Translate

الخميس، 15 يونيو 2023

ج3وج4.الإيضاح في علوم البلاغة



 

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 2 ص -138- القول في متعلقات أحوال الفعل:

حال الفعل مع المفعول1 كحاله مع الفاعل، فكما أنك إذا أسندت الفعل إلى الفاعل كان غرضك أن تفيد وقوعه منه لا أن تفيد وجوده في نفسه فقط، كذلك إذا عديته إلى المفعول كان غرضك أن تفيد وقوعه عليه لا أن تفيد وجوده في نفسه فقط، فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهما إنما كان ليعلم التباسه بهما2،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قد أشير في التنبيه الذي ذكره الخطيب قبل هذا الباب إلى أن كثيرًا من الاعتبارات السابقة تجري في متعلقات الفعل لكن ذكر في الباب تفصيل بعض من ذلك لاختصاصه بمزيد من البحث. هذا وراجع المفتاح ص97 وما بعدها والدلائل ص118 وما بعدها في هذه البحوث.

والمراد المفعول به بدلالة قول الخطيب "من جهة وقوعه عليه" وقوله "نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم".. وإن كان سائر المفاعيل بل جميع المتعلقات كذلك، فإن الغرض من ذكرها مع الفعل إفادة تلبسه بها من جهات مختلفة، لكن خص البحث بالمفعول به لقربه من الفاعل ولكثرة حذفه كثرة شائعة، وسائر المعلقات تعلم بالمقايسة.

والمراد كما قال الشربيني أن الفعل بالنظر للمفعول كالفعل بالنظر للفاعل فلما كان المقصود في التمهيد بيان حال الفعل بالنظر لهما كانا متبوعين له ولما كان قيدين له لبيان حالة قال السعد "من ذكره معه" أي ذكر كل إلخ.

2 المراد بالتلبس التعلق والارتباط وقوله "بهما" أي بالمفعول والفاعل. والمراد إفادة التلبس نفيًا أو إثباتًا فدخل ما ضرب زيد وما ضرب زيدًا. وفي العبارة مسامحة إذ ليس الغرض من ذكر كل منهما مع الفعل إفادة تلبس الفعل بكل منهما فالأظهر أن يقول: أي تلبس الفعل بما ذكر معه. وقال عبد الحكيم: أي تلبس الفعل بكل منهما والمعنى أن الغرض من ذكر واحد منهما مع الفعل أي واحد كل منهما تلبس الفعل بذلك الواحد أي واحد كان؛ لأن الضمير المفرد إذا كان راجعًا إلى التعدد باعتبار كل واحد يكون المراد أي واحد لا كل واحد على سبيل الشمول، فلا اشتباه في صحة هذه العبارة وإن خفي على بعض الأذكياء وقالوا إنها تفيد أن الغرض من ذكر كل منهما إفادة تلبس الفعل مع كل منهما وهذا لا يصح.

ج / 2 ص -139- فعمل الرفع في الفاعل ليعلم التباسه به من جهة وقوعه منه، والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه. أما إذا أريد الأخبار بوقوعه في نفسه من غير إرادة أن يعمل ممن وقع في نفسه أو على من وقع، فالعبارة عنه أن يقال كان ضرب أو وقع ضرب أو وجد أو نحو ذلك من ألفاظ تفيد الوجود المجرد1. وإذا تقرر هذا فنقول:

الفعل المتعدي إذا أسند إلى فاعله ولم يذكر له مفعول فهو على ضربين:

الأول: أن يكون الغرض إثبات المعنى في نفسه للفاعل على الإطلاق أو نفيه عنه كذلك، وقولنا: "على الإطلاق" أي من غير اعتبار عمومه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ويقول عبد القاهر في الدلائل ص118: "وإذ قد بدأنا في الحذف بذكر المبتدأ فإني أتبع ذلك ذكر المفعول به إذا حذف خصوصًا، فإن الحاجة إليه أمس، وهو بما نحن به أخص، واللطائف كأنها فيه أكثر، وما يظهر بسببه من الحسن أعجب وأظهر. وههنا أصل يجب ضبطه، وهو أن حال الفعل مع المفعول الذي يتعدى إليه حاله مع الفاعل، وكما أنك إذا قلت ضرب زيد فأسندت الفعل إلى الفاعل كان غرضك من ذلك أن تثبت الضرب فعلًا له لا أن تفيد وجود الضرب في نفسه وعلى الإطلاق، كذلك إذا عديت الفعل إلى المفعول فقلت ضرب زيد عمرًا، كان غرضك أن تفيد التباس الضرب الواقع من الأول بالثاني ووقوعه عليه، فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهما إنما كان من أجل أن يعمل التباس المعنى الذي اشتق منه بهما، فعلم الرفع في الفاعل ليعلم التباس الضرب به من جهة وقوعه منه، والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه، ولم يكن ذلك ليعلم وقوع الضرب في نفسه، بل إذا أريد الإخبار بوقوع الضرب ووجوده في الجملة من غير أن ينسب إلى فاعل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك فالعبارة فيه أن يقال: كان ضرب أو وقع ضرب وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوجود المجرد في الشيء" أ. هـ عبد القاهر. وقد نقل الخطيب في الإيضاح كلام الدلائل بالنص.

ج / 2 ص -140- وخصوصه ولا اعتبار تعلقه بمن وقع عليه1، فيكون المتعدي حينئذ بمنزلة اللازم، فلا يذكر له مفعول، لئلا يتوهم السامع أن الغرض الإخبار به باعتبار تعلقه بالمفعول، ولا يقدر أيضًا؛ لأن المقدر في حكم المذكور2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 زاد "على الإطلاق" المفسر بعدم اعتبار العموم في الفعل وفي المتعلق ولو كان التنزيل إنما يترتب على إرادة مجرد ثبوته للفاعل ليلائم قوله بعد "ثم إن كان المقام خطابيًّا لا استدلاليًّا إلخ"؛ لأن تفصيله إلى إفادة العموم أو الخصوص إنما يتأتى في الفعل المطلق عن التقييد بكل منهما. كذا قيل، والحق أن إسقاط لفظ الإطلاق لا ينافي التفصيل بل هو أنسب على ما يأتي تحقيقه أ. هـ ابن يعقوب. هذا والعموم في الفعل بأن يراد جميع أفراده والخصوص فيه بأن يراد بعضها، وقوله: ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه أي فضلًا عن عمومه وخصوصه.

2 وسيأتي ذكر الضرب الثاني بعد قوله "والضرب الثاني أن يكون الغرض إفادة تعلقه بمفعول فيجب تقديره بحسب القرائن ثم حذفه من اللفظ إما للبيان بعد الإيهام إلخ".

وقال العصام والمراد بالإطلاق أن لا يتقيد بالمعقول به، لكن فسره المصنف في الإيضاح بالإطلاق عن المفعول عاما كان أو خاصا والإطلاق عن عموم نفس الفعل -بإرادة جميع أفراده- وعن خصوصه -بإرادة بعض أفراده- وفيه أن التنزيل منزلة اللازم لا يتوقف على الإطلاق بهذا المعنى فإن لك أن تقول: فلان يعطي كل إعطاء أو إعطاء كذا.. ثم قال العصام: "نزل الفعل منزلة اللازم". لم يقل جعل لازمًا؛ لأنه في معنى المتعدي؛ لأن "يعطي" بمعنى يفعل الإعطاء إلا أنه لما كان المفعول داخلًا في معناه ليحتج إلى ذكر مفعول فصار كاللازم في أنه يطلب منصوبًا.

هذا واعتبار العموم أو الخصوص في الفعل لازم للعموم أو الخصوص في المفعول، فالمدار إذا على العموم أو الخصوص في المفعول إذ عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل ليس له شأن بأمر تنزيل المتعدي منزلة اللام، يدل على ذلك كلام عبد القاهر ونصه: اعلم أن أغراض الناس يختلف في ذكر الأفعال المتعدية فهم يذكرونها تارة ومرادهم أن يقصروا على إثبات المعاني التي اشتقت منها للفاعلين من غير أن يتعرضوا لذكر المفعولين. فإذا كان الأمر كذلك كان الفعل المتعدي كغير المتعدي مثلًا في أنك لا ترى له =

ج / 2 ص -141- ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= مفعولًا لا لفظًا ولا تقديرًا ومثال ذلك قول الناس فلان يحل ويعقد ويأمر وينهي ويضر وينفع وكقولهم هو يعطي ويجزل ويقري ويضيف، المعنى في جميع ذلك على إثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق وعلى الجملة من غير أن يتعرض لحديث المفعول حتى كأنك قلت: صار إليه الحل والعقد، وصار بحيث يكون منه حل وعقد وأمر ونهي وضر ونفع. وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، المعنى هل يستوي من له علم ومن لا علم له من غير أن يقصد النص على معلوم، وكذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}، وقوله: وأنه هو أغنى وأقنى -أي أعطى ما يقتنى- المعنى هو الذي منه الإحياء والإماتة والإغناء والإفناء. وهكذا كل موضع كان القصد فيه أن يثبت المعنى في نفسه فعلًا للشيء وأن يخبر بأن من شأنه أن يكون منه أو لا يكون إلا منه "أي على إفادة التقوي أو الخصيص" أو لا يكون منه فإن الفعل لا يعدي هناك؛ لأن تعديته تنقض الغرض وتغير المعنى. ألا ترى أنك إذا قلت هو يعطي الدنانير كان المعنى على أنك قصدت أن تعلم السامع أن الدنانير تدخل في عطائه أو أنه يعطيها خصوصًا دون غيرها وكان غرضك على الجملة بيان جنس ما تناوله الإعطاء لا الإعطاء في نفسه ولم يكن كلامك مع من نفى أن يكون كان منه إعطاء بوجه من الوجوه بل مع من أثبت له إعطاء إلا أنه لم يثبت إعطاء الدنانير فاعرف ذلك فإنه أصل كبير عظيم النفع. فذا قسم من خلو الفعل عن المفعول وهو ألا يكون له مفعول يمكن النص عليه "118 و119 دلائل".

وكلام السكاكي أيضًا في هذا الموضوع على نهج كلام عبد القاهر حيث جعل من أسباب ترك ذكر المفعول: القصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابًا في نحو فلان يعطي إلى معنى يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهامًا للمبالغة بطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق وعليه قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]، المعنى وأنتم من أهل العلم المعرفة.

وقد فسر الخطيب وغيره "الإطلاق" هنا بشيئين: عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل، وعدم اعتبار التعليق بالمفعول. واعترض على الخطيب بأن عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل لا دخل له في تنزيله.

ج / 2 ص -142- ............................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منزلة اللازم؛ لأن مناط التنزيل هو عدم اعتبار التعلق بمفعول فضلًا عن أن عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل ينافي إفادته التعميم كما سيأتي عن السكاكي والاعتراض الأول للعصام والثاني للسعد، وقد أجاب السعد عن الثاني بجواب عده السيد ضعيفًا. وخلاصة الاعتراض الثاني هو أن التعميم في أفراد الفعل ينافي كون الغرض من الفعل إثباته أو نفيه مطلقًا، وقد رد هذا الاعتراض السعد بأن المفاد غير الغرض، واستضعف السيد هذا بدليل أن الخارج عن القصد لا يعد من الخصوصيات، ورد العصام على السيد بأن الذي لا يكون من الخصوصيات هو الذي لا يتعلق به الغرض أصلًا لا ما كان غرضًا من حاق الكلام، وكذلك رد عبد الحكيم على السيد بأن التعميم من مستتبعات التركيب.

أما السيد فرد بأنه لا منافاة: لأن التعميم لم يستفد من الفعل وحده بل منه بمعونة المقام فيكون عند السيد -كما فهم العصام والبناني وابن يعقوب- كناية، أي أن الفعل المطلق عن العموم كناية عنه عامًا بواسطة المقام. والإنبابي لا يراه كناية لعدم اللزوم هنا بين المعنى الحقيقي والكنائي؛ ولأنه لا داعي لاعتبار الكناية. والعصام يقول هذا ينافي أصل الموضوع وهو أن الفعل لم يجعل كناية. والبناني يرد عليه بأن الكناية هنا في نفس الفعل وأصل الموضوع المنفي هنا هو الكناية في المفعول -وأما البناني وابن يعقوب فيقولان يمكن حمل كلام السعد على كلام السيد بأن العموم ليس مقصودًا أولًا بل المقصود أولًا مطلق الثبوت الذي ليس فيه عموم ليتوصل به إلى العموم بواسطة دفع التحكم. أما عبد الحكيم فيرد رأي السيد بأنه يلزم على ما ذكره السيد أن يكون منشأ القصد بمجرد الإثبات والنفي مغايرًا لمنشأ القصد للعموم، والاختلاف باعتبار المنشأ لا يدفع التنافي بل الدافع له الاختلاف بالاعتبار في أنفسهما لا في منشأهما ورد معاوية كلام عبد الحكيم هذا بأن المتنافيين اللذين لا يدفع اجتماعهما اختلاف المنشأ هنا هما قصد العموم وقصد عدمه، لا قصده وعدم قصده كما هو فرض مسألتنا، فالدافع للتنافي هنا هو الاختلاف بالاعتبار في أنفسهما "لا في منشأهما كما فهم عبد الحكيم"؛ لأن المثبت كونه مقصودًا من الكلام والمنفي كونه داخلًا في الغرض.

ورد الإنبابي على المنافاة بجواب السعد، وبجواب آخر، خلاصته

ج / 2 ص -143- .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن التعميم هنا مستفاد من ذات الفعل إجمالًا وعدم اعتبار العموم والخصوص هناك مستفاد من عموم المفعول وخصوصه كما ذكره عبد الحكيم.

هذا وعبد القاهر: لم يعول في تنزيل المتعدي منزلة اللازم إلا على عدم اعتبار تعلقه بالمفعول، قال في "هو يعطي ويمنع": المعنى في ذلك على إثبات المعنى في نفسه على الإطلاق وعلى الجملة من غير أن يتعرض لحديث المفعول.

أما السكاكي فلم يذكر قيد الإطلاق في كلامه "وللقصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم".

على أن تفسيرهم الإطلاق هنا بما ذكره السعد مخالف لتفسيرهم الإطلاق الأول.

وقال السعد في شرح قول الخطيب في متن التلخيص "نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور" ما نصه: كالمذكور أي في أن السامع يفهم منهما أن الغرض الإخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تلعقه بمن وقع عليه، فإن قولنا "فلان يعطي الدنانير" يكون لبيان جنس ما يتناوله الإعطاء لا لبيان كونه معطيًا، ويكون كلامًا مع من أثبت له إعطاء غير الدنانير لا مع نفي أن يوجد منه إعطاء.. وفي هذا خطأ في العبارة مثل الخطأ السابق في تفسير الإطلاق بالعموم في إفراد الفعل أو الخصوص فيه.

ملاحظة: المثال "هو يعطي الدنانير":

1 فيه قصر، قصر صفة على موصوف، قصر إعطاء الدنانير على "محمد" مثل المقدم، وهو أما:

أ قصر قلب أي لا غيره.

ب أو قصر أفراد أي وحده.

جـ أو قصر تعيين لنفي تردد المخاطب في أنه هو هل الذي يعطيها أو غيره. ويصح أن يكون المثال للتقوي لا للتخصيص فيخاطب به أما:

ج / 2 ص -144- ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أ من ينكر ثبوت الفعل "إعطاء الدنانير" له.

ب أو من يتردد في ثبوت الفعل له.

وقال عبد القاهر في المثال: المعنى على أنك قصدت إعلام السامع أن الدنانير تدخل في عطائه أو أنه يعطيها خصوصا دون غيرها، وكان غرضك بيان جنس ما تناوله الإعطاء لا الإعطاء في نفسه، ولم يكن كلامك مع من نفى أن يكون كان منه إعطاء بوجه من الوجوه بل مع من أثبت له إعطاء إلا أنه لم يثبت له إعطاء الدنانير أي بأن أثبت له إعطاء غير الدنانير أو أثبت له الدنانير مع غيرها. فهو يرى أنه للإعلام بأن الدنانير تدخل في عطائه، أو لتخصيصها دون غيرها بالإعطاء بطريق فحوى الكلام وسياقه لا من طريق القصر. وأنها تلقي لمخاطب لا يثبت له إعطاء الدنانير. وهي عنده لقصر القلب أو للإنكار، ولنا أن نقول أن عبارة عبد القاهر فيها تسامح وليست نصًّا قاطعًا في إفادة القصر.

ويرى السيد أن المثال يلقى لمخاطب يثبت له إعطاء ولا يدري ما المعطى فهي عنده ليس فيها ملاحظة قصر باعتبار القيد.

ويرى السعد أن المثال هو كلام مع من يثبت له إعطاء غير الدنانير لا مع من نفى أن يوجد منه إعطاء.

وكلام السعد "كعبد القاهر" لا يقتضي ملاحظة القصر باعتبار القيد بطريق التقديم بل بطريق الفحوى، وتكون لقصر القلب عنده "أي فقط كما هي كذلك عند عبد القاهر"، وذلك فهم البناني، ويخالف السعد عبد القاهر في أن السعد قصر حال المخاطب بهذه العبارة على شيء واحد هو أن يكون مثبتًا للمقدم إعطاء غير الدنانير.

وعبد الحكيم والشربيني قد صرحا بأن العبارة للتقوي لدفع الإنكار أو التردد أو لتخصيص المسند إليه بالمسند باعتبار قيده قصر قلب أو إفراد أو تعيين، وهذا تكلف منهما في حملهما كلام السعد على غير ظاهره، ومخالف للمعروف في القصر فلا بد أن يكون المخاطب مثبتًا للفعل المتعلق بغير ذلك القيد للمسند إليه المقدم. فعلى رأيهما نستنتج أن "هو يعطي الدنانير" إما:

1 لقصر القلب فالمخاطب بها من يعتقد أنه يعطي غير الدنانير وأن غيره يعطي الدنانير.

ب لقصر الأفراد في المخاطب بها من يعتقد أنه يعطي الدنانير "أي أو غيرها" وأن غيره يعطي الدنانير "أي أو غيرها".

جـ لقصر التعيين فالمخاطب بها من يتردد في أنه يعطي الدنانير "أي أو غيرها" أو أن غيره يعطي الدنانير "أي أو غيرها".

د لدفع الإنكار فالمخاطب بها من يعتقد أنه يعطي غير الدنانير.

هـ لدفع التردد فالمخاطب بها من يتردد في أنه يعطي الدنانير أو غيرها.

ج / 2 ص -145- وهذا الضرب قسمان:

1- لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقًا1 كناية2 عن الفعل متعلف بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من اعتبار عموم أو خصوص في الفعل ومن غير اعتبار تلعقه بالمفعول.

2 وجعل المطلق كناية عن المقيد مع أنها الانتقال من الملزوم إلى اللازم والمقيد ليس لازمًا للمطلق، بناء "على أن مطلق اللزوم ولو بحسب الادعاء كاف فيها فيدعي أن المطلق ملزوم للمقيد وكونه "كناية عنه" أي معبرًا به عن الفعل المتعلق بمفعول مخصوص ومستعملًا فيه على طريقة الكناية.

3 قال العصام: "ولا بد للمعنى أيضًا من قرينة"، والاقتصار هنا على الكناية يشعر بنفي صحة التجوز ولم يقم عليه دليل؛ لأنه قد يوجد في تركيب قرينة مانعة فيكون مجازًا لا كناية وإن كانت القرينة وهي مقام المدح في مثال المصنف غير مانعة، فالكناية ليس معها قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي وحينئذ لا يجوز إرادته من اللفظ مع لازمة، وهذا القيد مخرج للمجاز إذ لا تجوز فيه إرادة المعنى الحقيقي مع المعنى المجازي عند من يمنع الجمع بين الحقيقة والمجاز كالمصنف. ولا دليل على نفي جعله كناية عن فعل متعلق بمفعول عام كما يرى العصام فتقول "فلان يعطي" أي كل أحد؛ لأن العطاء إذا صدر عن مثله لا يخص أحدًا. وقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلام} يحتمله. والحق أن العموم مستفاد من القرائن. وقال الإنبابي: قد يقال الفعل المتعلق بمفعول عام داخل في كلام المصنف؛ لأنه مخصوص من حيث اعتبار العموم فقول المصنف بمفعول مخصوص أي معين.

ج / 2 ص -146- 2- أو لا1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي أو لا يجعل ذلك.

ويلاحظ أن عبد القاهر لم يقسم هذا الضرب إلى قسمين بل الذي جرى عليه أن هذا الضرب هو القسم الثاني فقط وهو ألا يجعل الفعل مطلقًا كناية عنه متعلقًا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة، أما القسم الآخر وهو أن يجعل كناية فقد جعله من الضرب الثاني الآتي؛ لأن له عنده مفعولًا مقصودًا محذوفًا لدلالة الحال ونحوه عليه.. ويقول عبد القاهر: اعلم أن أغراض الناس تختلف في ذكر الأفعال المتعدية فهم يذكرونها تارة ومرادهم أن يقتصروا على إثبات المعاني المشتقة منها للفاعلين من غير أن يتعرضوا لذكر المفعولين فيكون الفعل المتعدي كغير التعدي في أنك لا ترى له مفعولًا لا لفظًا ولا تقديرًا. وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، فهذا قسم من خلو الفعل عن المفعول وهو أن لا يكون له مفعول يمكن النص عليه، وقسم ثان وهو أن يكون له مفعول مقصود قصده معلوم إلا أنه يحذف من اللفظ لدليل الحال عليه، وينقسم إلى: جلي لا صنعة فيه مثل أصغت إليه أي أذني، وحتى تدخله الصنعة فيتفنن ويتنوع:

أ- فنوع منه أن تذكر الفعل وفي نفسك له مفعول مخصوص قد علم مكانه إما لجري ذكر أو دليل حال إلا أنك تنسيه نفسك وتخفيه وتوهم أنك لم تذكر ذلك الفعل إلا؛ لأن تثبت نفس معناه من غير أن تعديه إلى شيء أو تعرض فيه لمفعول ومثاله شجو حساده البيت.

ب- ونوع آخر وهو أن يكون معك مفعول معلوم مقصود قصده قد علم أنه ليس للفعل الذي ذكرت مفعول سواه بدليل الحال أو ما سبق من الكلام إلا أنك تطرحه وتتناساه وتدعه يلزم ضمير النفس لغرض غير الذي مضى وذلك الغرض أن تتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل وتخلص له وتنصرف بجملتها وكما هي إليه ومثاله قول عمرو بن معد يكرب:

"فلو أن قومي أنطقتني رماحهم"

البيت، ومثله قول جرير:

أمنيت المنى وخليت حتى تركت ضمير قلبي مستهاما

=

ج / 2 ص -147- الثاني: كقول تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، أي من يحدث له معنى العلم ومن لا يحدث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= وقول طفيل: جزى الله عنا جعفرًا. الأبيات، وقوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَن} الآية، وقول البحتري:

إذا بعدت أبلت وإن قربت شفت فهجرانها يبلي ولقيانها يشفي

جـ الإضمار على شريطة التفسير أو البيان بعد الإبهام كما يقول الإيضاح، مثل: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِي}. وجعل من هذا الضرب ما حذف؛ لأنه أريد ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه إظهارًا لكمال العناية بوقوعه عليه مثل قول البحتري:

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ دد والمجد والمكارم مثلا

ويحذف المفعول لدفع إيهام غر المراد مثل:

وكم ذدت عني ومن تحامل حادث وسورة أيام حززن إلى العظم

فهذا صنيع عبد القاهر، أما السكاكي فقد سبق أنه جعل أسباب الحذف في المفعول عدة أمور منها:

1 القصد إلى التعميم مع الاختصار - والله يدعو إلى دار السلام.

2 القصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون}.

3 القصد إلى مجرد الاختصار: {أَهَذَاْ الذِيْ بَعَثَ اللهُ رَسُوْلَا}، {أَرِنَيْ أَنْظُر إِلَيْكَ}، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} الآية- {وَلَوْ شَاْءَ لَهَدَاْكُمْ أَجْمَعِيْن}. ثم قال: ولك أن تنظم: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} في هذا السلك. ومنه:

لو شئت عدت بلاد نجد عودة

البيت.

4 الرعاية على الفاصلة مثل: ما ودعك ربك وما قلى.

5 استهجان ذكره مثل ما رأيت منه ولا رأى مني إلخ.

ج / 2 ص -148- قال السكاكي1: ثم إذا كان المقام خطابيًّا2 لا استدلاليًّا، أفاد2 العموم في أفراد الفعل، بعلة إيهام أن القصد إلى فرد دون مفرد آخر مع تحقق الحقيقة فيهما تحكم، ثم جعل قولهم في المبالغة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ذكر السكاكي في بحث إفادة اللام للاستغراق أنه إذا كان المقام خطابيًّا لا استدلاليا كقوله: صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم" حمل المعرف باللام مفردًا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد إلى فرد آخر مع تحقق الحقيقة فيهما ترجيح لأحد المتساويين على الآخر. ثم ذكر في بحث حذف المفعول -ص99 من المفتاح- أنه قد يكون "للقصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابًا في نحو فلان يعطي إلى معنى الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهامًا للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق" فجعل المصنف قوله "بالطريق المذكور" إشارة إلى قوله "ثم إذا كان المقام خطابيًّا لا استدلاليا حمل المعرف باللام على الاستغراق".. وقول السكاكي "ثم" أي بعد كون الغرض ثبوت أصل الفعل وتنزيله منزلة اللازم من غير اعتبار كناية.

2 أي يكتفي فيه بمجرد الظن - والاستدلالي ما يطلب فيه اليقين.

3 أي المقام أو الفعل. فمعنى "يعطي" حينئذ يفعل الإعطاء المعرف بلام الحقيقة يحمل في المقام الخطابي على استغراق الإعطاءات وشمولها مبالغة لئلا يلزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر. لا يقال: إفادة التعميم في إفراد الفعل تنافي كون الغرض الثبوت أو النفي عنه مطلقًا أي من غير اعتبار عموم ولا خصوص؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك "أي التنافي" فإن عدم كون الشيء معتبرًا لا يستلزم عدم كونه مفادًا من الكلام فالتعميم مفاد غير مقصود.

قال السيد: الاعتذار المذكور ركيك جدًّا فإن المعتبر عند البلاغيين هو المعاني المقصودة للمتكلم وما يفهم من العبارة، وما لا يكون مقصودًا لا يعتد به ولا يعد من خواص التركيب.

ثم قال السيد: فالتعميم في أفراد الفعل إذا لم يكن معتبرًا مقصودًا في الغرض لم يكن مما يعتد به عندهم، والأظهر في الاعتذار أن يقال: أن الفيد للعموم في أفراد الفعل هو الفعل بمعونة المقام الخطابي وذلك لا ينافي كون الغرض من نفس الفعل الإطلاق على التفسير المذكور، غاية ما في الباب أن لا يكون العموم مقصودًا بنفس الفعل بل به مع معونة المقام:

ج / 2 ص -149- "فلان يعطي ويمنع ويصل ويقطع" محتملًا لذلك ولتعميم المفعول كما سيأتي، وعده الشيخ عبد القاهر مما يفيد أصل المعنى على الإطلاق من غير إشعار بشيء من ذلك.

والأول1 كقول البحتري يمدح المعتز بالله ويعرض بالمستعين بالله:

شجو حساده وغيظ عداه أن يرى مبصر ويسمع واعي2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع120 من الدلائل والبيت من قصيدة في ديوان البحتري، والمعتز والمستعين من خلفاء بني العباس، تولى المستعين عرش الخلافة من 248 إلى 252هـ، وتولى المعتز العرش بعده من 252 إلى 255هـ.

2 الشجو: الحزن. العدى: جمع عدو. وقوله أن يرى مبصر من إقامة السبب مقام المسبب؛ لأن الرؤية والسماع المذكورين ليسا نفي الشجو ونفس الغيظ بل سببهما وعطف "وغيظ" على "شجو" عطف مرادف: و"أن يرى" خير عن شجو حساده. وقد جعل عبد القاهر هذا القسم مقابلًا للقسم الذي جعل فيه المتعدي كغير المتعدي، قال ما نصه: وقسم ثان وهو أن يكون له مفعول مقصود قصده معلوم إلا أنه يحذف من اللفظ لدليل الحال عليه وينقسم إلى جلي لا صنعة فيه مثل أصغيت إليه أي أذني، وخفي تدخله الصنعة وهو يتنوع: فنوع منه أن تذكر الفعل وفي نفسك له مفعول مخصوص قد علم مكانه إما لجري ذكر أو دليل حال، إلا أنك تنسيه نفسك وتخفيه وتوهم أنك لم تذكر ذلك الفعل لا؛ لأن تثبت نفس معناه من غير أن تعديه إلى شيء أو تعرض فيه بالمفعول ومثاله، قول البحتري:

شجو حساده وغيظ عداه أن يرى مبصر ويسمع واع

المعنى -لا محالة- أن يرى مبصر محاسنه ويسمع واع أخباره وأوصافه، ولكنك تعلم على ذلك أنه كان يسرق علم ذلك من نفسه، ويدفع صورته عن وهمه ليحصل على معنى شريف وغرض خاص، وقال: أنه يمدح خليفة وهو المعتز ويعرض بخليفة وهو المستعين، فأراد أن يقول أن محاسن المعتز وفضائله المحاسن والفضائل يكفي فيها أن يقع عليها بصر =

ج / 2 ص -150- أي أن يكون ذو رؤية وذو سمع. يقول: محاسن الممدوح وآثاره لم تخف على من له بصر لكثرتها واشتهارها، ويكفي في معرفة أنها سبب استحقاقه الإمامة دون غيره أن يقع عليها بصر ويعيها سمع لظهور دلالتها على ذلك لكل أحد، فحساده وأعداؤه يتمنون أن لا يكون في الدنيا من له عين يبصر بها وأذن يسمع بها كي يخفى استحقاقه للإمامة فيجدوا بذلك سبيلًا إلى منازعته إياها. فجعل كما ترى مطلق الرؤية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= ويعيها سمع حتى يعلم أنه المستحق للخلافة، والفرد الوحيد الذي ليس لأحد أن ينازعه مرتبتها، فأنت ترى حساده وليس شيء أشجى لهم وأغيظ من علمهم بأن ههنا مبصرًا يرى وسامعًا يعي، حتى ليتمنون أن لا يكون في الدنيا من له عين ببصر بها وأذن يعي معها كي يخفى استحقاقه لشرف الإمامة فيجدوا بذلك سبيلًا إلى منازعته إياها -120 دلائل- فالخطيب يخالف عبد القاهر هنا في أمرين:

1- أنه يرى أن الفعل هنا منزل منزلة اللازم وعبد القاهر يراه مما له مفعول مقصود محذوف.

2- أنه يجعل الفعل مطلقًا كناية عن نفسه متعلقًا بمفعول مخصوص وعبد القاهر لا يراه كناية. والحق رأي عبد القاهر. والدليل على هذه الكناية جعلهما خبرًا عن الشجو والغيظ. قال الدسوقي وقوله "للدلالة" علة لجعلهما كنايتين، أي جعلهما كنايتين، ولم يصرح بالمفعول المخصوص من أول الأمر أو يلاحظ تقديره للدلالة إلخ، وهذا جواب عما يقال لا حاجة إلى اعتبار الإطلاق أولًا ثم جعله كناية عن نفسه مقيدًا بمفعول مخصوص، وهل هذا إلا تلاعب ولم لم يجعل من أول الأمر متعلقًا بمفعول مخصوص، وحاصل الجواب أنه لو جعل كذلك لفاتت المبالغة في المدح؛ لأنها لا تحصل إلا بحمل الرؤية على الإطلاق ثم يجعل كناية عن تعلقه بمفعول مخصوص إذ المعنى حينئذ أنه متى وجد فرد من أفراد الرؤية أو السماع حصلت رؤية محاسنه وسماع أخباره وهذا يدل على أن أخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حالة هي امتناع الخفاء.

هذا وعبد القاهر لا يجعل في الفعل في مثل "يرى مبصر" كناية؛ لأن الشاعر على رأيه يكون قصده من أول الأمر: أن يرى مبصر محاسنه ولكنه يحذفها ادعاء لشهرتها وأن رؤية البصر لا تقع إلا عليها.

ج / 2 ص -151- كناية عن رؤية محاسنه وآثاره، ومطلق السماع كناية عن سماع أخباره، وكقول عمرو بن معد يكرب1:

فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت2

لأن غرضه أن يثبت أنه كان من الرماح أجرار وحبس للألسن عن النطق بمدحهم والافتخار بهم حتى يلزم منه بطريق الكناية مطلوبه وهو أنها أجرته. وكقول طفيل الغنوي لبني جعفر بن كلاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 شارع مخضرم فارس اليمن قدم على النبي سنة 9هـ فأسلم وشهد القادسية في عهد عمر وشهد واقعة نهاوند وبها قتل.

2 من أبيات في الدلائل ص122:

ولما رأيت الخيل زورا كأنها جداول زرع أرسلت فاسبطرت

فجاشت إلى النفس أول مرة فردت على مكروهها فاستقرت

ظللت كأني للرماح دريئة أقاتل عن أبناء جرم وفرت

فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت

قال التبريزي: الإجرار هو شق لسان الفصيل لئلا يرضع أمه ويجعل فيه عويد. يقول: لو أنهم أبلوا في الحرب بلاء حسنًا لمدحتهم وذكرت بلاءهم ولكن قصروا فأجروا لساني فما أنطق بمدحهم. وقال الجاحظ "154/ 2 البيان": "الجرار عود يعرض في فم الفصيل أو يشق به لسانه لئلا يرضع أمه فيقول: قومي لم يطعنوا بالرماح فأثني عليهم ولكنهم فروا فأمسكت كالفصيل الذي في فمه جرار.

وقد جعل عبد القاهر البيت مثالًا لنوع من أنواع حذف مفعول الفعل "الذي له مفعول مقصود قصده معلوم إلا أنه يحذف من اللفظ لدليل الحال عليه".

والخطيب يخالف عبد القاهر في هذا البيت في أمرين:

1- أنه ذهب إلى أن الفعل هنا منزل منزلة اللازم. ويراه عبد القاهر متعديًا إلا أن مفعوله محذوف.

2- أنه يرى الفعل مطلقًا كناية اصطلاحية عن نفسه متعلقًا بمفعول مخصوص بخلاف عبد القاهر.

ج / 2 ص -152- جزى لله عنا جعفرًا حين أزلفت بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي لاقوه منا لملت

هم خلطونا بالنفوس وألجأوا إلى حجرات أدفأت وأظلت

فإن الأصل لملتنا وأدفأتنا وأظلتنا إلا أنه حذف المفعول من هذه المواضع ليدل على مطلوبه بطريق الكناية1، فإن قلت لا شك أن قوله "ألجأوا" أصله "ألجأونا" فلأي معنى حذف المفعول منه؟ قلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قال عبد القاهر: ومن بارع ذلك -أي حذف المفعول لتتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل- ونادره ما تجده في هذه الأبيات، ثم قال: ففيها حذف مفعول مقصود قصده في أربعة مواضع، قوله: لملت وألجأوا وأدفأت وأظلت؛ لأن الأصل: "لملتنا وألجأونا إلى حجرات أدفأتنا وأظلتنا" إلا أن الحال على ما ذكرت لك من أنه في حد المتناهي، حتى كأن لا قصد إلى مفعول، وكأن الفعل قد أبهم أمره فلم يقصد به قصد شيء يقع عليه، كما يكون إذا قلت "قد مل فلان" تريد دخله الملال من غير أن تخص شيئًا، بل لا تزيد على أن تجعل الملال من صفته، وكما تقول: هذا بيت يدفئ ويظل، تريده أنه بهذه الصفة.

واعلم أن لك في قوله "أجرت" و"لملت" فائدة أخرى زائدة على ما ذكرت من توفير العناية على إثبات الفعل وهي أن تقول: كان من سوء بلاء القوم ومن تكذيبهم عن القتال ما يجر مثله وما القضية فيه أنه لا يتفق على قوم إلا خرس شاعرهم فلم يستطع نطقًا، وتعديتك الفعل تمنع من هذا المعنى؛ لأنك إذا قلت "أجرتني" لم يمكن أن يتأول على معنى أنه كان منها ما شأن مثله أن يجر قضية مستمرة في كل شاعر قوم، بل يجوز أن يوجد مثله في قوم آخرين فلا يجر شاعرهم، وهكذا قوله "لملت"، يتضمن أن من حكم مثله في كل أم -العموم في الفاعل وهو ضمير الأم ليس مقصودًا إنما هو من مستتبعات التراكيب وقد ذكره عبد القاهر هنا عرضا لما فيه من مبالغة وسحر- أن تمل وتسأم وأن المشقة في ذلك إلى حد يعلم أن الأم تمل له الابن وتتبرم به مع ما في طباع الأمهات من الصبر على المكاره في مصالح الأولاد، وذلك أنه وإن قال "أمنا" فإن المعنى على أن ذلك حكم كل أم مع أولادها، ولو قلت "لملتنا" لم يحتمل؛ لأنه يجري مجرى أن نقول: لدخلها ما يملها منا، وإذا قلت "ما يملها" فقيدت لم يصلح، لأن يراد به معنى العموم وأنه بحيث يمل كل أم من كل ابن. وكذلك شأن "حجرات أدفأت وأظلت"، والمعنى: من شأن =

ج / 2 ص -153- الظاهر أن حذفه لمجرد الاختصار؛ لأن حكمه حكم ما عطف عليه وهو قوله خلطونا1.

الضرب الثاني: أن يكون الغرض إفادة تعلقه بمفعول2 فيجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= مثلها أن تدفئ وتظل ولا يجيء هذا المعنى مع إظهار المفعول، إذ لا تقول حجرات من شأنها مثلها أن تدفئنا وتظلنا، هذا لغو من الكلام، فهذه النكتة تجدها مضمومة إلى المعنى الآخر الذي هو توفير العناية على إثبات الفعل والدلالة على أن القصد من ذكر الفعل أن تثبته لفاعله لا أن تعلم التباسه بمفعول "122-124 دلائل". ومن توفير العناية على إثبات الفعل عند عبد القاهر: لما ورد ماء مدين الآية "124 دلائل". ومنه أيضًا قول البحتري:

إذا بعدت أبلت وإن قربت شفت فهجرانها يبلي ولقيانها يشفي

المراد "أبلتني" و"شفتني" إلا أنك تجد الشعر يأبى ذكر ذلك ويوجب إطراحه، وذلك؛ لأنه أراد أن يجعل البلى كأنه واجب في بعادها أن يوجبه ويجلبه وكأنه كالطبيعة فيه، وكذلك حال الشفاء مع القرب "125 دلائل".

والظاهر أن هذه المثل كلها عند السكاكي من حذف المفعول لقصد مجرد الاختصار وقد صرح بأن الآية: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَن} من هذا النوع "99 مفتاح".

1 وإن كان عبد القاهر يجعله مثل ما عطف عليه في "توفير العناية على إثبات الفعل".

2 هذا الضرب مقابل للضرب الأول السابق وهو ما كان "الغرض فيه إثبات المعنى في نفسه للفاعل على الإطلاق أو نفيه عنه كذلك". وفي مختصر المطول: "إن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدي المسند إلى فاعله إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقًا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور وجب التقدير بحسب القرائن. وفي الدسوقي أن الإطلاق هنا في عبارة المختصر المراد به من غير قصد إلى تعلقه بمفعول، وليس المراد به "أي بالإطلاق هنا" هو المراد بالإطلاق السابق. وهذه ملاحظة لها أهميتها.

ج / 2 ص -154- تقديره بحسب القرائن1:

حذف المفعول:

ثم حذفه من اللفظ:

1- إما للبيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة2 إذا لم يكن في تعلقه بمفعوله غرابة. كقولك: لو شئت جئت أو لم أجئ، أي لو شئت المجيء أو عدم المجيء، فإنك متى قلت "لو شئت" علم السامع أنك علقت المشيئة بشيء، فيقع في نفسه أن هنا شيئًا تعلقت به مشيئتك بأن يكون أو لا يكون، فإذا قلت: "جئت أو لم أجئ" عرف ذلك الشيء. ومنه قوله تعالى: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِك}، وقوله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْه} وقول طرفة:

فإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت مخافة ملوى من القد محصد3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الدالة على التعيين المفعول إن عاما فعام وإن خاصا فخاص: ولما وجب تقدير المفعول تعين أنه مراد في المعنى ومحذوف من اللفظ لغرض فأشار إلى تفصيل الغرض.

2 أي والإرادة ونحوها، إذا وقع شرطًا فإن الجواب يدل على ذلك المفعول ويبينه. وأكثر ما يقع ذلك بعد لو؛ لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها وكذلك غيرها من أدوات الشرط، وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب.

2 أي لو شاء الله تعالى هدايتكم لهداكم أجمعين.

3 الإرقال: الإسراع. ملوي: مفتول، وكذلك محصد أي سوط مفتول. القد: الجلد المشقوق، والبيت في الدلائل ص127 وفي المفتاح ص100.

ج / 2 ص -155- وقال البحتري:

لو شئت عدت بلاد نجد عودة فحللت بين عقيقة وزروده1

وقوله:

لو شئت لم تفسد سماحة حاتم كرمًا ولم تهدم مآثر خالد2

فإن كان في تعليق الفعل به غرابة ذكرت المفعول لتقرره في نفس السامع وتؤنسه به، يقول الرجل يخبر عن عزه لو شئت أن أرد على الأمير رددت وإن شئت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته، وعليه قول الشاعر3:

ولو شئت أن أبكي دمًا لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

فأما قول أبي الحسين علي بن أحمد الجوهري أحد شعراء الصاحب بن عباد:

فلم يبق مني الشوق غير تفكري فلو شئت أن أبكي بكيت تفكرًا4

فليس منه5؛ لأنه لم يرد أن يقول فلو شئت أن أبكي تفكرًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 العقيق والزرود من نجد: موضعان بها. والبيت في ص110 مفتاح و128 من الدلائل.

2 هو للبحترى أيضًا. حاتم المراد به حاتم الطائي. خالد هو خالد بن أصبع النبهاني الذي نزل عليه امرؤ القيس. والبيت في126 من الدلائل.

3 هو الخزيمي يرثي ابنه ونسبه الدسوقي لأبي الهندم الخزيمي يرثي ابنه الهندام، والبيت في126 من الدلائل.

هذا والشاهد في بيت الإيضاح ذكر المفعول "أن أبكي دمًا" فإن تعلق فعل المشيئة بكاء الدم غريب فذكره ليتقرر في نفس السامع ويأنس به.

4 البيت في الدلائل ص128.

5 هذا رد على المطرزي صاحب ضرام السقط، وقوله فليس منه أي ليس مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به على ما ذهب إليه المطرزي من أن المراد لو شئت أن أبكي تفكرًا بكيت تفكرًا؛ لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم.

ج / 2 ص -156- بكيت تفكرًا، ولكنه أراد أن يقول أفناني النحول فلم يبق مني وفي غير خواطر تجول، وحتى لو شئت البكاء فمريت جفوني وعصرت عيني ليسيل منها دمع لم أجده، ولخرج منها بدل الدمع التفكر، فالمراد بالبكاء في الأول الحقيقي وفي الثاني غير الحقيقي1، فالثاني لا يصلح؛ لأن يكون تفسيرًا للأول.

2- وإما لدفع أن يتوهم السامع في أول الأمر إرادة شيء غير المراد كقول البحتري:

وكم ذدت2 عني من تحامل حادث وسورة أيام حززن إلى العظم

إذ لو قال حززن اللحم لجاز أن يتوهم السامع قبل ذكر ما بعده أن الحز كان في بعض اللحم ولم ينته إلى العظم، فترك ذكر اللحم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فالمذكور في جواب لو خلاف الشرط فالبكاء الأول حقيقي والثاني مجازي فالبكاء الذي أراد إيقاع المشيئة عليه بكاء مطلق مبهم غير معدي إلى التفكير البتة والبكاء الثاني مقيد معدى إلى التفكير فلا يصلح أن يكون تفسيرًا للأول وبيانًا له كما إذا قلت لو شئت أن تعطي درهمًا أعطيت درهمين، كذا في دلائل الإعجاز. ومما نشا في هذا المقام من سوء الفهم وقلة التدبر ما قيل أن الكلام في مفعول أبكي والمراد أن البيت ليس من قبيل ما حذف فيه المفعول للبيان بعد الإبهام، بل إنما حذف لغرض آخر كالاختصار وقيل يحتمل أن يكون المعنى لو شئت أن أبكي تفكرًا بكيت تفكرًا أي لم يبق في مادة الدمع فصرت بحيث أقدر على بكاء التفكر فيكون من قبيل ما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته. وفيه نظر؛ لأن ترتب هذا الكلام على قوله لم يبق مني الشوق غير تفكري يأبى هذا المعنى عند التأمل الصادق؛ لأن القدرة على بكاء التفكر لا تتوقف على أن لا يبقى فيه غير التفكر.

2 ذاد: دفع، سورة الأيام: شدتها وصولتها. كم خبرية مفعول "ذدت". ومميزها قوله "من تحامل". وتحامل فلان على فلان إذالم يعدل. حززن: قطعن. والشاهد قوله:

"حززن إلى العظم"

أي: حززن اللحم إلى العظم فحذف المفعول وهو اللحم لدفع السامع في أول الأمر لإرادة شيء غير المراد.

ج / 2 ص -157- ليبرئ السامع من هذا الوهم، ويصور في نفسه من أول الأمر أن الحز مضى في اللحم حتى لم يرده إلا العظم.

3- وأما؛ لأنه أريد ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل1 على صريح لفظه2، إظهارًا لكمال العناية بوقوعه3 عليه كقول البحتري أيضًا في مدح المعتز بالله:

قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ دد والمجد والمكارم مثلا4

أي قد طلبنا لك مثلًا في السؤدد والمجد والمكارم، فحذف المثل إذ كان غرضه أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ المثل. ولأجل هذا المعنى بعينه عكس ذو الرمة في قوله:

ولم أمدح لأرضيه بشعري لئيمًا أن يكون أصاب مالًا5

فإنه أعمل الفعل الأول الذي هو أمدح في صريح لفظ "اللئيم"، والثاني الذي هو أرضى في ضميره، إذا كان غرضه إيقاع نفي المدح على اللئيم صريحًا دون الإرضاء ويجوز أن يكون سبب الحذف في بيت البحتري قصد المبالغة في التأدب مع الممدوح، بترك مواجهته بالتصريح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي يتضمن إعمال فعل آخر في صريح لفظ ذلك المفعول.

2 أي لفظ المفعول لا على الضمير العائد عليه.

3 أي بوقوع الفعل على المفعول.

4 البيت في الدلائل ص129. أي قد طلبنا لك مثلًا، فحذف "مثلا" إذ لو ذكره لكان المناسب "فلم نجده" نظرًا إلى الكثير وهو عدم الإظهار في موضع الإضمار -فيفوت الغرض أعني إيقاع عدم الوجدان على صريح لفظ المثل.

5 البيت في الدلائل ص130، وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة، والشاهد فيه أعمال الفعل الأول في صريح لفظ المفعول وأعمال الثاني في ضميره الذي هو كناية عنه.

ج / 2 ص -158- بما يدل على تجويز أن يكون له مثل فإن العقل لا يطلب إلا ما يجوز وجوده.

4- وإما للقصد إلى التعميم في المفعول، والامتناع عن أن يقصره السامع على ما يذكر معه دون غيره، مع الاختصار. كما تقول: "قد كان منك ما يؤلم" أي ما الشرط في مثله أن يؤلم كل أحد وكل إنسان1. وعليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلام} أي: يدعو كل أحد.

5- وإما للرعاية على الفاصلة كقوله سبحانه وتعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَاسَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحي: 1-3] أي وما قلاك.

6- وإما لاستهجان ذكره كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما رأيت منه ولا رأى مني" تعني العورة.

7- وإما لمجرد الاختصار2، كقولك: "أصغيت إليه" أي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وقرينة العموم في المفعول المحذوف هي أن المقام مقام المبالغة. وهذا التعميم وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصفة العموم لكنه يفوت الاختصار حينئذ. فالعموم في هذا المثال مبالغة أما العموم في الآية: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلام} فحقيقة.

2 أي من غير أن يعتبر معه فائدة أخرى من التعميم وغيره، وبعضهم يزيد "عند قيام قرينة" وهو تذكرة لماسبق ولا حاجة إليه "وما يقال من أن المراد عند قيام قرينة دالة على أن الحذف لمجرد الاختصار ليس بسديد؛ لأن هذا المعنى معلوم ومع هذا جار في سائر الأقسام ولا وجه لتخصيصه وبمجرد الاختصار.

وفي قول المصنف: وأما للتعميم مع الاختصار بحث، وهو أن الحذف للتعميم مع الاختصار إن لم يكن فيه قرينة دالة على أن المقدر عام فلا تعميم أصلًا وإن كانت فالتعميم مستفاد من عموم المقدر سواء حذف أو لم يحذف فالحذف لا يكون إلا لمجرد الاختصار، هكذا قالوا وفي رأيي أن الحذف لمجرد الاختصار أمر لا يمس البلاغة إلا من طرف ضئيل.

ج / 2 ص -159- أي أذني، "وأغضيت عليه" أي بصري، ومنه قوله تعالى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك} أي ذاتك، وقوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}، أي بعثه الله، وقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} أي أنه لا يماثل، أو ما بينه وبينها من التفاوت، أو أنها لا تفعل كفعله كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} ويحتمل أن يكون المقصود نفس الفعل من غير تعميم أي وأنتم من أهل العلم والمعرفة ثم ما أنتم عليه في أمر ديانتكم من جعل الأصنام لله أندادًا غاية الجهل. ومما عد السكاكي الحذف فيه لمجرد الاختصار قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ مَاخَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا} [القصص: 23]، والأولى أن يجعل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الآية الكريمة جعل عبد القاهر حذف المفعول فيه للتوفر على إثبات الفعل للفاعل أو كما قال السعد: للقصد إلى نفس الفعل بتنزيله منزلة اللازم، أو كما قال الخطيب: لإثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق. قال الخطيب: وهو ظاهر كلام الزمخشري: "فإنه قال: "ترك المفعول؛ لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ألا ترى أنه رحمهما؛ لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ولم يرحمهما؛ لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلًا"، وكذا قولهما "لا نسقي" المقصود منه السقي لا المسقي، وكلام الزمخشري على نهج كلام عبد القاهر. قال عبد القاهر: حذف المفعول في أربعة مواضع في الآية، إذ المعنى يسقون أغنامهم أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما، ولا نسقي غنمنا، فسقى لهما غنمهما، ثم إنه لا يخفى على ذي بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره ويؤتي بالفعل مطلقًا، وما ذاك إلا أن الغرض في أن يعلم أنه كان من الناس في تلك الحال سقي ومن المرأتين ذود، وأنهما قالتا: لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء، وأنه كان من موسى من بعد ذلك سقي. فأما ما كان المسقي؟ أغنمًا أو إبلًا أم غير ذلك، فخارج عن الغرض وموهم خلافه، وذلك أنه لو قيل: وجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما جاز أن يكون لم ينكر الذود من حيث هو ذود بل من حيث هو ذود غنم حتى لو كان مكان الغنم إبل لم ينكر الذود، ففي حذف المفعول وترك ذكره فائدة جليلة، والغرض لا يصلح إلا على. =

ج / 2 ص -160- لإثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق كما مر، وهو ظاهر قول الزمخشري، فإنه قال: ترك المفعول؛ لأن الغرض هو الفعل لا المفعول، ألا ترى أنه رحمهما؛ لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما؛ لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلًا، وكذلك قولهما لا نسقي حتى يصدر الرعاء المقصود منه السقي لا المسقي1.

واعلم: أنه قد يشتبه الحال في أمر الحذف وعدمه لعدم تحصيل معنى الفعل كما في قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 109]، فإنه يظن أن الدعاء فيه بمعنى النداء فلا يقدر في الكلام محذوف، وليس بمعناه؛ لأنه لو كان بمعناه لزم إما الإشراف أو عطف على نفسه؛ لأنه إن كان مسمى أحدهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= تركه "124 دلائل" وقد جعل السكاكي الحذف في الآية للاختصار لانصباب الكلام إلى أن المراد يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما، ولا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم.

ويتلاقى رأي الخطيب مع رأي الشيخين عبد القاهر والزمخشري، وإن خالف رأي السكاكي. ولكن السعد قال في مطوله: ورأي السكاكي أقرب إلى التحقيق؛ لأن الترحم لم يكن من جهة صدور الذود عنهما وصدور السقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما وسقى الناس مواشيهم حتى لو كانتا تذودان غير غنمهما وكان الناس يسقون غير مواشيهم لم يصح الترحم فليتأمل ففيه دقة اعتبرها السكاكي بعد التأمل في كلام الشيخين وغفل عنها الجمهور فاستحسنوا كلامهما.

قال السيد: تحقيق الكلام أن الشيخين اعتبرا أن المفعول هو الإبل أو الغنم وأحدهما يقابل الآخر وجعلا ما يضاف إلى أحدهما خارجًا عن المفعول غير ملحوظ معه بل هو باق على حالة واحدة مع تعذر تقدير المفعول؛ لأن تقديره يؤدي إلى فساد المعنى فإنهما لو كانتا تذودان إبلالهما -فرضا- لكان الترحم باقيًا على حاله. فصاحب المفتاح نظر إلى أن المفعول هو الغنم المضاف إليهما والمواشي المضاف إليهم وكل واحد منهما يقابل الآخر فلو لم يقدر المفعول في الآية لفسد المعنى وهذا أدق نظرًا وأوضح معنى.

1 يرجع السعد في المطول رأي السكاكي على رأي الزمخشري.

ج / 2 ص -161- غير مسمى الآخر لزم الأول، وإن كان مسماهما واحدًا لزم الثاني وكلاهما باطل، تعالى كلام الله عز وجل عن ذلك، فالدعاء في الآية بمعنى التسمية التي تتعدى إلى مفعولين، أي سموه الله أو الرحمن أيا ما تسمونه فله الأسماء الحسنى، كما يقال: "فلان يدعى الأمير" أي يسمى الأمير. وكما في قراءة من قرأ وقالت اليهود عزير بن "الله" بغير تنوين، على القول بأن سقوط التنوين لكون الابن صفة واقعة بين علمين، كما في قولنا "زيد بن عمرو قائم"، فإنه قد يظن أن فعل القول فيه لحكاية الجملة كما هو أصله، فقيل تقدير الكلام: "عزير ابن الله معبودنا"، وهذا باطل؛ لأن التصديق والتكذيب إنما ينصرفان إلى الإسناد لا إلى وصف ما يقع في الكلام موصوفًا بصفة كما إذا حكيت عن إنسان أنه قال: "زيد بن عمر وسيد" ثم كذبته فيه، لم يكن تكذيبك أن يكون زيد بن عمرو، ولكن أن يكون زيد سيدًا، فلو كان التقدير1 ما ذكر لكان الإنكار راجعًا إلى أنه معبودهم، وفيه تقرير أن عزيرًا بن الله، تعالى الله عن ذلك. فالقول في الآية بمعنى الذكر؛ لأن الغرض الدلالة على أن اليهود قد بلغوا في الرسوخ في الجهل والشرك إلى أنهم كانوا يذكرون عزيرًا هذا الذكر، كما تقول في قوم تريد أن تصفهم بالغلو في أمر صاحبهم وتعظيمه، أني أراهم قد اعتقدوا أمرًاعظيمًا فهم يقولون أبدًا زيد الأمير، تريد أنه كذلك يكون ذكرهم له إذا ذكروه.

واعلم أن لحذف التنوين من عزير في الآية وجهين: أحدهما أن يكون لمنعه من الصرف لعجمته وتعريفه كعازر، والثاني أن يكون لالتقاء السكاكنين2، كقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1-2]، بحذف التنوين من أحد، وكما حكي عن عمارة بن عقيل أنه قرأ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي في الآية الكريمة: {وَقَالَتِ الْيَهُود}.

2 راجع حذف التنوين لالتقاء الساكنين في الكامل للمبرد ص120 جـ1 وص287 من الدلائل.

ج / 2 ص -162- {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار} بحذف التنوين من سابق ونصب النهار، فقيل له وما تريد؟ فقال: {سَابِقُ النَّهَار}، فالمعنى على هذين الوجهين1 كالمعنى على إثبات التنوين، فعزير مبتدأ وابن الله خبر، وقال: على أصله والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي المذكورين آنفًا في حذف التنوين من عزير.

تقديم المفعول على الفعل:

وأما تقديم مفعوله ونحوه1 عليه:

فلرد الخطأ في التعيين2، كقولك "زيدًا عرفت" لمن اعتقد أنك عرفت إنسانًا وأنه غير زيد وأصاب في الأول دون الثاني، وتقول لتأكيده3 وتقريره زيدًا عرفت لا غيره، ولذلك4 لا يصح أن يقال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي نحو المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما أشبه ذلك.

2 أي يكون القصر قصر تعيين أو قلب، وكذلك يأتي لقصر الأفراد، فالأولى أن يقال لإفادة الاختصاص قلبًا كان أو أفرادًا أو تعيينًا.

3 أي لتأكيد هذا الرد. وفي قصر الأفراد لقول: "زيد عرفت" لمن اعتقد أنك عرفت زيدًا وعمرًا وتقول لتأكيده زيدًا عرفت وحده. ورد الخطأ في قصري القلب والأفراد كما يكون في الخبر يكون في الإنشاء باعتبار ما تضمنه من الخبر فإن كل إنشاء يتضمن خبرًا تقول. زيدًا أكرم، وعمرًا لا تكرم، أمرًا ونهيًا. هذا وكل خبر يتضمن إنشاء قولك: "أكرم زيدًا" يتضمن خبرًا هو "زيد مأمور بإكرامه"، والقصر كما يكون في الخبر يكون في الإنشاء لا باعتبار ذاته ولكن باعتبار ما تضمنه من الخبر. والحق أن التخصيص النسبة إلى شيء دون غيره فإن كانت النسبة إنشائية فما وقع به التخصيص إنشاء وإن كانت خبرية فما وقع به خبر.

4 أي؛ ولأن التقديم لرد الخطأ في تعيين المفعول مع الإصابة في اعتقاد وقوع الفعل على مفعول ما.

ج / 2 ص -163- مازيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس، لتناقض دلالتي الأول1 والثاني، ولا أن تعقب الفعل المنفي بإثبات ضده كقولك: "ما زيدًا ضربت ولكن أكرمته"؛ لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ في الضرب فترده إلى الصواب في الأكرام، وإنما هو على أن الخطأ في المضروب حين اعتقد أنه زيد فرده إلى الصواب أن تقول ولكن عمرًا، وأما نحو قولك زيدًا عرفته: فإن قدر المفسر المحذوف قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته فهو من باب التوكيد أعني تكرير اللفظ2 وإن قدر بعده زيدًا عرفت عرفته أفاد التخصيص3. وأما4 نحو قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم} فيمن قرأ بالنصب فلا يفيد إلا التخصيص لامتناع تقدير أما فهدينا ثمود5 وكذلك إذا قلت بزيد مررت أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد فأزلت عنه الخطأ مخصصًا مرورك بزيد دون غيره6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقًا لمعنى الاختصاص وقولك "ولا أحدًا من الناس" ينفي ذلك، فيكون المفهوم التقديم مناقضًا لمنطوق "ولا أحدًا"، نعم لو كان التقديم لغرض آخر غير الاختصاص جاز "ما زيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس".

2 أي إذا قدر الفعل المحذوف المفسر بالفعل المذكور قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته.

3 لأن المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور في إفادة الاختصاص كما في بسم الله فنحو زيدًا عرفته محتمل للمعنيين: التأكيد والتخصيص فالرجوع في التعيين إلى القرائن، وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون أوكد من قولنا زيدًا عرفت" لما فيه من تكرار الإسناد المفيد لتأكيد الجملة.

4 هذا نص كلام السكاكي في المفتاح ص97.

5 أي لامتناع تقدير الفعل مقدمًا نحو: أما فهدينا ثمود، لالتزامهم وجود فاصل بين أما والفاء بل التقدير أما ثمود فهدينا هديناهم بتقديم المفعول. وفي كون هذا التقديم الحاصل مع أما للتخصيص نظر؛ لأنه يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل: ما فعلت بهما؟ فتقول: أما زيدًا فضربته وأما عمرًا فأكرمته.

6 فالمثال هو مثل "زيدًا عرفت" في إفادة الاختصاص.

ج / 2 ص -164- والتخصيص1 في غالب الأمر لازم للتقديم2 ولذلك يقال في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} معناه نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك ونخصك بالاستعانة لا نستعين غيرك، وفي قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون} معناه أن كنتم تخصونه بالعبادة وفي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، أخرت صلة الشهادة2 في الأول وقدمت في الثاني 4؛ لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الثاني اختصاصهم بكون الرسول شهيدًا عليهم. وفي قوله تعالى: {لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُون} معناه إليه لا إلى غيره، وفي قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} معناه لجميع الناس من العرب والعجم على أن التعريف للاستغراق، لا لبعضهم المعين على أنه5 للعهد أي للعرب، لا لمسمى الناس على أنه للجنس، لئلا يلزم من الأول اختصاصه بالعرب دون العجم لانحصر الناس في الصنفين، ومن الثاني اختصاصه بالإنس دون الجن لانحصار من يتصور الإرسال إليهم من أهل الأرض فيهما، وعلى تقدير الاستغراق لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن التقديم لما كان مفيدًا لثبوت الحكم للمتقدم ونفيه عما يقابلها كان تقديم "للناس" على "رسولا" مفيدًا لنفي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو نص كلام السكاكي ص101 المفتاح.

2 أي تقديم ما حقه التأخير أي لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه في أكثر الصور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق: وإنما قال: "غالبًا"؛ لأن اللزوم الكلي غير متحقق إذا التقديم قد يكون لأغراض أخر كمجرد الاهتمام وللتبرك والاستلذاذ وموافقة كلام السامع وضرورة الشعر والفاصلة ورعاية السجع إلى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص عند من له معرفة بأساليب الكلام.

3 وهي "على الناس".

4 حيث قال تعالى: {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

5 أي التعريف.

ج / 2 ص -165- كونه رسولًا لبعضهم1 خاصة؛ لأنه هو المقابل لجميع الناس، لا لبعضهم2 مطلقًا، ولا غير جنس الناس.

وكذلك يذهب3 في معنى قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} إلى أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب - فيما يقولون من "أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى وأنه لا تمسهم النار فيها إلا أيامًا معدودات وأن أهل الجنة فيما لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ"- ليست بالآخرة، وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء، أي بالآخرة يوقنون لا بغيرها كأهل الكتاب.

ويفأد التقديم في جميع ذلك4 وراء التخصيص5 اهتمامًا بشأن المقدم6، ولهذا قدر المحذوف في قوله "باسم الله" مؤخرًا7 وأورد قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، فإن الفعل فيه مقدم8، وأجيب بأن تقديم الفعل هناك أهم؛ لأنها أول سورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي وهم قومه.

2 لأنه لا يتصور إرساله لبعض منهم حتى ينفي عنهم.

3 وهو نص كلام السكاكي في المفتاح ص101- وكل هذا وكثير غيره مما نحيل فيه على المفتاح لم يذكر الخطيب أنه منقول عن السكاكي.

4 أي في جميع صور التخصيص.

5 أي بعده.

6 لأنهم يقدمون الذي شأنه أهم وهم ببيانه أعني.

7 بسم الله أفعل كذا ليفيد مع الاختصاص الاهتمام؛ لأن المشركين كانوا يبدءون بأسماء العزى، فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام والرد عليهم.

8 يعني لو كان التقديم يفيد الاختصاص والاهتمام لوجب أن يؤخر الفعل ويقدم: {بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ لأن كلام الله تعالى أحق برعاية ما تجب رعايته.

ج / 2 ص -166- نزلت1، وأجاب السكاكي بأن باسم ربك متعلق باقرأ الثاني2، ومعنى الأول3 افعل القراءة وأوجدها على نحو ما تقدم في قولهم فلان يعطي ويمنع يعني إذالم يحمل على العموم وهو بعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وهذا جواب الزمخشري، فكان الأمر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله أهم في نفسه.

2 أي هو مفعول اقرأ الذي بعده.

3 أي لفظ اقرأ الأول.

تقديم بعض معمولات الفعل على بعض1:

وأما تقديم بعض معمولاته على بعض: فهو إما؛ لأن أصله2، التقديم3 ولا مقتضى للعدول عنه4 كتقديم الفاعل على المفعول نحو ضرب زيد عمرًا، وتقديم المفعول الأول على الثاني نحو أعطيت زيدًا درهمًا5 وإما؛ لأن ذكره أهم والعناية به أتم6، فيقدم المفعول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المراد بالمعمولات ما يرتبط بالفعل في الجملة الشامل للمسند إليه ولو كان الباب للمعمولات التي هي غير المسند إليه. وراجع هذا البحث في المفتاح ص102.

2 أي أصل ذلك البعض المقدم.

3 أي على البعض الآخر المؤخر.

4 أي عن الأصل.

5 فتقديم الفاعل على المفعول؛ لأنه عمدة في الكلام وحقه أن يلي الفعل: وتقديم المفعول الأول على الثاني في نحو أعطيت زيدًا درهمًا؛ لأن المفعول الأول فيه أصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية وهو أنه عاط أي آخذ للعطاء.

6 جعل الأهمية ههنا قسيمة لكون الأصل التقديم، وجعلها في المسند إليه شاملة له ولغيره.

وذكر عبد القاهر أنه ينبغي أن يفسر وجه العناية بشيء يعرف له معنى وقد ظن كثير من الناس أنه يكفي أن يقال قدم للعناية ولكونه أهم من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية وبم كانت أهم"، فمراد المصنف بالأهمية ههنا الأهمية العارضة لاعتناء المتكلم أو السامع بشأنه والاهتمام بحاله لغرض من الأغراض.

ج / 2 ص -167- على الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه لا وقوعه ممن وقع منه، كما إذا خرج رجل على السلطان وعاث في البلاد وكثر منه الأذى فقتل وأردت أن تخبر بقتله فتقول "قتل الخارجي فلان"، إذ ليس للناس فائدة في أن يعرفوا قاتله وإنما الذي يريدون علمه هو وقوع القتل به ليخلصوا من شره، ويقدم الفاعل على المفعول إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه لا وقوعه على من وقع عليه كما إذا كان رجل ليس له بأس ولا يقدر فيه أن يقتل فقتل رجلًا وأردت أن تخبر بذلك فتقول: "قتل فلان رجلًا" بتقديم القاتل؛ لأن الذي يعني الناس من شأن هذا القتل ندوره وبعده من الظن ومعلوم أنه لم يكن نادرًا ولا بعيدًا من حيث كان واقعًا على من وقع عليه بل من حيث كان واقعًا ممن وقع منه. وعليه قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم}، قدم المخاطبين في الأولى دون الثانية؛ لأن الخطاب في الأولى للفقراء بدليل قوله تعالى من إملاق فكان رزقهم أهم عندهم من رزق أولادهم، فقدم الوعد برزقهم على الوعد برزق أولادهم، والخطاب في الثانية للأغنياء بدليل قوله خشية إملاق فإن الخشية إنما تكون مما لم يقع. فكان رزق أولادهم هو هو المطلوب دون رزقهم؛ لأنه حاصل، فكان أهم، فقدم الوعد برزق أولادهم على الوعد برزقهم.

وإما؛ لأن في التأخير إخلالًا:

ببيان المعنى كقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَه}، فإنه لو أخر {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} عن {يَكْتُمُ إِيمَانَه} لتوهم أن "من" متعلقة بـ {يَكْتُمُ} ، فلم يفهم أن الرجل من آل فرعون1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الحاصل أنه ذكر للرجل ثلاثة أوصاف، وقدم الأول منها أعني "مؤمن" لكونه أشرف، ثم الثاني لئلا يتوهم خلاف المقصود.

ج / 2 ص -168- أو بالتناسب كرعاية الفاصلة نحو: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}1.

وإما لاعتبار آخر مناسب2.

وقسم السكاكي التقديم للعناية مطلقًا3 قسمين: أحدهما أن يكون أصل ما قدم في الكلام هو التقديم ولا مقتضى للعدول عنه، كالمبتدأ المعرف فإن أصله التقديم على الخبر نحو زيد عارف، وكذا الحال المعرف فإن أصله التقديم على الحال نحو جاء زيد راكبًا وكالعامل فإن أصله التقديم على معموله نحو عرف زيد عمرًا وكان زيد عارفًا وإن زيدًا عارف، وكالفاعل فإن أصله التقديم على المفعولات وما يشبهها من الحال والتمييز نحو ضرب زيد الجاني بالسوط يوم الجمعة أمام بكر ضربًا شديدًا تأديبًا له ممتلئا من الغضب، وامتلأ الإناء ماء، وكالذي يكون في حكم المبتدأ من مفعولي باب "علمت" نحو علمت زيدًا منطلقًا، أو في حكم الفاعل من مفعولي باب أعطيت وكسوت نحو أعطيت زيدًا درهمًا وكسوت عمرًا جبة، وكالمفعول المتعدي إليه بغير واسطة فإن أصله التقديم على المتعدي إليه بواسطة نحو ضربت الجاني بالسوط وكالتوابع فإن أصلها أن تذكر بعد المتبوعات.

وثانيهما أن تكون العناية بتقديمه والاعتناء بشأنه:

1- لكونه في نفسه نصب عينك، والتفات خاطرك إليه في التزايد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل؛ لأن فواصل الآي على الألف.

2 ومن ذلك إفادة الاختصاص كما ذهب إليه ابن الأثير في نحو جاء راكبًا وخالفه فيه الجمهور.

3 أي سواء كان من معمولات الفعل أو غيرها.

ج / 2 ص -169- كما تجدك قد منيت بهجر حبيبك، وقيل لك ما تتمنى؟ تقول: "وجه الحبيب1 أتمنى". وعليه قوله2 تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء} أي على القول بأن لله شركاء مفعولًا جعلوا.

2- أو لعارض يورثه ذلك3 كما إذا توهمت أن مخاطبك ملتفت الخاطر إليه4 ينتظر أن تذكره، فيبرز في معرض أمر يتجدد في شأنه التقاضي ساعة فساعة، فمتى تجد له مجالًا للذكر صالحًا أوردته نحو قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}، قدم فيه المجرور5 لاشتمال ما قبله على سوء معاملة أهل القرية الرسل. من إصرارهم على تكذيبم فكان مظنة أن يلعن السامع على مجرى العادة تلك القرية ويبقى مجيلًا في فكره أكانت كلها كذلك أم كان فيها قطر دان أم قاص منبت خير، منتظرًا لإلمام الحديث6 به بخلاف ما في سورة القصص أو كما إذا وعدت ما تبعد7 وقوعه من جهتين إحداهما أدخل في تبعيده من الأخرى فإنك حال التفات خاطرك إلى وقوعه باعتبارهما تجد تفاوتًا في إنكارك إياه قوة وضعفًا بالنسبة، ولامتناع إنكاره بدون القصد إليه يستتبع تفاوته ذلك تفاوتًا في القصد إليه والاعتناء بذكره، فالبلاغة توجب أنك إذا أنكرت تقول في الأول "شيء" حالة في البعد عن الوقوع هذه أنى يكون؟ لقد وعدت هذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بتقديم المفعول على الفعل.

2 والشاهد تقديم اسم الجلالة هنا وتقديم وجه الحبيب في المثال السابق؛ لأن ذكرهما أهم لكونهما في نفسهما نصب عينك -راجع 221 الدلائل، 103 المفتاح.

3 اسم الإشارة يرجع إلى كونه نصب عينك.

4 أي إلى المعمول الذي يجب تقديمه.

5 أي على الفاعل وهو "رجل".

6 فهذا العارض جعل المجرور نصب العين بخلاف ما في سورة القصص {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} فإنه ليس فيه ذلك العارض.

7 في المفتاح "تستبعد".

ج / 2 ص -170- أنا وأبي وجدي فتقدم المنكر1 على المرفوع، وفي الثاني "لقد وعدت أنا وأبي وجدي هذا" فتؤخر: وعليه قوله تعالى في سورة النمل: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}، وقوله تعالى في سورة المؤمنين: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا}، فإن ما قبل الأولى: {إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون}، وما قبل الثانية: {أإذا متنا وكنا ترابا وعظامًا أئنا لمبعوثون} فالجهة المنظور فيها هناك كونهم أنفسهم وآباؤهم ترابًا، والجهة المنظور فيها هنا كونهم ترابًا وعظامًا، ولا شبهة أن الأولى أدخل عندهم في تبعيد البعث.

3- أو كما إذا عرفت في التأخير مانعًا2 كما في قوله تعالى في سورة المؤمنين: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُم} بتقديم المجرور3 على الوصف4؛ لأنه لو أخر عنه وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه: {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لاحتمل أن يكون 5 من صلة الدنيا6 واشتبه الأمر في القائلين أنهم من قومه أم لا بخلاف قوله تعالى في موضع آخر منها: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوامِنْ قَوْمِهِ}. فإنه جاء على الأصل لعدم المانع. وكما في قوله تعالى في سورة طه: {آمَنَّا بَرَبِّ هَارُونَ وَمُوْسَى}، للمحافظة على الفاصلة بخلاف قوله تعالى في سورة الشعراء: {رََبِ مُوْسَى وَهَرُوْنَ}. "انتهى كلام السكاكي". وفيما ذكره نظر من وجوه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وهو "هذا"؛ لأنه راجع إلى منكر وهو شيء. وربما كانت "المنكر" من الإنكار.

2 أي مثل الإخلال بالمقصود.

3 وهو "من قومه".

4 وهو "الذين".

5 أي "من قومه".

6 لأنها ههنا اسم تفضيل من الدنو وليست اسمًا، والدنو يتعدى بمن.

ج / 2 ص -171- أحدها: أنه جعل تقديم لله على شركاء للعناية والاهتمام وليس كذلك، فإن الآية مسوقة للإنكار التوبيخي، فيمتنع أن يكون تعلق "جعلوا" بالله منكرًا من غير اعتبار تعلقه بشركاء، إذ لا ينكر أن يكون جعل ما متعلقًا به، فيتعين أن يكون إنكار تعلقه به باعتبار تعلقه بشركاء وتعلقه بشركاء كذلك منكر باعتبار تعلقه بالله، فلم يبق فرق بين التلاوة وعكسها1. وقد علم بهذا أن كل فعل متعد إلى مفعولين لم يكن الاعتناء بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر، إذا قدم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه2 بالعناية.

وثانيهما: أنه جعل التقديم للاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى والتقديم للرعاية على الفاصلة من القسم الثاني، وليسا منه3.

وثالثها: أن تعلق من قومه بـ"الدنيا" على تقدير تأخره غير معقولًا إلا على وجه بعيد4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي لا فرق بين تقديم "لله" وتأخيره.

2 والجواب على هذا الاعتراض أنه ليس في كلامه ما يدل على أن المنكر تعلق جعلوا بالله من غير اعتبار تعلقه بشركاء، بل كلامه أن المنكر تعلقه بهما لكن العناية بالله أتم وإيراده في الذكر أهم لكونه في نفسه نصب عين المؤمن، ولا يخفى أنه لا يرد على هذا ما ذكره.

3 أجيب عن هذا الأعتراض بالمنع فإن الاحتراز المذكور أمر عارض أوجب -لما تقدم- أن يكون نصب العين.

4 أي أن تعلق من قومه بالدنيا على تقدير تأخره وإن كان صحيحًا من جهة اللفظ بناء على أن الدنيا وصف والدنو يتعدى بمن لكنه غير معقول من جهة المعنى إذ لا معنى لقولنا أترفنا الكفرة ونعمناهم في الحياة التي دنت من حياة قوم نوح أي كانت قريبة من حياتهم. وهذا الاعتراض وإن كان مناقشة في المثال لكنه حق واضح.

ج / 2 ص -173- بحوث حول متعلقات الفعل1:

1- الفعل المتعدي علامته في عرف النحويين صحة اتصال هاء الضمير الغير المصدر به من غير توسع بحذف الجار أو صحة أن يصاغ منه "أو من مصدره" اسم مفعول تام "أي مستغن عن حرف الجر" بإطراد "لا خراج تمرون الديار إذ يصح صوغ اسم مفعول منها فيقال: الديار ممرورة لكن لا باطراد". وما سوى المتعدي فلازم. أو نقول المتعدي ما يصل إلى المفعول به بنفسه واللازم بالعكس ويسمى اللازم قاصرًا. والأصل سبق الفاعل في المعنى ويلزم الأصل لخوف اللبس كضرب موسى عيسى، ولكون الثاني محصورًا كما أعطيت إلا زيدًا أو ظاهرًا والأول ضمير متصل مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر}. وقد يجب تقديم المفعول في ذلك إذا كان الفاعل في المعنى هو المحصور مثل ما أعطيت الدراهم إلا زيدًا أو ظاهرًا والثاني ضمير متصلًا مثل الدرهم أعطيته زيدًا أو ملتبسًا بضمير الثاني مثل أسكنت الدار بانيها. وحذف المفعول من غير باب ظن جائز اختصارًا أو اقتصارًا - لا يقال: حذفه للاقتصار لا يأتي في المفعول به؛ لأن الفعل المتعدي يدل عليه إجمالًا فلا يكون حذفه إلا لدليل؛ لأنا نقول المراد دليل على خصومه لا ما يدل عليه إجمالًا. ومن الحذف اقتصارًا حذف مفعول الفعل المنزلة منزلة اللازم على رأي النحاة والبيانيين ووافقهم المغني على أنه لا مفعول له أصلًا وعبارة المغني بعد أن ذكر رأي النحاة: والتحقيق أن يقال أنه تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه أو من أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندًا إليه فعل كون عام فيقال: حصل حريق، وتارة يتعلق بالإعلام بإيقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوي إذ المنوي كالثابت ولا يسمى محذوفًا؛ لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له ومنه: {رَبِِّي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هذه البحوث بقلم محمد خفاجي.

ج / 2 ص -174- الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت}، وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعول فيذكران، وهذا النوع الذي لم يذكر مفعوله قيل له محذوف نحو: {مَاْ وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَاْ قَلَى} - وحذف المفعول لغرض لفظي كتناسب الفواصل مثل ما ودعك ربك وما قلى وكالإيجاز مثل فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، أو لغرض معنوي كاحتقاره مثل كتب الله لأغلبن أي الكافرين أو استهجان التصريح به مثل قول عائشة: ما رأيت منه ولا رأى مني أي العورة أو العلم به أو الجهل به أو تعظيمه أو الخوف منه.

ويقول السكاكي: "واعلم أن للفعل وما يتعلق به اعتبارات مجموعها راجع إلى الترك والإثبات والإظهار والإضمار والتقديم والتأخير، فلا بد من التكلم هناك وعلى الخصوص في تقييده -أعني الفعل- بالقيود الشرطية، فتقول: أما الترك فلا يتوجه إلى فاعله كما عرف في علم النحو وإنما يتوجه إلى نفس الفعل أو إلى غير الفاعل، لكنه لا يتضح اتضاحًا ظاهرًا إلا في المفعول به كما ستقف عليه1. ثم تكلم السكاكي على الحالة المقتضية لترك الفعل2، وعلى الحالة المقتضية لإثباته3 -ثم تكلم على الحالة المقتضية لترك مفعوله4- ثم تكلم على اعتبار التقديم والتأخير مع الفعل بأنواعه الثلاثة:

فأحدها: أن يقع بين الفعل وبين ما هو فاعل له معنى مثل: هو عرف.

وثانيها: أن يقع بينه وبين غير ذلك مثل: زيدًا عرفت.

وثالثها: أن يقع بين ما يتصل به كنحو: عرف زيد عمرًا وعرف عمرًا زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 97 المفتاح.

2 97-99 المرجع.

3 99 المرجع.

4 99-100 المرجع.

ج / 2 ص -175- وذكر السكاكي الأحوال التي تقتضي كل واحد1 منها، كما تكلم على الحالة المقتضية لإضمار فاعله ولكونه مظهرًا2، وبسط الكلام على الحالة المقتضية لتقييد الفعل بالشرط3:

1- المذكور في باب متعلقات الفعل ثلاثة أمور هي:

أ- نكات حذف المفعول به.

ب- نكات تقديمه على الفعل -لإفادة الاختصاص قلبًا كان أو إفرادًا أو تعيينًا، ويفيد التقديم وراء التخصيص اهتمامًا بشأن المقدم.

جـ- نكات تقديم بعض معمولاته على بعض.

هذه هي عناصر الكلام على "أحوال متعلقات الفعل"، فقوله: "أحوال متعلقات الفعل" أي بعض هذه الأحوال الخاصة بمتعلقات الفعل وهي الثلاثة الأحوال التي أشرنا إليها، هكذا قال السعد ولكن العصام قال: المراد جميع أحوال متعلقات الفعل؛ لأن وضع الباب لها إلا أنه اقتصر على ذكر البعض استغناء عن ذكر الباقي بما سبق في غير هذا الباب لظهور جريان الباقي فيها "أي في المتعلقات" كما نبه الخطيب عليه في التنبيه السابق، وتفسيره بعض أحوال المتعلقات حيث لم يذكر إلا البعض كما ذهب إليه الشارح المحقق "السعد" وهم وكيف لا يكون وهمًا أو كيف لا يكون كما ذكرنا؟، ولولم يكن المراد جميع الأحوال لم ينحصر الفن "فن المعاني" في الأبواب الثمانية.

وقال السبكي: هذا الباب لبيان أحوال متعلقات الفعل ولم يستوعبها بل ذكر منها الفاعل والمفعول، وذكر الفاعل فيه نظر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 100-104 المرجع.

2 100 المرجع.

3 104 المفتاح.

ج / 2 ص -176- أ- لأنه مسند إليه فذكره في باب المسند إليه أليق.

ب- ثم الأحوال التي يريدها هنا الذكر والترك والتقديم والتأخير، والترك لا يأتي في الفاعل؛ لأنه لا يحذف. ولكن قال العصام: إن المتعلق في عرف العربية كأنه مختص بما سوى الفاعل ولهذا قال نلبسه دون تعلقه؛ لأن الفاعل ملابس لا متعلق.

وقال أيضًا: ينبغي أن يقول: أحوال متعلقات الفعل وما في معناه مما يعمل عمله. وقال أيضًا: المتكلم: تارة يريد الإخبار عن الفعل أي الحدث من غير تلبس فاعل ولا مفعول فيقول وقع ضرب ونحوه وليس في هذا التركيب شيء من متعلقات الضرب- وتارة يراد فاعله فيؤتى بالفعل الصناعي الذي هو مشتق من الحدث الذي يريد الإخبار به فيذكر فاعله أبدًا عند البصريين إلا في مواضع مستثناه، ويجوز الحذف عند الكسائي. ثم إن كان متعديًا: فتارة يقصد الإخبار بالحدث والمفعول دون الفاعل فيبنى للمفعول فيقال ضرب زيد، وتارة يقصد الإخبار بالفاعل ولا يذكر مفعوله فهو على ضربين:

أ- أن يقصد إثبات المعنى للفاعل أو نفيه عنه على الإطلاق، إلخ، فالمتعدي حينئذ كاللازم فلا يذكر له مفعول لئلا يتوهم السامع أن الغرض الإخبار بتعلقه بالمفعول ولا يقدر؛ لأن المقدر كالمذكور. وهذا القسم لا يتأتى في الفاعل بل متى ذكر الفعل الصناعي وجب الإتيان بالفاعل أو نائبه. ثم قال السبكي: وهذا حقيقة اللازم فلا ينبغي أن يقال هو كاللازم وكأنهم يعنون باللازم حقيقة. ثم هذا القسم نوعان كما قال الخطيب: أن يجعل إطلاق الفعل كناية عنه متعلقًا بمفعول مخصوص دلت عليه القرينة، أو لا يجعل كذلك.

ب- أن لا يكون كذلك بأن لم يقطع النظر عن المفعول بل قصد ولم يذكر لفظًا فيقدر بحسب القرائن.

3- وفي لام متعلقات الفعل وجهان: أنها بكسر اللام أي أحوال.

ج / 2 ص -177- الأمور المتعلقة بالفعل فالفعل يقال فيه متعلق والمفعول مثلًا متعلق أي متشبث وهذا هو الأحسن ووجه أولويته أن المفاعيل وما ألحق بها معمولة والفعل عامل فيها وكون المعمول لضعفه متعلقًا أنسب؛ لأن المتعلق هو المتشبث وهو أضعف من المتشبث به فالتعلق هو التشبث والمتشبث بالكسر هو المعمول الضعيف وبالفتح هو العامل القوي فهذا كما يقال الجار والمجرور متعلق بكذا.

أو أنها بفتح اللام واقتصر عليه العصام، لوجهين: فالوجه الأول ذكره عبد الحكيم. وهو أن الفتح نظرًا إلى أن الحدث الذي يدل عليه الفعل يتعلق بها كما في الكافية: المتعدي ما يتوقف فهمه على متعلق، ولذلك قال العصام: "إنه اسم مفعول على ما في الرضى" - والوجه الثاني أن الفتح جائز كالكسر؛ لأن كلا من الفعل والمفعول متعلق بالآخر وهذا الوجه ذكره الدسوقي.. هذا ويقول عبد القاهر: "وأما تعلق الاسم بالفعل فبأن يكون فاعلًا له أو مفعولًا مطلقًا أو مفعولًا به أو ظرفًا أو مفعولًا معه أو له أو بأن يكون منزلًا من الفعل منزلة المفعول وذلك في خبر كان وأخواتها والحال والتمييز ومثله الاسم المنتصب على الاستثناء"، وهذا يرجح كسر اللام. ويقول السكاكي: اعلم أن للفعل وما يتعلق به اعتبارات وهو أيضًا يرجح الكسر.

4- ذكر المطول أن قول الخطيب "الفعل مع المفعول إلخ" تمهيد للكلام على أحوال متعلقات الفعل ولكن الدسوقي يرى أن المصنف قد ذكر مقدمة للمطلب الأول "الذي هو نكات حذف المفعول به" بقوله: "الفعل مع المفعول إلى قوله ثم الحذف إما للبيان إلخ"، فقوله: ثم الحذف إلخ هو أول المقصود بالترجمة، إلا أن الدسوقي عاد فذكر -في تعليقه على قول السعد: "ومهد لذلك مقدمة"- أن قوله: "الفعل مع المفعول" إلى قوله: "لا إفادة وقوعه مطلقًا" توطئة لبحث حذف المفعول به.

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 2 ص -178- البلاغة والتجديد:

1- البلاغة العربية مدينة في نشأتها الأولى لجهود علماء اللغة والأدب ولمثابرة الرواة والنقاد والباحثين في أصول البيان العربي، مع الأثر الفذ الذي أحدثه الكتاب والشعراء والأدباء في القرن الثاني والثالث الهجري.. ولقد تلاحقت الثقافات، واتصلت المعارف، وتبودلت الأفكار، في عواصم العلم والثقافة في العالم الإسلامي القديم، على أيدي العرب الذين نبغوا في اللغات الأجنبية، والموالي الذين حذقوا اللغة العربية وأجادوها، والمترجمين الذين كانوا همزة الوصل بين الثقافات القديمة والثقافة العربية الإسلامية الأصيلة. كان خلف لا يشق له غبار في صناعة النقد "لنفاذه فيها وحذقه بها وإجادته لها"1. وكان أبو عبيدة يعجب من فطنة بشار وجودة قريحته وصحة نقده للشعر2، وكان خلف يعجب من نقده للشعر ومذاهبه3. وكان الجاحظ4 يرى أن بشارًا زعيم المولدين. ثم جاء ابن سلام والجاحظ وابن قتيبة والمبرد وابن المدبر وابن المعتز، فكان لجهودهم أثر كبير في نشأة البلاغة ونمو البحث في أصول البيان.

ولا ننسى جهود طائفة أخرى من العلماء في إثارة البحوث البلاغية والتعليق عليها، وتلك الطائفة هي جماعة العلماء الذين شغلوا بالبحث في إعجاز القرآن الكريم وتفهم أسرار هذا الإعجاز والتأليف فيه، فكشفوا الكثير من غوامض البلاغة وأصولها، ومن هؤلاء أبو عبيدة والجاحظ وسواهما من أئمة المعتزلة وفحولهم. وعلى أيدي قدامة وأبي هلال والآمدي والقاضي الجرجاني وغيرهم من أفذاذ النقاد في القرن الرابع الهجري، نرى البحث البلاغي ينمو ويقوى ويزدهر. ثم تلاهم الباقلاني وابن سنان وابن رشيق من علماء النقد والبيان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 197/ 1 العمدة.

2 207 طبقات ابن سلام.

3 23/ 3 الأغاني.

4 91/ 1 العمدة.

ج / 2 ص -179- ولقد لمعت عبقرية عبد القاهر الجرجاني -المتوفى عام 471هـ- في هذا العهد، وكان مظهر هذه العبقرية اللماحة كتابان جليلان ألفهما قبل وفاته بقليل هما "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" اللذان يعدان حتى اليوم أصلًا ضخمًا من أصول البيان وبحوث البلاغة والنقد والموازنة. وبعد عبد القاهر انطفأ السراج، وذبل العود، وأصيبت الأذواق بالعي والعجز كما أصيبت البلاغة بالتأخر والاضمحلال.. وبعد نحو قرن ونصف قرن ظهر فجأة السكاكي بعقليته المنطقية وذوقه الأعجمي، فأحال البلاغة إلى جدل عقيم في الألفاظ والأساليب، وإلى قواعد جافة لا صلة لها بالذوق ولا بالحياة، وكثر تلاميذ السكاكي. وانتشر مذهبه في البلاغة الذي يمثله القسم الثالث من كتابه "المفتاح"، والذي عني فيه بالقشور لا باللباب وبالتوافق لا بالحقائق، ولا تزال دراستنا للبلاغة حتى اليوم قائمة على أصول مذهب السكاكي وتلاميذه وحده دون سواه.

2- ولقد نهض جماعة من أدبائنا يدعون إلى التجديد في البلاغة، فمن قائل: إن الكتب القديمة يجب أن تحل محلها كتب أخرى مؤلفة على النهج الحديث، ومن دعاة إلى تلقيح البلاغة العربية بأصول الدراسات البلاغية في شتى اللغات الحديثة الأوربية، ومن ناهجين مناهج الغرب في بحث أسرار البلاغة وأصولها، ومن منادين إلى مذاهب البلاغيين القدماء من أمثال عبد القاهر وقدامة وأبي هلال. وهكذا تعددت الآراء، وتخاصمت الأفكار، في التجديد في البلاغة، وبيان كيف يكون هذا التجديد، على أن أذواق علمائنا المعاصرين وأدبائنا المشهورين لا تكاد تساعد على الوصول إلى هدف أو غاية ينشدها المشفقون على البلاغة العربية اليوم. والذين يحاولون التجديد فيها يكتفون بنقل أفكار الغربيين دون فهم أو يقظة فكرية أو إلمام ما بتراثنا القديم الخالد في البلاغة والبيان والنقد.

ومن صور البحث البلاغي والنقد البياني ما قرأناه في مجلة

ج / 2 ص -180- الأزهر -عدد ربيع الأول 1372هـ- بعنوان "علوم البلاغة في الميزان" للأستاذ المرحوم محمد عرفة، وقد اتجه الكاتب إلى إثارة الملكات، وتنشيط الأفكار، وتحريض الأذهان على النظر والبحث والنقد والاستنتاج والكشف، وحفز الهمم للبحث والابتكار. وهي محاولة مجدية قوية في سبيل التجديد البلاغي المنشود. وأول فكرة في هذا البحث هذه الأسرار البلاغية الدقيقة للحذف ومحاولة الكشف عنها، فلقد عرض عبد القاهر الجرجاني للحذف ومكانه من البلاغة دون أن يبين سبب هذا الحسن والإحسان وسر هذا الجمال البياني الأخاذ. وجاء السكاكي والخطيب وتلاميذهم فجعلوا الحذف في موضعه كالذكر في موضعه، لكل مكانه من البلاغة، ومنزلته من سحر البيان، وأبوا أن يكون للحذف مزية على الذكر بل هما يحصلان البلاغة ويوجدانها، ثم عللوا الحذف بعلل متكلفة لا صلة بينها وبين أحكام الذوق الأدبي السليم. ويحاول الباحث أن يعلل سر جمال الحذف وبلاغته بأسباب نفسية وأمور بيانية، منها الهجوم بالسامع على المطلوب دفعة، والجدة التي نراها في أسلوب الحذف، ومنها أن المحذوف تدل عليه القرائن فإذا ذكر كان ثقيلًا في موضعه؛ لأنه تعريف لما عرف وبيان لما بين، فيربط بذلك بين البلاغة وأحكام الذوق وأسرار البيان وملكات النفس الإنسانية.

ومن البحوث التي أثارها الأستاذ: أسلوب التجريد وتحليل ألوان جماله وسر هذا الجمال، بعيدًا عن تكلف القدماء البغيض وتأويلهم المصنوع. وكذلك عرض لأسلوب. رأيت اليوم حاتمًا، ولقيت مادرًا، وسمعت سحبان وما أشبه ذلك مما أوله البلاغيون فجعلوا حاتمًا هنا كأنه موضع للجواد، فانتزعوه من معناه وهو العلمية على الرجل المعروف من طيء، وبهذا التأويل يكون حاتم متناولًا للفرد المتعارف المعهود والفرد غير المتعارف وهو من يتصف بالجود، فيصير استعماله في غير المتعارف استعمالًا في غير ما وضع له فيكون عندهم استعارة. وهو يبحث ذلك كله ويناقشه وينقده ويحاول الوصول إلى الصواب.

ج / 2 ص -181- في أمره، حيث يرى أن المراد هنا تشبيه هذا الكريم بحاتم في جوده، فحاتم باق على معناه دون تغيير أو تبديل.

إن القديم ليس كله صوابًا، وليس كله خطأ، بل فيه الصواب، وفيه الخطأ، وفيه سوى ذلك ألوان من القصور العلمي الذي يجب ملاقاته، فما أجدرنا في الأزهر بتجديد البحث والدراسة في أصول بلاغتنا، وفي مذاهب للبيان وأسراره.

ج / 2 ص -182- المبرد وأثره في البيان العربي:

1- المبرد عالم جليل من أعلام اللغة العربية عاش في القرن الثالث "210-285هـ" يخدم اللغة والثقافة، ويدرس مذهبه في النحو وآراءه فيه لتلاميذه، ويبحث ويكتب ويؤلف ويعمل، حتى أصبح بحق شيخ العلماء والنحاة وإمام العربية وقطبها.. وأهم مؤلفات المبرد هو كتابه الكامل، الذي يعد من أهم مصادر الأدب العربي وضمنه آراءه في الأدب والنقد والبيان، وأشار فيه إلى بعض آرائه في النحو العربي ودراسته. وكتاب الكامل مجموعة كبيرة من الأدب العربي، شعره ونثره، في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي وصدر عصر المحدثين، ساقها المبرد على غير نظام ولا ترتيب، وأضاف إليها شروحًا وتعليقات وتفسيرات وتوجيهات قيمة في دراسة الأدب العربي ونحن لا يعنينا هنا إلا أن ندرس كل ما يتصل بالبلاغة والبيان في كتاب "الكامل للمبرد" لنتبين أثره في هذا الميدان.

2- والبيان العربي أو قل البلاغة العربية دراسة لأصول التعبير والأداء والذوق الأدبي في اللغة العربية.

وقد ساعد على إنضاج هذه الدراسات مجهود العلماء المتواصل إلى آخر القرن الثالث الهجري، في كشف أسرار البلاغة العربية، ودراسة أصولها وعناصرها وألوانها، ولكن مجهود هؤلاء كان مفرقًا موزعًا على المناسبات، يأتي عرضًا حين تحليل بيت أو ذكر قصيدة، وأهم العلماء الذين كان لهم أثرهم في بدء نواة هذه البحوث البيانية هو الجاحظ صاحب البيان والتبيين. ثم جاء المبرد، وألف كتابه "الكامل"، فجاء فيه عرض لكثير من الآراء في البيان والبلاغة، بعضها استنبطه وابتكره، وبعضها الآخر تابع فيه الباحثين قبله كالجاحظ وابن قتيبة وسواهما. هذا فضلًا عن أنه ألف كتاب "قواعد الشعر".

ج / 2 ص -183- وكتاب "البلاغة1" مما لا شك في تعلقه واتصاله بالبيان ودراسات البلاغة في مرحلة نشأتها الأولى.

3- ونحن نشير هنا إلى أهم هذه الآراء التي وردت في "الكامل":

أ- أشار المبرد إلى أسلوب القلب2 في كامله، وذهب إلى جوازه في الكلام للاختصار إذا لم يدخله لبس2، وعلى نهج المبرد في ذلك سار ابن فارس في الصاحبي3، ويسمى قدامة هذا الأسلوب "المقلوب" ويجعله من عيوب ائتلاف المعنى والوزن معًا4. وأشار المبرد في "الكامل" إلى أسلوب "الالتفات5". قال: "والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب6. وقد سبق أبو زيد في "جمهرة أشعار العرب" المبرد إلى ذكر هذا الأسلوب7 وسار على نهجه ابن فارس8.

وعرف المبرد السجع بأنه ائتلاف أواخر الكلام على نسق، كما تأتلف القوافي9. وهو روح كلام الجاحظ الذي عرف السجع بأنه الكلام المزدوج على غير وزن10. والسجع يذكره أرسطو في خطابته ويوجب أن "يكون كل واحد من المصاريع مسوقًا إلى المصراع الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 88 فهرست ابن النديم.

2 217/ 1 الكامل للمبرد، وص38 من كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن الكريم للمبرد.

3 ص173/ الصاحبي في فقه اللغة العربية.

4 130 نقد الشعر.

5 271/ 1 و30/ 2 الكامل للمبرد.

6 30/ 2 الكامل.

7 ص3 الجمهرة ط1926.

8 172 الصاحبي.

9 382/ 1 الكامل.

10 133/ 1 البيان والتبيين ط1927.

ج / 2 ص -184- يليه والذي إنما يتم به المعنى"1 ويذكر الجاحظ آراء رجال البيان في السجع وآثر المطبوع منه2، كما أشار الجاحظ إلى الازدواج3. ويذكر مؤلف نقد النثر أن "من أوصاف البلاغة السجع في موضعه وعند سماع القريحة به وأن يكون في بعض الكلام لا في جميعه"4.

ب- وقسم المبرد في "كامله" الكلام إلى الاختصار المفهم والإطناب المفخم، وقال: "وقد يقع الإيماء إلى الشيء فيغني عند ذوي الألباب وإن قيل بل الكلام القبيح في الحسن أظهر كان ذلك، ولكن يغتفر السيء للحسن والبعيد للقريب5.

جـ- ويشير المبرد إلى التعقيد اللفظي في بيت الفرزدق:

وما مثله في الناس إلا مملكًا أبو أمه حي أبوه يقاربه

ويشرح البيت وينقده6.

و- ويشير إلى أسلوب الاستعارة التمثيلية في قولك: "فلان عليه دين أو ركبه دين" تريد أن الدين علاه وقهره7، ويذكر مثلًا للتمثيل كقوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه} وسواه 8. ويشير إلى مثل للاستعارة ويحللها9، ويشير أيضًا إلى الاستعارة10 ويقول: "والعرب تستعير من بعض لبعض"11. وقد سبقه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الخطابة من كتاب الشفاء لابن سينا.

2 194/ 1 وما بعدها من البيان والتبيين.

3 96/ 2 و16/ 3 البيان.

4 107 نقد النثر.

5 17/ 1 الكامل للمبرد طبعة التجارية 1355هـ.

6 ص18/ 1 الكامل.

7 24/ 1 المرجع.

8 76/ 1 المرجع.

9 37/ 1 الكامل.

10 57/ 1 المرجع.

11 167 جـ1 المرجع.

ج / 2 ص -185- الجاحظ بتعريف الاستعارة1 الذي هو روح تعريف المبرد.. ويحال المبرد في الكامل مثلًا من أمثلة التجريد2. ويشير إلى أسلوب اللف والنشر، فيقول: "والعرب تلف الخبرين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة، ثقة بأن السامع يرد إلى خبره إلخ"3، وسار على نهجه الصاحبي4. وقدامة يسمي ذلك صحة التفسير5. ويشير المبرد إلى مثل للكناية الاصطلاحية6، ويسميها ابن فارس في الصاحبي الإيماء7. ويقسم الكلام إلى مصرع وما يكنى عنه بغيره وما يقع مثلًا فيكون أبلغ في الوصف، ويذكر أقسام الكناية8، وإن كل المبرد يقصد الكناية اللغوية لا الاصطلاحية وكذلك فعل ابن فارس في الصاحبي9. ويشير المبرد إلى أسلوب التغليب: كالقمرين للشمس والقمر، والعمرين لأبي بكر وعمر10.

هـ- ويذكر أيضًا بيتين للقتال الكلابي ويقول: البيت الثاني توكيد للأول11. وهذا أحد أسباب الفصل عند البلاغيين، ولا نجد أحدًا أشار إلى سبب من أسبابه قبل المبرد، وإن كان الجاحظ قد أشار إلى الفصل والوصل ومكانتهما في البلاغة12.. ويشير المبرد إلى ورود همزة الاستفهام13 للتقرير ويذكر إفراط الشعراء في مثل من الشعر14. وقد سبقه ابن قتيبة م 276هـ إلي الإشارة إلى مثل للإفراط من شعر الشعراء وذلك في كتابه "الشعر والشعراء".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 114 جـ1 البيان والتبيين.

2 35 و36/ 1 الكامل.

3 75/ 1 المرجع.

4 206 الصاحبي.

5 81 نقد الشعر.

6 77 و116/ 1، 92 و281/ 2 الكامل للمبرد.

7 210 الصاحبي.

8 5 و6 جـ2 الكامل.

9 218 و219 الصاحبي.

10 84/ 1 الكامل.

11 125/ 1 الكامل، و23 وما بعدها من كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه للمبرد طبع القاهرة عام 1350هـ.

12 76/ 1 البيان والتبيين.

13 35/ 1 الكامل.

14 173/ 1 و44/ 2 و46 و76 و77 و87/ 2 الكامل.

ج / 2 ص -186- "و" ويشير المبرد إلى مثل للمجاز المرسل1. وفي أدب الكاتب لابن قتيبة باب سماه "باب تأويل كلام من كلام الناس مستعمل"2 ذكر فيه مثلًا كثيرة للمجاز المرسل. ويشير المبرد إلى مثل من أمثلة المجاز العقلي3. ويحلل قول الشاعر:

"متقلدًا سيفًا ورمحًا"

ومثلًا أخرى تشبهه4. وهذه المثل يجوز أن تكون من أسلوب المشاكلة الذي سبق المبرد إلى تقريره. ويشير إلى التشبيه5، ويعقد له بابًا يذكر فيه "ما للعرب من التشبيه المصيب والمحدثين بعدهم"6.

وقد أفاض المبرد في استطراد في ذكر ما يستجاد من التشبيه في شعر القدامى والمحدثين وحلل ما أتي به ذاكرًا كثيرًا من أصول التشبيه، فتكلم على جهة الشبه وأنه إنما ينظر إلى التشبيه من حيث وقع7 ويذكر كثرة التشبيه في الكلام8، ويشرح التشبيه في الآية الكريمة: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} شرحًا وافيًا9. ويذكر أقسام التشبيه: المفرط والمصيب والمقارب والبعيد10، وأن منه تشبيه شيء في حالتين بشيئين مختلفين 11 كقول امرئ القيس:

كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا لدى وكرها العناب والحشف البالي

إلى ما سوى ذلك من بحوثه في باب التشبيه الذي شرح فيه أسراره وبين ألوانه وفصل القول في كثير من مناحيه، والباب حافل بكثير من ألوان النقد الأدبي وهو أصل عظيم لدراسة التشبيه عند البيانيين -ويذكر المطابقة12. وبعض عيوب البيان كاللحن وفساد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 212/ 1 و222 و68/ 2 الكامل، 13 و14 من كتاب ما اتفق لفظه للمبرد.

2 26-34 أدب الكاتب.

3 79 و128 و168/ 1، و238 و249/ 2 الكامل.

4 218/ 1 الكامل.

5 246/ 1 الكامل.

6 35-101/ 2 الكامل.

7 47/ 2 الكامل.

8 69 و90/ 2 المرجع.

9 69 و70 جـ2 الكامل.

10 87/ 2 الكامل.

11 35/ 2 الكامل.

12 241/ 1 الكامل.

ج / 2 ص -187- الملكات1 واللكنة2 وكالاستعانة ويعرفها بأنها أن يدخل في الكلام ما لا حاجة بالمستمع إليه ليصحح وزنًا إن كان في شعر وليتذكر ما بعده إن كان في نثر3. وفي خطابة أرسطو "ومن الأشياء المفسدة لرونق النظم إدخال كلام في كلام وهو الاعتراض الطويل بين الكلام المتصل بعضه ببعض4، ويشير العتابي الشاعر إلى الاستعانة ويشرحها5 بما لا يخرج عن كلام المبرد، ويذكر قدامة أن من نعوت الكلام ألا يكون الوزن قد اضطر إلى إدخال معنى ليس الغرض في الشعر محتاجًا إليه حتى إذا حذف لم تنقص الدلالة لحذفه6 ويذكر المعاظلة وأن ثعلبًا عرفها بأنها مداخلة الشيء في الشيء7، ويذكر الحشو ويجعله من عيوب الكلام ويعرفه بأنه أن يجيء البيت بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن8. إلى غير ذلك مما ذكره المبرد وما عرض له من آراء في البيان.

وبعد فلا شك أن هذه الآراء كلها وردت مبثوثة مفرقة في الكامل وخالية من الاصطلاحات العلمية وحينما يقف عند أسلوب من أساليب البيان ويحلله ويعجب به ولا يسميه؛ لأن علماء البيان والأدب لم يكونوا قد وضعوا له اسمًا وإنما بلاغته وسحره لا يخفيان على متذوق.. وبحسبي هذا اليوم ففيه كفاية، وهو يرشد إلى أثر الكامل في هذه الدراسات، وإن كان أثرًا محدودًا، شأنه في ذلك شأن من سبقه من العلماء الذين كانوا لا يزالون يكشفون أسرار البيان العربي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 297/ 1 المرجع.

2 369/ 1.

3 19/ 1 الكامل.

4 الفن الرابع من المقالة الثامنة من الشفاء لابن سينا.

5 90/ 1 البيان والتبيين، 190/ 1 العمدة لابن رشيق.

6 99 نقد الشعر.

7 104 نقد الشعر.

8 128 نقد الشعر.

ج / 2 ص -188- ثعلب وأثره في البيان:

ثعلب هو إمام الكوفيين في النحو واللغة وعلوم العربية، عاش في الفترة التي بين عامي 200 و291، وهي عام مولده وعام وفاته.. وله كثير من المؤلفات، منها كتاب "الفصيح".

ولثعلب كتاب "قواعد الشعر"، وقد قمت بنشره عام 1948، وكتبت شروحًا وتعليقات عليه ومقدمة له.. وهو أهم كتاب يظهر فيه آراء ثعلب البيانية، حيث عرض فيه بعض ألوان البيان والبديع وشواهدها، ومنها: التشبيه والمبالغة -والإفراط في المعنى- ولطافة المعنى -والتعريض والكناية- والاستعارة وحسن الخروج أو التخلج / 2 ص -ومجاورة الأضداد أو الطباق كما يسميه البلاغيون والمطابق وهو نوع من الجناس. ولا شك أن ثعلبًا قد كتب كتابه قبل أن يؤلف ابن المعتز كتابه البديع، وبذلك يكون ممهدًا لجهود ابن المعتز الذي خصص ألوان البيان بالتأليف والدراسة في كتابه البديع.. ولي بحث ضاف عن كتاب "قواعد الشعر" وأثر ثعلب في دراسات البيان، وهو منشور مقدمة لكتاب قواعد الشعر، فليرجع إليه من يشاء1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع كتاب قواعد الشعر لثعلب نشر وشرح محمد خفاجي -طبعة مصطفى الحلبي عام 1948- ص6-24.

ج / 2 ص -189- ابن المعتز وأثره في البيان:

ولابن المعتز منزلة كبيرة في البيان العربي، بكتابه القيم "البديع"، الذي توليت شرحه ونشره عام 1945 وطبعته مطبعة مصطفى الحلبي-.. والكتاب أول مؤلف في علم البديع وصنعة الشعر وألوان البيان، وقد عرض ابن المعتز فيه للاستعارة والتجنيس والمطابقة ورد العجز على الصدر والمذهب الكلامي والالتفات والاعتراض والرجوع وحسن الخروج وتأكيد المدح بما يشبه الذم وتجاهل العارف والهزل الذي يراد به الجد وحسن التضمين والتعريض والكناية والإفراط في الصفة وحسن التشبيه ولزوم ما لا يلزم وحسن الابتداء.

ولي بحث طويل عن الكتاب وأثره وأثر مؤلفه في البيان والبديع، وهو منشور في كتابي "ابن المعتز وأثره في الأدب والنقد والبيان" فليرجع إليه من أراد1.. وكتاب "ثعلب" يختلط فيه النقد بالبيان وببحوث الشعر، من حيث كان كتاب ابن المعتز وقفًا على دراسات البيان والبديع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع ص370-383 من كتابي: "ابن المعتز وأثره في الأدب والنقد والبيان طبع مكتبة محمود توفيق عام 1949. ومقدمة كتاب "البديع - شرح محمد خفاجي" - طبعة 1945.

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 2 ص -190- تطبيقات بلاغية:

-1-

ما سر التعبير باسم الموصول في الأمثلة الآتية؟.

1- {إَنَّ الذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ عِبَادٌ أََمْثَالُكُمْ، فَادْعُوْهُمْ فَلْيَسْتَجِيْبُوْا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ}.

2-

إن التي زعمت فؤادك ملها خلقت هواك كما خلقت هوى لها.

3-

إن الألى حانت بفلج دماؤهم هم لقوم كل القوم يا أم خالد.

-2-

ما سر التعبير باسم الإشارة في الأمثلة الآتية؟.

1- هذا هو الرجل.

2- على ذلكم هو القائد.

3- ما أتفه ذلك الإنسان.

4- أهذا الذي يذكر آلهتكم.

5- ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.

6- {إِنَّمَا المُؤْمِنُوْنَ الذِيْنَ آَمَنُوْا بِاللهِ وَرِسُوْلِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوْا وَجَاهَدُوْا بَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَادِقُوْنَ}.

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

ج / 2 ص -191- -3-

بين سر التعريف بالموصولية واسم الإشارة في الأمثلة الآتية:

1-

أنت الخصيب وهذه مصر فتدفقا فكلاكما بحر

2-

إن الذين نعبت لي بفراقهم قد أسهدوا ليلي التمام فأوجعوا

3- {أُوْلَئِكَ عَلَىْ هُدَىً مِنْ رِبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ}.

4- الذي نال الجائزة شاعر مطبوع.

5- {أَهَذَاْ الْذِيْ يَذْكُرُ آلِهَتَكُم}.

6- {فَلَمَّاْ رَأَىْ الْشَّمْسَ بَاْزِغَةً قَالَ هَذَاْ رَبِّيْ هَذَاْ أَكْبَر فَلَمَاْ أَفَلَتْ قَاْلَ يَاْ قَوْمِ إِنِيْ بَرِيْءٌ مِمِاْ تُشْرِكُوْن}.

7- {ذَلِكَ هُدَىْ اللهِ يَهْدِيْ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَاْدِه}.

8- {أُوْلَئِكَ الْذِيْنَ هَدَاْهُمُ اللهُ فَبِهُدَاْهُمْ اِقْتَدِهْ}.

-4-

بين دواعي تنكير المسند إليه في الأمثلة الآتية:

1- {قَاْلَ يَاْ قَوْمِ لَيْسِ بِيْ ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّيْ رَسُوْلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ}.

2- {فِإنْ لَمْ تَفْعَلُوْا فَأْذَنُوْا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُوْلِهِ}.

3-

وحيد من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد

4-

لأمر أعدته الخلافة للعدا وسمته دون العالم الصارم العضبا

5- {سُوْرَةٌ أَنْزَلْنَاهَاْ وَفَرَضْنَاهَاْ وَأَنْزَلْنِا فَيِهَاْ آيَاْتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ}.

ج / 2 ص -192- -5-

بين دواعي التقديم في الأمثلة الآتية:

1- {أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيْ رَبًّاً وَهُوُ رَبُ كُلِ شَيْءٍ}.

2-

نفس عصام سودت عصامًا وعلمته الكر والإقداما

3-

ومن عجب الأيام بغي معاشر غضاب على سبقي إذا أنا جاريت

4-

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه وأرى الجني اشتارته أيد عواسل

5-

سواي بتحنان الأغاريد يطرب وغيري باللذات يلهو ويلعب

6-

ثلاثة ليس لها إياب الوقت والجمال والشباب

7-

بكف أبي العباس يستنزل الغنى وتستنزل النعمى ويسترعف النصل

ويستعطف الأمر الأبي بحزمة إذا الأمر لم يعطفه نقض ولا فتل

8- وقال بعض الشعراء مادحًا:

له همم لا منتهى لكباره وهمته الصغرى أجل من الدهر

له راحة لو أن معشار جودها على البر كان البر أندى من البحر

9- {اَلْشَيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلَاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْم}.

10- "شر الناس من اتقاه الناس لشره".

11- "المرء كثير بإخوانه"، "اليد العليا خير من اليد السفلى"- "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستعملكم فيها فناظر كيف تعملون".

12- "القلوب معك، والسيوف عليك، والنصر من السماء".

ج / 2 ص -193- -6-

1- "قد ينزل العالم بفائدة الخبر ولازمها منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب علمه"- اشرح ذلك، وبين هل منه قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102]، وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْت} - وجه ما تقول، وبين لم كان قول بشار: "إن ذاك النجاح في التبكير" أدخل في الفصاحة من قوله: "بكرًا فالنجاح في التبكير".

2- لم سمي المجاز في الإسناد مجازًا عقليًّا؟ وهل يجب أن يكون لكل إسناد مجازي فاعل إذا أسند إليه كان الإسناد حقيقة؟ وهل من السهل إدراك هذا الفاعل الحقيقي في كل مجاز عقلي؟ وضح ما تقول بالتمثيل.

3- متى يؤكد الحصر المستفاد من تقديم المسند إليه بكلمة "وحدي"، ومتى يؤكد بكلمة "لا غيري" وإذا كان معنى "وحدي" في قوة معنى "لا غيري" فلم اختصت كل منهما بوجه من التأكيد؟ وما الذي يدل عليه تقديم المسند إليه عند عبد القاهر إذا بني الفعل على منكر، وما فائدة التقديم في قوله تعالى: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} [المائدة: 61].

4- {يَاْ زَكَرِّيَا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} - {يَاْ نِسَاْءِ النَّبِيِ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفُ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ} - {يَاْ إِبْرَاْهِيْمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَاْ إِنَّهُ قَدْ جَاْءَ أَمْرُ رَبِّكَ} - {يَاْ أَيُّهَاْ الْنَاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاْءُ إِلَى اللهِ} - {لَا يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَّنَّةِ}، بين في هذه الآيات حال المخاطب، ونوع الخبر، وما جرى منه على مقتضى ظاهر الحال وما جاء على خلافه.

ج / 2 ص -194- -

له شافع في القلب من كل زلة فليس بمحتاج الذنوب إلى العذر

إن الذي قسم البلاد حباكم بلدًا كأوطان النجوم مجيدا

العلم يجمع في جنس وفي وطن شتى القبائل أجناسًا وأوطانًا

بني عمنا عودوا نعد لمودة فإنا إلى الحسنى سراع التلطف

بين سر تقديم المسند وتنكير المسند إليه في البيت الأول، وتعريف المسند إليه بالموصولية في الثاني، ومجيء المسند جملة في الثالث، وتأكيد الإسناد في الأخير.

-7-

1- يتنوع الخبر باعتبار حال المخاطب فما هذه الأنواع.

متى يكون الكلام مخرجًا على خلاف مقتضى ظاهر الحال -اشرح ذلك مع التمثيل من فصيح الكلام وبيان الحال والمقتضى؟

2- يعرف المسند إليه بالموصولية لدواع: اذكر خمسة منها مع التمثيل؟

بين رأي السكاكي فيما اقتضى إيراد المسند إليه موصولًا في قول الشاعر:

إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول

ورد الخطيب عليه.

3- اذكر باختصار مذهب الشيخ عبد القاهر في تقديم المسند إليه وثلاثة دواع لتقديم المسند مع التمثيل؟

4- "أ" قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِم}.

ج / 2 ص -195- وقال الشاعر:

إذا المرء لم يحتل وقد جد جده أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

وقال الشاعر:

أعمير إن أباك غير رأسه مر الليالي واختلاف الأعصر

في الآية والأبيات المتقدمة مجاز عقلي: بين موضعه وعلاقته وقرينته.

ب- قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَاْ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَاْ دُوْنَ ذَلِكَ}.

قال الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.

قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوْا لِلسَّلْمِ فَاْجْنَحْ لَهَا}.

قال الله تعالى: {وَأنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}.

قال الله تعالى: {فَأَزَلَّهُمِا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}.

بين سر الإتيان بالمسند فعلًا واسمًا، وتقديم المعمول في الآية الأولى. والاتيان بالمسند جملة في الثانية، وبادا في الثالثة، وبان في الرابعة. وحذف المفعول في الخامسة. وتقديم المفعول على الفاعل في السادسة.

حل هذا التطبيق بإيجاز شديد.

جـ1- أنواع الخبر باعتبار حال المخاطب ثلاثة: ابتدائي، طلبي، إنكاري... إلخ.

ج / 2 ص -196- ويكون الكلام مخرجًا على خلاف مقتضى الظاهر. في هذه الصور الثلاث:

1- تنزيل غير السائل منزلة السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بحكم الخبر إلخ.

2- تنزيل غير المنكر منزلة المنكر إلخ.

3- تنزيل المنكر منزلة غير المنكر إلخ.

جـ2- من الدواعي لتعريف المسند إليه بالموصولية ما يلي:

1- عدم المخاطب بالأحوال المختصة بالمسند إليه سوى الصلة... إلخ.

2- استهجان التصريح بالاسم. مثل: الذي يتصل بالأعداء خائن لوطنه، الذي يخرج من الإنسان ناقض للوضوء.

3- زيادة التقرير، مثل وراودته التي هو في بيتها عن نفسه.

4- التفخيم مثل فغشاها ما غشى.

5- تنبيه المخاطب على خطأ مثل:

إن الذين ترونهم إخوانكم يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا

ورأى السكاكي في البيت "إن التي ضربت إلخ" هو أن ذكر الموصول هنا يفيد الإيماء إلى وجه بناء الخبر، وهذا الإيماء ليس بمقصود لذاته بل جعل ذريعة إلى تحقيق الخبر. ورد الخطيب عليه بأنه لا يظهر فرق بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر وتحقيق الخبر، فكيف يجعل الأول ذريعة إلى الثاني؟.

ج / 2 ص -197- جـ3- مذهب عبد القاهر في تقديم المسند إليه، يفيد تقديم المسند إليه التخصيص بشروط هي:

1- أن يكون المسند خبرًا فعليًّا.

2- أن يتقدم على المسند إليه حرف النفي.

3- ألا يفصل بين المسند إليه وحرف النفي بفاصل سواء في ذلك ما إذا كان المسند إليه نكرة أو معرفة ظاهرة أو ضميرًا، مثل: ما محمد قام، ما رجل حضر، ما أنا فعلت هذا.

فإن لم يل المسند إليه حرف النفي فإن كان معرفة مثل أنا فعلت كان القصد إلى الفاعل وينقسم إلى قسمين:

1- ما يفيد تخصيصه بالمسند للرد على من زعم انفراد غيره به أو مشاركته فيه مثل أنا كتبت في حاجتك، فإذا أردت التأكيد قلت للزاعم في الوجه الأول أنا كتبت في حاجتك لا غيري ونحوه، وفي الوجه الثاني أنا كتبت في حاجتك وحدي.

2- ما لا يفيد إلا تقوي الحكم وتقريره في ذهن السامع وتمكنه مثل هو يعطي الجزيل. وكذلك إذا كان الفعل منفيًّا مثل أنت لا تكذب فإنه أشد لنفي الكذب من قولك لا تكذب أو لا تكذب أنت.

هذا كله إذا بني الفعل على معرف، فإن بني على منكر أفاد ذلك تخصيص الجنس أو الواحد بالفعل مثل رجل جاءني أي لا رجلان أو لا امرأة.

أما تقديم المسند فيكون لدواع منها:

1- التشويق إلى ذكر المسند إليه مثل:

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر.

ج / 2 ص -198- 2- التنبيه من أول الأمر على أنه خبر لا نعت مثل:

له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر

3- التفاؤل مثل: سعدت بغرة وجهك الأيام.

4- "أ" تجري من تحتهم: في إسناد تجري إلى ضمير الأنهار مجاز عقلي والأصل يجري الماء في النهر -وعلاقاته المكانية وقرينته معنوية.

جد جده: في الإسناد مجاز عقلي علاقته المصدرية والقرينة معنوية.

غير رأسه مر الليالي واختلاف الأعصر: في الإسناد مجاز عقلي علاقته الزمانية والقرينة معنوية.

ب- الإتيان بالمسند فعلًا في "أفلح" للتقييد بالزمن الماضي على أخصر ما يمكن مع إفادة التجدد.

والاتيان بالمسند اسمًا في "خاشعون" لإفادة عدم التقييد والتجدد.

وتقديم المعمول "في صلاتهم" لإفادة التخصيص أو للاهتمام لكون ذلك مساق الكلام.

الاتيان بالمسند جملة في "إن الله لا يغفر إلخ" لإرادة تقوي الحكم بنفس التركيب.

الاتيان بإذا في الآية لإفادة الشرط في الاستقبال مع إفادة أن الشرط مقطوع بوقوعه -والاتيان بإن في الآية لإفادة الشرط في الاستقبال أيضًا مع إفادة أن الشرط غير مقطوع بوقوعه.

حذف المفعول في الآية لتنزيل الفعل منزلة اللازم بذكر الفعل.

ج / 2 ص -199- ولا ينوي له في نفس مفعول أصلًا؛ لأن الغرض إثبات الفعل في نفسه.

تقديم المفعول على الفاعل في الآية الأخيرة؛ لأن الكلام مسوق للحديث عنهما "آدم وحواء" أولًا فقدم ذكرهما على ذكر الفاعل.

انتهى الجزء الثاني من شرح الإيضاح.

ويليه إن شاء الله الجزء الثالث.

ج / 2 ص -200- فهرست الجزء الثاني:

من كتاب الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني.

الموضوع الصفحة

المقدمة 3

القول في أحوال المسند إليه 4

حذف المسند إليه 4

ذكر المسند إليه 7

تعريف المسند إليه 9

تعريفه بالإضماء 10

تعريفه بالعلمية 12

تعريفه بالموصولية 14

تعريفه بالإشارة 18

تعريفه بالام 21

تعريفه بالإضافة 33

تنكير المسند إليه 35

وصف المسند إليه 39

توكيد المسند إليه 43

بيان المسند إليه 45

الإبدال من المسند إليه 46

العطف على المسند إليه 46

تعقيب المسند إليه بضمير الفصل 49

تقديم المسند إليه 50

مذهب عبد القاهر في إفادة التقديم للتخصيص 53

مذهب السكاكي في إفادة التقديم للتخصيص 64

موضع آخر من مواضع تقديم المسند إليه 73

تأخير المسند إليه 80

خروج المسند إليه على خلاف الظاهر 80

وضع المضمر موضع المظهر 81

وضع المظهر موضع المضمر 82

ج / 2 ص -201- الموضوع الصفحة

الالتفات 85

الأسلوب الحكيم 94

التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي 96

القلب 97

القول في أحوال المسند 103

حذف المسند 103

ذكر المسند 110

إفراد المسند 111

فعليه المسند واسميته 113

تقييد الفعل وعدمه 114

تقييد الفعل بالشرط 116

أن وإذا الشرطيتان 116

"لو" الشرطية 125

تنكير المسند 127

تخصيص المسند وعدمه 127

تعريف المسند 129

جملية المسند 133

تأخير المسند 135

تقديم المسند 135

القول في متعلقات أحوال الفعل 138

حذف المفعول 154

تقديم المفعول على الفعل 162

تقديم بعض معمولات الفعل على بعض 166

بحوث حول متعلقات الفعل 173

البلاغة والتجديد 178

المبرد وأثره في البيان العربي 182

ثعلب وأثره في البيان العربي 188

ابن المعتز وأثره في البيان 189

تطبيقات بلاغية 190

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 3 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة الأولى:

ظهر الجزء الأول والثاني من شرحي على الإيضاح في علوم البلاغة للخطب القزويني "666-739هـ".

فلقيا من عناية العلماء والباحثين والدارسين والمعلمين مالم أكن أحسبه أو أخاله.

وهذا هو الجزء الثالث من هذا الشرح وأوله باب القصر وآخره باب الإيجاز والإطناب والمساواة.

وإني لأحمد الله على توفيقه، وأسأله أن يسدد خطانا، ويلهمنا الرشد والصواب.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

محمد عبد المنعم خفاجي.

ج / 3 ص -4- القول في القصر:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الأصل في الجملة الواحدة أن تؤدي حكمًا واحدًا مقصودًا وقد يتبع هذا الكلام الواحد غرض ومعنى يترتب عليه، ومثل هذا يسمى مستتبعات التراكيب. وقد تؤدي الجملة الواحدة حكمين مقصودين مختلفين بالإيجاب والسلب من طريق الوضع أو من طريق العقل والذوق وهذه هي الجملة التي حكم فيها بثبوت شيء لآخر على جهة الاختصاص وعدم تعدي الأول والثاني أو حكم فيها بسلب شيء عن آخر على جهة الاختصاص كذلك. ومثل هذا الأسلوب يسمى القصر مثل ما محمد إلا شا عر.

2 هذا ومثل: محمد شا عر، وما محمد إلا شاعر.

الأول للخالي، والثاني للمتردد أو للمنكر.

والفرق بين التردد والإنكار: أن المتردد التأكيد له مستحسن والمنكر التأكيد له واجب، والمتردد يؤكد له الكلام بمؤكد واحد. أما المنكر فيؤكد له الكلام بمؤكد أو أكثر وقيل بأكثر من مؤكد. وفي التردد ترك التوكيد ليس خطأ وفي الإنكار يعد خطأ.

وتأكيد الحكم "وهو ثبوت الشعر لمحمد في مثل ما محمد إلا شاعر" هنا بما وإلا -أو بما شابههما أو بغيرهما. وجوبًا أو استحسانًا- مطابقة لمقتضى الحال فهو بلا غة، ومن ثم كان الواجب البحث عنه. ويهمنا هنا في هذا الباب بحث تأكيد الحكم بما وإلا وما شابهما لا بغير ذلك "كأن والقسم ونون التوكيد ولام الابتداء وحروف الزيادة إلخ".

وتأكيد الحكم بما وإلا وما شابههما هو القصر.

3 هذا وبحوث القصر هي:

أ ما هو القصر.

جـ أدوات القصر والفرق بينها.

ب أقسام القصر.

د فائدة القصر.

ج / 3 ص -5-

.......................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4 والقصر في اللغة الحبس، قال تعالى: {حُوْرٌ مَقْصُوْرَاْتٌ فِيْ الخِيَامِ} أي محبوسات. وفي الأساس: قصرته حبسته وقصرت نفسي على هذا إذالم تطمح إلى غيره، وهن قاصرات الطرف أي قصرنه على أزواجهن، وقصر هذه اللقمة على عياله وعلى فرسه إذا جعل درهمًا لهم.

وتقول: قصرت المرأة على أعمال البيت وتربية الأولاد أي حبستها عليه.

فالقصر في اللغة الحبس، وفي الاصطلاح تخصيص شيء "صفة أو موصوف" بشيء "موصوف أو صفة" بطريق مخصوص "ما وإلا وما شابه ذلك مثل إنما والعطف والتقديم وتوسط ضمير الفصل وتعريف المسند أو المسند إليه بلام الجنس" والباء داخلة على المقصور عليه على الأرجح.

كتخصيص محمد بالشعر في قولك: ما محمد إلا شا عر، وتخصيص الشعر بمحمد في قولك ما شاعر إلا محمد، أو قل قصر محمد على الشعر في الأول. وقصر الشعر على محمد في المثال الثاني.

ومعنى التخصيص ثبوت الشيء الثاني دون غيره للشيء الأول.

5 ووجوه بلاغة القصر هي:

الإيجاز -تقرير الكلام وتمكينه في الذهن لدفع ما فيه من إنكار أو شك- الرد على المخاطب في قصري الأفراد والقلب -تعيين المبهم في قصر التعيين- مجاراة الخصم -التعريض- ذكر الواقع في القصر الحقيقي - المبالغة في القصر الادعائي.

6 مراجع باب القصر:

هذا وراجع في القصر: ص252-274 من الدلائل وص125 وما بعدها من المفتاح. وراجع: معنى كلمة التخصيص والاختصاص في 388 و255 جـ1 من ابن السبكي، ودخول الباء بعدها على المقصور وعند السيد على المقصور عليه في ص386 جـ1 الدسوقي و110 جـ2

ج / 3 ص -6- .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و 387 جـ1 ابن يعقوب, 104 المطول و270 جـ2 ابن السبكي و266 جـ2 شروح التلخيص، الاختصاص والقصر بمعنى واحد إلا عند ابن السبكي في 153 جـ2 الدسوقي و155 جـ2 ابن السبكي القصر وهل يجري في الإنشاء في 146 جـ2 الدسوقي، مقام القصر في ص85 من المفتاح، القصر للمسند إليه على المسند وللمسند على المسند إليه ص85 من المفتاح أيضًا.

7 خلاصة للقصر وأقسامه:

أ- القصر تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص.

ب- القصر الحقيقي ما كان تخصيص الشيء بالشيء فيه بحسب الحقيقة وفي نفس الأمر بمعنى عدم مجاوزة الأول والثاني إلى غيره أصلًا.

جـ والقصر الإضافي ما كان التخصيص فيه بحسب الإضافة إلى شيء آخر بمعنى عدم مجاوزة الأول الثاني إلى شيء آخر معين وإن أمكن أن يتجاوزه إلى غيره.

د- قصر الموصوف على الصفة هو ما لم يتجاوز الموصوف فيه تلك الصفة إلى غيرها "من جميع الصفات في الحقيقي أو صفة معينة في الإضافي" مع جواز ثبوت تلك الصفة لغير الموصوف.

هـ وقصر الصفة على الموصوف هو ما لم يتجاوز فيه الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر "أي كل موصوف في الحقيقي أو بعض معين في الإضافي" مع جواز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخرى.

و- الحقيقي صفة على موصوف أو بالعكس وكذلك الإضافي.

ز- القصر الإدعائي ما كان القصر الحقيقي فيه مبنيًّا على الإدعاء والمبالغة بتنزيل غير المذكور منزلة العدم وقصر الشيء على المذكور وحده.

ج / 3 ص -7- أقسام القصر:

القصر حقيقي وغير حقيقي1.

وكل واحد منهما2 ضربان:

قصر الموصوف على الصفة3، وقصر الصفة على الموصوف4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لأن تخصيص الشيء بشيء إما أن يكون بحسب الحقيقة وفي نفس الأمر بألا يتجاوزه إلى غيره أصلًا وهو الحقيقي سواء كان الاختصاص أيضًا كذلك أو لم يكن فيعم القصر الحقيقي والادعائي، وأما أن يكون التخصيص بحسب الإضافة إلى شيء آخر بأن لا يتجاوزه إلى ذلك الشيء وإن أمكن أن يتجاوزه إلى شيء آخر في الجملة وهو غير الحقيقي أو قل هو الإضافي، كقولك ما زيد إلا قائم بمعنى أنه لا يتجاوز القيام إلى القعود، لا بمعنى أنه لا يتجاوزه إلى صفة أخرى أصلًا.

فإذا كان السلب الذي تضمنه القصر عن كل ما عدا المقصور عليه فهو القصر الحقيقي وإلا فهو الإضافي.

والمراد بالحقيقي ليس نسبة إلى الحقيقة بمنى نفس الأمر ولا ضد المجاز، بل المراد ما لوحظ فيه الحقيقة ونفس الأمر بدون ملاحظة حال المخاطب من تردد أو اعتقاد خلاف أو شركة. والإضافي ما لوحظ في الحقيقة ونفس الأمر مع ملاحظة حال المخاطب السابق.

فالقصر الحقيقي بمعنى عدم مجاوزة المقصور المقصور عليه إلى غيره أصلًا.

والإضافي بمعنى عدم مجاوزة المقصور المقصور عليه إلى شيء آخر وإن أمكن أن يتجاوزه إلى غيره.

2 أي من الحقيقي وغيره.

3 وهو ألا يتجاوز الموصوف تلك الصفة إلى صفة أخرى، فإن أراد أي صفة كان القصر حقيقيًّا، وإن أراد إلى صفة معينة كان إضافيًّا، لكن يجوز أن تكون تلك الصفة لموصوف آخر.

4 وهو ألا يتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر =

ج / 3 ص -8- والمراد الصفة المعنوية لا النعت1:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= والمراد جنس الموصوف الصادق بكل موصوف في الحقيقي وببعض معين في الإضافي لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخرى.

ولإيضاح ذلك الفرق بين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف نعرض عليك هذين المثالين:

إنما يدافع عن الوطن الشباب، وإنما الشباب يدافع عن الوطن، المقصور عليه في إنما هو المؤخر فالمثال الأول المقصور عليه هو الشباب. وفي المثال الثاني المقصور عليه المدافعة عن الوطن، والمثال الأول كما ستعلم بعد قصر صفة على موصوف والمثال الثاني قصر موصوف على صفة.

وفي المثال الأول يؤكد المتكلم لمخاطبه استقلال الشباب وحده بالدفاع عن الوطن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك الوا جب، وذلك لا يمنع أن يكون للشباب صفات أخرى غير هذه الصفة من الإقدام والبلاغة إلخ.

وفي المثال الثاني المقصور عليه المدافعة عن الوطن فالشباب لا يقومون بسواها من الأعمال على أنه من الجائز أن يشترك معهم في الدفاع عن الوطن سواهم.

فالجملة الأولى أبلغ في المدح من وجهين:

الأول: أنها تفيد استقلال الشباب بالدفاع وعدم اشتراك أحد معهم فيه.

والثاني: أنها لا تنفي أن يكون للشباب صفات أخرى غير هذه الصفة.

فقصر الصفة على الموصوف أبلغ من قصر الموصوف على الصفة.

1 أي المراد بالصفة هنا الصفة المعنوية أعني المعنى القائم بالغير. لا النعت النحوي وهو التابع الذي يدل على معنى في متبوعه غير الشمول. والمراد نفيه بالكلية أي أنه لا يصح إرادته في باب القصر إذ لا يتأتى قصره بطريق من طرقه.

هذا وبين الصفة المعنوية والنعت النحوي في حد ذاتها عموم من وجه لتصادقهما في مثل "أعجبني هذا العلم"، وتفارقهما في "مثل العلم حسن"و "مررت بهذا الرجل"، فالعلم في المثال الأول صفة معنوية ونعت نحوي معًا، والعلم في المثال الثاني صفة معنوية لا نعت نحوي، والرجل في المثال الثالث نعت نحوي لا صفة معنوية.

وأما نحو قولك ما الباب إلا ساج وما زيد إلا أخوك وما هذا إلا زيد فمن قصر الموصوف على الصفة تقديرًا إذا المعنى أنه مقصور على الإنصاف بكونه ساجًا وأخًا وزيدًا.

ج / 3 ص -9- القصر الحقيقي:

والأول1 من الحقيقي كقولك: "ما زيد إلا كاتب" إذا أردت أنه لا يتصف بصفة غير الكتابة. وهذا لا يكاد يوجد في الكلام2؛ لأنه ما من متصور إلا وتكون له صفات تتعذر الإحاطة بها أو تتعسر.

والثاني منه3 كثير، كقولنا: "ما في الدار إلا زيد"4.

والفرق بينهما5 ظاهر، فإن الموصوف في الأول6 لا يمتنع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 266 من الدلا ئل، وقوله "الأول" أي قصر الموصوف على الصفة.

2 أي حقيقة نعم يوجد ادعاء بتنزيل غير الصفة المثبتة كالعدم، بل هذا "قصر الموصوف على الصفة قصرًا حقيقيًّا" محال؛ لأن للصفة المنفية نقيضًا وهو من الصفات التي لا يمكن نفيها ضرورة امتناع ارتفاع النقيض. مثلًا إذا قلنا "ما زيد إلا كاتب" وأردنا أنه لا يتصف بغيره لزم ألا يتصف بالقيام ولا بنقيضه وهو محال.

3 "الثاني" أي قصر الصفة على الموصوف، "منه" أي من القصر الحقيقي.

4 على معنى أن الحصول في الدار المعينة مقصور على زيد.

5 أي بين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف في الحقيقي.

6 وهو "زيد" في "ما زيد إلا كاتب".

ج / 3 ص -10- أن يشاركه غيره1 في الصفة المذكورة2، وفي الثاني3 يمتنع4. وقد يقصر به5 المبالغة6 لعدم الاعتداد بغير المذكور فينزل منزلة المعدوم7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 من علي وخالد وعمرو.

2 وهي الكتابة.

3 أي وفي المثال الثاني وهو ما في الدار إلا محمد.

4 أي يمتنع مشاركة غيره له في الحصول في الدار.

وهذا فرق واحد بين قصر الموصوف على الصفة وعكسه في القصر الحقيقي، والفرق الثاني أن قصر الموصوف على الصفة ينفي أن يكون للموصوف صفات أخرى غير الصفة المذكورة وقصر الصفة لا ينفي ذلك.

5 "به" أي بالثاني وهو قصر الصفة على الموصوف قصرًا حقيقيًّا، فيكون القصر الادعائي خاصًّا بذلك القسم فلا يوجد في الإضافي ولا في قصر الموصوف على الصفة قصرًا حقيقيًّا.

أو "به" أي بالقصر الحقيقي مطلقًا قصر صفة على موصوف أو قصر موصوف على صفة. فالقصر الحقيقي قسمان: حقيقي تحقيقي، وحقيقي ادعائي.

أو به أي بالقصر مطلقًا: حقيقيًّا أو إضافيًّا، قصر موصوف على صفة أو قصر صفة على موصوف. فكل من هذه الأقسام إما قصر تحقيقي وإما قصر ادعائي هذا ورجوع الضمير المجرور إلى القسم الثاني من الحقيقي كما اختاره السعد أقرب وأنسب بحسب اللفظ والسياق، وإرجاع الضمير إلى الحقيقي مطلقًا أصح وأشمل بحسب المعنى والفائدة لتناوله قسمي الحقيقي معًا، بل إرجاع الضمير إلى مطلق القصر أصح إذ لا مانع من اعتبار الإدعائي في الإضافي. وقيل القصر الإدعائي من مجاز التركيب والأصح أنه حقيقة.

6 أي في كما ل الصفة في ذلك الموصوف فتنفي عن غيره على العموم.

كما يقصد بقولنا ما في الدار إلا زيد أن جميع من في الدار ممن عدا زيدًا في حكم العدم فيكون قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا.

والفرق بين الادعائي والقصر الغير الحقيقي "الإضافي" هو أن القصر الإضافي لا يجعل فيه غير المذكور بمنزلة المعدوم بل يكون المراد أن الحصول في الدار مقصور على زيد بمعنى أنه ليس حاصلًا لعمرو وإن كان حاصلًا لبكر وخالد.

ج / 3 ص -11- ........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة: القصر الادعائي والقصر الإضافي:

يشتركان معًا في جواز اتصاف الموصوف بصفات أخرى غير التي قصر الموصوف عليها "وذلك في قصر الموصوف على الصفة- ما محمد إلا كاتب".

ويفترقان في:

1 الادعائي يعتبر في مفهومه سلب سائر الصفات عن الموصوف "في قصر الموصوف على الصفة".

والإضافي يعتبر فيه سلب بعض ما عدا تلك الصفة عنه.

2 الادعائي لا يعتبر فيه اعتقاد المخاطب بأي نحو ووجه من الوجوه والإضافي يعتبر فيه ذلك.

3 الادعائي يقتضي عدم الاعتداد بسائر الصفات.

والإضافي لا يقتضي ذلك.

ملاحظة: بناء على أن القصر الادعائي من أقسام القصر الحقيقي مطلقًا "قصر صفة على موصوف أو قصر موصوف على صفة" يكون القصر الحقيقي قسمين: حقيقي تحقيقي، وحقيقي ادعائي "وهو الحقيقي مبالغة". وقصر الموصوف على الصفة قصر حقيقيًّا ادعائيًّا موجود قطعًا، بخلاف قصر الصفة على الموصوف قصرًا حقيقيًّا تحقيقيًّا، هذا وقصر الموصوف على الصفة قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا يمكن اعتباره هنا بناء على عدم الاعتداد بباقي الصفات، والأصح كما سبق أن القصر الادعائي كما يكون في الحقيقي يكون في الإضافي وكما يكون في قصر الموصوف على الصفة يكون في قصر الصفة على الموصوف.

فتخصيص بعض العلماء له بقصر الصفة على الموصوف قصرًا حقيقيًّا لا مرجح له.

وهذه هي أمثلة القصر الادعائي:

1

هل الجود إلا أن نجود بأنفس على كل ماضي الشفرتين صقيل

قصر موصوف على صفة قصر حقيقيًّا ادعائيًّا.

2 إنما الشاعر شوقي لا حافظ ولا مطران.

قصر صفة على موصوف قصرًا إضافيًّا ادعائيًّا.

3 إنما شوقي شاعر لا كاتب.

ج / 3 ص -12- القصر الإضافي:

والأول1 من غير الحقيقي تخصيص أمر بصفة دون أخرى2 أو مكان أخرى.

والثاني3 منه4 تخصيص صفة بأمر دون آخر أو مكان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= قصر موصوف على صفة قصرًا إضافيًّا ادعائيًّا.

4

وما سافرت في الأفارق إلا ومن جدولك راحلتي وزادي

قصر صفة على موصوف قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا.

5

وما البأس إلا حمل نفس على السرى وما العجز إلا نومة وتشمس

قصر موصوف على صفة قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا.

1 وهو قصر الموصوف على الصفة.

2 دون صفة أخرى.

3 وهو قصر الصفة على الموصوف.

4 أي من غير الحقيقي.

5 أي دون أمر آخر. وقوله دون آخر معناه متجاوزًا عن الصفة الأخرى فإن المخاطب اعتقد اشتراكه في صفتين والمتكلم يخصصه بإحداهما ويتجاوز عن الأخرى. ومعنى دون في الأصل أدنى مكان من الشيء، يقال هذا دون ذلك إذا كان أحط منه قليلًا ثم استعير للتفاوت في الأحوال والرتب نحو زيد دون عمر في الشرف ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وتخطي حكم إلى حكم. ولقائل أن يقول: أن أريد بقوله دون أخرى ودون آخر دون صفة واحدة أخرى ودون أمر واحد آخر فقد خرج عن ذلك ما إذا اعتقد المخاطب اشتراك ما فوق الاثنين، كقولنا ما زيد إلا كاتب لمن اعتقده كاتبًا وشاعرًا ومنجمًا، وقولنا ما كاتب إلا زيد لمن اعتقد أن الكاتب زيد وعمر وبكر، وإن أريد الأعم من الواحد وغيره فقد دخل في هذا التفسير القصر الحقيقي وكذا الكلام على مكان أخرى ومكان آخر:

ويمكن الجواب بأن المراد بدون أخرى ودون آخر دون معين سواء كان واحدًا أو أكثر مع تعيين، فخرج غير المتعين مما هو مصدوق القصر الحقيقي.

هذا والقصر الإضافي ما لوحظ فيه عدم تجاوز المقصور المقصور عليه إلى بعض معين مما عدا ذلك المقصور عليه وإن أمكن أن يتجاوزه إلى بعض آخر. أما الحقيقي فهو ما لوحظ فيه عدم تجاوز المقصور المقصور عليه إلى جميع ما عدا المقصور عليه.

ج / 3 ص -13- آخر فكل واحد منهما1 ضربان2.

قصر الأفراد:

والمخاطب بالأول3 من ضربي كل4- أعني تخصيص أمر بصفة دون أخرى، وتخصيص صفة بأمر دون آخر- من يعتقد الشركة5، أ ي اتصاف ذلك الأمر6 بتلك الصفة وغيرها جميعًا في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا والقصر الإضافي ما لوحظ فيه عدم تجاوز المقصور المقصور عليه إلى بعض معين مما عدا ذلك المقصور عليه وإن أمكن أن يتجاوزه إلى بعض آخر. أما الحقيقي فهو ما لوحظ فيه عدم تجاوز المقصور المقصور عليه إلى جميع ما عدا المقصور عليه.

1 أ ي من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف.

2 هما التخصيص بشيء دون شيء. والتخصيص بشيء مكان شيء.

3 وهو التخصيص شيء دون شيء - وراجع في ذلك ص125 من المفتاح.

4 أي من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف كما شرحه الخطيب.

5 أي شركة صفتين في موصوف واحد في قصر الموصوف على الصفة، وشركة موصوفين في صفة واحدة في قصر الصفة على الموصوف. فالمخاطب بقولنا "ما زيد إلا كاتب" من يعتقد اتصافه بالشعر والكناية، وبقولنا "ما كاتب إلا زيد من يعتقد اشتراك زيد وعمر في الكتابة.

ملاحظات:

1 المقصور عليه هو ما بعد إلا دائمًا.

2 قوله "والمخاطب بالأول. ومن يعتقد الشركة أي غالبًا وقد يخاطب به من يعتقد أن المتكلم يعتقد الشركة ولو كان المخاطب معتقدًا للانفراد كأن يعتقد مخاطب اتصاف زيد بالشعر فقط ويعلم أنك تعتقد اتصافه بالشعر والكتابة فتقول ما زيد إلا شاعر لتعلمه أنك لا تعتقد اتصافه بالشعر والكتابة فتقول ما زيد إلا شاعر لتعمله أنك لا تعتقد ما يعتقده فيك. وهذا بناء على أن الخبر الغرض منه إفادة الحكم أو أن المخاطب عالم بالحكم -الفائدة أو لازم الفائدة- وفي الأطول "يعتقد الشركة أو يجوزها".

6 وهو الموصوف الواقع مقصورًا في مثل ما زيد إلا عالم وقوله بتلك الصفة أي الواقعة مقصورًا عليه.

ج / 3 ص -14- الأول1، واتصاف ذلك الأمر2 وغيره جميعًا بتلك الصفة3 في الثاني4.

فالمخاطب بقولنا "ما زيد إلا كاتب" من يعتقد أن زيدًا كاتب وشاعر، وبقولنا "ما شاعر إلا زيد" من يعتقد أن زيدًا شاعر لكن يدعي أن عمرًا أيضًا شاعر. وهذا يسمى قصر أفراد، لقطعة الشركة بين الصفتين في الثبوت للموصوف5 أو بين الموصوف وغيره في الاتصاف بالصفة6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي في قصر الموصوف على الصفة.

2 وهو الموصوف الواقع مقصورًا عليه في مثل ما عالم إلا زيد.

3 أي الواقعة مقصورًا.

4 أي في قصر الصفة على الموصوف.

5 في قصر الموصوف على الصفة.

6 في قصر الصفة على الموصوف.

الخلاصة:

1 قصر الأفراد قصر قصد به الرد على من يعتقد ثبوت المقصور لكل من المقصور عليه وبعض ما عداه، أو قل هو قصر قصد به الرد على من يعتقد الشركة.

2 قصر الأفراد. أما قصر موصوف على صفة أو قصر صفة على موصوف.

3 قصر الأفراد فيه تخصيص بشيء دون شيء، تخصيص موصوف بصفة دون صفة أخرى أو تخصيص صفة بموصوف دون موصوف آخر.

4 ومما سبق أن ذكرناه في القصر الادعائي نقول القصر الادعائي كما يوجد في الحقيقي يكون في الإضافي فالقصر الإضافي إما قصر إضافي حقيقة وإما قصر إضافي مبالغة وادعاء.

ملاحظة:

راجع مقام القصر في ص85 و100 و101 و102 من المفتاح ويقول السكاكي: الحالة المقتضية للقصر هي أن يكون عند السامع حكم مشوب بصواب وخطأ وأنت تريد تقرير صوابه ونفي خطئه ص85 من المفتاح.

ج / 3 ص -15- قصر القلب1 والتعيين:

والمخاطب بالثاني2 من ضربي كل3 أعني تخصيص أمر بصفة مكان أخرى وتخصيص صفة بأمر مكان آخر.

أما من يعتقد العكس4، أي اتصاف ذلك الأمر بغير تلك الصفة عوضًا عنها في الأول5، واتصاف غير ذلك الأمر بتلك الصفة عوضًا عنه في الثاني6 وهذا يسمى قصر قلب لقلبه حكم السامع7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو التخصيص بشيء مكان شيء آخر.

2 من القصرين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف.

3 من القصرين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف.

4 أي عكس الحكم الذي أثبته المتكلم، فالمخاطب بقولنا "ما زيد إلا قائم" من اعتقد اتصافه بالقعود بدلًا من القيام، وبقولنا "ما شاعر إلا زيد" من اعتقد أن الشاعر عمرو لا زيد.

وقوله: "من يعتقد العكس" أي أو يعتقد أن المتكلم يعتقد العكس وإن كان هو لا يعتقد العكس، وذلك في لازم الفائدة. وقيل: المراد بالاعتقاد ما يشمل التجويز.

5 أي في قصر الموصوف على الصفة مثل ما محمد إلا كاتب.

6 أي في قصر الصفة على الموصوف مثل ما كاتب إلا محمد.

7 أي كله: أما في الأفراد فالقلب فيه ليس لكل حكم المخاطب بل فيه إثبات البعض ونفي البعض.

ج / 3 ص -16- وأما من تساوى الأمران عنده، أي اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة واتصافه بغيرها في الأول1 واتصافه بها واتصاف غيره بها في الثاني2، وهذا يسمى قصر تعيين.

فالمخاطب بقولنا "ما زيد إلا قائم" من يعتقد أن زيد قاعد لا قائم3 أو يعلم أنه إما قاعد أو قائم ويعلم ولا يعلم أنه بماذا يتصف منهما بعنيه4.

وبقولنا "ما قائم إلا زيد" من يعتقد أن عمرًا قائم لا زيد5. أو يعلم أن القائم أحدهما دون كل واحد منهما، لكن لا يعلم من هو بعينه6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي في قصر الموصوف على الصفة.

ملاحظة: قصر الأفراد والقلب والتعيين خاصة بالقصر الإضافي ولا تجري في الحقيقي كما نص عليه السعد.

والعصام كما في الأطوال يرى أن هذه الأقسام الثلاثة يمكن أن تكون في قصر الصفة على الموصوف قصرًا حقيقيًّا ومثل له بنحو "إنما النجيب من أو لاد على سعيد. ورأي العصام ضعيف لا يعتد به.

2 في قصر القلب قصر موصوف على صفة.

3 أي ي قصر التعيين -قصر موصوف على صفة.

4 أي في قصر القلب -قصر صفة على موصوف.

5 وهذا في قصر التعيين -قصر صفة على موصوف.

6 الخلاصة:

1- قصر القلب قصر قصد به الرد على من يعتقد عكس الحكم الموجود في صيغة القصر.

ج / 3 ص -17- ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 قصر التعيين قصر قصد به تعيين مبهم عند المخاطب وتخصيصه بواحد معين.

3 قصر القلب والتعيين يشتركان في أن:

أ كلا منهما إما قصر موصوف على صفة أو قصر صفة على موصوف.

ب وكلا منهما على مذهب الخطيب في الإيضاح فيه تخصيص بشيء مكان شيء.

فالحاصل على رأي الإيضاح أن التخصيص بشيء دون شيء آخر قصر أفراد أما التخصيص بشيء مكان شيء فإن اعتقد المخاطب فيه العكس فهو قصر قلب وإن تساويا عنده فقصر تعيين. فقصر الأفراد هو التخصيص بشيء دون شيء، وقصر القلب هو التخصيص بشيء مكان شيء، أما قصر التعيين ففيه خلاف: هل فيه تخصيص بشيء مكان شيء أو فيه تخصيص بشيء دون شيء، فالخطيب في الإيضاح يسير على الأول أي أن في قصر التعيين -كالقلب- تخصيصًا بشيء مكان شيء آخر فهو عنده يشترك مع القلب في أن في كل منهما تخصيصًا بشيء مكان شيء، والفرق بينهما أن المخاطب في القلب يعتقد العكس والمخاطب في التعيين متردد. أما السكاكي فيرى في قصر التعيين تخصيصًا بشيء دون شيء ولذلك يجعل التخصيص بشيء دون شيء مشتركًا بين الأفراد والتعيين، أما تخصيص الشيء مكان شيء فهو عنده قصر القلب فقط، والفرق بين قصر الأفراد والتعيين على رأي السكاكي أن قصر الأفراد المخاطب فيه يعتقد الشركة وقصر التعيين المخاطب فيه متردد. أما ابن يعقوب فيجوز أن يصدق على قصر التعيين تعريف قصري الأفراد والقلب، فيكون التعريفان شاملين لقصر التعيين فقصر التعيين عنده كما أن فيه تخصيصًا بشيء مكان شيء ففيه تخصيص بشيء دون شيء.

ورجح السعد رأي السكاكي ونقد رأي الخطيب في الإيضاح بما حاصله أننا لو سلمنا أن في قصر التعيين تخصيصًا شيء بشيء مكان شيء فلا يخفى.

أن فيه تخصيص شيء بشيء دون آخر فإن قولنا ما زيد إلا قائم لمن يردده بين القيام والقعود تخصيص له بالقيام دون القعود.

هذا وكلام الخطيب في متن التلخيص لا يمنع أن يكون قصر التعيين مشتركًا مع قصر الأفراد في أن في كل منهما تخصيصًا بشيء دون شيء حيث قال: "والمخاطب بالأول من ضربي كل من يعتقد الشركة ويسمى قصر أفراد وبالثاني من يعتقد العكس ويمسي قصر قلب أو تساويًا عنده ويسمي قصر تعيين فإذا عطفنا أو تساويا على "يعتقد العكس" كان موافقًا لكلامه في الإيضاح في أن كلا من القلب والتعيين فيه تخصيص بشيء مكان شيء، أما إذا عطفنا "أو تساويا على يعتقد الشركة كان موافقًا لرأي السكاكي -ومخالفًا لكلامه في الإيضاح- في أن كلا من الأفراد والتعيين فيه تخصيص بشيء دون شيء.

وأقرب هذه الآراء رأي السكاكي.

ج / 3 ص -18- شروط القصر:

وشرط قصر الموصوف على الصفة أفرادًا عدم تنافي الصفتين1 حتى تكون منفية في قولنا "ما زيد إلا شاعر" كونه كاتبًا أو منجمًا أو نحو ذلك، لا كونه مفحمًا لا يقول الشعر، ليتصور اعتقاد المخاطب اجتماعهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما في الموصوف حتى تكون الصفة المنفية في قولنا: "ما زيد إلا شاعر" كونه كاتبًا أو منجمًا لا كونه مفحمًا أي غير شاعر؛ لأن الإفحام وهو وجدان الرجل غير شاعر ينافي الشاعرية.

وخص هذا الشرط بقصر الموصوف على الصفة دون قصر الصفة على الموصوف؛ لأن الموصوفات لا تكون إلا متنافية، وقال يس، يشترك في قصر الصفة على الموصوف أفرادًا عدم تنافي الاتصافين فلا يصح قولك: "لا أبا لزيد إلا عمرو"؛ لأن لا يجتمع الموصوفان في وصف الأبوة فلا يتأتى نقص الأفراد.

ج / 3 ص -19- وشرط قصره1 قلبًا تحقق تنافيهما2 حتى تكون المنفية3 في قولنا ما زيد إلا قائم كونه قاعدًا أو جالسا أو نحو ذلك، لا كونه أسود أو أبيض أو نحو ذلك، ليكون إثباتها4 مشعرًا بانتفاء غيرها5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الموصوف على الصفة.

2 أي تنافي الوصفين، أما قصر الصفة على الموصوف قلبًا فلا يشترط فيه تحقق التنافي بل تارة يتحقق وتارة لا.

3 أي الصفة المنفية.

4 أي إثبات الصفة وهي القيام في قولك ما محمد إلا قائم.

5 هي ما قبلها من القعود والجلوس ونحو ذلك: وفي هذا التعليل نظر، حاصله أنه إذا أراد أن إثبات المتكلم هو المشعر بنفي غيرها فأداة القصر مشعرة بذلك من غير حاجة للتنافي وإن أراد أن إثبات المخاطب هو المشعر فلا يتوقف أيضًا على التنافي بل يفهمه المتكلم منه بقرينة أو عبارة. والحاصل أن شرط قصر القلب اعتقاد المخاطب العكس سواء تحقق التنافي أم لا.

هذا وقد أحسن صاحب المفتاح في إهمال هذا الاشتراط، فلم يتعرض له ولا للشرط المذكور في قصر الأفراد؛ لأن قولنا: "ما زيد إلا شاعر" لمن اعتقد أنه كاتب وليس بشاعر قصر قلب على ما صرح به في المفتاح مع عدم تنافي الشعر والكتابة في الواقع، وإن كان المخاطب يعتقد تنافيهما، ومثل هذا خارج عن أقسام القصر الإضافي على رأي المصنف.

الحق هو رأي السكاكي وإن كان بعض العلماء يوافق الخطيب في شرطه في قصر الأفراد، ويوافق السكاكي في عدم اشتراط شرط في قصر القلب، ومنهم الشيخ سليمان نوار في مذكرته في القصر.

أفلا يكون هذا الشرط الذي اشترطه الخطيب ليس شرطًا للصحة بل شرطًا للحسن ليوافق رأيه رأي السكاكي؟ بعيد جدًّا ذلك؛ لأنه لا دلالة للفظ عليه، مع أننا لا نسلم عدم حسن قولنا: "ما زيد إلا شاعر" لمن اعتقده كاتبًا غير شاعر.

وهل يصح أن نقول: أن المراد بالتنافي في كلام الخطيب هو التنافي في اعتقاد المخاطب سواء تنافيا في الواقع أم لا حتى يوافق أيضًا كلام الخطيب رأي السكاكي؟ بعيد أيضًا ذلك.

ج / 3 ص -20- وقصر التعيين أعم 1؛ لأن اعتقاد كون الشيء موصوفًا بأحد أمرين معينين على الإطلاق لا يقتضي جواز اتصافه بهما معًا ولا امتناعه. وبهذا علم أن كل ما يصلح أن يكون مثلًا لقصر الأفراد أو القلب يصلح أن يكون مثالًا للتعيين من غير عكس.

وقد أهمل السكاكي القصر الحقيقي2 وأدخل قصر التعيين في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لأن التنافي بحسب اعتقاد المخاطب معلوم مما ذكره الخطيب من أن قصر القلب هو الذي يعتقد فيه المخاطب العكس، فيكون هذا الاشتراط ضائعًا ويرد مثل هذا أيضًا على قوله "وشرط قصر الموصوف على الصفة أفرادًا عدم التنافي".

2 ولأننا لو فسرنا التنافي بالتنافي في اعتقاد المخاطب لم يصح قول المصنف الآتي في الإيضاح أن "السكاكي لم يشترط في قصر القلب تنافي الوصفين".

1 أي من كل واحد منهما، والعموم باعتبار المحل، أي فقد يوجد فيه التنافي وقد لا يوجد، فلا يشترط فيه التنافي كما لا يشترط فيه عدمه، فكل مثال يصلح لقصر الأفراد والقلب يصلح لقصر التعيين من غير عكس.

2 لم يصرح السكاكي بتقسيمه القصر إلى حقيقي وإضافي، فتوهم الخطيب أنه أهمل ذكر الحقيقي وليس كذلك؛ لأنه قال: "كما في ص125 من المفتاح":

"حاصل معنى القصر راجع إلى تخصيص الموصوف بوصف دون ثان أو بوصف مكان آخر، أو إلى تخصيص الوصف بموصوف دون ثان أو بموصوف مكان آخر" وهذا التفسير شامل للحقيقي وغيره؛ لأن المراد بقوله: "ثان وآخر" ما يصدق عليه أنه ثان أو آخر أعم من أن يكون واحدًا أو أكثر إلى ما لا نهاية إذ لو أريد الواحد لخرج عنه كثير من أمثلة القصر الغير الحقيقي أيضًا. فهذا هو منشأ توهم اختصاص التفسير بغير الحقيقي.

ج / 3 ص -21- قصر الأفراد، فلم يشترط في قصر الموصوف أفرادًا عدم تنافي الصفتين ولا في قصره1 قلبًا تحقق تنافيهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الموصوف.

طرق القصر:

ولقصر طرق:1

1- منها2 العطف. كقولك: في قصر الموصوف على الصفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المذكور هنا أربعة، وغيرهما قد سبق ذكره، كضمير الفصل وتعريف المسند أو المسند إليه بأل الجنسية. وتقديم ما حقه التأخير من المعمولات. وقد يحصل القصر بنحو قولك "زيد مقصور على القيام ومخصوص به"، وبنحو ذلك كالتأكيد غير الشمولي كجاء زيد نفسه أي لا غيره، والتخصيص بلفظ الخصوص والتأكيد ليس داخلًا في القصر الاصطلاحي، وأما القصر بضمير الفصل وبتعريف المسند أو المسند إليه فيمكن أن يجعلا من طريق القصر لكن ترك ذكرهما هنا لاختصاصهما بما بين المسند إليه والمسند مع التعرض لهما فيما سبق، بخلاف العطف والتقديم فإنهما وإن سبقا لكنهما يعمان غير المسند إليه والمسند كالطرق المذكورة هنا.

2 من هذه الطرق -طرق القصر- طريق العطف، أي بلا وبل ولكن. والعطف يكون في القصر الحقيقي والإضافي أيضًا بلا وببل ويفيد القصر اتفاقًا، أما العطف بلكن فظاهر كلام المفتاح والإيضاح في باب العطف أنه يصلح طريقًا للقصر ولم يذكروا مثالًا له. وراجع طريق العطف في المفتاح ص125 وفي الدلائل ص258.

ج / 3 ص -22- أفرادًا: "زيد شاعر لا كاتب"، أو "ما زيد كاتبًا بل شاعر"1 وقلبًا: "زيد قائم لا قاعد" و"ما زيد قاعدًا بل قائم". وفي قصر الصفة على الموصوف -أفرادًا أو قلبًا بحسب المقام- "زيد قائم لا عمرو" أو "ما عمرو قائمًا2 بل زيد".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 مثل يمثل لقصر الأفراد لا تنافي فيها، وذكر له مثالين: مثالًا للعطف بلا، ومثالًا للعطف ببلل، والأول الوصف المثبت فيه معطوف عليه والمنفي معطوف والمثال الثاني بالعكس.

والعطف في "ما زيد كاتبًا بل شاعر" على المحل على مذهب البصريين.

2 لما لم يكن في قصر الموصوف على الصفة مثال الأفراد صالحًا للقلب، لاشتراط عدم التنافي في الأفراد وتحقق التنافي في القلب على زعمه، أو رد للقلب مثالًا يتنافى فيه الوصفان، بخلاف قصر الصفة فإن فيه مثالًا واحدًا يصلح لهما. ولما كان كل ما يصلح لهما يصلح مثالًا لقصر التعيين لم يتعرض لذكره، وهكذا في سائر الطرق.

فإن قلت: إذا تحقق تنافي الوصفين في تقديم قصر القلب فإثبات أحدهما يكون مشعرًا بانتفاء الغير، فما فائدة نفي الغير وإثبات المذكور بطريق الحصر؟ قلت الفائدة فيه التنبيه على رد الخطأ فيه وإن المخاطب اعتقد العكس فإن قولنا "زيد قائم" وإن دل على نفي القعود لكنه خال عن الدلالة على أن المخاطب اعتقد أنه قاعد.

ملاحظات:

1 طريق العطف بجميع حروفه لا يكون إلا للقصر الإضافي، وذهب السعد إلى أنه يكون للقصر الحقيقي أيضًا مثل ما محمد إلا شاعر لا غيره.

2 العطف بلا يكون لقصر القلب والأفراد، قبل ويكون لقصر التعيين، وقال عبد الحكيم: أن قصر التعيين لا يؤدي بطريق العطف لا بلا ولا بغيرها من أدوات العطف مثل بل ولكن. أما لكن فعند السعد لقصر القلب، وعند النحاة لقصر الأفراد، وبعض العلماء يقولون أن النحاة لا يجعلونها للقصر أصلًا وإنما هي للاستدراك فقط، وظاهر كلام السعد في باب القصر أن لكن تأتي لقصر التعيين. ويرى بعض الباحثين أنها صالحة للقلب وللأفراد وللتعيين.

ج / 3 ص -23- 2- ومنها النفي والاستثناء:1

كقولك في قصر الموصوف على الصفة: أفرادًا "ما زيد إلا شاعر"، وقلبًا "ما زيد إلا قائم"، وتعيينًا كقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ}، أي لستم في دعواكم للرسالة عندنا بين الصدق والكذب كما يكون ظاهر المدعي إذ ادعى بل أنتم عندنا كاذبون فيها2.

وفي قصر الصفة على الموصوف بالاعتبارين3 "ما قائم أو ما من قائم أو لا قائم إلا زيد4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع ص125، من المفتاح، 260-262 من الدلائل. هذا وابن السبكي يرى أن الاستثناء يفيد القصر مطلقًا سواء أكان بعد نفي أم لا، والجمهور يقصرون هذا على ما كان بعد نفي. ويلاحظ أن الاستثناء المفرغ هو الذي من طرق القصر أما التام مثل "ما قام القوم إلا زيدًا، فقيل ليس من طرقه. وقيل هو من طرقه "207. الدسوقي".

2 فقد نزل المشركون الرسل منزلة المترددين، مبالغة في إنكارهم لدعوى الرسالة وإعراضهم عن النظر فيها، والظاهر أن الآية من قصر القلب لا التعيين وجعل السكاكي القصر في الآية للأفراد.

3 أي باعتبار قصر الأفراد أو القلب.

4 والكل يصلح مثالًا لقصر التعيين، والتفاوت إنما هو بحسب اعتقاد المخاطب.

ج / 3 ص -24- وتحقيق1 وجه القصر في الأول2 أنه متى قيل "ما زيد" توجه النفي إلى صفته لا ذاته؛ لأن أنفس الذوات يمتنع نفيها وإنما تنفي صفاتها كما بين ذلك في غير هذا العلم، وحيث لا نزاع في طوله وقصره وما شاكل ذلك، وإنما النزاع في كونه شاعرًا أو كاتبًا تناولهما النفي، فإذا قيل: "إلا شاعر" جاء القصر. وفي الثاني3 أنه متى قيل "ما شاعر" فأدخل النفي على الوصف المسلم ثبوته -أعني الشعر- لغير من الكلام فيهما كزيد وعمرو مثلًا، توجه النفي إليهما، فإذا قيل "إلا زيد" جاء القصر.

3- ومنها إنما:4

كقولك في قصر الموصوف على الصفة: أفرادًا إنما زيد كاتب، وقلبًا إنما زيد قائم وفي قصر الصفة على الموصوف بالاعتبارين5 إنما قائم زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع ص126 من المفتاح و230 أو 231 من شروح السيد على المطول.

2 أي قصر الموصوف على الصفة.

3 أي قصر الصفة على الموصوف.

4 راجع ص126 من المفتاح، 252 وما بعدها من الدلائل، 163/ 1 من الكامل للمبرد. هذا وفي الدلائل أن أنما ولا العاطفة -إنما يستعملان في الكلام المعتد به لقصر القلب دون الأفراد. والمصنف جعلهما لقصر القلب والأفراد. هذا وقد ذهب الزمخشري إلى أن "إنما" بالفتح مثل "إنما بالكسر.

5 أي باعتبار الأفراد والقلب.

ج / 3 ص -25- والدليل على أنها تفيد القصر:

1- كونها متضمنة1 معنى ما وإلا، لقول المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّم} بالنصب معناه ما حرم عليكم إلا الميتة، وهو المطابق لقراءة الرفع2، لما مر في باب "المنطلق زيد".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أشار بلفظ التضمن إلى أن "إنما" ليست بمعنى "ما وإلا" حتى كأنهما لفظان مترادفان، إذ فرق بين أن يكون الشيء في معنى الشيء وأن يكون الشيء الشيء على الإطلاق، فليس كل كلام يصلح فيه ما وإلا يصلح فيه إنما وذلك كالأمر الذي شأنه أن ينكر فإنه صالح لما وإلا دون إنما، وكم الزائدة وأحد وعريب فإنها يصلح معها ما وإلا دون إنما.

2 أي رفع الميتة وإن كان طريق القصر في القراءة الأولى إنما وفي الثانية تعريف الطرفين.

وتقرير هذا الكلام أن في الآية ثلاث قراءات: حرم مبنيا للفاعل مع نصب الميتة، ورفعها، وحرم مبنيًّا للمفعول مع رفع الميتة:

فعلى القراءة الأولى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّم} ما في إنما كافة إذ لو كانت موصولة لبقيت "إن" بلا خبر، ولبقي الموصول بلا عائد. وجعلها موصولة والعائد ضمير مستتر والخبر محذوف، والتقدير "إن الذي حرم أي هو الميتة الله تعالى" عكس للمعنى المقصود الذي هو بيان المحرم لا بيان المحرم، فضلًا عما في ذلك من التكلف.

وعلى القراءة الثانية: "إنما حرم عليكم الميتة"، ما موصولة لتكون الميتة خبر، إذ لا يصح ارتفاعها بحرم المبني للفاعل على ما لا يخفى من أن المحرم إنما هو الله تعالى لا الميتة والمعنى أن الذي حرمه الله عليكم هو الميتة. ثم على هذه القراءة لا يصح أن تكون "ما" كافة ورفع الميتة على أنه خبر لمحذوف والمعنى "إنما حرم الله عليكم شيئًا هو الميتة" لما فيه من التكلف ووجه إفادة القصر على القراءة الثانية هو تعريف الطرفين لما مر في تعريف المسند من أن نحو "المنطلق زيد" وزيد المنطلق" سواء جعلت اللام موصولة أو حرف تعريف يفيد قصر الإنطلاق على زيد:

فإذا كانت إنما متضمنة معنى ما وإلا وكان معنى القراءة الأولى ما حرم الله عليكم إلا الميتة كانت مطابقة للقراءة الثانية، وإلا لم تكن مطابقة لها لإفادة القراءة الثانية القصر فمراد السكاكي والمصنف بقراءة النصب والرفع هو القراءة الأولى والثانية في المبنى للفاعل ولهذا لم يتعرضا للاختلاف في لفظ حرم بل في لفظ الميتة رفعًا ونصبًا.

وإما على القراء ة الثالثة: أعني رفع الميتة وحرم مبنيًّا للمفعول، فيحتمل أن تكون ما كافة أي ما حرم عليكم إلا الميتة، وأن تكون موصولة أي أن الذي حرم عليكم هو الميتة، ويرجح كونها موصولة هذا ببقاء أن عاملة على ما هو أصلها والقصر طريقة على الوجه الأول "إنما" وعلى الثاني التعريف، وبعضهم توهم أن مراد السكاكي والمصنف بقراءة الرفع هذه القراءة الثالث فطالبهما بالسبب في اختيار كونها موصولة مع أن الزجاج اختار أنها كافة.

ج / 3 ص -26- 2- ولقول النحاة1 "إنما لإثبات ما يذكر بعدها ونفي ما سواه2.

3- ولصحة انفصال الضمير3 معها4، كقولك "إنما يضرب أنا"، كما تقول "ما يضرب إلا أنا".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الذين أخذوا اللغة من كلام العرب مشافهة.

2 أي سوى ما يذكر بعده ما يقابله؛ لأن الكلام في القصر الإضافي -سواء كان المغاير المنفي مغايرًا لما فيه من المشاركة كما في قصر الأفراد أو لكونه نقيض الحكم كما في سوى الأفراد- أما في قصر الموصوف نحو "إنما زيد قائم" فهو لإثبات قيام زيد ونفي ما سواه من القعود ونحوه، وأما في قصر الصفة نحو إنما يقوم زيد فهو لإثبات قيامه ونفي ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما.

3 أي وجوبًا عند ابن مالك، أو مع عدم الوجوب عند أبي حيان.

4 أي مع أنما مع إمكان وصله، نحو، "إنما يقوم أنا" فإن

ج / 3 ص -27- قال الفرزدق:1

أن الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

وقال عمرو بن معد يكرب:2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الانفصال إنما يجوز عند تعذر الاتصال، ولا تعذر ههنا إلا بأن المعنى "ما يقوم إلا أنا" فيقع بين الضمير وعامله فصل لغرض. ثم استشهد على صحة الانفصال ببيت من هو ممن يستشهد بشعره وهو الفرزدق ولهذا صرح باسمه.

1 راجع البيت في ص126 من المفتاح، 253 و263 و264 من الدلائل الذائد من الذود وهو الطرد. الذمار: العهد، وفي الأساس هو الحامي الذمار إذا حمي ما لو لم يحمه لليم وعنف من حماه وحريمه: "وإنما يدافع" جملة تذييلية والواو اعتراضية فيها معنى التعليل.

والقصر هنا من قصر الصفة على الموصوف.

فلما كان غرضه أن يخص المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير وأخره، إذ لو قال: "وإنما أدافع عن أحسابهم" لصار المعنى أنه يدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم وهو ليس بمقصوده؛ لأنه قصور في المدح مع أن المقام مقام المبالغة.

ولا يجوز أن يقول أنه محمول على الضرورة بأنه لو قيل: وإنما أدافع عن أحسابهم أو مثلي لانكسر البيت؛ لأنه كان يصح أن يقال "إنما أدافع عن أحسابهم أنا" على أن يكون "أنا" تأكيدًا، وليست "ما" موصولة اسم أن "وأنا" خبرها إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ "من" إلى لفظ "ما"؛ لأنه قصور في المدح في مقام يحتاج للمبالغة.

"والشاهد في البيت انفصال الضمير وهو أنا، بعد إنما؛ لأنها بمعنى ما وإلا".

2 البيت في الكتاب لسيبويه "179 جـ1"، 58 صناعتين، 127 مفتاح، 260 دلائل، التقطير الإلقاء على الأرض.

والشاهد في البيت أيضًا انفصال الضمير: أنا، مع إنما.

ج / 3 ص -28- قد علمت سلمى وجاراتها ما قطر الفارس إلا أنا

قال السكاكي1: ويذكر لذلك وجه لطيف يسند إلى علي بن عيسى الربعي وهو أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه، ثم اتصلت بها ما المؤكدة2، لا النافية كما يظنه من لا وقوف له على علم النحو، ناسب أن يضمن معنى القصر؛ لأن القصر ليس إلا تأكيدًا على تأكيد فإن قولك "زيد جاء لا عمرو" لمن يردد المجيء الواقع بينهما يفيد إثباته لزيد في الابتداء صريحًا وفي الآخر ضمنًا.

4- ومنها التقديم:3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 126 من المفتاح.

2 فإن لتأكيد الإثبات وما لتوكيد النفي.

3 أي تقديم ما حقه التأخير، وهذا احتراز عما وجب تقديمه لصدارته كأين ومتى راجع 127 من المفتاح.

ملاحظات:

1 المقصور عليه في التقديم هو المقدم دائمًا. وفي إنما هو المؤخر، وفي ما وإلا هو ما بعد إلا.

2 الذي يقدم أما:

مسند إليه: وقد سبق في باب المسند إليه شرح رأي عبد القاهر والسكاكي فيه، أو مسند وقد سبق في باب المسند، أو قيد من القيود كالمعمول الذي تقدم على الفعل أو غيره، أو بعض المعمولات التي تقدم على بعض.

3- تقديم المسند إليه أو المسند قد يفيد القصر كما سبق في البابين.

4 يلزم من تقديم القيود التخصيص غالبًا مثل:

إلى الله أشكو لا إلى الناس إنني أرى الدهر يفنى والأخلاء تذهب

قصر صفة على موصوف قصر حقيقي تحقيقي.

5 تقديم بعض المعمولات على بعض في إفادته القصر خلاف بين الجمهور وابن الأثير والراجح أنه لا يفيد القصر.

ج / 3 ص -29- كقولك في قصر الموصوف على الصفة: أفرادًا "شاعر هو" لمن يعتقده شاعرًا وكاتبًا، وقلبًا "قائم هو" لمن يعتقده قاعدًا1.

وفي قصر الصفة على الموصوف أفرادًا "أنا كفيت مهمك" بمعنى وحدي لمن يعتقد أنك وغيرك كفيتما مهمة، "وقلبا" أنا كفيت مهمك بمعنى لا غيري لمن يعتقد أن غيرك كفى مهمه دونك كما تقدم2.

فروق بين طرق القصر:

وهذه الطرق تختلف3 من وجوه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ففي المثالين قصر المسند إليه على المسند.

2 ففي المثالين قصر المسند على المسند إليه.

ملاحظه:

تقييد التقديم بما حقه التأخير غير ظاهر على رأي عبد القاهر المصنف من أن تقديم المسند إليه يفيد عندهما القصر حيث كان المسند فعليًّا، إلا أن بني التقييد على الغالب.

هذا وتقديم المعمول على الفعل يفيد القصر غالبًا سواء بقي بعد التقديم على حاله من مفعولية مثلًا أم لم يبق على حاله مثل "أنا كفيت مهمك" على مذهب السكاكي حيث يعتبر "أنا" تأكيدًا.

3 رجع 127 من المفتاح. ويلاحظ أن هذه الطرق تشترك كلها في شيء واحد هو إفادة القصر.

ج / 3 ص -30- الأول: أن دلالة الثلاثة الأولى1 بالوضع 2، دون الرابع3.

والثاني: أن الأصل في الأول4 أن يدل على المثبت والمنفي جميعًا بالنص، فلا يترك ذلك إلا كراهة الإطناب في مقام الاختصار، كما إذا قيل "زيد يعلم النحو والتصريف والعروض والقوافي". "وزيد يعلم النحو وعمرو وبكر وخالد"، فتقول فيهما "زيد يعلم النحو لا غير"، وفي معناه "ليس إلا"، أي "لا غير النحو5".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظة:

من طرق القصر:

تعريف الطرفين: مثل محمد الفائز. والمعرف بلام الجنس هو المقصور مطلقًا تقدم أو تأخر. وضمير الفصل.

1 أي على القصر، وهي. العطف -ما وإلا- إنما.

2 لأن الواضع وضعها لمعان -وهي إثبات المذكور ونفي ما سواه وذلك يفيد القصر، وقيل وضعها للقصر لا لمعان تفيده.

3 وهو التقديم فدلالته على القصر بالذوق والفحوى -أي مفهوم الكلام وما يفهم منه عند البلغاء من الأسرار، بمعنى أنه إذا تأمل صاحب الذوق السليم في الكلام الذي فيه التقديم فهم فيه القصر وإن لم يعرف اصطلاح البلغاء في إفادة التقديم للقصر.

4 وهو طريق العطف.

5 أي لا الصرف ولا العروض، ويكون من قصر الموصوف على الصفة.

ج / 3 ص -31- "ولا غير زيد"1 وأما الثلاثة الباقية2 فتدل بالنص على المنبت دون3 المنفي.

والثالث: أن النفي لا يجامع الثاني4؛ لأن شرط المنفي بلا أن لا يكون منفيًّا قبلها بغيرها5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي لا عمرو ولا بكر. ويكون من قصر الصفة على الموصوف هذا وقد حذف المضاف إليه من غير هنا، وبني غير على الضم تشبهًا بالغايات -قبل وبعد- وذكر بعض النحاة أن "لا" في لا غير ليست عاطفة بل لنفي الجنس.

2 إنما -ما وإلا- التقديم.

3 أي النص على المثبت له الحكم في قصر الصفة والمثبت لغيره في قصر الموصوف. فلا يصرح فيها بالنفي وإنما تدل عليه ضمنًا.

فالنص على المنفي في شيء من الطرق الثلاثة خروج عن الأصل كقولك ما أنا قلت هذا أي لم أقله بل هو مقول لغيري وكقولك "ما زيدًا ضربت" أي لم أضربه وضربه غيري إذ لقصد فيهما قصر الفعل على غير المذكور لا قصر عدم الفعل على المذكور.

4 أي النفي بلا العاطفة فقط لا يجتمع مع الطريق الثاني وهو ما وإلا، أي يجتمع طريق العطف بلا مع طريق ما وإلا في كلام واحد. فلا يصح أن تقول ما زيد إلا قائم لا قاعد. وقد يقع مثل ذلك في كلام غير البلغاء هذا وراجع ذلك في 127 المفتاح، 266 من الدلائل وما بعدها.

5 أي بغير شخصها، سواء كان غير منفي أصلًا أو كان منفيًّا بغير أدوات النفي كالفحوى أو علم المتكلم أو السامع والممتنع ما إذا كان المنفي بها منفيا قبلها بغيرها من أدوات النفي كما وليس ولا التي لنفي الجنس ولا عاطفة أخرى مماثلة للا التي وقع النفي بها. فشرط المنفي بلا إذا إلا يكون منفيًّا قبلها بغيرها من أدوات النفي؛ لأنها موضوعة لأن تنفي بها أو لا ما أو جبته للمتبوع كما في جاء زيد لا عمرو لا لأن تعيد بها النفي في شيء قد نفيت - أي بلفظ ما عنه كل صفة وقع فيها التنازع حتى كأنك قلت ليس هو بقاعد ولا نائم ولا مضطجع ونحو ذلك فإذا قلت لا قاعد فقد نفيت عنه بلا العاطفة شيئًا هو منفي قبلها بما النافية، وكذلك الكلام في ما يقوم إلا زيد.

وقولنا بغيرها يعني من أدوات النفي على ما صرح به في المفتاح وفائدته الاحتراز عما إذا كان منفيًّا بفحوى الكلام أو علم المتكلم أو السامع أو نحو ذلك من الأفعال المتضمنة للنفي كأبى وامتنع.

لا يقال هذا يقتضي جواز أن يكون منفيًّا قبلها بلا العاطفة الأخرى نحو جاءني الرجال لا النساء لا هند؛ لأننا نقول الضمير في "بغيرها" لذلك الشخص أي بغير لا العاطفة التي نفى بها ذلك المنفي، ومعلوم أنه يمتنع نفيه قبلها بها لامتناع أن ينفي شيء بلا قيل الاتيان بها وهذا كما يقال دأب الرجل الكريم ألا يؤذي غيره فهذا نظير ذلك في أن الضمير في كل عائد على الشخص فإن المفهوم من هذا أن لا يؤذي غيره سواء كان ذلك الغير كريمًا أم غير كريم.

ج / 3 ص -32- ويجامع1 إلا خبرين2 فيقال إنما زيد كاتب لا شاعر، وهو يأتيني لا عمرو3؛ لأن النفي فيهما4 غير مصرح به5، كما يقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي النفي بلا العاطفة.

2 أي إنما والتقديم، ويكون القصر مستفادًا منهما، والعطف بلا تأكيد ولا ينسب له القصر لتعينه. وأما إن اجتمع التقديم مع إنما مثل إنما شاعر هو فإن القصر ينسب للتقديم عند الشارح؛ لأنه أقوى وعند السيد لأنما؛ لأنها أقوى.

3 التقديم في هذا المثال عند السكاكي للتقوي أو للتخصيص، وإما على خلاف مذهبه فهو مسند إليه واقع في محله لا تقديم فيه فالتقديم هنا مبني على مذهب السكاكي.

4 أي في الأخيرين: إنما والتقديم.

5 أي فلا يكون المنفي بلا العاطفة منفيًّا بغيرها من أدوات النفي هذا والنفي في النفي والاستثناء مصرح به فلا يصح اجتماع العطف بلا معه؛ لأن المنفي بلا العاطفة حينئذ منفي قبلها بغيرها من أدوات النفي.

ج / 3 ص -33- "امتنع زيد عن المجيء" لا عمر"1.

قال السكاكي2: شرط مجامعته3 للثالث4 أن لا يكون الوصف مختصًّا بالموصوف5: كقوله 6 تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}، فإن كل عاقل يعلم أن الاستجابة لا تكون إلا ممن يسمع، وكذلك قولهم "إنما يعجل من يخشى الفوت".

وقال الشيخ عبد القاهر7:

"لا تحسن مجامعته له8 في المختص9 كما تحسن في غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فإنه يدل على نفي المجيء عن زيد لكن لا صريحًا بل ضمنًا وإنما معناه الصريح هو إيجاب امتناع المجيء عن زيد فيكون لا نفيًا لذلك الإيجاب والتنبيه بقوله امتنع زيد عن المجيء لا عمرو من جهة أن النفي الضمني ليس في حكم النفي الصريح، لا من جهة أن المنفي بلا العاطفة منفي قبلها بالنفي الضمني كما في إنما أنا تميمي لا قيسي، إذ لا دلالة لقولنا امتنع زيد عن المجيء على نفي امتناع مجيء عمرو لا ضمنًا ولا صريحًا.

2 راجع ص127 من المفتاح.

3 أي مجامعة النفي بلا العاطفة.

4 أي إنما. ويلاحظ أن الخطيب يجيز اجتماع لا العطف مع إنما بلا شرط. أما السكاكي فيجيزه بشرط. أما عبد القاهر فيجعل هذا الشرط شرطًا للتحسين لا للصحة.

5 هذا في قصر الصفة على الموصوف، ومثله قصر الموصوف على الصفة فالشرط فيه إلا يكون الموصوف مختصًّا بتلك الصفة فلا يقال إنما المتقي ممتثل أو امر الدين لا الشيطان مثلًا. وهذا الشرط عند السكاكي إنما هو لتحصل الفائدة. وظاهر الكلام جواز ذلك في صورة التقديم.

6 هذا مثال للنفي، أي فلا يصح أن يقال "لا الذين لا يسمعون"؛ لأن الاستجابة لا تكون إلا ممن يسمع ويعقل، بخلاف "إنما يقوم زيد لا عمرو" إذ القيام ليس مما يختص بزيد.

7 راجع 271 من الدلائل.

8 أي مجامعة النفي بلا العاطفة؛ لأنما.

9 أي في الوصف المختص بالموصوف.

ج / 3 ص -34- المختص" وهذا أقرب1:

قيل2: ومجامعته له إما مع التقديم كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر}، وإما مع التأخير كقولك: ما جاءني زيد وإنما جاءني عمرو.

وفي كون هذين مما نحن فيه نظر3.

الرابع4 أن أصل الثاني5 أن يكون ما استعمل فيه مما يجهله المخاطب وينكره 6، كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحًا من بعيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أى إلى الصواب إذ لا دليل على الامتناع عند قصد زيادة التحقيق والتأكيد فالخلاصة أنه:

يجوز اجتماع العطف بلا مع إنما بلا شرط عند الخطيب.

وبشرط أن لا يكون الوصف مختصًّا بالموصوف عند السكاكي.

وعند عبد القاهر يستحسن أن لا يكون الوصف مختصًّا بالموصوف.

2 راجع 271 من الدلائل.

3 لأن الكلام في النفي بلا العاطفة ولا دليل على امتناع نحو "ما زيد إلا قائم ليس هو بقاعد"، وفي التنزيل وما أنت بمسمع من في القبور أن أنت إلا نذير.

ملاحظة:

النفي في جملة تامة يجتمع مع النفي والاستثناء ومع إنما ومع التقديم، مثل إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، ونحو ما جاءني محمود وإنما جاءني سعيد.

أما النفي بلا العاطفة للمفرد فهذا هو ما سبق أن ذكرنا أنه يقارن إنما والتقديم، ولا يصح أن يقارن ما وإلا.

4 راجع 128 المفتاح.

5 أي ما وإلا راجع 255 وما بعدها من الدلائل.

6 يلاحظ أن قصر التعيين لا إنكار فيه، فمجيء الإنكار فيه على خلاف الأصل.

وهذا بخلاف إنما فإن أصلها أن يكون ما استعمل فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره. فالفرق بين الطريقين يكون محل الأول مما يحتاج فيه إلى التأكيد ومحل الثاني مما لا يفتق إلى ذلك، وإلا فلا بد من الجهل والإنكار فيهما، فالمراد بما يجهله أن يكون شأنه مجهولًا وليس المراد الجهل بالفعل فقط؛ لأنه شرط في القصر مطلقًا بأي طريق، ولذلك قالوا إن كلام الخطيب فيه بحت؛ لأن المخاطب إذا كان عالمًا بالحكم ولم يكن حكمه مشوبًا بخطألم يصح القصر بل لا يفيد الكلام سوى لازم الفائدة -وهي أعلام المخاطب أن المتكلم عارف بالحكم-، ثم أجابوا عن ذلك بأن مراده أن وإنما، تكون لخبر من شأنه إلا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى أن إنكاره يزول بأدنى تنبيه لعدم إصراره عليه وعلى هذا يكون موافقًا لما في المفتاح.

ج / 3 ص -35- "ما هو إلا زيد" إذا وجدته يعتقده غير زيد ويصر على الإنكار، وعليه قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّه}.

وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل1 له الثاني2 أفرادًا3 نحو: {ومَا محَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. [آل عمران: 144]، أي أنه صلى الله عليه وسلم مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الهلاك4 نزل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه 5، ونحوه: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي لذلك المعلوم.

2 أي ما وإلا.

3 أي حالة كونه قصر أفراد.

4 فالمخاطبون وهم الصحابة كانوا عالمين بكونه مقصورًا على الرسالة غير جامع بين الرسالة والخلود، وهو التبري من الهلاك والموت لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه وموته أمرًا عظيمًا نزل استعظامهم لموته منزلة إنكارهم إياه.

5 فالقصر في الآية قصر أفراد مبني على التنزيل المذكور تنزيل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي هو الأنباء بعظم موته صلى الله عليه وسلم، في نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه، صلى الله عليه وسلم، معهم وهي من قصر الموصوف على الصفة، ومن العلماء من يجعل الآية قصر قلب وتقديره عندهم وما محمد إلا رسول لا إله، نزل استعظامهم موته منزلة دعوى ألوهيته واعتقاد الألوهية ينافي اعتقاد الرسالة، وهذا وجه بعيد. ومنهم من يرى أن القصر فيها قصر قلب لكن بملاحظة الوصف وهو وقد خلت من قبله الرسل. والتقدير. وما محمد إلا رسول يخلو كما خلت قبله الرسل وليس رسولًا لا يخلوكما خلت من قبله الرسل أي هو رسول يموت كغيره وذلك بتنزيلهم منزلة من يعتقد أنه رسول يخلد ولا يموت، هذا وراجع الآية في 125 المفتاح.

ج / 3 ص -36- فإنه صلى الله عليه وسلم كان لشدة حرصه على هداية الناس يكرر دعوة الممتنعين على الإيمان ولا يرجع عنها، فكان في معرض من ظن أنه يملك مع صفة الإنذار إيجاد الشيء فيما يمتنع قبوله إياه1 أو قلبًا كقوله تعالى حكاية عن بعض الكفار: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أي أنتم بشر لا رسل، نزلوا المخاطبين منزلة من ينكر أنه بشر، لاعتقاد القائلين أن الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة2، وأما قوله تعالى حكاية عن الرسل: {إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11]، فمن مجاراة الخصم للتبكيت والإلزام والإفحام، فإن من عادة من ادعى عليه خصمه الخلاف في أمر هو لا يخالف فيه أن يعيد كلامه على وجهه، كما إذا قال لك من يناظرك "أنت من شأنك كيت وكيت"، فتقول: نعم أنا من شأني كيت وكيت ولكن لا يلزمني من أجل ذلك ما ظننت أنه يلزم، فالرسل عليهم السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فالآية قصر موصوف على صفة قصر أفراد مبني على التنزيل، تنزيل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي اقتضاه المقام.

وراجع الآية في 128 مفتاح، 257 دلائل.

2 فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين لاعتقاد القائلين -وهم الكفار- أن الرسول لا يكون بشرًا مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة، فنزلهم القائلون منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا اعتقادًا فاسدًا من التنافي بين الرسالة والبشرية فقالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}، أي مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها، فالآية من قصر الموصوف على الصفة قصرًا إضافيًّا -قصر قلب، قيل ويمكن أن تكون الآية قصر أفراد جريًا على الظاهر من غير تنزيل، أي ما اجتمعت لكم البشرية والرسالة، أو قصر قلب بلا تنزيل أيضًا أي أنتم بشر مثلنا لا بشر أعلى منا بالرسالة. هذا وراجع الكلام على الآية في ص128 من المفتاح 256 من الدلائل.

ج / 3 ص -37- كأنهم قالوا إن ما قلتم من أنا بشر مثلكم هو كما قلتم لا ننكره ولكن ذلك لا يمنع أن يكون الله تعالى قد من علينا بالرسالة1... وأصل الثالث2 أن يكون ما استعمل له مما يعلمه المخاطب ولا ينكره على عكس الثاني، كقولك: "إنما هو أخوك"، "وإنما هو صاحبك القديم" لمن يعلم ذلك ويقر به وتريد أن ترققه3 عليه وتنبهه لما يجب عليه من حق الأخ وحرمة الصاحب، وعليه قول أبي الطيب "في كافور"4:

إنما أنت والد والأب القا طع أحنى من واصل الأولاد

لم يرد أن يعلم كافورًا أنه بمنزلة الوالد، ولا ذاك مما يحتاج كافور فيه إلى الإعلام ولكنه أراد أن يذكره منه بالأمر المعلوم ليبني عليه استدعاه ما يوجبه... وقد ينزل المجهول لمنزلة المعلوم5 لادعاء المتكلم ظهوره فيستعمل له الثالث6، نحو: {إِنَّمَا نَحْنُ7 مُصْلِحُون} ادعوا أن كونهم مصلحين ظاهر جلي، ولذلك جاء: {أَلا إِنَّهُمْ هُم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فلهذا أثبتوا البشرية لأنفسهم، وأما إثباتها بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم.

2 أي إنما. والثاني أي الطريق الثاني "وهو ما وإلا".

3 أي أن يجعل من يعلم ذلك رقيقًا مشفقًا على أخيه، والأولى بناء على ما ذكرنا -من أن إنما تستعمل في مجهول شأنه أن لا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى إن إنكاره يزول بأدنى تنبيه- أن يكون هذا المثال من الإخراج لا على مقتضى الظاهر، فيكون المصنف لم يمثل لإخراج إنما على مقتضى الظاهر.

4 راجع البيت والكلام عليه في الدلائل ص254.

5 فإنما موضوعه للقصر في:

1- الحكم المعلوم الذي لا ينكر والغرض منها حينئذ التعريض.

2- الحكم المجهول الذي يدعي أن فيه فضل انكشاف وجلاء، والغرض منها حينئذ الرد على المخاطب أو التعريض.

هذا رأي عبد القاهر. والسكاكي يرى أنها لا تستعمل إلا في الثاني.

6 أي إنما.

7 راجع 274 من الدلائل.

ج / 3 ص -38- المفسدون" للرد عليهم مؤكدًا بما ترى: من جعل الجملة اسمية وتعريف للخبر1 باللام وتوسيط الفصل والتصدير بحرف التنبيه ثم بأن، ومثله قول الشاعر2:

إنما مصعب شهاب من الل ـه تجلت عن وجهه الظلماء

ادعى أن كون "مصعب" كما ذكر جلي معلوم لكل أحد، على عادة الشعراء إذا مدحوا أن يدعوا في كل ما يصفون به ممدوحيهم الجلاء وأنهم قد شهروا به حتى أنه لا يدفعه أحد، كما قال الآخر3:

وتعذلني أفناء سعد عليهم وما قلت إلا بالتي علمت سعد

وكما قال البحتري4:

لا أدعي لأبي العلاء فضيلة حتى يسلمها إليه عداه

"الخامس":

واعلم: أن لطريق "إنما"5 مزية على العطف، وهي أنه يعقل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الدال على الحصر أي قصر المسند على المسند إليه والمعنى لا مفسد إلا هم كما تقرر من أن تعريف الخبر وضمير الفصل لقصر المسند على المسند إليه.

2 عبيد الله بن قيس بن الرقيات في مصعب بن الزبير بن العوام: والبيت في المفتاح ص128 وفي الدلائل ص255 وص24 جـ1 من العقد الفريد، 399 جـ1 من الكامل للمبرد.

وتجلت: أي تكشفت.

3 وهو الحطيئة. سعد قبيلة. أفناء: جماعات، جمع فيء. وراجع البيت في 153 جـ4 زهر الآداب، 128 المفتاح، 255 الدلائل.

4 البيت في الدلائل ص255 و376 وفي المفتاح أيضًا ص128.

5 ومثلها في ذلك التقديم وما وإلا.

وهذا يعتبر فرقًا آخر بين طريق القصر. وراجع في ذلك 258 من الدلائل.

ج / 3 ص -39- منها1 إثبات الفعل لشيء ونفيه عن غيره دفعة واحدة بخلاف العطف2.

"مواقع إنما"3:

وإذا استقريت وجدتها أحسن ما يكون موقعًا إذا كان الغرض بها التعريض4 بأمر هو مقتضى معنى الكلام بعدها، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أو لُو الْأَلْبَاب}، فإنه تعريض بذم الكفار وإنهم من فرط الغباء وغلبة الهوى عليهم في حكم من ليس بذي عقل فأنتم في طمعكم منهم أن ينظروا ويتذكروا كمن طمع في ذلك من غير أو لي الألباب، وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}، المعنى على أن من لم تكن له هذه الخشية فكأنه ليس له أذن تسمع وقلب يعقل فالإنذار معه كلا إنذار.

قال الشيخ عبد القا هر: ومثل ذلك. من الشعر قوله:

أنا لم أرزق محبتها إنما للعبد ما رزقا5

فإنه تعريض بأنه قد علم أنه لا مطمع له في وصلها فيئس من أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من إنما.

2 فإنه يفهم منه أو لًا الإثبات ثم النفي نحو زيد قائم لا قاعد وبالعكس نحو ما زيد قائمًا بل قاعدًا.

3 راجع 272-274 من الدلائل.

4 وهو استعمال الكلام في معناه ملوحًا به إلى غيره ليفهم منه معنى آخر وسر ذلك أنها لإفادة حكم معلوم أو من شأنه أن يكون معلومًا وذلك لا يهم المخاطب بخلاف المعنى الآخر الملوح إليه فإنه أهم لكون المخاطب جاهلًا به.

5 البيت للعباس بن الأحنف. وهو في الدلائل ص272.

ج / 3 ص -40- يكون منها إسعاف به، وقوله1:

وإنما يعذر العشاق من عشقا

يقول ينبغي للعاشق أن لا ينكر لوم من يلومه، فإنه لا يعلم كنه بلوى العاشق، ولو كان قد ابتلي بالعشق مثله لعرف ما هو فيه فعذره وقوله2:

ما أنت بالسبب الضعيف وإنما نجح الأمور بقوة الأسباب

فاليوم حاجتنا إليك وإنما يدعى الطبيب لساعة الأوصاب

يقول في البيت الأول أنه ينبغي أن أنجح في أمري حين جعلتك السبب إليه، وفي الثاني أنا قد طلبنا الأمر من جهته حين استعنا بك فيما عرض لنا من الحاجة، وعولنا على فضلك كما أن من عول على الطبيب فيما يعرض من السقم كان قد أصاب في فعله.

"قصر الفاعل على المفعول وعكسه3":

ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر كما ذكرنا يقع بين الفعل والفاعل وغيرهما 4، ففي طريق النفي والاستثناء يؤخر المقصور عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو أيضًا للعباس بن الأحنف وهو من قصر الصفة على الموصوف.

2 هو أحمد بن أبي دؤاد "راجع ص4 ملحق الفهرست لابن النديم"، أو الباخرزي، أو محمد بن أحمد بن سليمان كما في معجم الشعراء ص447. والبيتان في الدلائل ص273. السبب: ما يتوصل به إلى غيره. الأوصاب: جمع وصب وهو المرض.

3 را جع 125 و129 من المفتاح، 265 من الدلائل.

4 كالفاعل والمفعول نحو ما ضرب زيد إلا عمرًا وما ضرب عمرًا إلا زيد، وكالمفعولين نحو ما أعطيت زيدًا إلا درهمًا وما أعطيت درهمًا إلا زيدًا وغير ذلك من المتعلقات ما عدا المصدر المؤكد فإنه لا يقع القصر بينه وبين الفعل إجماعًا وما عدا المفعول معه والنسق.

ج / 3 ص -41- مع حرف الاستثناء1، كقولك في قصر الفاعل على المفعول أفرادًا أو قلبًا بحسب المقام ما ضرب زيد إلا عمرًا، وعلى الثاني2 لا الأول قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أمَرْتَنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [الأنعام: 117]؛ لأنه ليس المعنى أني لم أزد على ما أمرتني به شيئًا3 إذ ليس الكلام في أنه زاد شيئًا على ذلك أو نقص منه، ولكن المعنى أني لم أترك ما أمرتني به أن أقول لهم إلى خلا فه4؛ لأنه قاله في مقام اشتمل على معنى أنك يا عيسى تركت ما أمرتك أن تقوله إلى ما لم آمرك أن تقول، فإني أمرتك أن تدعو الناس إلى أن يعبدوني ثم إنك دعوتهم إلى أن يعبدوا غيري بدليل قوله تعالى: {أأنْتَ قُلْتَ لِلنَّاس اتَّخِذُونِي وَأمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَال} [المائدة: 116]، وفي قصر5 المفعول على الفاعل "ما ضرب عمرًا إلا زيد6"، وفي قصر المفعول الأول على الثاني في نحوكسوت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لو أريد القصر على الفاعل قيل ما ضرب عمرًا إلا زيد ولو أريد القصر على المفعول ما ضرب زيد إلا عمرًا.

2 أي قصر القلب: والأول هو قصر الأفرا د.

3 أي حتى يكون القصر للأفراد.

4 أي فالقصر هنا للقلب.

ملاحظة:

قصر الفاعل على المفعول مثل ما ضرب زيد إلا عمرًا، يحتمل أن يكون من قصر الصفة على الموصوف أو من قصر الموصوف على الصفة: فعلى أنه قصر صفة على موصوف يكون التقدير ما مضروب زيد إلا عمرو وعلى أنه قصر موصوف على صفة يكون التقدير ما زيد إلا ضارب عمرو فيجوز تقديره على حصر فعله في المفعول أو حصر الفاعل في فعله المتعلق بالمفعول.

5 راجع ص129 من المفتاح.

6 وهذا أيضًا يحتمل أن يكون من قصر الصفة على الموصوف أو من قصر الموصوف على الصفة.

فعلى أنه من قصر الصفة على الموصوف يكون التقدير ما ضارب عمرو إلا زيد.

وعلى أنه من قصر الموصوف على الصفة يكون التقدير ما عمرو إلا مضروب زيد فيجوز تقدير حصر فعله في الفاعل أو حصر المفعول في فعله المتعلق بالفاعل.

ج / 3 ص -42- وظننت في ما كسوت زيدًا إلا جبة، "وما ظننت زيدًا إلا منطلقًا" وفي قصر الثاني على الأول ما كسوت جبة إلا زيدًا وما ظننت منطلقًا إلا زيدًا، وفي قصر ذي الحال على الحال ما جاء زيد إلا راكبًا وفي قصر الحال على ذي الحال ما جاء راكبًا إلا زيد.

والوجه1 في جميع ذلك أن النفي في الكلام الناقص أعني الاستثناء المفرغ2 يتوجه إلى مقدر3 هو مستثنى منه عام4 مناسب للمستثنى في جنسه5 وصفته6. أما توجهه إلى مقدر هو مستثنى منه فلكون إلا للإخراج واستدعاء الإخراج مخرجًا منه، وأما عمومه فليتحقق الإخراج منه، ولذلك قيل تأنيث المضمر في كانت على قراءة أبي جعفر المدني إن كانت إلا صيحة بالرفع وفي ترى مبنيًّا للمفعول في قراءة الحسن فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم برفع مساكنهم، وفي بقيت في بيت ذي الرمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الوجه والسبب في إفادة ما وإلا القصر فيما بين المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك، وهذا تعليل ثان لسر إفادة ما وإلا القصر والتعليل الأول قد سبق عند قوله "وتحقيق وجه القصر في الأول أنه متى قيل ما زيد إلخ".

2 وهو ما حذف فيه المستثنى منه وتخصيص المفرغ بالذكر؛ لأن التام ليس من طريق الحصر بل بمنزلة إفادة الحصر بغير أداة، ولو قيل باستوائها في إفادة القصر لما كان ذلك رأيًا بعيدًا.

3 أي في المعني لا في الصناعة.

4 ليتناول المستثنى وغيره فيتحقق الإخراج.

5 بأن يقدر في نحو ما ضرب إلا زيد ما ضرب أحد وفي نحو ما كسوته إلا جبة ما كسوته لباسًا إلخ.

6 يعني في الفاعلية والمفعولية والحالية ونحو ذلك.

ج / 3 ص -43- وما بقيت إلا الضلوع الجراشع1 للنظر إلى ظاهر اللفظ. والأصل التذكير لاقتضاء المقام معنى شيء من الأشياء. وأما مناسبته2 في جنسه وصفته فظاهرة؛ لأن المراد بجنسه أن يكون في نحو "ما ضرب زيد إلا عمرًا، أحدًا"3، وفي نحو قولنا "ما كسوت زيدًا إلا جبة لباسًا" وفي نحو ما جاء زيد راكبًا، كائنًا على حال من الأحوال" وفي نحو "ما اخترت رفيقًا إلا منكم" من جماعة من الجماعات، ومنه قول السيد الحميري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع البيت في المفتاح ص129 وصدره:

طوى النجز والأجراز ما في غروضها

طوى أضمر. النجز: الدفع والنخس. الأجراز جمع جرز وهي الأرض اليابسة غروضها أي أحزمتها جمع غرض بفتح فسكون. الجراشع المنتفخة الغليظة جمع جرشع بضم الجيم والشين.

2 أي مناسبة المستثنى منه المقدر للمستثنى المذكور.

3 أحدًا، خبر يكون واسمها مقدر تقديره أن يكون المقدر أحدًا.

ملاحظات:

1 معنى قصر الفاعل على المفعول كما سبق قصر الفعل المسند إلى الفاعل بعد تحويل صيغته إلى اسم المفعول -على المفعول فيكون قصر صفة على موصوف.

أو قصر الفاعل على الفعل المتعلق بالمفعول فيكون قصر موصوف على صفة أو قصر الفعل على المفعول بتأويل أنه مقصور على تعلقه

وارتباطه بذلك المفعول.

2 ومعنى قصر المفعول على الفاعل قصر الفعل المتعلق بالمفعول على الفاعل فيكون قصر صفة على موصوف.

أو قصر المفعول على الفعل المتعلق بالفاعل فيكون قصر موصوف على صفة.

3 وعلى هذا قياس البواقي فإنها ترجع أيضًا إلى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف، وتكون مثلهما قصرًا حقيقيًّا وإضافيًّا: أفرادًا وقلبًا وتعيينًا، ولا يخفى اعتبار ذلك.

4 المقصور عليه في ما وإلا هو الواقع بعد إلا والسر في تأخيره أن القصر أثر على الحرف "إلا" ويمتنع ظهور أثر الحرف قبل وجوده.

5 قصر المسند إليه على الخبر وعكسه واضحان لا خفاء فيهما.

ج / 3 ص -44- لو خير المنبر فرسانه ما اختار إلا منكم1 فارسًا

لما سيأتي إن شاء الله تعالى أن أصله "ما اختار فارسًا إلا منكم والمراد بصفته كونه فاعلًا أو مفعولًا أو ذا حال أو حالًا، وعلى هذا القياس. وإذا كان النفي متوجهًا إلى ما وصفناه فإذا أو جب2 منه شيء جاء القصر3.

هل يقدم المقصور عليه مع إلا؟4.

ويجوز تقديم المقصور عليه مع حرف الاستثناء بحالهما5 على المقصور، كقولك، ما ضرب6 إلا عمرًا زيد، وما ضرب إلا زيد عمرًا7 وما كسوت إلا جبة زيدًا، وما ظننت إلا زيدًا منطلقًا، وما جاء إلا راكبًا زيد، وما جاء إلا زيد راكبًا. وقولنا "بحالهما" احتراز من إزالة حرف الاستثناء عن مكانه بتأخيره عن المقصور عليه، كقولك في الأول8 ما ضرب عمرًا إلا زيدًا، فإنه يختل المعنى9 فالضابط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع ص130 من المفتاح.

2 أي من ذلك المقدر. وراجع ذلك في 130 من المفتاح، 369 من الدلائل.

3 ضرورة بقاء ما عداه على صفة الانتفاء.

4 راجع 130 مفتاح، 269 من الدلائل.

5 وهو أن يلي المقصور عليه الأداة.

6 في قصر الفاعل على المفعول.

7 في قصر المفعول على الفاعل.

8 وهو ما ضرب إلا عمرًا زيد.

9 ويؤدي ذلك إلى انعكاس المقصود:

لأن الصفة المقصورة على الفاعل في قصر المفعول على الفاعل، ومثلها الصفة المقصورة على المفعول في قصر الفاعل على المفعول، وهي الفعل الواقع على المفعول لا مطلق الفعل فلا يتم المقصود قبل ذكر قصر الصفة لزم ما ذكر، وأما إن كانا من قصر الموصوف لزم على التقديم المفعول فلا يحسن قصره فإن كان قصر الفاعل على المفعول وعكسه من تأخير الموصوف عن جميع الصفة.

ج / 3 ص -45- أن الاختصاص إنما يقع في الذي يلي إلا. ولكن استعمال هذا النوع أعني تقديمها قليل1، لاستلزامه، قصر الصفة قبل تمامها كالضرب الصادر من زيد في ما ضرب زيدًا إلا عمرًا والضرب الواقع على عمرو في ما ضرب عمرًا إلا زيد2.

وقيل إذا أخر المقصور عليه والمقصور عن إلا وقدم المرفوع كقولنا ما ضرب إلا عمرو زيدًا، فهو على كلامين وزيدًا منصوب بفعل مضمر، فكأنه قيل ما ضرب إلا عمرو أي ما وقع ضرب إلا منه، ثم قيل من ضرب فقيل زيدًا أي ضرب زيداً. وفيه نظر لاقتضائه الحصر في الفاعل والمفعول جميعًا3.

"موقع المقصور عليه في "إنما":

وأما في إنما فيؤخر المقصور عليه تقول إنما زيد قائم4 وإنما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وإنما جاز التقديم على قلة نظرًا إلى أنها في حكم التام باعتبار ذكر المتعلق في الآخر.

2 راجع 269 من الدلائل.

3 وذلك؛ لأن "من ضرب" لإيهامه استفهام عن جميع من وقع عليه الفعل، حتى أنك إذا ضربت زيدًا وعمرًا وبكرًا فقيل لك "من ضرب؟ فقلت "زيدًا" لم يتم الجواب حتى تأتي بالجميع، فعلى هذا لا يكون غير عمرو في المثال المذكور مضروبًا لزيد ولم يقع ضرب إلا من زيد فيكون القصر في الفاعل والمفعول جميعًا.

4 فيكون القيد الأخير -وهو ما كان في الآخر جزءًا بالذات عمدة أو فضله، لا ما كان مذكورًا في آخره فقط، فإن الموصول المشتمل على قيود متعددة جزء واحد- الواقع بعد إلا فيكون هو المقصور عليه.

هذا وراجع ذلك في الدلائل ص262، 265.

ج / 3 ص -46- ضر زيد عمرًا، وإنما ضرب زيد عمرًا يوم الجمعة، وإنما ضرب زيد عمرًا يوم الجمعة في السوق، أي ما زيد إلا قائم، وما ضرب إلا زيد وما ضرب زيد إلا عمرًا، وما ضرب زيدًا عمرًا إلا يوم الجمعة وما ضرب زيد عمرًا يوم الجمعة إلا في السوق، فالواقع أخيرًا هو المقصور عليه أبدًا، ولذلك1 تقول إنما هذا لك وإنما لك هذا، أي ما هذا إلا لك وما لك إلا هذا، حتى إذا أردت الجمع بين إنما والعطف فقل إنما هذا لك لا لغيرك، وإنما لك هذا لا ذاك، وإنما أخذ زيد لا عمرو وإنما زيد يأخذ لا يعطي ومن هذا تعثر على الفرق بين قوله2 تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 18]، وقولنا: "إنما يخشى العلماء من عباده الله"، فإن الأول يقتضي قصر خشية الله على العلماء، والثاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 130 مفتاح، 265 من الدلائل.

2 راجع ص130 من المفتاح، 261 من الدلائل:

ملاحظة لا يجوز تقديم المقصور عليه بإنما على غيره للإلباس، وإنما جاز ذلك في ما وإلا على قلة لعدم الإلباس بناء على أن المقصور عليه هو المذكور بعد إلا سواء قدم على المقصور أو أخر عنه، وههنا ليس إلا مذكورًا بل الكلام متضمن لمعناه، فلو قلنا في إنما ضرب زيد عمرًا إنما ضرب عمرًا زيد انعكس المعنى، بخلاف ما إذا قلنا في ما ضرب زيد إلا عمرًا ما ضرب إلا عمرًا زيد فإنه يعلم أن المقصور عليه هو المذكور بعد "إلا" قدم أو أخر.

وههنا نظر وهو أن تقديم المقصور عليه جائز مع إنما إذا كان نفس التقديم مفيد للقصر، كما في قولنا "إنما زيد ضربت" فإنه لقصر الضرب على زيد قال أبو الطيب:

أساميا لم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها

أي: ما ذكرناها إلا للذة. ويمكن الجواب بأن الكلام فيما إذا كان القصر مستفادًا من "إنما" وهذا ليس كذلك.

هذا وقد يقدم المقصور عليه مع إنما أيضًا لعارض نحو إنما قمت أي لا أني قعدت فحصر الفاعل في الفعل مع تقديم الفعل لعدم صحة تقديم الفاعل عليه.

ج / 3 ص -47- مقتضى قصر خشية العلماء على الله. واعلم أن حكم "غير" حكم إلا في إفادة القصرين، أي قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف2 وفي امتناع مجامعة لا العاطفة3، تقول في قصر الموصوف أفرادًا ما زيد غير شاعر، وقلبًا ما زيد غير قائم، وفي قصر الصفة بالاعتبارين بحسب المقام لا شاعر غير زيد، ولا تقول ما زيد غير شاعر لا كاتب ولا شاعر غير زيد لا عمرو.

"والله تعالى أعلم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 130 من المفتاح، 268 من الدلائل. هذا ومثل "غير" سوى.

2 أي أفرادًا وقلبًا وتعيينًا، وتكون للقصر الحقيقي أيضًا.

3 لما سبق من أن شرط المنفي بلا أن لا يكون منفيًّا قبلها بغيرها. فلا يصح ما زيد غير شاعر لا كاتب ولا ما شاعر غير زيد لا عمرو.

ملاحظات:

1 من طريق القصر تعريف المبتدأ كما في "المنطلق زيد" على قول، وتعريف الخبر كما في "زيد المنطلق"، فإن اللام هنا تفيد انحصار المخبر به في المخبر عنه. واللام لتعريف المعهود السابق أو لتعريف الحقيقة فيكون وضعه مفيدًا للقصر. وما دخلت عليه أل فهو المقصور فإن دخلت على الطرفين احتمل كل أن يكون هو المقصور وقيل المبتدأ هو المقصور. وراجع أل وإفادتها للقصر في المطول ص175.

2 ضمير الفصل يفيد القصر فهو لقصر المسند على المسند إليه.

3 المقصور عليه في العطف ببل ولكن هو ما بعدهما وأما في العطف بلا فهو المقابل لما بعدها "المعطوف عليه المتقدم".

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 3 ص -51- القول في الإنشاء1:

الإنشاء ضربان:

طلب وغير طلب2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع المطول 27، شروح التلخيص ص165 جـ1. والكلام في هذا الباب في المفتاح ص131.

وباب الإنشاء تجد في نقد النثر لقدامة بحوثًا كثيرة متصلة به.

هذا والإنشاء قد يطلق على نفس الكلام الذي ليس لنسبته خارج نقصد مطابقته أو لا تقصد؟ وقد يقال على ما هو فعل المتكلم أعني الإلقاء والإتيان بمثل هذا الكلام كما إن الأخبار كذلك. فالإنشاء قد يكون بالمعنى الاسمي وقد يكون بالمعنى المصدري.

والأظهر أن المراد بالإنشاء في قول المصنف الآتي: "الإنشاء ضربان" هو المعنى المصدري بقرينة تقسيمه إلى الطلب وغير الطلب وتقسيم الطلب إلى التمني والاستفهام وغيرهما والمراد بأنواع الطلبي من التمني وسواه هو معانيها المصدرية -أعني إلقاء مثل هذا الكلام- لا المعاني الاسمية -أعني الكلام المشتمل عليها- بقرينة قوله: "واللفظ الموضوع له كذا وكذا ". لظهور أن لفظ ليت مثلًا مستعمل في معنى هو التمني الذي هو المعنى المصدري أعني الإلقاء، لا نفس "ليت زيد قائم". وإذا كانت هذه الأقسام للإنشاء الطلبي المراد منها معانيها المصدرية كان المقسم -وهو الإنشاء مطلقًا- كذلك.

2 كأفعال المقاربة أي كإلقاء أفعال المقاربة التي تدل على الرجاء وهي عسى وحرى واخلولق، وأفعال المدح والذم كنعم وبئس. وابن السبكي يراهما من الخبر "234/ 2 ابن السبكي"، وصيغ العقود، والقسم أي إلقاء جملة القسم كأقسم بالله، ورب لإفادة إنشاء التقليل -ولكن المتبادر أنها للأخبار، وكفعلي التعجب وكم الخبرية المفيدة لإنشاء التكثير.

والإنشاء غير الطلبي لا يبحث عنه هنا لقلة المباحث المناسبة المتعلقة به؛ ولأن أكثره -وهو ما عدا أفعال الترجي والقسم- في الأصل أخبار نقلت إلى معنى الإنشاء.

ج / 3 ص -52- والطلب1 يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب لامتناع تحصيل الحاصل2. وهو المقصود بالنظر هنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المراد بالطلب معناه الاصطلاحي وهو الإلقاء فهو بالمعنى المصدري.

2 فلو استعملت صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع إجراؤها على معانيها الحقيقية. ويتولد منها بحسب القرائن ما يناسب المقام. مثل: {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ}، [الأحزاب: 1]، فالمعنى على طلب دوام التقوى.

أنواع الإنشاء الطلبي:

وأنواعه كثيرة1، منها:

أولًا: التمني2.

واللفظ الموضوع له ليت3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وهي خمسة: الأمر - النهى - التمني - النداء - الاستفهام. ومنهم من عد الترجي قسمًا سادسًا. ومنهم من أخرج التمني والنداء منها.

والترجي ترقب حصول شيء محبوب أو مكروه نحو لعل الحبيب قادم ولعل الصديق مريض. وألفاظه لعل وعسى وحري واخلولق. فهو عند البعض من أقسام الطلب وقيل ليس منها ترقب الحصول.

2 راجع 131 و133 من المفتاح.

وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة مع نفي الطماعية في ذلك بأن كان غير ممكن مثل:

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها عقود مدح فما أرضي لكم كلمي

أو كان ممكنا لكنه بعيد مثل:

فيا ليت ما بيين وبين أحبتي من البعد ما بيني وبين المصائب

وقيل: أن الأصل في التمني أن يستعمل فيما يمكن فيكون استعماله في غيره لمقامات تقتضيه.

3 فهي حروف تصير به نسبة الكلام إنشاء وهي باعتبار ما وضعت له مستلزمة لخبر وهو أن المتكلم يتمنى تلك النسبة. فالإنشاء يستلزم الخبر.

ج / 3 ص -53- ولا يشترط في التمني الإمكان1، نقول: "ليت زيدًا يجيء"، و"ليت الشباب يعود2" قال الشاعر3:

يا ليت أيام الصبا رواجعا

وقد يتمنى بها4، كقول القائل: "هل لي من شفيع"، في مكان يعلم أنه لا شفيع له فيه5، لإبراز المتمني لكمال العناية به في صورة الممكن، وعليه قوله تعالى حكاية عن الكفار: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوْا لَنَا}.

وقد يتمنى بلو6، كقولك: لو تأتيني فتحدثني بالنصب7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بل كونه محالًا أو ممكنًا بعيد الوقوع بخلاف الترجي فيشترط فيه الإمكان ومثله الأمر والنهي والاستفهام، فإذا كان المتمنى ممكنا يجب أن لا يكون لك توقع وطماعية في وقوعه وإلا لصار ترجيًا.

2 قال أبو العتاهية وأنشده المبرد في الكامل وثعلب في أماليه أسلم بن غزية:

فيا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما فعل المشيب

313 ريحانة الألباب للشهاب الخفاجي". والبيت في البيان والتبيين "46 جـ3" منسوبًا لأبي العتاهية وروايته:

فيا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما صنع المشيب

3 هو العجاج. وليت عند الكوفيين تعمل عمل ظن في لغة تميم والبصريون على أن خبرها محذوف تقديره أقبلن رواجعًا مثلًا.

4 راجع 132 من أفتاح.

واستعمال هل في التمني من باب الاستعارة التبعية أو المجاز المرسل كما قالوا. ولم لا يكون استعمالها في التمني من مستتبعات التركيب لا غير.

5 لأنه حينئذ يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفائه والاستفهام يقتضي عدم الجزم به. ومثال استعمال هل للتمني:

هل من سبيل إلى خمر فأشربها أو من سبيل إلى نصر بن حجاج

6 راجع 132 من المفتاح، 211/ 2 كامل المبرد. وهذا الاستعمال من التحول على ما قالوه.

7 على تقدير فإن تحدثني، فالنصب قرينة على أن "لو" ليست على أصلها إذ لا ينصب المضارع بعدها بإضمار أن وإنما تضمر بعد الأشياء الستة: التمني - الاستفهام - العرض ودخل فيه التحضيض - الأمر - النهي - النفي، والترجي لا ينصب جوابه خلافًا للكوفيين والدعاء داخل في الأمر، والمناسب هنا التمني. أما أن رفع الفعل بعدها فلا يتعين كونها للتمني بل احتمل. ومثل هذا المثال قول الشاعر:

فلو نشر المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير

ج / 3 ص -54- قال السكاكي1:

"وكأن حروف التنديم والتحضيض هلا وألا بقلب الهاء همزة ولولا، ولومًا، مأخوذة منهما2 مركبتين مع لا وما المزيدتين لتضمنيهما معنى التمني، ليتولد3 منه4 في الماضي التنديم نحو هلا أكرمت زيدًا، وفي المضارع5 التحضيض نحو هلا تقوم.

وقد يتمنى بلعل فتعطي حكم ليت نحو لعلي أحج6 فأزورك بالنصب، لبعد المرجو عن الحصول7 وعليه قراءة عاصم في رواية حفص: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، بالنصب8.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 133 من المفتاح.

2 أي من هل ولو اللتين للتمني حال كونهما مركبتين مع لا وما.

3 مصدر مضاف إلى مفعوله الأول، ومعنى التمني مفعوله الثاني.

4 علة للتضمين أو قوله لتضمينهما، فبأن أن الغرض المطلوب من هذا التركيب والتزامه هو جعل هل ولو متضمنتين معنى التمني، والغرض من تضمينهما معنى التمني ليس إفادة التمني بل أن يتولد إلخ.

5 أي من معنى التمني المتضمنتين هما إياه.

6 الصواب "وفي المستقبل"؛ لأن المضارع الواقع بعد هذه الحروف يحتمل المضي والاستقبال والتحضيض لا تعلق له بالمضارعة بل الاستقبال.

7 ولعل هنا للترجي، والترجي هو ارتقاب الشيء وهو يشمل المحبوب والمكروه فليس من أنواع الطلب حقيقة؛ لأن المكروه لا يطلب، فلا ينصب الجواب بعد لعل إلا إذا استعمل للتمني والتمني في هل ولو معنى مجازي وفي لعل من مستتبعات التركيب.

8 وبهذا يشبه المحالات والممكنات التي لا طماعية في وقوعها فيتواجد منه معنى التمني.

ج / 3 ص -55- "ثانيًا - الاستفهام":

ومنها1 الاستفهام2:

والألفاظ الموضوعة له:

الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من أنواع الإنشاء الطلبي.

2 هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن أي بأدوات مخصوصة فيخرج مثل علمني -والمراد بالصورة المعلوم وقيل العلم. فإن كانت الصورة التي طلب حصولها في الذهن وقوع نسبة بين أمرين أي مطابقتها للواقع- أو لا وقوعها -أي عدم مطابقتها للواقع، فحصلوها- أي فإدراك تلك الصورة - هو التصديق. وإلا تكن تلك الصورة وقوع نسبة أو لا وقوعها- بل كانت موضوعًا أو محمولًا أو نسبة مجردة أو اثنتين من هذه الثلاثة أو الثلاثة - فهو التصوير.

فالتصديق إدراك مطابقة النسبة الكلامية للواقع أو عدم مطابقتها له. والتصور إدراك الموضوع أو المحمول أو النسبة المجردة أو اثنين من هذه الثلاثة أو الثلاثة.

والفرق بين الاستفهام عن التصديق والاستفهام عن التصور هو:

1- الأول حقه أن يؤتي بعده بأم المنقطعة دون المتصلة والثاني بالعكس.

2- الأول يكون عن نسبة تردد الذهن بين ثبوتها وانتفائها والثاني يكون عند التردد في تعيين أحد الشيئين، وهذا هو ضابط الفرق بين أم المتصلة والمنقطعة أيضًا، ومن الفروق بينهما أيضًا أن المتصلة لا تقع إلا بعد استفهام لفظًا ومعنى أو لفظًا فقط والمنقطعة قد لا يأتي قبلها استفهام لا لفظًا ولا معنى، والمنقطعة للتصديق والمتصلة للتصور. وحاصل الفرق الثاني بأن السؤال عن التصديق يكون عن نسبة المحمول للموضوع أو سلبها وعن التصور يكون عن نفس المحمول أو الموضوع.

ج / 3 ص -56- فالهمزة1 لطلب التصديق2، كقولك. أقام3. زيد، وأزيد قائم، أو التصور4 كقولك5: أدبس في الإناء أم عسل، وفي الخابية دبسك أم في الزق6، ولهذا 7 لم يقبح: "أزيد8 قام، وأعمرًا عرفت9".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 142 السيد على المطول أيضًا.

2 هو انقياد الذهن وإذعانه لوقوع نسبة تامة بين الشيئين -والمراد بالإذعان لوقوع النسبة إدراك وقوعها أو لا وقوعها. فالتصديق إدراك وقوع نسبة تامة بين شيئين أو لا وقوعها أي إدراك موا فقتها لما في الواقع أو عدم موافقتها له وتفسير الإذعان بالإدراك هو مذهب المناطقة لا المتكلمين.

3 هذا في الجملة الفعلية وما بعده في الجملة الاسمية. فأنت عالم بأن بينهما نسبة أما الإيجاب أو السلب وتطلب تعيينها.

4 وهو إدراك غير النسبة.

5 أي في طلب تصور المسند إليه. والدبس هو شراب حلو يتخذ من تمر أو عنب، ففي المثال: "أدبس في الإناء أم عسل" أنت تعلم أن في الإناء شيئًا وتطلب تعيينه، واختار السيد في حاشيته على المطول أن الهمزة في المثال قد يصح أن تكون لطلب التصديق أيضًا.

6 والمثل الهمزة فيه لطلب تصور المسند فأنت تعلم أن الدبس محكوم عليه بكونه إما في الخابية أو في الزق والمطلوب هو التعيين فالمطلوب في جميع ذلك معلوم بوجه إجمالي ويطلب بالاستفهام تفصيله.

7 أي؛ لأن الهمزة تجيء لطلب التصور.

8 أي في طلب تصور المسند إليه -الفاعل- وفي الأصل "أزيد قائم" لا قام والظاهر أنه تحريف.

9 أي في طلب تصور المفعول -وذلك بخلاف هل زيد قام وهل عمرًا عرفت فإنهما قبيحان؛ لأن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فيكون "هل" لطلب حصول الحاصل. وهذا واضح في أعمرًا عرفت؛ لأن الغالب كون تقديم المفعول للاختصاص وأما تقديم الفاعل فقد يكون كثيرًا لمجرد الاهتمام وشبهه فلا يستدعي التخصيص في الغالب الملزوم لطلب التصور.

ج / 3 ص -57- والمسئول عنه بها1 هو ما يليها، فتقول، أضربت زيدًا إذا كان شك في الفعل نفسه وأردت بالاستفهام أن تعلم وجوده2 وتقول أأنت ضربت زيدًا إذا كان الشك في الفاعل من هو وتقول أزيدًا ضربت إذا كان الشك في المفعول من هو 3.

وهل لطلب التصديق4 فحسب، كقولك: "هل قام زيد"، و"هل عمرو قاعد5، ولهذا6 امتنع هل زيد قام أم عمرو7،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الذي يسأل عنه بالهمزة سواء كان تصوره أو التصديق به وقد سبق في بحث تقديم المسند إليه وتأخيره بيان ذلك، وراجع في ذلك دلائل الإعجاز ص87 و95.

2 هذا واضح فيما إذا كان الاستفهام للتصور أما إن كان للتصديق فإنه لما كان الغرض عند السؤال بها عن التصديق السؤال عن حال النسبة وهي جزء مدلول الفعل فلا بد أن يلي الفعل الهمزة، فإذا كان الشك في نفس الفعل من حيث صدوره من المخاطب أعني الضرب الصادر من المخاطب الواقع على زيد وأردت بالاستفهام أن تعلم وجوده فيكون لطلب التصديق، ويحتمل أن يكون لطلب تصور المسند بمعنى أنه قد تعلق فعل من المخاطب بزيد لكن لا تعرف أنه ضرب أو إكرام. هذا وتعيين أحدهما أي التصور أو التصديق بالقرائن اللفظية كاقتران معادل ما بعد الهمزة بأم المتصلة أو المنقطعة، أو بالقرائن المعنوية كما في "أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه" فإنه للتصديق، وأكتبت هذا الكتاب أم اشتريته فإنه للتصور.

3 وهكذا قياس سائر المتعلقات.

4 هو مطلق إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها -هذا وندخل هل على الجملتين بشرط أن كون الجملة مثبتة- وراجع هل والكلام عليها في المفتاح ص123.

5 أي إذا كان المطلوب حصول التصديق بثبوت القيام لزيد والقعود لعمرو.

6 أي مجيء هل "للتصديق فحسب".

7 وذلك أن وقوع المفرد ههنا بعد أم دليل على أن أم متصلة وهي لطلب تعيين أحد الأمرين مع العلم بثبوت أصل الحكم، وهل إنما تكون لطلب الحكم فقط -ويلاحظ أن هل لا تقع بعدها أم المتصلة وإنما يقع بعدها أم المنقطعة فقط، فإذا جاءت أم بعد هل كانت منقطعة للإضراب.

ج / 3 ص -58- وقبح "هل زيدًا ضربت1" لما سبق أن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل والشك فيما قدم عليه، ولم يقبح "هل زيدًا ضربته" لجواز تقدير المحذوف والمفسر مقدمًا كما مر2.

وجعل السكاكي3 قبح "هل رجل عرف" لذلك4 أي لما قبح له "هل زيدًا ضربت"، ويلزمه أن لا يقبح نحو "هل زيد عرف5" لامتناع تقدير التقديم والتأخير فيه عنده على ما سبق6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من كل مثال تركيب هو مظنة للعلم بحصول أصل النسبة وهو ما يتقدم فيه المفعول على الفعل. وسر القبح كما ذكر أن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل لطلب حصول الحاصل وهو محال. وإنما لم يمتنع لاحتمال أن يكون زيدًا مفعول فعل محذوف أو أن تقديمه للاهتمام لا للتخصيص وحينئذ فلا يكون التقديم مستدعيًا للتصديق بحصول الفعل فلا تكون هل لطلب حصول الحاصل، لكن ذلك خلاف الظاهر -قال السعد: وفيه نظر؛ لأنه لا وجه لتقبيحه حينئذ سوى أن الغالب في التقديم هو الاختصاص وهذا يوجب أن يقبح "وجه الحبيب أتمنى" على قصد الاهتمام دون الاختصاص ولا قائل به، وعلى هذا يكون القبح مخصوصًا بتقدير الفعل وحينئذ يراعي ما حصل في نفس الأمر فإن قصد التخصيص امتنع وإن قصد تقدير الفعل قبح وإن قصد الاهتمام لم يقبح ولا يراعي في القبح المظنة كما في ابن يعقوب.

2 فيكون التقدير هل ضربت زيدًا ضربته فيكون السؤال حينئذ عن أصل ثبوت الفعل لا عن المفعول.

3 راجع 133 من المفتاح.

4 أي؛ لأن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل لما سبق من مذهبه من أن الأصل "عرف رجل" على أن "رجل" بدل من الضمير في "عرف" قدم للتخصيص.

5 لأن تقديم المظهر المعرفة ليس للتخصيص عنده حتى يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل مع أنه قبيح بإجماع النحاة للفصل بين هل والفعل بالاسم مع أنها إذا رأت الفعل في حيزها لا ترضى إلا بوجوده بجوارها، قال الشاعر:

مليحة عشقت ظبيا حوى حورا فمذ رأته سعت فورًا لخدمته

كهل إذا ما رأت فعلًا بحيزها حنت إليه ولم ترض بفرقته

6 فإن التقديم فيه ليس للتخصيص المستدعي لحصول التصديق بأصل للفعل. بل للا هتمام قالوا: وفيه نظر؛ لأن ما ذكره من اللزوم ممتنع لجواز أن لا يقبح لعلة أخرى فانتفاء علة من علل القبح وهي كون التقديم للتخصيص لا يستلزم انتفاء جميع العلل بل يجوز أن يقول فيه بالقبح لعلة أخرى.

ج / 3 ص -59- وعلل غيره1 القبح فيهما بأن أصل هل أن تكون بمعنى قد إلا أنهم تركوا الهمزة قبلها لكثرة وقوعها في الاستفهام2.

وهل تخصص المضارع بالاستقبال3 فلا يصح أن يقال هل تضرب زيدًا وهو أخوك4 كما تقول "أتضرب زيدًا وهو أخوك5"؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي غير السكاكي وهو الزمخشري في المفصل، وقوله القبح فيهما أي في هل رجل عرف "وهل زيد عرف".

2 أي وقوع هل في الاستفهام فأقيمت هي مقام الهمزة وقد تطفلت عليها في الاستفهام وقد من خواص الأفعال فكذا ما هي بمعناها وإنما لم يقبح "هل زيد قائم"؛ لأنها إذا لم تر الفعل في حيزها تسلت عنه بخلاف ما إذا رأته فإنها لا ترضى كما قلنا إلا بوجوده بجوارها.

3 بعد أن كان محتملًا له وللحال، وذلك بحكم الوضع كالسين وسوف، وأما الماضي والجملة الاسمية فيبقيان بعد هل على حالهما.

4 لأن الضرب واقع هنا في الحال على ما يفهم عرفًا من قوله: وهو أخوك.

5 قصدًا إلى إنكار الفعل الواقع في الحال بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون. وذلك؛ لأن هل تخصص المضارع بالاستقبال فلا يصح مجيئها لإنكار الفعل الواقع في الحال، بخلاف الهمزة فإنها تصلح لإنكار الفعل الواقع؛ لأنها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال، وهذا الامتناع جار في كل ما يوجد فيه قرينة تدل على أن المراد إنكار الفعل الواقع في الحال سواء عمل ذلك المضارع في جملة حالية كقولك "أتضرب زيدًا وهو أخوك" - لأن الاستفهام هنا للتوبيخ والتوبيخ لا يكون إلا بالهمزة- أو لم يعمل في جملة حالية كقوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون} وكقولك أتؤذي أباك، وأتشتم الأمير، فلا يصح وقوع فعل في هذه المواضع.

هذا وقد أخطأ العلامة الشيرازي في تعليله للامتناع بأن الفعل المستقبل لا يجوز تقييده بحال، وهو سهو ظاهر لجواز أن تقول مثلًا سأدخل الامتحان غدًا.

قال الشاعر -سعد بن ناشب- الحماسي:

سأغسل عني العار بالسيف جالبًا على قضاء الله ما كان جالبَا

وقال تعالى: {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} و {يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيْهِ الْأَبْصَار، مُهْطِعَيْنَ}.

ج / 3 ص -60- ولهذين أعني اختصاصها بالتصديق وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيًّا أظهر كالفعل1. أما الثاني فظاهر وأما الأول؛ فلأن الفعل لا يكون إلا صفة والتصديق حكم بالثبوت أو الانتفاء والنفي والإثبات إنما يتوجهان إلى الصفات لا الذوات.

ولهذا2 كان قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُون} أدل على طلب الشكر من قولنا: "فهل تشكرون" و"فهل أنتم تشكرون"3 إن إبراز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي؛ لأن هل مختصة بطلب التصديق فلا تجيء لغير التصديق؛ ولأنها تخصص المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما زمانيته ظاهرة وهو الفعل فلما كانت تخصص المضارع بالاستقبال دون الاسم كان لها مزيد اختصاص بالفعل دون الاسم؛ لأن الفعل المضارع نوع من مطلق الفعل واللازم للنوع لازم للجنس. والزمان جزء من مفهوم الفعل بخلاف الاسم فإنه إنما يدل عليه حيث يدل بعروضه له.

وأما اقتضاء تخصيصها المضارع بالاستقبال لمزيد اختصاصها بالفعل فظاهر لما تقدم.

وأما اقتضاء كونها لطلب التصديق لمزيد اختصاصها بالفعل؛ فلأن التصديق هو الحكم بالثبوت أو الانتفاء -أي هو إدراك أن النسبة الحكمية مطابقة للواقع أو غير مطابقة- والانتفاء أو الثبوت إنما يتوجهان إلى المعاني والأحداث التي هي مدلولات الأفعال لا إلى الذوات التي هي مدلولات الأسماء.

وقوله بما كونه زمانيًّا أظهر أي بالشيء الذي زمانيته أظهر وهو الفعل، فما موصولة، وكونه مبتدأ خبره أظهر وزمانيًّا خبر الكون.

2 أي؛ لأن لها مزيد اختصاص بالفعل بحيث إذا عدل بها عن موالاته الفعل كان للاعتناء بالمعدول إليه.

وراجع في ذلك 34 من المفتاح.

3 مع أنه مؤكد بالتكرير؛ لأن أنتم فاعل فعل محذوف.

ج / 3 ص -61- ما سيتجدد1 في معرض الثابت2 أدل على كما ل العناية بحصوله من إبقائه على أصله3، وكذا من قولنا أفأنتم شاكرون" وإن كانت صيغته للثبوت4؛ لأن هل أدعي للفعل من الهمزة فتركه5 معها أدل على كما ل العناية بحصوله، ولهذا لا يحسن هل زيد منطلق إلا من البليغ.

وهي6: قسمان بسيطة وهي التي يطلب بها وجود الشيء7 كقولنا هل الحركة موجودة، ومركبة وهي التي يطلب بها وجود شيء لشيء8 كقولنا هل الحركة دائمة.

والألفاظ الباقية لطلب التصور فقط9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الذي هو مضمون الفعل وهو الشكر.

2 أي صورة الثابت، حيث دل عليه بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت.

3 كما في "هل تشكرون"؛ لأن هل في "فهل تشكرون" وفي "هل أنتم تشكرون" على أصلها لكونها داخلة على الفعل تحقيقًا في الأول وتقديرًا في الثاني.

4 باعتبار أن الجملة اسمية.

5 أي فترك الفعل مع هل.

6 أي هل.

7 أي أو لا وجوده كقولنا هل الحركة لا موجودة. وقوله وجود الشيء أي التصديق بوقوع وجود الشيء.

8 أي أو لا وجوده كقولنا هل الحركة لا دائمة. فإن المطلوب وجود الدوام للحركة أو لا وجوده لها، وقد اعتبر في هذا شيآن غير الوجود وفي الأولى شيء واحد فكانت مركبة بالنسبة إلى الأولى وهي بسيطة بالنسبة إليها.

9 فهي تشترك في أنها لطلب التصور وتختلف من جهة أن المطلوب بكل منها لتصور شيء آخر فالمطلوب تصوره بواحد منها خلاف المطلوب بالآخر.

ج / 3 ص -62- أما "ما": فيطلب به: أما شرح الاسم2 كقولنا ما العنقاء. وأما ماهية المسمى3 كقولنا: "ما الحركة4" والقسم الأول يتقدم على قسمي5 هل جميعًا، والثاني 6 يتقدم على هل المركبة دون البسيطة، فالبسيطة7 في الترتيب واقعة بين قسمي ما 8. وقال السكاكي9: يسأل بما عن الجنس120 تقول ما عندك أي أجناس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 134 من المفتاح.

2 أي بيان مدلوله في الجملة، والمراد بالاسم هنا ما قابل المسمى فيشمل الفعل والحرف -فقولنا ما العنقاء؟ نطلب به أن يشرح هذا الاسم ويبين مفهومه فيجاب بإيراد لفظ أشهر.

3 أي حقيقته التي هو بها هو أي حقيقته الوجودية التي بها تحققت أفراد الشيء بحيث لا يزاد في الخارج عليها إلا العوارض ولم يرد بها الماهية التفصيلية.

4 أي ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بإيراد ذاتيَّاته من الجنس والفصل فيقال هي حصول الجرم حصولًا أو لا في الحيز الثاني، بعد أن يعرف أنها شيء موجود في نفسه لأجل أن يكون الجواب تعريفًا حقيقيًّا.

5 أي البسيطة والمركبة -والمرا د بالقسم الأول: ما التي يطلب بها شرح الاسم.

6 أي ما التي يطلب بها ما هية المسمى.

7 أي هل البسيطة.

8 إذ يطلب أو لًا شرح الاسم بما ثم يستفهم عن وجوده في نفسه بهل ثم يطلب بيان ماهية المسمى بها، ثم يستفهم بعد ذلك بهل المركبة عما يراد الاستفهام بها عنه: فالترتيب الطبيعي أن يطلب أو لًا شرح الاسم ثم وجود المفهوم في نفسه ثم ماهيته وحقيقته؛ لأن من لا يعرف مفهوم اللفظ استحال منه أن يطلب وجود ذلك المفهوم ومن لا يعرف أنه موجود ستحال منه أن يطلب حقيقته وماهيته إذ لا حقيقة للمعدوم ولا ما هية.

9 را جع 134 من المفتاح.

10 الجنس المراد به الحقيقة الكلية متفقة الأفراد أو مختلفتها مجملة أو مفصلة والمراد به الجنس اللغوي فيشمل جميع أقسام ما يقال في جواب ما هو من النوع والجنس والحقيقة الإجمالية والتفصيلية.

فالفرق بين القولين أن ما على الأل يطلب بها شرح الاسم كليا كان أو جزئيًّا، وعلى قول السكاكي لا يطلب بها إلى الكلي، ولا يخفى أن السؤال بها عن الجزئي داخل في السؤال عن الوصف كما سيأتي فالحق أنه لا فرق في السؤال بما بين القولين.

ج / 3 ص -63- الأشياء عندك، وجوابه إنسان أو فرس أو كتاب أو نحو ذلك، وكذلك تقول ما الكلمة وما الكلام؟، وفي التنزيل: {وَمَاْ خَطْبُكُمْ} أي أي أجناس الخطوب خطبكم، وفيه: {مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ بِعْدِيْ} أي أي من في الوجود تؤثرونه للعبادة أو عن الوصف تقول ما زيد وما عمرو وجوابه الكريم أو الفاضل ونحوهما وسؤال فرعون: {وَمَاْ رَبُ الْعَالَمِيْنَ} أما عن الجنس لاعتقاده لجهله بالله تعالى أن لا موجود مستقلًّا بنفسه سوى الأجسام كأنه قال أي أجناس الأجسام هو، وعلى هذا جواب موسى عليه السلام بالوصف للتنبيه على النظر المؤدي إلى معرفته، لكن لما لم يطابق السؤال عن فرعون عجب الجهلة الذين حوله من قول موسى بقوله لهم: {أَلِا تَسْمَعُوْن}، ثم لما وجده مصرًّا على الجواب بالوصف إذ قال في المرة الثانية: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِين} استهزأ به وجننه بقوله: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون}، وحين رآهم موسى عليه السلام لم يقطنوا لذلك في المرتين غلظ عليهم في الثالثة بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون} وإما عن الوصف، طمعًا في أن يسلك موسى عليه السلام في الجواب معه مسلك الحاضرين لو كانوا هم المسئولين مكانه لشهرته بينهم برب العالمين إلى درجة دعت السحرة إذ عرفوا الحق أن أعقبوا قولهم: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين} بقولهم {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} نفعًا لاتهامهم أن عنوه وجهله بحال موسى إذ لم يكن جمعهما قبل ذلك مجلس بدليل قال أو لو جئتك بشيء مبين قال فائت به إن كنت من الصادقين فحين سمع الجواب تعداه عجب واستهزاء وجنن وتفيهق بما تفيهق من قوله: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاحظات: الآية الكريمة موضع الشاهد في كلام السكاكي هي: {قَاْلَ فَرْعَوْنُ وَمَاْ رَبُ الْعَالَمِيْنَ، قَالَ رَبُ الْسَمَاوَاْتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إَنْ كُنْتُمْ مُوْقِنِيْنَ، قَاْلَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَاْ تَسْتِمِعُوْنَ، قَالَ رَبُكُمْ وَرَبُ آَبِائِكُمُ الأَوَلِيْنَ، قَالَ إَنَّ رَسُوْلَكُمُ الْذِيْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُوْن...} إلخ.

ج / 3 ص -64- وأما "من":1

فقال السكاكي هو للسؤال عن الجنس من ذوي العلم2، نقول من جبريل! بمعنى أبشر هو أم ملك أم جني، وكذا من إبليس ومن فلان، ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}؟ أي أملك هو أم بشر أم جني منكرًا لأن يكون لهما رب سواه لإدعائه الربوبية لنفسه، ذهابًا في سؤاله هذا إلى معنى ألكما رب سواي فأجاب موسى عليه السلام بقوله: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} كأنه قال نعم لنا رب سواك، هو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بين بإيجاده لما أو جد وتقديره إياه على ما قدر، واتبعت فيه الخريت الماهر- وهو العقل الهادي عن الضلال لزمك الاعتراف بكونه ربا وأن لا رب سواه، وأن العبادة له منى ومنك ومن الخلق أجمع حق لا يدفع له3 وقيل هو للسؤال عن العارض المشخص لذي4 العلم وهذا أظهر؛ لأنه إذا قيل من فلان، يجاب بزيد أو نحوه مما يفيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 134 و135 من المفتاح.

2 المراد الجنس اللغوي فيشمل النوع والصنف.

3 وفي كلام السكاكي نظر؛ لأنا لا نسلم أنه سؤال عن الجنس وأنه مسح في جواب "من جبريل" أن يقال ملك، بل جوابه أنه ملك يأتي بالوحي إلى الرسل ونحو ذلك مما يفيد تشخصه وتعيينه، وأما ما ذكره السكاكي في قوله تعالى حكاية عن فرعون: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} أن معناه أبشر هو أم ملك أم جني ففساده يظهر من جواب موسى بقوله: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} فإنه قد أجاب بما يفيد تشخيصه وتعينه شيء ما ذكرنا.

على أن فلانًا كناية عن العلم فكيف يجاب بذكر العلم، ولعل المراد إذا قال شخص فلان يعمل كذا فنقول من فلان؟ فيقال زيد، لكن في الاستفهام عن ذلك بمن فيه نظر فينبغي أن يقال ما فلان؟ كما قال ابن السبكي.

4 أي يطلب بمن الأمر الذي يعرض لدى العلم -أي العقل- فيفيد تشخصه وتعينه وهو خصوص الوصف.

ج / 3 ص -65- التشخيص، ولا نسلم صحة الجواب بنحو بشر أو جني كما زعم السكاكي.

وأما "أي"1.

فللسؤال عما يميز2 أحد المتشاركين في أمر يعمهما3 يقول القائل عندي ثياب، فتقول: أي الثياب هي فتطلب منه وصفًا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبية، وفي التنزيل: أي الفريقين خير مقامًا أي أنحن أم أصحاب محمد عليه السلام4، وفيه: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أي الإنسي أم الجني.

وأما "كم":

فللسؤال عند العدد، إذا قلت: كم درهمًا لك وكم رجلًا رأيت، فكأنك فكأنك قلت أم عشرون أم ثلاثون. أم كذا أو كذا، وتقول كم درهمك وكم مالك أي كم دانقًا أو كم دينارًا، وكم ثوبك أي كم شبرًا أو كم ذراعًا، وكم زيد ماكث؟ أي كم يومًا أو كم شهرًا، وكم رأيتك أي كم مرة، وكم سرت أي كم فرسخًا أو كم يومًا؟ قال الله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُم} أي كم يومًا أو كم ساعة، وقال: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِيْ الْأَرْضِ عَدَدَ سِنَيْن} وقال: {سَلْ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ}.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 135 من المفتاح.

2 أي عن موصوف وصف يميز.

3 وهو مضمون ما أضيف إليه "أي" غالبا، وقد يكون غير ما أضيف مثل: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} فالمشترك كون الجميع من جنده.

4 فالمؤمنون والكافرون قد اشتركا في الفريقين وسألوا عما يميز أحدهما عن الآخر مثل الكون كافرين قائلين لهذا القول ومثل الكون أصحاب محمد عليه السلام غير قائلين.

ج / 3 ص -66- بينة1؟ ومنه قول الفرزدق2:

كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري

فيمن روى بالنصب3، وعلى رواية الرفع تحتمل الاستفهامية والخبرية4.

وأما "كيف":

فللسؤال عن الحال، إذا قيل: كيف زيد؟ فجوابه صحيح أو سقيم أو مشغول أو فارغ ونحو ذلك.

وأما "أين":5

فللسؤال عن المكان، إذا قيل: أين زيد؟ فجوابه في الدار أو في المسجد أو في السوق ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 من "آية" مميز "كم" بزيادة "من" لما وقع من الفصل بفعل متعد بين كم ومميزه.

فآية تميز كم ومفعول آتينا هم، وكم هنا للسؤال عن العدد لكن الغرض من هذا السؤال هو التوبيخ والتقريع من حيث دلالة الجواب على كثرة الآيات.

2 راجع البيت في 253 و293 و295 جـ1 من الكتاب لسيبويه، وفي ص135 من المفتاح -الفدع بفتح الدال: عوج في المفاصل كأنها قد زالت عن مواضعها. العشار: جمع عشراء كنفساء وزنًا ومعنى وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر.

3 هذا "أي أنه على رواية النصب يتعين الاستفهام" غير مسلم، بل كم الخبرية قد تنصب المميز وعلى ذلك أنشد سيبويه البيت.

4 الكلام مع الاستفهام لا يحتمل الصدق والكذب ومع الخبرية يحتمل والذي يظهر أن كم في البيت خبرية. هذا وعلى رواية الجر تتعين الخبرية.

5 راجع 135 من المفتاح.

ج / 3 ص -67- وأما "أنى":

فتستعمل تارة بمعنى "كيف1"، قال تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم}2، أي كيف شئتم، وأخرى بمعنى "من أين3" قال الله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا}4؟، أي من أين لك5.

وأما "متى" و"أيان"6:

فللسؤال عن الزمان7، إذا قيل. متى جئت؟ أو أيان جئت؟ قيل: يوم الجمعة أو يوم الخميس أو شهر كذا أو سنة كذا. وعن علي بن عيسى الربعي أن أيان تستعمل في مواضع التفخيم كقوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة}، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّين}؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ويجب أن يكون بعدها فعل إذ لم يرد أنى زيد بمعنى كيف هو.

2 قيل هي هنا شرطية، وقيل أنها بمعنى متى وأنه معنى ثالث لها.

3 ولا يجب أن يكون بعدها فعل.

4 فتتضمن الظرفية والابتدائية.

5 وليس المراد المكان حقيقة بل المراد من أي وجه نلت ما نلت؟ هذا وقوله "تستعمل" إشارة إلا أنه يحتمل أن يكون مشتركًا بين المعنيين اشتراكًا لفظيًّا وهو حقيقة فيهما، ويحتمل أن يكون في أحدهما حقيقة وفي الآخر مجازًا، ويحتمل أن يكون معناه أين إلا أنه في الاستعمال يكون مع "من" ظاهرة كما في قوله: من أين عشرون لنا من أنى.

أي: من أين، أو مقدرة كما في قوله تعالى: أنى لك هذا؟.

أي من أنى لك، أي من أين على ما ذكره بعض النحاة.

6 راجع 135 من المفتاح.

7 وفي مختصر السعد تخصيص أيان بالزمان المستقبل، وتستعمل "أيان" في موضع التفخيم مثل: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة}.

وأخيرًا فالخلاصة أن أدوات الاستفهام ثلاثة أقسام: قسم مختص مطلب التصديق وهو "هل"، وقسم مختص بطلب التصور وهو ما عدا الهمزة وهل، وقسم يحتمل التصور والتصديق وهو الهمزة وذلك لعراقتها في الاستفهام. ولهذا يجوز أن يقع بعد أم سائر كلمات الاستفهام سوى الهمز كقوله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّور}.

ج / 3 ص -68- الأغراض البلاغية التي يخرج إليها أسلوب الاستفهام:

ثم إن هذه الألفاظ كثيرًا ما تستعمل في معان غير الاستفهام بحسب ما يناسب المقام1، منها:

الاستبطاء:

نحو كم دعوتك2؟، وعليه قوله تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}؟.

ومنها التعجب:

نحو قوله: {مَاْ لِيَ لَاْ أَرَىْ الْهُدْهُدَ}3؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ودلالتها على هذه المعاني مجاز مرسل أو كناية أو من مستتبعات التركيب.

2 فالاستفهام عن عدد دعائه إياه للجهل به، المستلزم لاستنكاره عادة أو ادعاء؛ لأن القليل منه يكون معلومًا، واستكثاره يستلزم الإبطاء كذلك أي عادة أو ادعاء. فالاستفهام عن عدد دعائه إياه يستلزم الاستبطاء بهذه الوسائط فاستعمل لفظ الاستفهام في الاستبطاء.

وكذلك قوله تعالى: {مَتَى نَصْرُ اللَّه}؟، فالاستفهام عن زمان النصر يستلزم الجهل بزمانه، والجهل بما يستلزم استبعاده عادة أو ادعاء، واستبعاده يستلزم الاستبطاء.

فخروج أداة الاستفهام إلى الاستبطاء إذا حمل على المجاز المرسل كانت علاقته السببية إذ هو من إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب.

3 فالاستفهام عن سبب عدم رؤيته الهدهد سيستلزم الجهل به المناسب للتعجب عن المسبب أعني عدم الرؤية، فهو إذا حمل على المجاز المرسل من باب استعمال اسم الملزوم في اللازم؛ لأن سؤال العاقل عن حال نفسه مثلًا يستلزم جهله به والجهل به يستلزم التعجب منه؛ لأنه كان لا يغيب عن سليمان عليه السلام إلا بإذنه فلما لم يبصره مكانه تعجب من حال نفسه في وقت عدم إبصاره إياه، ولا يخفى أنه لا معنى الاستفهام العاقل عن حال نفسه. وقول صاحب الكشاف نظر سليمان إلى مكان =

ج / 3 ص -69- ومنها: التنبيه على الضلال:

نحو: {فَأَيْنَ تَذْهَبُون}1؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

=الهدهد فلم يبصره، فقال: مالي لا أراه؟ على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول أهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لاح له يدل على أن الاستفهام على حقيقته هذا ومن خروج أدوات والاستفهام إلى التعجب قول كثير عزة:

فيا عجبًا للقلب كيف اعترافه وللنفس لما وطنت كيف لت؟

وقل أبي تمام:

ما للخطوب طغت علي كأنها جهلت بأن نداك بالمرصاد

وقول أبي الطيب وقد أصابته الحمى:

أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام

وقول إحدى النساء تشكو ابنا لها:

أنشا يمزق أثوابي يؤدبني أبعد شيبي يبتغي عندي الأدبا؟

وقول الآخر:

ما أنت يا دنيا؟ أرؤيا نائم أم ليل عرس أم بساط سلاف

ومن خروج أدوات الاستفهام إلى الاستبطاء قول البهاء:

مولاي إني في هو اك معذب وحتام أبقى في العذاب وأمكث

وقوله:

يا أنعم الناس قل لي إلى متى فيك أشقى

وقول ابن خفاجة الأندلسي:

فحتى متى أبقى ويظعن صاحب أودع منها راحلًا غير آيب

وحتى متى أرعى الكواكب ساهرًا فمن طالع أخرى الليالي وغارب

وقول صفوت الساعاتي:

وحتى متى وإلى كم طول وعدكمو أما له أجل قبل انقضا أجلي

1 وخروج أداة الاستفهام هنا إلى هذا المعنى من باب المجاز المرسل الذي علاقته اللزومية إذ هو من استعمال اسم الملزوم في اللازم، فالاستفهام عن الشيء يستلزم تنبيه المخاطب عليه وتوجيه ذهنه إليه وذلك يستلزم تنبيه للضلال، ويجوز أن يجعل اللفظ مستعملًا في الاستفهام ليتوصل به إلى ذلك على طريق الكناية أو أن يجعل من مستتبعات التراكيب فلا يكون مجازًا ولا كناية كما يجوز ذلك في سائر ما يخرج إليه الاستفهام من معان بلاغية.

وراجع 136 من المفتاح.

ج / 3 ص -70- ومنها: الوعيد:

كقولك1 لمن يسيء الأدب: ألم أؤدب فلانًا؟ إذا كان عالمًا بذلك، وعليه قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَلِيْنَ}.

ومنها الأمر2:

نحو قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون}، ونحو {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}

ومنها التقرير3:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 132 من المفتاح.

هذا وخروج أداة الاستفهام إلى معنى الوعيد من باب المجاز المرسل والعلاقة هنا اللزوم من استعمال اسم الملزوم في اللا زم، ولك أن تجعل الكلام من قبيل الكناية فاللفظ مستعمل في الاستفهام لينتقل منه إلى الوعيد. أو مستعمل فيهما على أن الوعيد من مستتبعات التركيب.

فالاستفهام في قولك: "ألم أؤدب فلانًا؟" يستلزم تنبيه المخاطب على جزاء إساءة الأدب الصادرة عن غيره وهذا التنبيه يستلزم وعيده على إساءة الأدب.

هذا وعلم المخاطب أنك أدبت فلانًا قرينة المجاز المرسل إذا حمل الكلام عليه.

2 إذا حمل على المجاز فهو من باب الإطلاق والتقييد على نحو ما يأتي في التقرير.

3 إذا حمل على المجاز المرسل كان من باب الإطلاق والتقييد إذ الاستفهام عن أمر معلوم للمخاطب يستلزم حمله على إقراره بما هو معلوم منه، فالاستفهام طلب الإقرار بالجواب مع سبق جهل لمستفهم فاستعمل في مطلق طلب الإقرار ثم في طلب الإقرار من غير سبق جهل- هذا وراجع في التقرير 102/ 1 كامل المبرد و23 ما اتفق لفظه للمبرد، 136 من المبرد، 88 من الدلائل.

هذا والتقرير هو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه والجئة إليه، وقد يقال: التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت فيقال: أضربت زيدًا بمعنى أنك ضربته البتة.

ج / 3 ص -71- ويشترط في الهمزة1 أن يليها المقرر به، كقولك: أفعلت إذا أردت أن تقرره بأن الفعل كان منه، وكقولك: أأنت فعلت، إذا أردت أن تقرره بأنه الفاعل2. وذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي وغيرهما إلى أن قوله: {أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إبْرَاهِيمُ}، من هذا الضرب. قال الشيخ3: لم يقولوا ذلك له عليه السلام وهم يريدون أن يقر لهم بأن كسر الأصنام قد كان، ولكن أن يقر أنه منه كان، كيف وقد أشاروا له إلى الفعل في قولهم {أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا}. وقال عليه السلام: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا}، ولو كان التقرير بالفعل في قولهم "أأنت فعلت" لكن الجواب: فعلت أو لم أفعل، وفيه4 نظر لجواز أن تكون الهمزة فيه على أصلها إذ ليس في السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأنه عليه السلام هو الذي كسر الأصنام5.

وكقولك أزيد ضربت، إذا أردت أن تقرره بأن مضروبه زيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وخصت الهمزة بإيلائها المقرر به؛ لأن التفصيل المذكور لا يجري إلا فيها بخلاف هل مثلًا فهي للتقرير بنفس النسبة الحكمية وكذا ما سواها غير الهمزة فانتهت للتقرير بما يطلب تصوره بها، ولمثل ذلك خصت الهمزة بإيلائها المنكر.

2 أي المعنوي لا الاصطلاحي.

3 88 و89 من الدلا ئل.

4 أي فيما ذهب إليه عبد القاهر ومعه السكاكي.

5 أجيب على هذا بأنه يدل على أن الاستفهام ليس على حقيقته ما قبل الآية وهو أنه عليه السلام قد أقسم بقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِين}، ثم لما رأوا كسر الأصنام {قَالُوْا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إَنَّهُ لَمِنَ الْظَالِمِيْن، قَالُوْا سَمِعْنَا فَتَى يَذْكُرُهُمْ يُقَاْلُ لَهُ إبْرَاْهِيْم}، فالظاهر أنهم قد علموا ذلك من حلفه وذمه الأصنام.

هذا ولا تنسى أن خروج أدوات الاستفهام إلى التقرير من باب المجاز المرسل الذي علاقته الإطلاق أو التقييد وقيل اللزوم والتحقيق أنه على طريق الكتابة أو من مستتبعات التركيب.

ج / 3 ص -72- ومنها الإنكار1، إما للتوبيخ: بمعنى ما كان ينبغي أن يكون2 نحو أعصيت ربك؟ أو بمعنى لا ينبغي أن يكون كقولك للرجل يضيع الحق. أتنسى قديم إحسان فلان؟ وكقولك للرجل يركب الخطر. أتخرج في هذا الوقت أتذهب في غير الطريق والغرض بذلك تنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه فيخجل أو يرتدع عن فعل ما هم به وإما للتكذيب3 بمعنى لم يكن4 كقوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُكُمْ بِالْبَنِيْنِ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إَنَاثَاً} وقوله: {أَصْطَفْى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِيْنِ}، وبمعنى لا يكون نحو أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، وعليه قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 89 وما بعدها من الدلائل، 136 من المفتاح، وقوله للتوبيخ أي على أمر قد وقع في الماضي أو خيف وقوعه في المستقبل.

2 أي أن يحدث ويتحقق مضمون ما دخلت عليه الهمزة وذيك في المستقبل نحو أتعصي ربك؟ بمعنى لا ينبغي أن يتحقق العصيان، فهذا لا يقتضي عدم وقوع الموبخ عليه بالفعل وإنما يقتضي كون المخاطب بصدد الفعل.

هذا وإذا حمل الإنكار على المجاز المرسل فالعلاقة بينه وبين الاستفهام أن المستفهم عنه مجهول والمجهول منكر والأولى حمله على الكناية أو جعله من مستتبعات التراكيب.

3 ويسمى الإنكار التكذيبي بالإنكار الإبطالي.

4 أي في الماضي -وقوله فيما يأتي: أو بمعنى لا يكون أي في المستقبل. وسكت عن الحال لعدم تأتيه إذ العاقل لا يدعي التلبس بما ليس متلبسًا به حتى يكذب بل يتأتى فيه نفي الانبغاء، وفي الأطول وابن يعقوب أن الإنكار الإبطالي إذا كان بمعنى لا يكون يكون للحال وللاستقبال.

5 راجع البيت في 91 من الدلائل. وسيأتي في الإيضاح أيضًا في باب التشبيه. المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارف الشام. المسنونة: السهام المحدودة النصال، ووصفها بالزرقة لخضرتها وصفائها.

ج / 3 ص -73- فيمن روى أيقتلني بالاستفهام وقول الآخر1:

أأترك إن قلت دراهم خالد زيارته إني إذًا للئيم

والإنكار كالتقرير يشترط أن يلي المنكر2 الهمزة، كقوله تعالى: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُوْن}، {أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيَّاً}؟ {أَبَشَرَاً مِنَّا وَاْحِدَاً نَتَّبِعُهُ}، وكقوله: {وَقَالُوا لوْلا نزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}، أي: ليسوا هم المتخيرين للنبوة من يصح لها المتولين لقسم رحمة الله التي لا يتولاها إلا هو بباهر قدرته وبالغ حكمته، وعد الزمخشري قوله أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وقوله أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي من هذا الضرب، على أن المعنى أفأنت تقدر على إكراههم على الإيمان وأفأنت تقدر على هدايتهم على سبيل القسر والإلجاء، أي إنما يقدر على ذلك الله لا أنت.

وحمل السكاكي3 تقديم الاسم في هذه الآيات الثلاث4 على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو عمارة بن عقيل بن جرير الشاعر يمدح خالد بن يزيد بن مزيد الشياني ويذم بني تميم بن خزيمة بن حازم النهشلي "راجع 149 جـ1 من الكامل للمبرد"، ومع البيت في الكامل أبيات كثيرة.

ولعمارة أبيات في مدح خالد في الكامل "ص268 جـ2" هذا والبيت في الدلائل ص92.

2 فعلًا كان أو فاعلًا أو مفعولًا أو حالًا إلى غير ذلك.

هذا ولا تنسى أن العلاقة بين الاستفهام والإنكار أن المستفهم عنه لمجهول والمجهول منكر، وقيل؛ لأن إنكار الشيء بمعنى كراهيته يستلزم عدم توجه الذهن إليه المستلزم للجهل به المقتضي للاستفهام.

3 136 من المفتاح.

4 أهم يقسمون رحمة ربك -أفأنت تكره الناس- أفأنت تسمع الصم.

هذا ويلاحظ أنه إذا قدم المرفوع على الفعل فقد يكون للإنكار على نفس الفاعل بحمل التقديم على التخصيص وقد يكون لإنكار الحكم على أن يكون التقديم لمجرد التقوي وجعل صاحب المفتاح الآيتين الأخيرتين من قبيل تقوية حكم الإنكار نظرًا إلى أن المخاطب هو النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتقد اشتراكه في ذلك ولا انفراده به من حيث جعلها صاحب الكشاف من قبيل التخصيص نظرًا إلى أنه عليه السلام لفرط شغفه بإيمانهم كأنه يعتقد قدرته على ذلك والكشاف يوافق في ذلك عبد القاهر فقد جعلها للتخصيص تنزيلًا "راجع ص94 من الدلائل".

ج / 3 ص -74- البناء على الابتداء1 دون تقدير التقديم والتأخير كما مر في نحو أنا ضربت فلا يفيد في تقوي الإنكار.

ومن مجيء الهمزة للإنكار نحو قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه}2؟، وقول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح

أي الله كاف عبده وأنتم خير من ركب المطايا؛ لأن نفي النفي إثبات، وهذا مراد من قال أن الهمزة فيه للتقرير أي للتقرير بما دخله للنفي لا للتقرير بالانتفاء3 وإنكار الفعل مختص بصورة أخرى4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فهي عنده للتقوي لا للتخصيص.

2 راجع ص25 ما اتفق لفظه للمبرد.

3 فالتقرير لا يجب أن يكون بالحكم الذي دخلت عليه الهمزة بل بما يعرف المخاطب من ذلك الحكم إثباتًا أو نفيًا، فالحكم السابق -وهو أن الهمزة يليها المقرر به- أغلبي لا كلي، وقيل هو كلي والمجيز لكونها للتقرير هو الزمخشري والمصنف ليس على مذهبه بل عقده للإنكار. ومثل قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه}، قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه}؟ فالهمزة فيه للتقرير بما يعرفه عيسى عليه السلام مما يتعلق بهذا الحكم وهو أنه لم يقل: "اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" لا بأنه قد قال ذلك -هذا وقد تكلم السبكي على الآية في "293 و307/ 2 من الشروح".

4 أي لا يلي فيها الفعل الهمزة التي هي للإنكار كالصورة السابقة -ومثل الفعل ما في معناه كاسم الفاعل- وهذه الصورة هي أن يلي الهمزة معمول الفعل ثم يعطف على ذلك المعمول بأم أو بغيرها.

ج / 3 ص -75- وهي نحو قولك أزيدًا ضربت أم عمرًا، لمن يدعي أنه ضرب إما زيدًا وإما عمرًا دون غيرهما؛ لأنه إذالم يتعلق الفعل بأحدهما والتقدير أنه لم يتعلق بغيرهما فقد انتفي من أصله لا محالة وعليه قوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْن}؟ أخرج اللفظ مخرجه إذا كان قد ثبت تحريم في أحد الأشياء ثم أريد معرفة عين المحرم مع أن المراد إنكار التحريم من أصله. وكذا قوله: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ}، إذ معلوم أن النهي على إنكار أن يكون قد كان من الله تعالى إذن فيما قالوه من غير أن يكون هذا الإذن قد كان من غير الله فأضافوه إلى الله، إلا أن اللفظ أخرج مخرجه إذا كان الأمر كذلك ليكون أشد لنفي ذلك وإبطاله، فإنه إذا نفي الفعل عما جعل فاعلًا له في الكلام ولا فاعل له غيره لزم فيه من أصله، قال السكاكي رحمه1 الله: وإياك أن يزول عن خاطرك التفصيل الذي سبق في نحو أنا ضربت وأنت ضربت وهو ضرب. من احتمال الابتداء واحتمال التقديم وتفاوت المعنى في الوجهين، فلا تحمل نحو قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُم} على التقديم2، فليس المراد أن الإذن ينكر من الله دون غيره، ولكن أحمله على الابتداء مرادًا منه تقوية حكم الإنكار. وفيه نظر؛ لأنه إن أراد أن نحو هذا التركيب أعني ما يكون الاسم الذي يلي الهمزة فيه مظهرًا لا يفيد توجه الإنكار إلى كونه فاعلًا للفعل الذي بعده فهو ممنوع، وإن أراد أنه يفيد ذلك إن قدر تقديم وتأخير وإلا فلا على ما ذهب إليه فيما سبق فهذه الصورة مما منع هو ذلك فيه على ما تقدم3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 136 من المفتاح.

2 اعترض على السكاكي بأن مذهبه يجيز في المعرف الحمل على التقديم فكيف يقول: "فلا تحمل على التقديم" فكأنه بنى هذا على مذهب القوم لا على مذهبه هو.

3 لأنه الاسم هنا ظاهر معرف فلا داعي عنده لتقدير التقديم والتأخير؛ لأنه يجوز الابتداء به دون هذا التقدير فيحمل عنده على الابتداء لإفادة التقوي.

ج / 3 ص -76- لا يقال: قد يلي الهمزة غير المنكر في غير ما ذكرتم كما في قول "امرئ القيس":

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فإن معناه أنه ليس بالذي يجيء منه أن يقتل مثلي، بدليل قوله:

يغط غطيط البكر شد خناقه ليقتلني، والمرء ليس بقتال1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعني فيلزم أن لا يحصل الإنكار في نحو الله أذن لكم على شيء من المقادير عنه.

1 قبل هذا البيت وصف امرؤ القيس دبيبه ومخالقته الحراس وتمتعه بمحبوبته ثم قال:

فأصبحت معشوقًا وأصبح بعلها عليه القتام سيء الظن والبال

يغط غطيط البكر شد خناقه ليقتلني والمرء ليس بقتال

ليقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وقوله يغط من غط البعير: هدر في الشقشقة. والبكر: الفتي من الإبل. الخناق: ما يخنق به كالحبل ونحوه.

ومصب هذا الاعتراض أن الظاهر هنا أن الاستفهام المراد به إنكار أن يكون هو فاعل القتل لا إنكار القتل نفسه، فقد وليت الهمزة غير المنكر أيضًا في هذا المثال.

هذا ومن مجيء الاستفهام للإنكار قولك: أتسيء لمن أحسن إليك وقوله تعالى: {أَتَعْبُدُوْنَ مَاْ تَنْحِتُوْنَ}؟ وقول البحتري:

أأكفرك النعماء عندي وقد نمت علي نمو الفجر والفجر ساطع

وقول المتنبي:

أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت قيام دليل أو وضوح بيان

وقد يجيء الاستفهام للنفي كقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَان}، وقول البحتري:

هل الدهر إلا غمرة وانجلاؤها وشيكا وإلا ضيقة وانفراجها

وقول الآخر:

هل الدهر إلا ساعة ثم تنقضي بما كان فيها من بلاء ومن خفض

ملاحظة: التوبيخ يشارك التكذيب في النفي، ويختلفان في توجه النفي: في التوبيخ لغير مدخول وهو الالبغاه ومدخولها واقع أو كالواقع، وفي التكذيب يتوجه لنفس مدخولها فمدخولها غير واقع.

ج / 3 ص -77- لأنا نقول ليس ذلك معناه؛ لأنه قال والمشرفي مضاجعي، فذكر ما يكون منعًا من الفعل، والمنع إنما يحتاج إليه مع من يتصور صدور الفعل منه دون من يكون في نفسه عاجزًا منه.

ومنها التهكم:

نحو: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أو أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء1}.

ومنها التحقير2:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فالاستفهام عن كون صلاته آمرة له بذلك يناسب ادعاء أن المخاطب معتقد له وادعاء اعتقاده إياه يناسب الاستهزاء والتهكم وبالجملة استعلام هذه الحال منه يناسب التهكم به.

وإسناد الأمر إلى ضمير الصلاة مجاز عقلي باعتبار الإسناد للسبب في الجملة. أما أداة الاستفهام واستعمالها هنا في التهكم فذلك من باب المجاز المرسل الذي علاقته اللزوم؛ لأن الاستفهام عن الشيء يقتضي الجهل به وبفائدته والجهل بذلك يقتضى الاستخفاف به.

كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة وكان قومه إذا رأوه يصلي تضاحكوا فقصدوا بقولهم: أصلاتك تأمرك؟ الهزء والسخرية لا حقيقة الاستفهام.

2 راجع 135 من المفتاح -والتحقير عد الشيء حقيرًا. أما الاستهزاء فعدم المبالاة به وإن كان كبيرًا في نفسه، وربما اتحد محلًّا وإن اختلفا مفهومًا. واستعمال الاستفهام فيه مجاز مرسل علاقته اللزوم؛ لأن الاستفهام عن الشيء يقتضي الجهل به وهذا يقتضي عدم الاعتناء به وتحقيره؛ لأن التحقير لا يلتفت إليه فلا يعلم والأولى أن يكون من الكناية أو من مستتبعات التراكيب. ومن مثل التحقير قول الشاعر:

فدع الوعيد فما وعيدك ضائري أطنين أجنحة الذباب يضير

وقوله:

من أية الطرق يأتي مثلك الكرم أين المحاجم يا كافور والجلم

ونحوه:

فما أنتم أنانسينا من أنتم وريحكم من أي ريح الأعاصر

ونحوه:

من علم الأسود الزوجي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيد

أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدرة وهو بالفلين مردود

ج / 3 ص -78- كقولك: من هذا؟ وما هذا؟

ومنها التهويل1:

كقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بنِي إِسْرائيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ}، بلفظ الاستفهام، لما وصف الله تعالى العذاب بأنه مهين لشدته وفظاعة شأنه، أراد أن يصور كنهه، فقال: من فرعون2 أي أتعرفون من هو في فرط عتوه وتجبره، ما ظنكم بعذاب يكون هو المعذب به، ثم عرف حاله بقوله إنه كان عاليا من المسرفين3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 82 من المفتاح، واستعمال الاستفهام في التهويل مجاز مرسل علاقته المسببية أو اللزوم على ما أرى.

2 فرعون مبتدأ ولفظ الاستفهام خبر أو بالعكس على اختلاف الرأيين في الاسم بعد من الاستفهامية، كالأخفش يذهب إلى الأول وسيبويه إلى الثاني.

3 فلا معنى لحقيقة الاستفهام هنا وهو ظاهر بل المراد أنه تعالى لما وصف العذاب بالشدة والفظاعة زادهم تهويلًا بقوله: {مِنْ فِرْعَوْن} أي هل تعرفون من هو في جبروته وطغيانه فما ظنكم بعذاب يكون هو المعذب به ولهذا قال: {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} زيادة في تعريف حاله وتهويل عذابه.

ج / 3 ص -79- ومنها الاستبعاد1:

نحو: {أَنَّى لَهُمُ2 الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}؟

ومنها التوبيخ والتعجيب جميعًا:

كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أمْوَاتًا فَأحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: كيف تكفرون والحال أنكم عالمون بهذه القصة أما التوبيخ؛ فلأن الكفر مع هذه الحال ينبئ عن الإنهماك في الغفلة أو الجهل، وأما التعجب؛ فلأن هذه الحال تأبى أن لا يكون للعاقل علم بالصانع، وعلمه به يجعله يأبى أن يكفر، وصدور الفعل مع الصارف القوي مظنة تعجب ونظيره: {أَتَأْمُرُوْنَ الْنَّاْسَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي عد الشيء بعيدًا. والفرق بينه وبين الاستبطاء أن متعلقه غير متوقع والاستبطاء متعلقه متوقع غير أنه بطيء. واستعمال الاستفهام في الاستبعاد مجاز مرسل علاقته المسببية أو اللزومية.

2 فلا يجوز حمل الاستفهام هنا على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر بل المراد استبعاد أن يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى: {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْه}، أي كيف يذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الأذكار، من كشف الدخان وما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا وأعرضوا عنه. هذا ومن مثل خروج الاستفهام إلى الاستبعاد، قول ابن الفارض:

أين منى ما رمت هيهات بل أين لعيني باللحظ لثم ثراكا

وقول مهيار:

وأبى كسرى علا إيوانه أين في الناس أب مثل أبي

وقول الآخر:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي

وقول أبي تمام:

من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه

ج / 3 ص -80- بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب}1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الحاصل أن كلمة الاستفهام إذا امتنع حملها على حقيقة تولد منه بمعونة القرائن ما يناسب المقام ولا ينحصر فيما ذكره الخطيب من المعاني بل حكم ذوقك فسترى أن الاستفهام يخرج إلى معان كثيرة.

كالتحسر مثل قول البارودي:

يا دهر فيم فجعتني بحليلة كانت خلاصة عدتي وعتادي

وقول الشاعر:

يا دار أين الساكنون وأين ذيا ك البهاء وذلك الإعظام

يا دار أين زمان ربعك مونق وشعارك الإجلال والإكرام

وكالتمني مثل:

أم هل لها بتكلم عهد هل بالطلول لسائل رد

وكالتوبيخ مثل قول شوقي:

إلام الخلف بينكمو إلام وهذي الضجة الكبرى علاما

ونحوه:

حتى متى أنت في لهو وفي لعب والموت نحوك يهوي فاتحا فاه

وكالتعظيم مثل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه}؟ وقول الشاعر:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهه وسداد ثغر

وقوله:

من منكم الملك المطاع كأنه تحت الطوابغ تبع في حمير

ج / 3 ص -81- "ثالثا - الأمر":

ومن أنواع الإنشاء "الطلبي" الأمر:

والأظهر1 أن صيغته -من المقترنة باللام نحو ليحضر زيد، وغيرهما نحو: أكرم عمرًا، ورويد بكر2- موضوعة لطلب الفعل3 استعلاء، لتبادر الذهن عند سماعها4 إلى ذلك5 وتوقف ما سواه على القرينة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع الكلام على الأمر في المفتاح ص137.

هذا والمراد بالأمر اللفظي -لأن الكلام في الأشياء وهو لفظي- لا في الأمر النفسي.

"والأمر هو طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء" بأن يعد المتكلم نفسه عاليًا -وذلك بأن يكون كلامه على جهة القوة لا التواضع. والمراد بالطلب الطلب اللفظي فقط. والمراد طلب فعل من حيث أنه فعل فدخل فيه: كف عن اللعب، وخرج عنه لا تلعب مثلًا.

وصيغة الأمر تنحصر في معان كثيرة: فاختلفوا في حقيقته الموضوعة هي لها اختلافًا كثيرًا، ولما لم تكن الدلائل مفيدة للقطع بشيء قال الخطيب "والأظهر إلخ".

2 فصيغة الأمر على ما أشار إليه هنا هي: فعل الأمر -اسم فعل لأمر- المضارع المقرون بلام الأمر -المصدر النائب عن فعل الأمر نحو وبالوالدين إحسانًا فالمراد بصيغته ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء، سواء كان اسمًا أو فعلًا ويخرج بالاستعلاء التمني والعرض والاستفهام. والاستعلاء طلب العلو بمعنى عد الآمر نفسه عاليًا بإظهار الغلطة سواء كان عاليًا في نفسه أم لا ويخرج بالاستعلاء الدعاء والالتماس- هذا والأمر يشترط فيه الاستعلاء إما التمني والعرض والاستفهام ففيها طلب على جهة الاستعلاء ولكن لا يشترط فيها الاستعلاء.

3 أي ولو ندبًا فهي عند المصنف موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب والجمهور على أنها حقيقة في الوجوب.

4 أي سماع صيغة الأمر.

5 أي إلى ذلك المعنى أعني الطلب استعلاء ولو على سبيل الندب. والتبادر إلى الفهم أقوى أمارات الحقيقة.

ج / 3 ص -82- قال السكاكي1. ولا طباق أئمة اللغة على إضافتها إلى الأمر.

بقولهم: صيغة الأمر، ومثال الأمر ولام الأمر2.

وفيه3 نظر لا يخفى على المتأمل.

ثم إنها -أعني صيغة الأمر- قد تستعمل في غير طلب الفعل بحسب مناسبة المقام.

كالإباحة:4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 137 من المفتاح.

2 أي دون أن يقولوا صيغة الإباحة أو لام الإباحة مثلًا، وهذا مما يؤيد كونها حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء؛ لأنه حقيقة الأمر.

3 أي في كلام السكاكي ووجه النظر هو أننا لا نسلم أن الأمر في قولهم صيغة الأمر مثلًا بمعنى طلب الفعل استعلاء، بل الأمر في عرفهم حقيقة في نحو قم وليقم ونحو ذلك، وإضافة الصيغة والمثال إلى الأمر من إضافة العام إلى الخاص بدليل أنهم يستعملون ذلك في مقابلة صيغة الماضي والمضارع وأمثالهما، ويمكن أن يجاب على هذا بأنا سلمنا ذلك لكن تسميتهم نحو قم وليقم أمرًا دون أن يموت إباحة مثلًا مما يؤيد ذلك في الجملة وإن لم يصلح دليلًا عليه.

هذا والخلاصة أن الخطيب والسكاكي يريان أن صيغة الأمر للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وهذا موضوع اختلاف بين الأصوليين: فقيل هي للوجوب وقيل هي للندب وقيل للقدر المشترك بينها وهو الطلب المشترك بينهما وقيل هي مشتركة بينهما لفظًا وقيل بالتوقف بين كونها للقدر المشترك بينهما وهو الطلب وبين الاشتراك اللفظي وقيل هي مشتركة بين الوجوب والندب والإباحة موضوعة لكل منها وقيل هو للقدر المشترك بين الثلاثة وهو الأذن. ويرى السيد في حاشيته على المطول أن كلام السكاكي في المفتاح يدل على أن الطلب على جهة الاستعلاء لا يتناول الندب.

4 خروج صيغة الأمر إلى غير معناها إما أن يكون لعلاقة مع قرينه مانعة فيكون مجازًا أو غير مانعة فيكون كناية. =

ج / 3 ص -83- كقولك في مقام الإذن جالس الحسن أو ابن سيرين، ومن أحسن ما جاء فيه قول كثير:

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت1

أي: لا أنت ملومة ولا مقلية ووجه حسنة إظهار الرضا بوقوع الداخل تحت لفظ الأمر حتى كأنه مطلوب، أي مهما اخترب في حقي من الإساءة والإحسان فأنا راض به غاية الرضا فعامليني بهما وانظري هل تتفاوت حالي معك في الحالين.

والتهديد2 كقولك العبد شتم مولاه وقد أدبنه: اشتم مولاك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإذا استعملت صيغة الأمر في غير طلب الفعل استعلاء -سواء كان الغير طلبًا على جهة غير الاستعلاء أو كان غير طلب- كان لك من خروج صيغة الأمر من غير معناها لغرض بلاغي.

وراجع في هذا 132 و137 من المفتاح.

هذا وخروج صيغة الأمر إلى الإباحة إذا استعملت الصيغة في مقام توهم السامع فيه حظر شيء عليه، والعلاقة بين الطلب والإباحة اشتراكهما في مطلق الإذن فهو من استعمال اسم الأخضر في الأعم. هذا ولا يجوز الجمع بين الأمرين في التخيير دون الإباحة فيجوز الجمع بينهما كما يجوز عدم الإتيان بشيء منهما.

1 ملومة بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي لا أنت ملومة. مقلية: من القلي وهو البغض. وتقلت. أبغضت وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة.

والبيت من قصيدة لكثير في زهر الآداب"70 و71/ 2 زهر"، وهو في العقد ص116 جـ2، وفي المفتاح ص129.

هذا وصيغة الأمر هنا للإباحة وأو قرينة.

2 والعلاقة بين الطلب والتهديد ما بينهما من شبه النضاد، ومجيئها للتهديد إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الرضا بالمأمورية.

وراجع في ذلك المفتاح ص132- والتهديد التخويف وهو أعم من الإنذار؛ لأن الإنذار إبلاغ مع تخويف وفي الصحاح: الإنذار تخويف مع دعوة، والإنذار على ما في الصحاح، لا يكون إلا من رسول وعلى ما قبله يكون من الرسول وغيره وعلى الرأيين فالإنذار أخص من التهديد.

ج / 3 ص -84- وعليه: {اِعْمَلُوْا مَاْ شِئْتُمْ}.

والتعجيز1:

كقولك لمن يدعى أمرًا تعتقد أنه ليس في وسعه: افعله.

وعليه: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِه}2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 والعلاقة بين الطلب والتعجيز ما بينها من شبه التضاد في متعلقة ما فإن التعجيز في المستحيلات والطلب في الممكنات - وتستعمل صيغة الأمر لتعجيز في مقام إظهار عجز من يدعي أن في وسعه أن يفعل ما يعجز عن فعله.

هذا ومن خروج صيغة الأمر للتعجيز قوله تعالى:

{يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والأنْسِ إنِ استَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَارِ السَّمَاواتِ والأرْضِ فَانفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلَّا بِسُلْطَان}.

وقول الشاعر:

أروني بخيلًا طال عمرًا ببخله وهاتوا كريمًا مات من كثرة البذل.

وقول الشاعر:

فارفع بكفك إن أردت بناءنا ثهلان ذا الهضبات هل يتحلحل

وقول الآخر:

أريني جوادًا مات هزلًا لعلني أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدًا

ومن حروج صيغة الأمر للتهديد قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار} وقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

2 إذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالًا.

والظرف أعني قوله: "من مثله" متعلق بـ"فأتوا" والضمير لعبدنا أو صفة لسورة والضمير لما نزلنا أو لعبدنا.

فإن قيل: أم لا يجوز على الأول أن يكون الضمير لما نزلنا؟.

فالجواب: أن ذلك يقتضي ثبوت مثل القرآن في البلاغة بشهادة الذوق، إذ أن التعجيز على هذا الاحتمال إنما يكون عن المأتي به وهو السورة أي عن الإتيان بها مع وجود المأتي منه وهو المثل، فكأنه مثل القرآن ثابت لكنهم عجزوا عن أن يأتوا من المثل بسورة خلاف ما إذا كان وصفًا للسورة فإن المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف.

فإن قيل فليكن التعجيز على احتمال جعل الظرف متعلقًا بفأتوا وإعادة الضمير لما نزلنا -باعتبار انتفاء المأتي به منه، فيجعل التعجيز لا باعتبار انتفاء المأتي به لا باعتبار انتفاء المأتي منه وهو المثل.

قلنا: هذا احتمال عقلي لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له مساغ في اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم فلا اعتداد به هنا: وللطيبي كلام هنا طويل لا طائل تحته.

ج / 3 ص -85- والتسخير:

نحو: {كُوْنُوْا قِرَدَةً خَاسِئِيْنَ}1.

والإهانة2:

نحو كونوا حجارة أو حديدًا وقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيم}.

والتسوية3:

كقوله: {أَنْفِقُوا طَوْعًا أو كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُم}. وقوله: {اصْبِرُوا أو لا تَصْبِرُوا}.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 والعلاقة هنا السببية. والتسخير جعل الشيء مسخرًا منقادًا لما أمر به. وذلك في مقام يكون فيه منقادًا للأمر بدون قدرة له والعلاقة هنا السببية وتحتمل أن تكون المشابهة في مطلق الإلزام.

2 والعلاقة هنا اللزوم؛ لأن طلب الشيء من غير قصد حصوله لعدم القدرة عليه مع كونه من الأحوال المهينة يستلزم إهانة المأمور، والفرق بين التسخير والإهانة أنه في التسخير يحصل الفعل المأمور به وفي الإهانة لا يحصل الفعل إذ ليس الغرض أن يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة لعدم قدرتهم على ذلك بل المقصود قلة المبالاة بهم.

3 والعلاقة هنا التضاد، وقيل أن صيغة التسوية إخبارًا لا إنشاءًا وإفادة صيغة الأمر للتسوية في مقام توهم رجحان الأمرين على الآخر. ففي الإباحة كان المخاطب توهم أن الفعل محظور عليه فأذن له في الفعل مع عدم الحرج في الترك، وفي التسوية كأنه توهم أن أحد الطرفين من الفعل والترك أنفع له وراجح بالنسبة إليه فدفع ذلك وسوى بينهما.

ج / 3 ص -86- والتمني1. كقول امرئ القيس:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي "بصبح، وما الإصباح منك بأمثل"

والدعاء2: إذا استعملت في طلب الفعل على سبيل التضرع نحو: رب اغفر لي ولوالدي.

والالتماس: إذا استعملت فيه على سبيل التلطف، كقولك لمن يساويك في الرتبة: افعل، بدون الاستعلاء.

والاحتقار3:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 والعلاقة هنا السببية أو الضاد أيضًا. والتمني يكون في مقام طلب شيء محبوب لا قدرة للطالب عليه وذلك في مخاطبة ما لا يعقل، ومثل البيت قول الشاعر:

يا قطر عم دمشق واخصص منزلًا في قاسيون وصلة بنبات

وقول ابن زيدون:

ربا نسيم الصبا بلغ تحيتنا من لو على البعد حيا كان يحيينا

وقول المعري:

فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

وهنا اعتراض وهو أن التمني من أقسام الطلب فيكف يكون الأمر إذا كان لا طلب فيه للتمني والجواب أن الأمر هنا لم يخرج إلى إفادة عدم الطلب أصلًا بل إلى إفادة الطلب لا على سبيل الاستعلاء، وقال السيد في الجواب: "كأنه أراد أن القسم الأول وهو أن لا يفيد الطلب المعتبر في الأمر أصلًا أعني ما يستدعي إمكان المطلوب وما لا يفيد هذا الطلب أصلًا جاز أن يفيد نوعًا آخر من الطلب فلا إشكال".

2 أي الطلب على سبيل التضرع واختيار السبكي أن استعمال الطلب فيه حقيقة لا مجاز وكذلك الالتماس.

3 هو والإهانة قريبان من بعض فما قيل هناك في مقام التجوز وعلاقته يقال هنا.

وهذا ومن خروج صيغة الأمر للدعاء قول الشاعر:

أسلم يزيد في الدين من أود إذا سلمت، وما في الملك من خلل

ج / 3 ص -87- نحو: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُون}.

ثم الأمر قال السكاكي حقه الفور.

أولًا: لأنه الظاهر من الطلب1.

وثانيًا: ولتبادر الفهم عند الأمر بشيء بعد الأمر بخلافة إلى تغيير الأمر الأول دون الجمع وإرادة التراخي2.

والحق خلافة لما تبين في أصول الفقه3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= وللإرشاد.

كذا فليسر من طلب الأعادي

ومثل سراك فليكن الطلاب، وقول أبي العتاهية:

واخفض جناحك إن منحت إمارة وارغب بنفسك عن ردى اللذات

وقول الأرجاني:

شاور سواك إذا نابتك نائبة يومًا وإن كنت من أهل المشورات

وللالتماس قول الشاعر:

عرج على الزهر يا نديمي ومل إلى ظله الظليل

وقول ابن زيدون:

دومي على العهد ما دمنا محافظة فالحر من دان انصافًا كما دينا

أولى وفاء وإن لم تبذلي صلة فالذكر يقنعنا والطيف يكفينا

هذا ويرد الأمر للنهي أيضًا. قال الجاحظ. قال رجل لابنه إذا أردت أن تعرف عيبك مخاصم شيخًا من قدماء جيرانك، فقال: يا أبت لو كنت إذا خاصمت جاري لم يعرف عيبي غيري كان ذلك رأيًا، قال الجاحظ وقد أخطأ الذي صنع هذا الحديث؛ لأن أباه نهاه ولم يأمره "125 جـ3 بيان".

1 كما في الاستفهام والنداء فإنه لا خفاء في أنهما يقتضيان الفور -وراجع كلام السكاكي في المفتاح ص137.

2 فإن المولى إذا قال لعبده: قم ثم قال له قبل أن يقوم: اضطجع حتى المساء، يتبادر الفهم إلى أنه غير الأمر بالقيام إلى الأمر بالاضطجاع ولم يرد الجمع بين القيام والاضجاع مع تراخي أحدهما.

3 وذلك؛ لأنا لا نسلم ما قاله السكاكي عن خلو المقام عن القرائن. والحاصل على الفورية والتراخي إنما يستفادان من القرائن فإذا انتفت كان المراد طلب الماهية مطلقًا. فعند خلو المقام من القرائن لا يكون مفهوم الأمر إلا الطلب استعلاء، والفور والتراخي مفوض إلى القرائن كالتكرار وعدمه فإنه لا دلالة للأمر على شيء منهما.

ج / 3 ص -88- رابعا: النهي1.

ومنها النهي2.

وله حرف واحد، وهو "لا" الجازمة في نحو قولك: لا تفعل.

وهو كالأمر في الاستعلاء3.

وقد يستعمل في غير طلب الكف4 أو الترك5.

كالتهديد:6 كقولك لعبد لا يمتثل أمرك: لا تمتثل أمري7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 137 من المفتاح -والنهي هو طلب الكف عن الفعل استعلاء والمراد بالطلب الطلب اللفظي هذا وقد اختلف في النهي هل هو للحرمة أو للكراهة أو للقدر المشترك بينها، فالأول هو قول الجمهور، والأخير قول الشارح. ولكن النهي يقتضي الفور بلا خلاف.

2 أي من أنواع الإنشاء الطلبي.

3 لأنه المتبادر إلى الفهم.

4 أي عن الفعل كما هو مذهب الأشاعرة.

5 كما هو مذهب المعتزلة الذين يقولون أن مدلوله عدم الفعل وهو المعبر عنه بالترك.

فقد اختلف الأصوليون في أن مقتضى النهي كف النفس عن الفعل بالاشتغال بأحد أضداده، أو ترك الفعل وهو نفس أن لا تفعل أي نفس عدم الفعل.

6 والعلاقة بين الشيء والتهديد السببية أو استلزام النهي للتهديد.

7 ويخرج أيضًا إلى الدعاء والالتماس، إذ فيهما طلب كف لا على وجه الاستعلاء والعلاقة الإطلاق.

ومثال خروج النهي للدعاء قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا} والالتماس كقول المعري:

لا تطويا السر عني يوم نائبة فإن ذلك ذنب غير مغتفرا

وقول ابن زيدون:

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا إن طالما غير النأي المحبينا

كما يخرج إلى الإرشاد والتمني والتوبيخ والتهديد والتحقير وسوى ذلك.

ج / 3 ص -89- واعلم1 أن هذه الأربعة -أعني التمني والاستفهام والأمر والنهي- تشترك في كونها قرينة دالة على تقدير الشرط2 بعدها، كقولك ليت لي ما لا أنفقه أي أن أرزقه وقولك أين بيتك أزرك أي أن تعرفنيه وقولك أكرمني أكرمك أي إن تكرمني، قال الله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي}، بالجزم، فأما قراءة الرفع: فقد حملها الزمخشري على الوصف، وقال السكاكي الأولى حملها على الاستئناف دون الوصف لهلاك يحيى قبل زكريا عليهما السلام وأراد بالاستئناف أن يكون جواب سؤال مقدر تضمنه ما قبله، فكأنه لما قال فهب لي وليًّا قيل ما تصنع به؟، فقال: يرثني، فلم يكن داخلًا في المطلوب بالدعاء، وقولك: لا تشتم يكن خير لك أي إن لا تشتم.

وأما العرض كقولك لمن تراه لا ينزل: ألا تنزل تصب خيرًا أي أن تنزل فمولد من الاستفهام وليس به؛ لأن التقدير أنه لا ينزل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 رجع 133 و137 و138 من المفتاح.

2 أي فعل الشرط أي مع الأداة - ويطلق الشرط أيضًا على الأداة وعلى التعليق.

فإذا قصدت السببية وجب الجزم وإلا وجب الرفع على الصفة أو الحال أو الاستئناف على حسب المعنى المراد.

وسر جواز تقدير الشرط بعد هذه الأربعة أن الحامل للمتكلم على الكلام الطلبي كون المطلوب مقصودًا للمتكلم أما لذاته أو لغيره لتوقف ذلك الغير على حصوله، وهذا معنى الشرط، فإذا ذكرت الطلب وذكرت بعده ما يصلح توقفه على المطلوب غلب على ظن المخاطب كون المطلوب مقصودًا لذلك المذكور بعده لا لنفسه، فيكون إذا معنى الشرط -وهو توقف الشيء على الشيء- ظاهرًا في الطلب -أي في الكلام الطلبي- مع ذكر ذلك الشيء. ولما جعل النحاة الأشياء التي يضمر حرف الشرط بعدها خمسة أشياء المصنف إلى ذلك بقوله: "وأما العرض فمولد من الاستفهام".

ج / 3 ص -90- فالاستفهام من عدم النزول طلب للحاصل وهو محال1.. وتقدير الشرط في غير هذه المواضع لقرينة جائز أيضًا كقوله تعالى: {فَاللَّهُ هو الْوَلِي}2 أي إن أرادوا وليًّا بالحق فالله هو الولي لا ولي سواه3. وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ ولَدٍ ومَا كَان مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ}، أي لو كان معه إله إذًا لذهب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فالعرض مولد من الاستفهام وليس شيئًا آخر برأسه؛ لأن الهمزة فيه للاستفهام دخلت على فعل منفي امتنع حمله على حقيقة الاستفهام للعلم بعدم النزول مثلًا، فتولد عنه بمعونة قرينة الحال عرض النزول على المخاطب وطلبه منه.

2 راجع 121 و138 من المفتاح.

3 وقيل لا شك أن قوله: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أو ْلِيَاء} إنكار توبيخ بمعنى أنه لا ينبغي أن يتخذ من دونه أو لياء وحينئذ يترتب عليه قوله تعالى: {فَاللَّهُ هو الْوَلِي} من غير تقدير الشرط كما يقال لا ينبغي أن يعبد غير الله فالله هو المستحق للعبادة.

والفاء على الوجه الأول رابطة لجواب شرط مقدر وعلى الثاني للتعليل للنفي.

ويرد على الرأي الثاني أنه ليس كل ما فيه معنى الشيء حكمه حكم ذلك الشيء والطبع المستقيم شاهد صدق على صحة قولنا "لا تضرب زيد فهو أخوك" بالفاء بخلاف "أتضرب زيدًا فهو أخوك" استفهام إنكار فإنه لا يصح إلا بالجملة الحالية.

ج / 3 ص -91- خامسًا: النداء1.

ومنها النداء 2.

وقد تستعمل صيغته في غير معناه3.

كالإغراء4.

في قولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم.

والاختصاص5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 138 من المفتاح.

2 أي من أنواع الإنشاء الطلبي.

والنداء طلب الإقبال بحرف نائب مناب ادعوا لفظًا أو تقديرًا -أي طلب المتكلم إقبال المخاطب حسًّا أو معنى والمراد بالطلب الطلبي اللفظي؛ لأنه هو الذي من أقسام الإنشاء.

فمفاد حرف النداء ومدلوله "أدعوا" ولذلك لا يجزم الفعل بعده وجوبًا، وأما الإقبال فهو مطلوب باللزوم فالنداء من أقسام الطلب لدلالته على طلب الإقبال لزومًا. وحروفه: أيا وهيا للبعيد وما نزل منزلته -وأي والهمزة لنداء القريب وما هو بمنزلته- ويا قيل هي حقيقة في البعيد ومجاز في القريب وقيل حقيقة في القريب والبعيد وهذا رأي ابن الحاجب والأول للزمخشري.

3 أي في غير معناه الأصلي وهو طلب الإقبال.

4 راجع 123 من المفتاح -والإغراء هو الحث على لزوم الشيء، فقولك للمظلوم يا مظلوم نقصد إغراءه وحثه على زيادة التظلم وبث الشكوى. ولست تقصد بذلك طلب إقباله؛ لأن الإقبال حاصل: فيكون اللفظ الموضوع لطلب الإقبال مستعمل فيه على المجاز المرسل بعلاقة الإطلاق والتقيد.

5 هو لغة قصر الشيء على الشيء واصطلاحًا تخصيص حكم علق بضمير باسم ظاهر صورته صورة منادى أو معرف بأل أو بإضافة أو بالعلمية.

ج / 3 ص -92- في قولهم: أنا أفعل كذا أيها الرجل1، ونحن نفعل كذا أيها القوم، واغفر اللهم لنا أيتها العصابة، أي متخصصًا من بين الرجال ومتخصصين من بين الأقوام والعصائب.

"وقوع الخبر موقع الإنشاء2:

ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء3 أما: للتفاؤل4، أو لإظهار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فأي مبني على الضم في محل نصب مفعول لمحذوف وجوبًا أي أخص والرجل نعت لأي باعتبار لفظها والجملة في محل نصب على الحال، فقولك أنا أكرم الضيف أيها الرجل أفاد فيه قولنا أيها الرجل تخصيص الرجل بالإكرام الذي نسب لمدلول أنا وهو المتكلم ويلاحظ أن المجاز في أيها ونسب إلى حرف النداء؛ لأن "أيا" نزلت منزلة أدواته لكثرة استعمالها مع أدوات النداء فقولنا "أيها الرجل" أصله تخصيص المنادى بطلب إقباله عليك، فهو على المجاز المرسل لعلاقة الإطلاق والتقييد، فليس المراد بأي وبوصفه هو المخاطب بل ما دل عليه ضمير المتكلم، فأيها مضموم والرجل مرفوع والمجموع في محل النصب على أنه حال، ولهذا قال "أي متخصصًا" أي مختصًّا من بين الرجال.

هذا وقد تستعمل صيغة النداء في الاستغاثة نحو "يا لله" مجازًا مرسلًا من استعمال ما للأعم في الأخص.

وفي التعجب نحو يا للماء مجازًا مرسلًا لعلاقة المشابهة.

وفي التحسر والتوجع لذلك كما في نداء الأطلال والمنازل والمطايا وما أشبه ذلك.

2 راجع 138 و129 من المفتاح.

3 مجازًا مرسلًا في استعمال الماضي في الطلب والعلاقة الضدية، أو مجازًا لاستعارة لتشبيه غير الحاصل بالحاصل للتفاؤل أو للحرص على وقوعه. أما استعمال المستقبل في الطلب فيجوز أن يجعل مجازًا ويجوز أن يجعل كناية بأن يقال حصول الفعل في الاستقبال لازم لطلب الفعل في الحال فذكر اللازم وأريد الملزوم، وقد منع السبكي أن يكون كناية؛ لأنه فيها يكون خبرًا لفظًا ومعنى مع أنه إنشاء بصيغة الخبر.

4 بلفظ الماضي دلالة على أنه كأنه وقع نحو وفقك الله للتقوي.

ج / 3 ص -93- الحرص في وقوعه كما مر1، والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يحتمل الوجهين2.

أو للاحتراز عن صورة الأمر، كقول العبد للمولى إذا حول عنه وجهه: ينظر المولى إلى ساعة3.

أو لحمل المخاطب على المطلوب، أن يكون المخاطب ممن لا يحب أن يكذب الطالب4. أو لنحو ذلك5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي في بحث الشرط من أن الطالب إذا عظمت رغبته في شيء يكثر تصوره إياه فربما يخيل إليه حاصلًا نحو رزقني الله لقاءك.

2 أي التفاؤل وإظهار الحرص. وأما غير البليغ فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات.

3 فلا يكون هذا وما بعده بلفظ الماضي بل بلفظ المضارع.

فالمتكلم يقول "ينظر" دون انظر؛ لأنه في صورة الأمر وأن قصد بذلك الأمر الدعاء أو الشفاعة.

4 أي ينسب إلى الكذب، كقولك لصديقك الذي لا يحب تكذيبك "تأتيني غدا" مقام "أتتني" تحمله بألطف وجه على الإتيان؛ لأنه إذا لم يأتيك غدًا صرت كاذبًا من حيث الظاهر لكون كلامك في صور الخبر وإن كان من حيث نفس الأمر لا كذب؛ لأن كلامك في المعنى إنشاء. هذا واستعمال الخبر في الصور الأربعة مجاز مرسل، ويحتمل أن يكون كناية في الصورتين الأخيرتين، والعلاقة في الأولين الضدية مجازًا مرسلًا، فالوجهان الأخيران اللذان بصورة المضارع "الاحتراز عن صورة الأمر -وحمل المخاطب على المطلوب" يحملان على الكناية، وجعل السكاكي الوجه الثالث هو لقصد الكناية قال، ووجه حسنه أما نفس الكناية إن شئت وأما الاحتراز عن صورة الأمر وأما هما معًا "129 من المفتاح".

5 كالقصد إلى المبالغة في الطلب حتى كان المخاطب سارع في الامتثال، وكالقصد إلى استعجال المخاطب في تحصيل المطلوب، وكالتنبيه على كون المطلوب قريب الوقوع في نفسه لقوة الأسباب المتآخذة في وقوعه ونحو ذلك من الاعتبارات.

هذا وقد يقع الإنشاء موقع الخبر لأغراض منها:

الاهتمام بالشيء كقوله تعالى: {قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وأقِيمُوا وجوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، عدل فيه عن الخبر اهتمامًا بأمر الصلاة.

وكالرضا بالواقع حتى كأنه مطلوب كقوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".

وكالاحتراز عن مساواة اللاحق بالسابق كقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ}، عدل فيه عن: "وأشهدكم" فرارًا من مساواة شهادتهم بشهادته.

ج / 3 ص -94- تنبيه:

ما ذكرناه في الأبواب الخمسة السابقة1 ليس كله مختصًّا بالخبر.

بل كثير منه حكم الإنشاء فيه حكم الخبر يظهر ذلك بأدنى تأمل فليعتبره الناظر2.

"والله أعلم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الإسنا د - المسند إليه - المسند - متعلقات الفعل - القصر.

2 مثلًا الكلام الإنشائي أما مؤكدًا أو غير مؤكد، والمسند إليه فيها إما محذوف أو مذكور إلى غير ذلك.

"والله أعلم".

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 3 ص -97- القول في الوصل والفصل1:

ما هو الوصل والفصل؟:

الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه2 وتمييز موضع أحدهما من موضع الآخر على ما تقتضيه البلاغة فن منها عظيم الخطر، صعب المسلك دقيق المأخذ لا يعرفه على وجهه، ولا يحيط علمًا بكنهه، إلا من أو تي في فهم كلام العرب طبعًا سليمًا، ورزق في إدراك أسراره ذوقًا صحيحًا، ولهذا قصر بعض العلماء البلاغة على معرفة الفصل من الوصل3، وما قصرها عليه؛ لأن الأمر كذلك، إنما حاول بذلك التنبيه على مزيد غموضه وأن أحدًا لا يكمل فيه إلا كمل.

في سائر فنونها فوجب الاعتناء بتحقيقه على أبلغ وجه في البيان فنقول والله المستعان:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع الباب في 108 من المفتاح، 170 وما بعدها من الدلائل هذا وبحوث هذا الباب تتلخص فيما يلي.

التعريف - حكم المفردات - حكم الجمل التي لا محل لها من الإعراب - حكم الجمل التي لها محل من الإعراب - محسنات الوصل – الجامع - الجملة الحالية.

2 خص الجمل؛ لأنها أكثر أحكامًا وإن كان الوصل والفصل يجريان أيضًا في المفردات فإن وجد الجامع بينهما فالوصل وإلا فالفصل.

وقوله "والفصل تركه" أي ترك عطف بعض الجمل على بعض مما شأنها العطف فلا يقال لترك عطف الجملة الحالية فصل -والترك مشعر بالقصد وهو المناسب للأحوال البلاغية.

هذا وفي مختصر السعد عقد الترجمة للباب هكذا "الفصل والوصل" ثم جاء التعريف مبتدأ بذكر الوصل، فقالوا: بدأ بذكر الفصل؛ لأنه الأصل والوصل عارض حاصل بزيادة حرف من حروف العطف، لكن لما كان الوصل بمنزلة الملكة- التي هي عبارة عن الأمر الذي شأنه أن يقوم بالشيء باعتبار جنسه أو شخصه- والفصل بمنزلة عدم الملكة الذي هو نفي شيء عما من شأنه أن يتصف بذلك الشيء وعدم الملكة إنما يعرف بعد معرفة الملكة بدأ في التعريف بذكر الوصل.

3 راجع 109 من المفتاح، 170 دلائل الإعجاز.

ج / 3 ص -98- حكم المفردات والجمل التي لها محل من الإعراب:

إذا أتت جملة بعد جملة فالأولى منهما إما أن يكون لها محل من الإعراب1 أو لًا. وعلى الأول2 أن قصد التشريك بينها وبين الثانية في حكم الإعراب1 أولًا. وعلى الأول2 أن قصد التشريك بينها وبين الثانية.

في حكم الإعراب3 عطفت عليها4 وهذا كعطف المفرد على5 المفرد؛ لأن الجملة لا يكون لها محل من الإعراب حتى تكون واقعة موقع المفرد، فكما يشترط في كون العطف بالواو ونحوه6 مقبولًا في المفرد أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه7 جهة جامعة8

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بأن تكون في محل رفع كالخبرية، أو نصب كالمفعولية، أو جر كالمضاف إليها -وقوله أو لا أي لا محل لها من الإعراب كالجملة الاستئنافية.

2 أي على تقدير أن يكون للأولى محل من الإعراب.

3 أي الذي للأولى مثل كونها خبر مبتدأ أو حالًا أو صفة أو نحو ذلك.

4 أي عطفت الثانية على الأولى ليدل العطف على التشريك المذكور.

5 فإنه إذا قصد تشريك المفرد لمفرد قبله في حكم إعرابه من كونه فاعلًا أو مفعولًا أو مجرورًا بحرف كالذي قبله، وجب عطفه عليه في الاستعمال الأغلب، وإن كانوا قد أجازوا ترك العطف في الأخبار والصفات المتعددة مطلقًا قصد التشريك وجب العطف. والفرق بينهما أن الصفات المفردة كالشيء الواحد من الموصوف لعدم استقلالها بخلاف الجمل فهي لاستقلالها لا يدل على تعلقها بما قبلها إلا العطف.

6 أي نحو الواو مما يقتضي التشريك في الحكم كالفاء وثم وحتى وهذا خطأ؛ لأن هذا الحكم مختص بالواو فقط ولا يشاركها فيه شيء من حروف العطف.

7 مفردين أو جملتين.

8 أي وصف له خصوص يجمعها في العقل أو الوهم أو الخيال وبقرب أحدهما من الآخر.

ج / 3 ص -99- كما في قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}، يشترط في كون العطف بالواو ونحوه مقبولًا في الجملة ذلك1، كقولك: زيد يكتب ويشعر2 أو يعطي ويمنع وعليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}، ولهذا عيب على أبي تمام قوله:

لا والذي هو عالم أن النوى صبر وأن أبا الحسين كريم3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي وجود الجهة الجامعة.

2 لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر "جامع خيالي بين المسندين" مع اتحاد المسند إليه في الجملتين، وكذلك بين يعطي ويمنع من التضاد ما يجمع بينهما في العطف بخلاف نحو زيد يكتب ويمنع أو يعطي ويشعر، وذلك أي اشتراط الجامع بينهما لئلا يكون الجمع عند انتفاء الجهة الجامعة عبثًا لا طائل تحته كالجمع بين الضب وهو حيوان بري والنون -أي الحوت- وهو حيوان بحري ومثل هذا قول الكميت:

أم هل ظعائن بالعلياء رافعة وإن تكامل فيها الدل والشنب

3 راجع البيت وشرحه في كتابي "شرح البديع لابن المعتز ص61"، وفي 443 من الصناعتين، 25 جـ3 زهر الآداب، 173 من الدلائل، 118 من المفتاح، 22 جـ2 ابن السبكي.

والشاهد فيه عطف جملة "وأن أبا الحسين كريم" على جملة "أن النوى صبر" مع عدم المناسبة الظاهرة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى فهذا العطف غير مقبول سواء جعل عطف مفرد على مفرد كما هو الظاهر؛ لأن أن تؤول مع خبرها بمفرد مضاف لاسمها أو جعل عطف جملة على جملة باعتبار وقوعه موقع مفعولي عالم اللذين أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأن وجود الجامع شرط في عطف المفرد وعطف الجملة.

والبيت من قصيدة لأبي تمام منها:

زعمت هو اك عفا الغداة كما عفا عنها طلال باللوى ورسوم

لا والذي............. ...........

ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت نفسي على ألف سواك تحوم

فقوله "لا، نفي لما زعمته الحبيبة من أندراس هو اه بدلالة البيت السابق - وجواب القسم "لا والذي" هو قوله في البيت الذي بعده: "ما زلت عن سنن الوداد. والصبر بكسر الباء: عصارة شجر مر. =

ج / 3 ص -100- إذ لا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= ملاحظات:

1- العطف بالفاء وثم وحتى في المفردات والجمل لا يشترط فيه وجود الجهة الجامع؛ لأن هذا هذا الشرط مختص بالواو؛ لأن بكل حرف من هذه الحروف معنى محصلًا غير التشريك والجمعية فإن تحقق هذا المعنى حسن العطف وإن لم يوجد جهة جامعة بخلاف الواو فليس بلازم في الربط بغير الواو من حروف العطف إلا تحقق معنى الحرف كالتعقيب والتراخي ونحوهما فمتى تحقق معنى حرف العطف عطفت سواء كان المعطوف مفردًا أو جملة وسواء كانت الجملة الأولى المعطوف عليها لها محل من الإعراب أم لا؛ لأن معاني هذه الحروف جامعة بنفسها في غنى عن الجهة الجامعة الأخرى وإن كان مع ذلك لا ضير في أن توجد جهة جامعة أخرى غير معاني هذه الحروف بل كثيرًا ما يوجد ذلك في أساليب البلغاء.

فالعطف بالواو لا بد فيه من مناسبة خاصة "جهة جامعة" والعطف بغيرها لا يجب فيه ذلك وإن كان يكثر فيه ملاحظة تلك المناسبة الخاصة.

2- عطف المفردات غير الصفات بالواو يشترط فيه أمران:

قصد التشريك ووجود الجهة الجامعة.

وقصد التشريك يفهم تغاير المعنى بين المفردات واختلافه اختلافًا مقصودًا:

وذلك مثل الآية: {يَعْلَمُ مَاْ يَلِجُ فَيْ الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَاْ يَنْزِلُ مِنَ الْسَّمَاْءِ وَمَاْ يَعْرُجُ فِيْهَا}، لما بينهما من التقابل بالتضاد في الأولين، وعطف العارج في السماء والنازل فيها كذلك.

3- المفردات الواقعة صفات الأصل فيما عند عدم تقابلها ترك العطف نظرًا؛ لأنها جارية على موصوف واحد مع تلاؤمها وتناسبها. وقد تعطف مع عدم التقابل الصفة على الأخرى.

أما إذا تقابلت الصفات فالواجب فيها العطف إلا إذا قصدت من الصفتين معنى واحدًا.

وعلى أي حال فهذه الصفات من المفردات والحكم على أي حال في الجمع لا يكاد يختلف.

4 الجمل متى كان للأولى منها "المعطوف عليها" حكم من الإعراب كأن حكم العطف فيها كحكمه بين المفردات، فمتى قصد التشريك ووجدت الجهة، الجامعة فالوصل، وإلا فالفصل.

ج / 3 ص -101- وإن لم يقصد1 ذلك ترك عطفها عليها كقوله تعالى: {وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أم يعطف الله يستهزئ بهم على إنا معكم؛ لأنه لو عطف عليه لكان من مقول المنافين2 وليس منه، وكذا قوله تعالى3: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ}، وكذا قوله: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كما آمَنَ النَّاس قَالوا أَنُؤْمِنُ كما آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 رجع 178 من الدلائل، 114 من المفتاح.

وقوله إن لم يقصد ذلك، أي لم يقصد تشريك الثانية للأولى في حكم إعرابها سواء أكان بينهما جهة جامعة أم لا - ترك عطف الثانية على الأولى، لئلا يلزم من العطف التشريك في الحكم وهو ليس بمقصود بل المقصود الاستئناف.

2 فلو عطف عليه لزم تشريكه له في كونه مفعول قالوا فيلزم أن يكون مفعول قول المنافقين وليس كذلك وإنما قال: على {إنَّا مَعَكُمْ} دون {إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}؛ لأن قوله: {إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} عطف بيان لقوله: {إنَّا مَعَكُمْ} فحكمه حكمه وأيضًا العطف على المتبوع هو الأصل وإن كان قد قيل أنه ليس في: {إنَّا مَعَكُمْ} إيهام واضح حتى يكون إنما نحن مستهزؤون بيانًا لها بل هي تأكيد لها أو بدل اشتمال منها أو مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، ولعل المراد بالبيان هنا البيان اللغوي وهو الإيضاح لا الاصطلاحي، ولكن كلام الشارح في شرح المفتاح يقتضي أن المراد بالبيان البيان الاصطلاحي.

هذا هو الحاصل أن الجملة التي لها محل من الإعراب إن لم يقصد تشريك الثانية للأولى في حكم إعرابها وجب ترك العطف "وإن قصد فإن وجد الجامع عطفت" وإلا فلا فالمعتبر هو الجامع فلو جعله محل التقسيم لكان أنسب؛ لأن منع العطف لعدم قصد التشريك تكفل به النحو.

3 راجع 85 و114 من المفتاح في الكلام على الآية.

ج / 3 ص -102- حكم الجمل التي لا محل لها من الإعراب1:

وعلى الثاني2 أن قصد بيان ارتباط الثانية بالأولى على معنى بعض حروف العطف سوى الواو عطفت عليها3 بذلك الحرف4 تقول: دخل زيد فخرج عمرو، إذا أردت أن تخبر أن خروج عمرو كان بعد دخول زيد من غير مهلة، وتقول: خرجت ثم خرج زيد، إذا أردت أن تخبر أن خروج زيد كان بعد خروجك بمهلة5، وتقول يعطيك زيد دينارًا أو يكسوك جبة، إذا أردت أن تخبر أنه يفعل واحدًا منهما لا بعينه، وعليه قوله تعالى: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِين}6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 172 من الدلائل، و109 من المفتاح.

2 أي على تقدير أن لا يكون للأولى محل من الإعراب.

3 أي عطفت الثانية على الأولى مطلقًا في الأحوال الستة الآتية "كمال الاتصال. كما ل الانقطاع إلخ" وسواء كان للأولى قيد قصد إعطاؤه للثانية أو قصد عدم إعطائه لها أو لم يكن لها قيد أصلًا.

4 أي العاطف من غير اشتراط أمر آخر -الجهة الجامعة.

5 هذا هو الأصل في الفاء وثم. وقد تكون الفاء للتعقيب الذكري ومنه عطف المفصل على المجمل، وكذلك ثم قد تكون لاستبعاد مضمون ما بعدها عما قبلها أو لمجرد التدرج في مدارج الكمال.

6 فعدم اشتراط أمر آخر لصحة العطف بغير الواو في -الفاء ثم ومثلهما حتى ولكن ولا وأو وبل- من الجهة الجامعة؛ لأن ما سوى الواو من حروف العطف يفيد مع الاشتراك معاني محصلة مفصلة في علم النحو، فإذا عطفت الثانية على الأولى بذلك العاطف ظهرت الفائدة بدون توقف على شيء آخر، فيحصل معاني هذه الحروف؟ بخلاف الواو فإنها لا تفيد إلا مجرد الاشتراك وهذا إنما يظهر فيما له حكم إعرابي كالمفردات والجمل التي لها محل إعرابي فإذا وجدت الجهة الجامعة -أي الوصف الخاص الذي يجمعهما ويقرب أحدهما من الآخر في العقل أو الوهم أو الخيال- عطفت على بعض وإلا فلا، وإما إفادة الواو الاشتراك في غير ماله حكم إعرابي ففيه خفاء وإشكال ودقة وهو السبب في صعوبة باب الفصل الوصل.

ج / 3 ص -103- وإن لم يقصد ذلك1.

1- فإن كان للأولى حكم2 ولم يقصد إعطاؤه الثانية تعين الفصل، كقوله تعالى: {وَإذَا3 خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، لم يعطف {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على {قََالُوْا}، لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المقدم وهو قوله: {وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ}، فإن استهزاء الله تعالى بهم وهو أن خذلهم فخلاهم وما سولت لهم أنفسهم مستدرجًا إياهم من حيث لا يشعرون، متصل لا ينقطع بكل حال: خلوا إلى شياطينهم أم لم يخلوا إليهم 4، وكذلك في الآيتين الأخيرتين5: فإنهم مفسدون في جميع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 114 من المفتاح، 179 من الدلائل أي وإن لم يقصد ربط الثانية بالأولى على معنى عاطف سوى الواو وهذا يصدق بصورتين:

1 أن لا يقصد ربط أصلًا فيتعين الفصل وهو ظاهر.

2 أن لا يقصد اجتماع حصول مضمونهما خارجًا لكن لا على معنى عاطف هو الواو وهذه الحالة الثانية هي التي فيها التفصيل المذكور.

3 أي قيد زائد على مفهوم الجملة كالاختصاص بالظرف في الآية وكالتقييد بحال أو ظرف أو شرط، وليس المراد الحكم الإعرابي؛ لأن أساس المسألة أن الأولى لا محل لها من الإعراب.

3 راجع 110 من المفتاح و188 من الدلائل في الكلام على الآية.

4 فإن قيل: إذا شرطية لا ظرفية فتقديمها؛ لأن لا الصدارة لا للتخصيص قلنا:

1 إذا الشرطية هي الظرفية في الأصل استعملت استعمال الشرط.

2 ولو سلم عدم كون الظرفية أصلًا لها فلا ينافي ما ذكرناه؛ لأنه اسم فضلة معناه الوقت -مع كونه شرطًا- فلا بد له من عامل وهو "قالوا إنا معكم" بدلالة المعنى، بناء على أن العامل في إذا الشرطية هو جوابها وهو مذهب الجمهور، لأشراطها كما ذهب إليه الرضي وأبو حيان. وإذا قدم متعلق الفعل وعطف عليه فعل آخر يفهم اختصاص الفعلين به كقولنا: يوم الجمعة سرت وضربت زيدًا، بدلالة الفحوى والذوق.

هذا والجواب الثاني قريب من الأول وإنما يفترقان من جهة رعاية أصالة الظرفية له أو عدم أصالتها وهذا التفريق ليس له ثمرة.

5 وهما: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إنما نحن مصلحون إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}، وقوله تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كما آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كما آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}.

ج / 3 ص -104- الأحيان -قيل لهم لا تفسدوا. أو لا، وسفهاء في جميع الأوقات قيل لهم آمنوا أو لا:

2- وإن لم يكن للأولى حكم كما سبق1:

فإن كان بين الجملتين كما ل الانقطاع وليس في الفصل إيهام خلاف المقصود كما سيأتي، أو كما ل الاتصال2 أو كانت الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى أو بمنزلة المتصلة بها، فكذلك يتعين الفصل 3: أما في الصورة الأولى؛ فلأن الواو للجمع والجمع بين الشيئين يقتضي مناسبة بينهما كما مر، وأما في الثانية؛ فلأن العطف فيها بمنزلة عطف الشيء على نفسه مع أن العطف يقتضي التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه وأما في الثالثة والرابعة فظاهر مما مر4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وذلك بأن لا يكون للأولى حكم زائد أي قيد زائد على مفهوم الجملة، أو يكون ولكن قصد إعطاؤه للثانية أيضًا.

2 يمكن أن تعتبر الإبهام مع كما الاتصال، والوجه فيه العطف مثل كما ل الانقطاع، وذكر عبد الحكيم تعين الفصل في كما ل الاتصال وإن كان فيه إبهام خلاف المقصود، مثل "لا تركت شربها" جوابًا لمن قال: هل تشرب الخمر.

3 فيه إشكال بالنسبة لإحدى الصورتين الداخلتين تحت قوله: وإلا، وهي ما إذا كان للأولى حكم قصد إعطاؤه للثانية، وذلك؛ لأنه إذا فصل مراعاة لكمال الانقطاع فات الحكم الذي قصد إعطاؤه، ولكن ذكر عبد الحكيم أنه يراعي كما ل الانقطاع فيفصل ويراعي الحكم فيصرح به مع ترك العاطف مثل يأتيك زيد يوم الجمعة، أكرمه فيه.

4 هذا وإن لم يكن بين الجملتين كما ل الانقطاع بلا إيهام ولا كما ل الاتصال ولا شبهة أحدهما فالوصل متعين لوجود الداعي وعدم المانع والمراد بالمانع أحد الأربعة السابقة وهو: وجود أحد الكمالين مع عدم الإبهام في كما ل الانقطاع أو موجود شبه أحدهما.

ج / 3 ص -105- "كمال الانقطاع":

وأما كما ل الانقطاع فيكون لأمر يرجع إلى الإسناد أو إلى طرفيه.

الأول: أن تختلف الجملتان خبرًا وإنشاءً:

لفظًا ومعنى1 كقولهم لا تدن من الأسد يأكلك، وهل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة، وبالرفع فيهما، وقول الشاعر:

وقال رائدهم أرسوا نزاولها فكل حتف امرئ يجري بمقدار2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بأن تكون إحداهما خبرًا لفظًا ومعنى والأخرى إنشاء لفظًا ومعنى.

2 الرائد: هو الذي يتقدم القوم لطلب الكلأ والماء أرسوا: فعل أمر أي أقيموا من أرسيت السفينة أي حبستها بالمرساة "بفتح الميم: الميناء. وبكسر الميم: جديدة تلقى في الماء متصلة بالسفينة فتقف".

نزاولها: أي نحاول تلك الحرب ونعالجها. والبيت للأخطل على ما في سيبويه ص450 جـ1. وهو في المفتاح ص117.

فنزاولها بالرفع لا بالجزم جوابًا للأمر؛ لأن الغرض تعليل الأمر بالإرساء بالمزاولة لا جعل الإرساء علة للمزاولة الذي يفيده الجزم؛ لأن الشرط علة في الجزاء ولا يستقيم كونه بالرفع حالًا لئلا يفوت التعليل الذي هو المقصود. ومعنى البيت: أقيموا نقاتل، فإن موت كل نفس يجري بقدر من الله، لا الجبن ينجيه والإقدام يدريه.

والشاهد: ترك العطف بين "أرسوا" "ونزاولها"؛ لأن الأولى إنشاء لفظًا ومعنى والثانية خبر لفظًا ومعنى. وهذا وراجع عطف الإنشائية على الخبرية وتفصيل الكلام على الآية وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، في السيد على المطول "ص12".

هذا والاستشهاد بالبيت خطأ؛ لأن للجملة الأولى محلًّا من الإعراب؛ لأنها مفعول قال. اللهم إلا أن يقال أن المثال لكمال الانقطاع بين الجملتين باختلافهما خبرًا وإنشاء لفظًا ومعنى مع قطع النظر عن كون الجملتين مما ليس لهما محل من الإعراب أو لًا فكمال الانقطاع له نوعان: ما ليس له محل عن الإعراب وحكمه الفصل، وما له محل إعرابي وهذا لا يوجبه، والحاصل أن منع العطف بين الإنشاء والخبر له ثلاثة شروط: أن يكون بالواو، وفيما لا محل له من الإعراب، وأن لا يوهم خلاف المراد.

هذا والفصل حينئذ إنما هو عند البيانيين. أما اللغويون فجوزوا الوصل بين الجملتين المختلفتين خبرًا وإنشاء وعليه: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا زيد ومن عمرو.

ج / 3 ص -106- أو معنى1 لا لفظًا كقولك مات فلان رحمه الله2. وأما قول اليزيدي:

ملكته حبلي ولكنه ألقاه من زهد على غاربي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي أو لاختلافهما خبرًا وإنشاء معنى لا لفظًا بأن تكون إحداهما خبرية معنى والأخرى إنشائية معنى وإن كانتا خبريتين أو إنشائيتين لفظًا. فالصور أربع.

1 الأولى خبرية لفظًا إنشائية معنى. والثاني خبرية لفظًا ومعنى.

2 عكس الصورة الأولى.

3 الأولى إنشائية لفظًا خبرية معنى والثانية إنشائية لفظًا ومعنى.

4 عكس الصور السابقة.

أو نقول بعبارة أخرى: الصور هي:

1 الأولى خبرية معنى والثانية إنشائية معنى خبريتان لفظًا.

2 الأولى خبرية معنى والثانية إنشائية معنى وهما إنشائيتان لفظًا.

3 الأولى إنشائية معنى والثانية خبرية معنى وهما خبريتان لفظًا.

4 الأولى إنشائية معنى والثانية خبرية معنى وهما إنشائيتان لفظًا.

فخرج ما إذا اختلفا لفظًا فقط فلا يكون من كما ل الانقطاع، وبقي من صور اختلافهما صورتان.

1 الأولى خبر لفظًا ومعنى والثانية إنشاء معنى فقط.

2 عكس الصورة السابقة.

3 لم يعطف "رحمه الله" على "مات"؛ لأنه إنشاء معنى و"مات" خبر معنى وإن كانتا جميعًا خبريتين لفظًا، ومثال ما لفظهما إنشاء وهما مختلفان معنى: {أَلَيْسَ اللهُ بَكَاْفٍ عَبْدَهُ}، اتق الله أيها الرجل"، فلفظهما إنشاء والأولى خبر معنى والثانية إنشاء معنى.

ج / 3 ص -107- وقال إني في الهوى كاذب انتقم الله من الكاذب

فعده السكاكي رحمه الله من هذا الضرب1 وحمله الشيخ عبد القاهر2 رحمه الله على الاستئناف بتقدير قلت3.

الثاني: أن لا يكون بين الجملتين4 جامع كما سيأتي.

"كمال الاتصال":

وأما كمال الاتصال5 فيكون لأمور ثلاثة:

الأول: أن تكون الثانية مؤكدة6 للأول والمقتضى للتأكيد دفع توهم التجوز7 والغلط وهو قسمان:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 حيث لم يعطف جملة "انتقم الله" على "إني في الهوى كاذب" لاختلافهما خبرًا وإنشاء معنى فالأولى خبر لفظًا ومعنى والثانية خبر لفظًا إنشاء معنى وراجع 117 من المفتاح.

2 راجع 183 من الدلائل.

3 أي قلت انتقم الله من الكاذب.

4 أي لا يكون بينهما -بين المسند فقط أو بين المسندين فقط أو بينهما معًا- جامع مع عدم الاختلاف في معنى الخبرية والإنشائية.

فلا يصح العطف في مثل: "زيد طويل وعمرو نائم" مثلًا.

5 أي بين الجملتين المانع من العطف بالواو إذ عطف إحداهما على الأخرى كعطف الشيء على نفسه، وغير الواو له حكم خاص به سبق ذكره.

6 راجع 174 من الدلائل، 109 من المفتاح، 48 من طراز المجالس للشهاب الخفاجي.

7 قال السيد: التوكيد المعنوى في المفردات لا يكون لدفع توهم السامع النسيان والغلط بل لدفع توهم التجوز فقط فكذلك في الجمل. وعلى هذا قال ابن يعقوب: أن دفع توهم التجوز في التأكيد المعنوي في الجمل ودفع توهم الغلط في التأكيد اللفظي فيها. والذي حققه عبد الحكيم أن التأكيد المعنوي يكون لدفع توهم السهو والنسيان ولدفع توهم التجوز.

ج / 3 ص -108- أحدهما أن ننزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنوي1 من متبوعة في إفادة التقرير مع الاختلاف2 في المعنى، كقوله تعالى3: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ4}، فإن وزان لا ريب فيه في الآية وزان نفسه في قولك جاءني الخليفة نفسه، فإنه لما بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال، بجعل المبتدأ ذلك، وتعريف الخبر باللام5 كان عند السامع قبل أن يتأمله6 مظنة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فهو من التوكيد المعنوي لغة لا اصطلاحًا، أو نقول كما هنا، أنه كالتأكيد المعنوي ومنزل منزلته.

2 بأن يختلف مفهوم الجملتين ولكن يلزم من تقرر معنى أحدهما تقرر معنى الأخرى.

3 راجع 142 جـ2 من الكامل للمبرد، 175 دلائل، 116 من المفتاح.

4 ومحل كون لا ريب فيه مؤكدة لما قبلها إذا جعلت جملة "ألم" طائفة من الحروف فتكون لا محل لها من الإعراب، أو إذا جعلت جملة مستقلة حذف أحد جزئيها -المبتدأ أو الخبر- إن جعلت اسمية، ويصح كونها جملة فعلية بتقدير اذكر أو أقسم، وجعلت "ذلك الكتاب" جملة ثانية لا محل لها من الإعراب، و"لا ريب فيه" جملة ثالثة. أما إذا جعلت "لاريب فيه" خبرًا لذلك الكتاب، أو خبرًا لجملة "ألم" وذلك الكتاب اعتراض، فإن {لا رَيْبَ فِيهِ} حينئذ يكون مما له محل من الإعراب.

5 الدال على كما ل العناية بتمييزه -من حيث إن الإشارة موضوع للمشاهد المحسوس- والتوسل ببعده إلى التعظيم وعلو الدرجة باعتبار أن اللام للبعد.

6 أي الدال على الانحصار؛ لأن تعريف الجزئين في الجملة الخيرية دال على الانحصار حقيقة أو مبالغة مثل حاتم الجواد، فمعنى ذلك الكتاب أنه الكتاب الكامل في الهداية كان ما عداه من الكتب السماوية في مقابلته ناقص بل ليس بكتاب فكثرة المبالغة تجوز توهم المجازفة وأن الكلام ليس على ظاهره.

7 أي قبل أن يتأمل كما لات الكتاب.

ج / 3 ص -109- أنه1 مما يرمي به جزافًا2 من غير تحقق، فأتبعه3 لا ريب فيه، نفيًا لذلك، اتباع الخليفة نفسه، إزالة لما عسى أن يتوهم السامع أنك في قولك جاءني الخليفة، متجوز أو ساه، وكذا قوله: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} الثاني مقرر لما أفاده الأول. كذا قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}؛ لأن قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ} معناه الثبات على اليهودية وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} رد للإسلام ودفع له منهم؛ لأن المستهزئ بالشيء المستخف به منكر له ودافع له، لكونه غير معتد به، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته، ويحتمل الاستئناف، أي فما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أصحاب محمد.

وثانيهما أن تنزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي4 من متبوعه في إفادة التقرير مع اتحاد المعنى، كقوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ5}، فإن هدى للمتقين معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضة6،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أعني قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}.

2 الجيم مثلثة في "جزافا"، أي من غير صدور عن روية وبصيرة.

3 على لفظ المبني للمفعول والمرفوع المستتر عائد إلى {لا رَيْبَ فِيهِ} والمنصوب البارز إلى ذلك الكتاب، أي جعل {لا رَيْبَ فِيهِ} تابعًا لـ {ذَلِكَ الْكِتَابُ} وقوله: "نفيا لذلك" أي لذلك التوهم. ودفع هذا التوهم على تقدير كون الضمير في {لا رَيْبَ فِيهِ} عائدًا على ذلك الكتاب ظاهر أما إذا كان الضمير راجعًا للكتاب كما هو الظاهر فمبني على أنه إذا لم يكن ريب في غاية كما له لم يكن {ذَلِكَ الْكِتَابُ} بالمجازفة.

4 بأن يختلف مضمون الجملتين ولكن يلزم من تقرر معنى أحدهما تقرر معنى الأخرى.

5 خبر مبتدأ محذوف أي هو هدى - والمتقين مجاز مرسل علاقته ما يؤول إليه أي للضالين الصائرين إلى التقوى.

6 وذلك لما في تنكير هدى من الإبهام والتفخيم، وحيث قيل هدى، ولم يقل "هاد".

ج / 3 ص -110- وهذا معنى قوله: {ذَلِكَ الْكِتَاب1}؛ لأن معناه كما مر الكتاب الكامل، والمراد بكماله كما له في الهداية؛ لأن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت في درجات الكمال2 وكذا قوله تعالى3: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون}، فإن معنى قوله: {لا يُؤْمِنُون} معنى ما قبله، وكذا ما بعده4 تأكيد ثان؛ لأن عدم التفاوت بين الإنذار وعدمه لا يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق، وسمع تدرك به حجة، وبصر تثبت به عبرة. ويجوز أن يكون {لا يُؤْمِنُون} خبرًا؛ لأن، فالجملة قبلها اعتراض.

الثاني: أن تكون الثانية بدلًا من5 الأولى، والمقتضى للإبدال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي معناه المقصود لا المعنى المطابق الذي وضع له اللفظ.

2 فهل مثل زيد الثاني في جاءني زيد زيد لكون مقررًا لذلك الكتاب مع اتفاقهما في المعنى المراد منهما بخلاف لا ريب فيه فإنه يخالفه معنى فالجملتان في التوكيد اللفظي متحدتان معنى والثانية لدفع توهم غلط ونسيان؛ لأن اللفظي لدفع ذلك والمعنوي لدفع توهم التجوز، وقيل كل منهما لدفع توهم الغلط والنسيان ولدفع توهم التجوز، والاصطلاح على الأول.

3 راجع 117 من المفتاح، 175 من الدلائل.

4 وهو "ختم الله على قلوبهم".

ملاحظة: وجه منع العطف في التأكيد كون التأكيد مع المؤكد كالشيء الواحد. والتأكيد اللفظي قد علم أن ليس المراد منه التكرير إذ لم يتعرضوا له؛ لأنه لا يتوهم فيه صحة العطف.

5 أي بدل بعض أو اشتمال، لا بدل غلط إذ لا يقع في فصيح الكلام، ولا بد كل إذ هو غير معتبر عند المصنف، وقيل هو من كما ل الاتصال أيضًا ومثلوا له بقولهم: قنعنا بالأسودين، قنعنا بالتمر والماء" ولم يقتصر على البدل دون المبدل منه للاعتناء بشأن النسبة وقصدها مرتين والبدل وإن كان فيه بيان إلا أن البيان فيه غير مقصود بالذات بل المقصود تقرير النسبة فهذا هو الفرق. ووجه عدم العطف في بدل البعض أو الاشتمال أن المبدل منه في نية الطرح من القصد الذاتي.

ج / 3 ص -111- كون الأولى غير وافية بتمام المراد1 بخلاف الثانية2 والمقام يقتضى اعتناء بشأنه3 لنكتة ككونه4 مطلوبًا في نفسه5 أو فظيعًا6 أو عجيبًا7 أو لطيفًا8.

وهو ضربان:

أحدهما: أن تنزل الثانية من الأول منزلة بدل البعض9 من متبوعه، كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَام وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، فإنه مسوق للتنبيه على نعم الله تعالى عند المخاطبين10 وقوله: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَام وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، أو فى بتأديته11 مما قبله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي أو كغير الوافية لكونها مجملة أو خفية الدلالة وقيل غير الوافية في بدلي البعض والاشتمال والتي كغير الوافية في بدل الكل بناء على اعتباره. هذا على مذهب غير المصنف، ويمكن جعل قولنا "أو كغير الوافية" للتوزيع الاعتباري فتكون الأمثلة المذكورة غير وافية باعتبار ووافية تشبه غير الوافية باعتبار آخر.

2 فإنها وافية كما ل الوفاء.

3 أي شأن المراد -وقوله "لنكتة" لا داعي له؛ لأن النكتة نفس المقام.

4 أي المراد.

5 كما في الآية الكريمة: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ..} إلخ.

6 فيؤتى به للتوبيخ مثل أن يقال للص يصلي: لا تجمع بين الأمرين لا تسرق وتصلي، بناء على ورود بدل الكل.

7 فيؤتى به لإعجاب المخاطب قصدًا لبيان غرابته مثل: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.

8 أي طريفًا مستحسنًا فيؤتى به لطرافته مثل: محمد جمع بين أمرين، جمع بين عراقة المحتد ونبل النفس.

9 أي في المفرد وإلا فهي بدل حقيقة.

10 والمقام يقتضي اعتناء بشأنه لكونه مطلوبًا في نفسه وذريعة إلى غيره وهو التقوي.

11 أي بتأدية المراد الذي هو التنبيه على نعم الله تعالى. وقوله: لدلالته عليها أي لدلالة الثاني على نعم الله.

ج / 3 ص -112- لدلالته عليها بالتفصيل من غير إحالة على علمهم من كونهم معاندين، والإمداد بما ذكر من الأنعام وغيرها بعض الإمداد بما يعلمون ويحتمل الاستئناف.

وثانيهما1:

أن تنزل الثانية من الأولى منزلة بدل الاشتمال من متبوعه كقوله تعالى: {اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، فإن المراد هو حمل المخاطبين على إتباع الرسل، وقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، أو فى بتأدية ذلك؛ لأن معناه لا تخسرون معهم شيئًا من دنياكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة، وقول الشاعر:

أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلمًا

فإن المراد به2 كما ل إظهار الكرامة لاقامته3 بسبب خلاف سره العلن وقوله: "لا تقيمن عندنا" أو فى بتأديته لدلالته4 عليه بالمطابقة مع التأكيد5، بخلاف "ارحل" ووازن الثانية من كل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 116 من المفتاح، 187 من الدلائل.

2 أي بقوله "ارحل".

2 أي المخاطب.

4 أي لدلالة لا تقيمن عندنا -وقوله عليه أي على كما ل إظهار الكراهة.

5 أي بالنون. وكونها مطابقة باعتبار الوضع العرفي حيث يقال "لا تقم عندي" ولا يقصد كفه عن الإقامة بل مجرد إظهار كرا هة حضوره فالحاصل أن الغرض من ارحل ولا تقيمن إظهار كما ل الكراهة والدليل على ذلك في ارحل الاستعمال الغالب مع قوله "وإلا فكن"، وفي "لا تقيمن" الاستعمال العرفي دائمًا مع زيادة النون وقوله "وإلا فكن" ولما كانت دلالة لا تقيمن أو فى وهو ليس مدلول "أرحل" ولا نفسه بل ملابسه لملازمة بينهما صار بدل اشتمال.

ج / 3 ص -113- واحد من الآية والبيت وازن حسنها في قولك: "أعجبتني الدار حسنها"؛ لأن معناها مغاير لمعنى ما قبلها1 وغير داخل فيه2 مع ما بينهما3 من الملابسة.

الثالث: أن تكون الثانية بيانًا للأولى4 وذلك بأن تنزل منها منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح، والمقتضى للتبيين أن يكون في الأولى نوع خفاء مع اقتضاء المقام إزالته كقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَان قَال يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}، فصل جملة قال: عما قبلها لكونها تفسيرًا له وتبينًا، ووازنه وازن عمر في قوله:

أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من نقب ولا دبر5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 يخرج به التوكيد اللفظي؛ لأنه غير مغاير والمعنوي أيضًا؛ لأن المفهومين فيه وإن تغايرا لكن مغايرة قريبة.

2 فلا يكون بدل بعض. وهذا ظاهر بناء على أن الأمر بالشيء لا يتضمن النهي عن ضده وأما على رأي من يذهب إلى نقيضه بمعنى أن النهي عن ضده جزؤه فيكون "لا تقيمن عندنا" في حكم بدل البعض.

3 أي ما بين عدم الإقامة والارتحال من الملابسة اللزومية فيكون بدل اشتمال ولا يخفى أن الجملة الأولى "ارحل" لها محل من الإعراب فيكون النظر إلى المحكي لا إلى الحكاية. وإنما قال في مثالي بدل البعض والاشتمال أن الثانية أو فى؛ لأن الأولى وافية مع ضرب من القصور باعتبار الإجمالي في المثال الأول وعدم مطابقة الدلالة في المثال الثاني فصارت كغير الوافية، والأولى جعل غير الوافية بالنسبة لبدل الكل بناء على اعتباره وذلك؛ لأنا لوحملناها على بدل البعض والاشتمال فقط لكان فيهما ما هي غير وافية أصلًا وهو لا يكاد يوجد.

4 الفرق بين البيان والبدل مع أن في كل منهما خفاء أن المقصود في البدل الثانية وفي البيان الأولى والثانية توضيح لها.

5 هو لأعرابي. النقب: ضعف في أسفل الخف في الإبل: الدبر: جراحة الظهر.

ج / 3 ص -114- وأما قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيم}، فيحتمل التبيين والتأكيد: أما التبيين؛ فلأنه يمتنع أن يخرج من جنس البشر ولا يدخل في جنس آخر فإثبات الملكية له تبيين لذلك الجنس وتعيين، وأما التأكيد؛ فلأنه إذا كان ملكًا لم يكن بشرًا؛ ولأنه إذا قيل في العرف لإنسان ما هذا بشر حال تعظيم له وتعجب ما يشاهد منه من حسن حلق أو خلق كان الغرض أنه ملك بطريق الكناية. فإن قيل هلا نزلتم الثانية منزلة بدل الكل من متبوعه في بعض الصور، ومنزلة النعت من متبوعه في بعض قلنا،1؛ لأن بدل الكل لا ينفصل عن التأكيد إلا بأن، لفظه غير لفظ متبوعه وأنه مقصود بالنسبة دون متبوعه بخلاف التأكيد، والنعت لا يفصل عن عطف البيان2، إلا بأنه يدل على بعض أحوال متبوعه لا عليه، وعطف البيان بالعكس3 وهذه كلها اعتبارات لا يتحقق شيء منها فيما نحن بصدده4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 منع السعد تنزيل الجملة الثانية من الأولى منزلة بدل الكل من الكل في الجمل مطلقًا لها محل من الإعراب أم لا: ومنعه السيد في الجمل التي لا محل لها وأجاز قوم وقوعه في الجمل مطلقًا ونزلوا استئناف حكم الجملة التي لا محل لها منزلة نقل الحكم إلى مضمون الثانية.

2 راجع 52 جـ3 السبكي.

3 فهو يدل على ذات المتبوع لا على وصف فيه.

4 أي من الجمل التي لا محل لها. ووجه عدم تحقق شيء منها في الجمل بالنسبة للنعت ولعطف البيان أن الجملة إنما تدل على النسبة ولا يتأتى أن تكون نسبة في جملة دالة على وصف شيء في جملة أخرى فلم تنزل الثانية من الأولى منزلة النعت من المنعوت وقد تكون النسبة في جملة موضحة لنسبة في جملة أخرى فصح أن تنزل الثانية من الأولى منزلة عطف البيان من المبين. وبالنسبة لبدل الكل والتأكيد أن البدل يقصد فيه نقل النسبة إلى مضمون الجملة الثانية دون التأكيد وهذا المعنى لا يتحقق في الجمل التي لا محل لها؛ لأنه لا نسبة بين الأولى منها وبين شيء أخر حتى ينتقل إلى الثانية وتجعل بدلًا من الأولى وإنما يقصد في تلك الجملة استئناف إثباتها وبعضهم اعتبره في الجمل التي لا محل لها من الإعراب كما قلنا سابقًا ونزل قصد استئنافها منزلة نقل النسبة فجعل بدل الكل من كما ل الاتصال ومثل له بقوله: قنعنا بالأسودين قنعنا بالتمر والماء. =

ج / 3 ص -115- .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= فالخلاصة: أن بدل الكل لا يتميز عن التأكيد اللفظي في المفردات إلا بمغايرة اللفظين في البدل وأما في التوكيد اللفظي فلا يجب فيه المغايرة -وكون المقصود من البدل هو الثاني بنقل نسبة العامل إليه. وهذا لا يتحقق في الجمل لا سيما التي لا محل من الإعراب؛ لأن التوكيد اللفظي في الجمل فيه المغايرة بين اللفظين دائمًا وكل من الجمل مستقل فيكون مقصودًا فلو جرى بدل الكل في الجمل لما تميز عن التوكيد فأغنى التوكيد في الجمل عنه ولكن بعضهم جوز كما قلنا بدل الكل في الجمل مطلقًا لها محل أو لًا -ونزل استئناف حكم الجملة منزلة نقل الحكم إلى مضمون الثانية.

وإذا كانت الجمل التي لا محل لها من الإعراب لا يتصور فيها أن تكون الثانية هي المقصودة بالنسبة إذ لا نسبة هناك بين الأولى وشيء آخر حتى تنقل للثانية وتجعل الثانية بدلًا من تلك الأولى، فهي أبعد من الجمل التي لها محل من الإعراب عن تصور وجود بدل الكل فيها.

ملاحظات:

1- يكون التأكيد المعنوي بين الجملتين باختلاف المعنى الوضعي والمراد المقصود منهما مع إفادة التقرير.

ويكون التأكيد اللفظي بين الجملتين باختلاف المعنى الوضعي واتحاد المعنى المقصود منهما مع إفادة التقرير.

ويكون بدل البعض بين الجملتين يكون مدلول الثانية بعض مدلول الأولى مع كون الثانية أو فى بتأدية المراد من الأولى ويكون بدل الاشتمال بين الجملتين يكون مدلول الثانية مستلزمًا لمدلول الأولى مع كون الثانية أو فى بتأدية المراد من الأولى ويكون عطف البيان باتحاد معنى الجملتين مع وجود خفاء في الأولى تزيله الثانية.

2- التوكيد اللفظي عند البلاغين يشمل الجمل المكررة فهو عندهم قسمان: الأول من اتحد المعنى الوضعي فيه في الجملتين. والثاني ما كان فيه اتحاد معنى غير وضعي مقصود كذلك من الجملتين وقد سبق أن القسم الأول مثل: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} لا يعتبره جمهور البلاغيين من التأكيد اللفظي بل من التكرير وأن اعتبره النحويين توكيدًا لفظيًّا -أما التأكيد المعنوي في الجمل فيعتمد اختلاف المعنى المقصود من الجملتين مع تلازم المعنيين.

ج / 3 ص -116- ............................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويرجح الشيخ نوار جعل التكرير توكيدًا لفظيًّا وسواه توكيدًا معنويًّا.

وسر التوكيد في الجمل:

1- تقرير مضمون الأولى وبيان أنه واقع أو سيقع.

2- دفع توهم المبالغة في الجملة الأولى.

3- الفرق بين التأكيد وبدل الاشتمال في الجملة أن الجملة المؤكدة تدل على ما تدل عليه الأولى بدون أن تلاحظ فيها خصوصية بها تكون أو فى دلالة على المقصود من الأولى سواء أو جدت تلك الخصوصية أم لا. أما بدل الاشتمال فجملة تدل على ما تدل عليه جملة سبقتها ولوحظت فيها خصوصية بها تكون أو فى دلالة على المقصود من الأولى.

4- بدل البعض واضح والفرق بينه وبين ذكر الخاص بعد العام أن العموم في المبدل منه مراد منه الخصوص بعده وأما العموم في ذكر الخاص بعد العام فباق على حاله.

هذا وبدل البعض في الجمل يعتمد أمرين: أن يكون مدلول الثانية بعض مدلول الأولى -وأن تكون في الثانية فائدة ليست في الأولى، وليس يلازم أن تكون الثانية أو فى بالغرض من الأولى كما في بدل الاشتمال.

5- عطف البيان يعتمد أمرين: اتحاد المعنى في المعطوف والمعطوف عليه -إيهام في الأولى تزيل الثانية وتوضحه.

6- سبق أن قلنا أن عطف الإنشاء على الخبر وعكسه صحيح إذا كان للأولى محل من الإعراب وإن لم يكن للأولى محل للإعراب فالبلاغيون يمنعونه والنحويون يجيزونه والتحقيق الجواز.

7- قد تعطف القصة على القصة وهو واضح وذلك أن تعطف مضمون كلام على مضمون كلام آخر إذا وجدت مناسبة بين هذين المضمونين وإن لم توجد تلك المناسبة بين جزاء الكلامين: فإذا لم تجد معطوفًا عليه صريحًا يناسب المعطوف فلك اعتبار العطف بين مضموني الكلامين أو تقدير معطوف عليه مناسب للمعطوف أو تقدير قول كذلك.

ج / 3 ص -117- شبه كما ل انقطاع:

وأما كون الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى:

فلكون عطفها عليها1 موهمًا لعطفها على غيرها2. ويسمى الفصل لذلك قطعًا، مثاله قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلًا أراها في الضلال تهيم3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي عطف الثانية على الأولى.

2 أي مما ليس بمقصود العطف عليه لأداء العطف عليه إلى الخلل في المعنى وشبه هذا بكمال الانقطاع با عتبار اشتماله على مانع من العطف هو إيهام خلاف المقصود وإن كان فيه مصحح للعطف وهو التغاير الكلي أما كما ل الاتصال ففيه مانع من العطف مع أن المصحح فيه منتف لعدم التغاير الكلي بين الجملتين.

هذا والمانع من العطف في كما ل الانقطاع لما كان خارجًا عن ذات الجملتين يمكن دفعه بنصب قرينة لم يجعل هذا من كما ل الانقطاع أما المانع في كما ل الانقطاع فهو ذاتي لا يمكن دفعه أصلًا وهو اختلاف الجملتين خبرية وإنشاء أو؛ لأنه لا جامع بينهما.

3 "أرى" مبني للمفعول والضمير المستتر فيه مفعول أو ل والهاء مفعول ثان وجملة تهيم مفعول ثالث.

فبين الجملتين "أرى وتظن" مناسبة ظاهرة: لاتحاد المسندين؛ لأن معنى "أراها" أظنها، وكون المسند إليه في الجملة الأولى محبوبًا وفي الجملة الثانية محبا، فالجامع بين المسند إليهما في الجملتين ما بينهما من شبه التضايف لكنه ترك العطف بين الجملتين لئلا يتوهم أن الجملة الثانية عطف على "أبغي" فيكون من مظنونات سلمي وهو غير مراد، وما قيل من أن التوهم بعد القطع باق لجواز أن يكون "أراها" خبرًا؛ لأن أو حالًا أو بدلًا من "أبغي" ففي كل من الفصل والوصل إيهام خلاف المقصود. فجوابه أن الأصل في الجمل الاستقلال ولا يصار إلى كونها في حكم المفرد إلا إذا دل على ذلك دليل، على أن عبد القاهر نص على أن ترك العطف بين الجمل الواقعة أخبار لا يجوز.

ج / 3 ص -118- لم يعطف "أراها" على "تظن" لئلا يتوهم السامع أنه معطوف على "أبغي" لقربه منه مع أنه ليس بمراد. ويحتمل الاستئناف1.

وقسم السكاكي القطع إلى قسمين:

أحدهما: القطع للاحتياط وهو ما لم يكن لمانع من العطف كما في هذا البيت.

والثاني: القطع للوجوب، وهو ما كان لمانع، ومثله بقوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم} قال: لأنه لو عطف لعطف إما على جملة {قَاْلُوْا} وإما على جملة: {إِنَّاْ مَعَكُمْ}، وكلاهما لا يصح لما مر2 وكذا قوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء}.

وفيه نظر: لجواز أن يكون المقطوع في المواضع الثلاثة معطوفًا على الجملة المصدرة بالظرف وهذا القسم لم يبين امتناعه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي يحتمل أن يكون "أراها" جملة مستأنفة كأنه قيل: كيف تراها في هذا الظن؟ فقال: أراها خاطئة فيه تتحير في أو دية الضلال، وعلى هذا فيكون من شبه كما ل الاتصال والبيت في المفتاح ص114.

هذا ومثل هذا البيت قول الشاعر:

يقولون أنى أحمل الضيم عندهم أعوذ بربي أن يضام نظيري

لم تعطف جملة أعوذ على "يقولون" لئلا يتوهم أنها معطوف على جملة "أحمل الضيم".

فشبه كما ل الانقطاع إذا أن يكون العطف على جملة صحيحًا ومعقولًا إلا أنه معه احتمال عطف غير مقصود على جملة أخرى فيترك العطف بتاتًا دفعًا لهذا الاحتمال.

2 أجاز المطول عطفه على جملة "إذا" الشرطية ولكن منع من العطف توهم عطفه على جملة "قالوا" أو جملة أنا معكم وكلاهما فاسد كما مر. ثم قال المطول: فظهر أن قطعه أيضًا للاحتياط كما في هذا البيت، لا للوجوب كما زعم السكاكي، ورد السبكي على رأي السكاكي "52 جـ2 شروح التلخيص".

ج / 3 ص -119- شبه كما ل الاتصال1:

وأما كونها2 بمنزلة المتصلة بما3 فلكونها جوابًا عن سؤاله اقتضته الأولى4، فتنزل منزلته5 فتفصل الثانية عنها6، كما يفصل الجواب عن السؤال7 وقال السكاكي8، فينزل ذلك9 منزلة الواقع10 ثم قالوا تنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار إليه إلا لجهات11 لطيفة، أما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل12 أو لئلا يسمع منه شيء13، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 110 من المفتاح، 181-187 من الدلائل.

2 أي الجملة الثانية.

3 أي بالجملة الأولى.

4 لكونها مجملة في نفسها باعتبار الصحة أو لكونها مجملة السبب.

5 أي فتنزل الجملة الأولى منزلة السؤال لكونها مشتملة عليه ومقتضية له.

6 أي عن الجملة الأولى.

7 لما بينهما من الاتصال الذاتي، أي كما ل الاتصال أو شبه كما ل الاتصال. وقيل لما بينهما من كما ل الانقطاع إذ السؤال إنشاء والجواب خبر. وقيل إن صورة الجواب والسؤال داخله في صورة البيان.

8 110 من المفتاح.

9 أي منزلة السؤال الواقع ويطلب بالكلام الثاني وقوعه جوابًا.

10 أي السؤال الذي تقتضيه الجملة الأولى وتدل عليه الفحوى. له فيقطع عن الكلام الأول لذلك.

فمذهب المصنف أن الجملة الأولى منزلة منزلة السؤال المقدر، ومذهب السكاكي أن السؤال المقدر ينزل منزلة الواقع والذي تعلق به التنزيل عنده إنما هو السؤال المقدر الذي اقتضته الجملة الأولى فينزل منزلة السؤال الواقع، فالجملة الثانية جواب للجملة الأولى عند المصنف وللسؤال المقدر عند السكاكي.

11 أي لنكته وكذلك التنزيل أيضًا لا يكون إلا لنكتة عند المصنف.

12 تعظيمًا له أو شفقة عليه.

13 أي تحقير للسامع وكراهة لكلامه.

ج / 3 ص -120- أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف، أو لغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك1. ويسمى الفصل لذلك2 استئنافًا، وكذا الجملة الثانية أيضًا تسمى استئنافًا3.

والاستئناف4 ثلاثة أضرب: لأن السؤال الذي تضمنته الجملة5 الأولى:

"1-" إما عن سبب الحكم فيها مطلقًا 6، كقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 مثل التنبيه على فطانة السامع أو على بلادته.

هذا وليس في كلام السكاكي دلالة على أن الجملة الأولى تنزل منزلة السؤال المقدر فكان المصنف نظر إلى أن قطع الثانية عن الأولى مثل قطع الجواب عن السؤال إنما يكون على تقدير تنزيل الأولى منزلة السؤال وتشبيهها به، لا على تنزيل السؤال المقدر منزلة الواقع كما ذهب إليه السكاكي.

وقيل إن مذهبيهما مآله واحد والاختلاف في التعبير، والتلازم حاصل في الكل.

ومذهب السكاكي على أي حال أو ضح إذ لا حاجة إلى تنزيل الأولى منزلة السؤال، بل مجرد كون الأولى منشأ للسؤال كاف في ذلك، كما أشار إليه صاحب الكشاف حيث قال في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} بعد قوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أن سبيله الاستئناف وأنه مبني على تقدير السؤال.

2 أي لكونه جوابًا لسؤال اقتضته الأولى.

3 وتسمى مستأنفة أيضًا.

4 سواء أريد به فصل الجملة الثانية أو الجملة الثانية نفسها.

5 أي على رأيه، أو السؤال المقدر على رأي السكاكي.

6 أي حال كون السبب مطلقًا أي لم ينظر فيه لتصور سبب معين، بل لمطلق سبب لكون السامع يجهل السبب من أصله بأن يكون التصديق لوجود السبب حاصلًا للسائل والمطلوب بالسؤال حقيقة السبب، ولذا يسأل عنه بما طلبا لشرح ماهيته، واسمية الجملة في الجواب ليست مؤكدًا حتى يكون السؤال عن السبب الخاص، وسبب عدم كونها مؤكدًا أنه لم ينضم إليه مؤكدًا آخر.

ج / 3 ص -121- قال لي: كيف أنت؟ قلت عليل سهر دائم وحزن طويل1

أي ما بالك عليلًا أو ما سبب علتك2، وقوله3.

وقد غرضت من الدنيا فهل زمني معط حياتي لغر بعد ما غرضا

جريت دهري وأهليه فما تركت لي التجارب في ود أمري غرضا

أي لم تقول هذا ويحك، وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحيا ة إلى هذا الحد كشحك.

2- وإما عن سبب خاص له4، كقوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، كأنه قيل: هل النفس أما رة بالسوء5؟ فقيل: إن النفس لأمارة بالسوء6. وهذا الضرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 البيت قد سبق في حذف المسند إليه. وهو في الدلائل ص184.

2 بقرينة العرف والعادة؛ لأنه إذا قيل فلان مريض فإنما يسأل عن مرضه وسببه، لا أن يقال هل سبب علته كذا وكذا لا سيما السهر والحزن حتى يكون السؤال عن السبب الخاص الكائن في الجملة الأولى.

3 البيتان للمعري: غرض: ضجر. الغر: الغافل. الأولى فعل ماض وألفها زائدة للروي و"غرضا" الثانية بمعنى حاجة. والأبيات في المفتاح ص115.

4 أي لهذا الحكم الكائن في الجملة الأولى. بمعنى أنه تصور نفي جميع الأسباب إلا سببًا خاصًّا تردد في حصوله ونفيه فسأل عنه.

5 أي هل هذا سبب التبرئة -فالسائل يسأل عن البيت الخاص هل هو حاصل أو غير حاصل فيكون المقام مقام تردد في ثبوته، ولذا يؤتى بالجواب مؤكدًا.

6 بقرينة التأكيد، فالسؤال عن السبب الخاص بهذه القرينة، فالتأكيد دليل على أن السؤال عن السبب الخاص فإن الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد.

ج / 3 ص -122- يقتضي تأكيد الحكم1 كما مر في باب أحوال الإسناد2 وأما عن غيرهما3 كقوله تعالى4: {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ}، كأنه قيل: فماذا قال إبراهيم عليه السلام فقيل: قال سلام، ومنه قول الشاعر:

زعم العواذل أنني في غمرة صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي5

فإنه لما أبدي الشكاية من جماعات العذال، كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل أصدقوا في ذاك أم كذبوا؟ فأخرج الكلام مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له، ففصل. ومثل قول جندب بن عمار6:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الجواب الذي هو في الجملة الثانية؛ لأن السائل متردد في هذا السبب الخاص هل هو سبب الحكم أم لا.

2 أي من أن المخاطب إذ كان طالبًا مترددًا أو نزل منزلة الطلب المتردد حسن تقوية الحكم له بمؤكد. ولا يخفى أن المراد الاقتضاء استحسانًا لا وجوبًا والمستحسن في باب البلاغة بمنزلة الواجب.

3 أي غير السبب المطلق والخاص بأن ينبههم عليه شيء مما يتعلق بالجملة الأولى إما عام كالآية أو خاص كالبيت.

4 راجع الكلام على الآية الكريمة في الدلائل ص185.

5 العواذل جمع عاذلة بمعنى جماعة عاذلة الغمرة: الشدة، تنجلي: تنكشف. والبيت في الدلائل ص172، وفي المفتاح ص114.

والشاهد في البيت فصل صدقوا عما قبلها؛ لأنها جواب لسؤال اقتضه الجملة قبلها وهذا السؤال ليس عن سبب مطلق أو خاص بل عن غيرهما.

6 راجع البيتين في الحماسة ص18 ج1 شرح الرافعي، ص115 من المفتاح و182 من الدلائل.

خبت اسم موضع عريت: أزيل عنها رحلها. أجمعت تركت فلم تركب، وكلاهما كناية عن قعوده بهذا المكان دون غرضه. والقادسية مدينة بالعراق. لج: جد في السير. ذلت: انقادت له.

والشاهد فصل البيت الثاني عما قبله؛ لأنه جواب عن سؤال تضمنه ما قبله. وهذا السؤال عن غير السبب المطلق والخاص.

ج / 3 ص -123- زعم العواذل أن ناقة جندب بجنوب خبت عريت وأجمت

كذب العواذل، لو رأين مناخنا بالقادسية قلن: لج وذلت

وقد زاد هنا أمر الاستئناف تأكيدًا بأن وضع الظاهر موضع المضمر1 من حيث وضعه وضعًا لا يحتاج فيه إلى ما قبله، وأتي به مأتى ما ليس قبله كلام ومن الأمثلة قول الوليد2:

عرفت المنزل الخالي عفا من بعد أحوال

عفاه كل حنان عسوف الويل هطال3

فإنه لما قال عفا، وكان العفاء مما لا يحصل للمنزل بنفسه، كان مظنة أن يسأل عن الفاعل، ومثله قول أبي الطيب4:

وما عفت الرياح له محلًّا عفاه من حدا بهم وساقا

فإنه لما نفي الفعل الموجود عن الرياح، كان مظنة أن يسأل عن الفاعل وأيضًا من الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم ما استؤنف عنه5 كقوله: "أحسنت إلى زيد. زيد حقيق بالإحسان6".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 حيث قال: كذب العواذل ولم يقل "كذبوا".

2 الوليد بن يزيد. والبيتان في المفتاح ص115، وفي الدلائل ص184.

3 عفا: درس. الحنان: السحاب. عسوف الوبل: شديد المطر.

4 البيت والكلام عليه في الدلائل ص184 والمفتاح ص115.

عفا: محا، من حدابهم وساقا، أي من غنى الإبل التي سارت بهم وساقا،

5 أي وقع الاستئناف عنه وأصل الكلام. ما استؤنف عنه الحدث فحذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم.

6 بإعادة اسم "زيد" والسؤال المقدر هنا هو: لماذا أحسن إليه.

ج / 3 ص -124- ومنه ما يبنى على صفته1 كقولك "أحسنت إلى زيد"، صديقك القديم أهل لذلك7. وهذا أبلغ لانطوائه على بيان السبب3.

وقد يحذف صدر الاستئناف4 لقيام قرينة، كقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَال}، فيمن قرأ "يسبح" مبنيا للمفعول5، وعليه نحو قولهم: "نعم الرجل أو رجلًا زيد، وبئس الرجل أو رجلًا عمرو"، على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف، أي هو زيد6 كأنه لما قيل ذلك فأيهم الفاعل بجعله معهودًا ذهنيًّا مظهرًا أو مضمرًا، سئل عن تفسيره، فقيل: هو زيد ثم حذف المبتدأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي صفة ما استؤنف عنه دون اسمه والمراد بالصفة صفة تصلح لترتيب الحديث عليه.

2 والسؤال المقدر هنا "هل هو حقيق بالإحسان".

3 أي أن الاستئناف المبني على الصفة أبلغ لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كالصداقة القديمة في المثال المذكور، لما يسبق إلى الفهم من ترتيب الحكم على الأمر الصالح للعلية أنه علة له، وقد اعترض على الأبلغية العلة بما ذكر بأن السؤال إن كان عن السبب فالجواب يشتمل على بيانه لا محالة سواء كان بإعادة الاسم أو الصفة، وإلا فلا وجه لاشتماله عليه كما في قوله "زعم العوازل إلخ" سواء كان بإعادة الاسم أو الصفة، والجواب أن السؤال عن سبب الحكم قد يكون بإعادة الاسم وقد يكون بإعادة الصفة وليس يجري هذا في سائر صور الاستئناف، ويرد على هذا أن الحكم الذي معنا هو إحسان المخاطب لزيد وليس السؤال هنا عن سببه بل عن استحقاقه للحكم.

4 راجع ص97 من المفتاح، وقد سبق ذلك مفصلًا في حذف المسند، وقوله الاستئناف أي الجملة الاستئنافيه، ولا مفهوم للصدر بل العجز كذلك كما في نعم الرجل زيد على أن زيد مبتدأ خبره محذوف وحذف الصدر سواء كان الصدر اسمًا أو فعلًا.

5 كأنه قال فمن يسبحه؟ فقيل: رجال، أن يسبحه رجال.

6 ويجعل الجملة استئنافًا جوابًا للسؤال عن تفسير الفاعل المبهم.

ج / 3 ص -125- وقد يذدف الاستئناف كله، ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الحماسي1:

زعمتم أن أخوتكم قريش له ألف وليس لهم آلاف

حذف الجواب الذي هو كذبتم في زعمكم، وأقام قوله "لهم ألف وليس لكم آلاف" مقامه، لدلالته عليه، ويجوز أن يقدر قوله: "لهم ألف وليس لكم آلاف" جوابًا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف كأنه لما قال المتكلم كذبتم، قالوا لم كذبنا؟ فقال: لهم ألف وليس لكم آلاف، فيكون في البيت استئنافان.

وقد يحذف ولا يقام شيء مقامه1 كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ} أي أيوب أو هو، لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه، ونحوه قوله: {فَنِعْمَ الْمَاْهِدُوْن}. أي نحن3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو مساور بن هند يهجو بني أسد "راجع 178 جـ2 شرح الحماسة للرافعي". ألف: أي إيلاف في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة: رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام. آلاف أي مؤالفة في الرحلتين المعروفتين.

كأنه قيل اصدقنا في هذا الزعم لم كذبنا، فقيل: كذبتم. وحذف هذا الاستئناف كله وأقيم قوله: لهم ألف وليس لكم آلاف مقامه لدلالته عليه.

ويجوز أن يكون لهم ألف جوابًا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف أي كذبتم؛ لأنهم لهم ألف إلخ.

هذا والبيت في الدلائل ص183، وفي المفتاح ص114.

2 أي اكتفاء بالقرينة.

3 على قوله من يجعل المخصوص خبر المبتدأ أي هم نحن.

ج / 3 ص -126- مواضع الوصل1:

وإن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع تعين الوصل

"الوصل لدفع الإيهام":

إما لدفع إيهام خلاف المقصود2، كقول البلغاء. لا وأيدك الله3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 انتهى الكلام على الأحوال الأربعة المقتضية للفصل وهي: كما ل الانقطاع بلا إيهام، وكمال الاتصال، وشبه كل منهما.

وهذا شروع في مواضع الوصل وهي حالتان: كما ل الانقطاع مع الإيهام، والتوسط بين الكمالين.

2 أي مع صرف النظر عما بين الجملتين من كما ل انقطاع، لأجل دفع إيهام السامع خلاف مراد المتكلم لولم يعطف -وراجع في ذلك المفتاح ص139.

3 مر رجل بأبي بكر، ومع الرجل ثوب فقال له: أتبيع الثوب؟ فقال الرجل: لا. عافاك الله، فقال أبو بكر: لقد علمتم لو كنتم تعلمون، قل: لا وعافاك الله "179 جـ1 البيان والتبيين للجاحظ، 358 الأدب الإسلامي لمحمود مصطفى". وبين المأمون وابن المبارك حوار في "لا وجعلني الله فداك" "راجع ذلك في ص154 من أدب الكتاب للصولي".

والوصل هنا نظير الفصل لدفع الإيهام الكائن في الوصل في قوله "أراها في الضلال تهيم" وقال السبكي: والظاهر أن الواو ليست هنا للعطف بل هي زائدة لدفع الإيهام وليست عاطفة ففي ذكر هذا القسم في باب الوصل إيهام.

وأيدك الله: قولهم لا رد لكلام سابق كما إذا قيل هل الأمر كذلك فيقال لا، أي ليس الأمر كذلك، فهذه جملة إخبارية وأيدك الله جملة إنشائية دعائية فبينهما كما ل الانقطاع لكن عطفت عليها؛ لأن ترك العطف يوهم أنه دعاء على المخاطب بعدهم التأييد مع أن المقصود الدعاء له بالتأييد، فأينما وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون قولهم لا. والزوزني لما لم يقف على المعطوف عليه في هذا الكلام نقل عن الثعالبي حكاية مشتملة على قوله "قلت لا وأيدك الله" وزعم أن قوله "وأيدك الله" عطف على قوله "قلت" ولم يعرف أنه لو كان كذلك لم يدخل الدعاء تحت القول، وأنه لو لم يحك الحكاية فحين قال للمخاطب "لا وأيدك الله" فلا بد له من معطوف عليه.

ج / 3 ص -127- وهذا عكس للقطع.

"الوصل للتوسط بين الكمالين":

وأما1 للتوسط بين حالتي كما ل الانقطاع وكمال الاتصال. وهو ضربان.

أحدهما أن يتفقا خبرًا أو إنشاء لفظًا ومعنى، كقوله تعالى: {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}2، وقوله: {يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ}3، وقوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وهو خَادِعُهُمْ}4، وقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 عطف على قوله: "إما لدفع إيهام خلاف المقصود" هذا ووجود الجامع هنا أمر لا بد منه في جميع صور التوسط بين الكمالين؛ لأنه إذا لم يكن بينهما جامع فبينهما كما ل الانقطاع.

2 الجامع التضادين المسندين والمسند إليهما في الجملتين. والمثال الجملتان فيه خبريتان لفظًا ومعنى مع التناسب في الاسمية -الجامع في الآية وهمي.

3 المثال الجملتان فيه خبريتان لفظًا ومعنى مع التناسب في الفعلية.

4 الجامع بينهما اتحاد المسند فيهما فهو جامع عقلي وكون المسند إليه فيهما أحدهما مخادع والآخر مخادع فبينهما شبه التضايف فالجامع عقلي وشبه التضاد لما تشعر به المخادعة من العداوة فالجامع وهمي.

والجملتان خبريتان لفظًا ومعنى مع عدم التناسب بينهما في الفعلية والاسمية.

5 الجمل الثلاث كل منها إنشائية لفظًا ومعنى والجامع بينما اتحاد المسند إليه فيهما فهو عقلي وتناسب المسند لما بين الأمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف من تقارب في الخيال فالجامع بينهما خيالي.

ج / 3 ص -128- والثاني: أن يتفقا كذلك1 معنى لا لفظًا 2، كقوله تعالى: {وَإِذْ أخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالوَالدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي القُرْبَى وَالْيَتَامى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا}، عطف قوله "وقولوا" على قوله: {لا تَعْبُدُونَ}؛ لأنه بمعنى لا تعبدوا3 وأما قوله: {وَبِالوَالدَيْنِ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي خبرًا وإنشاء.

2 الجملتان المتفقتان خبرًا أو إنشاء لفظًا ومعنى قسمان: لأنهما إما إنشائيتان أو خبريتان.

أما المتفقتان معنى فقط فهما ستة أقسام؛ لأنهما إن كانتا إنشائيتين معنى فاللفظان أما خبران أو الأولى خبر والثانية إنشاء أو بالعكس، وإن كانتا خبريتين معنى فاللفظان إما إنشاءان أو الأولى إنشاء والثانية خبر أو بالعكس.

والمصنف أو رد للقسمين الأولين أمثلتهما، وأورد للاتفاق معنى فقط مثالًا واحدًا يمكن تطبيقه على قسمين من أقسامه الستة هما الخبريتان لفظًا مع كونهما إنشائيتين معنى، والإنشائيتان معنى مع كون الأولى خبرية في اللفظ والثانية إنشائية فيه.

ويمكننا أن نمثل لجميع أقسام التوسط بين الكمالين:

الجملتان المتفقتان لفظًا ومعنى:

الخبريتان: حضر أخي وسافر صديقه.

الإنشائيتان: اجتهدوا ولا تتوانوا عن العمل.

المتفقتان معنى فقط.

1 إنشائيتان معنى.

خبريتان لفظًا. أيدك الله وهداك.

الأولى خبرية والثانية إنشائية في اللفظ. أيدك الله وليرعك برعايته العكس. يكتب لك التوفيق وأمدك بعنايته.

2- خبريتان معنى.

إنشائيتان: ألم أساعدك وألم أضح في سبيلك.

الأولى إنشائية والثانية خبرية في اللفظ: ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك.

العكس: ساعدتك طويلًا وهل في ذلك شك.

3 فهما مع اختلافهما لفظًا -لأن الأولى إنشائية في اللفظ والثانية خبرية في اللفظ- إنشائيتان في المعنى؛ لأن "لا تعبدون" أخبار في معنى الإنشاء -هذا والجامع بينهما اتحاد المسند إليه فيهما واتحاد المسند أيضًا فيهما؛ لأن لا من تخصيص الله بالعبادة والإحسان للوالدين والقول الحسن للناس عبادة مأمور بها -وإنما أو ل لا تعبدون بلا تعبدوا؛ لأن أخذ الميثاق يقتضي الأمر والنهي وإذا وقع بعده خبر أو ل بالأمر أو بالنهى كما هنا.

ج / 3 ص -129- {إِحْسَانًا} فتقديره: إما وتحسنون بمعنى وأحسنوا، وإما وأحسنوا، وهذا أبلغ من صريح الأمر؛ لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء فهو يخبر عنه1.

وأما قوله2 في سورة البقرة: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا}، فقال الزمخشري فيه: فإن قلت علام عطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه؟ قلت: المراد ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين، كما تقول "زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمرًا بالعفو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} المصدر هنا لا بد له من فعل فإما أن يقدر "وتحسنون، بقرينة: لا تعبدون، فيكون خبرًا في معنى الطلب إذ هو بمعنى وأحسنوا، فتكون الجملتان خبرًا لفظًا إنشاء معنى، وفائدة تقدير الخبر ثم جعله بمعنى الإنشاء إما لفظًا فالملاءمة مع قوله لا تعبدون، وإما معنى فالمبالغة باعتبار أن المخاطب كأنه سارع إلى الامتثال فهو يخبر عنه، كما تقول: تذهب إلى فلان نقول له كذا تريد الأمر، أي اذهب إليه فقل كذا، وهو أبلغ من الصريح.

وإما أن يقدر الفعل من أو ل الأمر بصريح الطلب، أي "وأحسنوا" بقرينة "وقولوا". وذلك على ما هو الظاهر؛ لأن الأصل في الطلب أن يكون بصيغته الصريحة، أما قرينة "وقولوا" فيعارضها قرينة "لا تعبدون". فتكون الجملتان إنشائيتين معنى مع أن لفظ الأولى إخبار ولفظ الثانية إنشاء.

فقوله: "هذا أبلغ من صريح الأمر"، اسم الإشارة يعود إلى تقدير الفعل المحذوف على أنه "وتحسنون" بمعنى أحسنوا.

2 راجع 113 من المفتاح.

ج / 3 ص -130- والإطلاق"1 ولك أن تقول هو معطوف على فاتقوا كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم هذا كلامه.

وفيه نظر لا يخفى على المتأمل2.

وقال3 أيضًا في قوله تعالى في سورة الصف: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِيْنَ} أنه معطوف على "تؤمنون"؛ لأنه بمعنى آمنوا.

وفيه أيضًا نظر: لأن المخاطبين في "تؤمنون" هم المؤمنون وفي "بشر" هو النبي عليه السلام، ثم قوله "تؤمنون" بيان لما قبله على سبيل الاستئناف فكيف يصح عطف "بشر المؤمنين" عليه4.

وذهب السكاكي5، إلى أنهما معطوفان على "قل" مرادًا قبل "يا أيها الإنسان، ويا أيها الذين آمنوا"؛ لأن إرادة القول بواسطة انصباب الكلام إلى معناه غير عزيزة في القرآن، وذكر صورًا كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فهو عطف قصة على قصة أو عطف مضمون كلام على مضمون كلام آخر.

2 قيل وجه النظر أنه ليس بينهما اتحاد في المسند إليه. ويرد على ذلك بأن بين المسند إليهما تناسبًا.

3 أي الزمخشري -راجع 113 و139 من المفتاح في الكلام على الآية.

4 والجواب عن الاعتراض الأول هو أن بين المسند إليهما تناسبًا فلا يمنع اختلاف المخاطبين هنا من العطف مع أن يجوز أن تكون خطابًا لكل واحد.

5 ص113 المفتاح.

ج / 3 ص -131- منها قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا}، وقوله: {وَإِذْ أخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا}، وقوله: {وَإِذاْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابةً لِلنَّاس وَأمْنًا وَاتَّخِذُوا}، أي وقلنا أو قائلين.

والأقرب1 أن يكون الأمر في الآيتين معطوفًا على مقدر يدل عليه ما قبله، وهو في الآية الأولى: {فَأَنْذِر} أو نحوه أي: فأنذرهم وبشر الذين آمنوا، وفي الآية الثانية: {فَأَبْشِرُ} أو نحوه" أي: فأبشر يا محمد وبشر المؤمنين. وهذا كما قدر الزمخشري قوله تعالى: {وَاْهْجُرْنِيْ مَلِيَّا} معطوفًا على محذوف يدل عليه قوله: {لَأَرْجُمَنَّكَ} أي: فاحذرني واهجرني؛ لأن: {لَأَرْجُمَنَّكَ} تهديد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هذا هو رأي الخطيب.

فالخلاصة: أن الزمخشري يجعل العطف من عطف قصة على قصة أو من عطف فعل على فعل مع تقدير، والسكاكي يجعل العطف على فعل قول مقدر. والخطيب يجعل العطف على فعل مقدر يدل عليه ما قبله.

ج / 3 ص -132- "الجامع1":

والجامع بين الجملتين2 يجب أن يكون باعتبار المسند إليه في هذه والمسند إليه في هذه، وباعتبار المسند في هذه والمسند في هذه جميعًا3 كقولك يشعر زيد ويكتب ويعطي ويمنع5 وقولك زيد شاعر وعمرو كاتب، وزيد طويل وعمرو قصير إذا كان بينهما مناسبة كان يكونا أخوين أو نظيرين6، بخلاف قولنا زيد شاعر وعمرو كاتب إذا لم يكن بينهما مناسبة7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع ص172-174 دلائل 110 مفتاح، والجامع هو الوصف الذي يقرب بين الشيئين ويقتضي الجمع بينهما.

2 لهما محل من الإعراب أم لا.

3 سواء اتحد المسندان أو المسند إليهما أم تغايرا. هذا والمتعلقات يجب الجامع أيضًا فيها إن كانت مقصودة بالذات في الجملتين وإلا فلا.

4 للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة وتقاربهما في خيال أصحابهما مع اتحاد المسند إليه فيهما، فالجامع بين المسند إليه فيهما عقلي، وبين المسند فيهما عقلي باعتبار المناسبة والمماثلة بين الشعر والكتابة أو خيالي باعتبار التقارن في الخيال.

5 لتضاد الإعطاء والمنع فالجامع بينهما وهمي.

6 فلا بد من مناسبة وعلاقة خاصة ولا تكفي المناسبة العامة.

7 فإنه لا يصح وإن تحد المسندان، ولعدم المناسبة الخاصة المشترطة عند التغاير حكموا بامتناع "خفي ضيق وخاتمي ضيق" ولا عبرة بكونهما ملبوسين لبعدهما ما لم يوجد بينهما تقارن في الخيال لأجل ذلك أو لغيره أو يكن المقام مقام ذكر الأشياء المتفقه في الضيق من حيث هي ضيقة والإجاز العطف. وفي عبد الحكيم أن محل المنع إذا كان المقام مقام الاشتغال بذكر الخواتم أما إن كان مقام بيان الأمور المتعلقة بالشخص فيجوز.

ج / 3 ص -133- وقولنا: "زيد شاعر وعمرو طويل" كان بينهما1 مناسبة أو لا.

وعليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُون}، فقطع عما قبله؛ لأنه كلام في شأن الذين كفروا وما قبله كلام في شأن القرآن.

وأما ما يشعر به ظاهر كلام السكاكي في مواضع من كتابه أنه يكفي أن يكون الجامع باعتبار المخبر عنه أو الخبر أو قيد من قيودهما فإنه منقوض بما مر وبنحو قولك هزم الأمير الجند يوم الجمعة وخاط زيد ثوبي، ولعله سهو فإنه صرح في موصع آخر منه بامتناع عطف قول القائل: "خفي ضيق" على قوله: "خاتمي ضيق" مع اتحادهما في الخبر2.

ثم قال3:

الجامع بين الشيئين عقلي وهمي وخيالي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بين زيد وعمرو، فعدم صحة العطف لعدم تناسب الشعر وطول القامة فالمناسبة معدومة بين المسندين في الجملتين قطعًا، وكذلك بين المسند إليهما فيهما إذا لم تكن بينها مناسبة فهي معدومة من جهة أو جهتين -وراجع في هذا الدلائل ص173.

ملاحظة:

راجع نقد البيت:

"تكامل فيها الدل والشنب".

2 هذا وقد ذهب السيد إلى أن مجرد الاتحاد أو التناسب في الغرض الذي تصاغ له الجملة يكفي في صحة العطف ولولم يتحد الطرفان في الجملتين مثل أن تذكر ما وقع في يوم من الأيام فتقول، فيه اعتدل الجو وسافر الضيف ومرضت شقيقتي وهكذا. وقال العسكري: ومثل هذا قول القائل لو قال: "خلق فلان حسن وشعره جعد"، ليس هذا من تأليف البلغاء ونظم الفصحاء "371 الصناعين".

3 أي السكاكي إذ ذكر أنه يجب أن يكون بين الجملتين ما يجمعهما في القوة المفكرة جمعا من جهة العقل وهو الجامع العقلي، أو من جهة الوهم وهو الجامع الوهمي أو من جهة الخيال وهو الجامع الخيالي. =

ج / 3 ص -134- .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= فالجامع العقلي هو الجامع الذي يجمع العقل بين الجملتين بسببه في القوة المفكرة والجامع الوهمي هو أمر يجمع بين الشيئين في القوة المفكرة جمعًا ناشئًا من جهة الوهم وذلك بأن يتحيل بسبب ذلك الجامع على جمعيهما في المفكرة وذلك كالتضاد وشبه التماثل. والجامع الخيالي أمر يجمع بين الشيئين في القوة المفكرة جمعًا ناشئًا من جهة الخيال بأن يتحيل على جمعهما في المفكرة وذلك كالتقارن.

هذا وإنما كان الجمع في المفكرة؛ لأن الجمع من باب التركيب وهو شأنها.

هذا والقوى الباطنية المدركة أربعة:

فالقوة العاقلة قائمة بالنفس تدرك الكليات والجزئيات المجردة عن عوارض المادة المعروضة للصور وعن الأبعاد. وخزانتها العقل الفياض المدبر لفلك القمر.

والقوة الوهمية قوة مدركة للمعاني الجزئية الموجودة التي لا تتأتى إلى مدركها من جهة الحواس كإدراك صداقة زيد وعداوة عمرو. ومحل تلك القوة أو ل التجويف الآخر من الدماغ. وخزانتها الذاكرة والحافظة وهي قائمة بمؤخر تجويف الوهم.

أما الحس المشترك: فهو القوة التي تصل إلى الصور المحسوسة الجزئية من الحواس الظاهرة فتدركها وهي قائمة بأول التجويف الأول من الدماغ من جهة الجبهة، والمراد بالصور المدركة بها ما يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة ولو كان مسموعًا والمراد بالمعاني الجزئية المدركة للوهم ما لا يمكن إدراكه.

وخزانة الحس المشترك الخيال وهو قوة قائمة بآخر تجويف الحس المشترك تبقى فيه تلك الصور بعد غيبتها عن الحس المشترك.

وأما المفكرة فقوة في التجويف المتوسط بين الخزانتين تتصرف في الصور الخيالية وفي المعاني الجزئية الوهمية وفي العقلية، فإذا حكمت بين تلك الصور والمعاني بواسطة العقل كانت مفكرة في الحقيقة وإن حكمت بواسطة الخيال فمتخيلة أو بواسطة الوهم فمتوهمة. وليس لها خزانة بل خزانتها جميع خزائن القوى الأخرى.

هذا وعبارة السكاكي: أن يكون بين الجملتين اتحاد في تصور مثل الاتحاد في المخبر عنه أو الخبر أو في قيد من قيودهما، وذلك يقتضي أن الجملتين يكفي في الجامع بينهما الاتحاد في واحد ومن هذه الأشياء وقد سبق بيان ضرورة وجود الجامع بين المسندين والمسند إليهما في الجملتين، وقد أجيب عن السكاكي بأن كلامه هنا في بيان الجامع في الجملة لا في بيان القدر الكافي بين الجملتين فقد ذكره في موضع آخر أو أن مراده أن الاتحاد في واحد منها كاف حيث يقصد الاجتماع فيه بالذات وأما المصنف فحمل كلامه على ظاهره ودفع اختلاله بإبداله الجملتين بالشيئين وتعريفه كلمة "تصور" الواردة في كلام السكاكي منكرة، وإن كان ذلك قد أدى إلى خلل في كلام المصنف في قوله: "الوهمي أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل أو تضاد أو شبه تضاد، والخيالي أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال؛ لأن التضاد مثلًا إنما هو بين نفس السواد والبيان لا بين تصوريهما أعني العلم بهما وكذا التقارن في الخيال إنما هو بين نفس الصور.

ج / 3 ص -135- "الجامع العقلي":

أما العقلي فهو:

أن يكون بينهما اتحاد في التصور1 أو تماثل2: فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخص في الخارج يرفع التعدد، أو تضايف3 كما بين العلة والمعلول4 والسبب والمسبب والسفل والعلو الأقل والأكثر فإن العقل يأبى أن لا يجتمعا في الذهن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الذي أو جب الجمع عند المفكرة قوة العقل والمدركة بسبب الاتحاد أو التماثل مثلًا فلذا يسمى كل منهما جامعًا عقليًّا فتسمية الاتحاد في التصور مثلًا جامعًا عقليًّا لكونه سببًّا في جمع العقل بين الشيئين، فالجامع العقلي هو السبب في جمع العقل سواء كان مدركًا بالعقل أو بالوهم وليس المراد ولا يكفي الاتحاد في متصور واحد. والمراد بالاتحاد في التصور أن يكون به ما كان مدركًا بالعقل وقوله اتحاد في التصور أي في جنس المتصور الثاني هو الأول.

2 بأن يتفقا في الحقيقة ويختلفا في العوارض. فالمراد بالتماثل ههنا اشتراكهما في وصف له مزيد اختصاص بهما.

3 وهو كون الشيئين بحيث لا يمكن تعقل كل منهما إلا بالقياس إلى تعقل الآخر فيكون تصور أحدهما لازمًا لتصور الآخر.

4 أي كالتضايف الذي بين مفهوم العلة -وهي كون الشيء سببًا- ومفهوم المعلول -وكون الشيء مسببًا عن ذلك الشيء أو بين ما صدق العلة وما صدق المعلول باعتبار مفهومها.

هذا وسمي جمع الاتحاد والتماثل والتضايف عقليًّا؛ لأن العقل يدرك بها الأمور على حقائقها.

ج / 3 ص -136- "الجامع الوهمي":

وأما الوهمي1: فهو أن يكون بين تصوريهما:

1- شبه تماثل2 كلون بياض ولون صفرة.

فإن الوهم يبرزهما في معرض المثلين ولذلك حسن الجمع بين الثلاثة في قوله: "محمد بن وهيب".

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر2

2- أو تضاد4 كالسواد والبياض والهمس والجهارة والطيب والنتن والحلاوة والحموضة والملاسة والخشونة وكالتحرك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو أمر بسببه يحتال الوهم في اجتماع الشيئين عند المفكرة بخلاف العقل فإنه إذا خلى ونفلسه لم يحكم بذلك الاجتماع لهذا الأمر؛ لأن العقل يدرك الأمور على حقائقها بخلاف الوهم فمن شأنه خلاف ذلك.

فالجامع الوهمي ليس أمر جامعًا في الواقع بل باعتبار أن الوهم جعله جامعًا كشبه التماثل والتضاد وشبه التضاد.

2 المراد بالتماثل الاتحاد في النوع بأن يكون بين الشيئين تقارب وتشابه باعتبار وتباين باعتبار آخر.

3 فالوهم يتوهم الثلاثة من نوع واحد وإنما اختلفت العوارض، والعقل يعرف أنها أمور متباينة. والبيت من عطف المفردات، وهي كالجمل يشترط فيها الجامع.

4 وهو التقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد. خرج بالوجود بين تقابل الإيجاب والسلب وتقابل العدم والملكة وهو ثبوت شيء وعدمه عما من شأنه ذلك كتقابل العمى للبصر، والمراد بالوجودي هنا ما ليس العدم داخلًا في مفهوميته فيشمل الأمور الاعتبارية فيدخل المتضايقان فلا بد إذا من زيادة قيد "لا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر".

و"يتعاقبان على محل واحد" أي يمكن ذلك لا أن ذلك بالفعل؛ لأن الضدين قد يرتفعان.

ج / 3 ص -137- والسكون القيام والقعود والذهاب والمجيء والإقرار والإنكار والإيمان والكفر1 وكالمتصفات بذلك كالأسود والأبيض والمؤمن والكافر.

3- أو شبه تضاد2 كالسماء والأرض والسهل والجبل والأول والثاني، فإن الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايقين فيجمع بينهما في الذهن ولذلك تجد الضد أقرب خطورًا بالبال مع الضد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هذا بناء على أن الكفر وجودي وهو الجحد.

والحق أن بين الإيمان والكفر تقابل العدم والملكة؛ لأن الكفر عدم التصديق عما من شأنه التصديق. وقد يقال الكفر إنكار شيء من ذلك فيكن وجوديًّا فيكونان متضادين.

2 بأن لا يكون أحد الشيئين ضد للآخر، ولا موصوفًا بضد ما وصف به الآخر ولكن يستلزم كل منهما معنى ينافي ما يستلزمه الآخر.

ملاحظة:

وأنواع التقابل أربعة:

التماثل - التضاد - التناقض - العدم والملكة.

ج / 3 ص -138- "الجامع الخيالي1":

والخيالي أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال2 سابق3.

وأسبابه مختفة4- ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبًا ووضوحًا5، فكم صور تتعانق في خيال وهي في آخر لا تتراءي، وكم صورة لا تكاد تلوح في خيال وهي في غيره نار على علم، كما يحكي1 أن صاحب سلاح ملك وصائغًا وصاحب بقر ومعلم صبية سافروا ذات يوم وواصلوا سير النهار بسير الليل، فبينما هم في وحشة الظلام ومقاساة خوف التخبط والضلال، طلع عليهم البدر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 154 جـ1 زهر الآداب، 135 جـ2 البيان، 70، 74 طراز المجالس، 111 من المفتاح.

وهو أمر بسببه يقتضي الخيال اجتماعهما في المفكرة ولو كان في أصله عقليًّا لكونه كليًّا أو وهميا لكونه جزئيًّا.

فالجامع الخيالي ما يتعلق بالصور الخيالية ولو كان عقليًّا أو وهميًّا في أصله، والجامع الوهمي ما يحتال بسببه الوهم على الجمع عند المفكرة ولو سبق إليه الخيال لكونه مدركًا به الخصوص أو لًا فأخذ منه العقل.

هذا والحس المشترك هو القوة المدركة للصور الحسية والخيال خزانته فنسب هنا الإدراك إلى الخانة لا إلى القوة المدركة تساهلًا. فاصل الكلام هنا "يقتضي الحس المشترك الذي خزانته الخيال" بدلًا من "يقتضي الخيال".

2 أي خيال السامع على ما هو الغالب مع مراعاة حال المخاطب.

3 أي على العطف، لأسباب مؤدية إلى ذلك.

والمراد بتقارنهما في الخيال تقارنهما فيه عند التذكر والإحضار.

4 باختلاف البيئة والصناعة والأشخاص والعصور.

5 المراد بالوضوح عدم غيبتها عن الخيال وبالترتب اجتماعها في الخيال بحيث لا تنفك عن بعض والأولى تفسير الترتيب بأن يكون حضور الصور على وجه مخصوص لا يكون في آخر كذلك؛ لأنه بالمعنى الأولى هو والوضوح مثلًا زمان.

6 راجع 111 من المفتاح.

ج / 3 ص -139- بنوره فأفاض كل منهم في الثناء عليه وشبهه بأفضل ما في خزانة صوره، فشبهه السلاحي بالترس المذهب يرفع عند الملك، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفتر عن وجهها البتوقة، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من فالبه طريا والمعلم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة، وكما يحكى1 عن وراق يصف حاله: عيشي أضيق من محبرة وجسمي أدق من مسطرة وجاهي أرق من الزجاج، وحظي أخفى من شق القلم وبدني أضعف من قصبة وطعامي أمر من العفص وشرابي أشد سوادًا من الحبر وسوء الحال لي ألزم من الصمغ.

ولصاحب1 علم المعاني فضل احتياج إلى التنبيه لأنواع الجامع لا سيما الخيالي فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد لأسباب في ذلك3 كالجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَت، وَإِلَى الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، بالنسبة إلى أهل الوبر فإن جل انتفاعهم في معاشهم من الإبل فتكون عنايتهم مصروفة إليها، وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر فيكثر تقلب وجوههم في السماء ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها فإذا فتش البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور بخلاف الحضري فإذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرنا ظن النسق لجهله معيبًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 112 من المفتاح، 222 جـ2 زهر الآداب.

2 راجع 112 من المفتاح.

3 أي بحسب انعقاد ووجود الأسباب في إثبات الصور في خزانة الخيال، وتباين الأسباب مما يفوته الحصر.

ج / 3 ص -140- "محسنات الوصل1":

ومن محسنات الوصل1 تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية2 وفي المضي والمضارعة3، إلا لمانع4 كما إذا أريد بإحداهما التجدد وبالأخرى الثبوت كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ثم قام زيد دون عمرو فقلت قام زيد وعمرو قاعد5 كما سبق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 118 من المفتاح.

2 أي بعد وجود المصحح للعطف لاتفاق الجملتين خبرًا وإنشاءً لفظًا ومعنًى أو معنى فقط مع وجود الجامع.

3 ظاهر هذا أن العطف صحيح بدون التناسب المذكور في الاسمية والفعلية والماضوية والمضارعية فيصح عطف الاسمية على الفعل والعكس، وإنما يعدل للتناسب المذكور لإفادة الحسن فقط، وليس كذلك إذ التناسب قد يكون واجبًا وقد يكون ممنوعًا فإذا قصد تجريد النسبة في الجملتين عن الخصوصية بأن أريد مطلق الحصول تعين التناسب فيقال زيد قائم وعمرو قاعد أو قام زيد وجلس صديقه، بناء على أن الاسمية لا تفيد الدوام إلا بالقرائن والفعلية لا تفيد التجدد إلا بها ولا دلالة لها على أكثر من الثبوت، وكذا يتعين التناسب إذا أريد الدوام فيهما أو التجدد فيهما بناء على إفادة الاسمية للدوام والفعلية للتجدد أما إذا قصد الدوام في إحداهما والتجدد في الأخرى امتنع التناسب وتعين أن يقال عند قصد الدوام في الأولى والتجدد في الثانية: زيد قائم وجلس صديقه وعند قصد العكس قام زيد وصديقه جالس -فالنسبة الواقعة في الجملتين ثلاثة أقسام: مجردة عن الخصوصية في القصد من دوام أو تجدد، وما قصد الدوام في إحداهما والتجدد في الأخرى والتناسب في هذين القسمين واجب في الأول وممنوع في الثاني، والثالث أن تقصد النسبة في ضمن أي خصوصية وهذا هو محل الاستحسان.

4 فإذا أردت مجرد الإخبار من غير قصد تعرض للتجدد في إحداهما والثبوت في الأخرى وإن كان ذلك موجودًا بالفعل لا بالقصد قلت قام زيد وقعد عمرو وكذلك زيد قائم وعمرو قاعد، فلا يترك هذا التناسب إلا لمانع.

5 مثل أن يراد في إحداهما التجدد وفي الأخرى الثبوت فيقال قام زيد وعمرو قاعد. =

ج / 3 ص -141- ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= أو يراد في إحداهما المضي وفي الأخرى المضارعة فيقال زيد قام وعمرو يقعد أو يراد في إحدهما الإطلاق وفي الأخرى التقييد بفعل الشرط كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْر}، فالجملة الأولى مطلقة والثانية مقيدة بفعل الشرط وقد عطفا على بعض. ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}، فقوله: وهو الأظهر أم على {لا يَسْتَأْخِرُونَ} مأخوذًا مع قيده على جعل الشرط وهو الأظهر أم على {لا يَسْتَأْخِرُونَ} مأخوذًا مع قيده على جعل الشرط قيدًا للجزاء بأن تجعل الشرطية جملة مقيدة وهذا كالأول وإن تخالفا اعتبارًا: أو ليست عطفًا على الجزاء {لا يَسْتَأْخِرُونَ} وحده من حيث هو جزاء، وإلا لكان هو أيضًا جوابًا إذ المعطوف على الجواب جواب فيرد عليه أنه معنى لقولنا: "إذا جاء أجلهم لا يستقدمون"؛ لأنه لا يتصور التقدم بعد مجيء الأجل وحينئذ فلا فائدة في نفيه.

واشتراك المعطوف في القيد الخاص بالمعطوف عليه هو الظاهر ولكنه قد يخالف لدليل أقوى من الظاهر كما في الآية وأجاز بعضهم العطف على "لا يستأخرون" للمبالغة في انتفاء التأخير، وقال بعضهم أن جملة: {وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} جملة استئنافية.

فالمعطوف في الآية مطلق والمعطوف عليه مقيد بالشرط بعكس الآية السابقة والجامع في الآية السابقة أن نزول الملك على تقدير وجوده سبب في نظرهم لنجاتهم وإيمانهم وهذا هو ما تضمنته الجملة الأولى أما الجملة الثانية فقد تضمنت أن نزوله سبب هلاكهم وعدم إيمانهم وسوق الجملتين لإفادة غرض واحد يتحقق فيه الجامع عند السبك مما يصحح العطف عندهم ولو كان إحداهما في اللفظ خبرًا والأخرى لفظًا إنشاء فأخرى الشرطية وغيرها ولا يخفى تحقق الجامع بما ذكر من التأويل.

وعليه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ}، راجع 118 مفتاح 168 دلائل الإعجاز.

ج / 3 ص -142- "الجملة الحالية1":

ومما يتصل بهذا الباب القول في الجملة إذا وقعت حالًا منتقلة2، فإنها تجيء تارة بالواو وتارة بغير الواو، فنقول:

أصل3 الحال المنتقلة أن تكون بغير واو لوجوه:

الأول: أن إعرابها ليس بتبع وما ليس إعرابه بتبع لا يدخله الواو وهذه الواو إن كانت تسمى واو الحال فإن أصلها العطف.

الثاني: أن الحال في المعنى حكم على ذي الحال كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ4 إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم به يحصل بالأصالة لا في ضمن شيء آخر والحكم بها إنما يحصل في ضمن غيرها5 فإن الركوب مثلًا في قولنا جاء زيد وراكبًا محكوم به على زيد لكن لا بالأصالة بل بالتبعية، بل وصل بالمجيء وجعل قيدًا له بخلافه في قولنا زيد راكب,

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 119 من المفتاح، 156-172 من الدلائل.

2 حاصل ما ذكر هنا خمسة أقسام: ما يتعين فيه الواو، ما يتعين فيه الضمير ما يجوز فيه الأمران على السواء، ما يترجح فيه الضمير، ما يترجح فيه الواو.

والحال المنتقلة هي الغير اللازمة لصاحبها.

3 أي الكثير الراجح فيها كما يقال الأصل في الكلام الحقيقة، أو الأصل بمعنى مقتضى الدليل.

واحترز بالمنتقلة عن اللازمة مثل هذا أبوك عطوفًا وخلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها وكذلك عن المؤكدة المقررة لمضمون الجملة فإنها يجب أن تكون بغير واو لشدة ارتباطها بما قبلها.

4 وإن كان الخبر حكمًا في اللفظ أيضًا بخلاف الحال في ذلك فإنه حكم في المعنى فقط.

5 من حيث أنه فضله يستقيم الكلام بدونها والمسند هو المقصود بالذات من حيث إنه مسند وركن لا يستقيم الكلام إلا به وذلك لا ينافي أن المقصود للبليغ هو القيد.

ج / 3 ص -143- الثالث: أنها في الحقيقة وصف لذي الحال فلا يدخلها الواوكالنعت1.

فثبت أن أصلها أن تكون بغير واو لكنه خولف الأصل فيها إذا كانت جملة؛ لأنها بالنظر إليها من حيث هي جملة2؛ مستقلة بالإفادة تحتاج3 إلى ما يربطها بما جعلت حالًا عنه، وكل واحد من الضمير4 والواو صالح للربط، والأصل5 الضمير بدليل الاقتصاد عليه في الحال المفردة والخبر والنعت6.

وإذا تمهد هذا فنقول:

الجملة التي تقع حالًا ضربان: خالية عن ضمير ما تقع حالًا عنه، وغير خالية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بالنسبة للمنعوت إلا أن المقصود في الحال كون صاحبها على هذا الوصف حال مباشرة الفعل فهي قيد للفعل وبيان لكيفية وقوعه بخلاف النعت فإنه لا يقصد به ذلك بل مجرد اتصاف المنعوت به، وإذا كانت الحال مثل الخبر والنعت فكما أنهما يكونان بدون الواو فكذلك الحال، وأما ما أو رده بعض النحويين من الأخبار والنعوت المصدرة بالواو كالخبر في باب كان مثل مصبحًا وهو عريان والجملة الوصفية المصدرة بالواو التي تسمى واو تأكيد لصوق الصفة بالموصوف مثل وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم فعلى سبيل التشبيه والإلحاق بالحال.

2 قال "من حيث هي جملة"؛ لأنها من حيث هي حال غير مستقلة بل متوقفة على الارتباط بكلام سابق قصد تقييده بها فلا تحتاج إلى رابط.

3 أي الجملة الواقعة حالًا.

4 أي ضمير صاحب الحال.

5 أي الذي لا يعدل عنه مالم تمس حاجة إلى زيادة ارتباط فحينئذ يؤتى بالواو؛ لأنها أقوى.

6 أي مفردين أو جملتين، والحاصل أن الضمير أصل في الربط بحسب الاستعمال لا من حيث الوضع، وأما الواو فهي أصل باعتبار الوضع، ثم يرد على كلامه أن الحال المفردة الضمير فيها ليس للربط، وأجاب عبد الحكيم: بأن المراد ما كان مثل أكرمت زيدًا قائمًا أبوه وكذا في الخبر والنعت.

ج / 3 ص -144- أما الأولى:

فيجب أن نكون1 بالواو لئلا تصير منقطعة عنه غير مرتبطة2 به، وكل جملة خالية عن ضمير ما يجوز3 أن ينتصب عنه حال يصح أن تقع حالًا عنه إذا كانت مع الواو، إلا المصدرة بالمضارع المثبت كقولك "جاء زيد ويتكلم عمرو" على أن يكون "ويتكلم عمرو" حالًا عن زيد، لما سيأتي أن ارتباط مثلها يجب أن يكون بالضمير وحده.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لفظًا أو تقديرًا، والفرق بينهما وبين الخبرية والنعتية أن الخبر جزء الجملة وذلك كاف في الربط فلم تناسبها الواو التي أصلها العطف الذي لا يكون للخبر والنعتية تدل على معنى في المنعوت فصارت كأنها من تمامه فلم تناسبها الواو أيضًا فاكتفي فيهما بالضمير بخلاف الحالية فهي فضله مستغنى عنها فاحتيجت إلى الرابط "الضمير وإلا تعينت الواو".

2 فلا يجوز خرجت زيد قائم بدون واو.

ولما ذكر أن كل جملة خلت عن الضمير وجبت فيها الواو أراد أن يبين أن أي جملة يجوز فيها ذلك وأي جملة لا يجوز، فإن من الجمل الخالية عن الضمير ما يصح أن تقع حالًا فتجب الواو ومنها ما لا يصح وقوعها حالًا.

3 أي عن ضمير الاسم الذي يجوز وقوع الحال عنه، وذلك بأن يكون الاسم فاعلًا أو مفعولًا: معرفين أو منكرين مخصوصين بنعت أو إضافة أو نفي أو استفهام أو نهي، لا نكرة محضة خالية من التخصيص أو مبتدأ أو خبرًا فإنه لا يجوز أن ينتصب عن هذه الثلاثة حال على الأصح.

وإنمالم يقل عن ضمير صاحب الحال؛ لأن قوله "كل جملة" مبتدأ خبره قوله بعد "يصح أن تقع حالًا عنه بالواو" أي يصح أن تقع تلك الجملة حالًا عما يجوز أن ينتصب عنه الحال، ومالم يثبت له هذا الحكم -أعني وقوع الحال عنه لم يصح إطلاق اسم صاحب الحال عليه إلا مجازًا باعتبار ما يؤول. وإنما قال: ينتصب عنه حال، ولم يقل "يجوز أن تقع تلك الجملة حالًا عنه"، لتدخل فيه الجملة الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع المثبت، ودخولها مطلوب لأجل إخراجها بعد ذلك بالاستثناء- لأن ذلك الاسم مما لا يجوز أن تقع تلك الجملة حالًا عنه؛ لأنه مما يجوز أن ينصب عنه حال في الجملة، وحينئذ يكون قوله "كل جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال" متناولًا للمصدرة بالمضارع الخالية عن الضمير المذكور فيصح استثناؤها بقوله: "إلا المصدرة بالمضارع المثبت" وذلك مثل "جاء زيد ويتكلم عمرو"، فإنه لا يجوز أن يجعل "ويتكلم.

عمرو" حالًا عن زيد وإنما يصح جعلها معطوفة على الجملة الأولى عند وجود الجامع.

وذلك؛ لأن ربط الجملة المضارعية المثبتة يجب أن يكون بالضمير فقط، فلو قيل "جاء زيد ويتكلم عمرو معه" لصح.

ولا يخفى أن المراد بقوله "كل جملة" الجملة الصالحة للحالية، وهي الخبرية بخلاف الإنشائيات، ومثله الشرطيات فإنها لا تقع حالًا عنه لا بالواو، ولا بدونها إلا بتقدير قول يتعلق بها أصلًا كالنعت بخلاف الخبر فيقع إنشاء على الأصح وإنما شبهت في ذلك بالنعت دون الخبر؛ لأن الحال قيد والقيود ثابتة باقية مع ما قيد بها، والإنشاء ليس كذلك بل وجوده باللفظ فقط.

ج / 3 ص -145- وأما الثانية1:

فتارة يجب أن تكون بالواو، وتارة يمتنع ذلك، وتارة يترجح أحدهما وتارة يستوي الأمران، والواو غير مناف للضمير في إفادة الرابط، فتعين التنبيه على أسباب الاختلاف، فنقول:

1- الجملة إن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع الواو2، كقوله تعالى: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون} وقوله: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر3} وقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}؛ لأن أصل الحال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هي الجملة الحالية غير الخالية عن ضمير صاحبها وهي إما اسمية فتجب فيها الواو في بعض الأحوال، أو فعلية، والفعلية فعلها إما مضارع: مثبت فيجب فيه الضمير، أو منفي فيستوي فيه الأمران، وإما ماضي لفظًا فحكمه كذلك والاسمية قد يترجح فيها أحدهما في بعض الأحوال.

2 أي ووجب الاكتفاء بالضمير.

3 على قراءة الرفع، أما على قراءة الجزم، فليس فيها شاهد؛ لأنها بدل اشتمال "من تمنن" لاحال، ولا يصح جزمه جوابًا للنهي لعدم صحة تقدير "أن لا" قبله.

المعنى لا تعط حال كونك تعد ما تعطيه كثيرًا. وراجع الكلام على الآية في كامل المبرد ص136 جـ1.

ج / 3 ص -146- المفردة أن تدل على حصول صفة1 غير ثابتة2، مقارن3 لما جعلت قيدًا له، والمضارع المثبت كذلك4: أما دلالته على حصول صفة غير ثابتة؛ فلأنه فعل5 مثبت6، والفعل المثبت يدل على التجدد وعدم الثبوت كما مر، وأما دلالته على المقارنة فلكونه مضارعًا7 فوجب أن يكون بالضمير وحده كالحال المفردة، ولهذا امتنع نحو "جاء زيد ويتكلم عمر".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي صراحة أو باللزوم كما في: جاء غير ماش، وقوله: "صفة" أي معنى قائم بالغير؛ لأنها لبيان الهيئة التي عليها الفاعل أو المفعول والهيئة وهي معنى قائم بالغير، فالمراد معنى الصفة اللغوي لا النحوي.

2 بأن تنفك عن صاحبها، وذلك؛ لأن الكلام في الحال المنتقلة، وهي كذلك.

3 أي مقارن ذلك الحصول لما جعلت الحال قيدًا له يعني العامل؛ لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال وهذا التخصيص هو معنى المقارنة اللازمي لا المطابقي.

4 أي يدل على حصول صفة غير ثابتة.

5 فيدل على التجدد أي بصفته التي هي معنى الفعل، والمراد بتجددها حدوثها في الزمان ووجوده بعد عدم -وعدم الثبوت أي عدم الدوام ودلالة الفعل عليه بطريق اللزوم العادي؛ لأن الشأن في كل طارئ عدم بقائه.

6 فيدل على الحصول.

7 فيصلح للحال كما يصلح للاستقبال وهي حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال فعلى ذلك يكون مضمونه مقارنًا للعامل إذا وقع حالًا وقوله فيصلح للحال هو روح العلة. وفي قوله "وأما المقارنة إلخ" نظرًا؛ لأن الحال التي يدل عليها المضارع هو زمان التكلم وحقيقته أجزاء متعاقبة من أو اخر الزمان وأوائل المستقبل والحال التي نحن بصددها يجب أن يكون مقارنًا لزمان مضمون الفعل المفيد بالحال ماضيًا كان أو حالًا أو استقبالًا فلا دخل للمضارعة في المقارنة؛ لأن زمان المقارنة أعم من زمان التكلم الذي يدل عليه المضارع الواقع حالًا، فليس للمضارعة إذا دخل فإفادة المقارنة المرادة هنا، فالأولى أن يعلل امتناع الواو في المضارع المثبت بأنه على وزن اسم الفاعل لفظًا لتوافقهما في الحركات والسكنات وبتقديره معنى لصحة استعمال كل منهما مكان الآخر فيمتنع دخول الواو فيه مثله.

ج / 3 ص -147- وأما ما جاء من نحو قول بعض العرب: قمت وأصك عينه أو وجهه وقول عبد الله بن همام السلولي1:

فلما خشيت أظافيرهم نجوت وأرهنهم مالكًا

فقيل: على حذف المبتدأ2 أي وأنا أصك عينه، وأنا أرهنهم، وقيل الأول شاذ3 والثاني4 ضرورة، قال5 الشيخ عبد القاهر: ليست الواو فيهما للحال بل هي للعطف، وصك "أرهن" معنى صككت ورهنت، ولكن الغرض من إخراجهما على لفظ الحال أن يحكيا الحال في أحد الخبرين ويدعا الآخر على أصله6 كما في قوله "عميرة بن جابر الحنفي":

ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثم قلت7 لا يعنيني

يبين ذلك أن الفاء لا تجيء مكان الواو في مثله كما في خبر عبد الله بن عتيك8 فإنه ذكر دخوله على أبي رافع اليهودي حصنه، ثم قال: فانتهى إليه فإذا هو في بيت مظلم لا أدري أين هو من البيت؟ قلت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع البيت في الدلائل ص159، أظافيرهم أي أسلحتهم.

والشاهد في البيت وقوع الفعل المضارع المثبت "أرهنهم" حالًا بالواو. وهذا على قراءة الأصمعي بالرفع.

2 فتكون الجملة اسمية وهي يصح ارتباطها بالواو.

3 أي مخالف للقياس النحوي فلا ينافي الفصاحة -والأول هو "قمت وأصك وجهه".

4 أي "نجوت وأرهنهم مالكًا".

5 159 من الدلائل.

6 فالعدول عن الماضي إلى المضارع لحكاية الحال الماضية فالحكاية مانعة من رعاية التناسب بين المعطوفين، ومعنى حكاية الحال الماضية أن يفرض ما كان في الزمان الماضي واقعًا في هذا الزمان فيعبر عنه بلفظ المضارع.

7 البيت سبق شرحه في تعريف المسند إليه باللام. وتجده في الدلائل ص159.

8 تجده في الكامل لابن الأثير ص60 جـ2.

ج / 3 ص -148- أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه بالسيف وأنا دهش، فإن قوله فأضربه مضارع عطفه بالفاء على ماض؛ لأنه في المعنى ماضي.

2- وإن كان الفعل مضارعًا منفيًّا1 فيجوز فيه الأمران من غير ترجيح2، لدلالته على المقارنة لكونه مضارعًا، وعدم دلالته على الحصول لكونه منفيًّا. أما مجيئه بالواو فكقراءة ابن ذكوان: فاستقيما ولا تتبعان، بتحقيق النون3 وقول بعض العرب: كنت ولا أخشى بالذيب، وقول مسكن الدارمي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بغير لن؛ لأن الجملة المنفية بها لا تقع حالًا؛ لأن "لن" تخلص الفعل للاستقبال، وهذا ينافي الجملة الحالية إذ يجب فيها أن لا تصدر بعلم استقبال، فالمراد بالنفي هنا النفي بما أو لا.

2 وبعضهم رجح الترك.

3 أي بتخفيف نون "ولا تتبعان" فتكن "لا" للنفي دون النهي لثبوت النون التي هي علامة الرفع فلا يصح عطفه على الأمر قبله فتكون الواو للحال بخلاف القراءة "ولا تتبعان" بتشديد النون فإنه نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة والفعل مجزوم بحذف نون الرفع، ولا يجوز أن تكون على هذه القراءة نفيا، ونون الرفع محذوفة لتوالي الأمثال؛ لأن تأكيد الفعل المنفي بلا شاذ.

أما على القراءة الأولى فواضح أن لا للنفي فاستقيما انشاء ولا تتبعان بالتخفيف خبر فالواو غير عاطفة لامتناع عطف الخبر على الإنشاء لما بين الجملتين من كما ل الانقطاع المانع من العطف وهذا على الوجه الظاهر في ولا تتبعان، من أن الفعل معرب مرفوع بثبوت النون في موضع الحال. وهناك أو جه غير ظاهرة مثل ما ذهب إليه يونس من أن الفعل إنشاء؛ لأنه نهي والنون فيه نون التوكيد الخفيفة، وتطرق مثل هذا الاحتمال لا يضر في الاستشهاد؛ لأنه مبني على الظاهر والاحتمال المذكور خلاف الظاهر. قيل أن لا تتبعان على أن نون علامة الرفع تكون حالًا مؤكدة مع أن كلامنا هنا في الحال المنتقلة.

ج / 3 ص -149- أكسبته الورق البيض أبا ولقد كان ولا يدعى لأب1

وقول مالك بن رفيع: هو كان قد جنى جناية فطلبه مصعب بن الزبير:

بغاني مصعب وبنو أبيه فأين أحيد عنهم لا أحيد

أقادوا من دمي وتوعدوني وكنت وما ينهنهني الوعيد2

وأما مجيئه بعير واو كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّه}3 وقول عكرشة العبسي4:

مضوا لا يريدون الرواح، وغالهم من الدهر أسباب جرين على قدر

وقول خالد بن يزيد بن معاوية:

لو أن قومًا لارتفاع قبيلة دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع البيت في ص160 من الدلائل، وص120 من المفتاح. الورق بكسر الراء: المال من الدراهم ويجمع على أو راق وقد وصف هنا بالجمع كما يقال الدرهم البيض لتعدده معنى.

2 بغاني: طلبني. أحيد: أتنحى. أقادوا من دمي: قتلوا بدل قليلهم. ينهنهني: يزجرني.

3 أي أي شئت ثبت لنا حال كوننا غير مؤمنين، فالاستفهام إنكار لحصول شيء في هذه الحالة وهو مستلزم لإنكارها على سبيل المبالغة إذ حصول شيء ما لازم في هذه الحالة، وإذا كان منكرًا كانت تلك الحال منكرة، فالفعل المنفي حال بدون الواو، والعامل في الحال هو العامل في "لنا" المقدر وصاحب الحال هو الضمير المجرور وهو معمول محلا للعامل في الحال فهو على القاعدة من أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها.

4 راجع البيت في الحماسة 144/ 1"، وفي ص161 من الدلائل وفي 119 من المفتاح. الرواح: الرجوع، غال: أهلك قدر بسكون الدال من قدرته قدرًا بمعنى قدرته تقديرًا يعني أسبابًا مقدرة.

ج / 3 ص -150- وقول الأعشي1:

أتينا أصبهان فهزلتنا وكنا قبل ذلك في نعيم

وكان سفاهة مني وجهلًا مسيري لا أسير إلى حميم2

كأنه قال: سفاهة مني وجهلا أن سرت غير سائر إلى حميم3.

4- وإن كان ماضيًا لفظًا4 أو معنى5 فكذلك يجوز الأمران من غير ترجيح.

أما مجيئه بالواو فكقوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}، وقوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا}، وقال امرئ القيس:

أتقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعفت المهنوءة الرجل الطالي6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أعشى همدان في خالد بن عتاب كما في البيان والتبيين ص239 جـ3 والبيتان في الدلائل ص161.

2 قيل أن الأعشى صحب عباد بن ورقاء إلى أصبهان فلم يحمدها. هزلتنا: أضعفتنا الحميم: الصديق.

3 راجع ص162 من الدلائل.

4 أي ومعنى معًا.

5 وهو المضارع المنفي بلم أو بلما فإنهما يقلبان معنى المضارع التضمني - وهو الزمان إلى المضي.

6 شعفت فؤادها أي غلب حبي قلبها وخالطه حتى وصل إلى شعاف القلب المهنوءة المطلية بالقطران. شعفها: طلاها به، يعني أن حبه بلغ منها كما يبلغ القطران من الناقة المهنوءة فإنه يسري في جسمها حتى يوجد طعمه في لحمها.

ج / 3 ص -151- وقوله1:

فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل

وقوله تعالى: {أَو قَالَ أو حِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}، وقوله: {يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}، وقول كعب:

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وإن كثرت في الأقاويل

وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا منْ قَبْلِكُمْ}، وقول الشاعر:

دانت قطام ولما يحظ ذو مقة منها بوصل ولا إنجاز ميعاد2

وقول الشاعر:

وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر

وقوله:

أتيناكم قد عمكم حذر العدا فنلتم بنا أمنا ولم تعدموا نصرا3

وقوله4:

حتى أرى الصبح قد لاحت مخايله والليل قد مزقت عنه السرابيل

وكقوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي امرئ القيس أيضًا. نضا: نزع. اللبسة بكسر اللام اسم هيئة. المتفضل الذي يبقى في ثوب واحد لينام أو ليعمل عملًا.

2 قطام اسم امرأة، المقة: الحب من ومقه ومقاومته أحبه.

3 حذر العدا أي خوف الأعداء من إضافة المصدر إلى مفعوله والعدى بكسر العين وضمها: الأعداء.

4 هو حندج بن حندج المري من أبيات مطلعها: في ليل صول تناهى العرض والطول "راجع 162 من الدلائل، 362 جـ2 الحماسة، والأمالي".

مخايل الصبح: طلائعه. سرابيل الليل: ظلامه شبه بها.

ج / 3 ص -152- سوء1 وقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}، وقول امرئ القيس:

فأدرك لم يجهد ولم يئن شأوه يمر كخذروف الوليد المثقب2

وقول زهير:

كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا، لم يحطم3

والسبب في أن جاز الأمران فيه إذا كان مثبتًا4 دلالته على حصول صفة غير ثابتة لكونه فعلًا، وعدم دلالته على المقارنة لكونه ماضيًا5. ولهذا6 اشترط أن يكون مع7 قد ظاهرة أو مقدرة حتى تقربه إلى الحال فيصبح وقوعه حالًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 حال من الواو في "انقلبوا".

2 البيت من قصيدته "خليلي مرا بي على أم جندب": وهو في وصف الفرس يعني أنه أدرك طريدته بغير مشقة في أو ل شأوه. والشأو. الطلق. الخذروف: لعبة كالدوارة التي يلعب بها الصبيان.

3 البيت من معلقة زهير: "أمن أم أو فى دمنة" "لم تكلم". الفتات اسم لما انفت وتقطع من الشيء. العهن: الصوف المصبوغ. الفنا، عنب الثعلب، واحدة فناة. يريد تشبيه قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج بحب عنب الثعلب في حمرته قبل تحطيمه؛ لأنه إذا حكم تزول حمرته.

4 وهو الماضي لفظًا ومعنى.

5 فلا يقارن مضمون الماضي الحال التي هي زمان التكلم.

6 أي ولعدم دلالته على المقارنة.

7 أي إذالم يكن الماضي تاليًا لا لا ولا متلوا بأو، وإلا فلا يقترن بها. والظاهرة مثل "وقد بلغني". والمقدرة مثل "حصرت صدورهم". هذا و"وقد" تقرب الماضي من الحال والمقارنة في حكم المقارنة والإشكال السابق وارد هنا وهو أن الحال التي نحن بصددها وهي الحال النحوية غير الحال التي تقابل الماضي وتقرب قد الماضي منها، وإذا كانت غيرها فتجوز مقارنة مضمون الحال النحوية لمضمون عاملها في الزمان. إذا كان الحال والعامل ماضيين، وحينئذ فمقتضاه امتناع الواو لمشابهة تلك =

ج / 3 ص -153- وظاهر هذا يقتضي وجوب الواو في المنفي1 لانتفاء المعنيين، لكنه لم يجب فيه، بل كان مثله: أما لمنفي بلما؛ فلأنها للاستغراق2 وأما المنفي بغيرها3؛ فلأنه لما دل على انتفاء متقدم4 وكان الأصل استمرار ذلك5، حصلت الدلالة على المقارنة عند إطلاقه6، بخلاف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= الحال الماضية المفردة في الدلالة على المقارنة في الحصول، فقولهم في الماضي المثبت أنه لا يفيد المقارنة غير مناسب.

وهذا ولفظ قد إنما يقرب الماضي من الحال التي هي زمان التكلم، وربما يبعده عن الحلال التي نحن بصددها كما في قولهم جاء زيد في الأسبوع الماضي وقد ركب فرسه. والاعتذار عن اشتراطهم دخول قد على الماضي الواقع حالًا هو أنهم استبشعوا لفظ الماضي والحالية التنافي الماضي والحال في الجملة فأتوا بلفظ قد لظاهر الحالية لمجرد استحسان لفظي، وهو منقول من الرضى، والسيد لا يرضى ذلك ويرى أن الركوب في قولك: "جاء زيد ركب" متقدم على المجيء فتأتي قد لتقربه من زمان المجيء.

ملاحظة:

لم يورد المصنف مثالًا للفعل المضارع المنفي بلما والواقع حالًا مع ترك الواو فيه، ومثال ذلك البيت:

فقالت له العينان سمعًا وطاعة وحدرتا كالدر لما يثقب

1 أي الماضي المنفي لفظًا ومعنى أو معنى فقط.

2 أي لامتداد النفي من حيث الانتفاء إلى زمن التكلم فقد وجدت مقارنة مضمون الحال المنفية بها لزمن التكلم ويرد عليه أن تلك المقارنة غير مرادة وإنما المطلوب في الحال مقارنتها لعاملها.

3 أي غير لما، مثل لم، وما، فما مع الماضي بدليل تخصيصه المضارع المنفي بلم ولما فيما مر وليست "ما" مع الماضي لنفي الحال بل مع المضارع.

4 أي حدث متقدم على زمن التكلم.

5 أي استمرار ذلك الانتفاء لوقت التكلم حتى تظهر قرينة على الانقطاع كما في قولنالم يضرب زيد أمس لكنه ضرب اليوم" فالقرينة هنا مخصصة للأصل لا مناقضة له.

6 بعدم التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء قبل زمن التكلم.

ج / 3 ص -154- المثبت1 فإن وضع الفعل على إفادة التجدد2. وتحقيق هذا3 أن استمرار العدم4 لا يفتقر إلى سبب5 بخلاف استمرار الوجود6 كما يبين في غير هذا العلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الماضي المثبت فإنه لا يفيد الاستمرار، كالماضي المنفي.

2 الذي هو مطلق الثبوت بعد الانتفاء، من غير أن يكون الأصل استمراره فإذا قلت "ضرب" مثلًا كفى في صدقه وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمان الماضي، وإذا قلت "ما ضرب" أو "لم يضرب" أفاد استغراق النفي لجميع أجزاء الزمان الماضي أي من حيث أن تلك الأجزاء ظرف للأحداث التي تعلق بها النفي وإلا فالنفي إنما هو كل فرد من أفراد الحدث الواقعة في أجزاء الزمان الماضي لكان أو ضح، وإفادته الاستغراق إما لمراعاة الأصل أو؛ لأن الفعل في سياق النفي كالنكرة المنفية بلا فنعم. والأوجه في إفادة المقارنة أن يقال أن الأصل في النفي بعد تحققه استمراره.

3 أي وهو أن الأصل في النفي بعد تحققه استمراره بخلاف الإثبات.

4 الذي هو مفاد الماضي المنفي.

5 أي موجود مؤثر بل يكفي فيه انتفاء سبب الوجود فلذلك سهل فيه استصحاب الاستمرار المؤدي للمقارنة.

6 فيفتقر إلى وجود سبب مؤثر. ومن جملة أفراد "استمرار الوجود" استمرار وجود مفاد الماضي المثبت فلذا لم يستصحب فيه الاستمرار.

ففي الجملة: لما كان الأصل في المنفي الاستمرار حصل من إطلاقه -أي كونه غير مقيد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء- الدلالة على المقارنة التي ذكروها هنا وقد سبق أن المطلوب في الحال مقارنة مضمونها لمضمون عاملها في الزمان لا مقارنة مضمونها لزمن التكلم الذي يستلزمه الاستمرار المذكور، فأين هذا من ذاك؟.

فالخلاصة أن الماضي المنفي يشبه الحال المفردة في إفادة المقارنة فاستحق بذلك الاتيان به، وذلك جاز الأمران فيه كما جاز في المثبت.

ج / 3 ص -155- 5- وإن كانت الجملة1 اسمية فالمشهور أنه يجوز فيها الأمران2 ومجيء الواو أو لى.

أما الأول3 فلعكس ما ذكرناه في المصدرة الماضي المثبت4. فمجيء الواو كقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون}، وقوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد}، وقول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال.

وقوله:

ليالي يدعوني الهوى وأجيبه وأعين من أهوى إلى رواني6

والخلو منها كما رواه سيبويه، كلمته فوه إلى7 في، ورجع عوده على بدئه8 بالرفع، وما أنشده أبو علي9 في الإغفال:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الواقعة حالًا سواء كان خبرها فعلًا أو ظرفًا أو غير ذلك. وراجع في ذلك ص119 من المفتاح.

2 أي فيجوز الإتيان بها كما يجوز الترك سواء كان المبتدأ في تلك الجملة عين ذي الحال أو غيره، وإن كان جواز الترك مختلفًا فيه. وذهب الفراء إلى أن ترك الواو نادر وتبعه ابن الحاجب والزمخشري، وقال الأخفشن كان خبر المبتدأ اسمًا متقدمًا مشتقًّا وجب تركها مثل جاء زيد حسن وجهه.

3 وهو جواز الأمرين.

4 أي لدلالة الاسمية على المقارنة لكونها مستمرة لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام. والثبوت فهي من أجل ذلك تدل على حصول صفة ثابتة.

5 سبق شرح البيت في الاستفهام.

6 البيت لامرئ القيس. رواني: جمع رانية: وهن مديمات النظر.

7 رجع 158 و168 من الدلائل، 119 المفتاح.

8 راجع 135 جـ2 من الكمال للمبرد.

9 هو أبو علي الفارسي م 392هـ. والبيت في الدلائل ص158 والمفتاح ص119.

ج / 3 ص -156- ولولا جنان الليل ما آب عامر إلى جعفر، سرباله لم يمزق

وقول الآخر:

ما بال عينك دمعها لا يرقأ1.

وقول الآخر2:

ثم راحوا عبق المسك بهم يلحفون الأرض هداب الأزر

وأما الثاني:3 فلعدم دلالة الاسمية على عدم الثبوت4، مع ظهور الاستئناف فيها5.

فحسن زيادة رابط6 ليتأكد الربط.

وقال الشيخ عبد القاهر7:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 البال: الحال. رقأ الدمع أو الدم: جف وانقطع.

2 هو طرفة بن العبد. والبيت في "325 جـ1 العقد الفريد 431 و422 جـ4 العقد الفريد أيضًا". عبق المسك مصدر عبق بمعنى فاحت رائحته. هداب الأزر ما استرسل منها إلى الأرض.

3 وهو أن مجيء الواو في الجملة الاسمية حالًا أو لى.

4 أي فدلاتها على الثبوت فهي تدل على حصول صفة ثابتة.

5 أي دون الفعلية.

6 الحاصل أن الجملة الاسمية بعدت عن الحال المفردة من حيث دلالتها على الثبوت، ومن حيث ظهور الاستئناف فيها فلذا ترجح فيها الإتيان بالواو، نحو {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون}.

7 هذا مقابل الرأي المشهور السابق ذكره راجع 157 من الدلائل". وهذا رأي عبد القاهر في الجملة الاسمية فقط. أما الفعلية فهو مع الجمهور فيها، ولكن تعليله لثبوت الواو ولعدم ثبوتها يخالف تعليلهم لذلك من أن كل جملة حالية امتنع فيها الواو فذلك؛ لأنك عمدت إلى الفعل الواقع في صدرها فضممته إلى الفعل الأول في إثبات واحد، وكل جملة حالية اقتضت الواو فذلك؛ لأنك مستأنف بها خيرًا وغير قاصد أن تضمها إلى الفعل الأول في الإثبات إلخ، "راجع 164 و165 من الدلائل".

ج / 3 ص -157- 1- إن كان المبتدأ ضمير ذي الحال وجب الواو1 كقولك جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع، ولعل وهو يسرع أم "وهو مسرع" ولعل السبب فيه2 أن أصل الفائدة كان يحصل بدون هذا الضمير بأن يقال جاءني زيد يسرع أو مسرعًا، فالإتيان به3 يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال فلا يصلح4؛ لأن يستقل بإفادة الربط فتجب الواو5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 سواء كان خبره فعلًا أو اسمًا.

هذا والخلاصة أن مذهب عبد القاهر في الاسمية أن غير المبدوءة بحرف الابتداء وغير المبدوءة بالظرف وغير المعطوفة على مفرد يجب فيها الإتيان بالواو فيمتنع تركها إلا لظهور تأويلها بالمفرد، وفيما عدا ذلك يجوز الإتيان بها والراجح تركها.

ومذهب المصنف في الجملة الاسمية جواز ترك الواو وجواز الإتيان بها مع أو لوية ذلك من غير تفصيل بين ما فيه ظرف مقدم وما لا وبين ما يظهر تأويلها بمفرد وما لا يظهر وبين ما فيه حرف ابتداء مقدم وما لا وبين ما عطفت على مفرد ومالم تعطف عليه.

وخلاصة مذهب عبد القاهر كما سبق أن أمر الواو وجودًا وعدمًا في الجملة يدور على كونها ليست في حكم المفرد أو هي في حكمها.

2 راجع 164 وما بعدها من الدلائل.

3 أي بالضمير "وهو".

4 أي بالضمير "هو".

5 ويعلل عبد القاهر ذلك بظهور الاستئناف في الجملة الحالية في قولك "جاء زيد هو يسرع" فتأتي الواو للربط وتأكيده.

وعلى هذا بالأصل أن لا تجيء الجملة الاسمية حالًا إلا مع الواو وما جاء بدونها في سبيل الشيء الخارج عن قياسه وعن أصله بضرب من التأويل المفرد -كما في: كلمته فوه إلى في أي مشافها، واهبطوا بعضكم لبعض عدو أي متعادين- أو نوع من التشبيه به كما في "فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون" فجملة "أو هم" حال تركت الواو فيها لتشبيه واو الحال بواو العطف ولو أتى بالواو لاجتمعت مع حرف عطف آخر وهو "أو". وهذا مشعر بوجوب الواو في "نحو جاء زيد وزيد يسرع، أو مسرع"، وفي "جاء زيد وعمرو يسرع أو مسرع أمامه" بالطريق الأولى، ووجه الأولوية أن الاستئناف في المثالين المذكورين أظهر؛ لأن الضمير أقرب للاسم من الظاهر ومن الاسم الأجنبي.

أما "جاءني زيد وعمرو أمامه" مثلًا فقد صرح عبد القاهر بأن الأرجح فيه الواو.

ج / 3 ص -158- ب- وقال أيضًا1: أن جعل نحو "على كتفه سيف" بتقديم الظرف حالًا عن شيء كما في قولنا "جاء زيد على كتفه سيف" كثر فيها أن تجيء بغير واو، كقول بشار2:

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها خرجت مع البازي. علي سواد

يعني: على بقية من الليل، وقول أبي الصلت عبد الله الثقفي يمدح ابن ذي يزن3:

فاشرب هنيئًا، عليك التاج، مترفقًا في رأس غمدان دارا منك مجلالا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 157 من الدلائل.

2 من قصيدة له في مدح خالد بن برمك "راجعها في الأدب العباسي لمحمود مصطفى ص420". والبيت في الدلائل ص157.

أنكر ونكر بكسر للعين واستنكر بمعنى كره. خروجه مع البازي كناية عن تبكيره، وجملة "على سواد" حال مؤكدة له، والحال المؤكدة لا كلام لنا فيها إنما الكلام في الحال المتنقلة- وقوله على سواد يعني بقية من الليل.

يعني: إذالم يعرف قدري أهل بلدة أو لم أعرفهم خرجت منهم مصاحبًا البازي الذي هو أبكر الطيور مشتملًا على شيء من ظلمة الليل غير منتظر لطلوع الصباح. فقوله: "على سواد" حال ترك فيها الواو؛ لأن جعل الاسم مرتفعًا بالظرف لاعتماده على ما قبله تكون الحال عليه مفردة لا جملة اسمية وحينئذ فلا يستنكر ترك الوار.

3 البيت ينسب لأمية بن أبي الصلت. ونسبة ابن قتيبة إلى أبيه الصلت وكذلك ابن عبد ربه "176 جـ1 العقد" وهو الأقرب وتجد البيت في الكامل للمبرد ص201 جـ1، 157 من الدلائل.

مرتفقًا: متكئًا. مجلالًا: كثيرًا حلولها لكرم صاحبها.

ج / 3 ص -159- وقول الآخر:

لقد صبرت للذل أعواد منبر تقوم عليها، في يديك قضيب

ثم قال:1 والوجه أن يقدر اسم في الأمثلة مرتفعًا بالظرف2 فإنه جائز باتفاق من صاحب الكتاب وأبي الحسن لاعتماده على ما قبله3، ثم اختار أن يكون الظرف ههنا خاصة4 في تقدير اسم فاعل5 وجوز أيضًا في أن يكون في تقدير فعل ماض مع قد6، ومنع أن يكون في تقدير فعل مضارع7 ولعله اختار تقديره باسم فاعل لرجوع الحال حينئذ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 هو وائلة السدوسي "45 جـ3 من البيان والتبيين" يهجو عبد الملك بن المهلب "221 و222/ 2 البيان" وراجع كلام الجاحظ على أبي وائلة بن خليفة "196 جـ1 من البيان".

والبيت في الدلائل ص157.

والخلاصة أن الجملة الاسمية التي خيرها جار ومجرور مقدم إذا وقعت حالًا من معرفة قبلها كثير فيها أن تجيء بغير واو.

فلو كان الجار والمجرور مؤخرًا وجب قرنها بالواو، وكذلك لو كانت حالًا من نكرة وجب الواو لئلا يلتبس الحال بالنعت.

ومذهب المصنف في ذلك أنه، يكثر قرنها بالواو مطلقًا. وذكر صدر الأفاضل أن ترك الواو قليل في الجملة الحالية التي خبرها غير جار ومجرور ومفهومه أن الخبر إذا كان جارًا ومجرورًا كثر فيه الترك.

1 ص169 من الدلائل.

2 أي فاعلًا مرفوعًا به.

3 أي لاعتماده على ذي الحال.

4 أي بالخصوص لا في مقام وقوع الظرف خبرًا أو نعتًا؛ لأنه يقدر بالفعل أيضًا. وقوله "ههنا" أي في مقام وقوع الظرف حالًا.

5 فهو في تأويل المفرد فيكثر فيه الترك.

6 لأن الترك أكثر فيه أيضًا.

7 لوجوب الترك فيه.

هذا ويعلل السعد كثرة ترك الواو في هذا الموضع بأن مثل "على كتفه سيف" يحتمل أن يكون:

1 في تقدير المفرد بتقدير اسم الفاعل فتمتنع الواو.

2 وأن يكون جملة اسمية قدم خبرها فلا تجب الواو.

3 وأن يكون جملة فعلية مقدرة بالماضي فلا تجب الواو.

4 أو مقدرة بالمضارع فتمتنع الواو.

فعلى تقديرين تمتنع الواو وعلى تقديرين تجب الواو. فمن أجل هذا -وجوب الواو في تقديرين وجوازها في تقديرين- كثر ترك الواو.

ج / 3 ص -160- إلى أصلها في الأفراد ولهذا كثر مجيئها بلا واو، وإنما جوز التقدير بفعل ماض أيضًا لمجيئها بالواو قليلًا وإنما منع التقدير بفعل مضارع؛ لأنه لو جاز التقدير به لامتنع مجيئها بالواو.

جـ- ثم قال:1 وربما يحسن مجئ الاسمية بلا واو لدخول حرف على المبتدأ، وكما في قوله2:

فقلت عسى أن تبصريني كأنما بني حوالي الأسود الحوارد3

فإنه لولا دخول كأن عليه لم يحسن الكلام إلا بالواو وكقولك: عسى أن تبصريني وبين حوالي الأسود. ثم قال4 وشبيهه بهذا أن تقع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ص163 من الدلائل.

2 البيت للفرزدق يخاطب امرأة عزلته في اعتناقه ببنيه. الحوارد: الغضاب من حرد إذا غضب.

والشاهد وقوع الجملة الاسمية وهي قوله: "بني حوالي الأسود الحوارد" حالًا من مفعول "تبصريني" وهو ياء المتكلم بلا واو وذلك حسن في هذا الموضع لدخول "كانا" على الجملة؛ لأن هذا الحرف قد حصل به نوع من الارتباط بين تلك الجملة والتي قبلها. ولولا دخول "كأنما" عليهالم يحسن الكلام إلا بالواو لما مر من أن الجملة الاسمية لا تجيء حالًا إلا مع الواو، فدخول كأنما أو جب استحسان ترك الواو لئلا يتوارد على الجملة حرفان زائدان. وقوله: "حوالي" أي في أكنافي وجوانبي حال من "بني" والفاعل فيه "كأنما" لما في حرف التشبيه من معنى الفعل وهو "أشبه" فجاز أن تكون هي العامل في الحال وصاحبها.

4 راجع ص163 من الدلائل.

ج / 3 ص -161- حالًا بعقب مفرد فيلطف1 مكانها بخلاف ما لو أفردت كقول ابن الرومي:

والله يبقيك لنا سالما برداك تبجيل وتعظيم2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 يعني بغير الواو.

2 فقوله: "برداك تبجيل وتعظيم" حال من الكاف في "يبقيك" فهي حال مترادفة، أو من الضمير في "سالما" فهي متداخلة، والاستشهاد إنما هو على الاحتمال الأول، وقد تركت الواو هنا استحسانًا لسبق الحال المفردة عليها، ولو لم يتقدمها قوله "سالما" لم يحسن فيها ترك الواو، فترك الواو في الجملة لمناسبة الحال المفردة قبلها إذ لا يؤتى معها بالواو. وقال الخلخالي: حسن تركها لئلا يتوهم أنها عاطفة لتلك الجملة على المفرد المتقدم والشاعر يدعو لممدوحه بأن يبقى سالما مشتملًا عليه التبجيل والتعظيم اشتمال البرد على لابسه، وقد ثناه باعتباره لفظ التجيل والتعظيم وإن كان معناهما واحدًا.

هذا وقد بقي من الأقسام الجملة الشرطية والواو فيها لازمة خلافًا لابن جني نحو "جاء زيد وإن سأل يعط"، فليس فيها حصول ولا مقارنة فلذلك لزمت الواو لفقد خاصتي الحال المفردة ولا فرق بين أن يكون جوابها خبرًا أو إنشاء، أما لأول فظاهر؛ لأنه إذا كان جوابها خبرًا كانت خبرية وأما الثاني فمشكل؛ لأن الجملة الشرطية حينئذ تكون إنشائية والإنشاء لا يقع حالًا وأجيب بأن الشرطية إذا وقعت حالًا انسلخت الأداة فيها عن معنى الشرط فلا تكون الجملة حينئذ إنشائية.

ملاحظة:

هذا كله إذالم يكن صاحب الحال نكرة مقدمة عليها وإلا وجبت الواو لئلا تشتبه بالنعت ولذا جعل السكاكي في "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم"، جملة ولها "كتاب معلوم" حال من قرية لكونها في حكم الموصوفة أي وما أهلكنا من قرية من القرى: لا وصف كما ذهب إليه الزمخشري حيث قال أنها صفة قرية.

والقياس ألا تتوسط الواو بينهما ولكنها زيدت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، ثم قال السكاكي من عرف السبب في تقديم الحال إذا أريد إيقاعها عن النكرة مع الواو في مثل جاءني رجل وعلى كتفه سيف ولمزيد جوازه في "وما أهلكنا من قرية الآية" على ما قدمت، والسكاكي بنى خلافه في الجملة الواقعة حالًا على أصول مضطربة. =

ج / 3 ص -162- .........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= فآثرنا الإعراض عن نقل كلامه والتعرض لما فيه من الخلل خوف الإطالة.

ملاحظات:

1 الأولى جعل بحث الجملة الحالية في باب متعلقات الفعل؛ لأن الحال سواء كانت مفردة أو جملة من متعلقات الفعل فهي قيد من قيود المسند.

ب- في مذكرة الشيخ نوار في الفصل والوصل أن الجملة الحالية:

1 الخالية من ضمير صاحب الحال تجب فيها الواو مثل جاء محمد وقد انتصف الليل.

2 المبدوءة بمضارع مثبت يتعين فيها ترك الواو مثل رجعوا يضحكون.

3 أما المبدوءة بمضارع مثبت مسبوق بقيد فيجب اقترانها بالواو مثل لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم.

4 والمبدوء بماض مثبت نقد يجوز فيها الواو وعدمها مثل سافر وقد غلبه التأثر.

5 أما المبدوءة بماض متبوع بأو أو واقع بعد إلا، مثل لا تصادقه أخلص أو لم يخلص. ومثل: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين" فيغلب فيهما ترك الواو وقيل يجب تركها.

6 المبدوء بمضارع بلا أو بما مثل "يقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم" وعهدتك ما تصبو وفيك شيبة يغلب فيها ترك الواو. وكذلك المبدوءة بمضارع منفي بلما مثل جاءني لما يسترح من السفر بعد.

7 الاسمية المبدوءة بضمير ذي الحال أو باسمه يجب فيها الواو.

8 أما الاسمية المبدوءة باسم أجنبي عن صاحب الحال فيغلب اقترانها بالواو مثل يحرج الوزير والجند حوله.

9 والاسمية الواقعة بعد عطف يتعين فيها ترك الواو مثل: فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون.

10 أما الاسمية المبدوءة بظرف يغلب فيها ترك الواو مثل خرج محمد في يده كتاب.

ج / 3 ص -163- الجملة الحالية1.

الفكرة العامة في البحث:

الجملة التي تقع حالًا إما أن تكون فعلية: مبدوءة بفعل مضارع مثبت أو منفي أو بماض مثبت أو منفي، وإما أن تكون جملة اسمية، وفي هذه الأنواع كلها قد يجب أن تقرن الجملة الحالية بالواو وقد يجب تركها وقد يجوز الأمران: فما السر في ذلك؟

هناك أصلان ينبني عليهما معرفة أحكام الجملة الحالية بالتفصيل، وهما:

الأول: الجملة التي تقع حالًا تحتاج إلى رابط يربطهما بصاحب الحال لاستقلالها بالإفادة فيصل هذا الرباط بينها وبين صاحبها بصلة وثيقة، وهذا الربط إما:

1- الضمير وهو الأصل في الربط بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة وفي الخبر والنعت.

2- أو الواو وهي وإن كانت واو الحال إلا أن أصلها العطف فهي شبيهة بحرف العطف ولذلك بحثنا عن أحكام الجملة الحالية في باب الفصل والوصل.

3- أو الضمير والواو معًا.

الثاني: أن الحال المفردة المنتقلة الأصل فيها أن تكون بغير الواو، لشبهها بالخبر والنعت، وهي تدل على أمرين:

1- حصول صفة غير ثابتة.

2- مقارنة لعاملها. فإذا شبهت الجملة الواقعة حالًا الحال المفردة في إفادتها الأمرين: الحصول والمقارنة أعطيت الجملة حينئذ حكم الحال المفردة في امتناع اقترانها بالواو: وإذا أشبهتها في أحد هذين الأمرين جاز الاتيان بالواو وجاز تركها وربما رجح أحدهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 خلاصة لبحث الجملة الحالية لخفاجي.

ج / 3 ص -164- التفصيل:

أ- مواضع وجوب الإتيان بالواو في بدء الجملة الحالية:

ب- يجب الإتيان بالواو في موضع واحد: وهو ما إذا خلت الجملة الحالية من ضمير صاحب الحال، لوجوب الرابط وحيث لا ضمير وجبت الواو وذلك وفق ما ذكر في الأصل الأول - المثال خرجت وزيد قائم.

ب- مواضع وجوب ترك الواو:

ويجب ترك الواو في موضع واحد أيضًا:

وهو ما إذا كانت الجملة الحالية مبدوءة بفعل مضارع مثبت، وذلك لشبهها بالحال المفردة تمام المشابهة؛ لأنها تدل حصول صفة؛ "لأن الفعل مثبت" وهذه الصفة غير ثابتة؛ "لأن الحال فعل" والمقارنة موجودة؛ لأن الفعل مضارع فتعطي حينئذ حكم الحال المفردة ي وجوب ترك الواو -المثال: حضر محمد يضحك.

جـ- مواضع جواز الواو وتركها:

1- الجملة الحالية المبدوءة بمضارع منفي بغير لم ولما لدلالة الفعل حينئذ على المقارنة؛ لأنه مضارع دون الحصول؛ لأنه منفي -المثال: سافر الأصدقاء لا يريدون السفر، أو ولا يريدون.

2- المبدوءة بمضارع منفي بلم ولما أو المبدوءة بماض منفي لدلالة الفعلين حينئذ على المقارنة لاستغراق النفي أو استمراره دون الحصول؛ لأن الفعل منفي -مثل: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر، نال محمد طلبه ما ذهب كثيرًا أو وما تعب.

3- المبدوءة بماض مثبت لدلالته على الحصول؛ لأنه فعل مثبت وعد دلالته على المقارنة؛ لأنه ماض ولذلك اشترط أن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة لتقربه إلى الحال -المثال.

أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر - كما انتقض العصفور بلله القطر.

4- الجملة الاسمية مطلقًا مع ترجيح ذكر الواو والسر في جواز الأمرين فيها "الواو وعدمها" دلالتها على المقارنة دون حصول صفة غير

ج / 3 ص -165- ثابتة، والسر في ترجيح ذكر الواو ظهور الاستئناف في الجملة الاسمية -المثال:

نجحت وأنا واثق من النجاح، فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون، ثم راحوا عبق السمك بهم، ما بال عينك دمعها لا يرقأ.

مذهب عبد القاهر في الجملة الاسمية:

ولعبد القاهر رأي خاص في الجملة الاسمية يخالف الرأي السابق الذي ذهب إليه الخطيب وخلاصة مذهبه.

1- المبتدأ إذا كان ضمير صاحب الحال وجبت الواو لظهور الاستئناف. المثال جاءني خالد وهو يسرع ومن باب أو لى إذا كان المبتدأ اسمًا ظاهرًا. "اسم صاحب الحال" أو سببًا له مثل جاءني خلد وخالد يسرع أو "وعمرو" معه.

2- الجملة الاسمية التي خبرها جار ومجرور مقدم فالأرجح فيها ترك الواو مثلي جاءني الخادم على رأسه الغذاء.

3- الجملة الاسمية المصدرة بحرف غير الواو يحصل به نوع من الارتباط بالأرجح فيها أيضًا ترك الواو مثل سرت كأنما أشعر بتعب شديد.

4- الجملة الاسمية الواقعة حالًا بعقب حال مفردة فالأرجح فيها الترك أيضًا مثل سافرت مغتبطًا، نفسي متفائلة بالخير.

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 3 ص -169- القول في الإيجاز والإطناب والمساواة1:

"تعريف السكاكي":

قال السكاكي2:

أما الإيجاز والإطناب3 فلكونهما نسبيين4 لا يتيسر الكلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الإيجاز لغة التقصير من أو جز لازمًا ومتعديًا. وجد الكلام فهو وجيز.

والإطناب المبالغة من أطنب.

2 أي معتذرًا عن ترك تعريفهما -راجع ص120 من المفتاح.

3 قال السيد: ترك المساواة وإن كانت نسبة أيضًا؛ لأنه لا فضيلة لكلام الأوساط فما يصدر عن البليغ مساويًا له لا يكون بليغًا إذ ليس فيه نكتة يعتد بها. وبحث فيه بأن عدم الاعتداد إنما هو عند قصد البليغ تجريده عن النكت وليس بمتعين لجواز أن تكون في المقام مقتضيات وخصوصيات لا يراعيها غير البليغ وأما البليغ فمن حقه أن يراعيها ويشير إليها مع كون لفظهما متطابقين.

وقال عبد الحكيم: المراد أنه ليس بليغًا من حيث مساواته لكلام الناس وإن كان بليغًا من حيث اشتماله على المزايا والخصوصيات التي يقتضيها المقام.

4 أي من الأمور النسبية -والمنسوب إليه مختلف القدر والأمور النسبية أي النسوبة إلى غيرها كالأبوة والبنوة- التي يكون تعلقها بالقياس إلى تعقل شيء آخر فإن الموجز إنما يكون موجزًا بالنسبة إلى كلام أزيد منه وكذا المطنب إنما يكون مطنبًا بالنسبة إلى ما هو أنقص منه. فتعقل كل منهما متوقف على تعقل الآخر ضرورة توقف تعقل المنسوب على تعقل المنسوب إليه لأخذه في مفهومه.

ج / 3 ص -170- فيهما إلا بترك التحقيق1 والبناء على شيء عرفي2، مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم.

ولا بد من الاعتراف بذلك مقيسًا عليه ولنسمه متعارف الأوساط3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي التعريف المبين لمعناهما. والسعد فهم أنه تعيين مقدار كل بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص عنه. أي لا يمكن التنصيص على أن هذا المقدار من الكلام فيه إيجاز وذلك فيه إطناب إذ رب كلام موجز يكون مطنبًا بالنسبة إلى كلام آخر وبالعكس. فزيد المنطلق موجز بالنسبة لزيد هو المنطلق ومطنب بالنسبة لزيد منطلق فلا يمكن تعيين مقدار من الكلام للإيجاز والإطناب؛ لأنهما نسبيين والمنسوب إليه مختلف المقدار فلذلك نجد الكلام الواحد بالنسبة إلى قدر إيجاز وإلى قدر آخر إطنابًا.

2 أي يعرفه أهل العرف في أداء المقاصد من غير رعاية بلاغة ومزية -فهو مضبوط في الجملة؛ لأن أفراده وإن تفاوتت لكنها متقاربة ومعرفة مقداره لا تتعذر غالبًا. فإذا كان المنسوب إليه وهو الأمر العرفي مضبوطًا في الجملة "وهو الأمر العرفي" كان المنسوب كذلك.

3 أي الذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفهامة بل كلامهم يؤدي أصل المعنى المراد أعني المطابقي من غير اعتبار مطابقة مقتضى الحال ولا اعتبار عدمها ويكون صحيح الإعراب فالأوساط هم العارفون باللغة وبوجوه صحة إعرابها دون الفصاحة والبلاغة فيعبرون عن مرادهم بكلام صحيح الإعراب من غير ملاحظة النكات التي يقتضيها الحال فهم إنما يعرفون اللفظ الموضوع للمعنى فعبارتهم محدودة بذلك في قدرتهم اختلاف العبارات بالطول والقصر إذ ذلك إنما يكون من البلغاء بسبب تصرفهم في لطائف العبارات.

راجع في ذلك 105/ 1 من البيان والتبيين.

ج / 3 ص -171- وأنه في باب البلاغة لا يحمد منهم1 ولا يذم2. فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات3 متعارف الأوساط. والإطناب هو أداؤه بأكثر من عباراته. سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة إلى الجمل أو إلى غير الجمل4. ثم قال5، الاختصار6 لكونه من الأمور النسبية يرجع في بيان دعواه7 إلى ما سبق تارة8 وإلى كون المقام9 خليقًا بأبسط مما ذكر10.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لعدم رعاية مقتضيات الأحوال.

2 لأن غرضهم تأدية أصل المعنى بدلالات وضعية وألفاظ كيف كانت ومجرد تأليف يخرجها عن حكم الفهاهة وذلك لسبب مطابقته للنحو والصرف واللغة فقط.

3 كلمة "عبارات" زائدة أو تجعل الإضافة بيانية.

4 والمساواة هي أداء المقصود بعبارة قدر المتعارف.

5 أي السكاكي -راجع ص124 من المفتاح.

6 أي الإيجاز.

ملاحظة:

مقام المساواة هو مقام الإتيان بالأصل حيث لا مقتضى للعدول عنه. ومقام الإيجاز هو مقام حذف أحد المسندين أو المتعلقات. ومقام الإطناب هو مقام ذكر ما لا يحتاج إليه في أصل المعنى كقصد البسط حيث الإصغاء مطلوب وكرعاية الفاصلة.

7 المراد: ينظر في تعريفه.

8 أي إلى كون عبارة المتعارف أكثر منه.

9 أي إلى اعتبار كون المقام الذي أو رد فيه الكلام الموجز.

10 أي أكثر بسطًا من الكلام الموجز الذي ذكره المتكلم سواء كان ما ذكره المتكلم أقل من عبارة المتعارف أو أكثر منها أو مساويًا لها.

وتوهم بعضهم وهو الخلخالي أن المراد بما ذكر ثانيًا في قول الخطيب "بأبسط إلخ" هو متعارف الأوساط وهو غلط لا يخفى؛ لأنه تحكم ويلزم عليه التكرار والتداخل في كلام الخطيب. يعني كما أن الكلام يوصف بالإيجاز لكونه أقل من المتعارف كذلك يوصف به لكونه أقل مما يقتضيه المقام بحسب ظاهر المقام.

وإنما قلنا "بحسب الظاهر"؛ لأنه لو كان أقل مما يقتضيه المقام.

ج / 3 ص -172- وفيه نظر1:

1- لأن كون الشيء نسبيًّا لا يقتضي أن لا يتيسر الكلام فيه إلا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي2.

2- ثم البناء على: متعارف الأوساط. والبسط الذي يكون المقصود جديرًا به3. رد إلى جهالة4 فكيف يصلح للتعريف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظاهرًا وتحقيقًالم يكن في شيء من البلاغة مثاله قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} الآية. فإنه إطناب بالنسبة إلى المتعارف أعني قولنا: "يا رب شخت" وإيجاز بالنسبة إلى مقتضى المقام ظاهرًا؛ لأنه مقام بيان انقراض الشباب وإلمام المشيب فينبغي أن يبسط فيه الكلام غاية البسط. فللإيجاز معنيان: هما كونه أقل من المتعارف. وكونه أقل مما يقتضيه ظاهر المقام. ويكون للإطناب أيضًا معنيان.

هذا وبين معنى الإيجاز عموم وخصوص من وجه وذلك؛ لأن كون الكلام أقل من متعارف الأوساط أعم من أن يكون أقل ما يقتضيه ظاهر المقام أو لا وكون الكلام أقل مما يقتضيه ظاهر المقام كذلك أعم من أن يكون أقل من المتعارف أو لا فيتصادقان فيما إذا كان الكلام أقل من عبارة المتعارف ومن مقتضى المقام جميعًا كما إذا قيل "رب شخت". وينفرد الأول في: إذا قال "الخميس نعم" أي هذه نعم. وينفرد الثاني في "رب إني وهن العظم مني".

فمثل "هي عصاي" إيجاز بالنسبة لكلام الناس.

و"شاكر لك هذا الجميل" إيجاز بالنسبة لهما.

و"نعم سافر" إيجاز بالنسبة لكلام الأوساط.

وكذلك بين معنيين الإطناب العموم والخصوص الوجهي.

1 أي فيما ذكره السكاكي أو لًا وثانيًا.

2 إذ كثيًرا ما تحقق معاني الأمور النسبية وتعرف بتعريفات تليق بها كالأبوة والأخوة والبنوة.

وجواب هذا أنه لم يرد تعسر بيان معناهما بالتعريف الضابط لكل واحد منهما؛ لأن ما ذكر بيان لمعناهما بل أراد بتعسر التحقيق تعسر التعريف المحتوي على تعيين المقدار لكل بحيث لا يزاد عليه ولا ينقص عنه.

3 بأن يقال الإيجاز هو الأداء بأقل من المتعارف أو مما يليق بالمقام من كلام أبسط من الكلام المأكور.

4 إذ لا تعرف كمية متعارف الأوساط -أي عدد كلمات عبارتهم وكيفيتها، التي هي عبارة عن تقديم بعض الكلمات وتأخير بعضها - لاختلاف طبقاتهم. ولا يعرف أن كل مقام أي مقدار يقتضي من البسط حتى يقاس عليه ويرجع إليه.

وجواب هذا أن الألفاظ قوالب المعاني فهي على قدرها بحسب الوضع والأوساط الذين لا يقدرون في تأدية المعاني على اختلاف العبارات والتصرف في وظائف الاعتبارات لهم عبارة محدودة معلومة في الكلام تجري فيهما بينهم في المحاورات والمعاملات. وهذا معلوم للبلغاء وغيرهم، فالبناء على المتعارف واضح بالنسبة إليهما جميعًا. وأما البناء على البسط الموصوف فإنما هو معلوم للبلغاء العارفين بمقتضيات الأحوال بقدر ما يمكن نعم البسط فلا يجهل عندهم ما يقتضيه كل مقام من مقدار البسط.

ج / 3 ص -173- "تعريف الخطيب":

والأقرب1 أن يقال:

المقبول من طرق التعبير عن المعنى هو تأدية أصل المراد2 بلفظ مساو2 له أو ناقص4 عنه واف5 أو زائد عليه6، لفائدة7 والمرد بالمساواة أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد لا ناقصًا عنه بحذف أو غيره كما سيأتي ولا زائدًا عليه بنحو تكرير أو تتميم أو اعتراض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 إلى الصواب، أو إلى الفهم كما قدره ابن يعقوب.

2 والإضافة بيانية أي الأصل الذي هو المراد، وزاد لفظ "الأصل" إشارة إلى أن المعتبر في المساواة والإيجاز والإطناب المعنى الأول أعني المعنى الذي قصد المتكلم أفادته للمخاطب ولا يتغير بتغير العبارات واعتبار الخصوصيات.

3 وذلك بأن يؤدي وضع لأجزائه مطابقة.

4 أي عن المعنى المراد بأن يؤدى بأقل مما وضع لأجزائه مطابقة.

5 أي بذلك المعنى المراد إما باعتبار اللزوم إذالم يكن هنا حذف أو باعتبار الحذف الذي يتوصل إليه بسهولة من غير تكلف فخرج الإخلال فإن التوصل إلى المحذوف فيه بتكلف.

6 بأن يكون أكثر مما وضع لأجزائه مطابقة.

7 قال ابن السبكي: "لفائدة" تتعلق بالثلاثة من جهة المعنى. وما اقتضته عبارته من تعلقها بالزائد فليس كذلك.

ج / 3 ص -174- كما سيأتي1 وقولنا واف احتراز عن الإخلال. وهو أن يكون اللفظ قاصرًا عن أداء المعنى2 كقول عروة بن الورد3:

عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ومقتلهم عند الوغى كان أعذرا

فإنه أراد إذ يقتلون نفوسهم في السلم.

وقول الحارث بن حلزة:

والعيش خير في ظلا ل النوك ممن عاش كدا4

فإنه أراد5 العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل. الحل كما ترى.

وقولنا "الفائدة" احتراز عن شيئين:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 والمراد بالإيجاز أن يكون اللفظ ناقصًا عن أصل المراد وافيًا به. والمراد بالإطناب أن يكون زائدًا عليه لفائدة.

2 بأن يكون ناقصًا عن أصل المراد غير واف به لخفاء الدلالة بحيث يحتاج فيها إلى تكلف وتعسف. فالمراد بالوفاء أن تكون الدلالة على ذلك المراد مع نقصان اللفظ واضحة ظاهرة لا خفاء فيها.

3 العبسي. والبيت في الصناعتين ص182. والعقد الفريد ص319 جـ2. وتاريخ الكامل لابن الأثير ص271 جـ1.

4 البيت في الصناعتين ص27 وص171 وص182. النوك: الحمق والجهالة وإضافة الظلال إليه من إضافة المشبه به إلى المشبه. الكد: المشقة والتعب.

5 يعني أن أصل المراد أن العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل ولفظه غير واف بذلك؛ لأن اعتبار المحذوف لا دليل عليه إذ كل منهما لا يعلم من الكلام ولا يدل عليه دلالة واضحة إذ لا يفهم السامع هذا المراد من البيت حتى تتأمل في ظاهر الكلام فتجده غير صحيح فيقدر المحذوف لأجل صحة هذا الكلام بعد مزيد نظر وتأمل. وذكر السيوطي أنه لا إخلال فيه بل فيه نوع بديعي هو الاحتباك حيث حذف من كل ما أثبت مقابله في الآخر فما ذكر في كل محل قرينة معينة للمحذوف من المحل الآخر.

ج / 3 ص -175- أحدهما: التطويل1 وهو أن لا يتعين الزائدة في الكلام كقوله2:

"وقددت الأديم لراهشيه" وألفى قولها كذبا3 ومينا

فإن الكذب والمين واحد4.

وثانيهما: ما يشتمل على الحشو. والحشو ما يتعين أنه الزائد5 وهو ضربان:

أحدهما ما يفسد المعنى كقول أبي الطيب:

ولا فضل فيها للشجاعة والندى وصبر الفتى لولا لقاء شعوب6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي والإسهاب أيضًا وهو أعم من الإطناب أي هو التطويل مطلقًا لفائدة أو لغيرها.

والتطويل هو أن يزيد اللفظ على أصل المراد لا لفائدة ولا يكون اللفظ الزائد متعينًا.

2 البيت لعدي بن الأبرش. يذكر غدر الزباء بجذيمة بن الأبرش، وقيل هو لعدوي بن يزيد يعظ النعمان ويذكره بغدر الزباء ونتائجه.

3 قددت: قطعت. الأديم: الجلد. الراهشان عرقان في باطن الذراعين. أي قطعت الجلد إلى أن وصل القطع للراهشين. والضمير في "راهشيه" وفي "ألفي" لجذيمة -بفتح الجيم مكبرًا وبضمها مصغرًا- ابن الأبرش، وفي "قددت" وفي "قولها" للزباء.

4 فلا فائدة في الجمع بينهما وليس مقام هذا الكلام مقتضيًا للتأكيد حتى يقال أن عطف هذين المترادفين للتأكيد ولا يقال أن الأول واقع في موضعه فالزائد هو الثاني؛ لأن مدار التعين وعدمه أنه إن لم يتغير المعنى بإسقاط أيهما كان الزائد غير متعين وإن تغير بإسقاط أحدهما دون الآخر فالزائد هو الآخر ولا يعتبر في ذلك كون أحدهما متقدمًا والآخر متأخرًا.

5 فهو الزيادة المعينة لا لفائدة.

6 أي لا فضل في الدنيا للشجاعة والندى والصبر لولا لقاء الموت. والشعوب بالفتح علم جنس للمنية جرها بالكسر من غير تنوين -مع أنها ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث- للضرورة أي موافقة القوافي.

ج / 3 ص -176- فإن لفظ الندى فيه حشو يفسد المعنى؛ لأن المعنى أنه لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر والندى لولا الموت. وهذا الحكم صحيح في الشجاعة1 دون الندى؛ لأن الشجاع لو علم أن يخلد في الدنيالم يخش الهلاك في الإقدام فلم يكن لشجاعته فضل2 بخلاف الباذل ما له، فإنه إذا علم أنه يموت هان عليه بذله. ولهذا يقول إذا عوتب فيه: كيف لا أبذل ما لا أبقى له؟ أنى أثق بالتمتع بهذا المال. وعليه قوله طرفة:

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فذرني أبادرها بما ملكت يدي

وقول مهيار:

فكل إن أكلت وأطعم أخاك فلا الزاد يبقى ولا الآكل

فلو علم أنه يخلد ثم جاد بماله كان جوده أفضل. فالشجاعة لولا الموت لم تحمد والندى بالضد.

وأجيب عنه: بأن المراد بالندى في البيت بذل النفس لا بذل المال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي وفي الصبر.

فلولا حرف امتناع لوجود أي امتناع الجواب "هو هنا لا فضل" لوجود الشرط وهو لقاء الموت ولما كان الجواب منفيًّا في ذاته بلا فإذا نفي بمقتضى لولا كان إثباتًا؛ لأن النفي إثبات فيصير منطوق الكلام ثبوت الفضل للأمور المذكورة على تقدير الموت، ومفهومه عدم الفضيلة لها على تقدير عدم الموت، وهذا مسلم في غير الندى.

2 وكذلك الصبر لتيقن الصابر بزوال المكروه فالصبر على الشدائد استلزام وجود الموت بفضله واستلزام نفي الموت لنفي فضله صحيح؛ لأنه إذا انتفي الموت لم يكن له فضل؛ لأن الناس كلهم إذا علموا أنه لا موت بتلك الشدة صبروا حرصًا على فضيلة نفي الجزع إذ ليست تلك الشدة مفضية إلى الموت الذي هو أعظم مصيبة بخلاف ما إذا أعلم أن تلك الشدة ربما أفضت إلى الموت ومع ذلك يصير عليها فهذا لا يتصف به إلا القليل.

ج / 3 ص -177- كما قال مسلم بن الوليد "يمدح داود بن حاتم المهلبي":

يجود بالنفس من ضن الجواد بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود1

ورد بأن لفظ الندى لا يكاد يستعمل في بذل النفس، وإن استعمل على وجه الإضافة فأما مطلقًا فلا يفيد إلا بذل المال.

والثاني: مما لا يفسد المعنى2 كقوله3:

ذكرت أخي فعاودني صداع الرأس والوصب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 البيت في ديوان مسلم ص25، وفي العقد 56/ 1 ولابن المقفع: الجود بالمجهود منتهى الجود "104/ 3 بيان".

وللمفضل بن المهلب بن أبي صفرة:

هل الجود إلا أن تجود بأنفس على كل ماضي الشفرتين قضيب

وبيت مسلم نسبه العقد لأبي تمام "147/ 1 عقد". وهذا الجواب نقله الخفاجي في سر الفصاحة عن المرتضى، وفيه نظر لعوده إلى الشجاعة فيكون في البيت تكرار.

واعتذر ابن جني عن البيت بأن في الخلود وتنقل الأحوال في الخلود ما يسر إلى عسر ومن شدة إلى رخاء حسبما جرب به عادة الزمان الطويل ما يسكن النفوس ويسهل الشدائد فلا يظهر لبذل المال كبير فضل؛ لأنه عند تيقن الخلود ينفق وهو موقن بالخلف وانتقال حاله من العسر إلى اليسر بخلاف ما إذا أيقن بالموت فإنه لا يوقن بالخلف لاحتمال أن يأتيه الموت فجأة قبل تغير حاله. ورد رأي ابن جني بأن تيقن الخلود يدعو إلى الحرص على المال ويقوي احتياج الشخص إليه ويجعله أشد تعلقًا به فيكون لبذله حينئذ فضل.

2 في ص434 و435 من الصناعتين مثل لذلك.

3 البيت لأبي العيال "105 الصناعتين" الخفاجي. ونقده العسكري نقدًا شديدًا، وراجعه في الصناعتين أيضًا ص37.

الصداع: وجع الرأس. الوصب: المرض الدائم. وقد نقد البيت بأن الذاكر لما فات من محبوبه يوصف بألم القلب واحتراقه لا بصداع الرأس.

ج / 3 ص -178- فإن لفظ "الرأس فيه حشو لا فائدة فيه؛ لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس وليس بمفسد للمعنى، وقول زهير:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكني عن علم ما في غد عمي1

أن قوله قبله مستغنًى عنه غير مفسد، وقول أبي عدي2:

نحن الرءوس وما الرءوس إذا سمت في المجد للأقوام كالأذناب.

فإن قوله: "للأقوام" حشو لا فائدة فيه مع أنه غير مفسد.

"ملاحظة":

واعلم أنه قد تشتبه الحال على الناظر لعدم تحصيل معنى الكلام وحقيقته، فيعد من الزائد على أصل المراد ما ليس منه كما مثله بعض الناس بقول القائل3:

ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على دهم المهاري رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسألت بأعناق المطي الأباطح4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 والبيت في الصناعتين ص430. فقبله حشو -زائد على أصل المراد لا فائدة؛ لأن الأمس يدل على القبلية لليوم- غير مفسد. أما مثل "رأيته بعيني" فالتأكيد هنا إن اقتضاه المقام كان فائدة لا حشوًا وإلا كان حشوًا.

2 هو عبد الله بن عمرو الأموي.

3 هو كثير، ونسبت ليزيد بن الطئرية، ونسبها الحصري لكثير "66 جـ2.

وراجعها في 16 من أسرار البلاغة وكل ما هنا منقول منه، وفي 58 و60 و228 و229 من الدلائل، وفي 10 الشعر والشعراء لابن قتيبة، 58 صناعتين، 137 المثل السائر، 22 نقد الشعر.

4 والأبيات من المساواة عند الخطيب كما يقول السبكي. وزعم البعض أنه من الزائد على أصل المراد، وأن أصل المراد فيه، ولما رجعنا من منى أخذنا في الكلام. دهم المهاري: سودها جمع مهرية؛ لأن أصلها من مهرة. الغادي: السائر في أو ل النهار ضد الرائح. الأباطح: جمع بطحاء كل مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

ج / 3 ص -179- يبين أنه ليس منه ما ذكره الشيخ1 عبد القاهر في شرحه قال:

أو ل ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال:

"ولما قضينا من منى كل حاجة"

فعبر عن قضاء جميع المناسك فرائضها وسننها بطريق العموم الذي هو أحد طرق الاختصار، ثم نبه بقوله:

"ومسح بالأركان من هو ماسح"

على طواف الوداع الذي هو آخر الأمر ودليل المسير الذي هو مقصود من الشعر ثم قال: "وشدت... البيت" فتوصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان، ثم دل بلفظ الأطراف على الصفة التي تختص بها الرفاق في السفر من التصرف في فنون القول وشجون الحديث أو ما هو عادة المتظرفين من الإشارة والتلويح والرمز والإيماء، وأنبأ بذلك عن طيب النفوس وقوة النشاط وفضل الارتباط كما توجبه ألفة الأصحاب وأنسة الأحباب ويليق بحال من وفق لقضاء العبادة الشريفة ورجا حسن الإياب وتنسم روائح الأحبة والأوطان واستماع التهاني والتحايا من الخلان والإخوان، ثم زان ذلك كله باستعارة لطيفة، حيث قال: وسالت بأعناق المطي الأباطح، فنبه بذلك على سرعة السير ووطأة الظهر وفي ذلك ما يؤكد ما قبله؛ لأن الظهور إذا كانت وطيئة وكان سيرها سهلًا زاد ذاك في نشاط الركبان فيزداد الحديث طيبًا، ثم قال: بأعناق المطي، ولم يقل: والمطي؛ لأن السرعة والبطء في سير الإبل يظهران غالبا في أعناقها ويتبين أمرها من هو ادبها وصدورها، وسائر أجزائها تستند إليها في الحركة وتتبعها في الثقل والخفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 "16 و17" من الأسرار.

ج / 3 ص -180- أقسامه:

القسم الأول: المساواة1:

كقوله تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}2 وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، وقول النابغة الذبياني:

فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قدمها؛ لأنها الأصل المقيس عليه.

قال العسكري:

المساواة أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعض على بعض، وهو المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب وإليه أشار القائل بقوله: فإن ألفاظه قوالب لمعانيه "173 صناعتين".

2 راجع الكلام على الآية في: 230/ 2 الدسوقي، 231/ 2 ابن يعقوب وعد العسكري الآية من الإيجاز "169 صناعتين".

3 المنتأى: موضع البعد شبهه في سخطه وهو له بالليل، قيل: في الآية حذف المستثني منه، وفي البيت حذف جواب الشرط؛ لأنه عند البصريين لا يتقدم فيكون كل منهما إيجازًا لامساواة. وفيه نظر؛ لأن اعتبار هذا الحذف رعاية لأمر لفظي لا يفتقر إليه في تأدية أصل المراد حتى لو صرح به لكان إطنابا إن كان لفائدة أو تطويلا لغويا إن كان لا لفائدة، والتطويل اللغوي الزائد لا لفائدة وإن كان متعينا، وإذا لم نقيد التطويل بكونه لغويا كان حشوا؛ لأن الزائد هنا متعين.

ج / 3 ص -181- القسم الثاني: الإيجاز1.

وهو ضربان: أحدهما إيجاز القصر وهو ما ليس بحذف، كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، فإنه لا حذف فيه مع أن معناه كثير يزيد على لفظه؛ لأن المراد به أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتَل قُتِل كان ذلك داعيا له قويا إلى أن لا يقدم على القتال، فارتفع بالقتل الذي هو قصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، فكان ارتفاع القتل حياة لهم، وفضله على ما كان عندهم أو جز كلام في هذا المعنى وهو قولهم: القتل أنفى للقتل من وجوه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 اللفظ قد يُنظر فيه إلى كثرة معناه بدلالة الالتزام من غير أن يكون في نفس التركيب حذف، فيسمي بهذا الاعتبار إيجاز قصر؛ لوجود الاقتصار في العبارة مع كثرة المعنى، وقد ينظر فيه من جهة أن التركيب فيه حذف فهو إيجاز حذف. والفرق بين إيجاز الحذف والمساواة ظاهر، وكذا الفرق بين مقاميهما، وأما الفرق بين إيجاز القصر والمساواة فهو أن المساواة ما جرى به عرف الأوساط الذين لا ينتبهون لإدماج المعاني الكثيرة في لفظ يسير والإيجاز بالعكس، ومقام الإيجاز والمساواة معلوم.

ملاحظة:

إيجاز القصر هو تقليل الألفاظ وتكثير المعاني كما يقول أبو هلال ص169 صناعتين: والقصر كعنب وإن كان المشهور فيه فتح القاف وسكون الصاد.

وراجع بحث الإيجاز في الصناعتين الباب الخامس، 169 سر الفصاحة.

2 راجع الكلام على الآية في ص202 و224 و298 و381 من الدلائل، وفي ص83 و120 من المفتاح، 169 و341 من الصناعتين.

فالآية ليس فيها حذف شيء مما يؤدي به أصل المراد، واعتبار الفعل الذي يتعلق به الظرف رعاية لأمر لفظي حتى لو ذكر لكان تطويلا.

ج / 3 ص -182- أحدهما: أن عدو حروف ما يناظره1 منه2 وهو في القصاص حياة عشرة في التلفظ وعدة حروفه أربعة عشر.

وثانيهما: ما فيه التصريح بالمطلوب الذي هو الحياة بالنص عليها فيكون أزجر عن القتل بغير حق لكونه أدعى إلى الاقتصاص.

وثالثها: ما يفيده تنكير حياة من التعظيم3 أو النوعية4 كما سبق5.

ورابعها: إضراره 6 بخلاف قولهم، فإن القتل الذي ينفي القتل هو ما كان على وجه القصاص لا غيره7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي اللفظ الذي يناظر قولهم: "القتل أنفى للقتل".

2 أي من قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، وما يناظره منه هو قوله: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}؛ لأن قوله:

{وَلَكُمْ} زائد على معنى قولهم: "القتل أنفى للقتل"؛ فحروف: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أحد عشر، وحروف: "القتل أنفى للقتل" أربعة عشر، أعني الحروف الملفوظة؛ إذ بالعبارة يتعلق الإيجاز لا بالكتابة، فلا يقال أن: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ثلاثة عشر حرفًا، "والقتل أنفى للقتل" لأكثم بن صيفي.

3 أي حياة عظيمة لمنع القصاص إياهم عما كانوا عليه في الجاهلية من قتل جماعة بواحد.

4 أي: ولكم في القصاص نوع من الحياة؛ وهي الحياة الحاصلة للمقتول والقاتل بالارتداع عن القتل للعالم بالقصاص.

5 في تنكير المسند إليه.

6 أي عمومه لأفراده، و: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} مطرد؛ إذ القصاص في كل وقت وزمن وفي كل فرد سبب للحياة.

7 وهو ما كان مثلا ظلما.

ج / 3 ص -183- متعلق بثبوته نفيًا الملزوم بنفي اللازم1 وكذا قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاع2} أي لا شفاعة ولا طاعة على أسلوب قوله3:

على لاحب لا يهتدي بمناره "إذا ساقه العود النباطي جرجرا"

أي: لا منار ولا اهتداء، وقوله4:

لا يفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب به ينجحر

أي: لا ضب ولا انجحار.

ومن أمثلة الإيجاز أيضا قوله تعالى فيما يخاطب به النبي عليه الصلاة والسلام: {خُذِ الْعَفْوَ5 وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}، فإنه جمع فيه مكارم الأخلاق؛ لأن قوله: {خُذِ الْعَفْوَ} أمر بإصلاح قوة الشهوة فإن العفو ضد الجهل؛ قال الشاعر:

خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطفي في سورتي حين أغضب6

أي: خذ ما تيسر أخذه وتسهل، وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} أمر بإصلاح قوة الغضب أي: أعرض عن السفهاء واحلم عنهم ولا تكافئهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وهو وجوب كونه معلوما للعالم الأعلى لوكان له ثبوت.

2 راجع ص122 من المفتاح.

3 البيت لأمرئ القيس: "189 المثل السائر" وهو في المفتاح ص122.

4 اللاحب: الطريق بمشي على جهة، مناره ما يجعل عليه من علامة. سافه: شمه، العود: الجمل المسن. النباطي: الضخم نسبة إلى النبط. جرجر: رغا وضج؛ لمعرفته ببعد الطريق.

4 البيت لأوس بن حجر يصف مفازة بأنها غير مطروقة للناس، فلا يوجد ما يفزع أرانبها أو ينجحر بها ضبها أي: يدخل في جحره.

5 أي الفضل.

6 البيت لأسماء بن خارجة الفزاري. سورة الشيء: شدته.

ج / 3 ص -184- على أفعالهم، هذا يرجع إليه منها. وأما ما يرجع إلى أمته فدل عليه بقوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي: بالمعروف والجميل من الأفعال، ولهذا قال جعفر الصادق رضي الله عنه فيما روي عنه: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لها من هذه الآية ومنها1 قول الشريف الرضي:

مالوا إلى شعب الرحال وأسندوا أيدي الطعان إلى قلوب تخفق3

فإنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام، عبر عن ذلك بقوله: أيدي الطعان، ومنه3 ما كتب عمرو بن مسعدة عن المأمون لرجل يعني به، إلى بعض العمال، حيث أمره أن يختصر كتابه ما أمكن: كتابي إليك كتاب واثق ممن كتب إليه معني بمن كتب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حاملة.

الضرب الثاني إيجاز الحذف4:

وهو ما يكون بحذف:

والمحذوف أما جزء جملة وجملة أو أكثر من جملة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من أمثلة الإيجاز أيضا.

2 شعب الرحال: خشبها. وميلهم إليها عبارة عن ارتحالهم وركوبهم عليها، تخفق: تضطرب؛ لفراق الأحبة.

3 أي من الإيجاز. راجع 170 من الصناعتين: 253/ 2 الكامل للمبرد.

4 راجع في 198 جـ3 البيان والتبيين "باب من الكلام المحذوف".

ج / 3 ص -185- وخامسها: سلامته من التكرار الذي هو من عيوب الكلام خلاف قولهم1.

وسادسا: استغناؤه عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم، فإن تقديره: القتل أنفى للقتل من تركه2.

وسابعها: أن القصاص ضد الحياة فالجمع بينهما طباق كما سيأتي3.

وثامنها: جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بإدخال "في" عليه على ما تقدم. ومنه4 قوله تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِين}، أي: هدى للصالحين الصائرين إلى الهدى بعد الضلال، وحسنه التوصل إلى تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه وإلى تصدير السورة بذكر أو لياء الله تعالى، وقوله: {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ}5 أي بما لا ثبوت له ولا علم الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فإنه يشتمل على تكرار القتل ولا يخفى أن الخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه، وإن لم يكن مخلا بالفصاحة، فكلامهم بالنظر إلى أن التكرار معيب، وإن كان منه حسن من جهة ما فيه من رد العجز على الصدر، ولهذا قالوا: الأحسن في رد العجز على الصدر أن لا يؤدي إلى التكرار بأن لا يكون كل من اللفظين بمعنى الآخر.

2 راجع السيد علي "المطول": ص145.

3 والطباق الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة، سواء كان التقابل على جهة التضاد أو السلب والإيجاب أو غير ذلك، وقولنا في الجملة إذا كان تقابلهما بحسب ذاتهما فلوكان تقابلهما في الجملة أي بحسب ما استلزماه كالقصاص المستلزم للقتل، والقتل يشتمل على الموت الذي هو مقابل للحياة.

4 أي من الإيجاز راجع 120 مفتاح.

5 ص121 من المفتاح.

ملاحظة:

في البيان والتبيين: 223/ 2 إشارة للفرق بين الآية والحكمة. وفي الصناعتين مقارنة بينهما "169 صناعتين" نقلها المتأخرون ومنهم الخطيب ويزيد العسكري مزية أخرى وهي إبانة العدل بذكر القصاص ثم حسن التأليف وشدة التلازم في الآية الكريمة.

ج / 3 ص -186- والأول1 إما مضاف2 كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} أي أهلها3، وكقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة}. أي تناولها؛ لأن الحكم الشرعي إنما يتعلق بالأفعال دون الإجرام، وقوله: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُم} أي: تناول طيبات أحل لهم تناولها، وتقدير التناول أو لى من تقدير الأكل؛ ليدخل فيه شرب ألبان الإبل فإنها من جملة ما حرمت عليهم، وقوله: {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها}، أي: منافع ظهورها وتقدير المنافع أو لى من تقدير الركوب؛ لأنهم حرموا ركوبها وتحميلها، وكقوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه}، أي: رحمة الله، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم} أي: عذاب ربهم وقد ظهر هذان المضافان في قوله: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه}.

وإما موصوف كقوله4:

أنا أبن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

أي أن ابن رجل جلا5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي جزء الجملة والمراد به ما ليس مستقلا كالشرط وجوابه، والجملة ما كان مستقلا، والمراد الجزء مطلقا فضله أو عمدة، والعمدة ما يتوقف عليه أصل الإفادة.

2 راجع 175 صناعتين، 175 الصاحبي.

3 هو من باب الحذف إذا لم تجعل القرية مرادا بها أهلها مجاز مرسلا لعلاقة الحالية والمحلية وإلا فلا حذف وكذا على ما قاله داود الظاهري من أن اسم القرية مشترك بين المكان وأهله.

4 هو المعرجي كما في المطول والصحيح أنه لسحيم بن وثيل الرياحي وهو شاعر مخضرم.

وراجعه في 7 جـ2 الكتاب لسيبويه، 107 و282، 183 جـ1 الكامل للمبرد، 422 جـ3 العقد.

الثنايا: جمع ثنية وهي الطريق في أعلى الجبال. العمامة هي عمامة الحرب "البيضة". فلان طلاع الثنايا أي: ركَّاب لصعاب الأمور.

5 يريد المنكشف الأمر "الكامل". فيكون جلا لازما. جلا: انكشف أمره أو كشف الأمور لازما ومتعديا.

وقيل: "جلا" هنا علم، وعليه لا يكون في البيت شاهد؛ لعدم الحذف فيه، وحذف تنوينه باعتبار أنه منقول عن الجملة -أعني الفعل مع الضمير المستتر- لا عن الفعل وحده وإلا لنون؛ إذ ليس فيه وزن الفعل المانع من الصرف ولا زيادة كزيادة الفعل، والحاصل أن المنقول للعلمية إن "أعتبر معه ضمير فاعله وجعلت الجملة علما فهو محكي وأن لم يعتبر معه الضمير فحكمه حكم المفرد في الانصراف وعدمه، فإن كان على وزن يخص الفعل أو في أو له زيادة كزيادة الفعل منع الصرف وإلا فلا.

ج / 3 ص -187- وأما صفة نحو: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، أي سفينة صحيحة أو صالحة أو نحو ذلك؛ بدليل ما قبله1 وقد جاء ذلك مذكورًا في بعض القراءات، قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا" وأما شرط كما سبق2.

وأما جواب شرط3 وهو ضربان:

أحدهما: أن يُحذف لمجرد الاختصار4، كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوامابيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. أي اعرضوا؛ بدليل قوله بعده: {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِين}.

وكقوله تعالى5: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أو قُطِّعَتْ بِهِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وهو قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} لدلالته على أن الملك كان لا يأخذ المعيبة.

2 إن كان المراد بالشرط فعل الشرط فقد سبق أو ل باب المسند، وإن كان المراد أداة الشرط فقد سبقت في باب الإنشاء عند قوله: وهذه الأربعة يجوز تقدير الشرط بعدها راجع السبكي 322 جـ2.

3 راجع 176 صناعتين، 29 ما اتفق لفظه للمبرد.

4 أي لنكتة لفظية فقط وهي الاختصار، بخلاف الحذف؛ فإنه لنكتتين كما يأتي، والاختصار نكتة موجبة للحذف فرارًا من العبث، ونكتة الحذف قد تكون غير ما ذكر كاختبار تنبه السامع أو مقدار تنبهه إلخ.

5 راجع 30 ما اتفق لفظه للمبرد.

ملاحظة:

الفرق بين الآية الكريمة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وبين:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

حيث جعل حذف الجواب هنا من إيجاز الحذف، وهنا ليس منه بل رعاية لأمر لفظي فقط، هو أن الجواب في البيت تقدم ما يدل عليه فأغني عرفا عن إعادته وفي الآية هنا دل عليه متأخر فضعفت دلالته عليه، فكأنه لم يذكر.

ج / 3 ص -188- الْأَرْضُ أو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أي: لكان هذا القرآن، وكقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ}، أي ألستم ظالمين بدليل قوله بعده: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

والثاني: أن يحذف للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف1، أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن، فلا يتصور مطلوبا أو مكروها إلا يجوز أن يكون الأمر أعظم منه، ولو عين شيء اقتصر عليه، وربما خف أمره عنده كقوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} وكقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار}، {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ}، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}2.

قال السكاكي3: رحمه الله: "ولهذا المعنى حذف الصلة من قولهم: "جاء بعد اللتيا والتي، أي أشار إليه بهما وهي المحنة والشدائد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 وذلك عند قصد المبالغة لكونه أمرا مرهوبا منه أو مرعوبا فيه، والقرائن تدل على هذا المعنى، ويلزم من كونه كذلك ذهاب نفس السامع إن تصدى لتقديره كل مذهب، وكونه لا يحيط به الوصف وذهاب نفس السامع فيه كل مذهب ممكن مفهومهما مختلف ومصدوقهما متحد، قد يقصدهما البليغ معا وقد يخطر بباله أحدهما فقط، ولتبيانهما مفهوما عطف الناس بأو مصدوقا مثل لهما بمثال واحد.

2 بناء على أن "لو" للشرط لا للتمني.

3 راجع ص121 من المفتاح.

ج / 3 ص -189- قد بلغت شدتها وفظاعة شأنها مبلغا يبهت الواصف معه حتى لا يحير ببنت شفة..." وأما غير ذلك1 كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}. أي: ومن أنفق من بعده وقاتل بدليل ما بعده2. ومن هذا الضرب قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ3 شَيْبًا}؛ لأن أصله: يا رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس مني شيبًا4. وعده السكاكي5 من القسم الثاني من الإيجاز6 على ما فسره، ذاهبا إلى أنه وإن اشتمل على بسط فإن انقراض الشباب وإلمام المشيب جديران بأبسط منه، ثم ذكر فيه لطائف يتوقف بيانها على النظر في أصل المعنى ومرتبته الأولى، ثم أفاد أن مرتبته الأولى: "يا رب قد شخت" فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم تركت هذه المرتبة؛ لتوخي مزيد التقرير إلى تفصيلها في: "ضعف بدني وشاب رأسي" ثم ترك التصريح بضعف بدني إلى الكناية بوهنت عظام بدني؛ لما سيأتي أن الكناية أبلغ من التصريح، ثم لقصد مرتبة رابعة أبلغ من التقرير بنيت الكناية على المبتدأ فحصل: أنا وهنت عظام بدني، ثم لقصد مرتبة خامسة أبلغ أدخلت إن على المبتدأ فحصل: "إن وهنت عظام بدني" ثم لطلب تقرير أنا الواهن عظام بدنه قصد مرتبة سادسة وهي سلوك طريقي الإجمال والتفصيل، فحصل أني وهنت العظام من بدني، ثم لطلب مزيد اختصاص العظام به قصد مرتبة سابعة وهي ترك توسيط البدن، فحصل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 عطف على "مضاف" أي أو أن يكون المحذوف جزء جملة غير ما ذكر.

2 وهو قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}.

3 راجع الكلام على الآية في: ص79 و301 و309 و312 و428 من الدلائل، وفي ص94 و124 من المفتاح.

4 راجع 263 صناعتين، 165/ 3 من شروح التلخيص.

5 راجع 124 من المفتاح.

6 وهو الذي يكون مقامه خليقا بأبسط مما ذكر فيه.

ج / 3 ص -190- أني وهنت العظام مني، لم أطلب شمول الوهن العظام فردًا فردًا، قصدت مرتبة ثامنة وهي ترك الجمع إلى الإفراد1؛ لصحة حصول وهن المجموع بوهن البعض دون كل فرد، فحصل ما ترى، وهكذا تركت الحقيقة في: شاب رأسي إلى الاستعارة في: اشتعل شيب رأسي لما سيأتي أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة. ثم تركت هذه المرتبة إلى تحويل الإسناد إلى الرأس وتفسيره ب"شيبا"؛ لأنها أبلغ من جهات: إحداها إسناد الاشتعال إلى الرأس؛ لإفادة شمول الشيب الرأس؛ إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا والفرق كبير، وثانيتهما: الإجمال والتفصيل في طريق التمييز، وثالثهما: تنكير "شيبا" لإفادة المبالغة: ثم ترك اشتعل رأسي شيبا؛ لتوخي مزيد التقرير إلى "اشتعل الرأس مني شيبا" على نحو وهن العظم مني، ثم ترك لفظ مني؛ لقرينة عطف: واشتعل الرأس، على وهن العظم مني، لمزيد التقرير وهي إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ.

ثم قال2 عقيب هذا الكلام: واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي "رب" اختصرت ذلك الاختصار، بأن حذفت كلمة النداء وهي "يا"، وحذفت كلمة المضاف إليه وهي ياء المتكلم، واقتصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب وهي المنادى، والمقدمة للكلام كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة نازلة منزلة الأساس للبناء، فكما أن البناء الحاذق لا يرمي الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه كذلك البليغ يصنع بمبدأ كلامه. فمتى رأيته قد اختصر المبدأ فقد آذنك باختصار ما يورد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 و"أل" في "العظم" للاستغراق.

2 أي السكاكي راجع 124 من المفتاح.

ج / 3 ص -191- انتهى كلامه، وعليك أن تنتبه لشيء وهو أن ما جعله سببا للعدول عن لفظ العظام فيه نظر؛ لأنا لا نسلم صحة حصول وهن المجموع بوهن البعض دون كل1 فرد، فالوجه في ذكر العظم دون سائر ما تركب منه البدن وتوحيده ما ذكره الزمخشري2 قال: إنما ذكر العظم لأنه عمود البدنه وبه قوامه وهو أصل بنائه، وإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أو هن، ووحده لأن الواحد الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو جمع لكان قصدًا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن بعض عظامه ولكن كلها2 وأعلم أن المراد بشمول الشيب الرأس أن يعم جملته حتى لا يبقى من السواد شيء أو لا يبقى منه إلا ما لا يعتد به.

والثاني4 أعني ما يكون جملة:

أما مسبب ذكر سببه كقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِل} أي: فعل ما فعل5 وقوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: اخترناك، وقوله: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء} أي: كان الكف ومنع التعذيب، ومنه قول أبي الطيب:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 لأنه إذا كانت "أل" في "العظم" للاستغراق فقد سبق أنه لا فرق بين استغراق المفرد واستغراق الجمع في الإثبات.

2 راجع الكلام بتفصيل في المطول ص85 و86.

3 راجع 339 جـ1 السبكي.

4 راجع 121 من المفتاح؛ والجملة الكلام المستقل بالإفادة الذي لا يكون جزء كلام آخر ولو عرض له في هذه الحالة ترتيبه بالفاء أو ترتب شيء عليه.

5 فهذا مذكور حذف مسببه ويقدر المسبب قبل السبب عند ابن يعقوب وبعده عند السبكي، وفي الآية تقدير ثانٍ وهو أن المذكور متعلق: بـ"يَقْطَع" قبله فلا شاهد فيها على هذا.

ج / 3 ص -192- أتي الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم

أي: فساءنا.

أو بالعكس1 كقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} أي: فامتثلتم، فتاب عليكم، وقوله: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَت}، أي: فضربه بها، فانفجرت2، ويجوز أن يقدر: فإن ضربت بها فقد انفجرت3 أو غير ذلك4 كقوله تعالي: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُون} على ما مر5.

والثالث6 كقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} وقوله: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ}، أي: فأرسلوني إلى يوسف؛ لاستعبره الرؤيا، فأرسلوه إليه، فأتاه8 وقال له: يا يوسف7، وقوله: {فَقُلْنَا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي السبب محذوف والمذكور هو مسببه.

2 صراحة، وبعضهم يتبين من داخله فيصلي ويصوم وقد.

3 الماضي الواقع جوابًا لا يقترن بالفاء إلامع: "قد" ولهذا قدر "قد" وعلى هذا فالمحذوف جزء وهو فعل الشرط مع أداته.

ملاحظة:

الفاء في مثل هذا وما ماثلها من كل فاء اقتضت الترتيب تسمى: فاء الفصيحة وهي الدالة على محذوف قبلها هو سبب لما بعدها وسميت فصيحة لإفصاحها عما قبلها أو لأنها تدل على فصاحة المتكلم فوصف بالفصاحة إسنادا مجازيا. قيل على التقدير الأول وهو رأي الطيبي وظاهر المفتاح، وقيل على التقدير الثاني وهو ظاهر كلام الكشاف، وقيل على التقديرين وهو اختيار السيد السبكي الذي قال: هي فصيحة على التقديرين: عاطفة أو جزائية.

4 أي غير المسبب وغير السبب.

5 أي: في بحث الاستئناف من أنه على حذف المبتدأ والخبر على قول من يجعل المخصوص مبتدأ محذوف الخبر أي: "نحن هم".

6 وهو ما كان المحذوف أكثر من جملة.

7 فقد حذف هنا خمس جمل مع ما لها من المتعلقات.

ج / 3 ص -193- اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} أي: فأتياهم، فأبلغاهم الرسالة، فكذبوهما، فدمرناهم، وقوله: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بنِي إِسْرائيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ}، أي: فأتياه أبلغاه ذلك، فلما سمعه: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ}، ويجوز أن يكون التقدير فأتياه فأبلغاه ذلك ثم يقدر: فماذا قال؟ فيقع قوله: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ} استئنافا، ونحوه قوله: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ}، أي: ففعل ذلك، فأخذت الكتاب، فقرأته، ثم كأن سائلا قال: فماذا قالت؟ فقيل: قالت: يا أيها الملأ. وأما قوله تعالى2: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} فقال الزمخشري في تفسيره: هذا موضع الفاء كما يقال: أعطيته فشكر، ومنعته فصبر، وعطفه بالواو إشعارًا بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما العلم، كأنه قال: فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا: الحمد لله، وقال السكاكي2: يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا، كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد من غير بيان ترتبه عليه اعتمادا على فهم السامع كقولك: قم يدعوك، بدل: قم فإنه يدعوك.

واعلم أن الحذف على وجهين: أحدهما أن لا يقام شيء مقام المحذوف3 كما سبق 4. والثاني أن يقام مقامه ما يدل عليه كقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُم} ليس إلا بلاغ هو الجواب؛ لتقدمه على توليهم5، والتقدير فإن تولوا فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم، أو فلا عذر لكم عند ربكم، وقوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 121 من المفتاح.

2 راجع 121 من المفتاح.

3 فيكتفى فيه بالقرينة اللفظية أو الحالية كما سبق في الأمثلة.

4 أي في الأمثلة السابقة لحذف جزء الجملة.

5 وجزاء الشرط يجب أن يكون مضمونه مترتبا على مضمون الشرط.

ج / 3 ص -194- كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك} أي: فلا تحزن1 واصبر فإنه قد كذبت رسل من قبلك، وقوله: {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِين} أي فيصيبهم مثل ما أصاب الأولين.

وأدلة الحذف2 كثيرة3 منها4:

أن يدل العقل على الحذف والمقصود الأظهر5 على تعيين المحذوف كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} الآية، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، فإن العقل يدل على الحذف لما مر6 والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرم عليكم تناول الميتة وحرم عليكم نكاح أمهاتكم؛ لأن الغرض الأظهر من هذه الأشياء تناولها ومن النساء نكاحهن. ومنها أن يدل العقل على الحذف والتعيين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فقد كذبت "ليس جزاء الشرط؛ لأن تكذيب الرسل متقدم على تكذيبه وجزاء لشرط يجب أن يكون مضمونه مترتبًا على مضمون الشرط، فهو سبب لمضمون الجواب المحذوف وهو عدم الحزن فأقيم ذلك السبب مقام الجواب.

2 أي الذي لم يقم فيه شيء مقام المحذوف، فهو راجع للقسم الأول، وقول النحاة "الاقتصار الحذف لا لدليل" اصطلاح، والحق أن الفعل فيه صار قاصرًا وإنما يسمونه حذفًا اعتبارًا بالفعل قبل جعله قاصرًا.

3 كثرتها من حيث الدلالة على تعيين المحذوف وأما دليل الحذف فهو شيء واحد هو العقل ولما كان ما دل على التعيين يدل على الحذف وإن كان العقل وحده قد يدل على الحذف صح التعبير بالجمع "أدلة" والوصف بالكثرة.

4 عبر بمنها إشارة إلى أن هناك أدلة أخرى لم يذكرها كالقرائن اللفظية.

5 أي بحسب العرف في الاستعمال.

6 فالعقل مدرك لذلك إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق بأفعال المكلفين دون الذوات وذلك مذهب المعتزلة والعراقيين السنيين لا الحنفية فعندهم يجوز تعلقها بالأعيان.

ج / 3 ص -195- كقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ}، أي أمر ربك أو عذابه أو بأسه1 وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} أي: عذاب الله أو أمره.

ومنها: أن يدل العقل على الحذف والعادة2 على التعيين، كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيه} دل العقل على الحذف؛ لأن الإنسان إنما يلام على كسبه، فيحتمل أن يكون التقدير في حبه لقوله: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا3}، وأن يكون في مراودته لقوله: {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِه}، وأن يكون في شأنه وأمره فيشملهما، والعادة دلت على تعيين: المراودة؛ لأن الحب المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة لقهره صاحبه وغلبته، وإنما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.

ومنها: أن تدل العادة على الحذف والتعيين كقوله تعالى: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُم}، مع أنهم كانوا أخبر الناس بالحروب، فكيف يقولون بأنهم لا يعرفونها؟ فلا بد من حذف قدره مجاهد رحمه الله مكان قتال، أي أنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال ويخشى عليكم منه، ويدل عليه أنهم أشاروا إلى رسول الله أن لا يخرج من المدينة وأن الحزم البقاء.

ومنها الشروع في الفعل4 كقول المؤمن: "بسم الله الرحمن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فالعقل يدل على امتناع مجيء الرب ويدل على تعيين المراد أيضًا.

2 أي المقررة لا العادة في استعمال الكلام بخلاف ما سبق في "والمقصود الأظهر".

3 أي أصاب حبه شغاف قلبها وغلافه.

4 راجع 98 من المفتاح، يعني من أدلة تعيين المحذوف بعد دلالة العقل على أصل الحذف، لا من أدلة الحذف، فدليل الحذف هنا هو العقل بسبب إدراكه أن الجار والمجرور لا بد أن يتعلق بشيء والشروع في الفعل دل على أنه ذلك الفعل الذي شرع فيه.

ج / 3 ص -196- الرحيم"، كما إذا قلت عند الشروع في القراءة: "بسم الله" فإنه يفيد أن المراد بسم الله أقرأ وكذا عند الشروع في القيام والقعود أو أي فعل كان فإن المحذوف يقدر ما1 جعلت التسمية مبدأ له2.

ومنها3: اقتران الكلام بالفعل، فإنه يفيد تقديره كقولك لمن أعرس: بالرفاء4 والبنين5 فإنه يفيد: بالرفاء والبنين أعرست.

القسم الثالث: الإطناب.

وهو إما:

1- الإيضاح بعد الإبهام":

أما بالإيضاح بعد الإبهام:

ليرى المعنى في صورتين مختلفتين6: أو ليتمكن في النفس فضل تمكن7 فإن المعنى إذا ألقى على سبيل الإجمال والإبهام تشوقت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح فتتوجه إلى ما يرد بعد ذلك فإذا ألقي كذلك تمكن فيها فضل تمكن وكان شعورها به أتم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي الفعل الذي.

2 أي لمعناه.

3 أي من أدلة تعيين المحذوف بعد دلالة العقل على أصل الحذف.

4 أعرس: تزوج.

5 الجملة خبرية لفظًا إنشائية معنًى. والرفاء: الالتحام والاتفاق والباء للملابسة.

فمقارنة هذا الكلام لأعراس المخاطب دل على تعيين المحذوف أي أعرست، أو مقارنة المخاطب بالأعراس وتلبسه به دل على ذلك.

6 أحدهما مبهمة والأخرى موضحة، وعلمان خير من علم واحد.

7 في مقام كون المعنى ينبغي أن يملأ القلب لرغبة أو لرهبة أو أن يحفظ لتعظيم أو لعمل به.

ج / 3 ص -197- أو لتمكن اللذة بالعلم به1 فإن الشيء إذا حصل كمال العلم به دفعة لم يتقدم حصول اللذة به ألم، وإذا حصل الشعور به من وجه دون وجه تشوقت النفس إلى العلم بالمجهول، فيحصل لها بسبب المعلوم لذة، وبسبب حرمانها من الباقي ألم، ثم إذا حصل لها العلم به حصلت لها لذة أخرى، واللذة عقيب الألم أقوى من اللذة التي لم يتقدمها ألم أو لتفخيم الأمر وتعظيمه كقوله2 تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}، فإن قوله اشرح لي يفيد طلب شرح لشيء ما له3، وقوله: {صَدْرِي} يفيد تفسيره وبيانه4 وكذلك قوله: ويسر لي أمري، والمقام مقتض للتأكيد للإرسال المؤذن بتلقي المكاره والشدائد. وكقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِين}، ففي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمور وتعظيم له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بالمعنى لما لا يخفى من أن نيل الشيء بعد الشوق والطلب ألذ.

2 التركيب في ذاته من شأنه أن يفيد الأغراض الثلاثة فهو بحيث لو خوطب به غير الله أمكن فيه ما ذكر.

3 أي للطالب، "فلي" ظرف مستقر وقع صفة لمحذوف.

أي اشرح شيئًا كائنًا لي، ثم فسر الشيء بالبدل منه بقوله: {صَدْرِي} ويصح أن المجرور متعلق بالشرح أي اشرح لأجلي، فالمقصود زيادة ربط اشرح بنفسه، فلا إجمال. أو أنه من قبيل الإجمال والتفصيل؛ لأن اشرح يفيد طلب شيء يشرح؛ لأن الشرح يستدعي مشروحًا لكنه مبهم، ثم فسر بصدري، وذلك أن تخصيص المطلوب بالطالب يفيد تعينه عنده، وإنما يتعين بمتعلق هو المفعول، لعلم الإنسان بأحوال نفسه غالبًا وتعلق غرضه بمصالحه الخاصة غالبًا، فيكون ذكره يعد إيضاحًا بعد إبهام، أما إذا لم يكن متخصصًا بالطالب فلا يفيد ذلك.

4 أي تفسير ذلك الشيء وبيانه.

ج / 3 ص -198- ومن الإيضاح بعد الإبهام باب نعم وبئس1 على أحد القولين2 إذ لو لم يقصد الإطناب لقيل: نعم زيد وبئس عمرو3 ووجه حسنه4 سوى الإيضاح بعد الإبهام5 أمران آخران؛ أحدهما: إبراز الكلام في معرض الاعتدال، نظرا إلى إطنابه من وجه وإلى اختصاره من آخر، وهو حذف المبتدأ في الجواب، والثاني إبهام الجمع بين المتنافيين6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي أفعال المدح والذم- راجع في ذلك ص123 من المفتاح.

2 وهو قول من يجعل المخصوص مبتدأ خبره محذوف والجملة مستأنفة للبيان. أما على من يجعل المخصوص مبتدأ قدم خبره عليه، فليس من الإيضاح؛ لأن الكلام عليه جملة واحدة والمخصوص فيها مقدم في التقدير، وأل في الفاعل حينئذٍ للعهد، وما ذكره الشارح إنما يأتي إذا كان المقصود مدح زيد ومدح الجنس من أجله، أما إذا قلنا: المقصود مدح الجنس فيه فلا، والسكاكي كلامه يدل على أنه يرى جعل اللام للجنس"123 مفتاح".

3 أي بالنسبة إلى متعارف الأوساط، وإن كان هذا التركيب في نفسه ممتنعًا؛ لأن فاعل نعم لا بد أن يكون بأل أو مضاف لما فيه أل أو ضمير مفسرا بتمييز.

4 أي حسن باب نعم.

5 للأغراض الثلاثة المتقدمة.

6 أي الإيجاز والإطناب، وقيل: الإجمال والتفصيل، ولا شك أن إيهام الجمع بين المتنافيين من الأمور المستغربة التي تُدخل على النفس اللذة، وإنما قال: "إيهام الجمع بين المتنافيين" لأن حقيقة جمع المتنافيين أن يصدق على ذات واحدة وصفان يمتنع اجتماعهما على شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة، وهنا الجهة ليست كذلك؛ لأن الإيجاز من جهة حذف المبتدأ والإطناب من جهة ذكر الخبر بعد ذكر ما يعمه، هذا والجمع المذكور إن كان الإتيان به مناسبا للمقام لنكتة كالتأكيد في إمالة قلب السامع كان من المعاني، وإن قصد به التحسين لا غير كان من البديع.

ج / 3 ص -199- ومنه1 التوشيع2 وهو:

أن يؤتى في عجز الكلام3 بمثنى4 مفسر باسمين أحدهما معطوف على الآخر5 كما جاء في الخبر: "يشيب ابن آدم ويشب6 فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل7" وقول الشاعر8:

سقتني في ليل شبيه بشعرها شبيهة خديها بعير رقيب

فما زلت في ليلين: شعر وظلمة وشمسين: من خمر ووجه حبيب

وقول البحتري:9

لما مشين بذي الأراك تشابهت أعطاف قضبان به وقدودِ

في حلتي حبر وروض فالتقى وشيان: وشي ربىً ووشي برودِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي من الإيضاح بعد الإبهام.

2 هو لغة جمع القطن المندوف. واصطلاحا يطلق على المعنى المصدري وهو الإتيان في عجز الكلام إلى آخر ما ذكره الخطيب كما يطلق على المعنى الأسمي أي على الكلام وراجع ص214 من الصناعتين في باب التطريز.

3 أي أو في أوله أو في وسطه؛ لأن تخصيصه بالعجز ليس له وجه.

4 أو بجمع.

5 وفي الجمع يفسر بأسماء.

6 أي ينمو.

7 تجد هذا الخبر في البيان والتبيين ص95 جـ3.

8 هو ابن المعتز. شبيهة خديها هي الخمر. الرقيب: الذي يراقبهما, وراجع البيتين في 227 جـ1 الأمالي، 15 جـ3 زهر الأداب، وفي هذا الموضع من الزهر أبيات للشعراء في هذا المعنى.

وفي العقد112 جـ4 قال: قال المعتز "لعلها ابن المعتز":

فأمسيت في ليلين: للشعر والدجا وشمسين: من كأس ووجه حبيب

9 من قصيدة له في مدح المتوكل "126 ديوان البحتري، 499 الأدب العباسي". الأعطاف: الجوانب. القضبان: الأغصان. القدود: القامات. الحلة: الثواب أو الجديد منه. الحبر: ضرب من برود اليمن. الوشي: النقش. الربى: جمع ربوة ما ارتفع من الأرض. البرود جمع برد وهو كساء مخطط. الجني مصدر جنى الثمر: تناوله من الشجر.

ج / 3 ص -200- 2- ذكر الخاص بعد العام":

وأما ذكر الخاص بعد العام1 للتنبيه على فضله2 حتى كأنه ليس من جنسه3 تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}4.

3- التكرير5:

وأما بالتكرير لنكتة6: كتأكيد الإنذار في قوله تعالى: {كَلَّا7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المراد الذكر على سبيل العطف لا على سبيل الوصف أو الإبدال فلو كان الذكر على غير سبيل العطف كان من الإيضاح بعد الإبهام، ووجهه أنه مع الوصف أو الإبدال يكون ذلك الخاص هو المراد من العام، فليس في ذكره بعد إفراد العام تنبيه على فضله؛ لجعل العام بمنزلة الجنس للآخر.

2 أي على مزية الخاص.

3 أي العام.

4 أي الوسطى من الصلوات أو الفضلى من قولهم للأفضل: الأوسط وهي صلاة العصر عند الأكثر.

5 راجع في ص247 من المفتاح الرد على من يعيب القرآن بالتكرار.

6 ليكون إطنابا لا تطويلا.

7 فقوله: "كَلَّا" ردع وزجر عن الانهماك في الدنيا وتنبيه على الخطأ في الاشتغال بها، و: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إنذار وتخويف، وفي تكريره تأكيد للزجر والإنذار.

ج / 3 ص -201- {سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ1}، وفي ثم2 دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ وأشد3، كزيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليكمل تلقي الكلام بالقبول. في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَن يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا متَاعٌ} وقد يكرر اللفظ لطول في الكلام كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفي قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. وقد يكرر؛ لتعدد المتعلق كما كرره الله تعالى من قوله4: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان}؛ لأنه تعالى ذكر نعمة عقيب نعمة غير الغرض من ذكره عقيب نعمة أخرى، فإن قيل: قد عقب بهذا القول ما ليس بنعمة كما في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ}، وقوله: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ، يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}، قلنا: العذاب وجهنم وأن لم يكونا من آلاء الله تعالى فإن ذكرهما ووصفهما على طريق الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات من آلائه تعالى: ونحوه قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين} لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول، فصار كأنه عقب كل قصة: ويل يومئذ للمكذبين بهذه القصة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي في العطف بها. وراجع الكلام على الآية وما فيها من تكرير في ص3969 من كتاب الإسكافي "درة التنزيل".

2 أي أوكد وأقوى من الأول ووجه الأبلغية هي باعتبار زيادة المنذر به لاباعتبار أنه شيئا في المفهوم، وذلك بتنزيل بعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمال لفظ ثم في مجرد التدرج في مراتب الارتقاء.

3 راجع 187 صناعتين، 356 الأسكافي.

4 راجع 391 من كتاب الأسكافي.

ج / 3 ص -202- 4 الإيغال1:

وإما بالإيغال، واختلف في معناه:

1- فقيل هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة2 في قول الخنساء:

وأن صخرًا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار3

لم ترضَ أن تشبهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية حتى جعلت في راسه نارًا وقول ذي الرمة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع الكلام على الإيغال في ص100 نقد الشعر، 372 صناعتين و296 المثل السائر، 432 من الصناعتين أيضا.

2 أي في التشبيه.

3 العَلَم: الجبل. رأسه، قمته والضمير في الرأس يعود للجبل. تأتم: تقتدي وتتبع. الهداة: الذين يهدون الناس جمع هاد. وراجع الكلام على البيت في: 69 جـ4 زهر الآداب، 84 رسالة الغفران، 44 و280 جـ3 الكامل للمبرد، 108 و382 صناعتين والبيت من قصيدة ترثي بها الخنساء أخاها صخرا.

والشاهد في البيت قولها: "في رأسه تنار" فإنها زيادة للإيغال، وجيء بهذه الزيادة لغرض المبالغة في التشبيه فإن قوله "كأنه" علم وافٍ بالمقصود أعني التشبيه بما يُهتدى به وهو الجبل إلا أن قولها "في رأسه نار" زيادة مبالغة.

ملاحظة:

الإيغال: من أوغل في البلاد إذا أبعد فيها وسمي المعنى الاصطلاحي إيغالا؛ لأن المتكلم قد تجاوز حد المعنى.

والذي يقع إيغالا في آخر البيت يكون جملة أو مفردا، والنكتة في الإيغال يتم أصل المعني بدونها، والنكتة لا تختص بما يتم المعنى بدونه بل يجوز أن يتوقف عليها كما يتوقف أحيانا على بعض الفضلات.

وهي: -أي النكتة- أما المبالغة في التشبيه بأن يؤتى بشيء يفيد كون المشبه به غاية في كمال وجه الشبه الكائن فيه فينجز ذلك الكمال إلى المشبه الممدوح بوجه الشبه، وإما تحقيق التشبيه وسيأتي.

ج / 3 ص -203- قف العيس في أطلال مية واسألِ رسوما كأخلاق الرداء المسلسلِ1

أظن الذي يجدي عايك سؤالها دموعا كتبذير الجمان المفصل

وكتحقيق التشبيه2 في قول امرئ القيس 3:

كأن عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع الذي لم يثقبِ

فإنه: لما أتى على التشبيه قبل ذكر القافية واحتاج إليها جاء بزيادة حسنة في قوله: "لم يثقب" لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون، ومثل قوله زهير:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 البيت في الصناعتين ص372.

العيس: الأبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف. الأطلال جمع طلل وهو الشاخص من الآثار. الرسوم جمع رسم وهو ما كان لاحقا بالأرض منها، الأخلاق جمع خلق بفتحتين وهو البالي. المسلسل الردئ النسج. يجدي: يعطي. التبذير: التفريق. الجمان المفصل: اللؤلؤ المنظم.

والشاهد في البيت "المسلسل" و"المفصل" فإنهما زيادتان للإيغال جئ بهما للمبالغة في التشبيه.

2 أي بيان التساوي بين الطرفين في وجه الشبه بأن يذكر في الكلام ما يدل على أن المشبه مساوٍ للمشبه به في وجه الشبه.

3 من قصيدة تقرؤها في الأدب والعصر الجاهلي لمحمد هاشم ص172، وهو في 36 جـ2 من الكامل للمبرد، 233 و373 صناعتين.

الخباء: ما كان من وبر أو صوف -الشعر- على عمر ودين أو ثلاثة وما فوق ذلك بيت. الجزع بفتح الجيم: الخرز اليماني الذي فيه سواد وبياض وهو عقيق فهي دوائر البياض والسواد شبه به عيون الوحش بعد موتها، وأتى بقوله: "لم يثقب" تحقيق للتشبيه؛ لأنه إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون، قال الأصمعي: الظبي والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما كلها سواد فإذا ماتا بدأ بياضها، وإنما شبهها بالجزع وفيه سواد وبياض بعد ما مات والمراد كثر الصيد، يعني مما أكلنا كثرت العيون عندنا، كما في شرح ديوان امرئ القيس.

ج / 3 ص -204- كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا1 لم يحطم

فإن حب الفنا أحمر الظاهر أبيض الباطن فهو لا يشبه الصوف الأحمر إلا ما لم يحطم، وكذا قول امرئ القيس2:

حملت ردينيا كأن سنانه سنا لهب لم يتصل بدخان

ب- وقيل لا يختص بالنظم3، ومثل بقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}4.

5- التذليل5:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قال المبرد:

الفنا: شجر يثمر ثمرا أحمر ثم يتفرق في هيئة النبق الصغار، فهذا من أحسن التشبيه، وإنما وصف ما يسقط من أنماطهن إذا أنزلن، والعهن: الصوف الملون، وقال الأصمعي: كل صوف عهن "69 جـ2 كامل".

والبيت في الكامل للمبرد ص68 جـ2، وفي الصناعتين ص273.

2 وينسب لعميرة بن جعيل "ص125 من المفضليات". وسيأتي الكلام عليه في التشبيه.

الرديني: الرمح منسوب إلى ردينة وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح سنا اللهب ضؤوه. وسيأتي البيت في التشبيه.

والشاهد فيه قوله: "لم يتصل بدخان" فهي زيادة أتي بها إيغالا لتحقيق التشبيه وقوله بعد البيت "كما سيأتي" أي في باب التشبيه.

3 فالإيغال على الوجه الأول مختص بالنظم وعلي هذا لا يختص به فهو على هذا ختم الكلام شعرا أو نثرا بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها أي بدون التصريح بها لا بدونها أصلا.

4 فقوله: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} مما يتم المعنى بدونه؛ لأن الرسول مهتدٍ لا محالة؛ إلا أن في التصريح به زيادة حيث على الاتباع وترغيب في الرسل.

5 راجع الكلام عليه في الصناعتين ص364 و403 والتذليل لغة جعل الشيء ذيلا للشيء.

ج / 3 ص -205- وإما بالتذليل، وهو تعقيب الجملة بجملة1 تشتمل2 على معناها3 للتوكيد4:

وهو ضربان:

1- ضرب لا يخرج مخرج المثل لعدم استقلاله بإفادة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أي بجملة أخرىلا محل لها من الإعراب.

2 أي تلك الجملة المعقب بها.

3 أي على معنى الجملة الأولى ولو مع الزيادة فالمراد باشتمالها على معناها إفادتها بفحواها لما هو المقصود من الأولى، وليس المراد إفادتها لنفس معنى الأولى بالمطابقة وإلا كان ذلك تكرارا فلا بد أن يقع: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُون} فلا يكون ذلك تذليلا، فإن قوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} مضمونه أن آل سبأ جزاهم الله بكفرهم، ومعلوم أن الجزاء بالكفر عقاب كما دلت عليه القصة ومضمون قوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا للكفور ولكن اختلاف مفهومها لا يمنع تأكيد أحدهما بالأخرى للزوم بينهما معنى.

4 أي بقصد التقوية بتلك الجملة الثانية عند اقتضاء المقام للتوكيد فالتذليل أعم من الإيغال عموما وهما يجتمعان فيما يكون في ختم الكلام لنكتة التأكيد بجملة كما في: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ} الآية، فهذا إيغال من جهة أنه ختم الكلام بما فيه نكتة يتم المعنى بدونها، وتذييل من جهة أنه تعقيب الجملة بأخرى تشتمل على معناها للتأكيد، وينفرد بالإيغال فيما يكون بغير جملة وفيما هو لغير التأكيد سواء كان بجملة أم بمفرد كما في قوله: "لم يثقب" وينفرد التذييل فيما يكون في غير ختم الكلام بجملة كقولك: مدحت زيدا، أثنيت عليه بما فيه فأحسن إلي.

فالتذليل يكون في آخر الكلام وغير آخر الكلام بخلاف الإيغال فإنه لا يكون إلا في الآخر، والإيغال قد يكون بغير الجملة أما التذليل فلا يكون إلا بالجملة وللتوكيد.

ج / 3 ص -206- المراد1 وتوقفه على ما قبله كقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}، إن قلنا: إن المعنى وهل يجازى ذلك الجزاء2، وقال الزمخشري: وفيه وجه آخر:

وهو أن الجزاء عام لكل مكافأة تستعمل تارة في معنى المعاقبة وأخرى في معنى الإثابة، فلما استعمل في معنى المعاقبة في قوله: {جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} بمعنى عاقبناهم بكفرهم، قيل: وهل يجازى إلا الكفور؟ بمعنى وهل يعاقب؟ فعلى هذا يكون من الضرب الثاني3، وقول الحماسي4.

فدعوا: نزال فكنت أول نازل وعلام أركبه إذا لم أنزل؟

وقول أبي الطيب:

وما حاجة الأظنان حولك في الدجى إلى قمر ما واجد لك عادمه5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 بأن يتوقف على ما قبله واستقل ولم يفشُ استعماله أي لم يكثر استعماله. هذا والمثل لا بد فيه من الاستقلال؛ لأنه كلام تام نقل عن أصل استعماله لكل ما يشبه حال الاستعمال الأول.

2 أي المخصوص إلا الكفور فيتعلق بما قبله فحينئذ لا يكون جاريا مجرى المثل.

3 وهو ما أخرج مخرج المثل وذلك على أن يراد: وهل يعاقب -أي بمطلق عقاب لا يعاقب مخصوص- إلا الكفور، بناء على أن المجازاة هي المكافأة إن خيرا فخير وأن شرا فشر، وأما على الوجه الأول، فبناء على أن الجزاء بمعنى العقوبة.

4 هو ربيعة بن مقروم الضبي "22 جـ1 الحماسة". وراجع البيت في الصناعتين ص366.

نزال اسم فعل بمعنى انزل بريد النزول إلى الحرب.

5 الظعينة: المرأة في الهودج. ما نافية والمعنى: ليس الواجد لك عادم القمر لأنك تقومين مقامه.

ج / 3 ص -207- وقوله أيضا:

تمسي الأماني صرعي دون مبلغه فما يقول لشيء ليت ذلك لي1

وقول ابن نباتة السعدي:

لم يبق جودك لي شيئا أؤمله تركتني أصحب الدنيا بلا أملِ

قيل: نظر فيه إلى قول أبي الطيب وقد أربى عليه في المدح والأدب مع الممدوح؛ حيث لم يجعله في حيز من تمنى شيئا.

ب- وضرب يخرج مخرج المثل2، كقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

وقول الذبياني:

ولست مبستبق أخا لا تلمه على شعث، أي الرجال المهذب3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المعنى أن الأماني لا تصل إلى مدى غاياته وآماله فهو لا يتمنى أمنية؛ لأنه يدرك أكثر ما يتمناه أمثاله فلا تجده يتمنى شيئا يناله.

2 بأن يقصد بالجملة الثانية حكم كلي منفصل عما قبلها جارٍ مجرى الأمثال في الاستقلال وفشو الاستعمال أي استعمال اللفظ الدال على كل منهما. وفي ابن يعقوب: فشو الاستعمال لا دليل على اشتراطه فيه فالأولى حذف.

3 لا تلمه أي لا تضمه أو لا تصلحه، حال مما قبله -أخًا- لعمومه لوقوعه في حيز النفي، أو حال من ضمير المخاطب في "لست". الشعث: انتشار الرأس وتغيره وكثرة وسخه والمراد به هو الأدران المعنوية كالتفريق وذميم الخصال والاستفهام في شطره الثاني للإنكار.

والبيت في: 56 صناعتين، 14 حسن التوسل إلى صناعة الترسل للحلبي.

ج / 3 ص -208- وقول الحطيئة:

تزور فتى يعطي على الحمد ماله ومن يعطَ أثمان المكارم يحمدِ1

وقد اجتمع الضربان في قوله2: تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ} فإن قوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} من الأول3 وما بعده من الثاني، وكل منهما تذييل على ما قبله.

وهو4 أيضا:

إما لتأكيد منطوق كلام كقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ} الآية5 وإما لتأكيد مفهومه6 كبيت النابغة، فإن صدره دل بمفهومه على نفي الكامل من الرجال فحقق ذلك وقرره بعجزه.

6- التكميل7:

وأمابالتكميل -ويسمى الاحتراس أيضا8- وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه9.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع البيت في 50/ 4 زهر الآداب.

2 راجع 365 صناعتين.

3 لارتباطه بما قبله بالفاء الدالة على الترتيب.

4 أي التذييل مطلقا سواء كان من الضرب الأول أو الثاني.

5 فإن زهوق الباطل في قوله: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} منطوق به في قوله: {وَزَهَقَ الْبَاطِل}، والمراد بالمنطوق هنا المعنى الذي نطق بمادته.

6 أي مفهوم الكلام "الجملة الأولى".

7 راجع 380 صناعتين.

8 جعله العسكري ضربان من ضروب الاستثناء "397 صناعتين".

وسمي الاحتراس؛ لأن فيه التوقي والاحتراز عن توهم خلاف المقصود.

9 والتذييل وإن كان فيه أيضًا دفع التوهم؛ لأنه للتأكيد إلا أنه =

ج / 3 ص -209- وهو ضربان:

ضرب يتوسط الكلام، كقول طرفة:

فسقى ديارك -غير مفسدها- صوب الربيع وديمة1 تهمي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= مختص بالجملة وبالآخر ولدفع التوهم في النسبة والتكميل لا يختص بشيء من ذلك. وسيأتي أنه يجامع الاعتراض فيكون في الإثناء.

وقوله: بما يدفعه أي يدفع إيهام خلاف المقصود سواء كان ذلك القول مفردا أو جملة، كان للجملة محل من الإعراب أم لا. وذلك الدافع قد يكون في وسط الكلام، وقد يكون في آخره وقد يكون في أوله، وفي كل هو أما جملة أو مفرد، فبينه وبين الإيغال عموم وخصوص وجهي، لاجتماعهما فيما يكون في الأخر لدفع إيهام خلاف المقصود وانفراد الإيغال فيما ليس فيه دفع الإيهام مثل: "علم على رأسه نار" وانفراد التكميل بما في الوسط مثل "غير مفسدها" وبينه وبين التذييل عموم وخصوص وجهي إن صح أن التأكيد الكائل بالتذليل قد يدفع إيهام خلاف المقصود، وذلك لانفراد التكميل بما يكون بعد جملة، وانفراد التذييل بما يكون لمجرد التأكيد الخالي عن دفع الإيهام، وأما إن كان التأكيد الكائن بالتذييل لا يجامع دفع الإيهام فهما متباينان، والحق أن التذييل لا يستلزم التكميل بل هو أعم من التذييل مطلقا وبينه وبين التكرير والإيضاح المباينة كمباينة الإيغال والتذييل لهما.

1 هو من قصيدة يمدح بها قتادة الحنفي. وراجع الكلام على البيت في 397 و381 صناعتين، 162 جـ1 البيان، 302 وساطة، 31 الموازنة.

تهمي: تسيل. صوب الربيع: مطره غير مفسدها نصب على الحال من فاعل سقي. الديمة: المطر المسترسل.

لما كان نزول المطر قد يؤول إلى خراب الديار وفسادها أتي بقوله: "غير مفسدها" نفعا لذلك.

والاحتراس هنا في وسط الكلام بين الفعل وفاعله وقوله: "ديارك" بفتح الكاف لأنه يخاطب به ممدوحه.

وقد عيب قول الشاعر:

ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر

لأن نزول المطر باستمرار قد يؤدي إلى خراب الديار

وقيل: لا عيب فيه لأن الدعاء قرينة على أن المراد ما لا يضر وللشاعر أن يكتفي بذلك فلا يحترس فيه.

ج / 3 ص -210- وقول الآخر1:

لو أن عزة خاصمت شمس الضحى في الحسن عند موفق لقضى لها

إذ التقدير عند حاكم موفق، فقوله: "موفق" تكميل، وقول ابن المعتز:

صببنا عليها ظالمين سياطنا فطارت بها أيدٍ سراع وأرجلُ2

وضرب يقع في آخر الكلام، كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين}3 فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين لتوهم أن ذلتهم لضعفهم فلما قيل: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} علم أنها منهم تواضع لهم، ولهذا عدي الذل بعلي بتضمينه معنى العطف، كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع، ويجوز أن تكون التعدية بعلي لأن المعنى أنهم مع شرفهم وعلو طبقاتهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو كثير عزة، وقضى لها: حكم لها على الشمس.

2 والضمير في عليها للإبل وفي "بها" للسياط. قوله: "ظالمين" تكميل؛ لأن ضربها إنما يكون غالبا من تثاقل في السير فدفعه بذلك.

قال الحصري: في قول زهير:

سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم فلم يفعلوا، ولك يليموا، ولم يألوا

قال بعض أهل المعاني: أعجب بقوله: "ولم يألوا" لأنه لما ذكر السعي بعدهم والنخاف عن بلوغ مساعيهم جاز أن يتهم السامع أن لك لتقصير الطالبين في طلبهم فأخبر أنهم لم يألوا وأنهم كانوا غير مقصرين وأنهم مع الاجتهاد في المتأخرين إلخ 88/ 1 زهر الآداب.

3 قوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} إطناب حيث دفع توهم غيره، وإن كان له معنى مستقل في نفسه؛ لأنه لا يشترط في الإطناب أن لا يكون فيه معنى مستقل بل يجوز وجود الإطناب إذا استقل لفظه بإفادة المعنى وكان في إفادته دقة مناسبة لا يراعيها إلا البلغاء.

فلما كان يتوهم في ذلتهم على المؤمنين؛ لضعف فيهم دفعة بقوله: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين} تنبيها على أن ذلك تواضع منهم للمؤمنين.

ج / 3 ص -211- وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم1 ومنه قول ابن الرومي2 فيما كتب به إلى صديق له: أني وليك الذي لا يزال تنقاد إليك مودته، من غير طمع ولا جزع، وإن كنت لذي الرغبة مطلبا ولذي الرهبة مهربا، وكذا قول الحماسي3:

رهنت يدي بالعجز عن شكر بره وما فوق شكري للشكور مزيدُ

وكذا قول كعب بن سعد الغنوي4:

حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدو مهيبُ

فإنه لو اقتصر على وصفه بالحلم لأوهم أن حمله عن عجز فلم يكن صفة مدح فقال: إذا ما الحلم زين أهله، فأزال هذا الوهم وأما بقية البيت فتأكيد للازم ما يفهم من قوله: إذا ما الحلم زين أهله من كونه غير حليم حين لا يكون الحلم زينا لأهله فإن من يكون حليما حين لا يحسن الحلم لأهله لا يكون مهيبا في عين العدو لا محالة فعلم أن بقية البيت ليست تكميلا كما زعم بعض5 الناس، ومنه قول الحماسي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فعلي الأول التوسع بتضمين الذل معنى العطف، "وعلى" باقية على معناها.

وعلى الثاني "الذل" على معناه والتجوز في استعمال "على" موضع اللام للإشارة إلى أنهم في رفعة واستعلاء على غيرهم من المؤمنين وأن تذللهم تواضعٌ منهم لا عجز.

2 راجع 204 جـ4 زهر الآداب.

3 راجع 257/ 2 حماسة، وهي غير منسوبة لقائلها، وراجع البيت أيضا في 39 جـ2 زهر الآداب.

4 يرثي أخاه أبا المغوار، راجع 88/ 3 البيان والتبيين، 270/ 2 الأمالى.

5 فهي عند المصنف تذييل لتأكيد المفهوم. وفيه نظر لأنا لا نسلم أن من لا يكون حليما حين لا يحسن الحلم يكون مهيبا في عين العدو لجواز أن يكون غضبه مما لا يهاب ويعبأ به، والذي يفهم هنا أن معنى البيت ألطف مما يشعر به كلام المصنف وأن المصراع الثاني تكميل وذلك لأن كونه حليما في حال يحسن فيه الحلم يوهم أنه في تلك الحالة ليس مهيبا لما به من البشاشة وطلاقة الوجه وعدم آثار الغضب والمهابة فنفى ذلك الوهم بالشطر الثاني.

ج / 3 ص -212- وما مات منا سيد في فراشه ولا طلَّ منا حيث كان قتيل1

فإنه لو اقتصر على وصف قومه بشمول القتل إياهم لأوهم أن ذلك لضعفهم وقلتهم، فأزال هذا الوهم بوصفهم بالانتصار من قاتلهم وكذا قول أبي الطيب:

أشد من الرياح الهوج بطشا وأسرع في الندى منها هبوبا

فإنه لو اقتصر على وصفه بشدة البطش لأوهم ذلك أنه عنف كله ولا لطف عنده، فأزال هذا الوهم بوصفه بالسماحة، ولم يتجاوز في ذلك كله صفة الريح التي شبه بها، وقال: إنه أسرع في الندى منها هبوبا كأنه من قول ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان كأنه كالريح المرسلة".

"التتميم"3:

وإما بالتميم وهو أن يؤتى في كلام3 لا يوهم خلاف المقصود4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 البيت للسموأل "38 جـ1 الحماسة شرح الرافعي".

طل: أهدر دمه.

2 راجع 371 و380 صناعتين.

3 سواء كان في وسطه أو آخره.

4 هذا مخرج لتتميم ذكره في كلام يوهم خلاف المقصود؛ لأن النكتة في التتميم غير دفع خلاف المقصود لا بأنه لا يكون في كلام يوهم خلاف المقصود إذ لا مانع من اجتماع التتميم والتكميل.

ج / 3 ص -213- بفضله1 تفيد نكتة، كالمبالغة في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه}، أي مع حبه والضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه2، ونحوه: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّه}، وكذا: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون3}، وعن الفضل بن عياض: "على حب الله"، فلا يكون مما نحن فيه4، وفي قول الشاعر:

إني على ما ترين من كبري أعرف من أين تؤكل الكتفُ5

وفي قول زهير:

من يلق يوما على علاته هرمًا يلق السماحة منه والندى خلقا6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ولو كان معنى الكلام لا يتم إلا بها والفضلة مثل مفعول أو حال أو نحو ذلك كالتمييز والمجرور مما ليس بجملة مستقل ولا ركن كلام بأن كان مفردا أو جملة غير مستقلة.

وكلام المصنف يدفع أن يكون المراد بالفضلة هنا ما يتم أصل المعنى بدونه "والقائلون بذلك يقولون به لأجل دخول الجملة الزائدة على أصل المراد" إذ لا تخصيص لذلك بالتتميم، حيث ذكر المصنف: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} الآية مثالا ولا شك أن مما تحبون ليس فضلة بهذا المعنى فلا يكون تتميمًا؛ لأن الإنفاق مما يحبون لا يتم أصل المعنى بدونه وكون الشيء مقصودا في الكلام لا يتم المراد إلا به لا ينافي كونه إطنابا.

والتتميم مباين للتكميل؛ لأن شرطه أن يكون الكلام معه غير موهم خلاف المراد بخلاف لتكميل.

2 وإن جعل الضمير لله تعالى أي: على حب الله أي لأجله فهو لتأدية أصل المراد فيكون غير تتميم؛ لأنه يكون مساواة لا إطنابًا.

3 لأن أصل المعنى يتم بقوله: {حَتَّى تُنْفِقُوا} أي يقع إنفاق.

4 لأنه على هذا يدخل في تأدية أصل المراد.

5 الكتف تؤكل من أسفلها، وهو تكميل للأول يريد أن عجزه عن ذلك ليس لتقصير منه.

6 العلات جمع علة وهي ما يتعلل به، وأصله من عل إذا شرب مرة بعد مرة.

والشاهد قوله: "على علاته" فهي تتميم.

ومثله قول زهير:

"ولكن الجواد على علاته هرم".

ج / 3 ص -214- 8- الاعتراض1:

وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين معنى2 بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب3 لنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل4:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وراجع الكلام على البيت في 438 صناعتين 128 و130/ 3 زهر الآداب وص61 البديع لابن المعتز، شرح محمد عبد المنعم الخفاجي، 94 جـ1 الكامل للمبرد و215 طراز المجالس للشهب الخفاجي، 146 جـ1 العقد.

ملاحظة:

التتميم كما ذكرنا مباين للتكميل، وهو مباين أيضا للتذليل أن شرطنا في الجملة أن لا يكون لها محل من الإعراب؛ لأن الفضلة لا بد أن يكون لها محل من الإعراب وإن لم نشترط ذلك كان بينه وبين التذييل عموم وخصوص وجهي لاجتماعهما في الجملة التي لا محل لها، وانفراد التتميم بغير الجملة، وانفراد التذييل بالتي لا محل لها وبينه وبين الإيغال عموم وخصوص وجهي يجتمعان في فضله لم تدفع إيهام خلاف المقصود وينفرد الإيغال بالجملة التي لا محل لها وما فيه دفع إيهام خلاف المقصود وينفرد التتميم بما يكون في أثناء الكلام مما ليس يختم شعر ولا يختم كلام.

ثم التتميم قسمان: تتميم المعاني وهو ما ذكر، وتتميم اللفظ ويسمى حشوا وهو ما يقوم على الوزن ولا يحتاج إليه المعنى مثل: "وخفوق قلب البيت".

1 راجع 180 المفتاح، 385 صناعتين، 52 شرح لامية العجم.

2 يخرج الإيغال لأنه آخر.

3 خرج التتميم لأن له محلا من الإعراب.

هذا ولم يرد بالكلام مجموع المسند إليه والمسند فقط، بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع المفردة ولو تأويلا.

هذا والمراد باتصال الكلامين أن يكون الثاني بيانا للأول، أو تأكيدا أو بدلا منه أو معطوفا عليه.

4 خرج التكميل، هذا وشمل الكلام بعض صور التذليل وهو ما إذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على ما قبلها وكانت النكتة التأكيد لأن سوى دفع الإيهام شامل للتأكيد.

ج / 3 ص -215- كالتنزيه والتعظيم في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ1 وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}.

والدعاء في قول أبي الطيب:

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب يرى كل ما فيها -وحاشاك- فانيا

فإن قوله: "وحاشاك" دعاء حسن في موضعه، ونحوه قول عوف بن محلم الشيباني:

إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان2

والتنبيه في قول الشاعر3:

واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 قوله: {سُبْحَانَهُ} جملة؛ لأنه مصدر بتقدير الفعل، وقعت في أثناء الكلام لأن قوله: {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} عطف على قوله: {لِلَّهِ الْبَنَاتِ} من قبيل عطف المفردات، وجعل: {وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} حالا لا يفيد التشنيع عليهم المستفاد من العطف المؤكد بالتنزيه.

2 الترجمان: الذي يفسر لغة بلغة أخرى، والمراد به مطلق المفسر والمكرر. والبيت من قصيدة في 17 جـ1 مقدمة البيان والتبيين وراجعه في 380 صناعتين، 203 رسالة الغفران، ونسبه العسكري لجرير "ص49 صناعتين".

والشاهد فيه قوله: "بلغتها" فهي جملة اعتراضية في أثناء الكلام لقصد الدعاء للمخاطب والواو في مثله تسمى اعتراضية ليست بعاطفة ولا حالية، هذا والواو الحالية ما قصد بالكلام الواقعة فيه كون الجملة بعدها قيد للعامل، والاعتراضية ما لم يقصد فيها ذلك.

3 أي تنبيه المخاطب على أمر يؤكد الإقبال على ما أمر به.

4 البيت أنشده أبو على الفارسي ولم ينسبه لأحد وقوله: "فعلم المرء ينفعه" جملة اعتراضية للتنبيه وقعت بين "اعلم" ومفعولية والفاء اعتراضية فيها شائبة من السببية، وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف. هذا والاعتراض يكون مع الواو ومع الفاء وبدونهما.

ج / 3 ص -216- وتخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما، كقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}1.

والمطابقة مع الاستعطاف في قول أبي الطيب:

وحقوق قلب لو رأيت لهيبه يا جنتي لرأيت فيه جهنما2

والتنبيه: على سبب أمر فيه غرابة، كما في قول الآخر3:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي} تفسير لـ: {وَصَّيْنَا} وقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} اعتراض بينهما إيجابا للتوصية بالوالدة.

2 فقوله: "يا جنتي" اعترض للمطابقة -مع جهنم- والاستعطاف.

3 هو الرماح بن ميادة 385 صناعتين. والبيت في 3 جـ3 شرح الدسوقي والشاهد فيه قوله: "وفي اليأس راحة" فهو اعتراض.

هجر الحبيب كونه مطلوبا للمحب أمر غريب، فبين سببه بأن في اليأس راحة.

هذا والاعتراض يباين التتميم؛ لأنه إنما يكون بفضلة والفضلة لا بد لها من إعراب والاعتراض إنما يكون بجملة لا محل لها. ويباين التكميل لأنه يقع لدفع إيهام خلاف المقصود بخلاف الاعتراض فإنما يكون لغير ذلك الدفع ويباين الإيغال لأنه لا يكون إلا في آخر الكلام والاعتراض يكون في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين. لكنه يشمل بعض صور التذييل وهو ما يكون بجملة لا محل لها وقت بين جملتين متصلتين معنى لأنه كما لم يشترط في التذييل أن يكون بين كلامين لم يشترط فيه أن لا يكون بين كلامين والنكتة وإن كانت في الاعتراض غير دفع الإيهام وفي التذييل التأكيد إلا أن التأكيد أعم من دفع الإيهام؛ لحصوله مع غيره فلا يلزم من نفي دفع الإيهام نفي التأكيد مطلقا وكفى هذا في صحة أهمية الاعتراض، فبينهما عموم وخصوص وجهي، أيجتمعان في هذه الصورة وينفرد التذييل فيها لا يكون بين كلامين متصلين والاعتراض فيما لا يكون للتأكيد، والنسبة بين الاعتراض وكل من الإيضاح والتكرير هي العموم والخصوص الوجهي يجتمع الاعتراض والإيضاح في الجملة التي لا محل لها الواقعة في الأثناء وينفرد الإيضاح فيما يكون بغير الجملة لو التي لها محل أو التي لا محل لها ولكنها في الآخر، وينفرد الاعتراض فيما يكون لغير باب الإيضاح، ويجتمع الاعتراض مع التكرير في الجملة التي لا محل لها الواقعة في الأثناء للتقرير وينبغي الاعتراض في الجملة المذكورة إذا كانت لغير توكيد وينفرد التكرير فيما يكون في الأثناء.

ج / 3 ص -217- فلا هجره يبدو وفي اليأس راحة ولا وصله يبدو لنا فنكارمه

فإن قوله: "فلا هجره يبدو" يشعر بأن هجر الحبيب أحد مطلوبيه وغريب أن يكون هجر الحبيب مطلوبًا للمحب، فقال: وفي اليأس راحة، لينبه على سببه، وقوله تعالى: {لَوْ تَعْلَمُونَ} في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم}، اعتراض؛ لأنه اعترض به بين الموصوف والصفة، واعترض بقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}، بين القسم والمقسم عليه. ومما جاء بين كلامين متصلين1 معنى قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُم}2، فإن قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} بيان لقوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يعني أن المأتي الذي أمركم به هو مكان الحرث، دلالة على أن الغرض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يكون بغير الجملة لو التي لها محل أو التي لا محل لها ولكنها في الآخر، وينفرد الاعتراض فيما يكون لغير باب الإيضاح، ويجتمع الاعتراض مع التكرير في الجملة التي لا محل لها الواقعة في الأثناء للتقرير وينبغي الاعتراض في الجملة المذكورة إذا كانت لغير توكيد وينفرد التكرير فيما يكون في الأثناء.

1 أي ومن الاعتراض الذي وقع بين كلامين متصلين وهو أكثر من جملة أيضًا أي أن الكلام الذي وقع الاعتراض بينه أكثر من جملة.

2 قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين}، اعتراض وهو أكثر من جملة؛ لأنه كلام يشتمل على جملتين.

بناء على أن الجملة ما اشتمل على المسند والمسند إليه، أما إن قلنا هي ما يستقل بالإفادة وهو الأقرب، فيكون كذلك إذا قدر عطف {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} على مجموع: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: وهو يحب المتطهرين، أما إذا قدر على هذا البناء عطفها على: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، فيكون ليس هنا فصل بأكثر من جملة واحدة.

وهذا الاعتراض واقع بين كلامين: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُم} {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} والكلامان متصلان معنى؛ لكون الجملة الثانية منهما عطف بيان للأولى فإن قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُم} بيان لحيث من قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ

ج / 3 ص -218- الأصلي في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة، فلا تأتوهم إلا من حيث يأتي فيه هذا الغرض، وهو مما جاء في أكثر من جملة أيضا. ونحوه في كونه أكثر من جملة قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مرْيَمَ}، فإن قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} ليس من قول أم مريم، وكذا قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أوتُوا نصِيبًا منَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أن جعل {مِنَ الَّذِينَ} بيانا للذين أوتوا نصيبا من الكتاب؛ لأنهم يهود ونصارى أو لأعدائكم، فإنه على الأول يكون قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} اعتراضا، وعلى الثاني يكون {وَكَفَى بِاللَّهِ} اعتراضا، ويجوز أن يكون {مِنَ الَّذِينَ} صلة، لـ: {نَصِيرًا} أن ينصركم من الذين هادوا كقوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا} وأن يكون كلاما مبتدأ على أن: {يُحَرِّفُونَ} صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون، كقوله1:

وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى ابتغي العيش أكدح

وقد علم مما ذكرنا أن الاعتراض كما يأتي بغير واو ولا فاء قد يأتي بأحدهما ووجه حسن الاعتراض على الإطلاق حسن الإفادة مع أن مجيئه مجيء ما لا معول عيه في الإفادة فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لا ترتقبها.

ومن الناس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرنا، بل يجوز أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 هو تميم ابن أبي ابن مقبل 27 ما اتفق لفظه للمبرد، 115/ 2 الكامل للمبرد، 276/ 1 الكتاب لسيبويه". أكدح: أجهد نفسي في العمل، ونقد الكلام فتارة منهما أموت.

ج / 3 ص -219- تكون دفع توهم ما يخالف المقصود1.

وهؤلاء فرقتان:

فرقة لا تشترط فيه أن يكون واقعا في أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى، بل تجوز أن يقع في آخر كلام2 أو يليه غير متصل به معنى، وبهذا يشعر كلام الزمخشري في مواضع من الكشاف فالاعتراض عند هؤلاء1 يشمل التذليل، ومن التكميل ما لا محل له من الإعراب جملة كان أو أكثر من جملة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فيجيزون في النكتة في الاعتراض أن تكون لدفع إيهام خلاف المقصود.

2 فلا يليه جملة متصلة به، وذلك بأن لا تلي الجملة التي اعترض بعدها جملة أخرى أصلا فيكون الاعتراض في آخر الكلام.

ولعل أظهر مثل إذا وقع آخرًا قول أبي العتاهية في عتبة:

وإلا ففيم تجنت وما جنيت، سقى الله أطلالها

ألا إن جارية للإمام قد أمكن الحب سربالها

والحديث: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر".

1 فالاعتراض عند هؤلاء هو أن يؤتى في أثناء الكلام أو في آخره أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة.

2 كقول السموأل:

وما مات منا سيد في فراشه ولا طل منا حيث كان قتيل

فإن المصراع الثاني تكميل وكلامه ههنا دال على أن الجملة في التذييل يجب أن لا يكون لها محل من الإعراب وهذا مما لم يشعر به تفسيره.

اللهم إلا أن يقال: إنه اعتمد في الاشتراط على الأمثلة.

والاعتراض بهذا التفسير يباين التتميم لأن التتميم إنما يكون بفضلة والفضلة لا بد لها من الإعراب أما الاعتراض فإنما يكون بجملة لا محل لها.

أما التذييل فيشمله الاعتراض على هذا التفسير الصادق على ما لا محل له من الجمل المؤكدة لما قبلها سواء كانت في آخر الكلام وفي وسطه، وذلك لأنه يجب أن يكون التذييل -كالاعتراض- بجملة لا محل لها من الإعراب وإن لم يذكره المصنف في تفسير التذييل فيكون التذييل على هذا تعقيب جملة بأخرى لا محل لها تشتمل على معناها للتأكيد كانت تلك =

ج / 3 ص -220- وفرقة1 تشترط فيه ذلك2 لكن لا تشترط أن يكون جملة أو أكثر من جملة3. فالاعتراض عند هؤلاء يشمل من التتميم ما كان واقعا في أحد الموقعين4، ومن التكميل ما كان واقعا في أحدهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= الجملة في الآخر أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين، ولا شك أن الاعتراض على هذا القول صادق عليه إذ لا يخرج منه ما يكون في آخر الكلام من التذييل بخلافه على القول السابق في الاعتراض ويزيد الاعتراض -على هذا القول- عن التذييل، بما ليس للتأكيد، فهو أعم منه عموما مطلقا، فيجتمعان فيما إذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على معنى ما قبلها وكانت النكتة للتأكيد وينفرد الاعتراض فيما إذا كانت النكتة غير التأكيد.

هذا وقول المصنف: "ومن التكميل ما لا محل له من الإعراب" يعني أن الاعتراض بهذا التفسير يشمل بعض صور التكميل وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب لدفع الإيهام سواء كانت تلك الجملة آخرا أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين، فإن التكميل قد يكون بجملة وقد يكون بغير الجملة بأن يكون بمفرد "وهذا لا يكون اعتراضا"، والجملة التكميلية قد تكون ذات إعراب فلا تدخل في الاعتراض، وقد لا تكون فلا تدخل، وعلي هذا فبين التكميل والاعتراض عموم وخصوص وجهي يجتمع أن فيما يكون بجمل لا محل لها؛ لدفع الإيهام إذ لا يشترط في الاعتراض على هذا القول أن يكون لنكته غير دفع للإيهام، وينفرد الاعتراض بما يكن من الجمل لغير دفع الإيهام، وينفرد التكميل بغير الجملة وبالجملة التي لا محل لها وعلى القول السابق بين التكميل والاعتراض الباين كما تقوم.

1 أي من القائلين أيضا بأن النكتة في الاعتراض قد تكون لدفع إيهام خلاف المقصود.

2 أي أن يكون واقعا في أثناء كلام أو بين كلامين متصلين معنى.

3 فيجيزون كونه غير جملة يعني من غير تجويز كونه آخرا فالاعتراض عندهم أن يؤتى في أثناء الكلام إذ لا يكون في الآخر على هذا القول كالأول بخلافه على الثاني، أو بين كلامين متصلين معنى فلا يقع بين كلامين لا اتصال بينهما كالقول الأول بخلافه على الثاني -جملة أو غيرها- بخلافه على القولين الأولين، فإنه عليهما لا يكون بمفرد فلم يخالفوا الجمهور إلا في التعميم في النكتة وفي كون الاعتراض جملة لا محل لها أو غيرها بأن يكون: جملة لا محل لها من الإعراب أو مفردا.

4 وهو ما كان بغير جملة في أثناء الكلام.

ج / 3 ص -221- ولا محل لها من الأعراب جملة كان أو أقل من جملة أو أكثر1.

9- "مواضع أخرى للإطناب غير ماسبق":

وأما بغير ذلك، كقولهم: "رأيته بعين"، ومنه قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ ما ليس لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي هذا الإفك ليس إلا قولا يجرى على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم في القلب كما هو شأن المعلوم إذا ترجم عنه اللسان، وكذا قوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة} لإزالة توهم الإباحة كما في نحو قولنا: جالس الحسن أو ابن سيرين2، ويعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم وفي أمثال العرب: علمان خير من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 فيدخل فيه إذًا بعض صور التكميل، وهو ما يكون واقعا في أثناء الكلام مفردا أو جملة أو بين كلامين متصلين، فيكون بينه وبين التتميم عموم وخصوص وجهي يجتمعان في هذه الصورة المشمولة للاعتراض، وينفرد عن التتميم بما يكون غير فضلة، وينفرد التتميم عنه بما يكون آخرا.

والاعتراض على القولين السابقين مباين للتتميم، وكذلك بين الاعتراض بهذا المعنى والتكميل عموم وخصوص وجهي: يجتمعان فيما ذُكر، وينفرد الاعتراض بما يكون لغير دفع الإيهام وهو غير فضلة، وينفرد التكميل بما يكون آخرا، وهو جملة لدفع الإيهام.

هذا والنسبة بين الاعتراض على هذا القول وبين الإيغال التباين؛ لأنه اشترط في الاعتراض أن يكون في الأثناء وفي الإيغال أن يكون في الآخر، وبينه وبين التذييل عموم وخصوص وجهي، يجتمعان فيما يكون في الآخر، وبينه وبين التذييل عموم وخصوص وجهي، يجتمعان فيما يكون في الأثناء وهو جملة لا محل لها على تفسير التذييل بذلك أو مطلقا أن لم يفسر بذلك كما هو ظاهر تفسير المصنف سابقان وينفرد الاعتراض بما يكون لغير التوكيد أو فضلة، وينفرد التذييل بما يكون آخرا. وكذلك النسبة بينه وبين كل من الإيضاح والتكرير. أما ذكر الخاص بعد العام فمباين لغير التتميم والإيغال والاعتراض ويجامع هذه الثلاثة في بعض الصور.

2 فيه نظر؛ لأنه حينئذ يكون من باب التكميل، أعني الإتيان بما يدفع خلاف المقصود.

ج / 3 ص -222- علم، وكذا قوله: {كَامِلَةٌ} تأكيدا آخر، وقيل: أريدَ بالتأكيد الكيفية لا الكمية حتى لو وقع صوم العشرة على غير الوجه المذكور لم تكن كاملة، وكذا قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}1، فإنه لو لم يقصد الإطناب لم يذكر: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} لأن إيمانهم ليس مما ينكره أحد من مثبتيهم، وحسن ذكره2 إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه، وكذا قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فإنه لو اختصر لترك قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} لأن مساق الآية لتكذيبهم في دعوى الإخلاص في الشهادة كما مر وحسنه دفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر3، ونحوه قول البلغاء: "لا، وأصلحك الله"، وكذا قوله تعالى4: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}، وحسنه أنه عليه السلام فهم أن السؤال يعقبه أمر عظيم يحدثه الله تعالى في العصا، فينبغي أن يتنبه لصفاتها حتى يظهر له التفاوت بين الحالين، وكذا قوله: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِين}، وحسنه إظهار الابتهاج بعبادتها والافتخار بمواظبتها؛ ليزداد غيظ السائل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع الآية والكلام عليها في المفتاح ص122.

2 أي ذكر: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}.

هذا وكون هذا الإطناب بغير ما ذكر من الوجه السابقة ظاهر بالتأمل فيها: وقد يقال: إنها للاعتراض والواو اعتراضية، والجواب أن المتبادر كونها للعطف.

3 وفيه نظر لأنها أيضا من قبل التكميل أو الاعتراض عند من يجوز كون النكتة فيه دفع الإيهام.

4 ص122 مفتاح.

ج / 3 ص -223- معنى آخر للإيجاز والإطناب1:

وأعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساوٍ له في أصل المعنى، كالشطر الأول من قول أبي تمام:

يصد عن الدنيا إذا عنَّ سؤدد ولو برزت في زي عذراء ناهد2

وقول الآخر2:

ولست بنظار إلى جانب الغنى إذا كانت العلياء في جانب الفقرِ

ومنه قول الشماخ:

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمينِ

وقول بشر بن أبي خازم:

إذا ما المكرمات رفعن يوما وقصر مبتغوها عن مداها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 راجع 129 مفتاح.

2 يصد: يعرض، العذراء: البكر. الناهد: بارزة الثدي.

3 أبو سعيد المخزومي الشاعر "260 معجم الشعراء للمرزباني" وينسب أيضا إلى المعذل بن غيلان "309 المثل السائر، 231 الأدب العباسي لمحمود مصطفي" وقال الجاحظ عن أحمد بن المعذل: أنشدني أعرابي من طيئ:

ولست بميال إلى جانب الغنى إذا كانت العلياء في جانب الفقر

وأني لصبار على ما ينوبني وحسبك أن الله أثنى على الصبر

"218 جـ2 البيان".

فالبيت: "وليست بنظار" إلخ إطناب بالنسب إلى الشطر الأول من بيت أبي تمام وهذا الشطر إيجاز بالنسبة للبيت وإن كان يمكن أن يدعى أن كلا منهما مساواة باعتبار ما جرى في المتعارف من مثل العبارتين.

ج / 3 ص -224- وضاقت أذرع المثرين عنها سما أوس إليها فاحتواها1

ويقرب من هذا الباب قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}.

وقول الحماسي:

وننكر أن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول3

وكذا ما ورد في الحديث: "الحزم سوء الظن"، وقول العرب: الثقة بكل أحد عجز4 والله تعالى أعلم.

تم الفن الأول وهو علم المعاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 مبتغوها: طالبوها، مداها: غايتها. المثرين: أرباب الغنى والثروة، فبيت الشماح إيجاز بالنسبة لبيتي بشر، وبيتا بشر بالنسبة لبيت الشماخ إطناب، وراجع بين الشماخ والكلام عليه في الكامل للمبرد 62 و63 جـ1.

2 يصف رياستهم ونفاذ حكمهم أي نحن نغير ما نريد من قول غيرنا وليس أحد يجرؤ على الاعتراض علينا والبيت للسموأل "39/ 1 شرح الحماسة.

فالآية إيجاز بالنسبة إلى البيت، وإنما قال: "يقرب" لأن ما في الآية يشمل كل فعل والبيت مختص بالقول فالكلامان لا يتساويان في أصل المعنى بل كلام الله عز وجل أبلغ وأعلى؛ لأن الآية الموجودة فيها نفي السؤال وفي البيت نفي الإنكار ونفي السؤال أبلغ لأنه إذا كان لا ينكر ولو بلفظ السؤال فكيف ينكر جهارا بخلاف الإنكار فقد يكون هو المستعظم المتروك دون الإنكار بصورة السؤال، وما في الآية حق وصدق دون ما في البيت.

4 فالآية إيجاز بالنسبة لقول العرب، هذا وقد قال ابن السبكي أن هذا المعنى للإيجاز والإطناب يستغنى عن ذكره، لقول السكاكي فيما تقدم إن الاختصار قد يكون باعتبار أن الكلام خليق بأبسط منه.

الإيضاح في علوم البلاغة

ج / 3 ص -225- ملحق للجزء الثالث:

أهم كتب البلاغة في مختلف العصور:

مجاز القرآن لأبي عبيدة م208هـ.

صنعة البلاغة للسيرافي م 368هـ.

البديع لابن المعتز م 296هـ.

أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لعبد القاهر م 471هـ.

سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي 466هـ.

العمدة لابن رشيق م 460.

الصناعتين للعسكري م 395.

المفصل في البيان والفصاحة للمزرباني م 278هـ.

البديع لابن منقذ م 584هـ.

نهاية الإيجاز للرازي م 606هـ.

المفتاح للسكاكي م 626هـ1.

قوانين البلاغة لعبد اللطيف البغدادي م 629هـ.

المثل السائر لابن الأثير م 637هـ2.

التبيان لابن الزملكاني م 651هـ.

المعيار للزنجاني م 654هـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 شرحه: الشيرازي م 710هـ، والخلخالي م 745هـ، والسعد م 792هـ، والسيد م 816هـ، وابن كمال باشا م 940هـ.

وعلي شرح السيد حواش: للبسطامي م 871هـ، ولمولي اللطفي م 900هـ، ولحميد الدين م 908هـ، ولأسعد الناجي م 922هـ، ولمحيي الدين الفنري م 954هـ، ولشهاب الدين الخفاجي م 1069هـ.

2 شرحه عز الدين أبي الحديد م 655هـ "الفلك الدائر على المثل السائر".

م 15- الإيضاح جـ3".

ج / 3 ص -226- المصباح لبدر الدين ابن ابن مالك م 8686هـ1.

الأقصى القريب للتنوخي 698هـ.

بديع القرآن لابن أبي الأصبع م 654هـ.

الإيضاح للخطيب2 القزويني م 739.

تلخيص المفتاح2 له أيضا.

الفوائد الغياثية للعضد م 756هـ، وشرحها الكرماني م 786هـ.

التبيان لشرف الدين الطيبي م 743هـ.

الطراز ليحيى بن حمزة العلوي م 749هـ.

عروس الأفراح للسبكي م 773هـ.

السمرقندية للسمرقندي وهي رسالة في الاستعارات، وتوفي السمرقندي عام 880هـ4.

المطول للسعد م 792هـ5.

عقود الجمان للسيوطي م 911هـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ولابن النحوية م 708هـ ضوء الصباح في مختصر المصباح، ولمحمد بن خضر: مصباح الزمان في شرح المصباح.

2 شرحه: الأقصرائي م 800هـ، وحيدرة م 820هـ، وشرح شواهده عالم ومن هذا الشرح نسخة خطية بمكتبة الأزهر، ثم شرح الإيضاح أستاذنا الشيخ عبد المتعالِ الصعيدي. وشرحته أنا أخيرًا في ستة أجزاء.

3 شرحه: الخلخالي م 745هـ، وناظر الجيش م 778هـ، والبابرني م 786هـ، وشمس الدين القونوي م 788هـ، والسعد 792هـ "ليسن الحمصي م 961هـ، ولابن يعقوب م 1108هـ، وللدسوقي م1230هـ شروح عليه"، وجلال الدين التيزيتي م 793هـ، والسيد عبد الله م 800هـ، وعصام الدين م 951هـ.

ولزكريا الأنصاري م 926هـ مختصر تلخيص المفتاح، وللعباسي م 963هـ شرح لشواهد التلخيص "معاهد التنصيص".

4 شرحها وحشي عليها. عصام الدين م 951هـ، والحفني م 1181هـ والملوي م 1181هـ والدمنهوري في 1192هـ والأمير 1232هـ، والخضري م 1288هـ والباجوري م 1276هـ.

5 للسيد م 816هـ، وعز الدين بن جماعة م 819هـ، والبساطي م 842هـ، والسمرقندي م 880هـ، وملاخسروم م 885هـ، والفنري م 86هـ، وعبد الحكيم السيلاكوتي م 1061هـ، وحواش عليه.

ج / 3 ص -227- الجوهر المكنون لعبد الرحمن الأخضري م 950هـ1، وقد شرحه الشيخ أحمد الدمنهوري م 1192هـ.

الأعواز في علاقات المجاز للسجاعي م 1197هـ.

تحفة الإخوان في علم البيان لدردير م 1201هـ.

الرسالة البيانية للصبان م 1026هـ وله حاشية على السعد.

التجريد للبناني م 1211هـ.

حسن الصنيع للشيخ البسيوني م 1313هـ.

زهر الربيع للحملاني م 1352هـ.

البلاغة الواضحة للمرحوم الجارم بك م 8 فبراير سنة 1949.

هذا وأهم الشروح على متن التلخيص للخطيب القزويني المطول ومختصره السعد والأطول للعصام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 شرحه ابن يعقوب م 1108هـ.

ج / 3 ص -228- الموازنة للأمدي والبلاغة العربية:

أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي البصري المتوفي عام 371هـ من أعلام الأدب والنقد والبيان في القرن الرابع.

وكتابه الموازنة سجل حافل لشتى مناهج النقد، ومذاهب النقد في تحليل شاعرية أبي تمام والبحتري وإن كان الآمدي ينصر البحتري في مواقف كثيرة.

والصلة بين الآمدي والقاضي أبي الحسن الجرجاني صاحب الوساطة م 392هـ كبيرة، اتفقا في كثير من الآراء في النقد والأدب والبيان، وكثيرا ما نرى أسلوبهما في شرح الأبيات واحدًا، أو متقاربا. على أن اتجاه الرجلين في النقد واحد أيضا، فاتجاه الجرجاني في نقد شعر المتنبي هو اتجاه الآمدي في نقد شعر الطائيين فهو يحصى ما أخذ على المتنبي من سرقات، وما أخذ عليه من أخطاء ترجع إلى التكلف والتعقيد، أو إلى الإفراط والمبالغة، أو إلى بعد الاستعارة وعدم وضوحها، أو غموض المعنى والتعثر في أدائه، أو إلى اللحن في الأداء والخطأ في التركيب، وهذا هو الاتجاه الذي اتجهه الآمدي في موازنته مع فوارق ضئيلة، وهو رجوع بالنقد إلى النهج العربي والذوق الأدبي دون ما عداهما، وكل ذلك يدلنا على وجود صلة أدبية بين الرجلين رغم تباين موطنيهما "البصرة وجرجان". ومن المرجح عندي أن صاحب الوساطة قد تأثر بالموازنة دون العكس، وأن الموازنة كانت خطوة أولى في النقد الادبي كعلم، ثم تلتها الوساطة كخطوة ثانية في مضماره يرشدنا إلى ذلك دراسة فن التأليف في كلا الكتابين، فالرقي التأليفي في كتاب الوساطة المتجلي في جمال عرضها وتهذيب تأليفها وحسن أسلوبها أكبر دليل على ما أذهب إليه، ويصعب علينا أن نفسر ما بين الرجلين من تقارب كثير بأنهما عاشا في عصر واحد وتثقفا بثقافة عصرهما المتحدة؛ فإن اختلاف بيئة الرجلين وحياتهما مما لا يجعل لذلك التفسير قوته ولا وجاهته.

أثر الموازنة في كتب البيان:

وأثر الموازنة في النقد، وكيف كانت أصلا عظيما من أصول الموازنة والنقد الأدبي أثر كبير، وكذلك كان الكتاب مرجعا لعلماء البيان، ومصدرا من مصادرهم العلمية:

ج / 3 ص -229- أ- فعبد القاهر الجرجاني "م سنة 471" ينهج نهج صاحب الموازنة ويقتبس منه في الشرح الأدبي للنصوص، وينقل عنه كثيرا، ويستدل بآرائه في كتبه1، وقد ينقده أحيانا2.

ب- وابن سنان الخفاجي "م سنة 466" يأخذ عنه كثيرًا، ويشيد بعلمه ورأيه ودقة نظره وسعة علمه في مواضع كثيرة من كتابه، وقد ينقده في بعض الأحيان، وقد يرد على من نقده كالمرتضي في أحيان أخرى، وسر الفصاحة للخفاجي أكبر شاهد عند من يطالعه على مدي تأثر صاحبهابعيد بالموازنة ومؤلفها، وعلي أن الموازنة كان مصدرا لابن سنان.

جـ- وابن رشيق "م سنة 456" ينوه في عمدته بالموازنة أعظم تنويه2، وإن كان لم يتأثر به في بحوث البلاغة كثرا كما تأثر بقدامة بن جعفر وكتابه نقد الشعر.

د- أما ابن الأثير "م سنة 637" فقد نوه في أول مثله السائر بالموازنة ككتاب بيان، وبصاحبها كعالم من علماء البيان.

وعلي كل حال فأثر الموازنة في علم البيان لا يُجحد، وهو أظهر من أن يحتاج إلى دليل.

البديع والبيان عند الآمدي:

تكلم الآمدي على كثير من مباحث علم البيان وأصوله إجمالا وفرضا، وذلك حين كان يعرض لنقد بيت أو شرح معنى إلى غير ذلك، فلنعرض آراءه في البيان لنقف على قيمة الكتاب من هذه الناحية العلمية.

أ- تكلم الآمدي "في ص6، 7" على نشأة البديع وتطوره، وكيف كان يقع نادرا في الشعر العربي عن غير عمد وكيف فطن المحدثون لجماله فطلبوه وتكلفوه وكيف بالغ أبو تمام في طلبه وتكلفه.

ب- وتكلم على البلاغة وتحدث عنها وعن عناصرها في إيجاز، وأقامها على أساس الجمال اللفظي وسحر الأسلوب ورقة الطبع، وإيراد الألفاظ في مواضعها، وإيراد المعنى بالعبارة المألوفة فيه، مع السلامة من التكلف والهذر والإخلال، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له وغير منافرة لمعانيها "181 موازنة"، وجعل صحة التأليف في الشعر والنثر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 329، 349 أسرار البلاغة

2 "425، 426" دلائل الإعجاز.

3 205 جـ1 عمدة.

ج / 3 ص -230- أقوى عناصر البلاغة. واستدل على ذلك برأي الفلاسفة ورأي يزر جمهر الحكيم الفارسي في عناصر البلاغة: من صدق الكلام، ووقوعه موقع الانتفاع به، وأن يتكلم به في حينه، وأن يحسن تأليفه، وأن يستعمل منه مقدار الحاجة، ثم طبق الآمدي ذلك الرأي على الشعر "181-183 موازنة ".

جـ- كما تكلم الآمدي على سوء النظم وفساد التعقيد، وعلي المعاظلة والحوشية في أكثر من موضع "ص125 موزانة".

د - وتكلم على أسلوب القلب وحلل ما ورد منه، ورأى أن ما جاء على أسلوب القلب في القرآن صحيح لا قلب فيه وهو جارٍ على التأليف الصحيح، وعرض لما ورد منه في الشعر العربي فزعم أن بعضه لا قلب فيه، وأن الآخر قبيح في ذلك الأسلوب، ولم يجز القلب لمتأخر بحجة أن القلب إنما جاء في كلام العرب على السهو، والمتأخر وإن احتذاهم فلا ينبغي أن يهم فيما سهوا فيه، ويناقش رأي المبرد في جواز القلب للاختصار "96 و97 موازنة".

فلنقف مع الآمدي وقفة قصيرة نناقشه وننقد رأيه. لقد جعل سبب القلب هو السهو ومن ثم لم يجزه المتأخر، ونحن لا نسلم له الأمرين جميعا، فليس صحيحا أن سبب القلب هو السهو، بل إن له سببا آخر غير ما ذكره وهو المبالغة في أداء المعنى وإظهار فضل كمال الأمر فيه، فقول أبي تمام:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

مثلا، لم يكن هذا القلب فيه عن سهو ونسيان، إنما قصده أبو تمام وطلبه، والقلب في ذلك البيت هو سر روعته وجماله، وهو الذي أعطاك من المبالغة في المعنى ما لا يعطيك إياه لو جرى الكلام على سننه المألوف. وكيف أذن نمنع المتأخرين عنه والعرب قد استعملته لتؤدي به فضل المبالغة في المعنى على أكل وجه وأتمه، وإن ضل الشعراء أحيانا النهج الصحيح في القلب فأحالوا وأخطأوا.

هـ- وحلل الأسلوب الذي يقع فيه المصدر نفسه وصفا الأسماء الذوات مثل هند الحسن كله. ودعد الجمال أجمعه "76 موازنة"، وتكلم على أسلوب التشبيه البليغ عرضًا في بعض المواضع "69، 72".

و- كما بحث المجاز المرسل وذكر بعض علاقاته وأفاض في ذكر أمثلته "15، 165".

ز- وتكلم على الاستعارة حين كان بصدد بيان ما في شعر أبي تمام من قبيح الاستعارات "112-120 موازنة" فذكر قبيح استعاراته وبين سبب كثرتها في شعره بأنه احتذى القدماء فيما رآه من بعيد استعاراتهم اليسيرة حبا للإبداع "117" والإغراق، ولا شك أن هذا تعليل غريب،

ج / 3 ص -231- فنحن لا نشك أن في شعر الرجل استعارات بعيدة غريبة على الذوق العربي، ولكنا نثق أن باعثها عند أبي تمام هو أنه كان في شغل بالمعاني والإغراق في استنباطها وتدقيق النظر في أجزائها وحواشيها والإلمام بأصولها، فكان كثيرا ما تجيء من أجل ذلك في شعره استعارات بعيدة المعنى لا يستسيغها الطبع المطبوع.

ثم بين الآمدي النهج العربي في أسلوب الاستعارة وأن العرب إنما تستعير لمعنى ما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله، فتكون اللفظة المستعارة حينئذ لائقة بالشئ الذي استعيرت له وملائمة لمعناه "114 موازنة "، وهو بهذا يشرح الاستعارة ويبين الحد الفاصل بين جميلها وقبيحها، وقد ذكر الآمدي عقب ذلك نصوصا ونماذج يتجلى فيها النهج العربي في أسلوب الاستعارة شارحًا أسباب الجمال فيها بأسلوب تتجلى روحه في كتابة عبد القاهر فيها في كتابه دلائل الإعجاز.

ومن المناسب أن نبحث رأي الآمدي في الاستعارة ونعرف ما فيه من تجديد:

أهم شيء ذكره الآمدي عن الاستعارة هو أن للعرب نهجا خاصا في أسلوبها، وأنها تراعي قرب الشبه وظهور المشاكلة والمناسبة بين المستعار له ومنه، وأن على البليغ أن يحافظ على هذا النهج ولا يتعداه حتى تكون استعاراته جميلة غير قبيحة ومفهومة غير غامضة.

وأساس هذه الفكرة قديم، فقد ورد في خطابة أرسطو: "أنه ينبغي إذا أراد الخطيب أن يستعير أن يأخذ الاستعارة من جنس مناسب لذلك الجنس مُحاكٍ َله غير بعيد منه ولا خارج عنه"1، ونقل هذه الفكرة قدامة في نقد الشعر، فتكلم على حسن الاستعارة وقبيحها وسبب الحسن والقبيح بما لا يخرج عن هذا الرأي3 ثم أخذها عنه الآمدي في موازنته2 حيث جعل جمال الاستعارة بقرب معناها من الحقيقة وأن بعد الاستعارة يجعلها قبيحة، وعلي نهج الآمدي سار صاحب الوساطة، فملاك الاستعارة عنده "تقريب الشبه ومناسبة المستعار له للمستعار منه4 وإنما تحسن بأن تجيء على وجه من المناسبة وطرف من الشبه والمقاربة"5، وعلى هذا مشى ابن رشيق6، وعبد القاهر7 وابن سنان الذي أخذ الفكرة ووافق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 المقالة الرابعة من الفن الثامن - الشفاء.

2 "104-106" نقد الشعر.

3 "114".

4 "43 وساطة".

5 "324 وساطة".

6 240 جـ1 عمدة.

7 أسرار البلاغة

ج / 3 ص -232- عليها وإن كان قد ضم إليها شطرا آخر وهو ألا تكون الاستعارة مبنية على غيرها، فقد قرأ في المقالة الرابعة من الفن الثامن من كتاب الشفاء عن أرسطو ما نصه: "أما الاستعارة فيجب أن تكون غير كثيرة التداخل وهو أن "تدخل الاستعارة في الاستعارة" فضم هذا إلى الفكرة، وأوجب في الاستعارة أن تكون قريبة من الحقيقة وغير مبنية على استعارة أخرى، وبهذا يتم حسنها وإلا كانت قبيحة، فالاستعارة القبيحة عنده نوعان: استعارة بعيدة عن الحقيقة واستعارة مبنية على أخرى، ولذلك جعل ابن سنان بيت امرئ القيس: فقلت له لما تمطي بصلبه... إلخ" ليس من جيد الاستعارات بل من وسطها1 لأن الاستعارة فيه مبنية على استعارة أخرى، وهو لذلك ينقد الآمدي الذي استحسن هذه الاستعارة، وماذا على ابن سنان لو ترك هذا القيد الثاني الذي اقتبسه من سواه؟ ولكنه عرض نفسه لنقد لاذع من رجل كابن الأثير2، وإن كان ابن الأثير يخلط في رده عليه الإساءة بالإحسان، كما فعل ابن سنان حين نقد رأي الآمدي في بيت امرئ القيس.

وبعد فماذا يريد الآمدي من كلمة استعارة؟

يطلق الآمدي هذه الكلمة مريدا في بعض الأحيان مجرد معناها اللغوي، وهو مطلق النقل لا لعلاقة التشبيه3 وهو بذلك يجاري أهل اللغة فيها، ولكنه حين يذكرها في معرض الكلام العلمي يريد منها معناها الاصطلاحي الخاص المعروف4، ولكن الآمدي يجعل من الاستعارة الآية الكريمة: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب} ويقول في شرح الاستعارة فيها: لما كان الضرب بالسوط من العذاب استعير للعذاب سوط5، وذلك عند المتأخرين من المجاز المرسل.

ح- وتكلم الآمدي على الجناس وعرفه بأنه ما اشتق بعضه من بعضه، وذكر نماذج له من الشعر العربي وأن أبا تمام احتذى هذه الأمثلة فأتى بالجيد والساقط من الجناس "120-123 موازنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 "114" سر الفصاحة.

2 "149، 150" مثل سائر

3 "169 س4 و5 موازنة".

4 راجع 349 أسرار البلاغة.

5 "115 موازنة" طبع صبيح.

ج / 3 ص -233- ط- وتكلم على الطباق فذكر حقيقته وحده وبعض ما وقع لأبي تمام من جيده ورديئه، ونقد رأي قدامة في تسمية الطباق تكافؤ وفي خلطه بين الجناس والطباق "123 و124 موازنة".

ي- كما تكلم على السرقات الشعرية وأنها لا تكون إلا في المعاني الخاصية وفي البديع المخترع منها مما يظهر فيه فضل شاعر على شاعر، لا في المعاني العامية التي هي مشتركة بين الناس "149 موازنة".

هذه خلاصة لأهم آراء الآمدي في البيان، وبالإطلاع عليها نرى أن الآمدي كان له ولكتابه الأثر البليغ في البيان العربي.

ج / 3 ص -234- كلمات الاساتذة:

الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني "666-739":

كتاب الخطيب: "الإيضاح" أهم كتب البلاغة، وأحفلها بالبحوث والدارسات والآراء والمذاهب.

وهو فوق ذلك أمثل كتب البلاغة أسلوبا، وأجملها بيانا، وأوفاها بحثا، وقد جمع فيه المؤلف كثيرا من آراء ونظريات المتقدمين في البلاغة، وخاصة: عبد القاهر الجرجاني أمام البلاغة م 741هـ، والسكاكي فيلسوفها المتوفى عام 626هـ.

وكتاب الإيضاح هو الكتاب الدراسي المقرر في شتى كليات اللغة والأدب في الشرق العربي.

وقد قام الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي بعمل جليل، وهو شرح الكتاب شرحا جديدا صافيا، في ستة أجزاء كبيرة.

وقد حرص في شرحه على تلخيص آراء المتقدمين وتوضحيها ودراستها ونقدها. وأعظم عمل في هذا الكتاب فوق ذلك هو ذكر جميع المصادر والمراجع وشرح الشواهد وذكر مصادرها وموضع الشاهد فيها فوق ما فيه من تحقيقات علمية واسعة وتعليقات في غاية الأهمية لعلماء البلاغة ودارسيها

وفي آخر كل جزء من أجزاء هذا الشرح بحوث إضافية ودراسات جديدة في البلاغة ومؤلفاتها وعلمائها، مما لم يسبق إليه أحد.

عبد الله الشربيني.

الأستاذ بكلية اللغة العربية.

ج / 3 ص -235- الإيضاح في البلاغة:

أهدى إلى صفي الصبا، وصديق الشباب، وعضد الكهولة والشيخوخة أن شاء الله، فضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد المنعم خفاجي فيما أهدى إلي من كتبه النفيسة شرحه القيم للإيضاح، فوجدته كجميع كتبه صورة بينه لهذه النفس الفاصلة التي أعرف من مواهبها العلمية أو الأدبية في أكثر من عشرين عاما ما لا يعرف كثير من الناس وهي تبدو لنظارها في مظهرين: أولهما راجع إلى عبارته التأليفية، والثاني إلى مداركه العقلية والعلمية.

أما الأول فآيته هذه البساطة الآخذه بسياق لفظه، المشرقة بوضوح أسلوبه واتساق نظمه، إلى حد يقرب البعيد ويوضح الغامض ويهون المصاعب ويحل المشاكل، مما ينبئ عن ملكة مسيطرة آخذه بعنان الكلم مهيمنة على ضروب القول وجأش رابط، وجنان ثابت جريء على ما يقتحم من مفاوز وما يعالج من معضلات.

وأما الثاني فآيته هو هذا العجب العجاب الآخذ بمجامع الأفئدة والألباب من هذه الحافظة الواعية والذاكرة اليقظة التي جمعت الأخبار والآثار إلى المذاهب والأفكار إلى التحصيل والنقد والابتكار جميعًا، لا يزال يتزايد وينمو وينتظم ويتسق إلى الحد الذي جعله لا يجد ما يجده كثير من محاولي التأليف من وعورة التأليف ومشقة التوضيح والتلخيص، ومما جعله آية من آيات المواهب الإلهية العليا وسبحان الفتاح العليم الذي يهب بفضله ما يشاء لمن يشاء.

محمود فرج العقدة.

الأستاذ في كلية اللغة العربية.

ج / 3 ص -237- فهرست الجزء الثالث:

الموضوع الصفحة

الكلمة الأولى 3

أسلوب القصر 4

أسلوب الإنشاء 33

أسلوب الوصل والفصل 93

الجامع بين الجملتين 132

الجملة الحالية 141

الإيجاز والإطناب والمساواة 167

مصادر البلاغة 225

الموازنة للآمدي 228

كلمات الأساتذة 234، 235 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجنة دار الأبرار والطريق الموصل اليها

  ➌ الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. {{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِ...