاني: لا دليل، والأصل عدمه.

وأيضًا: "أعتقت سالما (4) لدينه أو لأنه دَيِّن" لا يتعدى.

ومناقضة العقلاء له لطلب فائدة التخصيص لا للعموم.

وذكر (5) الآمدي (6) عن بعضهم: إِن علم قصده للدين عم، وعن بعضهم: يعم بالنية، وعن بعضهم: يعم إِن قال: "قيسوا عليه كل دَيِّن"،

__________

(1) انظر: المسودة/ 390.

(2) هو: أبو الفرج المقدسي.

(3) انظر: المسودة/ 386.

(4) نهاية 406 من (ح).

(5) نهاية 139 ب من (ب).

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 17.

(3/1344)

واختاره الصيرفي الشافعي.

وفي الروضة (1) -في هذه الصورة-: لا يعم.

وفي العدة (2): يعم.

فإِن احتج به نفاة القياس.

رد: بأن (3) التعبد منع منه مبالغة في صيانة ملك الآدمي بخلاف الأحكام (4)، ولجواز تناقض علته، ولهذا لو قال الشارع: "قيسوا عليه" عم، ولهذا فُهِم القياس لغة وعرفا في غير الملك نحو: "لا تشربه فإِنه مُسْهِل، ولا تجالسه لبدعته".

ولو قال لوكيله: "أعتقه لدينه أو لأنه دين" لم يعم إِجماعًا، ذكره الآمدي (5)

وكذا لو قال: "قس عليه"، أو كان قال له: "إِذا أمرتُك بشيء لعلة فقس عليه"؛ لجواز المناقضة عليه (6) والبداء، ولأن الشرع لم يدل عليه ولم يكلف به.

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 290، 293.

(2) انظر: العدة/ 202أ، 212 ب.

(3) نهاية 205 ب من (ب).

(4) في (ظ): لجواز.

(5) انظر: منتهى السول للآمدي 3/ 37، والإِحكام له 2/ 256.

(6) ضرب في (ظ) على: (عليه).

(3/1345)

وعند أبي الخطاب (1): يعم -وفي كلام القاضي (2) والآمدي (3) ما يوافقه- ككلام الشارع، والأصل عدم البداء، ولأنه كجواز ورود النسخ، ولا يمنع القياس.

قالوا: "حرمت الخمر لإِسكاره" كـ"حرمت كل مسكر".

رد: دعوى بلا دليل، ثم: لو كان عتق من سبق.

فإِن قيل: لأنه حق آدمي، فوقف على الصريح.

رد: دعوى، ثم: يلزم التعارض، وهو خلاف الأصل، ثم: الظاهر فيه (4) كالصريح.

قالوا: قوله لابنه: "لا تأكله؛ لأنه مسموم" يتعدى.

رد: لقرينة شفقة الأب، والأحكام يجمع فيها بين مختلفين، ويفرق بين متماثلين؛ لأن المصلحة إِن اعتبرت (5) فقد تختلف بالأوقات.

وألزم ابن عقيل بالزمان.

قالوا: إِن لم يعم فلا فائدة.

رد: فائدته تعقّل المعنى -فإِنه أدعى إِلى القبول- ونفي الحكم عند عدمه.

__________

(1) انظر: التمهيد / 154 ب.

(2) انظر: العدة/ 212 ب.

(3) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 18.

(4) يعني: في العتق.

(5) في (ب): اعتبر.

(3/1346)

قالوا: كالتنبيه.

رد: إِنما فهم فيه لقرينة إِكرام الوالدين.

قالوا: كقوله: "الإِسكار علة التحريم" (1).

رد: (2): حكم بالعلة على مسكر، فلا أولوية (3)؛ لتساوي (4) نسبتها إِلى الجميع (5)

واعتمد في التمهيد (6) على قوله: أوجبت أكل السكر كل يوم؛ لأنه حلو. كذا قال.

وقال بعض أصحابنا (7): وفيه نظر؛ لأنه يبطل إِيجاب السكر.

احتج البصري (8): بأن من ترك رمانه لحموضتها لزمه التعميم، بخلاف صدقته على فقير.

رد: لا يلزمه.

__________

(1) في (ظ): للتحريم.

(2) نهاية 407 من (ح).

(3) يعني: للخمر.

(4) نهاية 206 أمن (ب).

(5) يعني: الخمر والنبيذ.

(6) انظر: التمهيد / 154أ.

(7) انظر: المسودة/ 391.

(8) انظر: المعتمد/ 754.

(3/1347)

ثم: لقرينة الأذى، ولا قرينة في الأحكام (1).

احتج من قصره: باحتماله الجزئية.

رد: ظاهر اقتصار الشارع عليه استقلاله، فلا يُترك باحتمال.

مسألة

الحكم المتعدي إِلى (2) الفرع بعلة منصوصة مراد بالنص، كعلة مجتَهَدٍ فيها: فرعها مراد بالاجتهاد؛ لأن الأصل مستتبع لفرعه، خلافا لبعضهم. ذكره أبو الخطاب (3).

قال بعض أصحابنا (4): كلامه يقتضي أنها مستقلة، قال: وهي عندي مبنية على المسألة قبلها، قال: وذكر القاضي أعم من ذلك، فقال: الحكم بالقياس على أصل منصوص عليه (5) مراد بالنص الذي في الأصل، خلافا لبعض المتكلمين.

مسألة

يجري القياس في الكفارات والحدود والأبدال والمقدرات عند أصحابنا

__________

(1) فقد تختص ببعض المحال لأمر لا يدرك.

(2) نهاية 140أمن (ظ).

(3) انظر: التمهيد / 155أ، والمسودة/ 386.

(4) انظر: المسودة/ 386.

(5) يعني: وإن لم ينص على العلة.

(3/1348)

والشافعية والأكثر -وأومأ إِليه أحمد (1) - خلافا للحنفية (2)، مع تقديرهم (3) الجمعة بأربعة، وخرق الخف بثلاث أصابع قياسًا.

وفي الانتصار (4) -في مسألة الموالاة-: "شروط الطهارة لا مدخل للقياس فيها؛ لعدم فهم معناها"، ثم سلّم.

لنا: عموم دليل كون القياس حجة، وقوله: "إِذا سكر هذى"، وكبقية (5) الأحكام.

قالوا: فهم المعنى شرط.

رد: الفرض فهمه، كالقتل بالمثقل وقطع النبَّاش.

قالوا: فيه شبهة، والحد يُدرأ بها.

رد: بخبر الواحد والشهادة.

مسألة

يجرى القياس في الأسباب عند أصحابنا وأكثر الشافعية (6).

__________

(1) انظر: العدة/ 218 ب، والمسودة/ 399.

(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 103، وفواتح الرحموت 2/ 317.

(3) انظر: الهداية 1/ 28 - 29، 83، وبدائع الصنائع/ 105، 680 - 681.

(4) انظر: الانتصار 1/ 61أ.

(5) نهاية 206 ب من (ب).

(6) انظر: المحصول 2/ 2/ 465، والإِحكام للآمدي 4/ 65، ونهاية السول 3/ 33.

(3/1349)

ومنعه الحنفية (1)، واختاره الآمدي (2) وغيره.

وفي المغني (3) -في مسألة اللوث (4) -: لا يجوز القياس في المظان؛ لأنه جمع بمجرد الحكمة، وإنما يتعدى الحكم بتعدى سببه.

القائل بالأول: إِطلاق الصحابة، وقول علي: "إِذا سكر افترى"، ولإِفادته للظن.

وأيضاً: لصحة التعليل بالحكمة أو ضابطها.

رد: ذلك مستقل بثبوت الحكم، والوصف الذي جُعل سببا للحكم مستغنى عنه.

وقد (5) يجاب: بأنه لا يمنع الجواز.

القائل (6): ثبت القتل بالمثقل سببا كالمحدد، واللواط سببا كالزنا، وفحو ذلك.

__________

(1) انظر: فواتح الرحموت 2/ 319.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 65.

(3) انظر: المغني 8/ 494.

(4) اللوث: العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعَى عليه، كنحو ما بين القبائل والأحياء. وقيل: اللوث: ما يغلب على الظن صدق المدعي، فتكون العداوة صورة من صوره. انظر: المغني 8/ 491 - 493.

(5) نهاية 408 من (ح).

(6) في (ح) و (ظ): القائل بالثاني: ثبت ... إِلخ. والذي يظهر: أن هذا تابع لدليل القائل بالأول. وانظر: الإِحكام للآمدي 4/ 66، وشرح العضد 2/ 256.

(3/1350)

رد: السبب واحد، وهو القتل العمد العدوان، وإيلاج فرج في فرج.

مسألة

يجوز عند أصحابنا والجمهور ثبوت الأحكام كلها بتنصيص من الشارع؛ لا بالقياس؛ لأنه لا بد له من أصل، ولأن فيها (1) ما لا يعقل معناه.

قالوا: متماثلة يجمعها (2) حد الحكم، فتتساوى (3) فيما جاز (4) على بعضها (5).

رد: قد يجوز باعتبار خصوصيته.

قالوا: الحوادث لا تتناهي، فكيف تنطبق عليها نصوص (6) متناهية؟.

رد: بل متناهية (7)؛ لتناهي التكليف بالقيامة.

ثم: يجوز أن يحدث نصوص لا تتناهى.

مسألة

النفي: إِن كان أصليا جرى فيه قياس الدلالة -وهو الاستدلال

__________

(1) يعني: في الأحكام.

(2) في (ح): فيجمعها.

(3) في (ح): فيتساوى.

(4) في (ظ): ونسخة في هامش (ب): زاد.

(5) وهو القياس، فقد جاز على بعضها.

(6) نهاية 140 ب من (ظ).

(7) يعني: الحوادث متناهية.

(3/1351)

بانتفاء (1) حكم شيء على انتفائه عن مثله، فيؤكَّد به الاستصحاب- وإلا جرى فيه القياسان؛ لأنه حكم شرعي كالإِثبات.

* * *

ويستعمل القياس على وجه التلازم؛ فيجعل حكم الأصل في الثبوت ملزومًا، وفي النفي نقيضه لازما، نحو: "لما وجبت زكاة مال البالغ للمشترك بينه وبين مال الصبي وجب (2) فيه"، و"لو وجبت في حلي وجبت في جوهر قياسا، واللازم منتف، فينتفي ملزومه".

* * *

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

الاعتراضات على القياس

خمسة وعشرون:

الاستفسار: وهو طلب معنى لفظ المستدل؛ لإِجماله أو غرابته.

وبيانهما على المعترض باحتماله أو بجهة الغرابة بطريقة؛ لأن الأصل عدمهما (3).

ولا يلزمه (4) بيان تساوي الاحتمال، لعسره.

__________

(1) نهاية 207 أمن (ب).

(2) كذا في النسخ. ولعلها: وجبت.

(3) يعني: الإِجمال والغرابة.

(4) يعني: المعترض.

(3/1352)

ولو قال: "الأصل عدم مرجح (1) " فقيل: جيد.

وقيل: لا؛ لأنه سلّمه لما سلم الاستعمال، والأصل عدم الاشتراك.

رد: لا ينحصر سبب (2) الإِجمال في الاشتراك.

ثم: جواب المستدل: منع احتماله، أو بيان ظهوره في مقصوده بنقل أو عرف أو قرينة، أو تفسيره إِن تعذر إِبطال غرابته.

ولو قال: "يلزم ظهوره في أحدهما -دفعا للإِجمال (3) - أو فيما قصدتُه؛ لعدم ظهوره في الآخر اتفاقًا" كفى، بناء على أن المجاز أولى (4).

ولا يعتد بتفسيره بما لا يحتمله لغة.

* * *

فساد الاعتبار: وهو مخالفة (5) القياس نصا (6).

وجوابه: بضعفه، أو منع ظهوره، أو تأويله، أو القول بموجَبه، أو معارضته بمثله ليسلم القياس، أو يبين ترجيحه على النص بما سبق (7) (8) في خبر الواحد.

__________

(1) يعني: التزم التساوي تبرعًا، وبين التساوي بأن الأصل عدم مرجح.

(2) في (ح): بسبب.

(3) وهو خلاف الأصل.

(4) لأنه يلزم أن يكون مجازاً في الآخر، لكن المجاز أولى من الإجمال.

(5) نهاية 409 من (ح).

(6) يعني: مخالفته لنص.

(7) في ص 632 - 633.

(8) نهاية 207 من (ب).

(3/1353)

وفي الواضح (1): منه اعتبار ما بناؤه على التوسعة أو (2) التضييق بالآخر، أو الابتداء بالدوام، أو الرق بالعتق، أو العتق بالبيع، أو المرأة بالرجل في القتل بالردة مع اختلافهما في كفر أصلي (3).

* * *

فساد الوضع: وهو اعتبار الجامع في نقيض الحكم.

كقول شافعي في مسح الرأس: مسح، فَسُنَّ تكراره كالاستنجاء.

فيعترض: بكراهة تكرار مسح الخف.

وجواب المستدل: ببيان المانع؛ لتعرضه لتلفه (4).

وسؤال فساد الوضع نقض خاص (5)؛ لإِثباته نقيض الحكم.

فإِن ذكر المعترض نقيض الحكم مع أصله -فقال: لا يسن تكرار مسح الرأس كالخف- فهو القلب، لكن اختلف أصلهما (6).

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 187 ب- 188أ.

(2) في (ظ): والتضييق.

(3) يعني: هذا الاعتبار يعترض عليه لفساده؛ لمخالفة ما بني على التوسعة لما بني على التضييق، ومخالفة الابتداء للدوام؛ لأن الدوام أقوى، والابتداء أضعف، فلا يعتبر أحدهما بالآخر ... إِلخ.

(4) يعني: تلف الخف.

(5) نهاية 141 أمن (ظ).

(6) ففي القلب يثبت نقيض الحكم بأصل المستدل، وفي فساد الوضع يثبت بأصل آخر.

(3/1354)

وإن بين المعترض مناسبة الجامع للنقيض ولم يذكر أصله: فإِن بَيّنها من جهة دعوى المستدل فهو القدح في المناسبة، وإلا لم يقدح؛ لجواز أن للوصف جهتين، كمحل مشتهى: يناسب حلّه لإِراحة القلب، وتحريمه لكف النفس.

وفسر أبو محمَّد البغدادي فسماد الوضع بجعله القياس دليلاً على منكره، فيمنعه، وجوابه: بيان كونه حجة، وَرَدَّ التفسير السابق إِلى القلب.

* * *

منع حكم الأصل:

ولا ينقطع بمجرده عند أصحابنا والأكثر، فيدل عليه، كمنع (1) العلة أو وجودها، فإِنه (2) إِجماع (3)، ذكره الآمدي (4).

وقيل: ينقطع؛ لانتقاله، واختاره أبو إِسحاق الإِسفراييني (5) مع ظهور المنع.

واختار الغزالي (6): اتباع عُرْف المكان (7).

__________

(1) يعني: كمنع علية العلة أو منع وجودها. وفي (ظ): "منع" بعد أن مسحت الكاف.

(2) يعني: إِثباتها بدليل.

(3) ولا يعد المنع قطعاً له.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 75، ومنتهى السول له 3/ 40.

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 75 - 76.

(6) انظر: المستصفى 2/ 349، والإحكام للآمدي 4/ 76.

(7) فإِن عدوه قطعا فقطع، وإلا فلا؛ لأنه أمر وضعي لا مدخل فيه للشرع والعقل.

(3/1355)

واختار صاحب التنبيه الشافعي (1): لا يُقبل (2) منعه، فلا يلزمه يدل عليه. كذا قال. (3)

قال في الواضح (4): فإِن اعترض على حكم الأصل بأني لا أعرف مذهبي فيه: فإِن أمكن المستدل بيانه، وإلا دل على إِثباته (5).

ثم: أصح القولين: لا ينقطع المعترض بمجرد دلالة المستدل، فله الاعتراض، وليس بخارج عن المقصود الأصلي.

قال أصحابنا (6) والشافعية وغيرهم: للمستدل أن يحتج بدليل عنده

__________

(1) هو: أبو إِسحاق جمال الدين إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروز آبادي، فقيه أصولي متقن في علوم شتى، توفي سنة 476 هـ.

من مؤلفاته: المهذب، والتنبيه -وهما في الفقه- واللمع، وشرحه، والتبصرة، وهي في أصول الفقه.

انظر: المنتظم 9/ 7، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 2/ 172، ووفيات الأعيان 1/ 9, وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 215، وشذرات الذهب 3/ 349.

وكتابه "التنبيه" من أهم المختصرات الفقيه في المذهب الشافعي، وهو مطبوع. انظر: الإِمام الشيرازي -حياته وآراؤه الأصولية- ص 168.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 76، والمنتهى لابن الحاجب/ 143.

(3) نهاية 208 أمن (ب).

(4) انظر: الواضح 1/ 170 ب.

(5) يعني: حكم الأصل.

(6) انظر: المسودة/ 439 - 440.

(3/1356)

فقط كمفهوم وقياس، فإِن منعه خصمه دَلَّ عليه ولم ينقطع، خلافا لأبي علي الطبري الشافعي إِن كان الأصل خفيا.

وأطلق أبو محمَّد البغدادي المنع عن قوم.

وليس للمعترض أن يلزمه ما يعتقده هو فقط (1)، ولا أن يقول: "إِن سلمتَه وإلا دللتُ عليه"، خلافا لبعض الشافعية (2)، (3) قال: لأنه بالمعارضة كالمستدل.

وقال بعض أصحابنا (4): لم ينقع واحد منهما، فيكون الاستدلال في مهلة النظر في المعارِض.

* * *

التقسيم: وارد عندنا وعند الأكثر.

وهو: احتمال لفظ المستدل لأمرين أحدهما ممنوع.

وبيانه على المعترض كالاستفسار.

مثاله -في الصحيح في الحضر (5) -: وُجِد السبب بتعذر الماء، فجاز التيمم.

__________

(1) ولا يعتقده المستدل.

(2) انظر: المسودة/ 440.

(3) نهاية 410 من (ح).

(4) انظر: المسودة/ 440 قال: والتحقيق أن المستدل إِن أمكنه من ذلك وأجاب انقطع المعترض، وإن لم يمكنه لم ينقطع واحد منهما.

(5) يعني: إِذا لم يجد الماء.

(3/1357)

فيقول المعترض: السبب تعذره مطلقًا، أو في سفر أو مرض (1)، الأول ممنوع.

فهو منع بعد تقسيم.

وجوابه: كالاستفسار.

ولو ذكر (2) المعترض احتمالين لم يدل عليهما لفظ المستدل -كقول المستدل (3): "وُجِد سبب استيفاء القصاص (4) [فيجب] (5) "، فيقول: متى (6)، مع مانع الالتجاء إلى الحرم أو عدمه؟ الأول ممنوع- فإن أورده على لفظ المستدل لم يقبل؛ (7) لعدم تردد لفظ السبب بين الاحتمالين، وإن أورده على دعواه الملازمة بين الحكم ودليله فهو مطالبة بنفي المانع، ولا يلزم المستدل.

وإن استدل المعترض مع ذلك (8) على وجود المعارِض فمعارضة.

* * *

__________

(1) يعني: تعذره في سفر أو مرض.

(2) نهاية 141 ب من (ظ).

(3) في مسألة الملتجئ إِلى الحرم.

(4) وهو القتل العمد العدوان.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(6) يعني: متى كان سببا؟

(7) نهاية 208 ب من (ب).

(8) في (ح): دليل.

(3/1358)

منع وجود ما ادعاه المستدل علة في الأصل: كقوله في الكلب: حيوان يُغسل من ولوغه سبعا، فلا يطهر بالدباغ كالخنزير.

فيمنع (1).

وجوابه: ببيانه بدليله من عقل أو حس أو شرع بحسب حال الوصف.

وله (2) تفسير لفظه بمحتمل.

وذكر الآمدي (3) عن بعضهم: "يُقبل بما له وجود في الأصل ولو لم يحتمله"، وليس بشيء.

* * *

منع كونه علة: وهو أعظم الأسئلة؛ لعموم وروده وتشعب مسالكه، قاله الآمدي (4).

ويقبل عندنا وعند الأكثر؛ لئلا يحتج المستدل بكل طرد، وهو لعب، ولأن الأصل عدم دليل القياس، خُولف فيما نقل عن الصحابة أو أفاد الظن.

وليس (5) القياس رد فرع إِلى أصل بجامع ما، بل بجامع مظنون.

__________

(1) يعني: يمنع أن الخنزير يغسل من ولوغه سبعا.

(2) يعني: للمستدل.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 81.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 82.

(5) هذا جواب دليل مقدر.

(3/1359)

وليس عجز المعارض دليل صحته؛ للزوم صحة كل صورةِ دليلٍ لعجزه (1).

وجوابه: ببيانه بأحد مسالك العلة السابقة (2).

* * *

عدم التأثير:

قال بعض أصحابنا (3): ولا يؤثر في قياس الدلالة على الصحيح فيه -وقاله ابن عقيل (4) - لأنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، وذكره في الانتصار في مسألة عدالة الشهود والنكاح بلفظ الهبة.

وقال أيضًا: لا يرد على القياس النافي للحكم؛ لتعدد سبب انتفائه لعدم العلة أو جزئها، (5) أو وجود مانع أو ذوات شرط، بخلاف سبب ثبوته؛ (6) لأن عدم التأثير إِنما يصح إِذا لم يخلف العلة علة أخرى، ولأنه يرجع إلى قياس الدلالة، والقاضي يفسد كثيراً (7) الجمع والفرق بعدم التأثير في النفي، وهو

__________

(1) يعني: لعجز المعارض.

(2) في ص 1257 وما بعدها.

(3) انظر: انظر: المسودة/ 420، 422.

(4) انظر: الواضح 1/ 175 ب، والجدل على طريقة الفقهاء/ 56.

(5) نهاية 209أمن (ب).

(6) نهاية 411 من (ح).

(7) في (ب) و (ظ): كثير الجمع.

(3/1360)

ضعيف، كالفرق في لبن الآدميات بين الحية والميتة بالنجاسة، فيقول: "لا تأثير لهذا؛ فإِن لبن (1) الرجل والصيد طاهر، ولا يجوز بيعه"، وكالفرق بين اللبن وبين الدمع والعرق بعدم المنفعة، فيقول: "الوقف وأم الولد فيه منفعة، ولا يجوز بيعه".

وقسم الجدليون عدم التأثير أربعة أقسام:

عدم التأثير في الوصف: مثاله: الصبح صلاة لا تقصر، فلا يقدم أذانها على وقتها كالمغرب.

فعدم القصر هنا طردي (2)، فيرجع إِلى سؤال المطالبة (3) قبله.

الثاني: عدم التأثير في الأصل؛ لثبوت حكمه بدونه.

مثاله في بيع الغائب: مبيع غير مرئي، فبطل كالطير في الهواء.

فالعجز عن التسليم مستقل (4).

وقبوله وردُّه مبني على تعليل الحكم بعلتين.

ولم يقبله أبو محمَّد البغدادي (5) بناء على هذا.

__________

(1) نهاية 142 أمن (ظ).

(2) لا أثر له في عدم تقديم الأذان.

(3) يعني: المطالبة بكون الوصف علة.

(4) يعني: كاف في عدم صحة بيع الطير، فكونه غير مرئي وإن ناسب نفي الصحة فلا تأثير له.

(5) انظر: المسودة/ 421.

(3/1361)

وقبله في الروضة (1) وغيرها.

وهو معارضة في الأصل (2).

الثالث: عدم التأثير في الحكم (3):

مثاله في المرتدين: مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب، فلا ضمان كالحربي.

فـ "دار الحرب" طردي، فيرجع إِلى الأول.

ومثَّله بعض أصحابنا (4) بقولنا في تخليل الخمر: مائع لا يطهر بالكثرة، فلا يطهر بالصنعة كالدهن واللبن.

فقيل للقاضي (4): قولك: "لا يطهر بالصنعة" لا أثر (5) له في الأصل (6).

فقال: هذا (7) حكم العلة، والتأثير يعتبر في العلة دون الحكم.

__________

(1) انظر: روضة الناظر/ 249.

(2) يعني: بإِبداء علة أخرى.

(3) وهو: أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير له في الحكم المعلَل. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 85.

(4) انظر: المسودة/ 420 - 421.

(5) نهاية 209 ب من (ب).

(6) يعني: فإنه لا يطهر بالصنعة ولا بغيرها.

(7) يعني: قولنا: لا يطهر بالصنعة.

(3/1362)

قال بعض أصحابنا (1): هذا ضعيف، وذكر أبو الخطاب (2) فيه مذهبين، ومثَّله بهذا.

الرابع: عدم التأثير في الفرع (3):

مثاله: زوجت نفسها، فبطل، كما لو زوجت بلا كفء.

وتزويجها نفسها مطلقًا لا أثر له في الأصل (4)، فيرجع إِلى الثاني (5).

قال الآمدي (6): عدم التأثير في محل النزاع، كـ "زوجت نفعسها بلا كفء فبطل"، فرده قوم؛ لمنعهم جواز الفرض في الدليل، وقَبِله من لم يمنعه، وهو المختار، ومع ذلك كله فالوصف قد يفيد لقصد دفع النقض أو لقصد الفرض (7) في الدليل. كذا قال.

وقال بعض أصحابنا (8): يجوز الفرض في بعض صور المسألة المسئول عنها عند عامة الأصوليين.

__________

(1) انظر: المسودة/ 421.

(2) انظر: التمهيد/ 174أ.

(3) وهو: أن يكون الوصف المذكور في الدليل لا يطرد في جميع صور النزاع وإن كان مناسبًا. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 86.

(4) انظر: حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/ 266.

(5) وهو: عدم التأثير في الأصل.

(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 86.

(7) يعني: فلا يكون عدم التأثير.

(8) انظر: المسودة/ 425.

(3/1363)

وكذا (1) في الروضة (2): له أن يخص الدليل، فيفيد لغرض الفرض ببعض صور الخلاف، إِلا أن يعم الفتيا فلا (3).

وقال أبو محمَّد البغدادي (4): المختار مطابقة الجواب للسؤال، ويجوز أعم، وإن كان أخص: فمنع ابن فورك الفرض في الجواب والدليل، وجوزه غيره، مثل: السؤال (5) عن فسخ النكاح بالعيوب الخمس (6)، فيفرض في واحد منها؛ لأن الدليل قد يساعده في الرتق دون غيره، فله غرض صحيح، وجوز قوم الفرض في الدليل لا الجواب؛ ليطابق، وهو خطأ. ومن جوز الفرض اختلفوا في وجوب بيان (7) ما خرج عنه عليه، ثم اختلف الباقون في كيفية البناء، والمختار: جواز الفرض من غير بناء، وعليه الاصطلاح (8)؛ لإِرفاق (9) المستدل وتقريب الفائدة. هذا كلامه.

__________

(1) نهاية 412 من (ح).

(2) انظر: روضة الناظر/ 349.

(3) لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به.

(4) انظر: المسودة/ 425.

(5) نهاية 142 ب من (ظ).

(6) كذا في النسخ. ولعلها: الخمسة.

(7) كذا في النسخ. ولعلها: بناء.

(8) في (ح) و (ظ) ونسخة في هامش (ب): الاصلاح.

(9) نهاية 210 أمن (ب).

(3/1364)

وعندنا (1) وعند الأكثر: إِن أتى بما لا أثر له في الأصل -لقصد دفع النقض- لم يجز.

وفي مقدمة المجرد (1): يحتمل أن لا يجوز، ويحتمل أن يجوز؛ لأنه محتاج إِليه كتعليق الحكم بالوصف المؤثر.

وذكر أبو المعالي (2): أنه أجازه من صحح العلة بالطرد، وبعضهم مطلقًا، ثم اختار تفصيلاً.

وفي التمهيد (3): ان أتى في العلة بما لا أثر له، نحو: "الجمعة صلاة مفروضة، فلم تفتقر إِلى إِذن كغيرها": فـ "مفروضة" قيل: يضر دخوله؛ لأنه بعض (4) العلة، وقيل: لا، فإِن فيه تنبيها على أن غير الفرض أولى أن لا يفتقر، ولأنه يزيد تقريبه (5) من الأصل (6)، فالأولى ذكره.

وِإن أتى به تأكيدا فكلامه (7) يقتضي منعه، بخلافه لزيادة بيان.

__________

(1) انظر: المسودة/ 428.

(2) انظر: البرهان/ 797 - 798.

(3) انظر: التمهيد/ 174 أ.

(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لأنه نقص العلة. فقد قال في التمهيد: لأنه نقص العلة بعد أن كانت تامة؛ لأن قوله: "صلاة" يعم الفرائض والنوافل، فإِذا قال: "مفروضة" أخرج النوافل وأوهم.

(5) انظر: التمهيد/ 174أ، والمسودة/ 429.

(6) لأنه يكثر ما يجتمعان فيه.

(7) انظر: التمهيد/ 174أ، والمسودة/ 429.

(3/1365)

ويقتضي كلام ابن عقيل (1) [أن] (2) له ذكره تأكيدا أو لتأكيد العلة، فيتأكد الحكم، وللبيان ولتقريبه من الأصل، وقال (3): إِن جعل الوصف مخصصا لحكم العلة -كتخليل الخمر: "مائع لا يطهر بكثرة، فكذا بصنعة آدمي كخل نجس"، فلا (4) يطهر الأصل مطلقًا- فصححه (5) بعض الجدليين وبعض الشافعية؛ لأن الأثير يطالب به في العلة لا الحكم، وقيل: الحكم عدم الطهارة، وتعلقه بالصنعة من العلة (6)، فيجب بيان تأثيره، قال (7): وهذا أصح.

* * *

القدح في مناسبة الوصف بما يلزم من مفسدة راجحة أو مساوية:

وجوابه: بالترجيح (8)، كما سبق (9) في انخرام المناسبة.

* * *

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 178 ب.

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(3) انظر: الواضح 1/ 177 ب-178 أ.

(4) يعني: فيقول المعترض: لا تأثير لقولك: "بصنعة" في الأصل. لأنه لا يطهر بصنعة ولا بغيرها.

(5) يعني: ولم يصحح السؤال.

(6) يعني: من تمامها.

(7) انظر: الواضح 1/ 178 أ.

(8) في (ب): وبالترجيح.

(9) في ص 1284 - 1286.

(3/1366)

القدح في إِفضاء الحكم إِلى ما علّل به من المقصود: كتعليله حرمة المصاهرة أبدا بالحاجة إِلى رفع الحجاب المؤدي (1) إِلى الفجور، فإِذا تَأَبَّد انسد باب الطمع في مقدمات الهمّ بها ونظره إِليها.

فيعترض: بأن سَدَّه أفضى إِلى الفجور؛ (2) لميل النفس إِلى الممنوع.

وجوابه (3): بأن التأبيد يمنع عادة منه؛ لأنه يصير طبيعيا كالأمهات.

* * *

كون الوصف خفيا: كتعليله صحة النكاح بالرضا، ووجوب القود بالقصد.

فيعترض: بأنه خفي، والخفي لا يعرِّف الخفي.

وجوابه: ضبطه بما يدل عليه من صيغة -كإِيجاب وقبول- أو فعل.

* * *

كونه غير منضبط: كتعليله بالحِكَم والمقاصد، كتعليله رخص السفر بالمشقة، وقطع السارق بالزجر.

فيعترض: باختلافها (4) بالأشخاص والأزمان والأحوال.

__________

(1) نهاية 210 ب من (ب).

(2) نهاية 413 من (ح).

(3) نهاية 143أمن (ظ).

(4) في (ظ): باختلافهما.

(3/1367)

وجوابه: ببيان أنه منضبط بنفسه، أو بضابط للحكمة (1) كضبط الحرج بسفر أو مرض.

* * *

النقض: سبق (2) (3) بيانه والخلاف في إِبطال العلة به.

مثاله -في الحلي-: مال غير نام، فلا زكاة، كثياب البذلة (4).

فيعترض: بالحلي المحرم (5).

وجوابه: منع وجود العلة في صورة النقض، أو منع الحكم فيها.

وليس للمعترض الدلالة على وجود العلة فيها؛ لقلب القاعدة بجعله مستدلا، والمستدل معترضا، ذكره في الروضة (6)، وذكره القاضي (7) وأبو الطيب (7) الشافعي إِلا أن يبين (8) مذهب المانع.

وقيل: له ذلك؛ لتحقيق تمام سؤاله ومقصود النظر، وإنما يتقرر المنع بالدلالة،

__________

(1) في (ب): للحكم.

(2) في (ظ): ما سبق.

(3) في ص 1220.

(4) ثياب البذلة: ما يمتهن من الثياب. انظر: الصحاح/ 1632، ولسان العرب 13/ 52.

(5) فإنه غير نام، وتجب فيه الزكاة.

(6) انظر: روضة الناظر / 342.

(7) انظر: المسودة/ 437.

(8) في (ب) و (ظ): إلا أن يبين فيه مذهب المانع. وانظر: المسودة/ 437.

(3/1368)

واختاره الآمدي (1) إِن تعذر الاعتراض بغيره، واختاره بعضهم إِن لم يكن له طريق أولى بالقدح.

ومنعه بعضهم في الحكم الشرعي؛ لأن للمستدل فيه أن (2) يجيبه بتخلف الحكم لمانع أو انتفاء شرط جمعا بين الدليلين؛ بخلاف الحكم العقلي.

وكذا ذكر أبو محمَّد البغدادي: له الجواب بجواز تخلف الحكم فيها لمانع أو انتفاء شرط، وإن قيل: "انتفاء الحكم مع علته خلاف الأصل"، قيل: "وانتفاؤها (3) مع دليلها خلاف الأصل"، وهذا أرجح؛ لإِمكان إحالة الحكم على مانع أو انتفاء شرط، فهو ترك للدليل وأخذ بغيره، وإذا لم يعمل بدليل العلة ترك بالكلية من غير عدول إِلى غيره.

قال: وإن أجاب بأن انتفاء الحكم لمانع أو انتفاء شرط لزمه تحقيقه؛ لأنه كان من حقه (4) أن يحترز عنه أولاً، فلزمه ثانيًا.

قال أهل المناظرة -وتبعهم الآمدي (5) وغيره-: ولو دل المستدل على وجود العلة بدليل موجود في صورة النقض (6)، فقال المعترض: "ينتقض

__________

(1) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 89.

(2) نهاية 211أمن (ب).

(3) في (ح): وابتداؤها.

(4) نهاية 414 من (ح).

(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 89 - 90.

(6) يعني: ثم نقض المعترض العلة، فقال المستدل: لا أسلم وجودها.

(3/1369)

دليلك (1) "فقد انتقل (2) من نقض العلة إِلى نقض دليلها، فلا يقبل، كقول حنفي في عدم تبييت (*) النية: "أتى بمسمى الصوم -لأنه إِمساك (3) مع النية- فصح كمحل الوفاق"، فينقض المعترض بالنية بعد الزوال، فيجيبه بمنع وجودها فيه، فيقول: ينتقض دليلك.

وقال بعضهم (4): فيه نظر.

وفي الروضة (5): انتقل، ويكفي المستدل دليل يليق بأصله.

أما لو قال المعترض ابتداء: "يلزمك انتقاض علتك أو دليلها" قُبِل.

ولو منع المستدل تخلف الحكم في صورة النقض ففي تمكين المعترض من الدلالة الخلاف في تمكينه يدل على وجود العلة فيها.

وذكر ابن برهان (6): إِن منع الحكم انقطع الناقض، وإن منع الوصف فلا، فيدل عليه، وحكاه بعض أصحابنا (6) عن أبي (7) الخطاب وابن عقيل، وعلّله في التمهيد (8): بأنه بيان للنقض لا من جهة الدلالة عليه، فجاز.

....................

__________

(1) لوجوده في محل النقض بدون مدلوله، وهو وجود العلة.

(2) في (ح): انتقض.

(*) في (ح): تبيت.

(3) نهاية 143ب من (ب).

(4) انظر: المنتهى/ 145، ومختصره 2/ 268.

(5) انظر: روضة الناظر/ 343.

(6) انظر: المسودة/ 431.

(7) نهاية 211 ب من (ب).

(8) انظر: التمهيد/ 175أ.

(3/1370)

ويكفي قول المستدل في دفع النقض: لا أعرف الرواية فيها -ذكره أصحابنا (1) - للشك في كونها من مذهبه.

وفي الواضح (2): لقائل أن يجيب عنه: لا يثبت أنه قياس حتى يعلم سلامته من النقض، بخلاف استصحاب الحال؛ فإِنه تمسك بأصل موضوع، وكذا اختاره بعض الشافعية.

وإن قال: "أنا أحملها على مقتضى القياس، وأقول فيها كمسألة الخلاف" فإِن كان إِمامه يرى تخصيص العلة لم يجز؛ لأنه لا يجب الطرد عنده، وإلا احتمل الجواز -لأنه طرد علته- واحتمل المنع؛ لئلا يثبت لإِمامه مذهبا بالشك، وهو الأظهر عندي، ذكره في التمهيد (3).

وفي الواضح (4): ليس له؛ لأنه إِثبات مذهب بقياس، إِلا أن ينقل عنه أنه علّل بها، فيجريها.

......................

وإن فسر المستدل (5) لفظه بما يدفع النقض -بخلاف ظاهره، كتفسيره العام بالخاص- لم يُقبل، ذكره القاضي (6) وأبو الخطاب (7)

__________

(1) انظر: المسودة/ 435.

(2) انظر: الواضح 1/ 179أ- ب.

(3) انظر: التمهيد/ 175أ.

(4) انظر: الواضح 1/ 179 ب.

(5) نهاية 415 من (ح).

(6) انظر: العدة / 225 ب.

(7) انظر: التمهيد/ 175أ.

(3/1371)

وابن عقيل (1) وأبو الطيب (2) الشافعي وغيرهم؛ لأنه يزيد وصفا لم يكن، وذكره للعلة وقت حاجته، فلا يؤخر عنه بخلاف تأخير الشارع البيان عن وقت خطابه.

وظاهر كلام بعض أصحابنا: يُقبل وفاقا لبعضهم.

وكذا قال أبو محمَّد البغدادي (3): تفسير اللفظ بما يحتمله.

وإن (4) قال المستدل (5): "عللتُ لما سألتني عنه" فيجعل سؤاله من تمام العلة (6)؛ لوجوب استقلالها فلا تحتاج إِلى قرينة ونية.

...................

وإن أجاب المستدل بالتسوية (7) بين الأصل والفرع (8) لدفع النقض جاز عند القاضي (9) والحلواني (10) والحنفية (11).

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 180 ب- 181أ.

(2) انظر: المسودة/ 430.

(3) انظر: المسودة/ 407.

(4) في (ب) و (ظ): إِن قال.

(5) انظر: المسودة/ 436.

(6) يعني: فلا يجوز؛ لوجوب ... إِلخ.

(7) نهاية 212 أمن (ب).

(8) نهاية 144أمن (ب).

(9) انظر: العدة/ 226 ب.

(10) انظر: المسودة/ 431.

(11) انظر: أصول السرخسي 2/ 233، 277، 283، وكشف الأسرار 4/ 32، 43،=

(3/1372)

ومنعه الشافعية (1) وابن عقيل (2) -وذكره عن المحققين، والأول عن أصحابنا- وعلّل باشتراط الطرد.

وأجازه أبو الخطاب (3) إِن جاز تخصيص العلة؛ لأن الطرد ليس بشرط للعلة إِذًا، وإلا لم يجز؛ لاشتراطه، فقد وجد النقض -وهو وجود العلة بلا حكم- في الأصل والفرع.

فإِن قيل: من شرطه (4) أن لا يستوي الأصل والفرع.

رد: باطل.

مثاله -في المسح على العمامة-: عضو يسقط في التيمم، فمسح حائله كالقدم، فينقض: بالرأس في الطهارة الكبرى. فيجيبه: يستوي فيها الأصل والفرع (5).

ومثله: بائن، فلزمها الإِحداد كالمتوفَى عنها، فينقض: بالذمية

__________

=وتيسير التحرير 4/ 9، 117، 138، وفواتح الرحموت 2/ 277، 341، والواضح 1/ 181أ، والمسودة/ 431.

(1) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 266، والمستصفى 2/ 336، والمحصول 2/ 2/ 323، والإِحكام للآمدي 3/ 218، والواضح 1/ 181أ، والمسودة/ 431.

(2) انظر: الواضح 1/ 181 ب.

(3) انظر: التمهيد/ 176أ.

(4) يعني: شرط النقض.

(5) يعني: في عدم المسح.

(3/1373)

والصغيرة، فيجيبه: بالتسوية (1).

* * *

وليس للمعترض أن يلزم المستدل ما لا يقول به المعترض، كمفهوم وقياس وقول صحابي؛ لأنه احتج واً ثبت الحكم بلا دليل، ولاتفاقهما على تركه؛ لأن أحدهما لا يراه (2) دليلاً، والآخر لَمَّا خالفه دل على دليل أقوى منه، إِلا النقض والكسر على قول من التزمهما؛ لأن الناقض لم يحتجّ بالنقض ولا أثبت الحكم به، ولاتفاقهما على فساد العلة على أصل المستدل بصورة الإِلزام، وعلى (3) أصل المعترض بمحل النزاع، ذكره أصحابنا والشافعية (4) وغيرهم.

وجوز (5) بعض الشافعية (6): معارضته (7) بعلة منتقضة على أصل المعترض، وقاله (8) بعض أصحابنا (9) إِن قصد (10) إِبطال دليل المستدل لا

__________

(1) يعني: في عدم الإحداد.

(2) نهاية 416 من (ح).

(3) في (ح): الالزام على أصل ...

(4) انظر: المسودة/ 432.

(5) في (ح): وجوزه.

(6) انظر: التمهيد / 177 ب، والمسودة / 436.

(7) في (ح): معارضة.

(8) في (ح): وقال.

(9) انظر: المسودة/ 435.

(10) يعني: المعترض.

(3/1374)

إِثبات مذهبه؛ لأن المستدل إِنا يتم دليله إِذا سلم عن المعارضة (1) (2) والمناقضة، فكيف يلزم به غيره؟.

وقال ابن عقيل: إِن احتج بما لا يراه -كحنفي بخبر واحد فيما تعم به البلوى- فاعترض عليه: "لا تقول به"، فأجاب (3): "أنت تقول به، فيلزمك"، فهذا قد استمر عليه أكثر الفقهاء، وعندي: لا يحسن مثل هذا؟ لأنه -إِذًا- إِنما هو مستدل صورة.

قال: ومن نصر الأول قال: على هذا لا يحسن بنا أن نحتج على نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالتوراة والإِنجيل المبدَّلين، لكن نحتج به على أهل الكتاب، لتصديقهم به.

.................

وإن نقض المعترض أو المستدل علة الآخر بأصل نفسه لم يجز عند أصحابنا والشافعية (4)، خلافا للجرجاني (5) الحنفي وبعض الشافعية (6). (7)

__________

(1) من قوله: (وقاله بعض أصحابنا) إِلى قوله: (المعارضة) تكرر في (ب).

(2) نهاية 212 ب من (ب).

(3) في (ح): أجاب.

(4) انظر: المسودة/ 434.

(5) انظر: العدة/ 227أ، والمسودة/ 434.

(6) انظر: المسودة/ 434.

(7) نهاية 144 ب من (ظ).

(3/1375)

قال ابن الباقلاني (1): له وجه، فإِن (2) سلمه خصمه، وإلا دل عليه.

وقال بعض أصحابنا (3): نقض المعترض بأصل نفسه كقياسه على أصل نفسه، وحاصله (4): أن مقدمة الدليل المعارض ممنوعة، وليس ببعيد، كما يجوز ذلك للمستدل. كذا قال.

..................

ولو زاد (5) المستدل وصفا معهودًا [معروفا (6)] (7) في العلة لم يجز.

ذكره في التمهيد (8) والواضح (9).

ويتوجه احتمال -وفاقا لبعض الجدليين وبعض (10) الشافعية- لأنه تركه سهوا أو سبق لسان (11)، فعذر.

.....................

__________

(1) انظر: العدة/ 227أ، والمسودة/ 432.

(2) في (ب): فإِنه.

(3) انظر: المسودة/ 435.

(4) في (ب): وحاصل.

(5) يعني: بعد أن نقضت علته.

(6) أما إِذا لم يكن معروفا فقد اتفقوا على عدم قبوله.

(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح)، وترك مكانه خاليا.

(8) انظر: التمهيد/ 175 ب.

(9) انظر: الواضح 1/ 181 ب، والمسودة/ 431.

(10) نهاية 417 من (ح).

(11) في (ح): لسان سهوا. وضرب في (ب) و (ظ) على: سهوا.

(3/1376)

وفي قبول النقض بمنسوخ، وبخاص بالنبي عليه السلام: مذهبان في التمهيد (1) والواضح (2).

....................

ولا نقض برخصة ثابتة على خلاف مقتضى (3) الدليل، ذكره جماعة من أصحابنا (4) وغيرهم.

وقال أبو الخطاب (5): "هل تنتقض العلة بموضع الاستحسان؟ يحتمل وجهين"، ومثّله بما إِذا سوى بين العمد والسهو فيما يبطل العبادة (6)، فينقض بأكل الصائم (7).

وفي الواضح (8): عن أصحابنا والشافعية: لا نقض بموضع استحسان، ومثَّل بهذا، ثم قال: يقول المعترض: النص دل على انتقاضه، فيكون آكد للنقض.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 175 ب.

(2) انظر: الواضح 1/ 182أ.

(3) نهاية 213 أمن (ب).

(4) انظر: المسودة/ 437.

(5) انظر: التمهيد / 178أ.

(6) يعني: كالحدث.

(7) فإِنه يبطل عمدا لا سهوا.

(8) انظر: الواضح 1/ 180أ.

(3/1377)

وعند بعض أصحابنا (1): تنتقض المستنبطة إِن لم يبين مانعا كالنقض بالعرايا في الربا، وإِيجاب الدية على العاقلة؛ لاقتضاء المصلحة الخاصة ذلك، أو لدفع مفسدة آكد كحل الميتة للمضطر إِذا نقض بها علة تحريم النجاسة.

.......................

وهل يجب احتراز المستدل في دليله عن النقض؟

قيل: يجب -اختاره في الواضح (2) والروضة (3) وأبو محمَّد البغدادي، وذكره عن معظم الجدليين- لقربه من الضبط.

وقيل: لا؛ لأن انتفاء المعارض ليس من الدليل؛ لحصول العلم أو الظن بدون التعرض له، ولأن الدليل يتم بدونه إِن (4) لم يكن في نفس الأمر، وإلا ورد وإن احترز عنه اتفاقًا.

ومُنعا (5)، وضُعِّف المنع.

وقيل: يجب إِلا في نقض ورد (6) بطريق الاستثناء.

......................

__________

(1) انظر: المسودة/ 414، 437.

(2) انظر: الواضح 1/ 180أ.

(3) انظر: روضة الناظر/ 342.

(4) في (ظ): وإن.

(5) يعني: الدليلين.

(6) في (ظ): وطرد.

(3/1378)

وإن احترز عن النقض بشرط ذكره في الحكم نحو: حران مكلفان محقونا الدم، فيجب القود بينهما في العمد كالمسلمين:

فقيل: لا يصح؛ لاعترافه بالنقض، فإِن الحكم يتخلف عن الأوصاف (1) في الخطأ.

وقيل: يصح؛ لأن الشرط المتأخر متقدم (2) في المعنى كتقديم المفعول على الفاعل (3)، اختاره أبو الخطاب (4)، قال: وإن احترز بحذف (5) الحكم لم يصح كقول حنفي في الإِحداد على المطلقة: "بائن كالمتوفى عنها"، ينقض بصغيرة وذمية، فيقول: "قصدت التسوية بينهما"، فيقال: التسوية بينهما حكم، فيحتاج إِلى أصل يقاس عليه.

* * *

الكسر: نقض المعنى، والكلام فيه كالنقض، وقد سبق (6).

....................

__________

(1) نهاية 418 من (ح)، ونهاية 145أمن (ظ).

(2) في (ح): مقدم.

(3) نهاية 213 ب من (ب).

(4) انظر: التمهيد/ 178 ب، 179 أ.

(5) في نسخة في هامش (ظ): بخلاف.

(6) في ص 1227.

(3/1379)

قال في التمهيد (1): يشبه الكسر من الأسئلة الفاسدة قولهم: لو كان هذا علة في كذا لكان علة في كذا، نحو: لو مَنع عدمُ الرؤية صحة البيع مَنَعَ النكاح.

ويشبه ذلك قولهم: "أخذتَ النفي من الإِثبات أو بالعكس، فلم يجز"، كالقول في الموطوءة مغلوبة: ما فَطَّرها مع العمد لم يفطرها مغلوبة، كالقيء.

وجوابه: يجوز؛ لتضاد (2) حكمهما؛ للاختيار وعدمه، ولهذا: للشارع تفريق الحكم بهما.

ومن ذلك قولهم: "هذا استدلال بالتابع على المتبوع، فلم يجز، بخلاف العكس"، كقولنا في نكاح موقوف: "نكاح لا تتعلق به أحكامه المختصة به (3) كالمتعة"، فيقال: "الأحكام متابعة، والعقد متبوع"، فهذا فاسد بدليل بقية الأنكحة، وتناقضوا؛ فأبطلوا ظهار الذمي ويمينه لبطلان تكفيره، وهو فرع يمينه.

* * *

المعارضة في الأصل بمعنى آخر: مستقل بإِثبات الحكم -كمعارضة علة الطعم في الربا بالكيل- أو غير مستقل، كمعارضة القتل العمد العدوان بوصف الجارح.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 180 أ.

(2) في (ب): كتضاد.

(3) يعني: فكان باطلا.

(3/1380)

وهذا القسم الثاني مقبول (1) عندنا وعند أكثر الشافعية (2) والجمهور؛ لئلا يلزم التحكم؛ لأن وصف المستدل ليس بأولى بكونه جزءًا أو مستقلاً (3).

فإِن رجّح استقلاله بتوسعة الحكم في الأصل والفرع فتكثر الفائدة: فللمعترض منع دلالة الاستقلال عليها، ثم (4): له معارضته بأن الأصل انتفاء الأحكام، وباعتبارهما معا، فهو أولى.

قالوا: يلزم منه استقلالهما (5) بالعلية، فيلزم تعدد العلة المستقلة.

رد: بالمنع؛ لجواز اعتبارهما معا، كما لو أعطى قريبا عالماً.

ومثَّل في التمهيد (6) المعارضة في الأصل: بأن الذمي يصح طلاقه فصح ظهاره كالمسلم، فيعترض: بصحة تكفيره، فيجيبه: بأنها علة واقفة لا تصح (7)، وإن قال بصحتها قال: "أقول بالعلتين في الأصل، وتتعدى علتي إِلى الفرع"، فإِن قال: "أقررتَ بصحة علتي، فإِن ادعيت علة أخرى لزمك الدليل" قيل: هذا مطالبة بتصحيح العلة، فيجب تقديمه على المعارضة، وإلا

__________

(1) نهاية 214 أمن (ب).

(2) انظر: المنخول/ 416، والإِحكام للآمدي 4/ 93.

(3) نهاية 419 من (ح).

(4) يعني: لو سلم.

(5) في (ظ): استقلالها.

(6) انظر: التمهيد/ 185 ب- 186أ.

(7) نهاية 145 ب من (ظ).

(3/1381)

خرجت عن مقتضى الجدل. كذا قال.

وقال (1) -وقاله قبله أبو الطيب (2) الشافعي-: إِن عارضه بعلةٍ معلولُها داخل في معلول علته لم يصح، كمعارضة الكيل (3) بالقوت.

ومعنى ذلك كله في الواضح (4).

قال بعض أصحابنا (5): هي كمعارضة متعدية بقاصرة، وهي معارضة صحيحة.

..................

ولا يلزم المعترض بيان نفي وصف المعارضة عن الفرع.

وقيل: يلزمه؛ لأنه قَصَد الفرق، ولا يتم إِلا به.

واختاره الآمدي (6) إِن قَصَد الفرق، وإلا فلا بأن يقول: هو من العلة، فإِن لم يوجد في الفرع ثبت (7) الفرع (8)، وإلا فالحكم فيه بهما.

__________

(1) انظر: التمهيد/ 186 ب.

(2) انظر: المسودة/ 442.

(3) في التمهيد/ 186 ب، والمسودة/ 442: كمعارضة الطعم بالقوت.

(4) انظر: الواضح 1/ 86 ب وما بعدها، 189 ب- 190 أ- ب-194 أ.

(5) انظر: المسودة/ 442.

(6) انظر: الإِحكام للآمدى 4/ 94.

(7) نهاية 214 ب من (ب).

(8) في الإِحكام للآمدي 4/ 94: الفرق.

(3/1382)

وقيل: إِن صرّح بنفيه لزمه (1).

.....................

ولا يحتاج وصف العارضة إِلى أصل (2) عند أصحابنا والأكثر؛ لأن حاصله نفي حكم الفرع (3) لعدم (4) العلة (5) أو منع المستدل من علته (6)، ولأن (7) أصل المستدل أصله (8).

....................

وجواب المستدل عن المعارضة: بمنع وجود الوصف، أو المطالبة بتأثيره إِن أثبت المعترض عليته (9) بمناسبة أو بشبه لا بسبر، أو بخفائه، أو ليس منضبطا، أو منع ظهوره أو انضباطه، أو أنه عدم معارضٍ في الفرع: كقياس

__________

(1) في (ح): لزمته.

(2) يعني: فيبين تأثير وصفه الذكر أبداه في ذلك الأصل.

(3) يعني: بعلة المستدل.

(4) في (ح): كعدم.

(5) ويكفيه أن لا تثبت عليتها بالاستقلال، ولا يحتاج في ذلك إِلى أن يثبت علية ما أبداه بالاستقلال.

(6) لجواز تأثير ما أبداه، والاحتمال كاف.

(7) في (ح): لأن.

(8) بأن يقول: العلة الطعم أو الكيل أو كلاهما، كما في البر بعينه، فإِذًا: مطالبته بأصل مطالبة له بما قد تحقق حصوله، فلا فائدة فيه.

(9) في (ح): علته.

(3/1383)

المكره على المختار بجامع القتل، فيعترض: بالطواعية، فيجيب: بأنها عدم (1) الإِكراه، والإِكراه مناسب لعدم القود الذي هو نقيض وجوبه، فالإِكراه معارض في الفرع، فعدمه عدم معارض فيه، فيكون وصفا طرديا.

أو (2) أنه ملغى.

أو (3) أن ما عداه مستقل في صورة بظاهر نص أو إِجماع، كتعليله بالطعم، فيعترض: بالكيل، فيجيب: باستقلاله بقوله: (لا تبيعوا الطعام بالطعام)، وكتعليله حل القتل بتبديل الدين (4)، فيعترض: بتبديل الإِيمان بالكفر بعده، [فيجيب: باستقلاله] (5) بقوله: (من بدّل دينه فاقتلوه) (6).

واكتفى في الروضة (7) وغيرها -في بيان استقلاله- بإِثبات الحكم في

__________

(1) نهاية 420 من (ح).

(2) في (ح): وأنه.

(3) في (ظ): وأن ما عداه.

(4) يعني: في يهودي صار نصرانياً مثلاً.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(6) هذا الحديث رواه ابن عباس مرفوعًا. أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 61 - 62، 9/ 15، وأبو داود في سننه 4/ 520، والترمذي في سننه 3/ 9 - 10 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 7/ 104، وابن ماجه في سننه/ 848، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 296).

وقد أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من حديث معاوية بن حيدة مرفوعاً، وفي معجمه الوسط من حديث عائشة مرفوعاً. راجع: نصب الراية 3/ 456.

(7) انظر: روضة الناظر/ 347.

(3/1384)

صورة دونه؛ لأن الأصل عدم غيره، ويدل عليه عجز المعارض عنه.

وقيل: لا؛ لجواز علة أخرى، ولأجل هذا لو أبدى المعترض وصفا آخر يقوم مقام ما ألغاه المستدل (1) بثبوت (2) الحكم دونه فسد الإِلغاء، ويسمى (3) "تعدد الوضع"؛ لتعدد أصلهما (4)، كقولنا في أمان العبد للكافر: "أمان من مسلم عاقل، فصح كالحر؛ لأنهما (5) مظنتان لإِظهار مصالح الإِيمان (6)، فيعلل بهما"، فيعترض: بالحرية؛ فإِنهما مظنة الفراغ للنظر (7) في المصلحة، فهو أكمل، فنلغيها (8): بعبد أذن له في القتال، فيقول المعترض: قام الإِذن مقام الحرية، فإِنه مظنة لبذل الوسع في النظر، أو مظنة لعلم السيد بصلاحية العبد.

وجواب إفساد الالغاءِ [الالغاءُ] (9) إِلى أن يقف أحدهما.

__________

(1) نهاية 146أمن (ظ).

(2) "بثبوت" جار ومجرور متعلق بـ "ألغاه".

(3) نهاية 215 أمن (ب).

(4) في (ب) و (ظ): أصليهما.

(5) يعني: الإِسلام والعقل.

(6) يعني: بذل الأمان وجعله آمنا.

(7) في (ب): لنظر.

(8) يعني: نلغي الحرية. وفي (ب) و (ح): فيلغيها.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3/1385)

ولا يفيد المستدل بيان الإِلغاء لضعف المظنة في صورة بعد تسليمها (1)، كقياس المرتدة على المرتد في حل القتل بجامع الردة، فيعترض: بالرجولية، فإِنها مظنة الإِقدام على القتال، فيلغيها (2): بالمقطوع اليدين (3).

ولا يكفي المستدل رجحان وصفه، خلافا للآمدي (4)؛ لقوة (5) بعض أجزاء العلة كالقتل على العمد العدوان.

أما لو اتفقا على كون الحكم معللا بأحدهما قدم الراجح.

ولا يكفيه كونه متعديًا؛ لاحتمال جزئبة القاصر.

........................

ويجوز تعدد أصول المستدل؛ لأنه يقوى الظن يكون وصفه علة.

وقيل: لا؛ للنشر (6) وحصول المقصود بواحد (7).

فعلى الأول: قيل: يجوز اقتصار المعارضة على أصل واحد لإِبطال ما التزمه المستدل من صحة القياس على الجميع (8).

__________

(1) يعني: المظنة.

(2) يعني: يلغي المستدل الرجولية.

(3) فإِنه يقتل مع ضعف مظنة القتال.

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 96.

(5) في (ظ): كقوة.

(6) نهاية 431 من (ح).

(7) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 95.

(8) في (ح): الجمع.

(3/1386)

وقيل: لا -وجزم به في الواضح (1) - لحصول مقصوده بصحة قياس واحد، فقيل: يجب اتحاد المعارض في الجميع؛ للنشر (2)، وقيل: لا؛ (3) للتيسير على المعترض، فقيل: للمستدل الاقتصار في جوابه على أصل واحد (4)، وقيل: لا؛ لما سبق (5).

* * *

التركيب: سبق (6) في شروط حكم الأصل.

وذكره في الروضة (7) من الأسئلة الفاسدة، وقال: هو القياس المركب من اختلاف مذهب الخصم، نحو: "البالغة أنثى، فلا تزوج نفسها كابنة خمس عشرة"، فالخصم يعتقد (8): "لصغرها"، فقيل: فاسد؛ لرد الكلام إِلى سن البلوغ (9)، وليس بأولى من عكسه، وقيل: يصح؛ لأن حاصله

__________

(1) انظر: الواضح 1/ 192أ.

(2) يعني: دفعا للنشر. والنشر: انتشار الكلام. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 95.

(3) نهاية 215 ب من (ب).

(4) إِذ به يتم مقصوده.

(5) من التزام المستدل صحة القياس على الجميع.

(6) في ص 1203.

(7) انظر: روضة الناظر/ 349.

(8) يعني: يعتقد أنها لا تزوج نفسها لصغرها.

(9) يعني: وما مقداره؟.

(3/1387)

منازعة في الأصل، فيُبطل المستدل ما يدعي المعترض تعليل الحكم به ليسلم ما يدعيه جامعا في الأصل.

واختار بعض أصحابنا (1): الصحة.

وقال أبو محمَّد البغدادي: يرجع إِلى منع الحكم في الأصل أو العلة، ثم: هو غير صحيح (2)؛ لاشتماله على منع حكمٍ على مذهب إِمامٍ نصُّه بخلافه، فلا يجوز.

* * *

التعدية: وهو معارضة وصف المستدل بوصف آخر متعد، مثل: "البكر البالغ بكر، فأجبرت كبكر صغيرة"، فيعترض: بالصغر، وتعديه إِلى الثيب الصغيرة يرجع بالاعتراض إِلى المعارضة في الأصل.

قال الآمدي (3): اختلف فيه، والحق: "لا يخرج عنها (4) "، ولا أثر لزيادة التسوية في التعدية، خلافا للداركي (5).

__________

(1) انظر: البلبل/ 172.

(2) نهاية 146 ب من (ظ).

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 101.

(4) يعني: عن المعارضة في الأصل.

(5) هو: أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمَّد، أحد أئمة المذهب الشافعي، فقيه مؤرخ، توفي سنة 375 هـ. من مؤلفاته: تاريخ نيسابور.

انظر: تاريخ بغداد 10/ 463، والعبر 2/ 370، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 330، وطبقات الفقهاء للشيرازي/ 297.

(3/1388)

منع وجود وصف المستدل في الفرع: مثل: "أمان من أهله كالعبد المأذون"، فيمنع المعترض الأهلية في غير المأذون، فيجيب المستدل: ببيان وجود ما عناه بالأهلية في الفرع، كجواب منع وجود (1) الوصف المدعَى علة في الأصل.

ويمنع المعترض -في الأصح- من تقرير نفي الوصف عن الفرع؛ لأنه مانع من الإِثبات، وتقريره (2) النفي يُوهِم الإِثبات.

* * *

المعارضة في الفرع (3) بما يقتضي نقيض حكم المستدل بأحد طرق إِثبات العلة:

وعندنا وعند الأكثر: تقبل؛ لأنه فائدة المناظرة.

قالوا: صار المعترض مستدلا.

رد: قصده هدم ما بناه المستدل، فلا حجر عليه فيه.

وجواب المستدل: بما يعترض عليه المعترض ابتداء.

ويقبل ترجيح ما ذكره بوجه ترجيح عندنا وعند قوم، واختاره الآمدي (4)؛ لتعيين العمل به وهو المقصود، خلافا لبعضهم.

__________

(1) نهاية 216 أمن (ب).

(2) في (ظ): وتقرير.

(3) نهاية 422 من (ح).

(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 102.

(3/1389)

ولا يلزم المستدل الإِيماء إِلى الترجيح في دليله -خلافا لبعضهم- لخروجه عنه، وتوقفُ العمل عليه (1) من توابع ورود المعارضة لدفعها، لا أنه من الدليل.

* * *

الفرق: راجع إِلى المعارضة في الأصل أو الفرع؛ لأنه: جعل أمر مخصوص بالأصل علة أو بالفرع مانعا.

وبنى بعضهم قبول الأول على منع التعليل بعلتين، والثاني على جعل النقض مع المانع قادحاً.

وقيل: بل إِليهما معا، فلهذا: قيل: لا يقبل؛ لأنه جمع بين أسئلة مختلفة، وقيل: يقبل، فقيل: سؤالان جاز الجمع بينهما؛ لأنه أدل على الفرق، وقيل: واحد؛ لاتحاد مقصوده، وهو الفرق.

قال ابن عقيل (2): يحتاج الفرق القادح في الجمع إِلى دلالة وأصل كالجمع، وإِلا فدعوى بلا دليل، خلافا لبعض الشافعية، وإن أحب (3) إِسقاطه (4) عنه طالب (5) المستدل بصحة الجمع.

__________

(1) يعني: على الترجيح.

(2) انظر: الواضح 1/ 202 ب، 1203، 203 ب.

(3) يعني المعترض.

(4) يعني: الأصل والدلالة.

(5) نهاية 216 ب من (ب).

(3/1390)

ومثل: "الصبي غير مكلف، فلا يزكي كمن لم تبلغه (1) الدعوة"، فينقض: بعشر زرعه والفطرة (2): فسؤال صحيح، بخلاف التفرقة (3) بالفسق بين النبيذ والخمر؛ لأنه (4) ليس من حكم العلة، ثم: يجوز جلبها للتحريم فقط؛ لأنه أعم.

ومن يرى أن العلة لا تستدعي أحكامها لا يلزم (5)؛ لأنها تكون علة في موضع دون آخر.

ومثل (6): "النكاح الموقوف لا يحيى، فبطل"، فيقال: "اعتبرت فساد الأصل بفساد الفرع؛ لأن الإِباحة حكم العقد (7) ":

__________

(1) نهاية 147 أمن (ظ).

(2) يعني: يقال: هذه العلة لم تستدع عدم إِيجاب العشر في زرعه وزكاة الفطر في ماله، وهما نظيرا زكاة ربع العشر، فلا تستدعي نفي ربع العشر.

(3) يعني: إِذا علل حنبلي أو شافعي تحريم النبيذ بأن فيه شدة مطربة فكان محرما كالخمر، فيقول المعارض: لو كانت هذه علة التحريم لكانت علة في الفسق، وإنما كان كذلك -أي: فاسدا- لأن الفسق أبطأ من التحريم، والتحريم أسرع من التفسيق؛ لأن لنا محرمات لا تفسق، ولأن مسالك الاجتهاد لا يفسق بها، فهذا وجه فساده ... إِلخ.

(4) يعني: الفسق.

(5) يعني: لا يلزمه هذا السؤال، فيقول في بيان فساده: إِن العلة تكون علة في موضع دون آخر.

(6) هذا تابع لكلام ابن عقيل.

(7) يعني: فلا يكون نفيها موجبا لنفي العقد.

(3/1391)

ففاسد (1)؛ لأن العقد يراد لأحكامه (2). (3)

* * *

اختلاف الضابط في الأصل والفرع:

مثاله -في شهود القود-: "تسببوا (4) بالشهادة كالمكره"، فيقال: ضابط الفرع الشهادة، والأصل الإكراه، فلا يتحقق تساويهما.

وجوابه: بيان أن الجامع التسبب المشترك بينهما، وهو مضبوط عرفا، أو بأن إِفضاء ضابط الفرع إِلى المقصود أكثر، كما لو (5) كان أصل الفرع المغري للحيوان، بجامع التسبب، فإِن انبعاث الولي على القتل بسبب الشهادة للتشفي أكثر من انبعاث الحيوان بالإِغراء؛ لنفرته من الإِنسان، وعدم علمه بجواز القتل وعدمه، فاختلاف أصل التسبب لا يضر، فإِنه اختلاف أصل وفرع.

__________

(1) يعني: سؤال فاسد.

(2) يعني: لا لعينه، فإِذا وجد ولم تتعلق به أحكامه -لا من جهة شرط يحتاج إِليه- دل على فساده.

(3) جاء -بعد هذا- في (ب): (جاز الجمع بينهما؛ لأنه أدل على الفرق، وقيل: واحد لاتحاد مقصوده وهو الفرق). وقد سبق في ص 1390، فهو تكرار، ولا محل له هنا.

(4) نهاية 423 من (ح).

(5) يعني: كما لو جعلنا -في مسألة القصاص من الشهود- الأصل هو المغري للحيوان على القتل.

(3/1392)

ولا يفيد قول المستدل في جوابه: "التفاوت في الضابط مُلْغَى لحفظ النفس، كما ألغي التفاوت بين قطع الأنملة (1) وقطع الرقبة في قود النفس"؛ لأن إِلغاء التفاوت في صورة لا (2) يوجب عمومه، كإِلغاء الشرف (3) وغيره، دون الإِسلام والحرية.

* * *

اختلاف جنس المصلحة:

مثل: أولج فرجا في فرج مشتهى طبعا محرم شرعًا، فيحد كالزاني.

فيقال: حكمة الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط، وحكمة الأصل دفع محذور هو اشتباه الإنساب، فقد يتفاوتان في نظر الشرع.

وحاصله: معارضة في الأصل.

وجوابه: بحذفه (4) عن الاعتبار. وسبق (5) في السبر.

* * *

مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل: لأن القياس تعدية حكم الأصل إِليه بالجامع.

__________

(1) إِذا مات منه.

(2) نهاية 217 أمن (ب).

(3) فيقتل الشريف بالوضيع.

(4) يعني: حذف خصوص الأصل.

(5) في ص 1269 - 1270.

(3/1393)

وجوابه: بيان اتحاد الحكم عينا -كصحة البيع على النكاح، والاختلاف عائد إِلى المحل، واختلافه (1) شرط فيه- أو جنسا كقطع الأيدي باليد كالأنفس (2) بالنفس.

وتعتبر مماثلة التعدية، ذكره في الروضة (3) وغيرها، وذكره القاضي (4) ومثّله بقول الحنفية -في ضم الذهب إِلى الفضة في الزكاة-: "كصحاح (5) ومكسرة"، فالضم في الأصل بالأجزاء، وفي الفرع بالقيمة عندهم.

ثم: لما نصر (6) جواز قلب التسوية -لأن الحكم التسوية فقط (7)، كقياس الحنفية طلاق المكره على المختار، (8) فيقال: فيجب استواء حكم (9) إِيقاعه وإقراره كالمختار- قال (10): فعلى هذا يجوز قياس الحنفية

__________

(1) يعني: المحل.

(2) في (ب): كالنفس.

(3) انظر: روضة الناظر/ 317 - 318.

(4) انظر: العدة/ 233 أ- ب، والسودة/ 374.

(5) نهاية 147 ب من (ظ).

(6) في (ظ): لما يضر.

(7) وإنما يختلفان في كيفية الاستواء، والكيفية حكم غير الاستواء.

(8) نهاية 424 من (ح).

(9) يعني: استواء حكم إِيقاعه مع حكم إِقراره قياسًا على المختار.

(10) انظر: العدة / 236أ، والمسودة/ 374.

(3/1394)

المذكور (1)، ومن منع هذا القلب -لتضاد حكم الأصل والفرع- لم يجزه (2)؛ لاختلافهما.

قال بعض أصحابنا (3): فصار له قولان، والمنع فيهما قول بعض الشافعية، والجواز قول الحنفية، واختاره في التمهيد (4).

وفي الواضح (5) - (6) في مسألة الضم-: إن اعترض بـ "أن حكم الأصل لم يتعدَّ" أجيب: "ألحقتُ في وجوب الضم لا صفته"، ويمكن المعترض أن يقول: الضم في الأصل نوع غير (7) الفرع.

وجعله الآمدي (8) كالقلب الثالث -وسيأتي (9) - ومثّله بقول الحنفي -في إِزالة النجاسة بالخل-: "مائع طاهر مزيل كالماء"، فيقال (10): فيستوي فيه الحدث والخبث كالماء.

__________

(1) في الضم.

(2) يعني: القياس.

(3) انظر: المسودة/ 374.

(4) انظر: التمهيد/ 172 ب، 184 أ- ب، والمسودة/ 426.

(5) انظر: الواضح 1/ 170أ- ب.

(6) نهاية 217 ب من (ب).

(7) يعني: غير النوع الذي في الفرع.

(8) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 109.

(9) في ص 1397، 1398.

(10) يعني: يقال: مائع طاهر مزيل للعين والأثر، فتستوي فيه طهارة الحدث والخبث=

(3/1395)

وجعله في الواضح (1) كالقلب الثاني.

فأما إِن اختلف الحكم جنسا ونوعاً -كوجوب على تحريم، ونفي على إِثبات، وبالعكس- فباطل؛ لأن الحكم إِنما شرع لإِفضائه إِلى مقصود العبد، واختلافه موجب للمخالفة بينهما في الإِفضاء إِلى الحكمة، فإِن كان بزيادة في إِفضاء حكم الأصل إِليها لم يلزم من شرعه شرع حكم (2) الفرع؛ لأن زيادة الإِفضاء مقصودة، ويمتنع (3) كون حكم (4) الفرع أفضى إِلى المقصود، وإلا كان تنصيص الشارع عليه أولى.

فإِن قيل: الحكم لا يختلف؛ لأنه كلام الله وخطابه، بل يختلف تعلُّقه ومتعلَّقه.

قولكم: "كان النص عليه أولى" إِنما يلزم لو لم يقصد التنبيه بالأدنى على الأعلى.

ثم: يحتمل أنه لمانع مختص به.

رد الأول: بأن التعلق داخل في مفهوم الحكم -كما سبق (5) في حد

__________

=كالماء، فإِنه يلزم من القول بالتسوية في الخل بين طهارة الحدث والخبث عدم حصول الطهارة بالخل في الخبث؛ لعدم حصولها به في الحدث، والحكم بالتسوية.

(1) انظر: الواضح 1/ 184 أ- ب.

(2) في (ب): الحكم الفرع. وفي (ظ): الحكم في الفرع.

(3) في (ظ): يمتنع.

(4) في (ظ) كون الحكم أفضى ... إِلخ.

(5) في ص 181 من هذا الكتاب.

(3/1396)

الحكم- فيلزم من اختلافه اختلافُه (1).

والثاني: بأنه لو كان لجاز إِثبات الفرع في الأصل.

والثالث: بأنه يلزم منه امتناع ثبوت حكم الأصل فيه.

* * *

القلب: تعليق نقيض الحكم أو لازمه على العلة إِلحاقا بالأصل.

وهو: قلب لتصحيح مذهبه.

وقلب لإِبطال مذهب المستدل صريحًا (2).

وقلب بالالتزام (3).

فالأول (4): كقول الحنفي -في اعتبار الصوم لصحة الاعتكاف-: لبث، فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة.

فيقلبه المعترض: بأنه لبث، فلا يعتبر فيه الصوم كالوقوف.

والثاني: كقول الحنفي -في مسح الرأس-: عضو من أعضاء الوضوء (5)، فلا يكفي أقله كبقية الأعضاء.

__________

(1) يعني: اختلاف الحكم.

(2) نهاية 218 أمن (ب).

(3) يعني: لإِبطال مذهب المستدل بالالتزام.

(4) نهاية 425 من (ح).

(5) نهاية 148 أمن (ظ).

(3/1397)

فيقول المعترض: فلا يقدر (1) بالربع كغيره.

والثالث: كقول الحنفي -في بيع المجهول-: عقد معاوضة، فيصح مع جهل المعوَّض كالنكاح.

فيقال: عقد معاوضة، فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح، فإِذا انتفى اللازم (2) انتفى الملزوم (3).

والقلب نوع معارضة (4) عند أصحابنا (5) وبعض الشافعية (6) -وذكره في الواضح (7) عن أكثر العلماء- بل أولى بالقبول؛ لأنه اشترك فيه الأصل والجامع، وإن نشأ من نفس دليل المستدل لكن لما التزم في دليله وجود الوصف لم يمنعه، وكالشركة في دلالة النص، كاستدلال الحنفي -في مسألة الساجة (8) وعدم نقض بناء الغاصب- بقول: (لا ضرر ولا

__________

(1) في (ب) و (ظ): فلا يتقدر.

(2) وهو ثبوت خيار الرؤية.

(3) وهو الصحة.

(4) في (ب): معاوضة.

(5) انظر: المسودة/ 441.

(6) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 475.

(7) انظر: الواضح 1/ 184أ.

(8) الساجة: واحدة الساج، وهو خشب يجلب من الهند، قال ابن الأعرابي: يقال: الساجة الخشبة الواحدة المربعة. انظر: لسان العرب 3/ 127.

(3/1398)

ضرار) (1)، واستدلال غيره به لمنع المغصوب من أخذ ماله.

__________

(1) أخرجه ابن ماجه في سننه/ 784 من حديث ابن عباس مرفوعاً. وفي الزوائد: في إِسناده جابر الجعفي، متهم. وأخرجه -أيضاً- من حديث إِسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله قضى أن لا ضرر ولا ضرار. وفي الزوائد: هذا إِسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأن إِسحاق لم يدرك عبادة. وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 204، وتهذيب التهذيب 1/ 256.

وأخرجه مالك في الموطأ/ 745 عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرسلاً. ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في مسنده، انظر: ترتيب مسند الشافعي 2/ 134.

وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 326 - 327 عن إِسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة مرفوعًا، كابن ماجه، وأخرجه -أيضًا- في مسنده 1/ 313 عن ابن عباس مرفوعاً، وفي سنده: جابر الجعفي.

وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 227 من حديث عائشة مرفوعًا. وفيه: الواقدي. وأخرجه -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث ابن عباس مرفوعًا، من طريق ليس فيه جابر الجعفي، لكن فيه إِبراهيم بن إِسماعيل بن أبي حبيبة، وفيه مقال، فوثقه أحمد، وضعفه النسائي. وقال الدارقطني: ليس بالقوي -وقال البخاري: عنده مناكير. وضعفه أبو حاتم، وقال: منكر الحديث لا يحتج به، فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 19، وتهذيب التهذيب 1/ 104. وأخرجه الدارقطني -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث أبي سعيد مرفوعًا، وأخرجه -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث أبي هريرة مرفوعًا، بلفظ: (لا ضرر ولا ضرورة). وفيه: أبو بكر بن عياش، مختلف فيه، فانظر: ميزان الاعتدال 4/ 499 - 500. وأخرجه البيهقي في سننه 6/ 69 من حديث أبي سعيد مرفوعًا. وأخرجه الطبراني في الكبير 2/ 80 - 81 من حديث ثعلبة بن أبي مالك مرفوعًا. وفيه: إِسحاق بن إِبراهيم بن سعيد الصواف، قال أبو زرعة:=

(3/1399)

وقال بعض الشافعية (1): القلب إِفساد لا معارضة، فلا يتكلم عليه بما يُتكلم على العلة المبتدأة؛ لأن العلة الواحدة لا يعلق عليها حكمان متضادان.

رد: ليس القلب بحكمين متضادين من كل وجه، بل لا يمكن الخصم الجمع بينهما بمعنى آخر، فالحجة مشتركة، ولابد لتعلُّق أحمد الحكمين بالعلة (2) ترجيح (3).

__________

=منكر الحديث. وقال أبو حاتم: لين. فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 176. وأخرجه في معجمه الوسط من حديث جابر مرفوعًا، وعن القاسم عن عائشة مرفوعًا، وقال لم يروه عن القاسم إِلا نافع بن مالك. فانظر: نصب الراية 4/ 386. وأخرجه أبو داود في المراسيل عن واسع بن حبان عن أبي لبابة عن النبي. فانظر: نصب الراية 4/ 385. قال ابن حجر في الدراية 2/ 282: وهو منقطع بين واسع وأبي لبابة. وأخرجه ابن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا. فراجع: نصب الراية 4/ 384 - 385. وأخرجه الحاكم في مستدركه 2/ 57 - 58 من حديث أبي سعيد مرفوعًا، وقال: صحيح الإِسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

والحديث حسنه النووي، وقال: له طرق يقوى بعضها بعضًا. فانظر: متن الأربعين النووية/ 54 - 55. وقال المناوي في فيض القدير 6/ 432: قال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به.

(1) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 475.

(2) في (ح): بالحكمة.

(3) كذا في النسخ. ولعلها: من ترجيح.

(3/1400)

ومنع آخرون من الشافعية (1) وغيرهم من القلب -واختاره الآمدي (2) - لأنه ليس للمعترض فرض مسألة (3) على المستدل.

رد: بالمشاركة في دلالة النص (4).

ثم: إِنما شاركه في علته وأصله في معنى الحكم الذي فرض فيه.

قالوا: اعترف (5) المعترض باقتضاء الدليل لا رتبه عليه من الحكم، ومحال اقتضاؤه لمقابل (6) ذلك الحكم من جهة احتج بها المستدل؛ لاقتضاء العلة من جهة واحدة (7) للحكم ونقيضه.

ومن (8) جهة أخرى: ليس بقلب؛ لأنه لا بد فيه من اتحاد العلة في القياسين، بل معارضة بدليل منفصل.

أجاب في التمهيد (9): إِنما لا يجتمع الشيء وضده إِذا صرح به، وإِلا

__________

(1) انظر: اللمع/ 67. والتبصرة/ 475.

(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 110.

(3) نهاية 218 ب من (ب).

(4) فإِنه يجوز وإن لم يمكن ذلك إلا بفرض مسألة على المستدل.

(5) في (ظ): اعترض.

(6) في (ح): بمقابل.

(7) نهاية 426 من (ح).

(8) في (ح) و (ظ) ك من جهة.

(9) انظر: التمهيد/ 183 ب.

(3/1401)

جاز، وإن أدى أحدهما إِلى نفي الآخر.

وأجاب غيره: بأن التنافي حصل في الفرع لما هو بعرض الاجتماع.

وقلب التسوية سبق (1) في السؤال قبله.

قال أبو الخطاب (2): يصح جعل المعلول علة والعلة معلولاً، مثل: "من صح طلاقه صح ظهاره، ومن صح ظهاره صح طلاقه"، فالسابق في الثبوت علة للآخر، وهذا نوع من القلب لا يفسد العلة عند أصحابنا وأكثر الشافعية، خلافا للحنفية وبعض المتكلمين (3).

ثم احتج (4): بأن العلة أمارة، وكما لو صرح به الشارع، وإنما (5) امتنع في الحكم العقلي؛ لأنه لا يثبت بأكثر من علة (6).

...................

أما قلب (7) الدعوى مع إِضمار الدليل فيها فمثل: "كل موجود مرئي"، فيقال: "كل ما ليس في جهة ليس مرئيًا"، فدليل الرؤية الموجود، وكونه لا في جهة دليلُ منعها.

__________

(1) في ص 1394، 1395.

(2) انظر: التمهيد/ 184 ب- 185أ.

(3) انظر: المسودة/ 446.

(4) انظر: التمهيد/ 184 ب- 185 أ.

(5) في (ب): واما.

(6) نهاية 148 ب من (ظ).

(7) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 105 - 106.

(3/1402)

ومع عدم إِضماره مثل: "شكْر المنعم واجب لذاته"، فيقلبه.

وقلب الاستبعاد في الدعوى: كقولنا -في مسألة الإِلحاق-: "تحكيم الولد فيه تحكم بلا دليل"، فيقال: [تحكيم] (1) القائف تحكم بلا دليل.

وقلب الدليل على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه فقط: كاستدلاله بقوله: (الخال وارث من لا وارث له) (2)،

__________

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).

(2) هذا جزء من حديث أخرجه أبو داود في سننه 3/ 320 - 321 من حديث المقدام بن معد يكرب مرفوعًا. قال المنذري في مختصره 4/ 170: وأخرجه النسائي، واختلف في هذا الحديث فروي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام، وروي عن راشد بن سعد أن رسول الله قال، مرسلاً. وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يضعفه ويقول: ليس فيه حديث قوي. وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 285 من حديث عمر مرفوعًا، وقال: "حسن"، ومن حديث عائشة مرفوعاً، وقال: حسن غريب، وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه "عن عائشة". وأخرجه النسائي في سننه 2/ 914 - 915 من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 300 - 301) من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 274 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 28، 46، 4/ 131 من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 84 - 86 من حديث عمر وعائشة والمقدام وأبي هريرة مرفوعًا. وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 344 من حديث المقدام مرفوعًا، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهبي: قلت: فيه علي بن أبي طلبة، قال أحمد: له أشياء منكرات، قلت: ولم يخرج له البخاري. وانظر: التلخيص الحبير 3/ 80.

(3/1403)

فيقال (1): [يدل] (2) أنه لا يرث بطريق أبلغ؛ لأنه نفي عام، مثل: الجوع زاد من لا زاد له.

وليس بمثال جيد.

وِإن سلم أن ما احتج به المستدل يدل له (3) من وجه فهو الأنواع السابقة (4).

* * *

القول بالموجَب: وهو تسليم دليل المستدل مع بقاء النزاع.

وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهمه محل النزاع أو لازمه.

مثاله -في القتل بالمثقل-: قتل بما (5) يقتل غالبًا، فلا ينافي وجوب (6) القود كالمحدد.

فيرد: أن عدم المنافاة ليس محل النزاع ولا لازمه، فلا يلزم من (7) عدم

__________

(1) نهاية 219 أمن (ب).

(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3) يعني: للمستدل.

(4) يعني: الثلاثة المذكورة في ص 1397. وانظر: الإحكلام للآمدي 4/ 108.

(5) في (ح): بما لا يقتل.

(6) في (ظ): وجود.

(7) نهاية 427 من (ح).

(3/1404)

منافاة بين شيئين ملازمة.

الثاني: أن يستنتجه (1) إِبطال ما يتوهمه مأخذَ الخصم، مثل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القود كالمتوسل إِليه

فيقول المعترض: أقول بموجب الدليل، ولكن لا يلزم منه وجوبه، فإِنه لا يلزم من إِبطال مانعٍ عدمُ كل مانع ووجودُ الشرائط (2) والمقتضي.

وأكثر القول بالموجب من غلط المأخذ لخفائه، بخلاف الحكم المختلف فيه.

ويصدّق (3) المعترض في أن ما ذهب إِليه المستدل ليس مأخذ إمامه؛ فإِنه أعرف به، ثم: لو لزمه إِبداء المأخذ: فإِن مَكَّنَّا المستدل من إِبطاله صار معترضًا، وإلا فلا فائدة.

وقيل: لا يصدق (4)؛ لاحتمال عناده، واختاره (5) بعض أصحابنا، منهم: أبو محمَّد البغدادي، وقال: فإِن أبطله المستدل، وإلا انقطع.

الثالث: أن يسكت في دليله عن صغرى قياسه وليست مشهورة، مثل (6): "كل قربة شرطها النية"، ويسكت عن: "والوضوء قربة"، فيقول

__________

(1) يعني: يستنتج منه.

(2) في (ظ): الشرط.

(3) في (ب): يصدق.

(4) يعني: فيلزمه إِبداء المأخذ.

(5) في (ب) و (ظ): وأجازه.

(6) يعني: قوله في اشتراط النية للوضوء.

(3/1405)

المعترض: أقول بموجَبه ولا يُنتِج.

ولو ذكر الصغرى لم يرد إِلا منعها (1).

ولا وجه لقول بعضهم: "يلزم في هذا النوع (2) انقطاع أحدهما"؛ لاختلاف مرادهما.

وجواب الأول: بأنه محل (3) النزاع أو لازمه، مثل: "لا يجوز قتل مسلم بذمي"، (4) فيقال بموجبه لأنه يجب، فيقول المستدل: أعني بـ "لا يجوز" تحريمه، ويلزم عدم الوجوب.

والثاني: بأنه (5) المأخذ لشهرته.

والثالث: بجواز الحذف.

ويجاب في الجميع: بقرينة أو عهد ونحوه.

وفي (6) التمهيد (7): في مثل قول حنفي في زكاة الخيل: "حيوان تجوز

__________

(1) يعني: الصغرى.

(2) نهاية 149أمن (ظ).

(3) نهاية 219 ب من (ب).

(4) يعني: قياسًا على الحربي.

(5) في (ظ): بأن.

(6) في (ب): في التمهيد.

(7) انظر: التمهيد/ 180 ب.

(3/1406)

المسابقة عليه، فزكّاه كالإِبل"، فيقال بموجبه في زكاة التجارة (1)، فيجيب المستدل بالألف والسلام (2)، والسؤال عن زكاة السوم.

فقيل: لا يصح -وجزم به في الواضح (3) - لوجوب استقلال العلة بلفظها.

وقيل: يصح، وجزم به في الروضة (4) وغيرها.

أما مثل قوله -في إِزالة النجاسة بالخل-: "مائع كالمرق"، فيقال بموجبه في خل نجس: فلا يصح (5).

قال أبو (6) محمَّد البغدادي وغيره: ولو كان حكم العلة فقال به في صورة لم يقل بالموجَب.

* * *

وترد الأسئلة على قياس الدلالة، إِلا ما تعلق بمناسبة الجامع؛ لأنه ليس بعلة فيه (7)، وكذا القياس في معنى الأصل (8)، ولا يرد عليه -أيضًا- ما

__________

(1) يعني: والنزاع إِنما هو في زكاة السوم.

(2) في: "زكاة الخيل"، فإِنهما يستعملان للعهد.

(3) انظر: الواضح 1/ 182 ب.

(4) انظر: روضة الناظر/ 351.

(5) لأن المستدل يقول: ظاهر كلامي إِنما هو النحل الطاهر. انظر: الإحكام للآمدي 4/ 113.

(6) نهاية 428 من (ح).

(7) يعني: قياس الدلالة.

(8) يعني: لا يرد عليه ما تعلق بمناسبة الجامع.

(3/1407)

تعلق بنفس الجامع؛ لعدم ذكره فيه.

* * *

الاعتراضات من جنس -كنقوض ومعارضات- تتعدد اتفاقا.

ومن أجناس -كمنع ومطالبة ونقض ومعارضة- تتعدد إِلا عند أهل (1) سمرقند (2)؛ للخبط.

قال الآمدي (3): ويلزمهم تعددها من جنس (4).

وإن كانت (5) مرتبة (6) منعه الأكثر، ولهذا قال القاضي (7) وغيره وأبو الطيب (8): لو أورد النقض ثم منع وجود العلة لم يقبل؛ لتسليمه للمتقدم، فلا يجاب المعترض لغير الأخير.

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.

(2) سمرقند -بفتح أوله وثانيه- مدينة مشهورة فيما وراء النهر بعد بخارى.

انظر: معجم البلدان 3/ 246.

(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.

(4) فإِنها مقبولة اتفاقًا مع إِفضائها إِلى النشر.

(5) يعني: على تجويز التعدد.

(6) مثل: منع حكم الأصل ومنع العلية؛ إِذ تعليل الحكم بعد ثبوته طبعًا.

انظر: شرح العضد 2/ 280.

(7) انظر: العدة/ 228أ.

(8) انظر: المسودة/ 437.

(3/1408)

وجوزه أبو إِسحاق الإِسفراييني (1) وغيره، واختاره الآمدي (1) وغيره؛ لأن التسليم تقديري.

وإن (2) لم يرتب الاعتراضات فمنع بعد تسليم (3)، (4) كالمطالبة بتأثيره ثم منع وجوده.

واختاره أبو محمَّد البغدادي؛ لأنا نقدرها من جماعة، ولأن مفسدة الاخلال بتقرير الدليل آكد من الاخلال بالترتيب.

وبعضها مقدم طبعا، فليقدم وضعا، فيقدم (5) الاستفسار ليعرف ما يرد على اللفظ، ثم: فساد الاعتبار؛ لأنه نظر في فساده جملة، ثم: فساد الوضع؛ لأنه أخص منه، ثم: ما تعلق بالأصل، ثم: العلة؛ لاستنباطها منه، ثم: الفرع لبنائه عليهما، ويقدم النقض على المعارضة؛ لإِيراده لإِبطال العلة (6)، وهي (7) لإِبطال استقلالها (8).

__________

(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.

(2) يعني: إِذا عرفنا جواز المرتبة فالواجب إِيرادها مترتبة ورعاية الترتيب في الإِيراد، وإلا كان منعا بعد تسليم. انظر: شرح العضد 2/ 280.

(3) يعني: فلا يسمع.

(4) نهاية 220 أمن (ب).

(5) في (ح): فليقدم.

(6) نهاية 149 ب من (ظ).

(7) يعني: المعارضة.

(8) يعني: العلة.

(3/1409)

وأوجب أبو محمَّد البغدادي ترتيب الأسئلة، فاختار: فساد الوضع، ثم: الاعتبار، ثم: الاستفسار، ثم: المنع، ثم: المطالبة -وهو منع العلة في الأصل- ثم: الفرق، ثم: النقض، ثم: القول بالموجب، ثم: القلب، وَرَدّ التقسيم إِلى الاستفسار أو الفرق، وأن (1) عدم التأثير مناقشة لفظية.

وقال بعض أصحابنا (2): ذكر ابن (3) عقيل وابن المني وجمهور الجدليين: لا يطالبه بطرد دليل إِلا بعد تسليم ما ادعاه من دلالته، فلا ينقضه حتى يسلمه، فلا يقبل المنع بعد التسليم.

قال: وهذا ضعيف؛ لأن السكوت لا يدل على التسليم، ولأنه (4) لو سلم صريحاً جاز -بل وجب- رجوعه للحق كمفت وحاكم وشاهد، ولا عيب فيه، وقد اعترفوا بالفرق بين أسئلة الجدل وأسئلة الاسترشاد، فمن هنا التخبيط، [وإِلا] (5) فلا ينبني (6) الجدل إلا على وجه الإِرشاد والاسترشاد؛ لا الغلبة والاستزلال (7)، والواجب رد الجميع (8) إِلى ما دل عليه كتاب أو سنة، وإِلا فلهم من الحيل والاصطلاح الفاسد أوضاع، كما

__________

(1) في (ظ): فإِن.

(2) انظر: المسودة/ 551، 552 - 553.

(3) نهاية 429 من (ح).

(4) في (ظ): لأنه.

(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(6) كذا في النسخ، وفي المسودة أيضًا، ولعلها: فلا ينبغي.

(7) في المسودة: الاستذلال.

(8) يعني: جميع أبواب الجدل والمخاصمة في العلم وفي الحقوق.

(3/1410)

للفقهاء والحكام في الجدل الحكمي، وقد (1) ذكر ابن عقيل (2) في الجدل: أن الجواب إِذا زاد أو نقص لم يطابق السؤال؛ لعدوله عن مطلوبه، ويجيب قوم بمثله ويعدونه جوابا، ولو سئل عن المذهب فذكر دليله فليس بجواب محقق، كما لا يخلط السؤال عن المذهب بالسؤال عن دليله، كقوله: "مذهبي كذا بدليل كذا"، فإِن قال: "والدليل عليه كذا" فهو الإِتباع بجواب ما لم يسأل عنه، كالخلط بما لم يسأل عنه. والصحيح خلاف هذا، وعليه عمل أكثر الجدليين (3). والله أعلم.

* * *

فأما الجدال: فمأمور به لقصد الحق، دل عليه القرآن (4)، وفعله الصحابة والسلف، وذكره بعضهم إِجماعًا.

وقال البربهاري من أصحابنا: المسترشد (5) كَلَّمه وأَرْشده، والمناظر احذره، في المناظرة المراء والجدال والغلبة والخصومة والغضب، وتزيل عن

__________

(1) نهاية 220 ب من (ب).

(2) انظر: الواضح 1/ 63 ب- 64 أ.

(3) انظر: المسودة/ 551.

(4) قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة النحل: آية 125. وقال تعالى: (قل هاتوا برهانكم) سورة البقرة: آية 111.

(5) قال هذا في كتابه "شرح كتاب السنة" الذي أورد صاحب "طبقات الحنابلة" مقتطفات منه عند الكلام على ترجمته. وانظر ما قاله هنا في الطبقات 2/ 39، 43.

وانظر: الآداب الشرعية للمؤلف 1/ 229، ففيها ما نقل هنا بعبارة أوضح وأوفى.

(3/1411)

الحق، ولم (1) يبلغنا عن أحد من علمائنا أنه فعله، وفيه غلق باب الفائدة، والمجالسة للمناصحة (2) فتح باب الفائدة.

وفي فنون ابن عقيل (3): قال بعض مشايخنا المحققين: إِذا كانت مجالس النظر مشحونة بالمحاباة لأرباب المناصب تَقَربا، وللعوام تَخَوُّنًا (4)، وللنظراء (5) تعملاً وتَجَمُّلا (6)، ثم: إِذا لاح دليل خونتم اللائح وأطفأتم مصباح (7) (8) الحق [الواضح] (9)، هذا والله الإِياس من الخير، مصيبة عمت العقلاء في أديانهم، وترك المحاباة في أموالهم، ما ذاك إِلا لأنهم لم يشموا ريح اليقين.

وقال في الواضح (10): لولا ما يلزم من إِنكار (11) الباطل واستنقاذ

__________

(1) في (ح): ولو لم.

(2) في (ظ): والمناصحة.

(3) انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 1/ 228، ففيها ما نقله هنا بعبارة أوضح.

(4) تخونا: أي تنقصا. انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 231، والصحاح/ 2110.

(5) نهاية 430 ص (ح).

(6) التجمل: تكلف الجميل. انظر: الصحاح/ 1662، ولسان العرب 13/ 133.

(7) في (ح): مصابيح.

(8) نهاية 150أمن (ظ).

(9) ما بين المعقوفتين من نسخة في هامش (ب).

(10) انظر: الواضح 1/ 120 ب- 121 أ.

(11) في (ظ): الإنكار.

(3/1412)

الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته لَمَا حَسُنت المجادلة للإِيحاش فيها غالبا، ولعن فيها أعظم المنفعة إِذا قصد بها نصرة الحق -وقال أيضًا- أو التقوِّي على الاجتهاد، ونعوذ (1) بالله من قصد المغالبة وبيان الفراهة (2)، وينبغي أن يجتنبه.

وقال في الفنون: قال بعض العلماء: يجوز (3) أن يطلب المذهب، ولا يجوز وضع مذهب ويطلب له دليل، ولكن أهل مذهبنا يتبعون مذهبا بالعصبية، ثم يطلبون له أدلة، وصاحب العصبية يقنع بأي شيء تَخَيَّله دليلاً لِما قد حصل في نفسه من نفسه، ويسخر من نفسه لِتَطَلّبِه لما وضعه بما يقويه في نفسه (4).

وقال ابن هبيرة (5): الجدل الذي يقع بين المذاهب أوفق ما يحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإِعادة (6) والدرس، فأما اجتماع جمع متجادلين في مسألة -مع أن كلا منهم لا يطمع أن يرجع إِن ظهرت حجة، ولا فيه

__________

(1) نهاية 221أمن (ب).

(2) الفراهة: الحذق بالشيء، وكذلك الأشر والبطر. انظر: الصحاح/ 2242 - 2243.

(3) في (ب): يجب. والمثبت من (ظ) ونسخة في هامش (ب).

(4) جاء -بعد هذا- في (ب) كلام سيأتي في ص 1425، وهو من قوله: "كتقبيحه" إِلى قوله: "وأكل جائع". وقد نبهت على محله.

(5) انظر: المسودة/ 541.

(6) نهاية 221 ب من (ب).

(3/1413)

مؤانسة ومودة وتوطئة القلوب لوعيِ حقٍّ، بل هو على الضد -فتكلم (1) فيه العلماء- كابن بطة (2) -وهو محدث.

وما قاله صحيح، وذكره بعضهم عن العلماء، وعليه يحمل ما رواه أحمد والترمذي وصححه (3) عن أبي غالب (4) -وهو مختلف فيه- عن

__________

(1) في (ظ) و (ب): وتكلم.

(2) هو: أبو عبد الله عبيد الله بن محمَّد العكبري الحنبلي، فقيه محدث، توفي بعكبرا سنة 387 هـ. من مؤلفاته: الإبانة في أصول الديانة -كبرى وصغرى- والسنن.

انظر: طبقات الحنابلة 2/ 144، والمنهج الأحمد 2/ 69، وشذرات الذهب 3/ 122.

(3) انظر: مسند أحمد 5/ 252، 256، وسنن الترمذي 5/ 55 - 56 وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 19، والطبري في تفسيره 25/ 53، والحاكم في مستدركه 2/ 447 - 448 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه والذهبي. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 119، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 230.

(4) هو: صاحب أبي أمامة، قيل: اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع، بصري، ويقال: أصبهاني، روى عن أبي أمامة الباهلي وأنس بن مالك، وعنه: الأعمش وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينه وغيرهم. وعن ابن معين قال: صالح الحديث. وقال الدارقطني: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف. وحسن الترمذي بعض أحاديثه، وصحح بعضها. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إِلا فيما وافق الثقات. وقال ابن سعد: كان ضعيفاً. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ. انظر: ميزان الاعتدال 1/ 476، 4/ 560، وتهذيب التهذيب 12/ 197، وتقريب التهذيب 2/ 460.

(3/1414)

أبي أمامة مرفوعًا: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إِلا أوتوا الجدل)، ثم تلا: (ما ضربوه لك) الآية (1).

ولأحمد (2) عن مكحول عن أبي هريرة -ولم يسمع (3) منه- مرفوعًا: (لا يؤمن العبد الإِيمان كله حتى يترك المراء وإن كان (4) مُحِقًّا).

وللترمذي عن ابن عباس مرفوعًا: (لا تُمارِ أخاك) (5).

ولأبي داود (6) -بإِسناد حسن- عن أبي أمامة مرفوعًا: (أنا زعيم ببيت في ربض (7) الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحِقًّا).

__________

(1) سورة الزخرف: آية 58.

(2) انظر: مسند أحمد 2/ 352، 364، وهو بلفظ: (وإن كان صادقًا).

(3) انظر: تهذيب التهذيب 10/ 290 - 291.

(4) نهاية 431 من (ح).

(5) انظر: سنن الترمذي 3/ 242 وقال: غريب لا نعرفه إِلا من هذا الوجه. قال الحافظ العراقي: يعني من حديث ليث بن أبي سليم، وضعفه الجمهور، وقال الذهبي: فيه ضعف من جهة حفظه. انظر: فيض القدير 6/ 421.

(6) أخرجه أبو داود في سننه 5/ 150. وراجع: مجمع الزوائد 1/ 156 - 157.

(7) في النهاية في غريب الحديث 2/ 185: ربض الجنة -بفتح الباء-: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع.

وانظر: لسان العرب 9/ 12.

(3/1415)

ولابن ماجه والترمذي (1) -وحسنه- عن سلمة بن وردان (2) -وهو ضعيف- عن أنس مرفوعاً: (ومن ترك المراء وهو مُحِقّ بُني له في وسط الجنة).

يقال: مارى (3) يماري مماراة ومراء، أي: جادل، والمراء: استخراج غضب المجادل، من قولهم: "مَرَيْتُ الشاة" إذا استخرجت لبنها.

ومن بان له سوء قصد خصمه فيتوجه في تحريم مجادلته خلاف كدخول من لا جمعة عليه (4) مع من تلزمه: لنا فيه (5) وجهان.

ويأتي (6) -في شروط المفتي- جدال المنافق.

__________

(1) انظر: سنن ابن ماجه/ 19 - 20، وسنن الترمذي 3/ 241 - 242 وقال: حديث حسن لا نعرفه إِلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس.

(2) هو: أبو يعلى الليثي -بالولاء- المدني، روى عن أنس ومالك بن أوس بن الحدثان، ورأى جابرًا، وعنه ابن وهب والقعنبي وإسماعيل بن أبي أويس وجماعة، توفي سنة 106 هـ. قال أبو حاتم: ليس بقوي، عامة ما يرويه عن أنس منكر. وقال أبو داود: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: منكر الحديث.

انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 227، وميزان الاعتدال 2/ 193، وتهذيب التهذيب 4/ 160.

(3) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 314، والصحاح/ 2491.

(4) يعني: في البيع بعد نداء الجمعة الثاني.

(5) في (ح): لنا وجهان فيه.

(6) في ص 1548 - 1550.

(3/1416)

قال ابن الجوزي (1) -في قوله: (فلا ينازعنك في الأمر) - (2): أي: في الذبائح، والمعنى: فلا تنازعنهم (3)، ولهذا قال: (وإن جادلوك (4) فقل الله أعلم بما تعملون) (5)، قال: وهذا (6) [وجه] (7) أدب حسن علَّمه الله عباده ليردّوا به من جادل تعنتا (*) ولا يجيبوه.

والجدل (8): فتل الخصم عن قصده (9)، والإِجدال (10) هو الظفر (11) عندهم، وجدلت الحبل أجدُله جدلا: فتلته (12) فتلا محكما، والجَدَالة: الأرض، يقال: طعنه فجَدله -أي: رماه بالأرض- فانجدل أي: سقط، وجادله -أي: خاصمه- مجادلة وجدالاً، والاسم: الجَدَل، وهو شدة (13) الخصومة.

__________

(1) انظر: زاد المسير 5/ 448 - 450.

(2) سورة الحج: آية 67.

(3) في (ح) و (ظ): فلا تنازعهم.

(4) نهاية 222 أمن (ب).

(5) سورة الحج: آية 68.

(6) نهاية 150 ب من (ظ).

(7) ما بين المعقوفتين من (ظ)

(*) في (ظ): تعبثًا.

(8) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 433 - 434، والصحاح/ 1653.

(9) في (ح): قصد.

(10) كذا في النسخ. ولعلها: الأجدل.

(11) كذ افي (ب). وفي (ح) و (ظ): الضفر. أقول: ولعلها: الصقر.

(12) في (ح): قتله.

(13) في (ب) و (ظ): شدة في الخصومة.

(3/1417)

قال ابن الجوزي: "طلب الرئاسة والتقدم بالعلم مُهْلِك"، ثم ذكر اشتغال أكثرهم بالجدل (*) ورفع أصواتهم في المساجد -وإنما المقصود الغلبة والرفعة- وإفتاء من ليس أهلا.

.........................

والسؤال: طلب الإِخبار، فهو استخبار من مستخبِر.

والجواب لغة (1): القطع، ومنه: (جابوا الصخر بالواد) (2)، والمجيب يقطع لمعنى الخبر بإِثبات أو نفي.

قال ابن عقيل (3): ويبدأ كل منهما بحد الله والثناء عليه، قال (4): وللسائل مضايقته إِلى الجواب (5)، فيلجئه إِليه، أو بأن جهله بتحقيقه، وليس له الجواب تعريضًا لمن أفصح به، ولا يقنع به، وإنما عليه أن يجيبه فيما بينه وبينه فيه خلاف لتظهر حجته فيه، والكلام في هذا الشأن إِنما يعول فيه على الحجة لتُظْهر والشبهة (6) لتُبْطل، وإلا فهدر (7)، وهو الذي رفعت

__________

(*) في (ب) و (ظ): في الجدل.

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 491، والصحاح/ 104.

(2) سورة الفجر: آية 9.

(3) انظر: الواضح 1/ 121أ.

(4) انظر: المرجع السابق 1/ 63 ب، 65 ب، 71 ب، 73 ب-74أ.

(5) نهاية 432 من (ح).

(6) في (ظ): والشبه.

(7) كذا في النسخ. ولعلها: فهذر.

(3/1418)

بشؤمه (1) ليلة القدر (2)، وإليه انصرف النهي (3) عن قيل وقال.

والحجة (4) لغة (5): القصد، ومنه: (حج البيت) (6).

وقد يقال للشبهة: "حجة داحضة"، ولا يجوز إِطلاقه حتى يبين أنه استعارة.

وما شهد بمعنى حكم آخر: حجة، نحو: "الجسم محدَث" يشهد (7) بأن له محدثًا، وما لا يشهد: دلالة، كـ "الجسم موجود"، إِلا أنه كثر فوقعت موضع الحجة، ومن الفرق: إِشارة الهادي إِلى الطريق والنجم والريح على القبلة: دلالة لا حجة.

__________

(1) في (ظ): لشومه.

(2) أخرج البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 1/ 113) عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: (إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت ...)

وأخرج مسلم نحوه في صحيحه/ 826 - 827 من حديث أبي سعيد.

قال في فتح الباري: (تلاحى) من التلاحي وهو التنازع والخاصمة.

(3) يأتي هذا النهي في ص 1568.

(4) هذا تابع لكلام ابن عقيل.

(5) انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 29 - 31، والصحاح/ 303 - 304.

(6) سورة آل عمران: آية 97.

(7) في (ظ): ليشهد.

(3/1419)

وإن قال المجيب: "لو جاز كذا لجاز كذا" فهو كقول السائل: "إِذا كان كذا (1) فلم لا يجوز كذا؟ " إِلا أنه لا يلزمه أن يأتي بالعلة الموافقة بينهما؛ لأنه من فرض المجيب، ويلزم المجيب أن يبين له، ولو كان للمجيب أن يقول له: "ومن أين اشتبها؟ " لكان له أن يصير سائلاً، وكان على السائل أن يصير مجيبا، وكان له أيضًا: ولِمَ ينكر تشابههما والمجيب مدعيه؟.

وللسائل (2) أن يقول له: "لِمَ ذلك؟ "، فإِن قال: "لأنه لا فرق" فللسائل (3) أن يقول: دعواك لعدم الفرق كدعواك للجمع، ومُخالِفُك فيهما.

فإِن قال المجيب: "لا أجد فرقًا" فللسائل (3) أن يقول: [ليس] (4) كل ما لم تحده يكون باطلاً.

وقال أبو محمَّد البغدادي: لا بد للسائل من الانتماء إِلى مذهبِ ذي مذهب للضبط، وإن كان الأليق بحاله التجرد عن المذاهب (5)، (6) لاسترشاده -كذا قال- وأن لا يسأل (7) عن أمر جلي فيكون معاندا،

__________

(1) نهاية 222 ب من (ب).

(2) في (ظ): ولسائل.

(3) في (ب) و (ح): فلسائل.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) في (ح): المذهب.

(6) نهاية 151 أمن (ظ).

(7) نهاية 433 من (ح).

(3/1420)

قال المتنبي (1):

ليس (2) يصح في الأذهان (3) شيء إِذا احتاج النهار إِلى دليل (4) قال: ويكره اصطلاحاً تأخير الجواب عن السؤال كثيراً.

وعند بعض الجدليين: منقطع.

ولا يكفيه عزو حديث إِلى كتب الفقهاء؛ لأن المطلوب منه صنعة المحدِّثين، بل إِلى كتاب منهم غير مشهور بالسقم. كذا قال.

....................

قال في التمهيد (5) وغيره: يعرف انقطاع السائل بعجزه عن بيان السؤال وطلب الدليل وطلب وجه الدليل وطعنه في دليل المستدل ومعارضته.

قال في مكان آخر: "وانتقاله إِلى دليل أو مسألة أخرى"، ومراده: قبل

__________

(1) هو: أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكندي الكوفي، الشاعر المشهور، توفي سنة 354 هـ.

انظر: وفيات الأعيان 1/ 102، وحسن المحاضرة 1/ 560، وشذرات الذهب 3/ 13.

(2) كذا في النسخ. وفي الديوان: وليس.

(3) في الديوان: الأفهام.

(4) انظر: ديوان أبي الطيب المتنبي/ 334.

(5) انظر: التمهيد/ 191 ب.

(3/1421)

تمام الأول، كما ذكره القاضي (1) وابن عقيل (2)، (3) وقال (4): من الانتقال ما ليس انقطاعًا، كمن سئل عن رد اليمين، فبناه على الحكم بالنكول، أو عن قضاء صوم نفل، فبناه على لزوم إِتمامه، وإن طالبه السائل بدليل على ما سأله فانقطاع منه (5)؛ لبناء بعض الأصول على بعض، وليس لكلها دليل يخصها.

وانقطاع (6) المسئول: بعجزه عن الجواب وإِقامة الدليل وتقوية وجه الدليل ودفع اعتراضه.

وانقطاعهما (6): بجحد ما عُرِف من مذهبه أو ثبت بنص أو إِجماع -ومراده: وليس مذهبه خلاف النص- وعجزه عن تمام ما شرع فيه، وخلط كلامه على وجه لا يفهم، وسكوته سكوت حيرة (7) بلا عذر، وتشاغله بما لا يتعلق بالنظر، وغضبه أو قيامه في غير مكانه، وسفهه على خصمه.

وبأن من ذلك القطع بالشغب بالإِبهام بلا شبهة -وقاله ابن عقيل (8)

__________

(1) انظر: العدة/ 238أ

(2) انظر: الواضح 1/ 67 ب-68أ. 1115أ.

(3) نهاية 223أمن (ب)

(4) انظر: الواضح 1/ 204أ.

(5) يعني: من السائل.

(6) التمهيد/ 191 ب.

(7) في (ب): خيرة.

(8) انظر: الواضح 1/ 113أ. 115 ب، 204أ.

(3/1422)

وغيره، وقال: إِن تمادى أعرض عنه، وهو الأولى بذي الرأي والعقل؛ لا سيما إِن أوهم الحاضرين (1) أنه سألك طريق الحجة- وبالاستفسار (2) عما (3) لا يُستفهَم عن مثله لعدم ترديده وغموضه (4).

وفي طريق الحكم من الفصول: لا ينبغي أن يصيح على الخصم (5) في غير موضعه؛ لأنه يمنعه من إِقامة حجته، ولهذا منعناه (6) في المناظرة والجدال وجعلناه من الشغب.

وفي الواضح (7): واحذر الكلام في مجالس الخوف أو التي لا إِنصاف فيها، وكلام من تخافه أو تبغضه أو لا يفهم عنك، واستصغار الخصم، ولا ينبغي كلام مَنْ عادته ظلم خصمه والهزء والتشفي لعداوته والمترصد للمساوئ والتحريف [والتَّزَيُّد] (8) والبهت، وكل جدل وقع فيه ظلم الخصم اختل، فينبغي أن (9) يحترز منه،

__________

(1) في (ظ): الحاضرون.

(2) في (ظ): والاستفسار.

(3) في (ح): عمن.

(4) نهاية 434 من (ح).

(5) في (ح): خصمه.

(6) في (ظ): معناه.

(7) انظر: الواضح 1/ 63 ب- 70أ، 118 ب- 124أ.

(8) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(9) نهاية 151 ب من (ظ).

(3/1423)

وقَدِّر في نفسك (1) الصبر والحلم، ولا تنقص بالحلم إِلا عند جاهل، ولا بالصبر على شغب السائل إِلا عند غبي، وترتفع في نفوس العلماء، وتَنْبُل عند أهل الجدل، ومن خاض في الشغب تعوده، ومن تعوده حُرِم الإصابة واستروح إِليه، ومن (2) عرف به سقط سقوط الذرة، ومن عرف لرئيس فضله وغفر زلة نظير ورفع نفسه عن دنيء سلم من الغضب، وفي رد الغضب الظفر، ولا رأى لغضبان، والغالب في السفه الأسفه كالغالب بالعلم الأعلم، ومع (3) هذا فلا أحد يسلم من الانقطاع إِلا من عصمه الله، وليس حد العالم كونه حاذقا بالجدل؛ فإِنه صناعة، والعلم صناعة، وهو مادة الجدل، والمجادل يحتاج إِلى العلم ولا عكس.

وينبغي [أن] (4) يحترز في كل جدل من حيلة الخصم، وأدب الجدل يزين صاحبه، وتركه يشينه، ولا ينبغي أن ينظر لما اتفق لبعض من تركه [من] (5) الحظوة في الدنيا؛ فإِنه إِن كان رفيعًا عند الجهال فإِنه ساقط عند أولي الألباب.

__________

(1) نهاية 223 ب من (ب).

(2) في (ب): من.

(3) في (ب): ومن.

(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).

(5) مما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).

(3/1424)

واحذر أن تغتر يخطأ الخصم في مذهب، فإِنه لا يدل على الخطأ في (1) غيره.

وإن صد عن الجدل آفة فينبغي إِزالتها، كتقبيحه (2) أو لا نفع فيه أو التقليد أو (3) الإِلف والعادة أو محبة (4) الرئاسة والميل إِلى الدنيا والمفاخرة.

ويجب لكل منهما الإِجمال في خطابه، وِإقباله عليه، وتأمّله لما يأتي به، وترك قطع كلامه والصياح في وجهه والحدة والضجر عليه والإِخراج له عما عليه، والاستصغار له.

وإِذا نفرت النفوس عميت القلوب وخمدت الخواطر وانسدت أبواب الفوائد، وقد قال تعالى عن فرعون: (فقولا له قولاً لينا) (5).

ورياضة الأدون واجبة على العلماء، وتركه سدى مضرة له، فإِن عود (6) ما يستحقه الأعلى أخلد إِلى خطئه (7) ولم يزعه عن الغلط وازع، ومقام التعلم والتأدب تارة بالعنف وتارة باللطف؛ لئلا يفوت أحدهما.

__________

(1) نهاية 435 من (ح).

(2) من قوله: (كتقبيحه) إِلى قوله -في الصفحة التالية-: (وأكل جائع) جاء في (ب) في ورقة 221 ب. وقد سبق التنبيه إِليه في ص 1413.

(3) في (ب) و (ظ): والألف.

(4) في (ح): حجبه.

(5) سورة طه: آية 44.

(6) يعني: الأدون.

(7) في (ح): خطابه.

(3/1425)

وعلل في الفنون عدم العزل بكسر الغرض كتسكيت متكلم عن كلام يشفي به غليله أو يوضح به دليله أو كسر فرس (1) جرى في ميدان وشبهه من كسر الغرض كمدافعة نوم ساهر وأكل جائع.

وقال بعض أصحابنا (2): "انتقال السائل انقطاع عند الجمهور، ويقتضيه كلامه في العدة"، قال: وهو بعيد، وقال الشاشي: "ليس بانقطاع"، فإِن قال: "ظننته لازما فمكنوني من سؤال آخر" ففيه (3) خلاف، قال: والأصح: يمكَّن من أدنى، فأما من أعلى (4) -كانتقاله (5) من المعارضة إِلى المنع- فقيل: لا يمكَّن لتكذيبه لنفسه، وقيل: يمكَّن؛ لأن قصده الاسترشاد.

قال (6): وترك المسئول الدليل لعجز فهم السائل ليس انقطاعا؛ لقصة إِبراهيم، وقيل: بلى؛ لأنه التزم تفهيمه.

قال ابن عقيل في الفنون: لما قابل نمروذ (7) قول الخليل (8) - عليه

__________

(1) في (ح): قوس.

(2) انظر: المسودة / 443.

(3) في (ظ): فيه.

(4) في (ب) و (ظ): الأعلى.

(5) نهاية 152أمن (ظ).

(6) نهاية 224 أمن (ب).

(7) هو: النمروذ بن كنعان -وفي نسبه خلاف بين المفسرين- ملك بابل، وأحد المتجبرين في الأرض. انظر: تفسير القرطبي 3/ 283، والبداية والنهاية 1/ 148.

(8) في سورة البقرة: آية 258.

(3/1426)

السلام - في الحياة الحقيقة (1) بالحياة المجازية انتقل إِلى دليل لا يمكنه يقابل (2) الحقيقة فيه بالمجاز، ومن انتقل من دليل غامض إِلى واضح فذلك طلب للبيان، وليس انقطاعًا.

وقال (3) -أيضًا- في الواضح: انتقل إِلى الدليل (4) الأوضح في تعجيزه.

وقال ابن الجوزي (5): رأى ضعف فهمه -لمعارضته اللفظ بمثله مع اختلاف الفعلين- فانتقل إِلى حجة أخرى قصدًا لقطعه لا عجزا.

قال بعض أصحابنا (6): حاصله: يجوز الانتقال لمصلحة، وليس انقطاعًا.

قال ابن عقيل (7): الانتقال عن السؤال هو الخروج عما يوجبه أوله من ملازمة السنن فيه، مثل قوله: "هل الخمر مال لأهل الذمة؟ "، فيقول:

__________

(1) نهاية 436 من (ح).

(2) في (ظ): فقابل.

(3) انظر: الواضح 1/ 117 أ.

(4) في (ظ): دليل.

(5) انظر: زاد المسير 1/ 308.

(6) انظر: المسودة/ 445.

(7) انظر: الواضح 1/ 67 ب- 68أ.

(3/1427)

"نعم"، فيقول: "وما حد المال؟ "، فهذا انتقال، فإِن أجابه عن ذلك خرج معه أيضًا، وهذا كثير يتم بين المخلين بآداب الجدل.* * *

(3/1428)

الجزء الرابع

(4/1428)

[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

أصول الفقه لابن مفلح

الاستدلال

لغة (1): طلب الدليل.

واصطلاحا: ذكر الدليل.

والمقصود هنا: ما ليس بنص ولا إِجماع ولا قياس.

وقيل: "ولا قياس علة"، فيدخل فيه القياس بنفي الفارق وقياس الدلالة.

وأما نحو: وُجِد السبب فيثبت الحكم، ووجد المانع أو فات الشرط فينتفي الحكم.

فقيل: دعوى دليل.

وقيل: دليل -ولم يذكره جماعة من أصحابنا، وذكره بعضهم وآخرون- لأن الدليل ما يلزم منه الحكم المطلوب قطعا أو ظاهرًا، وهذا كذلك (2)، والمطلوب (3) يتوقف على الدليل من جهة وجوده في آحاد الصور (4)،

__________

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 259، والصحاح/ 1698.

(2) نهاية 224 ب من (ب).

(3) هذا جواب سؤال مقدر: تعريف الدليل بما يلزم من إِثباته الحكم المطلوب تعريف للدليل بالمدلول، والمدلول لا يعرف إِلا بدليله، فكان دورا ممتنعًا.

(4) لا من جهة حقيقته؛ لأنا نعرف حقيقة الحكم من حيث هو حكم وإن جهلنا دليل وجوده.

(4/1429)

والدليل يتوقف على لزوم المطلوب من جهة حقيقة (1)، فلا دور.

ثم: قيل (2): إِنه استدلال؛ لدخوله في تعريفه.

وقيل (3): إِن ثبت بغير نص أو إِجماع أو قياس، وإلا كان ثابتًا بأحدها. كذا قيل.

وقيل: الاستدلال: مقدمتان عنهما نتيجة، وهو: القياس الاقتراني والاستثنائي (4)، ونفي الحكم لنفي مداركه ووجود المانع أو فوات الشرط، أو ثبت الحكم لوجود السبب.

وقيل: هو تلازم بين حكمين بلا تعيين علة، واستصحاب، وشرع من قبلنا.

واختار أبو محمَّد البغدادي هذا والذي قبله، وأسقط شرع من قبلنا، وقال: ومنه قول القائل: لا فارق بين محل النزاع والاجماع إِلا هذا، ولا أثر له.

الأول: تلازم بين ثبوتين أو نفيين أو ثبوت ونفي أو نفي وثبوت.

__________

(1) لا من جهة وجوده في آحاد الصور، فاختلفت الجهة.

(2) يعني: على أنه دليل.

(3) نهاية 437 من (ح).

(4) القياس الاقتراني: ما لم تذكر النتيجة ولا نقيضها فيه بالفعل. والقياس الاستثنائي: ما ذكرت النتيجة أو نقيضها فيه بالفعل. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 119.

(4/1430)

فإِن تلازما طردا وعكسا -كالجسم والتأليف (1) - لزم من وجود كل (2) منهما وجود الآخر، ومن نفيه نفيه.

وِإن تلازما طردا -كالجسم والحدوث- جرى فيهما تلازم ثبوتين طرداً ونفيين عكسًا، فلزم من وجود الجسم الحدوث، ومن نفي الحدوث نفيه، بلا عكس فيهما (3).

والمتنافيان طردا وعكسا -كالحدوث ووجوب البقاء- يلزم من ثبوت كل منهما نفي الآخر، ومن نفيه ثبوته.

وإن تنافيا إِثباتا -كالتأليف والقدم- جرى فيهما تلازم ثبوت ونفي طردًا وعكسا، فلزم من ثبوت كل منهما نفي الآخر.

وإن تنافيا نفيا -كالأساس والخلل- جرى فيهما تلازم نفي وثبوت طردًا وعكساً، فلزم من نفي كل منهما ثبوت الآخر.

مثال الأول في الأحكام: "من صح طلاقه صح ظهاره"، (4) ويثبت (5) استلزام [أحكام] (6) الطلاق للظهار بالطرد، ويقوى التلازم بالعكس،

__________

(1) في (ب): والتاليق.

(2) نهاية 152 ب من (ظ).

(3) فلا يجرى فيهما تلازم ثبوتين عكسا ولا تلازم نفيين طردا، فلا يلزم من وجود الحدوث وجود الجسم ولا من نفي الجسم نفي الحدوث.

(4) نهاية 225أمن (ب).

(5) في (ب): وثبت. وفي (ظ): يثبت.

(6) ما بين المعقوفتين من (ظ).

(4/1431)

ويقرر التلازم: بأن الصحتين أثران لمؤثر، فيلزم من ثبوت أحدهما الآخر (1)؛ للزوم ثبوت المؤثِّر لثبوت أحدهما، ويقرر -أيضًا- بأن يقال: ثبت المؤثر في صحة الطلاق، فيثبت الآخر؛ لأنهما أثراه (2)، ولا يعيِّن المؤثر فيكون انتقالاً إِلى قياس العلة.

مثال الثاني: "لو صح الوضوء بلا نية صح التيمم"، ويثبت التلازم بالطرد، ويقوى بالعكس، كما سبق، ويقرر -أيضًا-: بانتفاء أحد الأثرين، فينتفي الآخر؛ للزوم انتفاء المؤثِّر.

مثال الثالث: ما يكون مباحًا لا يكون حرامًا.

مثال الرابع: ما لا يكون جائزًا يكون حرامًا.

ويقرران: بثبوت التنافي بينهما أو بين لوازمهما.

ويرد على جميع الأقسام منع المقدمتين ومنع أحدهما (3)، وسبق -بعد ذكر مسالك العلة في تقسيم القياس (4)، وبعد ذكر الأسئلة (5) - ما يرد عليه.

* * *

__________

(1) نهاية 438 من (ح).

(2) في (ب): لا تراه.

(3) كذا في النسخ. ولعلها: إِحداهما.

(4) في ص 1302.

(5) في ص 1407.

(4/1432)

الاستصحاب: دليل عند أصحابنا والشافعية وغيرهم (1)، وذكره القاضي (2) إِجماعًا -وكذا أبو الطيب (3) الشافعي- وقال: وقد ذكره الحنفية، وذكره السرخسي (4) منهم، وقال: عدمُ الدليل دليلٌ، ثم ذكر (5) عن بعض الفقهاء بطلانه.

وذكر الآمدي (6) بطلانه عن أكثر الحنفية وجماعة من المتكلمين -كأبي الحسين- ثم: منهم من جوز به الترجيح.

وكذا ذكر أبو الخطاب (7) -في مسألة القياس-: أنه ليس دليلاً، واختاره بعض أصحابنا (8).

واستصحاب أمر وجودي أو عدمي عقلي أو شرعي سواء، نحو: لا يجب الوتر؛ لأنه الأصل (9).

__________

(1) نهاية 439 من (ح).

(2) انظر: العدة / 191 ب، 192 أ، والمسودة/ 488.

(3) انظر: العدة/ 191 ب، والمسودة/ 488.

(4) وهو: أبو سفيان.

(5) يعني: السرخسي.

(6) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 127.

(7) انظر: التمهيد/ 150 ب.

(8) انظر: المسودة/ 489.

(9) نهاية 225 ب من (ب).

(4/1433)

لنا: استلزام ما عُلِم -ولا معارض- ظَنَّ (1) بقائه، ولهذا ليس الشك في الزوجية ابتداء كالشك في بقائها في (2) التحريم والجواز إِجماعًا.

ويبني العقلاء عليه في إِنفاذ وديعة (3)، والشهادة بَديْن على (4) من أَقَرَّ به.

ويتوقف تغييره على تبدل وجوده بعدمه وعكسه (5).

قالوا: الحكم الشرعي يعتبر له دليلٌ شرعي.

رد: ليس البقاء حكمًا شرعيًا.

ثم: دليله الاستصحاب، زاد في التمهيد (6): أو دليل مِنْ شرعِ من قبلنا.

قالوا: يلزم تقديم بينة النفي (7).

رد: قُدِّم المثبِت؛ لِبُعْد غلطه لاطلاعه على سبب الثبوت.

قالوا: لا ظن في بقائه مع جواز الأقيسة.

__________

(1) قوله: "ظن" مفعول لقوله: "استلزام".

(2) في (ح): بالتحريم.

(3) يعني: إِرسالها إِلى صاحبها المسافر.

(4) نهاية 153أمن (ظ).

(5) بخلاف البقاء، فإِنه لا يتوقف على ذلك.

(6) انظر: التمهيد/ 192 أ.

(7) لو كان الأصل البقاء؛ لأن بينة النفي تساعدها البراءة الأصلية.

(4/1434)

رد: إِنما يفيد الظن بعد بحث العالم، قال ابن عقيل (1): "نقطع بعدم دليل، وإلا لعلمناه مع شدة بحثنا عنه"، وقال بعض أصحابنا (2): لا ينبغي فيه خلاف البحث عن المخصِّص (3)، وأنه اتفاق.قالوا: لا يجزي في كفارة عتق غائب انقطع خبره.رد: بالمنع، ثم: لظهور موته، وشَغْل ذمَّته يقيناً........................استصحاب حكم الإِجماع في محل الخلاف: ليس بدليل عند أكثر أصحابنا، وقاله الحنفية (4) وأكثر الشافعية (5) وجماعة من المالكية (6)، وذكره أبو الخطاب (7) وابن عقيل (8) عن عامة محققي الفقهاء والمتكلمين.وعند أبي إِسحاق بن شاقلا (9) وابن حامد (10) -وغيرهما من أصحابنا-__________(1) انظر: الواضح 1/ 201 أ-ب.(2) انظر: المسودة/ 489.(3) نهاية 440 من (ح).(4) انظر: أصول السرخسي 2/ 116.(5) انظر: اللمع/ 72.(6) ذكر في المسودة/ 343: أن عبد الوهاب قد نقله. وانظر: مفتاح الوصول/ 190.(7) انظر: التمهيد/ 192 ب.(8) انظر: الواضح 1/ 110. 195 ب- 196أ، والمسودة/ 343.(9) انظر: العدة/ 192 أ - ب، والتمهيد/ 192 ب، والمسودة 343.(10) انظر: المسودة/ 343، وإعلام الموقعين 1/ 341.

(4/1435)

والصيرفي (1) الشافعي وداود (2) وأصحابه والآمدي (3): هو حجة؛ لأن بقاء الحكم لا يفتقر إِلى دليل إِن نُزِّل منزلة الجوهر، ولا نسلم أنه كالعرض، ثم: الاستصحاب دليل، ثم: هو دليل الدليل؛ لأن بقاء الظن له دليل.وذكر أبو الخطاب (4) (5) الثاني (6) عن أبي ثور والمزني، وأنه يؤدي إِلى تكافؤ الأدلة؛ لأنه إِذا قيل: "أجمعوا أن رؤية الماء في غير الصلاة تبطل تيممه، فكذا الصلاة" قيل: أجمعوا على صحة تحريمته، فمن أبطله (7) لزمه (8) الدليل.وجواب: بمنع التكافؤ وإن تعارضا.واحتج له -أيضًا-: بالقياس (9) على قول الشارع (10).__________(1) انظر: اللمع/ 72.(2) انظر: العدة/ 192 أ، والتبصرة/ 526، والتمهيد/ 192 ب، والواضح 1/ 196أ، والمسودة/ 343.(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 136.(4) انظر: التمهيد/ 192 ب-193 أ- ب.(5) نهاية 226 أمن (ب).(6) يعني: القول بأنه دليل.(7) يعني: أبطل التيمم.(8) في (ب): الزمه.(9) في (ح): بقياس.(10) يعني: فهو لا ينتقل عن حكمه إِلا بالنسخ أو ما أشبهه، فكذلك الإجماع.

(4/1436)

وأجاب بما معناه: أنه لا يجوز استصحاب حكم الدليل في الحالة الثانية إِلا أن يتناولها الدليل.قيل له: فيجب قصره على الزمن الواحد.فالتزمه إِلا أن يكون دليل الحكم وعلته (1) قد عم الأزمنة. كذا قال، وسبق (2) خلافه في "شروط العلة: أن لا ترجع على الأصل بالإِبطال".ولكن جوابه: أن قول الشارع مطلق، فيعم، والإِجماع إِنما هو في صفة خاصة، ولهذا يجوز تركه في الحالة الثانية بدليل غير الإِجماع (3)، خلافا لبعض الشافعية، ذكره عنهم القاضي (4) وابن عقيل (5)، وهو ضعيف.* * *شرع من قبلنا:يجوز تعبد نبي بشريعة نبي قبله عقلاً.ومنعه بعضهم؛ لعدم الفائدة.رد: فائدته إِحياؤها، وقد (6) يكون مصلحة (7)...................__________(1) في نسخة في هامش (ب): أو علته.(2) في ص 1240 - 1241.(3) نهاية 441 من (ح).(4) انظر: العدة/ 181 ب.(5) انظر: الواضح 1/ 195 ب، والمسودة/ 344.(6) في (ظ) ونسخة في هامش (ب): ولعل فيه مصلحة.(7) نهاية 153 ب من (ظ).

(4/1437)

وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثه متعبدا بشرع من قبله مطلقًا عند الحلواني (1) والقاضي (2)، وذكره عن الشافعية، وأن أحمد أومأ إِليه.وقيل: بشرع آدم.وقيل: نوح.وقيل: إِبراهيم، واختاره ابن عقيل (3)، وذكره عن الشافعية.وقيل: موسى.وقيل: عيسى.ومنع الحنفية (4) والمالكية (5) وابن الباقلاني (6) وأبو الحسين (7)، وذكره بعض أصحابنا عن الأكثر، وأن عن أحمد قولين.__________(1) انظر: المسودة/ 182.(2) انظر: العدة/ 765.(3) انظر: الواضح 2/ 222أ.(4) اختار صاحب التحرير (انظر: تيسير التحرير 3/ 129)، وصاحب مسلم الثبوت (انظر: فواتح الرحموت 2/ 183): أنه متعبد.(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 295. واختار ابن الحاجب المالكي في المنتهى/ 153: أنه متعبد.(6) انظر: البرهان/ 508.(7) انظر: المعتمد/ 899.

(4/1438)

وتوقف أبو هاشم (1) وعبد الجبار وأبو الخطاب (2) (3) والغزالي (4) وأبو المعالي (5) وقال -هو وجماعة-: لفظية.وعن المعتزلة (6): تعبد بشريعة العقل.وجه الأول: في مسلم عن عائشة: "أنه كان يتحنث -وهو التعبد- في غار حراء" (7).رد: معناه التفكر والاعتبار، ولم يثبت عنه عبادة صوم ونحوه.ثم: من قِبَل نفسه تشبُّها بالأنبياء.وأيضاً: الأنبياء قَبْله لكل مكلف (8).رد: بالمنع، ثم: لم يثبت عنده، ولهذا بُعِث.وجه الثاني: لو تعبد بشرع لخالط (9) أهله عادة.__________(1) انظر: المرجع السابق/ 900.(2) انظر: التمهيد/ 104 ب.(3) نهاية 226 ب من (ب).(4) انظر: المستصفى 1/ 246.(5) انظر: البرهان/ 509.(6) انظر: المرجع السابق/ 507.(7) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 3، ومسلم في صحيحه/ 139 - 140.(8) يعني: أن شرع الأنبياء قبله لكل شخص مكلف، فيعمه.(9) في (ح): يخالط.

(4/1439)

رد: باحتمال مانع.وأجيب -أيضًا-: يعمل بما تواتر فقط، فلا يحتاج إِلى مخالطة.وفيه نظر...................ولم يكن - عليه السلام - على ما كان عليه قومه عند أئمة (1) الإِسلام، كما تواتر عنه.قال أحمد (2): من زعمه فهو قول سوء.....................وتعبد - عليه السلام - بعد بعثه بشرع من قبله، نقله الجماعة عن أحمد، واختاره أبو الحسن التميمي (3) والقاضي (3) وابن عقيل (4) والحلواني (5) وصاحب الروضة (6) وغيرهم، وقاله الحنفية والمالكية والشافعي وأكثر أصحابه.__________(1) في (ب): الأئمة.(2) انظر: الواضح 2/ 222أ.(3) انظر: العدة/ 756.(4) انظر: الواضح 2/ 212 ب.(5) انظر: المسودة/ 193.(6) انظر: روضة الناظر/ 160.

(4/1440)

ثم: منهم من خصه بشرع، كما سبق (1).وعند أصحابنا: لا يختص، وقاله المالكية (2).فعلى هذا: هو شرع لنا ما لم يُنسخ، قال القاضي (3): من حيث صار شرعًا (4) لنبينا؛ لا من حيث كان شرعا لمن قبله.وذكر أيضًا (5) -كما ذكر أبو محمَّد البغدادي (6) من أصحابنا-: أنه شرع لم يُنسخ، فيعمنا لفظا.وقال بعض أصحابنا (7): عقلا؛ لتساوي الأحكام، وهو الاعتبار (8) المذكور في قصصهم، فيعمنا حكماً.ثم: اعتبر القاضي (9) وابن عقيل (10) وغيرهما: ثبوته قطعًا.__________(1) في ص 1438.(2) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 297 - 298، والمنتهى/ 153.(3) انظر: العدة/ 753.(4) نهاية 442 من (ح).(5) انظر: العدة/ 761.(6) انظر: المسودة/ 185، 186.(7) انظر: المسودة/ 186.(8) مثل: المذكور في سورة يوسف: آية 111.(9) انظر: العدة/ 753.(10) انظر: الواضح 2/ 214 ب.

(4/1441)

وقال بعض أصحابنا (1) وغيرهم: أو آحادا.وعن أحمد (2): لم يتعبد، وليس بشرع (3) لنا، اختاره أبو الخطاب (4) والآمدي (5)، وقاله المعتزلة (6) والأشعرية (7).وجه الأول: (فبهداهم اقتده) (8).رد: أراد الهدى المشترك وهو التوحيد؛ لاختلاف شرائعهم (9)، والعقل هادٍ إِليه.ثم: أمر باتباعه بأمر مجدَّد لا بالاقتداء.أجيب: الشريعة من الهدى.وقد (10) أمر بالاقتداء.__________(1) انظر: المسودة/ 186.(2) انظر: العدة/ 756.(3) نهاية 227 أمن (ب).(4) انظر: التمهيد/ 104 أ.(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 140.(6) انظر: المعتمد/ 901.(7) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 140.(8) سورة الأنعام: آية 90.(9) يعني: وفيها ناسخ ومنسوخ.(10) نهاية 154 أمن (ظ).

(4/1442)

وإنما يعمل بالناسخ (1)، كشريعة واحدة.قال مجاهد لابن عباس، "أسجد في ص؟ "، فقرأ هذه الآية، فقال: "نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ممن أُمر أن يقتدي بهم". رواه البخاري (2).وأيضاً: (أن أَتبع ملة إِبراهيم) (3).رد: أراد التوحيد؛ لأن الفروع ليست ملة، ولهذا لم يبحث عنها، وقال: (وما كان من المشركين) (3)، وقال: (إِلا من سفه نفسه) (4).ثم: أمر باتباعها بما أوحي ما إِليه.أجيب: الفروع من الملة تبعًا، كملة نبينا - عليه السلام - لأنها دينه عند عامة المفسرين، قال ابن الجوزي (5): هو الظاهر. وذكره البغوي (6) عن__________(1) يعني: لا المنسوخ.(2) انظر: صحيح البخاري 4/ 161.وأخرج نحوه أحمد في مسنده 1/ 360. وانظر: فتح الباري 8/ 294، 544.(3) سورة النحل: آية 123.(4) سورة البقرة: آية 130.(5) انظر: زاد المسير 4/ 504.(6) هو: أبو محمَّد الحسين بن مسعود بن محمَّد الشافعي، إِمام في التفسير والحديث والفقه، توفي سنة 516 هـ.من مؤلفاته: معالم التنزيل في التفسير، وشرح السنة، والتهذيب في الفقه الشافعي.انظر: وفيات الأعيان 1/ 402، وطبقات الشافعية للسبكي 7/ 75، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 157، وشذرات الذهب 4/ 48.

(4/1443)

الأصوليين (1).وقد أمر باتباعها مطلقًا.وكذا: (شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحًا) الآية (2).وأيضًا: ظاهر قوله عن التوراة: (يحكم بها النبيون) (3)، والمراد: من بعد موسى.وقوله: (ومن لم يحكم بما نزل الله) (3).والقول (4) بتعارض الآيات دعوى بلا دليل.وأيضاً: في الصحيحين (5): أنه - عليه السلام - قضى بالقصاص في السن، وقال: (كتاب الله القصاص)، وإِنما هذا في التوراة (6).__________(1) انظر: تفسير البغوي (معالم التنزيل) 5/ 101.(2) سورة الشورى: آية 13.(3) سورة المائدة: آية 44.(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 147.(5) هذا الحديث رواه أنس. أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 186، وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1302، ولم يصرح بأنه في السن، وإنما لفظه: "جرحتْ إِنسانا". وأخرجه أبو داود في سننه 4/ 717، والنسائي في سننه 8/ 26 - 28، وابن ماجه في سننه/ 884 - 885.(6) كما جاء في سورة المائدة: آية 45.

(4/1444)

وسياق قوله: (فاعتدوا (1) عليه) (2) في غيره، ولهذا لم يفسر به.وللترمذي والنسائي عن عمر (3): أن رجلاً عض يد رجل، فنزعها من فيه، فوقعت ثنيتاه، فقال - عليه السلام -: (لا دية لك)، فأنزل (4) الله: (والجروح قصاص) (5). وقرئ في السبع برفع (6) (الجروح) ونصبها (7).وأيضًا: في مسلم (8) من حديث أنس وأبي هريرة: (من نسي صلاة__________(1) سورة البقرة: آية 194.(2) نهاية 443 من (ح).(3) كذا في النسخ. ولعل الصواب: عن عمران.(4) انظر: سنن الترمذي 2/ 434، قال: وفي الباب عن يعلي بن أمية وسلمة بن أمية، وهما أخوان، وحديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في سننه 8/ 28 - 29 دون ذكر نزول (والجروح قصاص). وفي تحفة الأحوذي 4/ 676: وهذه الجملة -أعني: فأنزل الله (والجروح قصاص) - لم أجدها في غير رواية الترمذي.(5) سورة المائدة: آية 45.(6) نهاية 227 ب من (ب).(7) قرأ نافع وعاصم وحمزة بالنصب، وقرأ الكسائي وابن عامر وأبو عمرو بن العلاء وابن كثير بالرفع. انظر: التبصرة في القراءات السبع/ 315.(8) انظر: صحيح مسلم/ 471، 477. وأخرج البخاري في صحيحه 1/ 118 - 119 عن أنس مرفوعًا: (من نسي صلاة فليصل إِذا ذكرها، لا كفارة لها إِلا ذلك (وأقم الصلاة لذكري) قال الزركشي في المعتبر/ 188أ: ولم يذكر البخاري الآية. وانظر: فتح الباري 2/ 72.

(4/1445)

فليصلها إِذا ذكرها، فإِن الله قال: (وأقم الصلاة لذكري). (1)وهو خطاب لموسى، وسياقه وظاهره: أنه احتج به؛ لا أن أُمَّته أُمرت كموسى.واستدل: بتعبده به قبل بعثه، والأصل بقاؤه.وبالاتفاق على الاستدلال بقوله: (النفس بالنفس) (2).رد: بالمنع.واستدل: برجوعه (3) -عليه السلام- إِلى التوراة في الرجم (4).رد: لإِظهار (5) كذبهم، ولهذا لم يرجع في غيره.قالوا: (لكل جعلنا منكم شرعة) (6).رد: اختلفت في شيء، فباعتباره: هي شرائع مختلفة.قالوا: لم يذكر في خبر معاذ السابق (7) في مسألة الإِجماع.__________(1) سورة طه: آية 14.(2) سورة المائدة: آية 45.(3) في (ح): لرجوعه.(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 172، ومسلم في صحيحه/ 1326 من حديث ابن عمر.(5) في (ح): باظهار.(6) سورة المائدة: آية 48.(7) في ص 393.

(4/1446)

رد: إِن صح فَلِذِكْره في القرآن، أو عَمَّه "الكتاب"، أو لِقِلَّتِه، أو لعلمه (1) بعدم من يثق به.قالوا: أتاه عمر بكتاب، فغضب، وقال: (أمُتَهَوِّكون (2) فيها يابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية)، رواه (3) أبو بكر ابن أبي عاصم والبزار (4) وأحمد، وزاد (5): (ولو كان موسى حيًّا ما__________(1) في (ح): أو علمه.(2) في النهاية في غريب الحديث 5/ 282: التهوك كالتهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية، والمتهوك الذي يقع في كل أمر، وقيل: هو التحير.(3) هذا الحديث رواه جابر. أخرجه ابن أبي عاصم في السنة/ 6أ، وأحمد في مسنده 3/ 338، 387، والبغوي في شرح السنة 1/ 270، والبزار (انظر: كشف الأستار/ 781 - 79) وقال: لا نعلمه يروى عن جابر إِلا بهذا الإِسناد، وقد رواه سعيد بن زيد عن مجالد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 174: ورواه أبو يعلى، وفيه مجالد بن سعيد، ضعفه أحمد ... وانظر: المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي/ 8 ب. وأخرجه -أيضًا- البزار- وعند أحمد بعضه- من طريق فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف. فانظر: مجمع الزوائد 17411. وقد ورد -أيضًا- من حديث عمر، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 173: رواه أبو يعلى، وفيه عبد الرحمن بن إِسحاق، ضعفه أحمد وجماعة.(4) هو: أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، بصري حافظ محدث، توفي بالرملة سنة 292 هـ. والبزار: نسبة لمن يخرج الدهن من البرز ويبيعه.من مؤلفاته: المسند. انظر: تاريخ بغداد 4/ 334، واللباب 1/ 181، وتذكرة الحفاظ/ 653، والنجوم الزاهرة 3/ 157، وشذرات الذهب 2/ 209.(5) وزاده -أيضًا- البزار. فانظر: كشف الأستار 1/ 79، ومجمع الزوائد 1/ 174.

(4/1447)

وسعه (1) إِلا اتباعي)، ورواه أيضًا (2)، وفيه: (والذي نفس محمَّد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم).رد: في الأول: مجالد، وفي الثاني: جابر الجعفي، وهما ضعيفان.ثم: لم يشق به.قالوا: لو كان لوجب تعلمها والبحث عنها ومراجعتها في الوقائع، واحتج بها الصحابة.رد: إِن اعتبر المتواتر فقط لم يحتج.ثم: لعدم الوثوق -لتبديلها وتحريفها إِجماعًا- وعدم ضبط وتمييز.قالوا: يلزم أن لا ينسب شرعنا إِلى نبينا.رد: لا يلزم؛ (3) لأنه شَرْعه، أو نُظِر إِلى الأكثر.قالوا: شرعه ناسخ إِجماعاً.__________(1) نهاية 154 ب من (ظ).(2) هذا الحديث رواه عبد الله بن ثابت. أخرجه أحمد في مسنده 3/ 470 - 471، وأخرجه الطبراني -أيضًا- على ما في مجمع الزوائد 1/ 173، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، إِلا أن فيه جابراً الجعفي، وهو ضعيف. ورواه أبو الدرداء، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 174: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو عامر القاسم بن محمَّد الأسدي، ولم أَرَ من ترجمة، وبقية رجاله موثقون.(3) نهاية 444 من (ح).

(4/1448)

رد: لِمَا خالفه؛ (1) لأن النسخ عند التنافي، ولهذا لم ينسخ التوحيد ولا تحريم الكفر.واحتج الآمدي (2): بأن في الصحيحين (3): (أن كل نبي بعث إِلى قومه)، وليس من قومهم.رد: بالمنع، ثم: ثبت بشرعنا.وقد قال بعض أصحابنا: المأخذ الصحيح لهذه المسأله التحسين العقلي، فإِن المثبِت يقول: "الأحكام الشرعية حُسْنها ذاتي لا يختلف باختلاف شرع، فتركُها قبيح"، والنسائي يقول: "حُسْنها شرعي إِضافي، فيجوز حسنه لهم وقبحه لنا". كذا قال.* * *الاستقراء: دليل؛ لإِفادته الظن، ذكره بعض أصحابنا وغيرهم، نحو: الوتر يُفْعل راكباً، فليس واجبا؛ لاستقراء الواجبات.* * *__________(1) نهاية 228 أمن (ب).(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 147، ومنتهى السول 3/ 53.(3) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 70، ومسلم في صحيحه/ 370 - 371 من حديث جابر مرفوعاً.

(4/1449)

مذهب الصحابي: إِن [لم] (1) يخالفه صحابي:فإِن انتشر ولم ينكَر فسبق (2) في الإِجماع.وإن لم ينتشر فعن أحمد روايتان:إِحداهما: حجة مقدمة على القياس، اختاره [أبو بكر (3)] (4) والقاضي (5) وابن شهاب وصاحب الروضة (6) وغيرهم، وقاله مالك (7) وإِسحاق (8) والشافعي (9) -في القديم، وفي الجديد أيضاً- والحنفية غير الكرخي، ونقله أبو يوسف (10) وغيره عن أبي حنيفة.والثانية: ليس بحجة، ويقدم القياس عليه، اختاره ابن عقيل (11) وأبو__________(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).(2) في ص 426.(3) انظر: المسودة/ 336.(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).(5) انظر: العدة/ 77 أ- ب.(6) انظر: روضة الناظر / 165.(7) انظر: شرح تنقيح الفصول / 445.(8) انظر: التبصرة/ 395، والمسودة/ 337.(9) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 443 - نقلا عن الرسالة القديمة- واللمع/ 55.(10) انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه/ 10 - 11.(11) انظر: الواضح 1/ 291 ب- 130أ، والمسودة/ 337. وفي الجدل على طريقة الفقهاء/ 8: أنه حجة.

(4/1450)

الخطاب (1) والفخر إِسماعيل (2)، وقاله الشافعي في الجديد (3) وأكثر أصحابه والكرخي (4) وعامة المعتزلة (5) والأشعرية (6) والآمدي (6)، وذكره ابن برهان (7) عن أبي (8) حنيفة نفسه: لأنه لا دليل عليه، والأصل عدمه.وسبق (9) في دليل القياس: (فاعتبروا) (10).واستدل: (فإِن تنازعتم في شيء فردوه إِلى الله والرسول) (11).رد: إِن أمكن (12)، ثم: قوله من الرسول.__________(1) انظر: التمهيد/ 141 ب.(2) انظر: المسودة/ 337.(3) انظر: اللمع / 55، والبرهان/ 1362، والإِحكام للآمدي 4/ 149.(4) انظر: أصول السرخسي 2/ 105، وتيسير التحرير 3/ 133، وفواتح الرحموت 2/ 186.(5) انظر: المعتمد/ 539 - 540.(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 149.(7) انظر: المسودة/ 337، والوصول لابن برهان / 97أ.(8) في (ب): ابن.(9) في ص 1311.(10) سورة الحشر: آية 2.(11) سورة النساء: آية 59.(12) يعني: إِن أمكن الرد بأن يكون الحكم المختلف فيه مبينا في الكتاب أو في السنة، وأما بتقدير أن لا يكون مبينا فيهما فلا.

(4/1451)

واستدل: يلزم أن قول الأعلم حجة (1).رد: لا يلزم لمشاهدة التنزيل وتمام المعرفة.واستدل: يلزم التقليد مع إِمكان الاجتهاد.رد: لا تقليد، وهو حجة.واستدل: يلزم تناقض الحجج.رد: يدفعه الترجيح أو الوقف أو (2) التخيير كبقية (3) الأدلة.قالوا: (كنتم خير أمة) (4).رد: للجميع.قالوا: (أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم) (5). رواه (6)__________(1) نهاية 228 ب من (ب).(2) نهاية 155 أمن (ظ).(3) في (ظ): وكبقية.(4) سورة آل عمران: آية 110.(5) هذا الحديث ورد بألفاظ، ومن طرق حكم عليها أكثر العلماء بالضعف، وقال بعضهم: إِنه موضوع. فراجع -إِن شئت-: جامع بيان العلم وفضله 2/ 110 - 111، والفقيه والمتفقه 1/ 177، والكفاية/ 48، والإحكام لابن حزم / 1057، وملخص إِبطال القياس/ 53 - 54، والمعتبر/ 18 ب، والتلخيص الحبير 4/ 190، وتخريج أحاديث الإِحياء (المغني عن حمل الأسفار) للعراقي 1/ 25، وتخريج أحاديث المنهاج للعراقي/ 299، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة/ 78 - 85، 439.(6) نهاية 445 من (ح).

(4/1452)

عثمان (1) الدارمي (2) وابن عدي (3) وأبو ذر (4) من حديث عمر من رواية عبد الرحيم بن زيد العمي (5)، ومن حديث ابن عمر من رواية حمزة الجزري (6)، وروي حديث جماعة.__________(1) في مسنده. انظر: المعتبر/ 18 ب.(2) هو: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، محدث هراة، حافظ فقيه، توفي سنة 280 هـ. من مؤلفاته: المسند الكبير، والرد على الجهمية.انظر: طبقات الحنابلة 1/ 221، وتذكرة الحفاظ/ 621، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 302، والبداية والنهاية 11/ 69.(3) انظر: الكامل 1/ 552، مخطوط.(4) يعني: الهروي. انظر: الإِحكام لابن حزم/ 1057.وهو: عبد بن أحمد بن محمَّد الأنصاري المالكي، المعروف بابن السماك، عالم حافظ، توفي سنة 434 هـ. من مؤلفاته: دلائل النبوة، وشمائل القرآن.انظر: تبيين كذب المفتري/ 255، وتاريخ بغداد 11/ 141، والعبر 3/ 180، وتذكرة الحفاظ/ 1103، والنجوم الزاهرة 5/ 36.(5) هو: أبو زيد البصري، روى عن أبيه ومالك بن دينار، وعنه أحمد بن محمَّد الأزرقي وغيره، توفي سنة 184 هـ. قال البخاري: تركوه. وقال ابن معين: كذاب. وقال مرة: ليس بشيء. وقال الجوزجاني: غير ثقة. وقال أبو حاتم: ترك حديثه. وقال أبو زرعة: واه. وقال أبو داود: ضعيف.انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 362، وميزان الاعتدال 2/ 605، وتهذيب التهذيب 6/ 305.(6) هو: أبو الحسن حمزة بن أبي حمزة ميمون الجعفي النصيبي، روى عن عمرو بن دينار وأبي الزبير ومكحول وغيرهم، وعنه حمزة الزيات وغيره. قال ابن معين:=

(4/1453)

رد: لا يصح عند علماء الحديث، وعبد الرحيم وحمزة لا يحتج بهما عندهم.قال أحمد: لا يصح.وذكره في رواية حنبل، قال القاضي: فقد احتج به، فدل على صحته عنده.رد: سبق (1) كلامه في الخبر الضعيف، ثم: الرواية الأولى أصح وأصرح.ثم: لا يدل على عموم الاهتداء في كل (1/ 1) ما يقتدى فيه، فالمراد الاقتداء في طرق الاجتهاد أو في روايتهم (2)، أو هو خطاب للعامة.وبه يعرف جواب ما سبق (3) في الإِجماع: أن الحجة قول الخلفاء أو قول أبي بكر وعمر.وأجاب في التمهيد (4): بأنها لا تفيد العلم، وأن أحدا لم يوجب الاقتداء بأبي بكر وعمر فقط. كذا قال.__________=لا يساوي فلسا. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه موضوع.انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 134، وميزان الاعتدال 1/ 606، وتهذيب التهذيب 3/ 28.(1) في ص 557 وما بعدها. (1/ 1) في (ظ): فيما يقتدى.(2) في (ح): روايته.(3) في ص 411، 414 - 415.(4) انظر: التمهيد/ 142 ب-143 أ.

(4/1454)

قالوا: في البخاري (1): أن عبد الرحمن بن عوف قال لعثمان: "أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده"، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس.رد: في السياسة، ولهذا: بينهم خلاف في الأحكام.وذكر الآمدي (2): أن مذهب صحابي ليس بحجة على صحابي إِجماعًا، وكذا نقل ابن عقيل (3)، وزاد (4): ولو كان أعلم أو إِماما أو حاكما. وسبقت (5) في الإِجماع المسألة.قالوا: يقدم مع قياس ضعيف على قياس قوي، فقدم مطلقًا، كقول الشارع.رد: بالمنع، ذكره في الواضح (6)، وكذا التمهيد (7)، ثم سلّمه، وقاله القاضي (8)؛ لاجتماعهما كشاهدين ويمين مع شاهد.__________(1) أخرجه البخاري في صحيحه 9/ 78 من رواية المسور بن مخرمة. وورد نحوه في مسند أحمد 1/ 75 من رواية أبي وائل شقيق بن سلمة، وهو من زيادات عبد الله بن أحمد.وانظر: فتح الباري 13/ 198.(2) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 149.(3) انظر: الواضح 1/ 130أ، والجدل على طريقة الفقهاء/ 8، والمسودة/ 340.(4) نهاية 229 أمن (ب).(5) في ص 412.(6) انظر: الواضح 1/ 130 أ.(7) انظر: التمهيد/ 143 أ.(8) انظر: العدة/ 176 ب-177 أ.

(4/1455)

قالوا: قال الزهري لصالح بن كيسان (1): "نكتب ما جاء عن الصحابة، فإِنه سنة"، فقال: "ليس بسنة، فلا (2) نكتبه (2/ 1) "، قال: "فَأَنْجَحَ وضعت" (3). رواه (4) أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن صالح.رد: لا حجة فيه......................مذهب الصحابي فيما يخالف القياس: توقيف ظاهرا -لوجوب حسن الظن به- عند أحمد (5) والقاضي (6) وصاحب المغني والحنفية، وذكره أبو__________(1) هو: أبو محمَّد -ويقال: أبو الحارث- المدني، عالم ثقة فقيه، توفي بعد سنة 140 هـ. قال الذهبي: رمي بالقدر، ولم يصح عنه ذلك.انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 264، وميزان الاعتدال 2/ 299، وتهذيب التهذيب 4/ 399.(2) في (ح): ولا. (2/ 1) في (ب) و (ظ): تكتبه.(3) في مصنف عبد الرزاق وغيره: وضيعت.(4) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/ 259، وابن سعد في الطبقات 2/ 2/ 135، والخطيب في تقييد العلم 106/ -107، وأبو نعيم في الحلية 3/ 360 - 361، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 92، 2/ 228 من طرق في أحدها: أحمد عن عبد الرزاق ... إِلخ.(5) انظر: المسودة / 338.(6) انظر: العدة/ 178 ب.

(4/1456)

المعالي (1) اختيار (2) الشافعي، قال: وبنينا عليه مسائل، كتغليظ الدية (3) بالحرمات الثلاث (4).وعند ابن عقيل (5) والشافعية (6): لا -وكذا أبو الخطاب (7)، وأطلق وجهين- (8).لأنه يلزم كونه حجة على صحابي.رد: نقول به، وقاله أبو المعالي (9).وأيضاً: يعارض خبرا متصلاً.__________(1) انظر: البرهان/ 1361 - 1362، والمسودة/ 470.(2) في (ظ): واختار.(3) أخرج الشافعي في الأم 6/ 92 - 93، ط/ بولاق: أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح: أن رجلاً أوطأ امرأة بمكة، فقضى فيها عثمان بن عفان بثمانية آلاف درهم، دية وثلث.قال الشافعي: ذهب عثمان إِلى التغليظ لقتلها في الحرم. وأخرج الأثر عبد الرزاق في مصنفه 9/ 298، والبيهقي في سننه 8/ 70 - 71.(4) الحرمات الثلاث: حرمة الحرم، وحرمة الإِحرام، وحرمة الشهر الحرام.(5) كذا -أيضًا- حكي عنه في المسودة/ 338. والذي في الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل/ 8: أنه توقيف.(6) انظر: التبصرة/ 399، والمستصفى 1/ 260 - 261.(7) انظر: التمهيد/ 128 أ.(8) نهاية 446 من (ح).(9) انظر: البرهان/ 1361، والمسودة/ 470.

(4/1457)

رد: نعم عند أبي الخطاب (1).ثم: المتصل ثبت (2) بالنقل، فقُدِّم.وأيضاً: لا يجوز إِضافته إِلى النبي - عليه السلام - بالظن.رد: بالمنع، كخبر الواحد. (3).وأيضاً: لو كان لَنَقله؛ لئلا يكون كاتمًا للعلم.رد: يحتمل أنه نقله ولم يبلغنا، أوظن نقل غيره له فاكتفى به، أو كَرِه الرواية.......................مذهب التابعي (4) ليس حجة عند أحمد والعلماء؛ للتسلسل.وذكر بعض الحنفية عنه روايتين.وسبق (5) اختلاف الرواية عن أحمد في تفسيره (6).وقال (7) ابن عقيل (8): لا يخص (9) به العموم، ولا يفسر به؛ لأنه ليس__________(1) انظر: التمهيد 128 أ.(2) في (ظ): يثبت.(3) نهاية 155 ب من (ظ).(4) انظر: المسودة/ 339، وفواتح الرحموت 2/ 188.(5) في ص 625.(6) يعني: في قبول تفسير التابعي.(7) في (ح): وقاله.(8) انظر: الواضح 2/ 110أ.(9) نهاية 229 ب من (ب).

(4/1458)

بحجة، قال (1): "وعنه جواز ذلك"، ثم ذكر قول أحمد: لا يكاد يجيء شيء عن التابعين إِلا يوجد عن الصحابة.قال بعض أصحابنا (2): كلام أحمد (3) يعم تفسيره وغيره.ويتوجه على هذا قطع التسلسل بالقرون الثلاثة؛ لثنائه - عليه السلام - عليها..................وكذا لو خالف القياس في ظاهر كلام أحمد وأصحابنا وغيرهم، وذكره ابن عقيل (4) محل وفاق.وذكر صاحب (5) المحرر -عن قول الحسن (6): "ينجس ماء غَمَس فيه يده قائمٌ من نوم الليل"-: الظاهر أنه توقيف عن صحابي أو نص. وقاله عن قول أسد بن وداعة (7) في التخفيف بقراءة "يس"__________(1) انظر: الواضح 2/ 110 أ- ب.(2) انظر: المسودة/ 177.(3) يعني: في قول التابعي.(4) انظر: المسودة/ 339.(5) انظر: المرجع السابق.(6) انظر: المصنف لابن أبي شيبة 1/ 100، والمحلى 1/ 281، والمغني 1/ 73 - 74، والمجموع 1/ 399، وشرح النووي على صحيح مسلم 1/ 180.(7) الشامي، من صغار التابعين، ناصبي يسب، قال ابن معين: كان هو وأزهر الحرازي وجماعة يسبون عليا. وقال النسائي: ثقة. انظر: ميزان الاعتدال 1/ 207.

(4/1459)

عند المحتضر (1).وقد احتج أحمد -في أقل الحيض- بقول عطاء: أقله يوم (2).وقاله ابن الأنباري (3) المتأخر (4) -في "حلية العربية"- في قول مقاتل (5): كلام أهل السماء عربي.__________(1) في المغني 2/ 335: رواه سعيد: حدثنا فرج بن فضالة عن أسد بن وداعة. أ. هـ. أقول: فرج بن فضالة ضعفه جماعة، فانظر: ميزان الاعتدال 3/ 343، وتهذيب التهذيب 8/ 260. وأخرج أحمد في مسنده 4/ 105: ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان قال: كان المشيخة يقولون: إِذا قرئت عند الميت -يعني: يس- خفف عنه بها. قال ابن حجر في التلخيص 2/ 104: وأسنده صاحب الفردوس من طريق مروان بن سالم عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي الدرداء وأبي ذر قالا: قال رسول الله: ما من ميت يموت فيقرأ عنده "يس" إِلا هون الله عليه.(2) أخرجه الدارمي في سننه 1/ 172، والدارقطني في سننه 1/ 208، والبيهقي في سننه 1/ 320. وعلقه البخاري في صحيحه 1/ 68 بلفظ: وقال عطاء: الحيض يوم إِلى خمسة عشر. وانظر: فتح الباري 1/ 425.(3) في (ظ): والمتأخر.(4) هو: أبو البركات عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الله، من علماء النحو واللغة والأدب، ولد سنة 513 هـ، وسكن بغداد، وبها توفي سنة 577 هـ.من مؤلفاته: حلية العربية، وأسرار العربية، والإِنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين الكوفيين والبصريين. انظر: وفيات الأعيان 1/ 279، وفوات الوفيات 1/ 262، والروضتين 2/ 27، وبغية الوعاة/ 301.(5) هو: أبو الحسن مقاتل بن سليمان البلخي، من أعلام المفسرين، أصله من بلخ، انتقل=

(4/1460)

الاستحسان فيه نقض من الشوكاني وابن حزم فراجعه

[ - ]فهرس الكتابفهرس المحتويات

أصول الفقه لابن مفلح

الاستسحان:أطلق أحمد (1) القول به في مواضع، وقاله الحنفية.قال عبد الوهاب (2): لم ينص عليه مالك، وكتب أصحابنا مملوءة منه، كابن القاسم (3) وأشهب (4) وغيرهما.__________=إِلى البصرة، ودخل بغداد فحدث بها، روى عن مجاهد والضحاك وابن بريدة، وعنه: حرمي بن عمارة وعلي بن الجعد وخلق، توفي بالبصرة سنة 150 هـ. قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة. وكذبه وكيع والنسائي وغيرهما، وقال ابن حبان: كان يأخذ عن اليهود علم الكتاب، وكان مشبها يكذب. من مؤلفاته: التفسير الكبير، ومتشابه القرآن.انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 583، وتاريخ بغداد 13/ 160، وميزان الاعتدال 4/ 173، وتهذيب التهذيب 10/ 279.(1) انظر: العدة/ 251 ب.(2) انظر: المسودة / 451.(3) هو: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري المالكي، حافظ فقيه، وهو أثبت الناس في مالك وأعلمهم بأقواله، ولد سنة 132 هـ، وتوفي بمصر سنة 191 هـ. انظر: ترتيب المدارك 1/ 433، والديباج المذهب/ 146، وشجرة النور الزكية/ 58.(4) هو: أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي المعافري الجمدي، الفقيه المالكي، اسمه مسكين، وأشهب لقب، ولد سنة 140 هـ، وانتهت إِليه رئاسة المالكية في=

(4/1461)

وقال الشافعي (1): أستحسن في التعة ثلاثين درهما، وثبوت الشعفة إِلى ثلاثة أيام، وترك شيء من الكتابة له، وأن لا تقطع يمنى سارق أخرج يده اليسرى فقطعت.والأشهر عنه: إِنكاره، وقاله أصحابه، وقال: "من استحسن فقد شرع"، وأنكره على الحنفية.وعن أحمد (2): الحنفية تقول: "نستحسن هذا، وندع القياس"، فتدع ما تزعمه (3) الحق بالاستحسان (4)، وأنا أذهب إِلى كل حديث جاء ولا أقيس عليه (5).قال القاضي (6): هذا يدل (7) على إِبطاله.وقال أبو الخطاب (8): "أنكر استحسانا بلا دليل"، قال: ومعنى "أذهب__________=مصر بعد موت ابن القاسم، وتوفي بها سنة 204 هـ.انظر: ترتيب الدارك 1/ 447، والديباج الذهب/ 98، وشجرة النور الزكية/ 59.(1) انظر: المحصول 2/ 3/ 172 - 173، والإحكام للآمدي 4/ 157.(2) انظر: العدة/ 251 ب، والمسودة/ 452.(3) في (ظ): ما يزعمه.(4) في (ح): الحق من استحسان.(5) نهاية 230 أمن (ب).(6) انظر: العدة/ 251 ب.(7) نهاية 447 من (ح).(8) انظر: التمهيد/ 169 أ.

(4/1462)

إِلى ما جاء ولا أقيس" أي: أترك القياس بالخبر، وهو الاستحسان بالدليل.....................ثم: ثبوت استحسان -مختلف فيه- فيه انظر:فحكى بعضهم (1) عن أبي حنيفة: ما استحسنه المجتهد بلا دليل.وهو نقل باطل، والإِجماع [قبله] (2) خلافه.وعن (3) بعض أصحابه: دليل ينقدح في نفس المجتهد يعجز عن التعبير عنه.قال في الروضة (4): ما لا يُعَبَّر عنه لا يُدرَى: أَوَهْمٌ أو تحقيق؟ومراده (5): ما قال الآمدي (6): يُرَدّ إِن شك فيه (7)، وإلا عمل به اتفاقا.ومراده: الناظر لا المناظر (8).وقيل: ترك قياس لقياس أقوى منه.__________(1) انظر: اللمع/ 71، والتبصرة/ 492.(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).(3) انظر: المنخول/ 375، والإِحكام للآمدي 4/ 156.(4) انظر: روضة الناظر/ 169.(5) في (ح): فمراده.(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 157، ومنتهى السول 3/ 55.(7) في (ب): وفيه.(8) نهاية 156 أمن (ظ).

(4/1463)

وأبطله في التمهيد (1) وغيره: بأنه (2) لو تَرَكه لنص كان اسحساناً (3).وفي مقدمة المجرد: تَرْك قياس لما هو أولى منه، أومأ إِليه أحمد.وأبطل في التمهيد (4) قوله في العدة (5): "ترك حكم لحكم أولى" -وقاله الكرخي (6) -: بأن (7) القوة للأدلة لا للأحكام، واختار أن كلام أحمد يقتضي: أنه عدول عن موجَب قياس لدليل أقوى. واختاره في الواضح (8).وذكر الحلواني (9) [من أصحابنا] (10) -وقاله القاضي (11) أيضًا-: القول بأقوى الدليلين.ولا نزاع معنوي في ذلك.__________(1) انظر: التمهيد/ 169 ب.(2) في (ح): لأنه.(3) يعني: فالتعريف غير جامع.(4) انظر: التمهيد/ 169 ب.(5) انظر: العدة/ 252أ.(6) انظر: أصول الجصاص/ 295 أ.(7) في (ح): لأن.(8) انظر: الواضح 1/ 144 أ.(9) انظر: المسودة/ 454.(10) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).(11) انظر: العدة/ 252 ب.

(4/1464)

وقيل: عدول عن (1) حكم الدليل إِلى العادة لمصلحة الناس، كشرب الماء من السقاء ودخول الحمام.قلنا: مستنده فعله زمنه عليه السلام، أو زمن (2) العلماء وعلموه ولم ينكَر، أو غيره من دليل، وإلا رد.....................وعند الحنفية (3): يثبت الاستحسان بالأثر -كالسلم (4) والإِجارة (5) وبقاء الصوم (6) في الناسي (7) - وبالإِجماع، وبالضرورة كتطهير الحياض.وسمَّوا ما ضعف أثره "قياسًا"، والقوي"استحسانًا" أي: قياسا مستحسنًا لقوة أثره، كتقديمه في طهارة (8) سباع الطير.__________(1) في (ظ): على الحكم.(2) في (ظ): أو زمنا.(3) انظر: أصول السرخسي 2/ 199، وكشف الأسرار 4/ 4، وتيسير التحرير 4/ 78.(4) انظر: ص 951.(5) ورد جوازها ومشروعيتها في الكتاب، قال تعالى: (فإِن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) سورة الطلاق: آية 6. وورد في أخبار كثيرة، فانظر: صحيح البخاري 3/ 88 وما بعدها.(6) نهاية 230 ب من (ب).(7) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 31، ومسلم في صحيحه/ 809 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.(8) في (ظ): طهارتي.

(4/1465)

وقدموا قياسًا ظهر فساده واستتر أثره على استحسان ظهر أثره واستتر فساده، كالركوع بدل سجود التلاوة للخضوع الحاصل به؛ لأن السجود لم يؤمر به لعينه، فلم يشرع قربةً مقصودة.وفرقوا بين الاستحسان بالثلاثة الأول وبالقياس الخفي: بصحة التعدية به دونها (1)، كالاختلاف في ثمن مبيع قبل قبضه: لا يحلف بائع قياسًا -لأنه مدَّعِ- ويحلف استحسانًا؛ لإِنكاره تسليمه بما (2) يدعيه مشتر (3)، فيتعدى إِلى الوارث والإِجارة، وبعد قبضه: ثبتت اليمين بالأثر (4)، فلم يتعد إِلى (5) وارث إلى حال تلف مبيع.كذا قالوا، ولا يخفى ما فيه، ومثل هذا لم يقل به أحمد والشافعي.والله أعلم...................وإن ثبت استحسان مختلف فيه فلا دليل عليه، والأصل عدمه.وقوله تعالى: (واتبعوا (6) أحسن ما أنزل) (7): لا نسلِّم أن هذا مما__________(1) يعني: لأنها غير معلولة.(2) نهاية 44 من (ح).(3) يعني: بما يدعيه المشتري ثمنا.(4) انظر: ص 963 من هذا الكتاب.(5) نهاية 156 ب من (ظ).(6) في (ظ): واتبع أحسن ما أنزل إِليك.(7) سورة الزمر: آية 55.

(4/1466)

أنزل فضلا عن كونه أحسن، ولم يفسره (1) به أحد.و"ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" سبق (2) في الإِجماع، وهو (3) (4) المراد (5) قطعا.ونازع ابن عقيل (6) الحنفية، وقال: "القياس هو موضع (7) الاستحسان"، وأنه يتصور الخلاف معهم في ترك القياس للعرف (8) والعادة، واحتج: بأن القياس حجة، فلا يجوز تركه لعرف (9) طارئ كغيره.* * *المصالح المرسلة:سبقت (10) في المسلك الرابع "إِثبات العلة بالمناسبة" (11).__________(1) في (ظ): ولم يفسر.(2) في ص 386.(3) في (ح): فهو.(4) يعني: الإِجماع.(5) يعني: من هذا الأثر.(6) انظر: الواضح 1/ 145 أ.(7) في (ب) و (ظ): وضع.(8) في (ظ): في العرف.(9) في (ظ): بعرف.(10) في ص 1283، 1287 - 1292.(11) نهاية/ 231أمن (ب).

(4/1467)

قال بعض أصحابنا (1): أنكرها متأخرو أصحابنا -من أهل الأصول والجدل- وابن الباقلاني وجماعة من المتكلمين، وقال بها مالك والشافعي في قول قديم، وحكي عن (2) أبي حنيفة، وقال ابن برهان: "الحق ما قاله الشافعي: إِن لاءمت أصلاً كليا أو جزئيا قلنا بها، وإلا فلا"، قال: ومالك لا يخالف هذا المذهب.وذكر أبو الخطاب (3) -في تقسيم أدلة الشرع- أن الاستنباط: قياس، واستدلال بأمارة أو علة، وبشهادة الأصول.قال بعض أصحابنا (4): الاستدلال بأمارة أو علة هو المصالح، وأنكر بعض أصحابنا مذهبا ثالثا فيها. والله أعلم.......................__________(1) انظر: المسودة/ 450 - 451.(2) في (ب): على.(3) انظر: التمهيد/ 222أ، وانظر أيضًا: نسخة جامعة الإِمام من كتاب التمهيد 2/ 268، والمسودة/ 451.(4) انظر: المسودة/ 451.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجنة دار الأبرار والطريق الموصل اليها

  ➌ الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. {{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِ...